هذا مقال قديم يعود 2015 و يوضح اسباب أزمة لاسامير و الدور الأساسي لحيتان المحروقات وراء تدمير المصفاة لان العمودي اللص الذي لا يشبع اراد ابتلاع كل السوق و منافسة الاخرين على سوق توزيع المحروقات
((
أزمة «لاسامير».. الحرب الخفية بين حيتان المحروقات
عبد الله المصمودي 17 أغسطس 2015 15:16
أزمة «لاسامير» هي في الغالب الجزء الظاهر من جبل جليد حرب حيتان المحروقات في المغرب، فعلامات استفهام كبيرة بدأت تطرح نفسها في هذا الملف، خاصة في ظل رد فعل الحكومة الذي لم يرق إلى مستوى المخاوف التي عبر عنها المحللون؛
وهو أمر دفع «المساء» (ع:2758) إلى البحث في خباياه حتى تجيب عن أسئلة من قبيل: هل تعزى أزمة «لاسامير» فقط للوضعية المالية الصعبة التي تمر بها المجموعة؟ أم أن الصراع مع بعض الشركات الكبرى في تجمع النفطيين طفا على السطح وبات يهدد المصفاة الوحيدة للنفط في المغرب؟ أم أن جهات ما تسعى لوضع يدها على الشركة استعدادا لتحرير قطاع المحروقات بالكامل؟ أم فقط لأن الشركة تحاول الضغط على الحكومة للحصول على امتيازات جديدة؟
أسباب خفية وراء أزمة غير مفهومة لعملاق تكرير النفط بالمغرب
صمت مريب للحكومة واتهامات لـ«لاسامير» بممارسة الابتزاز
عبد الرحيم ندير
كان الكل يتوقع أن تشكل الأزمة الحالية لـ«لاسامير» زلزالا بكل ما للكلمة من معنى، خاصة أن الشركة لوحت بوقف نشاط تكرير المنتوجات النفطية، غير أن ما وقع خالف كل التكهنات، فالحكومة فضلت التزام الصمت تجاه القرار المفاجئ للشركة بتجميد نشاطها لتكرير البترول رغم المخاطر الاقتصادية التي كانت متوقعة لهذا القرار على الاقتصاد الوطني عموما، ما يطرح علامات استفهام حول مدى معرفة الحكومة لتفاصيل ما وقع للشركة، وحول التنسيق المفترض مع بعض المجموعات في تجمع النفطيين لضمان التزويد العادي للسوق بالمواد النفطية، وحول ما إذا كانت «لاسامير» تمارس فقط نوعا من «الابتزاز» للحصول على مزيد من المكاسب.
رد فعل الحكومة لم يكن، إذن، في مستوى المخاوف التي عبر عنها الصناعيون والمواطنون العاديون والمهتمون في حالة توقف «لاسامير» عن تزويد السوق، وانعكاسات ذلك على العديد من القطاعات الحيوية، فقد اكتفت الوزارة الوصية على قطاع الطاقة بالتواصل مع الرأي العام متطرقة لتأمين تزويد السوق المغربية بحاجياتها من المحروقات على أيدي الموزعين، وتفادت التعليق على قرار الشركة التابعة لمجموعة «كورال» السعودية.
هذا الموقف المريب جعل المحللين يطرحون تساؤلات كثيرة حول الأسباب الحقيقية لأزمة «لاسامير»؟ هل تعزى فقط للوضعية المالية الصعبة التي تمر بها المجموعة؟ أم أن الصراع مع بعض الشركات الكبرى في تجمع النفطيين طفا على السطح وبات يهدد المصفاة الوحيدة للنفط في المغرب؟ أم أن جهات ما تسعى لوضع يدها على الشركة استعدادا لتحرير قطاع المحروقات بالكامل؟ أم فقط لأن الشركة تحاول الضغط على الحكومة للحصول على امتيازات جديدة.
أزمة مالية مستمرة
خلال سنة 2012، وإبان الأزمة الأولى لشركة «لاسامير»، حل الملياردير السعودي محمد حسين العمودي مالك مجموعة «كورال» بالمغرب، والتقى بوزير الاقتصاد والمالية السابق، نزار بركة، حيث حاول إقناعه، آنذاك، بالتدخل لدى البنوك المغربية من أجل تسهيل عملية إعادة جدولة ديون الشركة، والتي بلغت مستويات مقلقة.
رئيس مجموعة «كورال» عقد، كذلك، في الإطار نفسه، لقاء مع مسؤولين بمؤسسة التجاري وفا بنك، وكان من المفروض أن يلتقي بوزير الطاقة والمعادن، إلا أن التزامات حالت دون ذلك.
زيارة العمودي إلى المغرب انتهت حينذاك باتفاق يقضي الزيادة في رأسمال «لاسامير» تحت ضغط البنوك المغربية، لكن الملياردير السعودي ظل منذ ذلك الحين يماطل، وقد نشرت «المساء» مقالا حول هذا الموضوع خلال سنة 2014.
الملياردير السعودي، سيعود مرة أخرى إلى المغرب، خلال الأيام القليلة المقبلة، كما أفادت بذلك مصادر من «لاسامير»، حيث سيجري اتصالات مكثفة من أجل إعادة روابط الثقة بين مجموعته والدولة المغربية بعدما اختلت عقب القرار الذي اتخذته الإدارة العامة للشركة بتوقيف عمليات تكرير النفط.
وتعهدت شركة «كورال» السعودية، مرة أخرى، بضخ 100 مليار سنتيم في خزائن «لاسامير»، ضمن حزمة أخرى من الإجراءات المالية رفقة شركاء ماليين.
وكانت «لاسامير» قد تكبدت خسارة صافية قياسية بلغت 3.42 ملايير درهم في 2014 بسبب إعادة تقييم المخزون بعد تراجع أسعار النفط، وفقدت أسهم الشركة في بورصة الدار البيضاء أكثر من 40 في المائة خلال سنة واحدة.
وحصلت الشركة أخيرا على قروض قيمتها 3.1 مليارات درهم (319 مليون دولار) عن طريق اتفاق مع البنك الشعبي المركزي. وقالت الشركة إن القرض هو الخطوة الثانية ضمن خطط عاجلة لإصلاح وضعها المالي، مؤكدة أنها حصلت بالفعل على 600 مليون دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة وهي وحدة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومن شركة الطاقة الكندية «فيرميليون إنرجي».
«لاسامير» تدخل عش الدبابير
يرى المحللون أن دخول «لاسامير» قطاع توزيع المحروقات عبر فرعها الجديد «شركة توزيع الوقود والمحروقات» هو السبب الرئيسي الذي عجل بالأزمة الحالية للشركة، فالشركة أعلنت سابقا أنها ستستثمر على مدى خمس سنوات ما بين 600 مليون ومليار درهم في هذا المشروع الذي يتوقع إنجاز 150 إلى 200 محطة للخدمات حتى 2017، وهو ما رأى فيه الجميع خطوة لمضايقة الشركة العملاقة «أفريقيا».
وما يؤكد هذا الطرح هو أن عمليات بيع «الغازوال» الخاصة بـ«لاسامير» توقفت منذ فترة بسبب عزوف الشركات المغربية عن اقتنائه ولجوئها إلى الاستيراد من الخارج، وذلك كنوع من الضغط على الشركة التي دخلت منذ شهور قطاع توزيع المحروقات.
وكان مسؤول من «لاسامير» أكد سابقا أن تجمع النفطيين في المغرب يخضع لضغوطات مسؤولي المجموعة المملوكة للملياردير عزيز أخنوش، في الوقت الذي وجدت فيه بعض الشركات المنضوية تحت لواء التجمع، نفسها أمام ورطة بحكم أن لا علاقة لها بالصراع الدائر بين العملاقين في مجال المحروقات.
ورغم أن المسؤول لم يشر صراحة إلى مجموعة «أفريقيا»، فإنه أكد أن شركة كبرى معروفة هي التي تقوم بهذه الحملة مع علمها بأن «لاسامير» لا تنوي منافسة أحد من خلال محطات التوزيع التي أطلقتها، خاصة أن أغلب هذه المحطات توجد خارج المجال الحضري.
حروب شرسة في التوزيع مع اقتراب التحرير الكامل للقطاع
ع.ن
لا يمكن تحليل الأزمة الحالة التي تمر منها شركة «لاسامير» دون التطرق لملف تحرير قطاع المحروقات، الذي سيمكن لا محالة من تغيير خارطة توزيع المواد البترولية في المغرب، نتيجة المنافسة التي ستشتد رحاها بين الشركات العاملة في القطاع، حيث ينتظر أن تستمر فقط المجموعات الكبرى في العمل، بينما ستضطر صغار الشركات إلى المغادرة.
هذا الأمر وقع في فرنسا عندما تم تحرير قطاع المحروقات سنة 1981، حيث تغير نسيج توزيع المواد النفطية، وتقلص عدد محطات توزيع المحروقات من 41 ألف إلى حوالي الألف فقط. فهل سيتكرر الشيء نفسه في المغرب الذي لا يضم حاليا سوى 2000 محطة للوقود تقريبا.
فاتح يناير المقبل سيكون إذن موعدا حاسما للدخول الرسمي للمغاربة إلى تحرير أسعار المحروقات، وهو ما يعني الدخول المباشر للمستهلك المغربي في مواجهة عاتية مع كبار المستوردين والموزعين وتطبيقهم لأسعار بيع محررة يغلفها هاجس الربح على حساب هذا المستهلك.
ففي دجنبر من السنة الماضية اجتمع كل من وزير الداخلية، ووزير الاقتصاد والمالية، ووزير التجهيز والنقل واللوجيستيك، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، ورئيس مجموعة النفطيين للمغرب، والمدير العام المساعد لشركة «لاسامير» من أجل التوقيع على اتفاقية التصديق على أسعار المواد النفطية بين الحكومة وموزعي المواد النفطية بهدف التوصل سنة 2015 إلى حذف الدعم الموجه لهذه المواد والتحرير الكامل للقطاع.
وحسب الاتفاق، تم تنفيذ مسطرة التصديق خلال فترة انتقالية من 1 يناير إلى 30 نونبر 2015، بعد الحذف النهائي للدعم الموجه للبنزين والفيول في فبراير 2014 والدعم الموجه للغازوال ابتداء من 31 دجنبر 2014.
رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران اعتبر أن التوقيع على هذه الاتفاقية بين الحكومة المغربية وكبار موزعي المواد النفطية سيواكب تحرير قطاع المواد النفطية السائلة، مؤكدا أن «هذا الاتفاق يأخذ في الحسبان القدرة الشرائية للمستهلكين، ومصالح المقاولات النفطية والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية».
ومن جهته، أوضح وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، أن «هذه الاتفاقية ترمي إلى الحذف النهائي لدعم المواد النفطية السائلة وتحرير السوق وإرساء الشفافية بين الموزعين لفائدة المستهلكين».
وذكر بوسعيد أن «الحكومة تنحو من خلال هذه المبادرة، نحو تحرير أسعار ثلاث مواد نفطية (الغازوال والبنزين الممتاز والفيول) بعد الحذف النهائي لدعم الغازوال، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي على الأسعار بفضل المنافسة الحرة».
وأضاف أن هذه المبادرة تندرج في إطار إصلاح صندوق المقاصة، مذكرا بأن آلية المقايسة ستنتهي مع حذف الدعم المنتظر العمل به خلال الشهور المقبلة.
أما رئيس مجموعة النفطيين للمغرب، عادل الزايدي، فقد اعتبر أن اتفاقية التصديق المذكورة ستمكن من استقرار أسعار المواد النفطية والتقليص من تكاليف المقاصة وتخفيف ميزانية الدولة، مضيفا أن هذه المبادرة تأتي في سياق انخفاض الأسعار على المستوى الدولي.
وبالمقابل، يرى مختار مرابط، الناطق الرسمي للجامعة الوطنية لعمال قطاع البترول والغاز والمواد المشابهة، أن قرار الحكومة بتحرير الأسعار، سيجعل المنافسة على أشدها بين الفاعلين في القطاع، ضاربا المثل بما وقع في فرنسا عندما أغلقت أبواب المئات من محطات الوقود التي لم تعد تساير المنافسة بعد تحرير الأسعار.
وأكد مرابط أنه بسبب الضغط على هامش ربح مسيري المحطات تم تسريح العديد من العمال، وتحت ضغط المنافسة ستعاني الشركات الكبرى من ظروف اقتصادية صعبة، مما يصعب تحقيق السلم الاجتماعي الذي كان ينعم به قطاع البترول منذ سنوات، مشيرا إلى أنه ليس من المستبعد أن نرى قريبا مشادات بين الشركات الموزعة وعمالها من جهة، وبين الشركات الموزعة ومسيري محطات الوقود من جهة أخرى.
ومن المؤشرات التي تدل على اشتداد المنافسة في القطاع على بعد شهور قليلة من التحرير الكامل أن بعض المصادر تتحدث عن أن الحرب التي تدور رحاها حاليا في قطاع توزيع المحروقات هي بالأساس بين جمال باعامر الرئيس المدير العام لـ»لاسامير» وعزيز أخنوش مالك أسهم مجموعة «أفريقيا»، وأن تجمع البتروليين في المغرب يخضع لضغوطات مسؤولي المجموعة المملوكة لوزير الفلاحة، في الوقت الذي وجدت فيه بعض الشركات المنضوية تحت لواء التجمع نفسها في ورطة، بحكم أن لا علاقة لها بالصراع الدائر بين العملاقين في مجال المحروقات.
وكانت شركة «لاسامير» قد اعتبرت أن الصراعات التي تفجرت في توزيع المحروقات، بعد دخولها إلى هذا القطاع، هي نوع من العبث، لأنها لا تستند إلى أسس سليمة، موضحة أن بعض الشركات تشن حملة شرسة ضد «لاسامير»، رافضة أن تقبل بواقع دخول الشركة إلى قطاع توزيع المحروقات.
«لاسامير».. هل انتقلت من الدولة إلى أيدي غير أمينة؟
يبدو أن ما قاله المهندس المغربي والمعارض السياسي الراحل أبراهام السرفاتي قبل 15 سنة عن خوصصة شركة «لاسامير» أصبح نبوءة تكاد تتحقق بشتى تفاصيلها. ففي عام 2002 وبخلاف كل الأصوات التي كانت تملأ الفضاء الإعلامي كان السرفاتي أول من نبه إلى خطورة تفريط الحكومة في قطاع استراتيجي كالمحروقات، والذي كانت تتكفل بتوفير منتجاته شركة «لاسامير» قبل خوصصتها.
لقد بلغ الأمر بأبراهام السرفاتي في حواره الشهير مع جريدة «ليكونوميست» إلى حد المطالبة بفتح تحقيق قضائي في طريقة تدبير وزير الخوصصة لصفقة تفويت الشركة. واتهم السرفاتي في هذا الحوار وزير الخوصصة عبد الرحمان السعيدي باتخاذ إجراءات غير قانونية في عملية تفويت الشركة، أهمها عدم حرصه على تدقيق عقد التفويت ليتطابق مع طلب العروض. وفي هذا السياق برز من تحليل السرفاتي أن أهم ما ركزت عليه الوزارة الوصية آنذاك هو معيار سعر بيع الشركة التي رسى طلب عروضها في النهاية على كورال.
لقد تبين حسب السرفاتي بعد توقيع العقد مع كورال أنه لا يتطابق بتاتا مع ما نص عليه طلب العروض من معايير تقنية. فعلى سبيل المثال كان طلب العروض ينص على أن تتكلف الشركة التي ستستحوذ على «لاسامير» بإنتاج مشتقات الوقود بنسب ومعايير محددة سواء تعلق الأمر بالبنزين أو الغازوال أو غيرهما، غير أن العقد الذي تم توقيعه مع «كورال» بعد فوزه بصفقة التفويت تجاوز كل تلك المعايير ولم يراعها بتاتا مما انعكس على جودة المنتوجات لاحقا وجعل العقد بالتالي في صالح الشركة المستحوذة أكثر من الحكومة أو المستهلك المغربي.
لقد اعتبر السرفاتي تفويت الشركة الوطنية الوحيدة لتكرير البترول بمثابة خطأ فادح، ففي فرنسا على سبيل المثال التي تتوفر على أكثر من شركة في هذا المجال يظل الجزء الأكبر منها تابعا للحكومة أو خاضعا لمعاييرها القانونية الصارمة، بالنظر إلى أن المنتوج الذي تقدمه يعتبر استراتيجيا بالنسبة لأي بلد. لقد كان الهدف الأساسي للشركة عندما كانت تحت إدارة الراحل عبد الرحيم بوعبيد بشهادة أبراهام السرفاتي هو تقديم منتوجات نفطية بأسعار أقل من الأسعار الدولية، في حين أنها أصبحت بمجرد خوصصتها تقدم منتوجات بجودة أقل وبأسعار مرتفعة.
إن ما أورده السرفاتي في تحليله الشهير لا يتنبأ فقط بالأزمة لكنه يطعن في وجودها أساسا، فبالنسبة له فإن «كورال» كانت دائما شركة تحقق أرباحا خيالية بالنظر إلى استفادتها من ولوج سهل للبترول السعودي بما يعنيه ذلك من امتيازات التزويد. وهذا ما لم يفهمه آنذاك مهندس البترول الشهير الذي اعتبر أن الشركة تحقق أرباحا فوق القانون لعدة اعتبارات أهمها أن مجموعة «كورال» لم تكن تعمل بقانون المنافسة في التزود بالمواد البترولية الخام وهو ما كان يمكنها من هوامش ربح عالية جدا بالنظر إلى أن أسعارها كانت دائما فوق الأسعار الدولية المعتمدة في سوق المشتقات البترولية. ومعالجة لهذا المشكل الذي كان دائما يجعل أسعار المشتقات مرتفعة في السوق كان السرفاتي قد اقترح أن تفرض الدولة على «كورال» رخص استيراد محددة لخام معين يناسب سعره الإمكانيات الاقتصادية والقدرة الشرائية للمستهلك المغربي حتى تصله منتوجات البترول بأسعار مناسبة على الأقل بالمقارنة مع الأسعار الدولية.
كانت قد مرت خمس سنوات على تفويت الشركة الوطنية للتكرير «لاسامير» عندما قدم أبراهام السرفاتي هذه القراءة لأوضاع الشركة ومستقبلها وقطاع التكرير وأسعاره بالمغرب. ففي سنة 1997 قررت الحكومة تفويت الشركة الوحيدة التي تمتلكها في مجال تكرير البترول للقطاع الخاص، كان ذلك في سياق مسلسل الخوصصة الذي عرفه المغرب خلال سنوات التسعينيات وتخلت خلاله الحكومة عن عدد كبير من المقاولات والمؤسسات العمومية بدعوى عدم مردوديتها أو أزمتها المالية. كما كانت هذه التفويتات بمثابة تدشين لمسلسل الليبرالية الاقتصادية. كان ثمن الصفقة أول ما أثار الانتباه حينها إذ لم يتجاوز 300 مليون دولار في حين قدر حينها الخبراء السعر الحقيقي للشركة بأكثر من ملياري دولار.
لقد قرأ الكثير من المحللين آنذاك في هذه الصفقة نوعا من الهدية للشركاء السعوديين الذين لطالما اعتبرهم المغرب حلفاء استراتيجيين يعتمد عليهم في مجال الاستثمارات والتمويل. وتداولت الأنباء حينها كيف تم تجاوز عرض كندي لشراء الشركة بمبلغ مليار دولار واستثمار حوالي 700 مليون دولار على مدى خمس سنوات. ولم تتردد بعض جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال المال العام والشفافية في إدراج صفقة تفويت «لاسامير» ضمن الصفقات التي تحوم حولها الشبهات نظرا للمبلغ الزهيد الذي حصلت عليه خزينة الدولة.
واليوم تجد الحكومة نفسها ملزمة بحل أزمة حقيقية في مجال الطاقة يمكنها أن تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني وكذا السلم الاجتماعي بالنظر إلى حساسية المنتوج الذي تقدمه المقاولة. وفي هذا الإطار لم يعد هناك محيد من التدخل المباشر للدولة من أجل إنقاذ «لاسامير» أو إعادتها إلى حضن القطاع العام مجددا عن طريق فتح خطوط تمويل أمامها كي تتمكن من معاودة نشاطها.
وعلى المستوى الاجتماعي فإن شركة «لاسامير»، التي تزود المغرب بمعظم حاجياته من مشتقات البترول إلى جانب الطاقة الكهربائية، تعاني من مشاكل مالية جد صعبة، تستدعي تدخلا عاجلا من طرف الحكومة من أجل إنقاذها وإنقاذ ما يزيد عن 1500 من اليد العاملة والأطر الذين يعملون داخل وحداتها الصناعية وفي الأنشطة التي تقوم بها في مجال التكرير والتوزيع المباشر.
والوضعية المالية الحالية جعلت شركة «لاسامير» مهددة بشكل حقيقي بالإفلاس، بسبب تفاقم المديونية التي تجاوزت 30 مليار درهم من ضمنها 20 مليار درهم على شكل قروض ومستحقات مالية للمصارف، و10 ملايير عبارة عن مستحقات لفائدة مديرية الضرائب. لقد وقفت «لاسامير» عاجزة عن اقتناء النفط الخام من الأسواق الدولية نتيجة رفض البنوك المغربية التعامل مع شركة تكرير البترول، التي يوجد مقرها الاجتماعي والصناعي بمدينة المحمدية، مما تسبب في توقف عمليات التكرير والإنتاج، مما أضحى يهدد مصالح العمال الـ1500 بشكل مباشر، دون الحديث عن مصالح 2000 شخص يعملون بشكل غير مباشر في «لاسامير».
هذه التبعات الاجتماعية والاقتصادية المترتبة عن أزمة «لاسامير» ليست سوى تراكما لسوء تدبير ملف الخوصصة، بل لاختيار الخوصصة في حد ذاته. فالمغرب الذي لم يكن يمتلك وحدة لتكيرير البترول غير تلك التي تمثلها «لاسامير» كان في غنى عن اختيار التخلي عن قطاع استراتيجي يهدد أمنه واستقراره الاقتصادي والاجتماعي ويضع مستقبل البلاد ومقدراتها في يد مستثمرين أجانب قد لا يراعون المصالح الوطنية، بقدر ما يركزون اهتمامهم على جني الأرباح وضمان تحويلها إلى الخارج، لكن الأخطر من ذلك هو أن تتخذ الشركة وبشكل مفاجئ قرار توقيف نشاطها بسبب عجزها عن استيراد المادة الخام.
ويرى بعض المحللين أن هذا القرار ليس سوى ابتزازا جديدا من الشركة من أجل الحصول على المزيد من الامتيازات الضريبية والمالية الإضافية. ومن غير المفهوم أن تلجأ الشركة إلى هذا القرار في الظرفية الحالية التي عرفت فيها أسعار البترول دوليا انخفاضا ملموسا استفادت منه خزينة الدولة، وكذا في سياق انتهت فيه الحكومة من تطبيق سياسة رفع الدعم عن المحروقات بعد انتهاء الشطر الأخير منها بتوقيف دعم الغازوال.
وفي هذا السياق يأتي تدخل بعض أصوات المعارضة على خط الأزمة ﺍﻟﻤﺎﻟﻴﺔ الخانقة ﻟﺸﺮﻛﺔ «ﻻﺳﺎﻣﻴﺮ»، والتي أدت إلى ﺗﻮﻗﻴﻒ ﺃﻧﺸﻄﺘﻬﺎ ﻟﺘﻜﺮﻳﺮ ﻭﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺆﻗﺖ، وإﻋﻼﻥ ﺇﻳﻘﺎﻑ ﺗﺪﺍﻭﻝ ﺃﺳﻬمها ﻓﻲ ﺑﻮﺭﺻﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺑﺎﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ، ﻧﻈﺮﺍ ﻟﺼﻌﻮﺑﺎﺕ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﻞ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻮﺍﺟﻬﻬﺎ ﺍﻟﺸﺮﻛﺔ، وذلك بمطالبة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران بفتح تحقيق عاجل في وضعيتها.
وعلى سبيل المثال طالب البرلماني المهدي مزواري، من الفريق الاشتراكي عن مدينة المحمدية، رئيس الحكومة بفتح تحقيق عاجل حول أوضاع الشركة ﺍﻟﻤﺤﺘﻜﺮﺓ ﻟﺘﻜﺮﻳﺮ ﺍﻟﻨﻔﻂ ﺑﺎﻟﻤﻐﺮﺏ، مخاطبا رئيس الحكومة بالقول: «لا شك أنكم واعون تمام الوعي بحساسية وخطورة الأمر، خصوصا وأنه يتعلق بمؤسسة تشكل عصب الطاقة بالمملكة».
وبعدما أوضح أن «الأوضاع الخطيرة التي تعيشها شركة «لاسامير» تنذر بعواقب وخيمة على المستويات الاقتصادية والطاقية والاجتماعية كذلك»، حذر من أزمة اجتماعية خطيرة بمدينة المحمدية باعتبار الشركة هي المشغل الأول بها»، داعيا إلى «الإنصات إلى النقابات الممثلة للعمال والانتباه إلى مطالبهم وعدم اتخاذ أي إجراء يمس عيشهم وعيش أسرهم وهو ما عبر عنه مسؤولوها في لقاءاتهم مع إدارة المؤسسة».
ﻭفي الوقت الذي ﻳﺮﻯ فيه مختصون ﻓﻲ ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻣﻌﺎﻣﻼﺕ ﺃﺳﻬﻢ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ أﻥ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﻟﺸﺮﻛﺔ «ﻻﺳﺎﻣﻴﺮ» ﻳﺠﺪ ﺗﻔﺴﻴﺮﻩ ﻓﻲ ﺍﻟﻈﺮﻓﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻷﺳﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺤﺮﻭﻗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺃﺛﺮﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻛﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﺳﻠﺒﻲ، ذهب توجه آخر إلى أن ﻫﻨﺎﻙ ﺟﺎﻧﺐ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﺳﻮﺀ ﺗﺪﺑﻴﺮ ﻭﻗﻒ ﻭﺭﺍﺀ ﺗﻔﺎﻗﻢ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﺍﻟﻤﺎﻟﻲ ﻟﻠﺸﺮﻛﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻇﻞ ﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﺍﻟﺼﺎﺭﻭﺧﻲ ﻟﻤﺪﻳﻮﻧﻴﺘﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ ﻻ ﻳﻤﻜﻨﻬﺎ ﺗﺤﻤﻠها، وهذا التوجه الثاني هو ما بنى عليه البرلماني الاتحادي مزواري مطالبه لرئيس الحكومة للتحقيق في هذا الملف.
وقالت رسالة مزواري لرئيس الحكومة «تأتي مبادرتي هذه اتجاهكم لأجل فتح تحقيق عميق حول أسباب هذا الوضع الذي ستكون له تبعات سلبية وخطيرة بتهديده المباشر للأمن الطاقي»، مشيرا إلى «أن ما تقدمه إدارة المجموعة والشركة من تبريرات للوضع مجانب للحقيقة ويخبئ في واقع الأمر تراكما من سوء التدبير المالي للمؤسسة في جانب الاستثمار».
وتساءل البرلماني المذكور عن القيمة الحقيقية للمصفاة الجديدة التي تم تقدير كلفتها آنذاك بـ 7,5 مليار درهم، واليوم يتحدثون عن أكثر من 15 مليار درهم، مؤكدا أن الشركة استفادت من عدة امتيازات وفرتها الحكومة المغربية في عهدكم وفي عهود سابقة.
وفي الوقت الذي أشار فيه البرلماني مزواري إلى أن حجم الديون المتراكمة على الشركة لفائدة خزينة الدولة تقدر بملايير الدراهم، أبدى مخاوفه من تحول الأمر إلى لي ذراع الدولة لأجل منح المزيد من التسهيلات والهدايا المالية والتدخل لإنقاذ وضع وحدهم المسؤولون عن تدبير الشركة يتحملون مسؤوليته، مجددا التأكيد على استعجالية التدخل من أجل معرفة السبب الرئيسي عن الكارثة التي نعيشها والذهاب بالتحقيق بعيدا ليشمل ما راكمه عدد من الأطراف من امتيازات مالية صارت حديث الجميع بمدينة المحمدية.
وتطرح أزمة «لاسامير» الأخيرة على الحكومة تحديات عدة أهمها تحديان رئيسيان: يتعلق الأول بضرورة استخلاص الدروس الكاملة من تجربة الخوصصة التي مرت منها الشركة والتي تبين اليوم أنها كانت مغامرة حقيقية نظرا لتفريط الحكومة في قطاع استراتيجي غاية في الخطورة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، ونظرا كذلك لكون هذه الصفقة شابها ما شابها من خروقات لم تسمح للشركة بأن تنتقل إلى أيادي أمينة تمكنها من التطور الذاتي لصالح المستثمرين، ولكن في الوقت نفسه الاستمرار في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير الاحتياجات الوطنية من المشتقات النفطية الضرورية. فقد كان من المفروض أن يستفيد المستثمرون الخواص من احتكارهم للسوق الوطني الذي يعتبر سوقا واعدا يسجل معدلات نمو مهمة سنة بعد سنة، وهذا ما يدفع إلى الاستغراب من احتمالات الإفلاس التي تتعرض لها الشركة اليوم. أما الدرس الثاني فيتعلق بخطورة عرض الحكومة لمثل هذه القطاعات الحساسة وتحويلها إلى ملكية الخواص بما يمثله ذلك من مغامرة حقيقية ومراهنة بالاستقلالية الوطنية، فهل تعود الحكومة إلى تأميم «لاسامير»؟
الدولة تخسر الملايير في تمويل احتياطيات نفطية «وهمية»
مشاريع لتطوير المخزونات غير مفعلة ومبالغ باهظة في ذمة «لاسامير» وشركات التوزيع
عبد الرحيم ندير
خلال الساعات القليلة التي تلت تلويح شركة «لاسامير» بوقف تكرير المواد النفطية، خرجت الحكومة ببلاغ تطميني حاولت فيه التقليل من خطورة هذه الخطوة، مؤكدة أن المغرب يتوفر على مخزون نفطي يعادل 30 يوما، وأن شركات التوزيع الكبرى ستضمن تزويد السوق بالمحروقات بشكل طبيعي خلال الفترة المقبلة.
هذه التطمينات الحكومية لا تجد سندا لها في الواقع، فبالعودة إلى التقرير الصادر عن المجلس الأعلى للحسابات منذ شهور، نقف على مجموعة من المعطيات التي تفيد بأن وضعية المخزونات النفطية تعرف اختلالات كبيرة، حيث تشير هذه االمعطيات إلى أن الآليات التي تم وضعها لحث الفاعلين على توسيع طاقات التخزين وإنشاء المخزونات النظامية لم يتم استعمالها بكيفية مرضية.
وحسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فإن الدولة وضعت مجموعة من التشريعات والقوانين لضمان توفر المخزونات، لكن ذلك بقي حبرا على ورق. ومن أبرز التشريعات المنصوص عليها، في حالة عدم إنشاء المخزونات المذكورة، تطبيق الغرامات والغرامات التهديدية المنصوص عليها في الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 255- 72-1 بتاريخ 22 فبراير 1973 المتعلق باستيراد مواد المحروقات وتصديرها وتكريرها والتكفل بتكريرها وتعبئتها وادخارها وتوزيعها.
أما فيما يتعلق بتمويل المخزونات الاحتياطية، فقد تقرر سنة 1976 منح خصم بنسبة 0.7 في المائة للشركات التي كونت هذه المخزونات. إلا أنه لم يتم العمل بهذا النظام التمويلي منذ إنشائه، حيث تبين أن جميع الشركات لم تحترم التزاماتها بهذا الشأن. وفي سنة 1981 تم إنشاء هامش خاص لتمويل المخزونات أدرج في تركيبة الأسعار. وقد تم تعليق العمل بهذا الهامش سنة 1997 بالنسبة للمنتجات البترولية السائلة في الوقت الذي يواصل العمل به بالنسبة لغاز البوطان.
وتقوم الوزارة المكلفة بالطاقة، بتفويض من رئيس الحكومة، بمراقبة احترام تكوين المخزونات الاحتياطية من طرف مختلف الفاعلين، حيث تتكلف هذه الوزارة شهريا بعمليات المعايرة لدى مختلف الفاعلين في القطاع.
وتبرز معطيات الوزارة المكلفة بالطاقة الخاصة بالمخزونات المتوفرة تفاوتا مهما بالمقارنة مع المستويات التي تنص عليها التنظيمات الخاصة بهذا المجال، حيث يتبين أن المخزونات المتوفرة لا تشكل مقارنة مع تلك المنصوص عليها في القانون سوى نسبة متوسطة لا تتعدى 32.3 في المائة بالنسبة للبوطان، و36.3 في المائة بالنسبة للغازوال، و48.3 في المائة بالنسبة للبنزين.
وحسب تقرير قضاة جطو تمثل طاقات التخزين عنصرا مهما لترشيد التزود من طرف الفاعلين الذين يمكنهم اغتنام الفرص التي يتيحها السوق أو انخفاض الأسعار بها. وهكذا، ففي ظل وضعية تتسم بطاقات تخزين محدودة، يصبح التزود منصبا أكثر على سد الحاجيات المباشرة للسوق الداخلية، مما قد يحد من ترشيد التوريدات في حالة انخفاض الأسعار في السوق الدولية.
ويبين تطور طاقات التخزين الخاصة بالمواد البترولية أنها لم تعرف تقدما مهما، حيث إن أغلب هذه الطاقات أنجزت سابقا، ولم يتم توسيعها إلا بشكل محدود. فبالنسبة للبوطان الذي عرفت طاقته التخزينية تقدما ملحوظا، فإن ذلك يرجع إلى الشروع في تشغيل خزان جديد تابع لشركة «سوماس» بسعة 80 ألف طن في دجنبر 2013، الأمر الذي رفع الطاقة الإجمالية لتخزين البوطان بنسبة 67 في المائة. لكن رغم هذا الاستثمار، تظل طاقات تخزين هذه المادة غير كافية.
وتبين المعطيات أن الآليات التي تم وضعها لحث الفاعلين على توسيع طاقات التخزين وإنشاء المخزونات النظامية لم يتم استعمالها بكيفية مرضية. وهكذا، فإن نظام الخصم لم يتم تفعيله، كما أن نظام الهامش الخاص بتمويل مخزونات الشركات البترولية مكن من مراكمة مبالغ مهمة دون أن يتم استثمارها في الغاية التي أحدث من أجلها، إذ منذ إرساء هذا النظام، تمكنت الشركات المذكورة من مراكمة مبلغ يتجاوز 3.08 مليار درهم إلى غاية نهاية سنة 2013، ولا تزال هذه الأموال غير المستعملة، ويمكن أن تكون مسجلة لدى الشركات المعنية كخصوم طويلة الأمد لفائدة صندوق المقاصة دون أن يتمكن هذا الأخير من استردادها.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القدرات الاستيعابية للاستقبال والتخزين في الموانئ تطرح هي الأخرى علامات استفهام كبيرة، فكما هو معلوم يتم تزويد السوق المغربي بالمواد البترولية الأساسية بواسطة مصفاة «سامير» بنسبة 42 في المائة، بينما يتم جلب الباقي عن طريق الاستيراد الذي غطى سنة 2012 حاجيات غاز البوطان بنسبة 96 في المائة والغازوال بنسبة 46 في المائة. كما يتم توزيع المواد البترولية عند خروجها من مصفاة «سامير» من طرف 15 شركة تتولى، كذلك، إنجاز معظم عمليات استيراد هذه المواد التي تتم عبر موانئ الناظور والمحمدية والجرف الأصفر وأكادير والعيون.
وبالنسبة لغاز البوطان، فإن نسبة 75 في المائة من الحاجيات يتم تلبيتها بواسطة عقود سنوية بين شركات تعبئة هذه المادة وبعض الممونين الدوليين. أما الباقي، فيتم عن طريق اقتناءات منفردة حسب عروض الممونين.
وقد أصبح استيراد هذه المواد حرا ابتداء من سنة 1995، باستثناء غاز البوطان الذي يخضع لمسطرة خاصة تتميز بتدخل الوزارة المكلفة بالطاقة من أجل تحديد الكميات المزمع استيرادها والتصديق على عقود الاستيراد.
وتتوفر الموانئ المعدة لاستقبال المواد البترولية على قدرات استيعابية لا تسمح برسو بواخر من النوع الكبير مما يشكل عائقا لنجاعة الاقتناءات ولا يمكن من تقليص نفقات النقل. وقد ترتب عن هذه الوضعية تحمل ميزانية الدولة لمبالغ متعلقة بالغرامات عن تأخير عمليات التفريغ بلغت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، 31.5 مليون درهم في 2010، و29.1 مليون درهم سنة 2011، و36.3 مليون درهم سنة 2012.
فطواكي: تكرير البترول كبد خسائر مالية لـ«لاسامير» والشركة تعيش أزمة منذ سنوات
قال إن الخوصصة لم تتم بطريقة جيدة والشركة تعرف إشكالات تدبيرية
في هذا الحوار، يكشف عمر الفطواكي، الخبير في قطاع المحروقات ومسؤول سابق بوزارة الطاقة والمعادن، عن خلفيات الأزمة المالية التي عصفت بشركة «لاسامير»، ومدى قدرتها على الاستمرار في تأمين الحاجيات الطاقية للمغرب. ويوضح الفطواكي أن إمكانية وقوع أزمة في سوق المحروقات غير مطروحة، بالنظر إلى أن الدولة المغربية يمكن أن تستعيد تدبير الشركة في حال إعلان إفلاسها.
حاوره – المهدي السجاري
– أعلنت شركة «لاسامير» قبل أيام عن توقيف العمل في وحدات الإنتاج لمدة أسبوع مع استمرار تزويد السوق بما هو متوفر في مخزون الشركة، وذلك لأسباب مالية. ما الذي يقع داخل «لاسامير»؟
* بداية أشير إلى أنه بعد رفع نظام الحماية في المغرب، كانت لدينا شركة واحدة تشتغل في هذا المجال، وهي الشركة الشريفة للبترول التي أسست سنة 1929 بمدينة سيدي قاسم. وفي السنوات الأولى للاستقلال، وبالضبط سنة 1959، تم إنشاء «لاسامير» بشراكة مع الإيطاليين، وفي ستينيات القرن الماضي تم توسيع القدرات الإنتاجية لهذه الشركة لتصل إلى 4 ملايين طن. وتزامنا مع دخول المغرب في عملية تكرير البترول، بدأنا أيضا عمليات التنقيب عن النفط إلى اليوم، مع العلم أن إنشاء «لاسامير» جاء لتأمين عمليات تموين السوق الداخلي. سارت الأمور على هذا المنوال، إلى أن جاءت الأزمة البترولية لسنة 1973، وهنا دخلت «لاسامير» في مرحلة إفلاس، مما دفع الدولة للتدخل عن طريق صندوق المقاصة، عبر مبدأ يقوم على تعويض الدولة للخسائر التي يمكن أن تنتج عن عملية التكرير. وعندما تم بيع جزء كبير من الأسهم إلى شركة «كورال» بقيت «لاسامير» تعيش نفس وضعية الأزمة المالية، رغم اتخاذ عدد من الإجراءات في إطار عملية الخوصصة، ومنها المقايسة التي كانت تضمن للأخيرة الربح من عملية التكرير. وأوضح في هذا السياق أنه في سنة 2002 كانت هناك اتفاقية مع الاتحاد الأوربي لرفع الحقوق الجمركية، بشكل جعل الشركات المغربية تستورد المواد البترولية من الخارج، وهو ما دفع «لاسامير» إلى الاحتجاج. بعد ذلك وقع حريق كبير داخل الشركة سنة 2002، وهو ما دفع الدولة إلى إعطاء الشركات المغربية الحق في استيراد المواد البترولية بما يشكل حوالي 20 في المائة من السوق المغربية، وأن تبقى نسبة 80 في المائة لـ«لاسامير». وأمام هذه المعطيات، قامت الشركات المغربية بتشييد محطات للتخزين في الجرف الأصفر وميناء طنجة المتوسطي.
– وما الذي جعل «لاسامير» تدخل اليوم في هذه الأزمة المالية الخانقة، حيث يصل حجم مديونيتها إلى 3000 مليار سنتيم؟
* المواد البترولية التي تباع في المغرب مرتبطة بسوق روتردام، إذ رغم نزول أسعار البترول فلم تنخفض أسعار الغازوال والبنزين في المغرب، وهو ما يجعل «لاسامير» تبيع هذه المواد بنفس السعر الذي تشتري به النفط من الخارج، مع إضافة التكاليف المتعلقة بالتكرير لتفادي أي خسائر في هذا المجال. لكن أؤكد أن «لاسامير» ما كان لتتكبد هذه الخسائر المالية لولا الإشكال التدبيري الذي تعرفه الشركة، لأنني لا أفهم كيف لهذه المؤسسة الكبيرة أن تظل صامتة إلى أن تصل مديونيتها إلى 30 مليار درهم، ومنها 10 ملايير درهم لفائدة الجمارك، في حين أن الأخيرة تطالب أي مواطن مغربي بأداء ما عليه فورا. وهنا أعتقد أن الوضع ظل يتأزم دون أن يبادر أي أحد لبعث إشارات تحذيرية، إلى أن وصلت الشركة إلى مرحلة تجعلها غير قادرة على توفير الاعتمادات الضرورية لشراء النفط الخام.
– لكن لماذا خرجت الشركة عن صمتها في هذا الوقت بالضبط، رغم أن الوضع بدأ يتفاقم منذ مدة؟
* هناك تحليلات مختلفة، ومنها أن الوضع وصل إلى مرحلة متقدمةّ وبالتالي لم يعد هناك دافع للسكوت، وهو أمر مؤسف لأن «لاسامير» شركة كبيرة ومن العيب أن تصل إلى مرحلة لا تستطيع معها أداء ما في ذمتها لاستيراد البترول. وهناك تحليل آخر يرتبط بالمبيعات، فالشركة تقتني البترول وتكرره، والحال أن تركيبة السوق المغربية ترتبط بشراء النفط الخام لاستخراج كميات كبيرة من الغازوال وجزء ضئيل من البنزين. وعليه فالشركة تقتني البترول الخام وعند تكريره يسجل لديها عجز مستمر بالنظر إلى إنتاج كميات إضافية من البنزين الذي يتوجب بيعه، في حين أن الأسواق القريبة من المغرب تعاني بدورها من هذا الإشكال، على اعتبار أن دول العالم تستعمل الغازوال بشكل أكبر. أضف إلى ذلك أن هناك شركات مغربية أصبحت تتوفر على خزانات خاصة بها، وهو ما يجعلها تستورد المواد البترولية الجاهزة خاصة الغازوال، بما يشكل حوالي 30 في المائة من السوق الوطنية. وبالتالي فتحليل هذه المعطيات المرتبطة بالخسائر الناتجة عن التكرير وقيام الشركات المغربية باستيراد المواد البترولية الجاهزة يؤكد أن «لاسامير» كانت ستواجه هذه الأزمة المالية.
– ألم تثبت الأزمة الأخيرة أن سوق المحروقات في المغرب أضحت مرتهنة بالقطاع الخاص في ظل ضعف أسهم الدولة في الشركة؟
* بكل صراحة ليست هناك دولة لا تتوفر على مؤسسة عمومية للتكرير، إذ أن وجود الدولة يجعلها تتحكم في تدبير الشركة. طبعا الخوصصة قرار جيد، بالنظر إلى أن عددا من دول العالم سارت على هذا المنوال، لكن يجب إسناد تدبير المؤسسة إلى خبراء لهم دراية كبيرة بالميدان وأن يتم تأسيس شركة قوية. أما عملية الخوصصة التي تمت على مستوى شركة «لاسامير» فلم تكن بطريقة جيدة، على اعتبار أن الدولة لم تبقى مساهما أساسيا، وحتى لو توفرت على 49 في المائة من الأسهم فإن صوتها سيبقى غير مسموع. لكن رغم كل هذه المعطيات، فالدولة المغربية قوية ولا يمكن لأحد أن يفرض تصوراته الشخصية عليها، فحتى لو أفلست «لاسامير» فيمكن للدولة أن تتدخل.
– أليست هناك مخاوف أزمة خانقة لقطاع المحروقات في حال إفلاس «لاسامير»؟
* اليوم تتوفر «لاسامير» على خزانات ستمكننا من تزويد السوق الداخلي بشكل جيد، حتى وإن أفلست وعادت الشركة إلى الدولة، وبالتالي هذا المشكل المتعلق بإمكانية حدوث أزمة خانقة غير مطروح. بيد أنه أمام هذه المشاكل، أؤكد أن التكرير على مستوى مختلف دول العالم فيه خسارة، وليست هناك شركة للتكرير تسجل أرباحا. كما أنني أشير إلى أن «لاسامير» دفعت بأفضل الأطر المغربية في مجال التكرير إلى اتخاذ قرار المغادرة الطوعية، ومنحتهم تعويضات مهمة، مقابل تشغيل الشباب الذين لا يتوفرون على خبرة كبيرة في هذا المجال. ))