رد: ثوره ايران وإقليم الاحواز تشتعل
فتحي خطاب- مصر
( عربستان ) .. قضية عربية منسية عمدا !!
( من المفارقات التاريخية أن يتوجه الحاج أمين الحسيني مفتي القدس , وإستجابة لنصيحة عدد من رموز القوى السياسية والوطنية العربية في خريف عام 1924 إلى حاكم إمارة عربستان على الضفة الشرقية للخليج العربي الشيخ " خزعل الكعبي " طلبا للدعم المادي والمعنوي لنضال الشعب الفلسطيني في مواجهة ما يجرى تنفيذه على الأرض من غزو طوفان المهاجرين اليهود تمهيدا لإنشاء دولة يهودية في فلسطين ,عقب إعلان وعد بلفور , ثم سقوط القدس تحت الاحتلال البريطاني ودخول القوات البريطانية بقيادة "أدموند اللنبي " , وقيام عصبة الأمم في 24/7/1922 بفرض الانتداب البريطاني على فلسطين !! وفي مدينة المحمرة - عاصمة عربستان - يتكفل الأمير العربي " خزعل الكعبي " بمطالب مفتي القدس , ومساندة الحركة الوطنية الفلسطينية في رفض الانتداب البريطاني وإلغاء وعد بلفور واستقلال فلسطين .. وبعد أقل من عام من عودة مفتي القدس , وموجات الهجرة تتدفق على ربوع وطنه , ومستعمراتها الاستيطانية تقوم وتتوسع كل يوم , كانت إمارة " عربستان " العربية تسقط بدورها تحت الاحتلال الفارسي 1925 .
-( وتصدرت القضية الفلسطينية , , هموم الوطن العربي , وتراجعت قضية عربستان إلى هامش النسيان , وأصبحت قضية عربية منسية عمدا , وبعد أن أدرجت في عام 1964 على جدول أعمال القمة العربية بالقاهرة , وصدرت قرارات تساند حقوق الإمارة العربية " عربستان " مساندة كاملة , وقررت القمة التوعية بقضية عربستان في المناهج الدراسية العربية , وبرامج الإعلام العربي , ثم تدخلت المصالح والأهداف السياسية , وحركة توازنات القوى في الإقليم - لصالح إيران بالطبع - وأسدل الستار العربي تقريبا على قضية احتلال دولة عربية !! وفيما أظن - وأعتقد أن تصوري صحيح - أن غالبية الشعوب العربية لا تعرف شيئا عن تاريخ وجغرافية الإمارة العربية المحتلة , قبل وبعد تحالف شاه إيران " رضا خان بهلوي " مع الاحتلال البريطاني , واختطف الإنجليز الأمير خزعل وأرسل إلى إيران ويتم إعدامه , ثم شنت إيران في 20/4/1925 حملة عسكرية على إمارة عربستان , انتهت باحتلال وطن عربي يحمل اسما تاريخيا " الأحواز " .. وكان البريطانيون قد سبق لهم أن دعموا شاه إيران بفتوى تسمح له باحتلال الأحواز , حينما أفتى 18 عالما شيعيا صفويا من ذوي الأصول الفارسية ممن كانوا يقيمون في النجف وكربلاء , ومن بينهم المرجع الشيعي ميرزا النائيني والمرجع الشيعي الصفوي أبو الحسن الأصفهاني , بضرورة الخروج عن طاعة الأمير خزعل الكعبي حاكم إمارة عربستان , فهو " كافر " ولا يجب على الشعب العربي الأحوازي المسلم الشيعي أن يخرج مع خزعل الكافر ضد الشاه رضا خان بهلوي " المسلم " , وجاءت الفتوى مقدمة لشرعنه الاحتلال الفارسي لدولة عربية قوية !!
-( والشاهد تاريخيا .. أن السياسة البريطانية قد لعبت دورا محوريا في احتلال واغتصاب " فلسطين " في قلب الوطن العربي , و"الأحواز" على البوابة الشرقية للوطن العربي , وبامتداد الخليج العربي , ومن بندر عباس شرقا إلى المحمرة غربا , وبمحاذاة مدينة البصرة العراقية , وفي مشهد من أغرب مشاهد التاريخ العربي , يكفي في حد ذاته لشرح وتصوير الطريقة التي كانت تتقرر بها مصائر العرب !! ومن المصادفات التاريخية أيضا أن ترتبط قضية احتلال واغتصاب أراض عربية ( فلسطين , والأحواز ) بنفس المزاعم والادعاءات تقريبا التي تستند إلى مواريث من الماضي لإيقاظ " وعي اليهود " و " وعي الفرس " وقد التقيا في زمن الاتفاق على تقسيم إرث الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى !!وأن تبدأ وتتصل وتتداعى فصول القصة من أولها وإلى العقد المستحكمة فيها , وحتى النهايات المقدرة لها , في سياق متشابه : ومن إختلاط الديانات مع السياسات .. وصدام الحقوق مع الأسلحة .. وصراع الماضي مع مطامع ومقاصد وأحلام الهيمنة !!
-( * وإذا كانت المسألة اليهودية والأحلام الصهيونية قد ظهرت على مسرح الأحداث في الثلث الأول للقرن التاسع عشر , بأوهام العودة إلى أرض الميعاد , وبدعم الفكر الإستراتيجي الأوروبي - النافذ وقتها - بقيام الدولة الحاجز , العازلة , وأن ينقطع العالم العربي إلى نصفين .. فإن " الفرس " أيضا قد ظهروا على مسرح الأحداث في " الأحواز" كقوة أجنبية لا تربطها بالإقليم العربي أية صلة , سواء من الناحية الجغرافية - وتفصلها عن إيران سلسلة جبال زاجروس من الشمال - أومن الناحية التاريخية أو الحضارية أو الاجتماعية , ولكن لعبت المطامع دورها في أرض الأحواز التي تشكل ممرا تجاريا استراتيجيا يربط بين الوطن العربي من جهة , وبين آسيا الصغرى من الجهة الأخرى , وتميزت بازدهار التجارة , وخصوبة الأراضي , وتشعب الأنهار فيها - خمسة أنهار كبرى , وتفرعاتها من الروافد النهرية الصغيرة - وهي أول دولة عربية ظهر داخل أراضيها النفط وبكميات كبيرة منذ عام 1908 باكتشاف حقل مسجد سليمان , وتضم حاليا أكثر من 85 % من ثروات الناتج القومي لإيران , وعلى سبيل المثال نجد أن 95 % من البترول و90 % من الغاز و40 % من الحبوب , ومن مجمل الناتج الإيراني , داخل أراضي الإقليم العربي الأحوازي ..
-( وإذا كان الإيرانيون يجادلون في أحقيتهم التاريخية في أرض الأحواز بمقولة : إن حكام فارس قد احتلوا هذه المنطقة لفترة من الزمن , فإن سكان عربستان يردون عليهم بأن اليونان والرومان والعرب حكموا فارس ثلاثة عشر قرنا , وقد استمرت السيطرة العربية على بلاد فارس آمادا طويلة , فهل ادعى أحد عروبتها ?! والمطامع لا تستند إلى ماض من سنوات الاحتلال , ولكن حقيقة المقاصد والأهداف كشفت عنها مذكرات الشاه رضا خان بهلوي بقوله : " لقد فكرت كثيرا قبل إقدامي على اقتحام أكبر معقل يفصل بين فارس والعراق , فوجدت أنه من الضروري القضاء على أمير عربستان .." والقصد بالطبع بوابة الدول العربية من جهة الشرق !! وحتى شاه إيران الأخير " محمد رضا بهلوي " كان له رأي لا يخفيه في العرب , وهو يشعر بعقدة استعلاء غريبة تصور له أنه وريث إيوان كسرى , أمام قبائل من البدو الرحل , يعرفون فقط التعامل مع قطعان الغنم!!
-( أما أحكام وثوابت التاريخ فهي تسجل عروبة الأحواز , ومنذ سنوات ما قبل الفتوحات الإسلامية , حين نزحت إلى منطقة الأحواز قبائل عربية أخرى آتية من قلب الجزيرة العربية , منها قبائل مالك , وكليب , واستقرت هناك , وعندما قامت الجيوش العربية الإسلامية بفتح هذه المنطقة أسهم السكان العرب معها في القضاء على الهرمزان في سنة 17 هجرية , وطوال عهد الخلافة الأموية ثم العباسية , وصولا إلى الحكم العثماني , كانت " الأحواز " جزءا لا يتجزأ من الأراضي التابعة للخلافة, واستمر الأمر كذلك حتى 1925 ويقول المؤرخ الإنجليزي " لونفريك " في كتابه " أربعة قرون من تاريخ العراق " في أراضي عربستان الزراعية المنبسطة تستقر قبائل عربية تمتلك الأرض , وتسيطر على طرق المنطقة , وتفرض الضرائب على الطرق النهرية دون معارضة من أحد , وأكثر من مرة حاول الإنجليز بالتعاون مع الفرس احتلال الأحواز دون جدوى !! وعندما تحركت بريطانيا لإقامة معمل لتكرير البترول في عبادان , وهي جزء من أرض عربستان , انتدبت السير" برسي كاكس " ليتفاوض نيابة عنها مع أمير عربستان باعتباره الحاكم العربي الأعلى في المنطقة , لعقد اتفاقية بشأن السماح باستخدام خط أنابيب البترول للمرور عبر أراضي إمارته متجها إلى مصفاة عبادان , وكان يتسلم وفق هذا الاتفاق إيجارا سنويا قيمته 650 جنيها .. ولم تكن أهمية الإقليم الأحوازي في الثروات المعدنية أو البترول المحبوس تحت شواطئه , أو بسط السيطرة على طرق التجارة إلى الشرق , ولكن أيضا للموقع الجغرافي الهام على امتداد الشاطئ الشرقي للخليج العربي, الذي يتميز بعمق مياهه , مما يسهل إقامة العديد من الموانئ الطبيعية , في حين أن مياه الخليج من جهة سواحل دول الخليج العربية ضحلة , مما يجبر الحكومات الخليجية على إقامة موانئ صناعية ..
-( وتبقى هناك مفارقة أكثر منها مصادفة , فقد أطلق الفرس على المنطقة الأحوازية المحتلة تسمية "عربستان ", وهو اعتراف ضمني بعروبتها واستقلالها , ورغم إصرارهم في الوقت نفسه على تسمية الخليج العربي بالفارسي وحتى بعد الثورة الإسلامية في إيران 1979 ومما يعكس بعدا قوميا متطرفا يرفض الحلول الوسط والتوفيق , وقد اقترح العرب تسمية هذا المسطح المائي باسم " الخليج " فقط دون توصيف , ولكن إيران رفضت , كما اقترحوا تسميته الخليج الإسلامي باعتبار أن دول الضفتين هي دول إسلامية , رفضت إيران , واقترح العرب " الخليج العربي الفارسي" فرفضت إيران أيضا, ومعنى هذا أن مفهوم الهيمنة هو من المفاهيم المسيطرة على الشخصية الإيرانية , سواء في طابعها القومي التقليدي أو الليبرالي أو الإسلامي .. فالإسلام القادم من إيران يرتدي عباءة فارسية متأثرة بالمواريث الحضارية لأمة تعيش في جو حصار بين شبه القارة الهندية , وشبه الجزيرة العربية !! وإيران تدرك تماما أن شعب الأحواز العربي يمتد على طول ضفة الخليج العربي الشرقية , ومن أول مداخلها على شط العرب , إلى مضيق هرمز , ومما ينفي تماما اسمه الفارسي إذا حصلت دولة الأحواز العربية على استقلالها , فضلا عن العمق الاستراتيجي الذي يعد خط الدفاع العربي الأول في مواجهة المخططات الإيرانية التوسعية نحو دول الخليج , والتي بدأت باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث : طنب الكبرى , وطنب الصغرى , وأبو موسى , ورفض الاحتكام إلى أي جهة قانونية مستقلة كمحكمة العدل الدولية أو أي طرف ثالث , والمطالبة بالبحرين كمحافظة إيرانية 1971 ثم تكررت تلك المزاعم على متن تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين !!
-( * وهواجس البعد القومي للقطر العربي الأحوازي , وأهميته الاستراتيجية للمنطقة العربية , دفعت الإيرانيين إلى حرمان الشعب الأحوازي من تسجيل المواليد من الذكور والإناث بأسماء عربية !! وتحريم ارتداء الأزياء العربية التقليدية ( الكوفية والعقال ) وإلغاء دراسة اللغة العربية في المناهج المدرسية رغم أن اللغة العربية هي لسان حال الشعب الأحوازي من الشيعة العرب والسنة والصابئة - أكثر من 10 ملايين نسمة - على امتداد 24 مدينة و3 آلاف قرية داخل مساحة تصل إلى 324 ألف كيلو متر مربع ..
-( وإذا كانت المصائر قد تقررت داخل فلسطين والأحواز, في زمن رسم الخرائط الجديدة في المنطقة, بما فيها خرائط الاستقلال , وخرائط التقسيم , وخرائط الانتداب , وخرائط الحماية , ثم جرت الوقائع ونتائجها المأساوية على النحو الذي جرت عليه , فإن ممارسات الاحتلال داخل الجغرافيتين العربيتين كانت ولاتزال متطابقة تماما , من سياسات العقاب الجماعي , والتهجدير القسري ( تم تهجير أربعة ملايين عربي أحوازي إلى العمق الإيراني منذ عام 1925 ) وبين سياسات " التهويد " و" التفريس " وتمدد المستوطنات والمشاريع الاستيطانية , وسلب الأراضي تحت مسميات اقتصادية , وسلب المياه الجوفية في فلسطين , ومياه الأنهار في الأحواز , وحتى عدد المعتقلين متقارب - 12 ألف معتقل داخل سجون كل من إسرائيل وإيران !! - وبعد الإطاحة بنظام حكم البهلويين عام 1979 تصور الشعب العربي الأحوازي أن شعارات الجمهورية الإسلامية الجديدة يمكن تطبيقها على الأرض , وبالتالي فإن التعامل مع قضيتهم سوف يفتح الأبواب للحوار حول تقرير مصيرهم .. ولكن الطموحات الإيرانية السياسية لا تتغير , والمطامع الإيرانية لا تحدها العمامة الإسلامية , وهناك مواريث في أعماق النفوس لا تستطيع إلغاءها !! وجاءت ممارسات إيران الإسلامية أكثر تعسفا في الرغبة في تغيير وجه الإقليم العربي الأحوازي , وصدرت وثيقة " أبطحي " رئيس مكتب رئاسة الجمهورية في عهد محمد خاتمي , بترحيل مليون ونصف المليون من عرب الأحواز إلى داخل إيران بهدف التغيير الديمغرافي للمنطقة الأحوازية , وحين انتفض الأحوازيون وقعت مذبحة "المحمرة" 15/4/2005 والمقاومة الشعبية لاتزال مفتوحة ..
-( وإذا كان الشعب الأحوازي العربي وإقليمه , خضع للسيادة العربية منذ آلاف السنين , فإن عنصر القانون والشرعية الدولية في أي قضية , ليس هو ضابط إيقاعها , وإنما ضابط الإيقاع حقائق القوة , وتوازنات المصالح السياسية والاستراتيجية , وفي المقابل فإن أكبر مشاكل العالم العربي أن النظرة الجزئية تشغل كل تفكيره , وهناك غياب للرؤية الشاملة , ومصادر القرار العربي المؤثرة , كلها متهالكة , ولذلك بقيت " عربستان " قضية عربية منسية عمدا !! .
http://alarabalyawm.batelco.jo/pages.php?articles_id=20417