الإثنين 12 نوفمبر 2012 -
خاص الشروق – محمد بصل
أثارت الدعوى القضائية التي أقامها السفير إبراهيم يسري، مساعد وزير الخارجية الأسبق، لإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، العديد من التساؤلات حول «إهدار حقوق القاهرة في 3 حقول غاز تقع في المياه الإقليمية، اثنين منها لصالح إسرائيل»، حسبما جاء في عريضة الدعوة التي حركها أمس.
ويبدي علماء وقانونيون مصريون، اهتمامًا ملحوظًا منذ عدة أشهر، بقضية حقول الغاز الطبيعي المصري «المهدرة في عرض البحر المتوسط، نتيجة تراكب الحدود البحرية بين مصر وإسرائيل وقبرص»، ما انتهى مؤخرًا بإصدار مجلس الشورى تقريرًا رسميًا يطالب بإعادة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وحصلت «الشروق» على صورة من الاتفاقية التي عقدتها مصر مع قبرص عام 2004 بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ما ترتب عليه اقتسام المياه الاقتصادية بين البلدين بالتساوي، بما سمح لقبرص وإسرائيل باستغلال حقول غاز طبيعي عملاقة داخل المياه الاقتصادية المصرية، المحددة بمعايير اتفاقية الأمم المتحدة، لقانون البحار لسنة 1982.
وكشفت الاتفاقية التي وقعت في 19 إبريل 2004 بين الجانبين المصري والقبرصي، عن تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الطرفين، على أساس خط المنتصف، الذي تكون كل نقطة على طول امتداده متساوية الأبعاد من أقرب نقطة على خطوط الأساس لكلا الطرفين، وأن يظهر خط المنتصف الحدود على الخريطة البحرية الدولية الصادرة عن «الأدميرالية البريطانية» برقم 183 ( رأس التين إلى الإسكندرونة ) بمقياس رسم 1: 100000، وأن يتم الاتفاق بين الطرفين – بناء على طلب أي منهما – على إجراء أية تحسينات إضافية لزيادة ودقة توقيع خط المنتصف عند توافر البيانات الأكثر دقة، وذلك استنادًا لذات المبادئ المتبعة.
ونصت الاتفاقية في مادتها الثانية على أنه «في حالة وجود امتدادات للموارد الطبيعية، تمتد بين المنطقة الاقتصادية الخالصة لأحد الأطراف وبين المنطقة الاقتصادية الخالصة للطرف الآخر، يتعاون الطرفان من أجل التوصل إلى اتفاق حول سبل استغلال تلك الموارد».
وفي المادة الثالثة أنه «إذا دخل أحد الطرفين في مفاوضات تهدف إلى تحديد منطقتها الاقتصادية الخالصة مع دولة أخرى، يتعين على هذا الطرف إبلاغ الطرف الآخر والتشاور معه قبل التوصل إلى اتفاق نهائي مع الدولة الأخرى».
كما نصت المادة الرابعة على أن «يتم تسوية أي نزاع ينشأ حول هذا الاتفاق عبر القنوات الدبلوماسية بروح التفاهم والتعاون، وفي حالة عدم تسوية النزاع عبر القنوات الدبلوماسية، يتم إحالة النزاع إلى التحكيم».
هذه الاتفاقية كان من الممكن أن تظل عادية وتسري بدون مشاكل، حتى أعلن الرئيس القبرصي في يناير 2011 عن اكتشاف بلاده أحد أكبر احتياطيات الغاز في العالم، وتقدر مبدئيًا بنحو 27 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار، فيما يسمى البلوك-12 من امتيازات التنقيب القبرصية، والمعطاة لشركة نوبل إنرجي، وقرر تسميته حقل «أفروديت».
ويقع البلوك-12 في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس المغمور في البحر، والذي يدخل ضمن حدود مصر البحرية منذ أكثر من 2000 سنة، حسبما جاء في الدعوى والتقريرين العلميين.
جذبت القضية الدكتور خالد عبد القادر عودة، أستاذ الجيولوجيا المتفرغ بجامعة أسيوط، والذي أعد تقريرًا استعان به السفير إبراهيم يسري في دعواه، جاء فيه أنه «بدأت تظهر في السنوات الثلاث الأخيرة ملامح ثروة هائلة من احتياطات الغاز الطبيعي، حيث أعلنت إسرائيل وقبرص عن اكتشافات تعدت احتياطاتها 1.22 تريليون متر مكعب، تقدر قيمتها الحالية بنحو 220 مليار دولار».
هذه الاكتشافات في 3 حقول أساسية، اثنين إسرائيليين هما لفياثان (80 مليار دولار) وشمشون (20 مليار دولار) وحقل قبرصي واحد هو أفروديت (120 مليار دولار)، والأمر المشترك بين الحقول الثلاثة أنها جميعًا في منطقة جغرافية واحدة، تتداخل فيها الحدود المصرية والقبرصية والإسرائيلية.
هذا الأمر جذب باحثًا مصريًا آخر هو الدكتور نائل الشافعي، الباحث في جامعة ماساتشوستس الأمريكية، الذي أجرى عملية بحث تصويري على منطقة الحقول الثلاثة، فاكتشف أن حقلي لفياثان الإسرائيلي المكتشف عام 2010 وأفروديت القبرصي المكتشف عام 2011 يقعان داخل المياه المصرية الاقتصادية الخالصة، على بعد 190 كيلو مترًا فقط من دمياط، و235 كيلو مترًا من حيفا في الأراضي المحتلة، و180 كيلو مترًا من ليماسول القبرصية، كما أنهما يقعان في السفح الجنوبي لجبل إراتوستينس الغاطس، الذي تتحدث الخرائط القديمة عن مصريته منذ 2200 عام.
وكانت المفاجأة الثانية، أن الجزء الجنوبي من سفح هذا الجبل الغاطس يدخل ضمن نطاق امتياز شركة شمال المتوسط المصرية، المعروفة اختصارًا باسم «نيميد»، والذي منحت مصر امتياز التنقيب فيه واستغلاله لشركة رويال دتش شل الهولندية العملاقة عام 1999.
أعلنت شركة شل في 16 فبراير 2004 عن اكتشاف احتياطيات للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرق البحر الأبيض المتوسط.
وأوضح البيان، أن الشركة ستبدأ المرحلة الثانية من عملية الاستكشاف وتستمر أربعة أعوام، وتهدف إلى تحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة، إلا أن الشركة انسحبت منه في مارس 2011، دون أسباب واضحة.
وتكشف الخرائط عن أن حقل «نيميد» المصري، الذي انسحبت منه شركة شل «متراكب تمامًا» مع حقل «بلوك 12»، القبرصي الذي يعتبر بئر أفروديت جزءًا منه.
وبموجب الاتفاقية الموقعة بين مصر وقبرص، واتفاقية ترسيم المياه الاقتصادية بين الدول الصادرة عام 1982، فإن تراكب مواقع الثروات الطبيعية في البحار يستلزم توزيع الثروات على الدولتين الجارتين بالمناصفة، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول عدم مطالبة مصر بحقها في حقل أفروديت العملاق.
وأكدت دعوى السفير إبراهيم يسري، أن مسألة التوزيع بالمناصفة ليس الثغرة الوحيدة التي تمكن مصر من المشاركة في ثروات هذا الحقل، بل أيضًا لأن شركتي شل مصر وبدر الدين «شركة مشتركة بين شل والهيئة العامة للبترول» هما اللتين قامتا بأعمال الحفر عام 2004 لأعماق تصل إلى 2400 متر تحت سطح البحر في سفح جبل إيراتوستينس الغاطس، ولم تعترض قبرص على أعمال الحفر آنذاك، الأمر الذي يؤكد حق مصر في هذا الحقل الجديد.
وانتقلت الدعوى لموضوع حقل «لفياثان» الإسرائيلي؛ حيث تكشف الخرائط أنه يبعد فقط بمسافة تتراوح بين كيلو مترين وكيلو مترين ونصف شرق حقل أفروديت، وهو يقترب من مصر أكثر مما يقترب من إسرائيل بطبيعة الحال؛ فالمياه الإقليمية الاقتصادية لأية دولة لا تتعدى 200 كيلو متر، وإسرائيل اكتشفت حقل لفياثان على بعد 235 كيلو مترًا من آخر نقطة ساحلية إسرائيلية، وهو يبعد في الوقت ذاته 190 كيلو مترًا فقط من دمياط.
أما الحقل الإسرائيلي الثاني، وهو حقل شمشون فهو يبعد عن الساحل الشمالي لبحيرة المنزلة 114 كيلو مترًا فقط، وبأبعد من ذلك عن آخر نقطة ساحلية إسرائيلية، ويدعم هذا –وفق أبحاث د.نائل الشافعي- أن إسرائيل لم تنشر خريطة رسمية واحدة لحقلي لفياثان وشمشون خلال المدة الماضية، وهو ما يعتبره تقرير الشافعي دليلاً على أن قبرص سمحت لإسرائيل باستغلال هذين الحقلين في غفلة من مصر.