أرض الصومال «دولة» طموحـــة تنتخب برلمانها ورئيسها
المصدر: ترجمة: حسن عبده حسن عن «واشنطن بوست»
التاريخ: 03 مارس 2016
صرّافو العملات يجلسون خلف أكوام من العملة في السوق الرئيس دون وجود حراس منظورين. أرشيفية
بحلول المساء، يمكن مشاهدة أعداد من الماعز تفوق أعداد السيارات في الشوارع غير المعبّدة، في مدينة بربرا التي تقع على القرن الإفريقي. ويبدو أن هذه المدينة، وهي الميناء الرئيس في المنطقة، ستطرأ عليها تغييرات كبيرة يمكن أن تحوّلها ليس إلى مركز إقليمي للعبور فقط، وإنما يمكن أن تموّل طموحات جزء مسالم ومنظم من الصومال، وبناء دولة خاصة فيه.
وعلى الرغم من أن الصومال انحدر نحو الفوضى، بعد انهيار حكومته عام 1991، وعصفت به المجاعة، والحروب بين القبائل، وسيطرة عمليات القرصنة، وحركة «تنظيم الشباب» المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلا أن النصف الشمالي من البلاد انفصل عن الصومال، وشكّل دولة بذاته. وعلى الرغم من عدم اعتراف أي دولة رسمياً بها، إلا أن هذه الدولة التي تعرف باسم «أرض الصومال» لديها الشرطة، والجيش، والعلم، والنقد الخاص بها، وخلال الـ24 عاماً الماضية كانت تجري انتخابات للبرلمان والرئيس. وتعيش «أرض الصومال» على الأموال التي يرسلها الصوماليون المشتتون في العالم، وكذلك من بيع المواشي للدول العربية. ولديها حكومة ضعيفة نسبياً، تمتلك ميزانية صغيرة، تحكم انطلاقاً من إجماع القبائل المحلية.
حلم الوصول إلى البحر
لطالما كانت إثيوبيا المغلقة تحلم بتسهيل وصولها إلى البحر منذ أمد بعيد، إذ إن 90% من تجارتها تتم عن طريق جيبوتي، وهي دولة صغيرة جداً تمتلك ميناءً ضخماً يحقق أرباحاً من إثيوبيا تبلغ مليار دولار سنوياً. وتخطط «أرض الصومال» لتحويل 30% من هذه التجارة عبر ميناء بربرة التابع لها. وقال المستشار الاقتصادي والتجاري في وزارة خارجية «أرض الصومال»، شارماركي جاما: «إنهم بحاجة إلى الحصول على ميناء، وهو أمر ندركه، ونعمل على الاستفادة من ذلك. والموضوع ليس مجرد طريق للوصول إلى الميناء، وانما العلاقة مع إثيوبيا برمّتها».
ولكن كثيرين في «أرض الصومال» يشعرون بأن الدولة لا تسير على ما يرام. وبالنظر إلى العدد المرتفع للعاطلين عن العمل، ناهيك عن عدد أكبر من المهاجرين، فإن «أرض الصومال» تحتاج إلى مزيد من المداخيل كي تستمر وتنمو، حسب ما يقوله هؤلاء، والجواب على ذلك يتمثل في ربط مستقبل الدويلة بجارتها التي تمتلك اقتصاداً أكبر منها بكثير، وهي إثيوبيا.
ويتمثل موقف المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، في تقديم المساعدة لدولة الصومال، كي تتمكن من الوقوف على قدميها واستعادة السيطرة على أرض الصومال. ولكن شعب «أرض الصومال» يقول إن ذلك لن يحدث مطلقاً، إذ لا ينسى كثيرون حملة القصف والتفجير التي نفذتها مقديشو عام 1988، والتي أدت إلى تدمير عاصمة «أرض الصومال» المعروفة باسم هارجيسا، عندما حاولت هذه المنطقة الانفصال عن الصومال. وقال الموظف الحكومي المتقاعد، صاحب اللحية البيضاء، حسن محمد، وهو يقف أمام نصب لطائرة ميغ 17 سقطت عندما كانت تشارك في قصف المنطقة: «لن أسامحهم على القصف الذي نفذوه على بلدنا».
ويرى 70% من سكان «أرض الصومال»، البالغ تعدادهم 3.5 ملايين نسمة، المولودين بعد عام 1991، أن فكرة أن تخضع بلدهم لحكم دولة تعج بها أعمال القرصنة، وتمرد المجموعات الاسلامية، محكوم عليها بالفشل سلفاً. وبالنسبة لهم فإن مقديشو موضوع يظهر في نشرات الأخبار فقط، وهي بعيدة جداً عن هارجيسا النابضة بالحياة بمقاهيها المنتشرة في كل مكان، كما أن الإنترنت متوافرة بصورة كبيرة، وأن صرافي العملات يجلسون خلف أكوام من العملة في السوق الرئيس، دون وجود حراس منظورين. ويقول مبعوث «أرض الصومال» في إثيوبيا، محمد جمعة: «حققت أرض الصومال من الانجازات ما حققت، بمساعدة محدودة من المجتمع الدولي، في مفارقة ساطعة مع المليارات التي يتم ضخها في مقديشو. ونعتقد أن المجتمع الدولي يركب حصاناً ميتاً منذ أمد بعيد خلال رهانه على مقديشو».
وتم توقيع مذكرة تفاهم حول التعرفة الجمركية والنقل، بين «أرض الصومال» وإثيوبيا قبل عام، ومن المتوقع تنفيذ الاتفاق في أسرع وقت ممكن، على الرغم من تعثر المفاوضات المتعلقة باسم الشركة الدولية التي ستقدم المال والخبرة لتوسيع الميناء.
وتجري شركة بناء الموانئ الفرنسية «بولوري» مفاوضات تهدف إلى توسيع الميناء وإدارته منذ سنوات عدة، ولكن ثمة مسؤولين في حكومة «أرض الصومال» يطالبون بالتوجه نحو أطراف أخرى لتطوير الميناء وتوسيعه. وقال الرجل المسؤول عن إدارة ميناء بربرة خلال الـ20 عاماً الماضية، علي عمر، إنه من المبكر التفكير في جلب شريك أجنبي لإدارة الميناء، ويفضل الانتظار والتفاوض من موقف قوي.
وتزداد التجارة عبر هذا الميناء بنسبة 20 الى 30% سنوياً، خلال الأعوام القليلة الماضية. وقال علي من مكتبه في الميناء: «الفكرة المهمة هو بدء التعامل مع الشحن إلى إثيوبيا، ونقل هذا الشحن عبر الطريق البري خلال العام الجاري، وعندما يصبح كل شيء جيداً نبدأ المفاوضات».
ولكن الكثير من التطورات يجب أن تحدث في ميناء بربرة، الذي يتعامل الآن مع أقل من 5% من تجارة إثيوبيا قبل وصول السفن إلى الميناء، كما أن الطريق الذي يصل بين الميناء وحدود «أرض الصومال» مع إثيوبيا عبارة عن أرض صحراوية، غير ممهدة جيداً، كما أنها تعاني كثرة الحفر، في العديد من الأماكن نتيجة الحجارة الرملية التي تخرج من قاع النهر. ولهذا فإنها تبدو غير مناسبة بالنسبة للشاحنات الضخمة. وهذا النوع من البنية التحتية يبدو مكلفاً جداً، إذ إن تكاليف إصلاح الطريق البالغ طوله 300 كيلومتر تصل إلى نحو 300 مليون دولار، وهذا الرقم يعادل الميزانية السنوية لدولة «أرض الصومال»، في حين أن توسيع الميناء سيكلف 200 مليون أخرى على الأقل.
ولا تملك حكومة «أرض الصومال» المال الكافي لإنجاز هذه المشروعات، وبخلاف الدول المتطورة الأخرى، لا تملك الوسيلة الملائمة للدخول إلى المؤسسات المالية العالمية، كي تقترض منها. وتعتبر بريطانيا، الدولة المستعمرة لها سابقاً، المانح الأجنبي الأكبر لها، حيث تقوم الجهة المتخصصة فيها لتقديم المساعدات لدول العالم، وهي وزارة التنمية الدولية، بتقديم النصح والإرشاد لـ«دولة الصومال» حول كيفية تطوير ميناء بربرة، اضافة إلى الطريق الذي ستمر عليه الشاحنات، والذي يربط الميناء مع إثيوبيا، والعكس.
وكان الاتحاد الأوروبي ينوي عقد مؤتمر لجمع التمويل اللازم لهذا الطريق، الشهر الماضي، ولكن تم تأجيل ذلك بعد أن طالبت حكومة الصومال، بأن يكون لها رأي في هذا المشروع، الذي سيقام على أراضٍ لاتزال تعتبر أراضي صومالية. وقال وزير خارجية «أرض الصومال»، سعد علي شير، في مقابلة خاصة: «في بعض الأحيان تحاول حكومة مقديشو أن تخلق لنا المتاعب، عندما يتعلق الأمر بالمساعدات والتنمية لـ(أرض الصومال)، على الرغم من أنها وافقت في الاجتماع الأخير في جيبوتي على فصل التنمية عن السياسة».
ميناء بربرة يقدّم 75% من ميزانية الدولة
مشروع الطريق «سي»
http://media.emaratalyoum.com/image.../2016/03/8ae6c6c5502ee51c0153387779482131.jpg
تعتبر دولة «أرض الصومال» الأولى في العالم التي يتم فيها استخدام موارد الشعب لتمويل مشروعات البنية التحتية، وبالنظر إلى أن هذه الدولة غير معترف بها من قبل المجتمع الدولي، فإنها لا تستطيع الاستدانة من المصارف الدولية كي تستثمر في مشروعات البنية التحتية للدولة. وتقوم الحكومة بجمع الأموال من الشعب الصومالي المقيم على أرضها، اضافة إلى المشتتين في أنحاء العالم بهدف بناء الطرق الخارجية التي ستربط البلد وتشجع النمو عبر أنحاء الدولة. وحتى الآن بلغت التبرعات، والتعهدات بتقديم المال من العامة والشتات، نحو سبعة ملايين دولار. ولتشجيع شعب «أرض الصومال» على التبرع، كان أول شخص يبادر للتبرع بماله هو رئيس «أرض الصومال» أحمد محمد محمود، الذي تبرع بمبلغ 6000 دولار، كما تبرع كل شخص من أفراد الحكومة بجزء من راتبه الشهري من أجل هذه الحملة.
وسيتم تخصيص معظم المبلغ الذي سيتم جمعه لتحسين حالة الطرق الموجودة حالياً التي تربط مدن «أرض الصومال» مع بعضها، خصوصاً الطريق الذي يربط العاصمة هارجيسا مع ميناء بربرة، والذي يبلغ طوله 100 كيلومتر تقريباً.
يمكن أن تؤدي الزيادة المتوقعة في التجارة عبر ميناء بربرة، إلى منح حكومة «أرض الصومال» الإمكانية لتطوير هذه الدولة التي أعلنت استقلالها من جانب واحد فقط، كي تصبح أكثر قوة ومنعة أمام رفض المجتمع الدولي الاعتراف بها، كما يعتقد بعض المسؤولين. ويبقى موضوع الميناء قضية حساسة، في نهاية المطاف، إذ إنه يقدم 75% من ميزانية الحكومة، وتخشى القبائل المحلية التي تعيش في بربرة من خسارة نفوذها، اذا دخلت شركة أجنبية إلى المنطقة. إلا أن المستشار التجاري للحكومة، علي جاما، قال إن قائمة صغيرة من الشركات التي تشغل الميناء سيتم الانتهاء منها خلال شهر، في حين أن القرار النهائي سيتم اتخاذه بحلول شهر أبريل.
ويقول محمد فرح من جمعية «أرض الصومال للسلام والتنمية الفكرية»، إن الطريق الوحيد لإنجاح مشروع الطريق بين ميناء بربرة وإثيوبيا يتمثل في أن تبدأ الحكومة المركزية في «أرض الصومال» بالتصرف كحكومة حقيقية. وأضاف «دون تحدي النظام القبلي، لن يكون لدينا تنمية اقتصادية»، وحتى يتم ذلك سيظل اقتصاد «أرض الصومال» أعرج، اضافة إلى حالة عدم الاعتراف التي تعانيها الدولة، والتي تبعد عنها معظم المستثمرين الدوليين.
وكان عبدالرزاق محمد، وهو مواطن من «أرض الصومال» ترعرع في لندن، قد باع شركة تقنيات المعلومات التي يملكها مع شركائه الماليزيين، وقام بتأسيس شركة تعليب لحوم لتصدير لحوم المواشي في هذه المنطقة الى كل أنحاء العالم.
واستغرق عبدالرزاق وقتاً طويلاً في إقناع شركائه بأن «أرض الصومال» تختلف كثيراً عن الصومال الذي يعرفونه بأنه مكان للقتل والتفجير. وقال عبدالرزاق «يجب على العالم أن يدرك أن (أرض الصومال) آمنة، وتنمو باستمرار. إنها دولة يمكن للمرء أن ينجز الأعمال فيها».