تصريحات محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، في أول حديث إعلامي مباشر منذ توليه منصبه، أثارت ردود فعل متباينة، بعد مطالبته بفك ارتباط الجنيه بالدولار، وإنشاء مؤشر للجنيه المصري أمام الذهب والعملات الأجنبية الأخرى.
خلال كلمته، في جلسة السياسات النقدية، التي عقدت على هامش فعاليات المؤتمر الاقتصادي، طالب عبد الله، يوم الأحد، بضرورة تغيير "فكر" ربط الجنيه بالدولار "احنا نفهم مثلًا أن الدول التي تصدر البترول عملتها تكون مربوطة بالدولار.. أمريكا مهياش الشريك التجاري الأساسي، مش شايف ليه في مخ الناس مربوطة بالدولار".
تصريحات يراها هاني جنينة، المساعد السابق لوكيل البنك المركزي، والمحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، تحمل خبرا آخر غير ارتباط الجنيه بالدولار مؤكدا في اتصال هاتفي مع "الساحة" أنها "تصب في حاجة واحدة فقط هو تحرير سعر الصرف القادم تحرير كلي".
وأضاف جنينة لـ"الساحة" أن محافظ البنك المركزي كان يريد توضيح أن التركيز على عملة واحدة يعطي انطباع ساعات خاطئ بأن العملة ضعيفة أو قوية، مضيفًا أن مدلول التصريح في رأيه أن "الناس تبتدي تدريجيا تنسى موضوع إنها لازم تصحى تلاقي الدولار بسعر معين طول العمر وخلاص".
في المقابل رحب هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، بالرسالة المباشرة لتصريحات محافظ البنك المركزي، وقال عبر صفحته الشخصية في فيسبوك "لا داعى لربط الجنيه المصرى بالدولار، وإنما بسلة عملات، حيث فقدنا الكثير من قدرتنا التنافسية مؤخراً بسبب ارتفاع قيمة الجنيه أمام اليورو والاسترليني وباقي عملات شركائنا التجاريين".
▪ ويعد الدولار الأمريكي، عملة الاحتياطي النقدي في العالم، إذ تمتلك العديد من الدول احتياطيات نقدية أجنبية مقومة بالدولار الأمريكي، وتربط أكثر من 65 دولة حول العالم، عملاتها الرئيسية بالدولار الأمريكي، بينما تستخدم 11 دولة الدولار، كعملة رئيسية رسمية في التعاملات التجارية اليومية، وفقًا لموقع "انفيستوبيديا".
وأعلن عبد الله عن عمل البنك المركزي لإطلاق "مؤشر الجنيه المصري"، لقياس الجنيه أمام عدد من العملات إلى جانب الذهب، وطالب محافظ البنك المركزي بتغيير فكر وثقافة ربط الجنيه أمام الدولار، مضيفًا أن "عملتنا زادت عن الليرة التركية 100%، زادت عن الإسترليني، زادت عن اليورو، بس الناس ما بتشوفش ده كله".
ويرتبط الجنيه المصري، بالدولار الأمريكي، منذ عام 1962، عندما تم تحديد سعر صرف الجنيه أمام الدولار، على أساس 2.3 دولار للجنيه، خلال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض، وذلك بعد عقود ممتدة من ربط العملة المصرية بالعملة البريطانية (الجنيه الإسترليني)، ومن وقتها ظلت العملة مرتبطة بالدولار.
▪ ويتوقع جنينة قيام المركزي بإطلاق مؤشر آخر، وهو سعر الصرف الحقيقي (REER)، والذي لا يقتصر على مقارنة أسعار الصرف الاسمية مثل المتواجدة على شاشة سعر الصرف بالبنوك، ولكن بإضافة فوارق التضخم في المعادلة، ويرى جنينة أن هذا المؤشر "أكثر اهمية"، وهو ما سيمكن متابعيه بصورة لحظية من معرفة "هل الجنيه المصري مقوم بقيمته العادلة أو مرتفع أو منخفض عن قيمته العادلة".
في المقابل يرى جودة عبد الخالق وزير التضامن الأسبق والمفكر الاقتصادي، والذي يشغل منصب عضو مجلس الأمناء بالحوار الوطني، في اتصال هاتفي مع "الساحة" أن فك ارتباط الدولار بالجنيه "ليس بدعة"، مشيرًا إلى أنه طالب بتطبيقه منذ 15 عامًا، لأن لابد أن يعكس سعر صرف العملة قيمتها الحقيقية في التعاملات الدولية، بمعنى القيمة التي تعادل التكلفة في الداخل والتكلفة بالخارج، مضيفًا أن النظام الحالي المعمول به، بيتم تحديد الجنيه أمام الدولار بقرار من البنك المركزي، مع قيامه بالتدخل لاستقرار هذا السعر.
وتعود فكرة فك ارتباط الجنيه بالدولار إلى 23 عامًا تقريبًا، عندما تقدم حسن عباس زكى، وزير الإقتصاد الأسبق خلال فترة الستينيات، بمقترح لحكومة عاطف عبيد، سنة 1999، وبالتحديد مع صدور العملة الأوروبية الموحدة "اليورو"، لتنويع سلة العملات المشكلة للاحتياطي النقدي بالبلاد، للإحاطة من مخاطر تقلب العملات الأجنبية، وهو ما أثار حينها جدل في الصحف المصرية آنذاك بين مؤيد ومعارض، قبل أن ينفي وزير الاقتصاد في ذلك الوقت، يوسف بطرس غالي، عزم الحكومة تطبيقه.
وفقد الجنيه نحو 23% من قيمته أمام الدولار الأمريكي، منذ بداية العام الجاري، وفيما يتعلق بتصريحات محافظ البنك المركزي، من مساهمتها في إمكانية إيقاف تدهور الجنيه المصري، يرى جودة أن هناك عوامل أخرى، تساهم في تحديد سعر العملة بناء على معاملات مع الخارج، عندما تصبح الصادرات أكبر من الواردات من الخارج، وهو غير متحقق في الوقت الحالي، ربما لن تستطيع إيقاف تدهور الجنيه في مواجهة العملات الأخرى، لأن قوة الإنتاج على زيادة الصادرات والحد من الواردات ضعيفة، لكن المؤكد أن سيقل مدى ضعف الجنيه عن وضعه الحالي، إلا أن تحدث أشياء اخرى تمكننا أن تكون صادراتنا أكبر من وارداتنا.