الدول الصغيرة والهيمنة الإقليمية
في بداية القرن العشرين بسطت الإمبراطورية البريطانية سلطتها على تعداد سكاني يقارب 412 مليون شخص أي حوالي 23% من سكان العالم في ذلك الوقت، وغطت في سنة 1920 مساحة 35,500,000 كـم2 أي تقريبا 24% من مساحة الكرة الأرضية، حتى لقبت في أوج هيمنتها "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، نظراً لأن الشمس كانت مشرقة دائماً على أراضيها. وتعد بريطانيا جزيرة رغم أن مساحتها ضعف مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة ثلاث مرات تقريباً، ولكنها تبقى جزيرة لأنها أرض يابسة محاطة بالمياه من جميع الاتجاهات رغم كبر مساحتها. ومن ناحية أخرى، تعتبر إسرائيل صغيرة جداً جغرافياً، حيث تعادل مساحتها ثلث مساحة دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنها تعتبر قوة إقليمية في منطقة غرب آسيا، بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية وإيران، وذلك بناء على رأي المحللين والأكاديميين والخبراء في العلاقات الدولية. كيف استطاعت إسرائيل تحقيق تلك الهيمنة الإقليمية؟ وكيف استطاعت الجزيرة البريطانية من أن تصبح إمبراطورية يعتبرها الكثيرون من أعظم الإمبراطوريات على مر العصور والأزمنة؟ وهل هذا يعني بأنه باستطاعة الدول الصغيرة أن تصبح قوى مؤثرة ومهيمنة حتى وإن كان على المستوى الإقليمي؟
الدول الصغيرة
أختلف الكثيرون على مفهوم الدولة الصغيرة وتعريفها، خاصة وأن هذا المفهوم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأبعاد عديدة تؤثر تأثيراً مباشراً عليه كالبعد العسكري والسياسي والاقتصادي والجغرافي والاجتماعي، بالإضافة إلى تباين الطرق التي يتبعها الباحثون والاستراتيجيون الذين قد يتعمد بعضهم أحياناً إلى استخدام بعض المصطلحات والمسميات مثل الربيع العربي، والشرق الأوسط، والدول الفاشلة والدول العظمى، وذلك لخلق نوع من النظام الفكري السيكولوجي الخادع لنشر نوع من الفوضى بين دول العالم. لكن مما لا شك فيه أن معظم الدول الصغيرة تفتقر للعمق الجغرافي أي أن مساحتها الجغرافية محدودة نسبياً مقارنة بباقي الدول، لذلك تجد نفسها مضطرة أحياناً للدخول في تحالفات إقليمية أو اتفاقيات أمنية ودفاعية مع دول كبرى ذات نفوذ عالمي أكبر، الأمر الذي سينعكس حتماً على سياساتها الخارجية، وعلى تعاملها مع النظام العالمي. أما الأمم المتحدة، فقد عرّفت الدولة الصغيرة بأنها "كيان صغير جداً في مساحته، وعدد سكانه، وموارده البشرية والاقتصادية"، دون تحديد واضح لهذا الصِّغر أو الكِبّرْ.
الهيمنة الإقليمية
هو اصطلاح يستخدم لوصف دولة ما لديها القدرة في التأثير على منطقة جغرافية أو إقليم محدد. أي قدرة الدولة في التأثير على المستوى الإقليمي. وفي تعريف آخر هي "دولة تنتمي إلى منطقة محددة جغرافياً، وتهيمن على هذه المنطقة من الناحية الاقتصادية والعسكرية، وقادرة على ممارسة الهيمنة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، وقادرة على الاستفادة من موارد الطاقة ومعترف بها أو حتى مقبولة كمنطقة إقليمية من قبل جيرانها. ونستطيع أن نعرف الهيمنة الإقليمية على أنها قدرة الدولة على التأثير في الدول الأخرى ضمن الإقليم لتنفيذ رغباتها حتى وإن تعارضت تلك الرغبات مع الدول الأخرى.
إسرائيل
استطاعت إسرائيل امتلاك السلاح النووي منذ بداية الستينيات بمساعدات من بعض الدول العظمى رغم اتباعها لسياسة "التعتيم النووي"، وهي من إحدى الدول التي لم توقع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) ، وسواء أكانت إسرائيل تمتلك السلاح النووي أم لا، فقد استطاعت أن تخلق نوع من أنواع الردع الاستراتيجي لجميع الدول المحيطة بها من جميع الاتجاهات، ولكن هل امتلاك السلاح النووي يكفي لتحقيق الهيمنة الإقليمية؟ قد يتفق البعض على ذلك، ولكنه في واقع الأمر لم تستخدم أية دولة في العالم السلاح النووي بعد الحرب العالمية الثانية رغم حدوث العديد من الحروب والصراعات والأزمات على المستوى العالمي، نستنتج من ذلك أن السلاح النووي قد يستخدم في حال وجود حرب عالمية فقط. لأن المجتمع الدولي رغم اختلاف مصالحه سيرفض رفضاً تاماً استخدام هذا النوع من الأسلحة، والدليل على ذلك ردة الفعل الدولية تجاه جميع استخدامات أسلحة التدمير الشامل الأقل ضرراً مثل الأسلحة الكيميائية التي استخدمت ضد الأكراد في العراق، وفي الحرب السورية الجارية. إذاً، إسرائيل دولة صغيرة جغرافياً ومؤثرة إقليمياً ليس بسب امتلاكها للسلاح النووي فقط. من ناحية أخرى، لو استثنينا مصالح بعض الدول الكبرى من ضرورة وجود إسرائيل في جسد العالم العربي لأسباب دينية وسياسية واقتصادية، وسلطنا الضوء على الإنفاق الإسرائيلي على البحث العلمي والتطوير من إجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ 4.25 % لوجدنا أن هذا الإنفاق يعد الأعلى على مستوى العالم، بينما بلغ الإنفاق في دولة الإمارات العربية المتحدة على البحث والتطوير لعام 2017 أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي ويعد الأعلى على مستوى الوطن العربي.
من ناحية أخرى، تفتقر إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي كحال لدول الصغيرة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والعديد من الدول الأخرى نظراً لصغر مساحتها الجغرافية. ورغم أنها خاضت العديد من الحروب، إلا أن جميع تلك الحروب كانت خارج نطاق موقعها الجغرافي، لأن أي حرب على أراضيها ستتبعه نتائج كارثية.
إن امتلاك قدرات عسكرية فاعلة ومؤثرة ورادعة، والتركيز على الاستثمار في البحث العلمي والتطوير والقوة البشرية الوطنية سيساهم كثيراً في بناء قدرة الدولة الشاملة. وإن اضطرت الدولة لخوض أي نوع من الحروب، عليها أن تسعى لخوضها خارج نطاق موقعها الجغرافي. وتدخل الدول عادة في الحروب لحماية مصالحها الوطنية وعندما تكون الفوائد أكبر من الخسائر المتوقعة.
الإمبراطورية البريطانية
يعد الموقع الجغرافي لبريطانيا أحد العوامل الرئيسية الذي ساعدها للتحول إلى إمبراطورية بحكم كونها جزيرة رغم كبر مساحتها. كان البحر الوسيلة الوحيدة للتواصل مع العالم المحيط، حيث كانت السفن في ذلك الوقت تجلب بعض السلع والاحتياجات الأساسية للعيش، وقد وجدت الدولة نفسها مجبرة لتلبية تلك الاحتياجات للحفاظ على الأمن والاستقرار، وقد توسع نطاق إبحار تلك السفن من القارة الأوروبية القريبة ليصل إلى القارة الإفريقية، ومن ثم إلى دول شرق آسيا والقارة الآسيوية وقارة أمريكا الجنوبية. وقد احتاجت السفن أنداك إلى مناطق تزويد أمامية لمواصلة الإبحار، الأمر الذي خلق العديد من المستعمرات البريطانية لإعادة تزويد السفن على خارطة تلك المناطق. وقد يعتقد البعض بأن تلك السفن كانت تستخدم فقط لجلب المواد الغذائية والسلع الأخرى، ولكنها كانت تحتك بحضارات أخرى سبقتها بآلاف السنين مثل الحضارة الإسلامية والفارسية والهندية. أي أن الكثير من العلوم والحرف والثقافات تم استقدامها من الخارج، الأمر الذي أسهم كثيراً في تقدم الإمبراطورية البريطانية. أجل كان الموقع الجغرافي عاملاً مهماً، ولكن لولا وجود الإرادة السياسية في تلك الجزيرة التي قررت أن تستثمر في بناء السفن بحكم موقعها الجغرافي، لما أصبحت إمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
إن التوسع الجغرافي وبناء قواعد عسكرية واقتصادية أمامية في بعض مناطق الاهتمام ضمن الإقليم والتحكم بالممرات المائية الاقتصادية وإدارة الموانئ يسهم كثيراً في دعم القدرة الشاملة للدولة، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية وجذب الشركات العالمية المتطورة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وفي النهاية كل ما ذكر يعتمد أولاً وأخيراً على الإرادة السياسية وإرادة الشعب للنهوض بالدولة للمراكز المتقدمة عالمياً واحتلال الصدارة.
إن امتلاك قدرات عسكرية فاعلة ومؤثرة ورادعة، والتركيز على الاستثمار في البحث العلمي والتطوير والقوة البشرية الوطنية سيساهم كثيراً في بناء قوة الدولة الشاملة وتحقيق الهيمنة الإقليمية. كما إن جميع الحروب يجب أن تخاض خارج نطاق الموقع الجغرافي للدولة، لأن أغلب المدن الرئيسة تتركز على الشريط الساحلي للدولة. كما يجب زيادة الإنفاق الوطني في العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير والاستثمار في تطوير التعليم في الدولة وفي رفع كفاءات الكوادر الوطنية. ونجد أن المحافظة على الاستقرار السياسي في الدولة أمر بالغ الأهمية لأن الإرادة السياسية عامل رئيس في دعم قوة الدولة الشاملة لتحقيق الهيمنة الإقليمية. ومن سبل التوسع خارج النطاق الجغرافي الاستثمار في مجال الفضاء.
ويجب امتلاك غواصات ذات مواصفات استراتيجية رادعة، إذ تستطيع الغواصات أن تفرض وجودها في كل المحيطات وبالقرب من أية دولة في العالم بحكم القانون الدولي البحري، كما إنه سلاح يتميز بالسرية والضبابية، لذلك فإنه سلاح رادع لأية دولة معادية، ويساهم كثيراً في زيادة العمق الاستراتيجي. ولزيادة العمق الاستراتيجي للدولة، يجب التوسع في بناء الموانئ، إذ يوصى بأن تنتهج شركة أبو ظبي للموانئ نهج موانئ دبي العالمية في توسعها العالمي.
وتستطيع دولة لإمارات العربية المتحدة أن تتفوق على باقي دول المنطقة عن طريق خلق مجتمع مثقف اجتماعياً وعلمياً وثقافياً وأمنياً وعسكرياً، من خلال استخدام الأداة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والمعلوماتية، كما يجب رفع تكاليف المعيشة، عن طريق فرض الضرائب على بعض الخدمات مع مراعاة المواطنين، وذلك للإبقاء على النخبة من مجتمعات العالم، الامر الذي سيؤثر إيجاباً في التركيبة السكانية.
التحديات المتوقعة:
قد يحدث تذمر داخلي بسبب رفع أسعار المعيشة، ومغادرة بعض العمالة الأجنبية لدول الجوار، وقد يجذب هذا التوجه انتباه الدول المعادية للدولة، مع احتمال ازدياد التعرض للهجمات الإلكترونية، ومعاناة بعض إمارات الدولة اقتصادياً، وحدوث بعض التجاوزات من قبل التجار الصغار والمتوسطين باستغلال غلاء المعيشة مع بعض الفئات المتضررة من المواطنين.
المقالة منقولة من كلية الدفاع الوطني في ابوظبي
الدول الصغيرة
أختلف الكثيرون على مفهوم الدولة الصغيرة وتعريفها، خاصة وأن هذا المفهوم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأبعاد عديدة تؤثر تأثيراً مباشراً عليه كالبعد العسكري والسياسي والاقتصادي والجغرافي والاجتماعي، بالإضافة إلى تباين الطرق التي يتبعها الباحثون والاستراتيجيون الذين قد يتعمد بعضهم أحياناً إلى استخدام بعض المصطلحات والمسميات مثل الربيع العربي، والشرق الأوسط، والدول الفاشلة والدول العظمى، وذلك لخلق نوع من النظام الفكري السيكولوجي الخادع لنشر نوع من الفوضى بين دول العالم. لكن مما لا شك فيه أن معظم الدول الصغيرة تفتقر للعمق الجغرافي أي أن مساحتها الجغرافية محدودة نسبياً مقارنة بباقي الدول، لذلك تجد نفسها مضطرة أحياناً للدخول في تحالفات إقليمية أو اتفاقيات أمنية ودفاعية مع دول كبرى ذات نفوذ عالمي أكبر، الأمر الذي سينعكس حتماً على سياساتها الخارجية، وعلى تعاملها مع النظام العالمي. أما الأمم المتحدة، فقد عرّفت الدولة الصغيرة بأنها "كيان صغير جداً في مساحته، وعدد سكانه، وموارده البشرية والاقتصادية"، دون تحديد واضح لهذا الصِّغر أو الكِبّرْ.
الهيمنة الإقليمية
هو اصطلاح يستخدم لوصف دولة ما لديها القدرة في التأثير على منطقة جغرافية أو إقليم محدد. أي قدرة الدولة في التأثير على المستوى الإقليمي. وفي تعريف آخر هي "دولة تنتمي إلى منطقة محددة جغرافياً، وتهيمن على هذه المنطقة من الناحية الاقتصادية والعسكرية، وقادرة على ممارسة الهيمنة في المنطقة وعلى الصعيد العالمي، وقادرة على الاستفادة من موارد الطاقة ومعترف بها أو حتى مقبولة كمنطقة إقليمية من قبل جيرانها. ونستطيع أن نعرف الهيمنة الإقليمية على أنها قدرة الدولة على التأثير في الدول الأخرى ضمن الإقليم لتنفيذ رغباتها حتى وإن تعارضت تلك الرغبات مع الدول الأخرى.
إسرائيل
استطاعت إسرائيل امتلاك السلاح النووي منذ بداية الستينيات بمساعدات من بعض الدول العظمى رغم اتباعها لسياسة "التعتيم النووي"، وهي من إحدى الدول التي لم توقع معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية (NPT) ، وسواء أكانت إسرائيل تمتلك السلاح النووي أم لا، فقد استطاعت أن تخلق نوع من أنواع الردع الاستراتيجي لجميع الدول المحيطة بها من جميع الاتجاهات، ولكن هل امتلاك السلاح النووي يكفي لتحقيق الهيمنة الإقليمية؟ قد يتفق البعض على ذلك، ولكنه في واقع الأمر لم تستخدم أية دولة في العالم السلاح النووي بعد الحرب العالمية الثانية رغم حدوث العديد من الحروب والصراعات والأزمات على المستوى العالمي، نستنتج من ذلك أن السلاح النووي قد يستخدم في حال وجود حرب عالمية فقط. لأن المجتمع الدولي رغم اختلاف مصالحه سيرفض رفضاً تاماً استخدام هذا النوع من الأسلحة، والدليل على ذلك ردة الفعل الدولية تجاه جميع استخدامات أسلحة التدمير الشامل الأقل ضرراً مثل الأسلحة الكيميائية التي استخدمت ضد الأكراد في العراق، وفي الحرب السورية الجارية. إذاً، إسرائيل دولة صغيرة جغرافياً ومؤثرة إقليمياً ليس بسب امتلاكها للسلاح النووي فقط. من ناحية أخرى، لو استثنينا مصالح بعض الدول الكبرى من ضرورة وجود إسرائيل في جسد العالم العربي لأسباب دينية وسياسية واقتصادية، وسلطنا الضوء على الإنفاق الإسرائيلي على البحث العلمي والتطوير من إجمالي الناتج المحلي الذي يبلغ 4.25 % لوجدنا أن هذا الإنفاق يعد الأعلى على مستوى العالم، بينما بلغ الإنفاق في دولة الإمارات العربية المتحدة على البحث والتطوير لعام 2017 أقل من 1% من إجمالي الناتج المحلي ويعد الأعلى على مستوى الوطن العربي.
من ناحية أخرى، تفتقر إسرائيل إلى العمق الاستراتيجي كحال لدول الصغيرة مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والعديد من الدول الأخرى نظراً لصغر مساحتها الجغرافية. ورغم أنها خاضت العديد من الحروب، إلا أن جميع تلك الحروب كانت خارج نطاق موقعها الجغرافي، لأن أي حرب على أراضيها ستتبعه نتائج كارثية.
إن امتلاك قدرات عسكرية فاعلة ومؤثرة ورادعة، والتركيز على الاستثمار في البحث العلمي والتطوير والقوة البشرية الوطنية سيساهم كثيراً في بناء قدرة الدولة الشاملة. وإن اضطرت الدولة لخوض أي نوع من الحروب، عليها أن تسعى لخوضها خارج نطاق موقعها الجغرافي. وتدخل الدول عادة في الحروب لحماية مصالحها الوطنية وعندما تكون الفوائد أكبر من الخسائر المتوقعة.
الإمبراطورية البريطانية
يعد الموقع الجغرافي لبريطانيا أحد العوامل الرئيسية الذي ساعدها للتحول إلى إمبراطورية بحكم كونها جزيرة رغم كبر مساحتها. كان البحر الوسيلة الوحيدة للتواصل مع العالم المحيط، حيث كانت السفن في ذلك الوقت تجلب بعض السلع والاحتياجات الأساسية للعيش، وقد وجدت الدولة نفسها مجبرة لتلبية تلك الاحتياجات للحفاظ على الأمن والاستقرار، وقد توسع نطاق إبحار تلك السفن من القارة الأوروبية القريبة ليصل إلى القارة الإفريقية، ومن ثم إلى دول شرق آسيا والقارة الآسيوية وقارة أمريكا الجنوبية. وقد احتاجت السفن أنداك إلى مناطق تزويد أمامية لمواصلة الإبحار، الأمر الذي خلق العديد من المستعمرات البريطانية لإعادة تزويد السفن على خارطة تلك المناطق. وقد يعتقد البعض بأن تلك السفن كانت تستخدم فقط لجلب المواد الغذائية والسلع الأخرى، ولكنها كانت تحتك بحضارات أخرى سبقتها بآلاف السنين مثل الحضارة الإسلامية والفارسية والهندية. أي أن الكثير من العلوم والحرف والثقافات تم استقدامها من الخارج، الأمر الذي أسهم كثيراً في تقدم الإمبراطورية البريطانية. أجل كان الموقع الجغرافي عاملاً مهماً، ولكن لولا وجود الإرادة السياسية في تلك الجزيرة التي قررت أن تستثمر في بناء السفن بحكم موقعها الجغرافي، لما أصبحت إمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
إن التوسع الجغرافي وبناء قواعد عسكرية واقتصادية أمامية في بعض مناطق الاهتمام ضمن الإقليم والتحكم بالممرات المائية الاقتصادية وإدارة الموانئ يسهم كثيراً في دعم القدرة الشاملة للدولة، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية وجذب الشركات العالمية المتطورة في مجالات الفضاء والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، وفي النهاية كل ما ذكر يعتمد أولاً وأخيراً على الإرادة السياسية وإرادة الشعب للنهوض بالدولة للمراكز المتقدمة عالمياً واحتلال الصدارة.
إن امتلاك قدرات عسكرية فاعلة ومؤثرة ورادعة، والتركيز على الاستثمار في البحث العلمي والتطوير والقوة البشرية الوطنية سيساهم كثيراً في بناء قوة الدولة الشاملة وتحقيق الهيمنة الإقليمية. كما إن جميع الحروب يجب أن تخاض خارج نطاق الموقع الجغرافي للدولة، لأن أغلب المدن الرئيسة تتركز على الشريط الساحلي للدولة. كما يجب زيادة الإنفاق الوطني في العلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي والتطوير والاستثمار في تطوير التعليم في الدولة وفي رفع كفاءات الكوادر الوطنية. ونجد أن المحافظة على الاستقرار السياسي في الدولة أمر بالغ الأهمية لأن الإرادة السياسية عامل رئيس في دعم قوة الدولة الشاملة لتحقيق الهيمنة الإقليمية. ومن سبل التوسع خارج النطاق الجغرافي الاستثمار في مجال الفضاء.
ويجب امتلاك غواصات ذات مواصفات استراتيجية رادعة، إذ تستطيع الغواصات أن تفرض وجودها في كل المحيطات وبالقرب من أية دولة في العالم بحكم القانون الدولي البحري، كما إنه سلاح يتميز بالسرية والضبابية، لذلك فإنه سلاح رادع لأية دولة معادية، ويساهم كثيراً في زيادة العمق الاستراتيجي. ولزيادة العمق الاستراتيجي للدولة، يجب التوسع في بناء الموانئ، إذ يوصى بأن تنتهج شركة أبو ظبي للموانئ نهج موانئ دبي العالمية في توسعها العالمي.
وتستطيع دولة لإمارات العربية المتحدة أن تتفوق على باقي دول المنطقة عن طريق خلق مجتمع مثقف اجتماعياً وعلمياً وثقافياً وأمنياً وعسكرياً، من خلال استخدام الأداة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والمعلوماتية، كما يجب رفع تكاليف المعيشة، عن طريق فرض الضرائب على بعض الخدمات مع مراعاة المواطنين، وذلك للإبقاء على النخبة من مجتمعات العالم، الامر الذي سيؤثر إيجاباً في التركيبة السكانية.
التحديات المتوقعة:
قد يحدث تذمر داخلي بسبب رفع أسعار المعيشة، ومغادرة بعض العمالة الأجنبية لدول الجوار، وقد يجذب هذا التوجه انتباه الدول المعادية للدولة، مع احتمال ازدياد التعرض للهجمات الإلكترونية، ومعاناة بعض إمارات الدولة اقتصادياً، وحدوث بعض التجاوزات من قبل التجار الصغار والمتوسطين باستغلال غلاء المعيشة مع بعض الفئات المتضررة من المواطنين.
المقالة منقولة من كلية الدفاع الوطني في ابوظبي