تصريحات قادة وجنرالات إسرائيل وبعض الدول الداعمة لها وعدد من المؤرخين العسكريين حول العالم عن انتصار الجيش المصري، والمفاجأة التي أصابت العدو الإسرائيلي آنذاك، وحطمت أسطورة جيش معتدي كان يظن أنه لا يٌقهر.
فقد عبر "هنرى كسينجر" وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، في تصريح صحفي له في 28 ديسمبر 1973 "أن حرب أكتوبر جاءت مفاجأة لهم، قائلا: " فاجأتنا حرب أكتوبر علي نحو لم نكن نتوقعه، ولم تحذرنا أي حكومة أجنبية بوجود خطط محددة لأي هجوم عربي".
وكتب المؤرخ العسكري الأمريكي ت. ديبوي يقول :
"إن التخطيط الماهر الذي اتسم بالدقة الكاملة والسرية التامة وتحقيق المفاجأة الكاملة، وكذلك التنفيذ الكفء للخطط التي وُضعت بعناية، أدى كل ذلك إلى نجاح إحدى عمليات عبور الموانع المائية التي ستظل تذكر في التاريخ، ولقد كان العبور المصري هو أعظم منجزات الحرب ".
أما الجنرال موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي فقد غضب عندما بلغه سقوط أحد حصون خط بارليف المنيعة بعد أن دمرته القوات المصرية تدميرا كاملا واستسلم ضابط وسبعة جنود إسرائيليين، وصرخ بحدة في وجه إلياهو زعيرا مدير المخابرات العسكرية .. قائلا : " إني أحملك مسؤولية ما يحدث " ، وبنفس الحدة والانفعال صرخ فيه زعيرا قائلا : " لقد حذرتكم وكنت أنت تقول لنا دائما إنه من المستحيل أن يدخل المصريون أي حرب ضدنا أو عبورهم القناة وأنت وزير دفاع له شأنه، لماذا لم تحس أو تشعر بأن حدثا أو كارثة مخيفة سوف تحدث ؟ " .
وعندما علم ديان أن أعدادا كبيرة من الدبابات والأسلحة الثقيلة المصرية لا تتوقف وتتحرك بسرعة للالتحام بالقوات الإسرائيلية صرخ قائلا : " لو لم أكن متأكدا أنه لم يبق خبير سوفيتي واحد في مصر لقلت أننا نحارب روسيا نفسها !! " .
وكتب "ديان" في مذكراته يقول : إننا لا نملك الآن القوة الكافية لإعادة المصريين للخلف مرة أخري مشيدا بالدقة التي استخدم بها المصريون الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات مؤكدا أن إسرائيل لو استمرت في دفع المصريين عبر القناة لوصلت قوتها العسكرية إلي صفر.
وأكد "ديان" في مذكراته أنه علينا الاعتراف بأننا لسنا أقوي من المصريين وأن حالة التفوق العسكري الإسرائيلي قد انتهت إلي الأبد وأن النظرية التي تؤكد هزيمة العرب في ساعات إذا حاربوا إسرائيل تعتبر نظرية خاطئة .
مؤكدا انتهاء نظرية الأمن الإسرائيلي والقائمة علي أن الجيش الإسرائيلي لا يقهر، وعلينا أن نفهم أننا لم نعد القوة العسكرية الوحيدة في الشرق الأوسط وأن هناك حقائق جديدة علينا أن نتعايش معها.
فيما قالت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل أثناء الحرب في كتابها " قصة حياتي " : إنه لا شيء أقسي علي نفسي من كتابة ما حدث في أكتوبر فلم يكن ذلك حدثا عسكريا رهيبا فقط وإنما مأساة عاشت وستعيش معي حتى الموت فلقد وجدت نفسي فجأة أمام أعظم تهديد تعرضت له إسرائيل منذ قيامها .
وأضافت "جولدا مائير" في كتابها أن هناك معتقدات أساسية انهارت في ذلك اليوم ومنها إيماننا المطلق بقدرتنا علي منع المصريين من عبور قناة السويس، وعندما تستعيد تلك الأيام فإنها تذكر الأخبار المروعة التي تصلها من الجبهة والخسائر التي تمزق قلبها.
وعلق أبا آبيان وزير خارجية إسرائيل في نوفمبر 1973، بأن الانتصار المصري نابعًا من وطنية الجنود، حيث قال" لقد طرأت متغيرات كثيرة منذ السادس من أكتوبر ١٩٧٣، لذلك ينبغي ألا نبالغ في مسألة التفوق العسكري الإسرائيلي، بل على العكس فان هناك شعور طاغيا في إسرائيل الآن بضرورة إعادة النظر في علم البلاغة الوطنية، أن علينا أن نكون أكثر واقعية وان نبتعد عن المبالغة.
وقال الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون لوزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي يوم 31أكتوبر 1973 : " كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية وكأمريكي وكريتشارد نيكسون فإنني أحترم هؤلاء الذين يحاربون جيدا ويضحون بأنفسهم . فأنتم حاربتم جيدا مثل الفيتناميين وننحن نحترم هذا وأرجو ألا تسيء فهمي إذ أن الفيتناميين شيوعيون أنا أعني القتال والقتال جيدا .. الروح نفسها، ويجب أن أعترف بصفاتي الثلاث بأنكم قمتم بكل هذا بصورة جيدة ".
فيما قال الجنرال إبراهام آدان في كتابه على ضفتي قناة السويس "كانت أكبر أخطائي هو هجومي في اتجاه القناة ، لقد أحسست في الثامن من أكتوبر بضغوطهم على بينما لم يكن يحدث مثل ذلك في الحروب السابقة ، ولم يكن أمامي مفر سوى أن استجيب" .
وقال " أروي بن أري " مساعد قائد جبهة سيناء في الحرب : في الساعات الأولي لهجوم الجيش المصري كان شعورنا مخيفا لأننا كنا نشعر أننا نزداد صغرا والجيش المصري يزداد كبرا والفشل سيفتح الطريق إلي تل أبيب وأنه في يوم 7 أكتوبر خيم علي إسرائيل ظل الكآبة ومنذ فجر ذلك اليوم وحتى غروب الشمس كان مصير إسرائيل متوقفا علي قدرة صدها لهجوم مصر وسوريا وخلال25 عاما منذ عام 1948 وحتى 1973 لم تتعرض إسرائيل لخطر الدمار بصورة ملموسة كما حدث في ذلك اليوم المصيري.
وتساءل "عساف ياجوري" أحد القادة العسكريين في الحرب والذي وقع في الأسر في الأيام الأولي للحرب كيف حدث هذا لجيشنا الذي لا يقهر ؟ كيف أصبحنا في هذا الموقف المخجل ؟ وأين ذهبت سرعة الجيش الإسرائيلي وتأهبه؟.
أما "إسحاق رابين" أحد أهم القادة الإسرائيليين فقد أكد تدمير معظم المعدات التي تساعد علي استمرار القتال ولولا الجسر الجوي الأمريكي لما استطعنا الاستمرار في القتال والذي يعد أضخم جسر جوي في التاريخ.
وأكد حاييم هيرتزوج رئيس إسرائيل الأسبق، في كتاب مذكراتي، أن هذه الصدمة لم تصب الجنود فقط وإنما أصابت أيضا القيادة الإسرائيلية وعلى رأسها موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، قائلا " إن حرب أكتوبر انتهت بصدمة كبرى عمت الإسرائيليين ولم يعد موشى ديان كما كان من قبل، وانطوى على نفسه من ذلك الحين، لقد كان دائما على قناعة بأن العرب لن يهاجموا وليس في وسعهم أن يهاجموا ، إن المصريين تعلموا كيف يقاتلون بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم فقط".
وعلق الطيار الإسرائيلي لطائرات الاسكاى هوك "بدور أينرك"، قائلا: "لقد أذهلنا المستوى الممتاز للطيارين المصريين ،وكفاءتهم القتالية العالية" .
وقال السيناتور وليم فولبرايت رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي في 18 ديسمبر 1973 "تحتم على إسرائيل أن تتخلى عن خرافة الأمن العسكري المطلق عن طريق احتلال الأرض، مع الاعتراف بأن الأمن العسكري المطلق لدولة ما، يعني عدم الأمن المطلق للدول المجاورة لها".
فيما اعتبر الجنرال فارا هوكلى مدير تطوير القتال في الجيش البريطاني " أن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر تتعلق بالرجال وقدراتهم أكثر مما تتعلق بالآلات التي يقومون بتشغيلها، معتبرًا أن الإنجاز الهائل الذي حققه المصريون هو عبقرية ومهارة القادة والضباط الذين تدربوا وقاموا بعملية هجومية جاءت مفاجأة تامة للطرف الآخر" رغم أنها تمت تحت بصره و تكملة لهذا أظهر الجنود روحا معنوية عالية في عداد المستحيل .
وقال بيير ميسمير رئيس وزراء فرنسا، خلال مؤتمر له في باريس في السابع من يناير 1974 "دخل العالم نتيجة حرب أكتوبر في مرحلة اقتصادية جديدة ولن تعود أحوال العالم إلي سابق عهدها قبل هذه الحرب".
اخرس بقي