هذا مقال قديم كتبته بعد مؤتمر الفصائل وأضفت إليه بعد حوار الأمير بندر بن سلطان مؤخرا.
بسم الله الرحمن الرحيم،
بالأمس شاهدت مؤتمر الفصائل الفلسطينية وهالني ما سمعته منهم. هجوم غير مبرر نهائيا على من يبحثون عن مصالحهم مع اسرائيل. اسرائيل التي يطبع معها قادة الفلسطينيين ويبكون عند وفاة قادتها. اسرائيل التي لديها علاقات مع الكثير من الدول التي تتاجر بالفلسطينيين لحشد المؤمنين كرصاص مجاني في مشاريعهم التوسعية في العراق ولبنان وسوريا واليمن وليبيا وهلم جرا. في الحقيقة أعتقد أن هذه اللغة الفلسطينية تظن أن بإمكانها باستخدام الانحطاط اللغوي والتهجم الشخصي والتظاهر بالفوقية الاخلاقية أن تخيف من سيبحث عن مصالحه ممن قدم لهم كل شيء وقاتل بالنيابة عنهم. في الحقيقة اعتقد أنه أمر يدعو للاحتقار والازدراء بل وإعلان العداو لهؤلاء. لكن دعونا نأخذ خطوة للوراء قليلا.
قبل برهة من التاريخ وقف الجنرال الألماني Otto Liman Von sanders حليف الأتراك العثمانيين على باب بيت المقدس. كان ذلك الألماني مكلفا بالدفاع عن مدينة القدس من قبل الأتراك. مجرد قراءة هذه الجملة بالنسبة لي اعتبرها مؤلمة للغاية حيث ان ما بعدها معروف لقارئي التاريخ، تم تسليم القدس للقوات البريطانية بعد هزيمة العثمانيين.
هنا وفقط هنا يجب أن نرسم خطا في الرمل ونقول بكل وضوح أنه من غير المسموح أو المقبول اليوم ان يتبجح الأتراك على العرب بأننا من خسر القدس وهم أنفسهم أضاعوا الأمانة التاريخية وبأيديهم. لكنهم وبكل عدم خجل معروف عن العجم يتبجحون ويتهمون ويهاجمون دون حياء أو حشمة. لكنه تسويق إقليمي خلفه أجهزة دعاية هائلة يصرف عليها بسخاء.
لن أسهب كثيرا في هذه النقطة فأنا يهمني وطني بالدرجة الأولى والأخيرة ولا يهمني غيره لكنني أتعاطف أحيانا مع قضايا المسلمين في كل مكان بل ومع القضايا الإنسانية حتى لغير المسلمين. هنا نذهب للقضية الفلسطينية كقضية إنسانية في إقليمنا.
تم تسويق القضية الفلسطينية منذ عرفت نفسي على أساس أنها قضية دينية بحتة وأن الصراع صراع كوني cosmic battle بين قوى الخير وقوى الشر وأن الحشد الطبيعي لكل المقدرات على مستوى الفرد والمجتمع بل والدول محصلته النهائية يجب أن تنتهي باستعادة القدس إلى المسلمين والانتصار في هذه الحرب الكونية بين قوى الخير وقوى الشر.
في الحقيقة كلما قرأت وفحصت وزادت حصيلتي المعرفية أصل لنتيجة وبشكل محايد أن هذا تقييم ساذج بشكل لا يصدق. لم تعد معايير العالم الحديث تحتمل هذا الكلام. لم يعد هناك دار "للمسلمين" ودار أخرى فالدول الحديثة نشأت بتوافق عالمي على اتفاقيات تحدد ماهي الاشياء التي تنظم علاقات الدول. لكن هذا الخطاب المبني على معايير من العصر السحيق بقي وتم نشره بحماسة. سبب انتشاره هو بساطته والقدرة الكبيرة على تسويقه باستخدام اللغة الدينية. فالدين بإمكانه أن يحقق المعجزات لدي المؤمنين حتى في لحظات اصطدام الدعاية التي يتم احاطتها بلغة دينية بعقل الشخص أو بمصالحه الموضوعية.
هنا وجدي غنيم يلبس لبسا عسكريا وغترة فلسطينية في إشارة على استهداده للذهاب والقتال من أجل فلسطين بينما في الحقيقة أنه يقوم بدوره في نشر الخطاب السحيق لصناعة الذخيرة المجانية من المؤمنين والتي لن تذهب لفلسطين بل ستذهب لخدمة أسياده في تركيا وإيران. غير هذا الوجدي "وجديات" كثيرة تعمل على تضليل العقل وسلب الوجدان وتفريغ كل شيء من مضمونه إلا ما يناسب خطهم المتطرف.
لو راجعنا التاريخ لوجدنا أن كل أنجاس الأرض استخدموا قضية الفلسطينيين لمصالحهم الأنانية المنحطة. فهذا الخميني يتبنى الأقصى بينما يقتل العراقيين. وهذا صدام حسين المعتوه يتبني القضية الفلسطينية ويحيط بها جريمة احتلال الكويت ليظهر بمظهر البطل. وهذا حافظ الأسد يعدم القرى السورية باسم القضية الفلسطينية. وهذا القذافي يمول الاغتيالات والقتل والارهاب باسم القضية الفلسطينية. وهذا علي عبدالله صالح يهتف باسم فلسطين. وهذا وهذا وهذا الى مالا نهاية. كلهم يحب فلسطين وهو يغمس يديه في الدماء. كلهم بريء من أي جريمة والمنشفة فلسطين. هل رأيتم ماذا فعل الحمساوية في مسجد بن تيمية؟ طز في فلسطين يا حبيبي وأعدم المتحصنين في المسجد من السلفيين. هل رأيتم ماذا قال القرضاوي؟ طز في فلسطين وأمسك بالحكم يا حمساوي وهذه الفتوى جاهزة.
إنهم متوحشون في غابة يجملون فيها وجوههم البشعة بفلسطين والقدس ومآسي الإنسان الفلسطيني الذي كلما اقترب لخط النهاية وآن له أن يستريح أفسد عليه من يبحث عن المال والجاه والنفوذ من عصابات الفصائل الكاذبة.
دعونا نفحص تشابك مصالحهم قليلا لنرى هل فلسطين مهمة لديهم أساسا؟
يلجأ الحمساوية لإيران وتركيا. يقول اسماعيل هنية بكل تجرؤ على دماء الأبرياء أن قاسم سليماني شهيد القدس! قاسم سليماني الذي أعدم مئات الآلاف في سوريا والعراق واليمن. القاتل المنحط الخنزير قولا وعملا قاسم سليماني تم غسل كل فظائعه باسم القدس والمغسل هنا أحد أبناء القضية.
يلجأ اردوغان المعتوه لدعم الإرهابيين الاخوان الحركيين رؤوس الخوارج في هذا العصر وأوسخ جماعة ستشاهدها (وصدقني هناك جماعات في الهند تغتسل في مخلفات الإنسان لكنهم أطهر من الاخوان). من قتل النائب العام في مصر؟ من الذي أشعل بؤرات سيناء؟ إنها أجساد بشرية تنظر للسماء وتهتف باسم فلسطين. الرصاص الاردوغاني المجاني ضد وطنهم وإخوانهم الذين لا يبحثون الا عن حياة هادئة ومستقبل أبناءهم في وطن مستقر يشعرون فيه بالطمأنينة.
انقسم الناس إلى معسكرين. الأول يؤمن بوطنه. يرى أن الوطن لا يوجد أثمن منه مهما كانت التحديات. يدافعون عن أوطانهم دفاعا عن حياتهم واستقرار عائلاتهم أمام المعسكر الثاني. المعسكر الذي يرى الوطن حفنة من تراب عفن. لا مانع من سحقه تماما وتسليمه للقوى الإقليمية لأن هذه هي السياسة وهذا هو الذكاء. شاهدنا الأذكياء من بعض الدول الخليجية الثرية يقدمون صناديق ادخارهم مجانا للاتراك لدعم الليرة. وإذا سألتهم يقولون هذه السياسة وهذا الذكاء. شاهدنا المقهورين المطحونين المظلومين الذين يضربون باسلحة الدمار الشامل يتبنون وجهة النظر التركية ويكونون رصاصا مجانيا في بندقية اردوغان ليقاتلوا في أرض أخرى لا يبحث أهلها الا عن الاستقرار والسكينة ومستقبل أفضل.
هذا الانقسام يحتوي على فارق أخلاقي رهيب ومن العار عند الحديث عن الطرفين أن يتم الحديث عنهم بتساوي أخلاقي وكأن أحدهم مثل الآخر. هناك طرف من حقه أن يؤمن بوطنه ويدافع عنه ويتبنى مصالحه. وهناك طرف ليس من حقه أن يتبنى مصالح خارجية ويدافع عنها ويمولها ويقاتل دونها ضدا عن وطنه. هذين الجانبين ليسا متساويين أبدا. وعند فحص الحقائق يجب أن توضع في ذلك القالب: هناك جانب معه التاريخ والحقيقة والأخلاقيات الانسانية والدينية معا. وهناك جانب معه أشباه الحقائق أشباه التاريخ منحط أخلاقيا ينطق بلغة دينية ليدمر الناس ويحرق وطنه ويسلمه للغير.
بالنسبة للمعسكر الثاني دخل معركة حامية لتشكيل الوعي. لاختطاف عقول الناس. لتحديد ماهو مسموح وماهو غير مسموح به. وقام برص كل العبارات الدينية لتبرير مصالحه. لتبرير أفكاره. لتبرير ما يريده هو من الناس ليصل لهدفه. كل من يعارضه فاسق. كل من يعارضه مجرم. كل من يعارضه بائع لقضية الإسلام وأهله. القضية التي تدر ذهبا على من يقومون بتسويقها وتعطيهم هالة من الحصانة وتعطيهم جاها اعلاميا ومجدا شعبويا زائفا.
من حقنا اليوم أن نقول لكل هؤلاء لا. لستم المعصومين الجدد. لستم من يسن القوانين ولستم من يحدد الحقائق ومصالحكم الأنانية ليست أهم من الأمم الأخرى. ورغباتكم العشوائية ليست أهم من الكتل الصلبة التي ترعى مصالح مواطنيها. اذهبوا واشتموا وسبوا والعنوا كل الاشياء فلم تعودوا مهمين. آن الأوان لأن نلقي هذه التركة الفارغة التي حملناها بالنيابة عنكم ولمصلحتكم. آن الأوان أن نقول لكم كفى كذبا وتزويرا وظلما لكل شيء. أنتم المسئولون وحدكم وأنا بذلت كل جهدي وزيادة بصدق ونقاء ثوب وفضيلة. ومع هذا طعنتموني وفرحتم لمن يطعنني. وبررتم كل الموبقات ضدي وأنا لم أكن إلا صادقا وفقط. وهذا جزاء الصادقين عندكم.
لقد انتهى عصر المعصومين الجدد. نحن نرفض ميراثكم الذي ملأتوه تزويرا أمام نقاء ثوبنا. أنتم ومن يديركم يخشى من علاقات خليجية اسرائيلية لأنها ستحكم الشرق الأوسط عمليا وتخرج منافسينا من دائرة نفوذهم وتدخلهم الإقليمي. أعلم أنكم عملتم المستحيل لتجريم التطبيع. أعلم الكثير من التفاصيل. أعلم أنه قادم وأعلم أنني سأرحب به ولا يهمني ما ستقولون. فمن طعنني وأنا أفعل كل شيء له. سيطعنني وأنا أؤسس لمصالحي. الطعنة منكم قادمة في كل الأحوال.
فلنمضي لمصالحنا فلم يعد هناك سبب للتردد.
تحية،
(هذا الجزء من المقال أضفته بعد حلقات الامير بندر بن سلطان)
كل المجانين ركبوا قضية فلسطين. وأولهم قادة تلك القضية. قل لي بربك لو قيل لك أن قوة اقليمية جلبت لك حقوقك بتوقيع الدولة العظمى الوحيدة في العالم ليس مرة واحدة بل أربع مرات مالذي سيكون جزاء هذا الجميل العظيم؟ هل جزاؤه إلا الاحسان والامتنان ومعاملتهم بأعلى درجات الحشمة وتمييزهم في كل الأدبيات التي تصدرها؟ كيف لا وهم فعلوا المستحيل ليس مرة واحدة بل أربع مرات! فعلوه في وجود مقاومة كبيرة ولوبيات مؤثرة ودول معترف بها ترفض ذلك الأمر لكنهم أنجزوه ونجحوا وجائوا بالتعهد ووضعوه أمامك. جائوا لك بالأرض والأمن والمال. جائوا لك بالاعتراف السياسي والدبلوماسي. جائوا لك بالكثير جدا لكنك اخذت ذلك الأمر ورميته في المجاري أمامهم وشتمتهم في أدبياتك بأقذع الأوصاف ليس مرة واحدة بل أربع مرات.
يقول الأمير بندر كنا نعطي الفلسطينيين الدعم غير المشروط والنصيحة. فيذهبوا ليأخذوا الدعم ثم يخالفوا النصيحة ثم يعودون لنا إذا فشلوا فلا نلومهم بل نقف أمام العالم ونبرر موقفهم ونحن نعلم أنهم مخطئون ولكن لك لا يلحق ذلك الشعب الفلسطيني.
عزيزي القاريء انتبه جيدا وأنت تمر على الجملة السابقة فهي ليست جملة عادية. إن السعوديين يقولون قدمنا لهم المال والمشورة والغطاء السياسي عندما فشلوا. عزيزي السعودي اسأل نفسك، كم نقطة خسرناها فقط بهذه الجملة من أجل هؤلاء. لماذا لا يرون ما نفعل؟ لماذا لا يكونون صادقين؟ لماذا لا يسيرون بشكل مستقيم؟ الجواب هو: لا أعلم ولكن الأمر لم يعد مهما كثيرا. لقد فعلت كل شيء من اجلك. فطعنتني وكذبت علي ورميت حقوقك كاملة بيديك أنت ثم اتهمتني انني خنتك.
أخيرا، عندما يقول الدبلوماسي السعودي رئيس جهاز الأمن الوطني السابق والسفير في واشنطن الذي عاصر أحداث 11-9 الكارثية إن الوضع الإقليمي صعب فهو يعني ما يقول. عندما يتحدث عن وجوب ان تهتم دولنا بأمنها الإقليمي في معرض حديثه عن الفلسطينيين الذين أضاعوا كل فرصة مع سبق الاصرار والترصد فهو قطعا يعني ما يقول. وثقتي في تقييم الأمير بندر لشكل الشرق الأوسط لا يضاهيها ثقة. وثقتي في حكومة المملكة العربية السعودية وأنها ستمضي لمصالحها ومصالح مواطنيها بكل حزم وعزيمة لا يضاهيها ثقة. لهذا لن أنشغل ببكائيات المعصومين الجدد. فهم ليسوا معصومين وبكائياتهم لم تعد تثير شفقتي بعد اليوم.
في النهاية هذه قناعتي: أنا اؤمن بصفقة القرن. موافق عليها. أتبناها وأشعر أنها حل سليم. يجب أن يحدث اختراق في هذا الجدار السميك من النصب والاحتيال الذي غلف نفسه بهالة من القداسة الدينية. يجب أن تقوم أمريكا وحلفائها الذين لم يروا منها الا كل خير وتعاون بأن يفرضوا قهرا واقعا جديدا على الفلسطينيين يجبرونهم فيه على السير لما فيه مصلحتهم الحقيقية.
رسالة للقادة الفلسطينيين من إنسان سعودي: يا فاقدي الأهلية. يا فاقدي المصداقية. سيتصرف عنكم الرجال غصبا عنكم بعد أن أضعتم كل الفرص في تاريخ مشاغبتكم الذي يمتد لسبعين سنة وأكثر. يجب أن يحصل الإنسان الفلسطيني على حياة كريمة تبدأ بإبعادكم عن المشهد وفرض أمر واقع عليكم.
ولو حصل تطبيع سعودي اسرائيلي غدا سأكون أول المرحبين. كل أعدائنا خائفون حقا من هذا الاحتمال لأن هذا التفاهم سيحكم الشرق الأوسط حرفيا.
أما أنتم الحقوا بالركب متى لحقتم. ولا أظنكم تفعلون.
أهلا بأي صفقة تحل مشاكل الإنسان الفلسطيني بإقصاء قياداته المتعفنة. إنها الحل المنطقي والذي قطعا لن يعجب تجار القضية اللصوص. أهلا بالمستقبل، بإقليم ما بعد القضية الفلسطينية.
عاشت السعودية الوطن المقدس وأبناؤها الأوفياء بتاريخها الناصع الطاهر النبيل
وليذهب الجاحدون إلى أبعد قعر في الجحيم،،
Alucard
التعديل الأخير: