حرب أكتوبر ليست الثغره فقط , حرب أكتوبر بدأت بعد عدوان 67 والذي لم تحارب مصر وقتها أصلا لان أهمال وعدم أهتمام قيادة الجيش وقتها بالقوات المسلحه أدي لعدم وجود أي خطط واضحه لبدء هجوم أو صد هجوم اسرائيلي وعمل هجوم مضاد , بل وتم ترك الطيارات في مطاراتها كهديه لسلاح الجو الاسرائيلي وحتي عند الانسحاب لم تكن هناك أي خطط لكيفية الانسحاب وتأمين القوات المنسحبه لغرب القناه .
أذا نحن نتحدث عن جيش فقد معظم قواته أمام عدو مدعوم من قوه عظمي , لاعادة تسليح وتدريب هذا الجيش يلزم ذلك علي الاقل عقد من الزمان .
حرب أكتوبر بدأت مع حرب الاستنزاف , عملية مثل تدمير المدمره ايلات ومقتل حوالي 50 من طاقمها يبين حجم الضربات الحقيقيه التي كانت تتلقاها أسرائيل , المثير للسخريه أن تدمير الحفار الاسرائيلي كنتينج في ساح العاج أثناء رحلته من كندا لاسرائيل تم ليس فقط بوجود المخابرات الاسرائيليه هناك بل مع وجود المخابرات الامريكيه أثناء تأمينها لرواد فضاء كانو في رحله لهذا البلد . عمليات الغطس العميق والطويل والوصول للموانئ الاسرائيليه وتفخيخ الارصفه الحربيه وتدمير السفن الواقفه بها هي عمليات لم تتعود عليها أسرائيل فهي دائما تنقل المعركه لارض الخصم .
في ظل هذا كله كان مطلوب من الجيش المصري أعادة التسليح والتدريب وحشد القوات في الجهه الغربيه للقناه بالتزامن مع القصف المتبادل , فكيف يمكن حشد ألاف الجنود والمدرعات في ظل قصف اسرئيلي متواصل وفي نفس الوقت تواصل عمليات التسليح والتدريب وبناء حائط صواريخ تحت القصف الاسرائيلي !
وأثناء كل هذا قامت المخابرات المصريه بأقناع العدو بأن كل مايحدث هذا ليس تمهيد لحرب بل هي أفعال لتهدئة الشارع المصري الذي يطالب قيادته بأعلان الحرب ! يتم حشد ألاف القوات غرب القناه تحت أعين العدو ويتم أقناعه مخابراتيا أيضا انه لاتوجد حرب قادمه ,عمليه معقده بالطبع شاركت فيها عناصر مخابراتيه عديده خارج وداخل اسرائيل .
حرب الاستنزاف لم يكن هدفها تدميري فقط بل بحثي أيضا , كان أحد أهداف الاشتباك مع العدو هو معرفة جاهزيته وطرق رد فعله والذخيره التي يستخدمها ومدياتها وتكتيك الضربات وسرعة دعم قواته الجويه , أذا نحن نتحدث عن دراسات تتم أثناء القتال لتحليل كل البيانات لفهم تجهيزات العدو وخططه .
حرب أكتوبر شملت نجاحات عديده :
أولا :نجاح الاعداد للتسليح والتدريب في وقت أقل من المتوقع .
ثانيا:نجاح مخابراتي شامل كانت نتيجته تشكيل لجنة أجرانات في اسرائيل بعد الحرب للبحث في فشل مخابراتي-عسكري أسرائيلي وأدت اللجنه لحدوث تراشق بين الجنرالات وخروج مظاهرات بالاف في الشوارع وأستقالة رئيسة الوزراء وحكومتها .
ثالثا :نجاح تدمير خط بارليف والذي أعتبرته أسرائيل أقوي خط دفاعي ضد المدرعات في التاريخ , فقد قال موشي ديان وقتها أنه "يلزم سلاح المهندسين الامريكي والسوفيتي معا لتدمير خط بارليف ".
ووضع السوفييت تقديرات وقتها بضرورة استخدام قنبله نوويه لنجاح العبور .
رابعا : فشل الهجوم المضاد الاسرائيلي يوم 8 أكتوبر وخسارتهم لما يقارب 300 دبابه خلال يومين فقط في هذا الهجوم وأرسلت اسرائيل رسائل لامريكا عاجله بتعويض الخسائر الكبيره في سلاح الجو والدبابات وهو ما أستجابت له أمريكا بعملية عشب النيكل لنقل ألاف الاطنان من الدبابات والطيارات وانظمة ECM والذخائر المتنوعه والعربات وغيرها وصواريخ التاو بالطبع وهنا يجب أن نشير أن مخزون الولايات المتحده من صواريخ التاو قد نقص بنسبة 90 % أي تقريبا تم أمداد اسرائيل بكل المخزون الامريكي من هذه الصواريخ.
وهنا يجب أن نوضح شيئين : أولا أمريكا تعطي سلاح لاسرائيل بدون مقابل مادي , ثانيا : النسخ المعطاه كانت نسخ أمريكيه وليست تصديريه أي بكامل مميزاتها , وهاتين النقطتين عكس مايحدث من الاتحاد السوفيتي تماما فهذه المميزات لم تتوفر لمصر وقتها .
الخطأ المصري الوحيد في هذه الحرب هو تطوير الهجوم 14 أكتوبر وهو قرار سياسي رفضتة القيادات العسكريه أي أنه خطأ سياسي من جانب السادات وليس خطأ عسكري من جانب القيادات العسكريه التي تنبأت بفشل الهجوم قبل بدأه .
اذا النجاح الاسرائيلي الاول حقيقة كان نتيجة تدخل القياده السياسيه في عمل القياده العسكريه المصريه ولم يكن نجاح الاسرائيليين بمفردهم .
نتج عن ذلك عبور القوات الاسرائيليه غرب القناه وحدوث معارك عديده وكانت الخطه الامريكيه هي أن تحقق اسرائيل مكسب ما لارغام مصر علي الرجوع لخطوط 5-أكتوبر-1973 وبذلك ينتهي الهجوم المصري .
كانت أهداف عملية العبور الاسرائيلي للغرب أحتلال مدن السويس والاسماعيليه وأجبار القوات المصريه شرق القناه علي الارتداد لغربها وتطويق الجيش الثاني والثالث ثم الذهاب للمفاوضات ووضع الشروط الاسرائيليه بكل أريحيه .
العبور الاسرائيلي وأن كان نتيجة خطأ سياسي مصر الا أنه في النهايه نجاح تكتيكي للمدرعات الاسرائيليه وتهديد خطير لظهر القوات المصريه ومدن القناه .
الا ان العبور الاسرائيلي بالمجمل كان يجتنبه الضعف في نقاط عديده :
أولا: القوات الاسرائيليه لم تكن كافيه لتغطية مساحة الانتشار غرب القناه وهذا يعني عدم الاحكام الكامل علي الاراضي غرب القناه وتداخل بعض القوات المصريه مع الاسرائيليه في نفس الاراضي وقد أختارت القوات الاسرائيليه في كثير من الاحيان تجاوز بعض القوات المصريه وعدم محاربتها حتي يمكن التقدم لابعد نقطه واستخدام ذلك علي طاولة المفاوضات .
ثانيا : القوات الاسرائيليه كان يتم تغذيتها من جيب ضيق حوالي 7 كيلومترات وكان معرض للقصف من عدة مواقع مصريه مثل ميسوري والفرقه 16 مشاه .
ثالثا : خطوط الامداد الطويله للوصول للقوات الاسرائيليه غرب القناه وكانت معرضه ايضا للقصف من قبل المدفعيه والطيران المصري فمثلا يوم 21 أكتوبر قامت طلعة طيران بضربه علي الجسر الاسرائيلي تسببت في غرق 6 دبابات أسرائيليه . كاد ان يصاب موشي ديان بالنابالم الحارق اثناء زيارته للجبهه وقيام هليكوبتر مصريه برمي النابالم الذي وقع بالقرب منه .
خسائر اسرائيل في عملية العبور والقتال غرب القناه مثلت حوالي 65 % من خسائر اسرائيل في الحرب وأصبح كل لواء مدرع اسرائيلي في الغرب يحتوي علي 17 :50 دبابه فقط وهو مايعكس شدة المعارك غرب القناه .
لم تتمكن القوات الاسرائيليه من السيطره علي مدينة السويس بالرغم من محاولة مهاجمتها 4 مرات وفقدو عشرات الدبابات وحوالي 100 جندي وعربات مدرعه , بالاضافه لعدم تمكنهم من دخول الاسماعيليه وتطويق الجيش الثاني وعدم تمكنهم من اجبار القوات شرق القناه علي الانسحاب للغرب , لكنهم نجحو في الوصول لطريق السويس وتطويق الجيش الثالث الذي كان يمتلك حوالي 250 دبابه فقط أي أقل من عدد الدبابات الاسرائيليه التي تم تدميرها في يوم 8 أكتوبر فقط , التطويق لم يكن كليا حيث لم يتم أحتلال السويس وكانت تتم عمليات أمداد عبر الهليكوبتر وكانت المياه يتم الحصول عليها من عيون موسي اي أن القتال كان يمكن أن يستمر في قطاع هذا الجيش بالتوازي مع عملية مصريه شامله ضد القوات الاسرائليه غرب القناه حيث أنه مع وقف أطلاق النار كانت الامدادات المدرعه المتوفره كالاتي :
120 دبابه من لواء مدرع حرس جمهوري
150 دبابه من لواء مدرع جزائري
90 دبابه من لواء مدرع ليبي
140 دبابه بدعم يوغوسلافي
وجاء متأخرا قليلا عدد 250 دبابه من الاتحاد السوفيتي
بالاضافه لقيام ادارة المدرعات بعمل أصلاح لاعداد من الدبابات ودفعها مجددا للثغره
أي كان لمصر مايقارب 800 دبابه غرب القناه مقابل 300:400 دبابه اسرائيليه وهو ماذكره السادات لكيسنجر في لقائهم اوائل نوفمبر , وقامت مصر بأرجاع خط الدفاع الجوي وتنظيمه علي شكل قوس لتفادي المدرعات الاسرائيليه .
ولم تتوقف القوات المصريه حتي بعد اعلان وقف أطلاق النيران من شن عمليات هجوميه علي الجيب الاسرائيلي , ففي الفتره من 31-أكتوبر وحتي 18-يناير , قامت القوات المصريه بتنفيذ 439 عملية هجوميه نتج عنها حسب التصريحات الاسرائيليه نفسها :
مقتل حوالي 200 جندي أسرائيلي
أسقاط 11 طائره اسرائيليه
تدمير 41 دبابه/عربه مدرعه
تدمير 36 بلدوزر وعربات هندسيه
تدمير قارب أنزال بحري
أصابة ناقلة البترول سيرينا
خلال هذه الفتره لم تبادر القوات الاسرائيليه الا قليلا جدا بفتح النيران بل اخذت مواقع دفاعيه وقامت بوضع 750 ألف لغم لحماية قواتها من الهجوم المصري وهذا موقف دفاعي يسهل استنزافه بضربات مكثفه من جميع مصادر النيران وهو مايفسر فرحة الجنود الاسرائيليين بعد التوصل لفض الاشتباك , الحقيقه أن السادات تسبب في تأخير هذه العمليه لتصفية الثغره لانه أحس أن عمل كهذا سيتبعه تحرك أمريكي ما وفي أواخر ديسمبر بالفعل ورد تحذير أمريكي علي لسان كيسنجر للسادات بأن البنتاجون سيتدخل اذا هاجمت القوات المصريه الثغره .
أتفاقية فض الاشتباك وأنسحاب الاسرائيليين 35 كم شرق القناه بدون تحقيق أي نجاحات أستراتيجيه يمثل أنتصار مصري واضح حيث أن الهدف المصري من الحرب كان السيطره علي خط بارليف و12 كم داخل سيناء , انسحاب أسرائيل 35 كم يمثل زياده علي الهدف المصري من الاساس .
الحرب هي أحد أدوات السياسه وحرب اكتوبر كان الهدف منها حلحلة الوضع السياسي ولم يكن الهدف تحرير كامل سيناء عسكريا , لم تكن القوات تمتلك مايكفي لذلك حيث أن التحرك في الصحراء المفتوحه بقوات مدرعه يلزمه تغطيه جويه وبدفاع جوي علي مدار الساعه وهو مالم يكن في أمكانية القوات الجويه مقارنة بالامكانيات الاكبر لطيران العدو من حيث المدي العملياتي او مدي الكشف او الذخائر , ولا قوات الدفاع الجوي الغير متنقله مع القوات .بالاضافه لعدم توفر العربات المجنزره بكثره تسمح للقوات بعدم التقيد بالطرق المرصوفه في سيناء عند التقدم .
بالنظر لمسرح العمليات الصعب والدعم السريع الامريكي لاسرائيل ومراحل الحرب والوضع النهائي للقوات فأنه يتضح أن المصريون حققو نجاحا أستراتيجيا وتسببو في بعض الاخطاء التي ادت لاحداث موقف محرج لقواتهم غرب القناه لكن سرعان ماتم اعادة تنظيم القوات وتدعيمها بألويه مدرعه وأعادة بناء حائط الصواريخ والقيام بعمليات هجوميه ووضع القوات الاسرائيليه في وضع دفاعي مع تهديد طرق أمدادها بقصف متواصل علي الجيب الضيق 7 كم .
سيناء كانت تمثل مانع استراتيجي في أي حرب مقبله مع مصر والتخلي عنها هو أمر خطير بالنسبه لاسرائيل ولم يكن لتتخلي عنه أبدا بدون عمل عسكري مصري . بعد أتفاقية السلام مع مصر , لم تتلقي أسرائيل ضربات حقيقيه تحدث تغيير أستراتيجي علي الارض , ولو فشلت حرب أكتوبر في أرجاع سيناء فلم يكن للمصريون أن يصمتو وكانت ستتجدد الضربات من جديد , أسرائيل أدركت أنها لن تتحمل نزاع طويل حقيقي مع المصريين لذا تم أجبارهم في النهايه علي قبول المفاوضات والانسحاب من سيناء.