زلزال اقتصادي كبير وعنيف ومتواصل وهزّات ارتدادية لا تتوقّف تضرب لبنان كلّ يوم بل حتى كلّ ساعة من ساعات النهار، فالدولار الأمريكي يواصل صعوده أمام الليرة بشكل جنوني دون أن يتمكّن أحد أن يوقفه، ومعه ترتفع أسعار كلّ شيء، ومع ارتفاعها تزداد معاناة الإنسان اللبناني خاصة أولئك الذين ما زالوا يتقاضوا رواتبهم بالليرة اللبنانية المنهارة.
خلال الساعات الماضية اقترب سعر صرف الدولار الأمريكي لأول مرّة من خمسة وسبعين ألف ليرة، ومعه ارتفع سعر المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وهي مواد أساسية وأولية بالنسبة للناس، ومع ارتفاع أسعار المحروقات ارتفعت أسعار كلّ السلع: مود الغذاء، الخضار، الفاكهة، الزيوت، مواد التنظيف، الكهرباء، ما لا يُعدّ ولا يُحصى. كما ارتفعت أسعار الأدوية، وأقساط المدارس حتى أنّ المدارس خالفت قرار الوزارة وراحت تتقاضى الأقساط بالدولار.
أمّا مؤسسات الدولة فهي في سبات عميق. الإدارة العامة تنفّذ إضراباً مفتوحاً لا يعرف أحد متى ينتهي. يمعنى آخر لا خدمات في أيّة دائرة من دوائر الدولة. الضمان الاجتماعي والصحي مقفل حتى إشعار آخر بانتظار الحلول. المدارس الرسمية مقفلة لأنّ الأساتذة ينفّذون إضراباً عن التعليم مطالبين بحقوقهم. كل شيء متوقف في هذا البلد سوى الدولار والأسعار يتحركان صعوداً نحو القمّة، والناس تنزلق نحو الهاوية.
لبنان يعيش زلزالاً اقتصادياً لم يعشه يوماً في حياته حتى في أيام الحرب المشؤومة التي مرّت عليه في منتصف سبعينات القرن العشرين. وهو بحاجة إلى دعم وفرق إسعاف اقتصادي توقف هذا الانهيار المخيف، ولكنّ يبدو أنّ العالم اليوم منشغل بالزلزال الطبيعي الذي أصاب تركيا وسوريا، ويصبّ مساعداته على المتضرّرين من الزلزال هناك، وربما العالم محقّ بذلك، فأولئك يعيشون حالة صعبة وأليمة والصورة التي تصل العالم عنهم كفيلة بتحريك الضمائر والوجدان للمساعدة. أمّا هنا في لبنان حيث الزلزال الاقتصادي فما من أحد يسمع أو يتحرك بنخوة عربية أو عالمية، ربما لأنّ اللبناني ارتضى هذا الواقع فلم يعد يصدر صوتاً ولا يُخرج صورة تعبّر عن معاناته وألمه. يبدو أنّ اللبناني ارتضى التأقلم مع هذا الزلزال الاقتصادي فلم يعد يكترث لارتفاع سعر الدولار أو غلاء الأسعار أو غياب الخدمات والحلول. ارتضى أن يكون عبداً لهذه الطغمة السياسية الحاكمة التي لم تتحرك بعد بحسّ المسؤولية وتعمل على إنهاء هذه المأساة وهذا الانهيار الزلزالي! ولذلك فهي تعطّل كلّ شيء في لبنان. تعطّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية حتى ينتظم عمل المؤسسات. عطّلت تشكيل حكومة جديدة من قبل تحت عنوان المحاصصة وتقاسم النفوذ والمواقع الطائفية. تعطّل أيّ توجّه للخروج من الأزمة تحت عنوان رهن البلد للخارج. والمأساة والانهيار ككرة ثلج تكبر كلّ يوم. والسؤال: مَن ينقذ لبنان؟
هل ينتظر اللبناني تدخلاً من الخارج ليعيد له حياة الاستقرار والهدوء ويوقف الزلزال؟ الخارج منشغل بأزماته ويعمل على تأمين مصالحه ولا يأبه لما يصيب اللبناني بغض النظر عن هذا الخارج سواء كان في الشرق أو في الغرب، ولا يظنّ أحدّ منّا أنّ هناك خارج يختلف عن الآخر.
الانقاذ والحلّ الحقيقي بأيدي اللبنانيين، وليس أولئك الذين يشغلون مواقع في السلطة. كلّا، بل في أيدي الناس البسطاء العاديين الذين آن لهم أن يخرجوا من عقدة الولاء للزعيم والطائفة والمذهب والحزب المتقوقع على ذاته، إلى رحاب الوطن حيث المساحة تتسع للجميع.