مظاهر الحضارة الامازيغية زمن الملك ماسينيسا

إنضم
14 سبتمبر 2018
المشاركات
549
التفاعل
1,057 29 0
الدولة
Algeria
من أهم إنجازات الملك "ماسينيسا" أنه وحد القبائل والممالك النوميدية الأمازيغية تحت شعار افريقيا للافارقة، خاصة القبائل التي كانت تسكن بين منطقتي طرابلس الليبية شرقا ونهر ملوية غربا (المغرب الحالي).. وبذلك أسس ما يسمى بمملكة نوميديا العظمى المستقلة عن الحكم القرطاجني وأصبح ملكا لها يحمل لقب" أگليد" (الملك باللغة الامازيغية). وكانت تطلق كلمة نوميديا في تلك الفترة على القسم الأوسط (الجزائر) من أفريقيا الشمالية، وتنقسم بدورها إلى قسمين: (نوميديا الشرقية) أو "الماسيل"، و(نوميديا الغربية) أو "مازيسولة"، يفصل بينهما نهر الشليف الحالي الموجود بالجزائر. أما موريطانيا الطنجية فكانت تطلق في تلك الفترة على القسم الغربي من شمال أفريقيا والممتد من نهر ملوية الحالي حتى المحيط الأطلسي غربا. وقد اتخذ اسمه من اسم القبائل المورية الأمازيغية التي كانت تعيش هناك، بينما يوجد في شرق مملكة نوميديا "أفريكا" التي كانت تجمع بين شمال ليبيا وجنوب تونس على حد سواء.

ومن أسباب توحيد مملكة نوميديا أن الملك "ماسينيسا" كان يعتمد على أسس السياسية التقليدية كالاعتماد على المصاهرات والتعاقد مع زعماء القبائل واستغلال الشعور الوطني المبني على الهوية النوميدية (الأمازيغية) وإيقاظ المشاعر الدينية في خدمة الشعور الوطني والاعتماد على الحروب عند الضرورة القصوى.كما أن "الأداة الأساسية لتحقيق هذا المشروع السياسي (توحيد الدولة) هو الجيش النوميدي، الذي أحكم تنظيمه ليشتهر ببسالته وإمكانياته الحربية. والملاحظ أن الامازيغ النوميديين تحلوا بالانضباط والتمسك بالملكية، بحيث سادت في أوطانهم عبادة الملك- الإله وانتقل الحكم وراثيا في بيت الملك ماسينيسا".

ومن جهة أخرى، أرسى "ماسينيسا" مملكة نوميديا امازيغية عاصمتها سيرتا او قسنطينة حاليا) بناها في منطقة مسيجة بالجبال وهي جبال الاوراس العتيدة. وقد جعل للمدينة أسوارا وحصونا، وقسم المدينة إلى أحياء سكنية وتجارية ومرافق عمومية وإدارية ودينية. وقد تأثر "ماسينيسا" في بناء مدينته بالحضارة الاغريقية



ومن الناحية الاجتماعية، لقد حفز "ماسينيسا" الأمازيغيين البدو والرعاة على الاستقرار في المدن والضواحي والقرى لخلق اقتصاد زراعي يعتمد على الحبوب والفواكه و الثما وزيت الزيتون؛ مما جعل القطاع الزراعي يعرف فائضا في الإنتاج بسبب التأثر بتقنيات الزراعة المستوردة من ايطاليا. ومن ثم، يلتجئ "ماسينيسا" إلى تصدير ذلك الفائض إلى روما لتعويض النقص الذي يعاني منه على مستوى الواردات. ومن هنا نقول بأن الملك "ماسينيسا" هو الذي حضّر شعبه وأخرجه من البداوة إلى المدنية والاستقرار الاجتماعي، وفي هذا يقول بوليب:" هذا أعظم وأعجب ما قام به مسينيسا، كانت نوميديا قبله لا فائدة ترجى منها، وكانت تعتبر بحكم طبيعتها قاحلة لا تنتج شيئا، فهو الأول الوحيد الذي أبان بالكاشف أن بإمكانها أن تدر جميع الخيرات مثل أية مقاطعة أخرى، لأنه أحيى أراضي شاسعة فأخصبت إخصابا".

ولتحريك العملية الاقتصادية والتجارية داخل مملكة نوميديا، فرض ماسينيسا الجباية على السكان، وفتح مملكته للتجار اليونانيين، وسك "عملة نقدية" نحاسية وبرونزية تحيل على الرغبة في الاستقلال والتعبير عن قوة مملكة نوميديا سياسيا واقتصاديا. ويشير وجه العملة إلى رأس ماسينيسا وفوقه تاج الملك والسيادة وخلفه صولجان الحكم، وأمام وجهه تتدلى سنبلة قمح. وتحيل هذه العلامات السيميائية على السلطة السياسية والسلطة الاقتصادية، وتعبر عن عظمة مملكة نوميديا السياسية وتقدمها الاقتصادي. كما يظهر لنا من خلال قراءتنا لمكونات العملة النوميدية مدى تأثر الملك ماسينيسا بالحضارة الإغريقية المقدونية.

لقد تعلم الفينيقية وأتقنها أيام كان بقرطاجنة في صباه فكان ولوعا بها اتخذها لغة رسمية ونشرها في مملكته ومن جهة أخرى، يحمل ظهر العملة النقدية ثلاث علامات أيقونية بصرية: حصان أمازيغي رشيق، وصولجان الحكم، وكتابة تيفيناغ. وتحيل هذه الدوال الرمزية على قوة الملك السياسي، وشجاعة الإنسان النوميدي الأمازيغي و الخيالة النوميدية وشهامته في الحروب والمعارك ضد المحتل، بينما تشير الكتابة إلى الخاصية الحضارية التي تتميز بها مملكة نوميديا القوية التي تتجلى في اعتمادها على كتابة تيفيناغ في تسيير دواليب الدولة وتدبير مرافقها السياسية والتربوية والعسكرية والاقتصادية. كما يتبين لنا أن الملك "ماسينيسا" كان يحمل الصولجان ويضع على رأسه العرش ويحيط رأسه بحبات القمح على غرار التاج اليوناني الهليني.

وفيما يتعلق بالمجال العسكري، فقد كان الملك "ماسينيسا" قائدا حربيا محنكا ورجلا عسكريا مدربا على أحدث الطرق الحربية المنظمة وخاصة الطريقتين: الرومانية واليونانية. وهذا ما دفعه ليعد جيشا أمازيغيا موحدا عتيدا يجمع بين المشاة و الفرسان، كما كان يملك أسطولا تجاريا قويا يساهم في إثراء المبادلات التجارية بين الشعوب الأخرى، وكان يتوفر أيضا على أسطول بحري عتيد للدفاع عن حدود نوميديا

وعلى المستوى الخارجي، ربط الملك "ماسينيسا" علاقات ودية مع روما عدوة قرطاجنة، ومع الاغريق التي كان يجلب منها العلماء والخبراء والفنانون والأدباء.

هذا، وقد انتشرت في عهد ماسينيسا" الثقافة البونية بين الأمازيغيين أكثر من ذي قبل، مع معاداته لقرطاجة، وقدم العاصمة" قيرطا/ سيرتا" عدد من الأدباء والفنانين الاغريق، وجعلوا منها مدينة راقية في حياتها المادية والفكرية. كان الملك نفسه معجبا بالحضارة الاغريقية، وكان يعمل بتقاليد الملوك اليونانيين، فأكل في الآنية الفضية والذهبية، واتخذ جوقة من الموسيقيين الإغريق. ولاشك أن التجار اليونانيين كانوا يروجون بضاعتهم بفضل ولوعه بكل ماهو يوناني."

وعلى العموم، فلقد حقق ماسينيسا إنجازات سياسية واقتصادية وثقافية وحضارية كبيرة لصالح النوميد (الأمازيغيين) وصالح "تامازغا". وكان "ماسينيسا" ملكا ذكيا ودبلوماسيا محنكا في تعامله مع الشعوب القوية كالرومان و اليونان. واستطاع بدهائه أن يؤسس مملكة نوميديا العظمى، وأن يوسع أطرافها على حساب قرطاجنة، وأن يدافع عن هوية الأمازيغيين ولغتهم وكتابتهم " التيفيناغ" التي هي رمز حضارتهم وأس كينونتهم الوجدودية وعنوان ذاكرتهم التاريخية.
 
رغم كل الجدل الذي اثير حوله ٫ فخور انني انحدر من اقدم المدن التاريخية سيرتا عاصمة هذا الملك و الذي لايبعد ضريحه عن منزلنا الا كيلومترات قليلة وفخور انني احتفظ بالبعض من قطع نقدية لهذه الحضارة القديمة و التي لازالت كل كنوزها و اثارها مدفونة في جبال قسنطينة

1611357955610.png
 
عودة
أعلى