ملامح الدور المصرى المركزى فى الاستراتيجية الأمريكية
إذن بالرغم مما رشح في وسائل الإعلام عن احتكاكات سياسية وضغوط على الحكم المصري، وربما بسببه، بقي التعاون الأمني والعسكري بين البلدين بأفضل حالاته، وظلت مصر حلقة مركزية في استراتيجية قيادة القطاع الأوسط حتى وهي مستهدفة سياسياً. ولعل السودان جنوباً حالة نموذجية لكيفية استخدام الابتزاز السياسي لتحقيق التعاون الأمني، ثم العسكري. فبعد وضع السودان على "لائحة الإرهاب" في أوكتوبر عام 1997، بدأ السودان حواراً حول "مكافحة الإرهاب" مع أمريكا في أيار / مايو 2000، وبعد أحداث 11 سبتمبر، يقول أركِن أن السودان تعاون أمنياً بشكل جيد مع "السي أي إيه" و"الأف بي أي" وقدم معلومات قيمة، وحطت أول طائرة عسكرية أمريكية في الخرطوم في 17 أيار / مايو 2003.
كما يليق بإمبراطورية استعمارية عالمية، قسمت وزارة الدفاع الأمريكية العالم برمته، بيابسته ومياهه وسمائه، إلى خمسة قطاعات عسكرية يحاسب الضباط الأمريكيون المكلفون بقيادتها عليها.
فأمريكا وكندا والمكسيك وكوبا مثلاً تتبع للقيادة العسكرية الشمالية Usnorthcom، وأمريكا الوسطى والجنوبية تخضع للقيادة الجنوبيةussouthcom ، والصين والهند وأستراليا ودول جنوب شرق آسيا تتبع قيادة المحيط الهادئuspacom ، وتدخل روسيا من أقصى شرقها وأوروبا إلى أقصى غربها نزولاً إلى المغرب العربي ثم جنوب أفريقيا فالمحيط المتجمد الجنوبي وأنتارتيكا داخل قطاع القيادة الأوروبيةuseuom ، وهو الأكبر مساحةً، وتضم منطقة القيادة الأوروبية "إسرائيل" وتركيا أيضاً، أما القطاع الخامس فهو منطقة القيادة الوسطىuscentcom ، ويمتد من القرن الأفريقي ووادي النيل حتى كازاكستان في آسيا الوسطى، وهذا القطاع هو الأصغر حجماً والأكثر التهاباً، ففيه آسيا الوسطى وباكستان وأفغانستان وإيران والعراق والأردن والجزيرة العربية والصومال وأثيوبيا وكينيا والسودان ومصر، وفي عام 2003، نقلت سوريا ولبنان من القيادة الأوروبية إلى القيادة الوسطى.
مصر تتبع لمنطقة القيادة الوسطى إذن، وحسب الكاتب والصحفي الأمريكي وليم أركِن في الجزء الخاص بمصر في مجلده الضخم "الأسماء المشفرة: حل شيفرة الخطط والبرامج والعمليات العسكرية الأمريكية في عالم ما بعد 11 سبتمبر"، فإن العلاقة الأمنية حميمة جداً بين المخابرات المصرية و"السي أي إيه"، وتعتبر مصر "أحد الشركاء العرب الصامتين، الذين يستضيفون القوات الأمريكية خفيةً، ويتعاونون مع المؤسسة العسكرية والأمنية الأمريكية، ويدعمون العمليات الأمريكية دائماً تقريباً" (الصفحة 110).
وحسب زعم أركِن، كانت توجد وقت أحداث 11 سبتمبر قاعدتان عسكريتان تابعتان للقيادة الوسطى في مصر، بالإضافة لعشرين مرفق عسكري مصري تحت تصرف القيادة الوسطى الأمريكية. وقد خزن العتاد الأمريكي بصمت في مصر، وأبقيت قواعد جوية وبحرية بأفضل حال لحساب القوات الأمريكية، منها قاعدتي القاهرة شرق والقاهرة غرب الجويتين، وقاعدة وادي كنا.
وفي عام 2001، منحت مصر حق المرور لأكثر من 6250 طلعة جوية أمريكية، ولحوالي 53 رحلة للبحرية الأمريكية. وتقوم البحرية والغواصات الأمريكية بزيارات منتظمة للإسكندرية/ رأس التين وللغردقة وبور سعيد والسويس.
ويضيف أركِن أن التعاون ازداد عقب تحول مصر إلى داعم أساسي للحرب على "الإرهاب" بعد 11 سبتمبر، حيث كان السيد حسني مبارك أول رئيس عربي يعلن دعمه لعملية الحرية المستمرة (غزو افغانستان)، ويقدم حق العبور للسفن وللطائرات الأمريكية، فضلاً عن الخدمات الأمنية.
وفي تموز / يوليو 2003، عقد فريق العمل المشترك المصري-الأمريكي لمكافحة الإرهاب اجتماعه الأول في واشنطن، وفي حزيران / يونيو 2004 رسمت مصر شريكاً كاملاً في منتدى الحوار المتوسطي مع حلف الناتو.
وتتلقى مصر بالطبع 1،3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية. وفضلاً على ذلك، اشترت مصر من أمريكا نفاثات أف-4 وأف-16، ودبابات أم-60إيه3 ودبابات أم1إيه1، وناقلات الجنود المدرعة، ومروحيات الأباتشي، وبطاريات الدفاع الجوي الصاروخية، وطائرات التجسس، بالإضافة لمعدات أخرى.
وتتشارك الدولتان بتمارين عسكرية تتطلب دوماً إرسال قوات عسكرية أمريكية كبيرة إلى مصر. وتستضيف مصر مرة كل عامين "النجم الساطع"، وهي مناورات متعددة، وأكبر تمرين عسكري في العالم.
إذن بالرغم مما رشح في وسائل الإعلام عن احتكاكات سياسية وضغوط على الحكم المصري، وربما بسببه، بقي التعاون الأمني والعسكري بين البلدين بأفضل حالاته، وظلت مصر حلقة مركزية في استراتيجية قيادة القطاع الأوسط حتى وهي مستهدفة سياسياً. ولعل السودان جنوباً حالة نموذجية لكيفية استخدام الابتزاز السياسي لتحقيق التعاون الأمني، ثم العسكري. فبعد وضع السودان على "لائحة الإرهاب" في أوكتوبر عام 1997، بدأ السودان حواراً حول "مكافحة الإرهاب" مع أمريكا في أيار / مايو 2000، وبعد أحداث 11 سبتمبر، يقول أركِن أن السودان تعاون أمنياً بشكل جيد مع "السي أي إيه" و"الأف بي أي" وقدم معلومات قيمة، وحطت أول طائرة عسكرية أمريكية في الخرطوم في 17 أيار / مايو 2003.