من كنوز متحف الفن الأسلامى "دورق السلطان الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب" ... صاحب هذا الدورق هو السلطان الناصر صلاح الدين يوسف بن محمد بن غازى بن أيوب بن شادى صاحب حلب ثم دمشق المتوفى سنة 658هـ/1260م . تسلطن الناصر صلاح الدين يوسف على حلب عام 634هـ بعد وفاة والده الملك العزيز محمد وكان عمره نحو السبع سنين وكان أمره كله راجع لجدته لأبيه الستر الرفيع صفية خاتون بنت الملك العادل أبى بكر بن أيوب ،فلما توفيت سنة 640هـ استقل بالأمر فأمر ونهى ،ثم بدا له بعدها ان يضم الى حلب الممالك المجاورة فاستولى على حمص عام 646هـ ثم دمشق عام 648هـ . ويستكمل ابن شاكر الكتبى فى فوات الوفيات (وكان الفرنج قد ضمنوا له أخذ الديار المصرية على أن يسلم اليهم القدس ،فبذل ذلك للمصريين أتباعا لرضا الله عز وجل وقال : والله لا لقيت الله تعالى وفى صحيفتى اخرج القدس عن المسلمين ). كان السلطان الناصر صلاح الدين يوسف سمحا جوادا كريما حتى كان يذبح فى مطبخه كل يوم أربعمائة رأس غنم سوى الدجاج والطيور ثم يترك ما يتبقى من ذلك لغلمانه يبيعونه فى الأسواق . ومن طريف مايذكره علاء الدين بن نصر الله – والحديث للكتبى فى فوات الوفيات- جاء السلطان الناصر صلاح الدين يوسف الى دارى بغتة فمددت له المآكل المفتخرة من دجاج محشى بالسكر والفستق وغيره فسألنى : كيف تهيأ لك هذا؟ فقلت : هو من نعمتك اشتريته من عند باب القلعة مما يبيعه غلمانك . وبعد اربعة وعشرين عاما من ملكه آذن لشمسه أن تزول اذ جاء الخبر عام 658هـ بورود التتار الى حلب وعزمهم دخولها بالسيف وعندها رأى أن السلامة لا تكون الا بأظهار الميل الى التتر فأعلن انه لاجئ بحمى هولاكو ورحمته . ويستكمل ابن تغرى بردى فى النجوم الزاهرة ( ولما وصل الملك الناصر الى هولاكو احسن اليه واكرمه الى ان بلغه كسرت جيشه فى عين جالوت فغضب عليه وأمر بقتله ). وقيل – والحديث للكتبى فى فوات الوفيات- جمع له نخلتان وربط بينهما وافترقتا فذهبت كل واحدة بشق منه . يذكر ابن خلكان فى وفيات الأعيان ( وكانت قتلته فى الثالث والعشرين من شوال سنة 658هـ بالقرب من مراغة من اعمال اذربيجان ). ويعد دورق السلطان الناصر صلاح الدين يوسف المحفوظ بمتحف الفن الأسلامى شاهد حق لمدى الترف الذى كان يحيط به السلطان نفسه رغم انه عصر انصرفت فيه الهمة الى الجهاد ضد المغول الا انه أفلتت من بين يدى الزمن هذه الدرة الغالية التى تتميز برقة ابعادها وجمال تناسبها . والدورق ذو بدن مخروطى ورقبة طويلة ويحمل كتابة مذهبة بحروف دقيقة تتضمن أسم صاحبها السلطان الناصر صلاح الدين يوسف وتنتهى الرقبة بفوهة متسعة . وللدورق أهمية كبيرة لدارسى الفنون الأسلامية فهى تمثل الظهور الأول للترصيع بالمينا أى زخرفة الزجاج برسوم تشبه البريق المعدنى على الخزف ،وتتلخص هذه الطريقة – والحديث لتوفيق احمد عبدالجواد فى تاريخ العمارة والفنون الأسلامية – فى رسم الزخارف بالمينا على الزجاج . والمينا هى عجينة تتكون من أكاسيد مختلفة تسحق مع قطع صغيرة من الزجاج ثم تخلط بمادة زيتية ثم تتحول الى محلول بواسطة الحرارة ويرسم الزخارف بهذا المحلول فاءذا ما جف بدا بارزا بروزا خفيفا على سطح الإناء.. يتبع