رد: مخاوف أمنية وراء رفض مبارك الجسر البري بين مصر والسعودية
جسر السعودية ـ مصر .. رؤية اقتصادية
د. أمين ساعاتي
يبدو أن مشروع الجسر بين السعودية ومصر لن يضيع وسط الضجيج الإعلامي الذي تجاذب هذا المشروع في كلا البلدين برؤى غير موضوعية لسبب بسيط هو أن هذا المشروع من المشاريع الحيوية المهمة للأمة العربية بكاملها.
قرأت تقريبا الكثير من المقالات التي كتبت عن الجسر الذي كان مقررا إقامته بين شرق وغرب البحر الأحمر سواء في الصحف السعودية أو الصحف المصرية، وللأسف فإن الكثير مما كتب لم يكن في المستوى الذي يضع القارئ المتابع في قلب الحدث، حتى البرامج الفضائية التي ناقشت المشروع إنما ناقشته برؤية سطحية أو نزعات سياسية شوهت الأهداف المتوخاة من المشروع المهم جدًّا.
بالنسبة إلى المقالات التي نشرت في الصحف المصرية أخذت اتجاهين، الأول: مقالات نشرت في الصحف القومية وكانت تدافع جميعها عن الموقف الحكومي الذي عبر عنه الدكتور مفيد شهاب وزير مجلسي الشعب والشورى, الذي قال إن المشروع يتعلق بالأمن القومي المصري ويحتاج إلى الحيطة والحذر ومزيد من الدراسة والبحث.
وإزاء هذا التصريح فلا أتصور أن الحيطة والحذر من الجانب السعودي شيء مطروح في مجمل العلاقات السعودية ـ المصرية، فالدولتان تتمتعان بعلاقات دافئة حميمة لم يسبق لها مثيل على كل المستويات والصعد.
ولكن المقالات التي نشرت في صحف المعارضة اتخذت موقفا معارضا لموقف الصحافة الحكومية في مصر، وطالبت بسرعة الموافقة على تنفيذ المشروع لأن فائدته – كما قالت صحف المعارضة- في صالح مصر أكثر من السعودية.
هذا عن موقف الصحافة المصرية بشقيها الحكومي والمعارضة، أما الموقف من بعض الصحافيين السعوديين فقد كان الاهتمام ببناء الجسر متواضعا ولم يكتب عنه إلا القليل من الكتاب، وأذكر أن أحدهم قال إن المخاطر التي ستنجم عن بناء الجسر أكثر من الفوائد وأنه يجدر عدم التسرع في تنفيذ المشروع درءًا لهجوم العمالة المصرية على أسواق العمل في السعودية.
طبعا هذا الكلام يفتقر إلى أبسط قواعد الإحاطة والمعرفة، فالمشروع يجب أن ينظر إليه من خلال منظومة متكاملة من المصالح المشتركة، ولا يجب النظر إليه كما لو كان عملية ربط بين ساحلين، ولذلك إذا وضعنا المشروع داخل إطار مشروع السوق العربية المشتركة، فإن فوائد المشروع لن تقتصر على الدولتين السعودية والمصرية بل ستعم فوائده جميع الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية.
إن دخول العمالة من الخارج سواء بنينا الجسر أم لم نبنه مرتبط بمجموعة إجراءات تنص عليها نظم العمل والجوازات والحج والعمرة ونظم التأشيرات والكفالات, وهي نظم استطاعت – إلى حد ما - ضبط دخول العمالة الأجنبية إلى سوق العمل السعودية، أي أن أبواب وممرات وموانئ المملكة مشرعة – قبل الجسر- لكل أنواع العمالة القادمة إلى السوق السعودية بالطرق النظامية، ولذلك فإن الإجراءات المطبقة قبل بناء الجسر هي التي يستمر تطبيقها – بعد اتفاق الدولتين - بعد بناء الجسر.
ولا أتصور أن بناء الجسر البري سيلغي هذه النظم بل أجزم أن بناء الجسر سيشدد على زيادة القيود وتطبيق مزيد من الإجراءات لمزيد من الضبط.
إذن المهم بالنسبة إلى الجسر هو البعد الاقتصادي، فالجسر يساعد على تدفق السلع والخدمات والعمالة بتكلفة متدنية وسرعة فائقة ليس بين السعودية ومصر فقط، ولكن بين الدول العربية كافة من شمال إفريقيا حتى دول الخليج العربية.
إن مشروع بناء جسر يربط ساحلي البحر الأحمر لم يكن مشروعا وليد اللحظة بل هو مشروع جرى بحثه بين الدولتين منذ أكثر من 20 عاما وكانت مصر تطالب به وتلح على تنفيذه، وأذكر وأنا وزير مفوض لدى جامعة الدول العربية أن الجامعة العربية تدخلت في المداولات وطالبت الدولتين باستحثاث الخطى لتنفيذ المشروع لما له من فائدة مباشرة وقوية على مشروع السوق العربية المشتركة.
وفي مؤتمر القمة العربي الذي عقد في تونس 2003 أصدر الملوك والرؤساء والأمراء قرارا بتنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي بنهاية عام 2015 وتنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة وإنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بالسوق مع حلول عام 2020.
وفي قمة الرياض 2007 الناجحة جدا اعتمدت القمة الكثير من القرارات المهمة على صعيد العمل الاقتصادي المشترك، وأكدت القمة ضرورة المضي قدمًا في تنفيذ برنامج الاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة.
إن مشروع السوق العربية المشتركة يتشكل من ثلاثة أضلاع، الضلع الأول منطقة التجارة العربية الحرة وبدأ عام 1992 وانتهى عام 2002 وحقق نجاحات لم يتوقعها أغلب المتفائلين.
أما الضلع الثاني لمشروع السوق العربية المشتركة فهو مشروع الاتحاد الجمركي الذي سينتهي العمل منه عام 2015، وتؤكد المؤشرات أن هذا المشروع سيحقق نجاحات كبيرة كما تحقق لمشروع منطقة التجارة العربية الحرة، ولذلك فإن معدلات التبادل التجاري بين الدول العربية ارتفع من 8 في المائة عام 1992 إلى 23 في المائة عام 2002.
ولذلك المتوقع أن تصل الاقتصادات العربية إلى مرافئ الضلع الثالث وهو السوق العربية المشتركة عام 2020 دون أي عوائق أو موانع. وعند ذلك التاريخ تصبح الأسواق العربية سوقًا واحدة يسوح في ربوعها المواطن العربي ويبيع ويشتري ويعمل في أي من الدول الـ 22.
وواضح مما سبق أن الوطن العربي في أمس الحاجة الآن إلى جسر يربط الساحل الشرقي في السعودية بالساحل الغربي في مصر، وسيلعب هذا الجسر دورًا رئيسيًّا في سهولة وسيولة السلع والخدمات والعمالة والرساميل بين الدول العربية الموقعة على اتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة ابتداء من دول شمال إفريقيا التي تزخر بالأيدي العاملة المدربة وحتى دول الخليج التي تتمتع برساميل عالية الأرقام، ولذلك نتوقع أن يكون الجسر رمانة منظومة السوق العربية المشتركة.
رابط
جسر السعودية ـ مصر .. رؤية اقتصادية
د. أمين ساعاتي
يبدو أن مشروع الجسر بين السعودية ومصر لن يضيع وسط الضجيج الإعلامي الذي تجاذب هذا المشروع في كلا البلدين برؤى غير موضوعية لسبب بسيط هو أن هذا المشروع من المشاريع الحيوية المهمة للأمة العربية بكاملها.
قرأت تقريبا الكثير من المقالات التي كتبت عن الجسر الذي كان مقررا إقامته بين شرق وغرب البحر الأحمر سواء في الصحف السعودية أو الصحف المصرية، وللأسف فإن الكثير مما كتب لم يكن في المستوى الذي يضع القارئ المتابع في قلب الحدث، حتى البرامج الفضائية التي ناقشت المشروع إنما ناقشته برؤية سطحية أو نزعات سياسية شوهت الأهداف المتوخاة من المشروع المهم جدًّا.
بالنسبة إلى المقالات التي نشرت في الصحف المصرية أخذت اتجاهين، الأول: مقالات نشرت في الصحف القومية وكانت تدافع جميعها عن الموقف الحكومي الذي عبر عنه الدكتور مفيد شهاب وزير مجلسي الشعب والشورى, الذي قال إن المشروع يتعلق بالأمن القومي المصري ويحتاج إلى الحيطة والحذر ومزيد من الدراسة والبحث.
وإزاء هذا التصريح فلا أتصور أن الحيطة والحذر من الجانب السعودي شيء مطروح في مجمل العلاقات السعودية ـ المصرية، فالدولتان تتمتعان بعلاقات دافئة حميمة لم يسبق لها مثيل على كل المستويات والصعد.
ولكن المقالات التي نشرت في صحف المعارضة اتخذت موقفا معارضا لموقف الصحافة الحكومية في مصر، وطالبت بسرعة الموافقة على تنفيذ المشروع لأن فائدته – كما قالت صحف المعارضة- في صالح مصر أكثر من السعودية.
هذا عن موقف الصحافة المصرية بشقيها الحكومي والمعارضة، أما الموقف من بعض الصحافيين السعوديين فقد كان الاهتمام ببناء الجسر متواضعا ولم يكتب عنه إلا القليل من الكتاب، وأذكر أن أحدهم قال إن المخاطر التي ستنجم عن بناء الجسر أكثر من الفوائد وأنه يجدر عدم التسرع في تنفيذ المشروع درءًا لهجوم العمالة المصرية على أسواق العمل في السعودية.
طبعا هذا الكلام يفتقر إلى أبسط قواعد الإحاطة والمعرفة، فالمشروع يجب أن ينظر إليه من خلال منظومة متكاملة من المصالح المشتركة، ولا يجب النظر إليه كما لو كان عملية ربط بين ساحلين، ولذلك إذا وضعنا المشروع داخل إطار مشروع السوق العربية المشتركة، فإن فوائد المشروع لن تقتصر على الدولتين السعودية والمصرية بل ستعم فوائده جميع الدول العربية الأعضاء في الجامعة العربية.
إن دخول العمالة من الخارج سواء بنينا الجسر أم لم نبنه مرتبط بمجموعة إجراءات تنص عليها نظم العمل والجوازات والحج والعمرة ونظم التأشيرات والكفالات, وهي نظم استطاعت – إلى حد ما - ضبط دخول العمالة الأجنبية إلى سوق العمل السعودية، أي أن أبواب وممرات وموانئ المملكة مشرعة – قبل الجسر- لكل أنواع العمالة القادمة إلى السوق السعودية بالطرق النظامية، ولذلك فإن الإجراءات المطبقة قبل بناء الجسر هي التي يستمر تطبيقها – بعد اتفاق الدولتين - بعد بناء الجسر.
ولا أتصور أن بناء الجسر البري سيلغي هذه النظم بل أجزم أن بناء الجسر سيشدد على زيادة القيود وتطبيق مزيد من الإجراءات لمزيد من الضبط.
إذن المهم بالنسبة إلى الجسر هو البعد الاقتصادي، فالجسر يساعد على تدفق السلع والخدمات والعمالة بتكلفة متدنية وسرعة فائقة ليس بين السعودية ومصر فقط، ولكن بين الدول العربية كافة من شمال إفريقيا حتى دول الخليج العربية.
إن مشروع بناء جسر يربط ساحلي البحر الأحمر لم يكن مشروعا وليد اللحظة بل هو مشروع جرى بحثه بين الدولتين منذ أكثر من 20 عاما وكانت مصر تطالب به وتلح على تنفيذه، وأذكر وأنا وزير مفوض لدى جامعة الدول العربية أن الجامعة العربية تدخلت في المداولات وطالبت الدولتين باستحثاث الخطى لتنفيذ المشروع لما له من فائدة مباشرة وقوية على مشروع السوق العربية المشتركة.
وفي مؤتمر القمة العربي الذي عقد في تونس 2003 أصدر الملوك والرؤساء والأمراء قرارا بتنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي بنهاية عام 2015 وتنفيذ مشروع السوق العربية المشتركة وإنهاء جميع الإجراءات المتعلقة بالسوق مع حلول عام 2020.
وفي قمة الرياض 2007 الناجحة جدا اعتمدت القمة الكثير من القرارات المهمة على صعيد العمل الاقتصادي المشترك، وأكدت القمة ضرورة المضي قدمًا في تنفيذ برنامج الاتحاد الجمركي والسوق العربية المشتركة.
إن مشروع السوق العربية المشتركة يتشكل من ثلاثة أضلاع، الضلع الأول منطقة التجارة العربية الحرة وبدأ عام 1992 وانتهى عام 2002 وحقق نجاحات لم يتوقعها أغلب المتفائلين.
أما الضلع الثاني لمشروع السوق العربية المشتركة فهو مشروع الاتحاد الجمركي الذي سينتهي العمل منه عام 2015، وتؤكد المؤشرات أن هذا المشروع سيحقق نجاحات كبيرة كما تحقق لمشروع منطقة التجارة العربية الحرة، ولذلك فإن معدلات التبادل التجاري بين الدول العربية ارتفع من 8 في المائة عام 1992 إلى 23 في المائة عام 2002.
ولذلك المتوقع أن تصل الاقتصادات العربية إلى مرافئ الضلع الثالث وهو السوق العربية المشتركة عام 2020 دون أي عوائق أو موانع. وعند ذلك التاريخ تصبح الأسواق العربية سوقًا واحدة يسوح في ربوعها المواطن العربي ويبيع ويشتري ويعمل في أي من الدول الـ 22.
وواضح مما سبق أن الوطن العربي في أمس الحاجة الآن إلى جسر يربط الساحل الشرقي في السعودية بالساحل الغربي في مصر، وسيلعب هذا الجسر دورًا رئيسيًّا في سهولة وسيولة السلع والخدمات والعمالة والرساميل بين الدول العربية الموقعة على اتفاقية إنشاء السوق العربية المشتركة ابتداء من دول شمال إفريقيا التي تزخر بالأيدي العاملة المدربة وحتى دول الخليج التي تتمتع برساميل عالية الأرقام، ولذلك نتوقع أن يكون الجسر رمانة منظومة السوق العربية المشتركة.
رابط