لماذا نهتم بدراسات القوّة الجوّية؟
بالرغم من أهمية القوّة الجويّة في تحديد معالم وأسباب الهزيمة في الحروب العربيّة- الصّهيونيّة المتتالية، وكذلك أهميتها ومركزيتها في البُنية العسكريّة الأمريكية، إلا أن دراستها ودراسة مختلف الأبعاد العسكريّة اتخذّت مقعداً خلفياً وانحسرت أمام تأويلاتٍ ثقافيةٍ-اجتماعيةٍ للهزائم العربيّة.
وقد بدأ الكثيرون بجلد الذات واتهام الواقع الحضاريّ العربيّ والإسلاميّ. وعليه، تعددت الأجوبة ما بين “الإسلام هو الحل” إلى أجوبةٍ اتخذت من الماركسية أو الليبرالية، أو غيرها من أيديولوجيات الثّورة الصّناعيّة والحداثية وما تبعها، ملاذاً لكيفية الخروج من “الأزمة” الحضاريّة الإسلاميّة والعربيّة، وذلك في محاولة تأطير الهزيمة بما يتسق مع المشاريع الأيديولوجية والسّياسية للأقطاب المختلفة في السّاحة العربيّة والإسلاميّة.
وبعيداً عن أهمية بعض هذه النّقاشات، إلا أنها بالكاد تتطرق إلى أسباب الفشل العسكريّ، والتي تكمن في بعض الأحيان في بساطة تشغيل الدّبابة السّوفيتية، أو التّوزيع الجغرافيّ للقواعد العسكريّة المصريّة، أو فشل الرادار في رصد القوّة الجويّة الصّهيونيّة المعتدية، أو تمكُّن العدوّ من اختراق مراكز صنع القرار العسكريّ المصريّ في حرب 1967، أو فشل العرب في اختراق العدوّ معرفيّاً واستخباراتياً، أو أنها – أي أسباب الفشل – لها علاقة بفعالية القوّة الجويّة الصّهيونيّة أمام نظيراتها العربيّة.
وتهدف القوّة الجويّة الصّهيونيّة بالأساس إلى شلّ “الإرادة” الاجتماعيّة للاستمرار في المقاومة، وإن اختلفت في واقع الأمر أهدافها العسكريّة، وتنوعت اتساعاً أو كثافةً أو امتداداً. والتّعويل المفرط على القوّة الجويّة هو في نهاية الأمر محاولةٌ لتخفيف التّوتر ما بين ضرورة الحرب في الأيديولوجيا الصّهيونيّة، وبين التّكلفة الباهظة للحروب البريّة، وخاصةً أعداد القتلى في صفوف الجنود.
من هنا، فإن دراسة الحروب الجوّيّة ومداخلها النّظرية، والاطلاع على التّغيرات التّكنولوجية والعملياتية، هي خطوةٌ بالغةُ الأهمية في محاولة فهم وتفكيك آليات التّحكم الاستعماريّة، وطرق وسبل مواجهتها المختلفة. إن دراسة وتفكيك نظريات القوّة الجويّة وأنظمتها، وتحديد معالمها وأهدافها وطبيعية ومستقبلها، وكثافة الاستهداف الصّهيونيّ في غزة أو لبنان، وابتكار أساليبَ مدنيةٍ وعسكريّةٍ في مواجهة وتحييد القوّة الجويّة، قد يشكل الفرق ما بين الهزيمة والانتصار في حروب الكيان الجديدة، خاصّةً أن حروب اليوم هي حروب الإرادة والنّفس أساساً.