من الحقائق التي لا ينازع فيها أحد، في أوساط الدارسين والمشتغلين بقضايا التراث الثقافي والحضاري الإنساني، أن ما من حضارة وإلاَّ وهي حصيلة تفاعل مجموعة من الحضارات وتلاقح فيما بينها وترابط بين حلقاتها وتكامل بين عناصرها. وينسحب هذا القانون على الثقافة أيضاً، فلم يعرف العالم في أيّ عصر من العصور، حضارة قائمة الذات، لم تمتزج بحضارات أخرى، ولا عرف ثقافة (خالصة) لم تَجْرِ في شرايينها دماء ثقافات قديمة أو معاصرة لها.
والقول بالحضارة الخالصة أو الحضارة النقية، يشبه القول بأفضلية هذا العرق على ذاك. وهذه نازيةٌ تبرأ منها كلّ حضارة من حيث هي حضارة فحسب، وهي عنصريةٌ لا تعرفها الثقافة التي هي نتاج إعمال العقل والوجدان في المصادر الكبرى لكلّ أمة وتشجيع الإبداع اللذين ينتجان الثقافة ويصنعان الحضارة.
ويترتب على هذا أن ما من أمة من الأمم أو شعب من الشعوب، إلاَّ وتجمعها روابط مع أمم وشعوب أخرى، سواء أكانت روابط تاريخية وعرقية، أم ثقافية وحضارية، أم روابط مصالح متبادلة، ممّا يُؤدّي إلى تنامي الرصيد الثقافي المشترك الذي يخضع لتطوّرات الزمن، ولتقلبات العلاقات التي تنشأ بين هذه الأمة أو تلك.
لقد كان العالم دائماً ولا يزال (منتدى حضارات)، تَتَفاعَلُ فيه كلّ حضارات الأمم والشعوب، مع تمايز كلّ هذه الأمم في الهويات الثقافية والخصوصيات العقدية والحضارية. ويدلنا تاريخ الحضارات على أنها سلسلة من تيار حضاري عام متواصل التدفق، دائم التنقل من بلد إلى بلد. وفي العصر الحاضر، عصر الاتصال الوثيق بين مختلف الأمم، ينتشر هذا التيار الحضاري ويكاد يعمّ أقطار الأرض. وكلّ نهضة في تاريخ الإنسانية كانت تستضئ بالحضارات السابقة، وتحاكيها في بادئ الأمر، حتى إذا اكتملت لها شخصيتها، وتوفرت أصالتها، أضافت الجديد المتطوّر إلى القديم الموروث، وهذا يحدث بصورة مطّردة في مراحل التطوّر الإنساني (1).
فما من ثقافة إلاَّ ولها جذور مشتركة مع ثقافات أخرى، ولا توجد ثقافة منبتَّة الجذور مع الثقافات الإنسانية المتعاقبة. وليست نهضة أوروبا التي تحققت في عهد إحياء العلوم، ونقلت الإنسانية من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، إلاَّ امتداداً لنهضتها الأولى التي استمدت مقوماتها من علوم العرب وآدابهم وفنونهم خلال القرن الثاني عشر للميلاد. فقد نشأ ما يعرف في تاريخ الفكر الأوروبي بالرشدية اللاتينية، بعد موت العلامة العربي المسلم الأندلسي أبي الوليد بن رشد في عام 1198، الذي ترجمت مؤلفاته وشروحه لأرسطو، بقرار من فردريك الثاني هوهنشتاين، ملك نابولي وصقلية، إلى اللاتينية والعبرية، فيما بين 1217 و1230. أي بعد أقلّ من عشرين سنة بعد موت ابن رشد.
والقول بالحضارة الخالصة أو الحضارة النقية، يشبه القول بأفضلية هذا العرق على ذاك. وهذه نازيةٌ تبرأ منها كلّ حضارة من حيث هي حضارة فحسب، وهي عنصريةٌ لا تعرفها الثقافة التي هي نتاج إعمال العقل والوجدان في المصادر الكبرى لكلّ أمة وتشجيع الإبداع اللذين ينتجان الثقافة ويصنعان الحضارة.
ويترتب على هذا أن ما من أمة من الأمم أو شعب من الشعوب، إلاَّ وتجمعها روابط مع أمم وشعوب أخرى، سواء أكانت روابط تاريخية وعرقية، أم ثقافية وحضارية، أم روابط مصالح متبادلة، ممّا يُؤدّي إلى تنامي الرصيد الثقافي المشترك الذي يخضع لتطوّرات الزمن، ولتقلبات العلاقات التي تنشأ بين هذه الأمة أو تلك.
لقد كان العالم دائماً ولا يزال (منتدى حضارات)، تَتَفاعَلُ فيه كلّ حضارات الأمم والشعوب، مع تمايز كلّ هذه الأمم في الهويات الثقافية والخصوصيات العقدية والحضارية. ويدلنا تاريخ الحضارات على أنها سلسلة من تيار حضاري عام متواصل التدفق، دائم التنقل من بلد إلى بلد. وفي العصر الحاضر، عصر الاتصال الوثيق بين مختلف الأمم، ينتشر هذا التيار الحضاري ويكاد يعمّ أقطار الأرض. وكلّ نهضة في تاريخ الإنسانية كانت تستضئ بالحضارات السابقة، وتحاكيها في بادئ الأمر، حتى إذا اكتملت لها شخصيتها، وتوفرت أصالتها، أضافت الجديد المتطوّر إلى القديم الموروث، وهذا يحدث بصورة مطّردة في مراحل التطوّر الإنساني (1).
فما من ثقافة إلاَّ ولها جذور مشتركة مع ثقافات أخرى، ولا توجد ثقافة منبتَّة الجذور مع الثقافات الإنسانية المتعاقبة. وليست نهضة أوروبا التي تحققت في عهد إحياء العلوم، ونقلت الإنسانية من العصر الوسيط إلى العصر الحديث، إلاَّ امتداداً لنهضتها الأولى التي استمدت مقوماتها من علوم العرب وآدابهم وفنونهم خلال القرن الثاني عشر للميلاد. فقد نشأ ما يعرف في تاريخ الفكر الأوروبي بالرشدية اللاتينية، بعد موت العلامة العربي المسلم الأندلسي أبي الوليد بن رشد في عام 1198، الذي ترجمت مؤلفاته وشروحه لأرسطو، بقرار من فردريك الثاني هوهنشتاين، ملك نابولي وصقلية، إلى اللاتينية والعبرية، فيما بين 1217 و1230. أي بعد أقلّ من عشرين سنة بعد موت ابن رشد.