نظام مالي مستقل
اعتقد انه يعني نظام ليس بديلاً عن النظام العالمي القائم بل نظام خاص وطارىء محمي من قبل الدول الموقعة على الاتفاق الايراني
بالطبع كلامك صحيح .... ولكن صحته وقتيا فقط ... بمعنى أن مكانة الدولار الحقيقية في أساسها ليست مكانة اقتصادية بل هي مكانة سياسية ناتجة عن ترتيبات اتفاقية بريتون وودز 1944 ومن ثم ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية بالمجمل.
قيمة الدولار الحقيقية ترجع لمستوى القبول السوقي الواسع والأحادي والاحتكاري للدولار.
وكلام ألمانيا كلام خطير جدا ... فمن أشهر أسباب غزو العراق هي محاولات تفكير صدام حسين بتوفير نظام بديل عن الدولار في بيع النفط العراقي.
وكذلك حرب العملات لها جذور متعددة مشهورة.
والحديث الألماني ليس نظام عالمي بديلا للدولار بقدر ما هو نظام عالمي "موازي" للدولار.
وكل الأمور الكبيرة عادة ما تبدأ صغيرة.
أشرح لك بمزيد من البساطة .... منذ عشرة سنوات مضت عندما كنت أطوف المواقع والمنتديات متحدثا عن خطورة الدولار الشديدة على مستقبل العالم ككل كان المتواجدين بالانترنت والمواقع والمنتديات يتلقون كلامي بغرابة شديدة ونوع من الاستهجان والاسبعاد أن يكون له أي أثر.
ولكن خلال تلك الفترة نشأت رابطة البريكس ومنظمة تعاون شنغهاي وكل منهما له بنوك قوية جدا جدا تسعى لتطوير منظومات اقتصادية بديلة للدولار.
احتياطي النقد العالمي من الدولار كان فوق 70% والآن نصيب الدولار في سلة احتياطات البنوك المركزية العالمية بحسب آخر أرقام طالعتها فهي تحت نسبة الـ 60% بفرق حوالي 15%
حتى الاستثمار في السندات الأمريكية هناك دول متعددة بدأت تخفض حجم استثماراتها السيادية فيه.
كذلك منذ نحو 3 أو أربعة سنوات وأصبح موضوع طرد الدولار من التبادلات التجارية الثنائية بين كثير من دول العالم موضوع أساسي وضيف أساسي على عناوين الأخبار الرئيسية.
وعشرات التفاصيل التي لا تستطيع ذاكرتي استدعاؤها كلها.
كل هذا تم في أقل من عشرة سنين فقط ... والآن العملية تتسرع وتيرتها بصورة عالية جدا حتى الأوروبيين يستعشرون أهمية وجود نظام دفع عالمي إن لم نقل بديل للدولار فعلى الأقل فسنقول نظام "موازي" للدولار.
كل هذه الأمور والتفاصيل لا تأخذها على أنها نهاية المطاف بل هي مجرد بدايات جديدة لمراحل أرقى وأنضج وأعمق.
أنظر للأمر وكأنك مثلي منذ عشرة سنوات تكاد تكون أنت وحدك الصوت العالمي الذي يضج بالتحذير بالدولار والتشجيع على إجراءات عالمية متعددة متداخلة ومعقدة للتخفيف من أثار أحادية احتكار الدولار للنظام العالمي ... ثم أعد النظر لكل ما كتبته لك بالأعلى من تحولات متعددة مر بها العالم فعليا خلال تلك العشرة سنوات السابقة.
سترى فرق هائل جدا تحقق في فترة بسيطة نسبيا قياسا على عمر الأمم والدول الكبرى.
التصريح الألماني لا تنظر له كمجرد تصريح اقتصادي بل هو في جوهره بالأساس تصريح سياسي بحت وإن كان فعليا يبحث عن حلول اقتصادية وقتية لأزمة معينة ولكن سلوك الأمريكان يظهر إمكانية تكرار الأزمة الإيرانية مجددا مع تركيا مثلا أو غيرها لذلك المسألة بقدر ما هي اقتصادية فهي بشكل أعمق وأكبر سياسية بحتة.
فمن يتحدث هنا عن أهمية إظهار وإنتاج نظام "موازي" للدولار ليس أعداء أمريكا الذين يسعون لذلك منذ عشر سنوات بل من يتحدث عن ذلك هو قطب اقتصادي عالمي رئيسي حليف رئيسي قريب وموثوق للأمريكا ويشكل جزء أساسي من القلب الصلب للمنظومة الغربية ككل.
لا تنظر للتصريح ببعده الاقتصادي فحسب فساعتها لن تستوعب أبعاده المتعددة والكبيرة جدا.
أبسط شيء نحن أمام تهديد رئيسي وحقيقي لكل إجراءات ترامب فهل سيفرض عقوبات مشددة على ألمانيا هي الآخرى ؟! وكيف ذلك وهي قلب أوروبا الاقتصادي النابض؟!
ثم إن فرض أو حتى التلميح بفرض عقوبات على ألمانيا يعني أن ترامب يمنح قبلة الموت الفعلية للنظام العالمي ما بعد الحرب العالمية الثانية.
الموضوع هام جدا وكبير جدا بل شديد الضخامة والأهمية ... وهذه التصريحات ستقوم بحشر ترامب في زاوية ضيقة جدا لأن مجرد التفكير في فرض عقوبات على ألمانيا أمر يفوق حتى كل جنونيات ترامب المعهودة وكذلك السكوت عن هذه التصريحات الألمانية يعني تشكل ملامح عالمية مستقلة عن منظومة الضغوط والتأثيرات السلبية الأمريكية وخاصة في أهم جانب منها وهو منظومة الدفع العالمية.
موضوع معقد جدا وشائك جدا من كل جوانبه وكلها جوانب هامة جدا ومؤثرة جدا .... بالإضافة في نهاية الأمر لا تنظر لكل ذلك على أنه الحدث الرئيسي بل مفردات وملابسات الأوضاع العالمية الحالية تظهر بوضوح شديد أن كل الاحتمالات قائمة وكلها ساخنة جدا وهائلة الحجم والتأثير .
وأكتفي بهذا القدر.
خالص تحياتي.