موجز تاريخ الدولة الأموية

بماذا حمس قائد الجيوش العباسية جنوده لمعركتهم ضد الأمويين في خراسان
===



لما دخل أبو مسلم الخراسانى زعيم الدعوة العباسية مدينة مرو سنة 130ه هرب منها نصر بن سيار أمير خراسان من قبل مروان بن محمد الأموي ثم سار إلى نباته ابن حنظلة عامل جرجان فوجه أبو مسلم قحطبة بن شبيب في جيش لقتاله وقدم قحطبة فنزل بإزاء نباتة بخراسان وأهل الشأم في عدة لم ير الناس مثلها فلما رآهم أهل خراسان هابوهم حتى تكلموا بذلك وأظهروه وبلغ قحطبة قائد الجيوش العباسية فقام فيهم خطيبا

فقال قحطبة بن شبيب الطائي :

(( يأهل خراسان هذه البلاد كانت لآبائكم الأولين (( اي الفرس)) وكانوا ينصرون على عدوهم لعدلهم وحسن سيرتهم حتى بدلوا وظلموا فسخط الله عز و جل عليهم فانتزع سلطانهم وسلط عليهم أذل أمة كانت في الأرض عندهم (( أي العرب)) فغلبوهم على بلادهم واستنكحوا نساءهم واسترقوا أولادهم فكانوا بذلك يحكمون بالعدل ويوفون بالعهد وينصرون المظلوم ثم بدلوا وغيروا وجاروا في الحكم وأخافوا أهل البر والتقوى من عترة رسول الله فسلطكم عليهم لينتقم منهم بكم ليكونوا أشد عقوبة لأنكم طلبتموهم بالثأر وقد عهد إلى الإمام أنكم تلقونهم في مثل هذه العدة فينصركم الله عز و جل عليهم فتهزمونهم وتقتلونهم ))



 
قال الامام الحافظ شمس الدين الذهبي صاحب سير اعلام النبلاء وتلميذ شيخ الاسلام ابن تيمية في " سير أعلام النبلاء " (6/58) :

قُلْتُ: فَرِحنَا بِمَصِيْرِ الأَمْرِ إِلَيْهِم أي العباسيين ، وَلَكِنْ - وَاللهِ - سَاءنَا مَا جَرَى ؛ لِمَا جَرَى مِنْ سُيُولِ الدِّمَاءِ ، وَالسَّبْيِ، وَالنَّهْبِ - فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ - فَالدَّولَةُ الظَّالِمَةُ مَعَ الأَمنِ وَحَقنِ الدِّمَاءِ ، وَلاَ دَوْلَةً عَادلَةً تُنتَهَكُ دُوْنَهَا المَحَارِمُ ، وَأَنَّى لَهَا العَدْلُ ؟ بَلْ أَتَتْ دَوْلَةً أَعْجَمِيَّةً خُرَاسَانِيَّةً جَبَّارَةً، مَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالبَارِحَةِ .ا.هـ.


يقصد ابو مسلم الخراساني ومافعله
 
مروان بن محمد اخر خليفة اموي كانت امه - كردية - واتخذ من مدينة حران جنوب شرق تركية القريبة من سورية مقراً لادارته وهجر دمشق لسيطرة قبائل اليمانيين عليها ...وقد كان كبار بني امية يتطيرون بسبب ذلك كون هناك نبوءة بأن نهاية الحكم الأموي سيكون عبر اموي امه ليست عربية وانما جارية
 
مسلمة بن عبد الملك والذى كان له باعاً طويلاً في علم الحدثان قد وصلته نبوءة تقول بأن عدواً سيأتى من الشرق ويقضي على الحكم الأموي، إلا أن فتى أموياً سوف يتمكن من إقامته من جديد في بلاد الأندلس٬ وعندما نظر مسلمة إلى عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك لأول مرة في رصافة هشام بعد وفاة أبيه رأى في وجهه العلامات التي تدل على أنه الأموي المقصود
 
الوليد بن عبد الملك ( سير أعلام النبلاء - الامام العالم الحافظ الذهبي الدمشقي)


الوليد الخليفة أبو العباس الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي الدمشقي الذي أنشأ جامع بني أمية بويع بعهد من أبيه وكان مترفا دميما سائل الأنف طويلا أسمر بوجهه أثر جدري في عنفقته شيب يتبختر في مشيه... وكان قليل العلم ... نهمته في البناء أنشأ أيضا مسجد رسول الله وزخرفه ورزق في دولته سعادة ففتح بوابة الأندلس وبلاد الترك ...وكان لحنة وحرص على النحو أشهرا فما نفع .... وغزا الروم مرات في دولة أبيه وحج وقيل كان يختم في كل ثلاث وختم في رمضان سبع عشرة ختمة وكان يقول لولا أن الله ذكر قوم لوط ما شعرت أن أحدا يفعل ذلك

قال ابن أبي عبلة : رحم الله الوليد وأين مثل الوليد افتتح الهند والأندلس وكان يعطي قصاع الفضة أقسمها على القراء وقيل إنه قرأ على المنبر يا ليتها بالضم وكان فيه عسف وجبروت وقيام بأمر الخلافة وقد فرض للفقهاء والأيتام والزمنى والضعفاء وضبط الأمور فالله يسامحه وقد ساق ابن عساكر أخباره مات في جمادى الآخر سنة ست وتسعين وله إحدى وخمسون سنة وكان في الخلافة عشر سنين سوى أربعة أشهر وقبره بباب الصغير وقام بعد أخوه سليمان بعهد له من أبيهما عبد الملك وقد كان عزم على خلع سليمان من ولاية العهد لولده عبد العزيز فامتنع عليه عمر بن عبد العزيز وقال لسليمان بيعة في أعناقنا فأخذه الوليد وطين عليه ثم فتح عليه بعد ثلاث وقد مالت عنقه وقيل خنقه بالمنديل حتى صاحت أخته أم البنين فشكر سليمان لعمر ذلك وعهد إليه بالخلافة وله ترجمة طويلة في تاريخ دمشق وغير ذلك
 

يزيد بن معاوية ( سير أعلام النبلاء - الامام العالم الحافظ الذهبي الدمشقي)

يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان بن حرب بن أمية الخليفة أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي

قد ترجمه ابن عساكر وهو في تاريخي الكبير له على هناته حسنة وهي غزو القسطنطينية وكان أمير ذلك الجيش وفيهم مثل أبي أيوب الأنصاري عقد له أبوه بولاية العهد من بعده فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين وله ثلاث وثلاثون سنة فكانت دولته أقل من أربع سنين ولم يمهله الله على فعله بأهل المدينة لما خلعوه فقام بعده ولده نحوا من أربعين يوما ومات هو. أبو ليلى معاوية عاش عشرين سنة وكان خيرا من أبيه وبويع ابن الزبير بالحجاز والعراق والمشرق

ويزيد ممن لا نسبه ولا نحبه وله نظراء من خلفاء الدولتين وكذلك في ملوك النواحي بل فيهم من هو شر منه وإنما عظم الخطب لكونه ولي بعد وفاة النبي بتسع وأربعين سنة والعهد قريب والصحابة موجودون كابن عمر الذي كان أولى بالأمر منه ومن أبيه وجده

قيل إن معاوية تزوج ميسون بنت بحدل الكلبية فطلقها وهي حامل بيزيد فرأت كأن قمرا خرج منها فقيل تلدين خليفة وكان يزيد لما هلك أبوه بناحية حمص فتلقوه إلى الثنية وهو بين أخواله على بختي ليس عليه عمامة ولا سيف وكان ضخما كثير الشعر شديد الأدمة بوجهه أثر جدري فقاتل الناس هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة فدخل على باب توما وسار إلى باب الصغير فنزل إلى قبر معاوية فوقف عليه وصفنا خلفه وكبر أربعا ثم أتى ببغله فأتى الخضراء وأتى الناس لصلاة الظهر فخرج وقد تغسل ولبس ثيابا نقية فصلى وجلس على المنبر وخطب وقال إن أبي كان يغزيكم البحر ولست حاملكم في البحر وإنه كان يشتيكم بأرض الروم فلست أشتي المسلمين في أرض العدو وكان يخرج العطاء أثلاثا وإني أجمعه لكم فافترقوا يثنون عليه وعن عمرو بن قيس سمع يزيد يقول على المنبر إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يغير فيؤاخذ الكل وقيل قام إليه ابن همام فقال أجرك الله يا أمير المؤمنين على الرزية وبارك لك في العطية وأعانك على الرعية فقد رزئت عظيما واعطيت جزيلا فاصبر واشكر فقد أصبحت ترعى الأمة والله يرعاك وعن زياد الحارثي قال سقاني يزيد شرابا ما ذقت مثله فقلت ياأمير المؤمنين لم أسلسل مثل هذا قال هذا رمان حلوان بعسل أصبهان بسكر الأهواز بزبيب الطائف بماء بردى وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال سكر يزيد فقام يرقص فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه

قلت كان قويا شجاعا ذا رأي وحزم وفطنة وفصاحة وله شعر جيد وكان ناصبيا فظا غليظا جلفا يتناول المسكر ويفعل المنكر افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين واختتمها بواقعة الحرة فمقته الناس ولم يبارك في عمره وخرج عليه غير واحد بعد الحسين كأهل المدينة قاموا لله وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري ونافع بن الأزرق وطواف بن معلى السدوسي وابن الزبير بمكة

ابن عون عن ابن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أنه ذكر أبا بكر الصديق فقال أصبتم اسمه ثم قال عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ابن عفان ذو النورين قتل مظلوما معاوية وابنه ملكا الأرض المقدسة والسفاح وسلام ومنصور وجابر والمهدي والأمين وأمير العصب كلهم من بني كعب بن لؤي كلهم صالح لا يوجد مثله تابعه هشام بن حسان وروى يعلى بن عطاء عن عمه قال كنت مع عبد الله بن عمرو حين بعثه يزيد إلى ابن الزبير فسمعته يقول له إني أجد في الكتب إنك ستعنى ونعنى وتدعي الخلافة ولست بخليفة وإني أجد الخليفة يزيد وعن الحسن أن المغيرة بن شعبة أشار على معاوية ببيعة ابنه ففعل فقيل له ما وراءك قال وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة قال الحسن فمن أجل ذلك بايع هؤلاء أولادهم ولولا ذلك لكانت شورى وروي أن معاوية كان يعطي عبد الله بن جعفر في العام ألف ألف فما وفد على يزيد أعطاه ألفي ألف وقال والله لا أجمعهما لغيرك روى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن مكحول عن أبي عبيدة مرفوعا لايزال أمر أمتي قائما حتى ويثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد أخرجه أبو يعلي في مسنده ويرويه صدقة السمين وليس بحجة عن هشام عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة مرفوعا

وعن صخر بن جويرية عن نافع قال مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى ابن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى فقال ابن مطيع إنه يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدى حكم الكتاب قال ما رأيت منه ما تذكر وقد أقمت عنده فرأيته مواظبا للصلاة متحريا للخير يسأل عن الفقه قال ذاك تصنع ورياء وروى محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا يحيى بن عبد الملك ابن أبي غنية عن نوفل بن أبي الفرات قال كنت عند عمر بن عبد العزيز فقال رجل قال أمير المؤمنين يزيد فأمر به فضرب عشرين سوطا توفي يزيد في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين
 
معاوية بن يزيد بن معاوية ( سير أعلام النبلاء - الامام العالم الحافظ الذهبي الدمشقي)

معاوية بن يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان....أبو ليلى الخليفة بويع بعهد من أبيه وكان شابا دينا خيرا من أبيه وأمه هي بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة ...فولي أربعين يوما وقيل ثلاث أشهر وقيل بل ولي عشرين يوما ومات وله ثلاث وعشرون سنة وقيل إحدى وعشرون سنة وقيل بل سبع عشرة سنة وصلى عليه مروان ودفن إلى جنب قبر أبيه ولم يعقب وامتنع أن يعهده بالخلافة إلى أحد رحمه الله
 
عبد الملك بن مروان ( سير أعلام النبلاء - الامام العالم الحافظ الذهبي الدمشقي)

عبد الملك بن مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية الخليفة الفقيه أبو الوليد الأموي ولد سنة ست وعشرين سمع عثمان وأبا هريرة وأبا سعيد وأم سلمة ومعاوية وابن عمر وبريرة وغيرهم ذكرته لغزارة علمه حدث عنه عروة وخالد بن معدان ورجاء بن حيوة وإسماعيل بن عبيد الله والزهري وربيعة بن يزيد ويونس بن ميسرة وآخرون

تملك بعد أبيه الشام ومصر ثم حارب ابن الزبير الخليفة وقتل أخاه مصعبا في وقعة مسكن واستولى على العراق وجهز الحجاج لحرب ابن الزبير فقتل ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين واستوسقت الممالك لعبد الملك قال ابن سعد كان قبل الخلافة عابدا ناسكا بالمدينة شهد مقتل عثمان وهو ابن عشر واستعمله معاوية على المدينة كذا قال وإنما استعمل أباه وكان أبيض طويلا مقرون الحاجبين أعين مشرف الأنف رقيق الوجه ليس بالبادن أبيض الرأس واللحية عبد الله بن العلاء بن زبر عن يونس بن ميسرة عن عبد الملك أنه قال على المنبر سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ما من مسلم لا يغزو أو يجهز غازيا أو يخلفه بخير إلا أصابه الله بقارعة قبل الموت قال عبادة بن نسي قال ابن عمر إن لمروان ابنا فقيها فسلوه وقيل إن أبا هريرة نظر إلى عبد الملك وهو غلام فقال هذا يملك

جرير بن حازم عن نافع قال لقد رأيت المدينة وما بها شاب أشد تشميرا ولا أفقه ولا أنسك ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك وقال أبو الزناد فقهاء المدينة سعيد بن المسيب وعبد الملك وعروة وقبيصة بن ذؤيب وعن ابن عمر ولد الناس أبناء وولد مروان أبا وعن يحيى بن سعيد الأنصاري أول من صلى بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه كانوا يصلون إلى العصر إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال ما جالست أحدا إلا وجدت لي عليه الفضل إلا عبد الملك وقيل إنه تأوه من تنفيذ يزيد جيشه إلى حرب ابن الزبير فلما ولي الأمر جهز إليه الحجاج الفاسق قال ابن عائشة أفضى الأمر إلى عبد الملك والمصحف بين يديه فأطبقه وقال هذا آخر العهد بك قلت اللهم لا تمكر بنا قال الأصمعي قيل لعبد الملك عجل بك الشيب قال وكيف لا وأنا أعرض عقلي على الناس في كل جمعة قال مالك أول من ضرب الدنانير عبد الملك وكتب عليها القرآن

وقال يوسف بن الماجشون كان عبد الملك إذا جلس للحكم قيم على رأسه بالسيوف وعن يحيى بن يحيى الغساني قال كان عبد الملك كثيرا ما يجلس إلى أم الدرداء في مؤخر مسجد دمشق فقالت بلغني أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة فقال إي والله والدماء وقيل كان أبخر قال الشعبي خطب عبد الملك فقال اللهم إن ذنوبي عظام وهي صغار في جنب عفوك يا كريم فاغفرها لي قلت كان من رجال الدهر ودهاة الرجال وكان الحجاج من ذنوبه توفي في شوال سنة ست وثمانين عن نيف وستين سنة
 

ثم دخلت سنة ثلاث وستين

ففيها كانت
وقعة الحرة:

وكان سببها أن أهل المدينة لما خلعوا يزيد بن معاوية وولوا على قريش عبد الله بن مطيع، وعلى الأنصار عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر.

فلما كان في أول هذه السنة أظهروا ذلك واجتمعوا عند المنبر فجعل الرجل منهم يقول: قد خلعت يزيد كما خلعت عمامتي هذه، ويلقيها عن رأسه.

ويقول الآخر: قد خلعته كما خلعت نعلي هذه، حتى اجتمع شيء كثير من العمائم والنعال هناك، ثم اجتمعوا على إخراج عامل يزيد من بين أظهرهم، وهو عثمان بن محمد بن أبي سفيان ابن عم يزيد، وعلى إجلاء بني أمية من المدينة.

فاجتمعت بنو أمية في دار مروان بن الحكم، وأحاط بهم أهل المدينة يحاصرونهم، واعتزل الناس علي بن الحسين زين العابدين، وكذلك عبد الله بن عمر بن الخطاب لم يخلعا يزيد، ولا أحد من بيت ابن عمر.

وقد قال ابن عمر لأهله: لا يخلعن أحد منكم يزيد فتكون الفيصل ويوري الصيلم بيني وبينه، وسيأتي هذا الحديث بلفظه وإسناده في ترجمة يزيد، وأنكر على أهل المدينة في مبايعتهم لابن مطيع وابن حنظلة على الموت.

وقال: إنما كنا نبايع رسول الله على أن لا نفر، وكذلك لم يخلع يزيد أحد من بني عبد المطلب.

وقد سئل محمد بن الحنفية في ذلك فامتنع من ذلك أشد الامتناع، وناظرهم وجادلهم في يزيد ورد عليهم ما اتهموا يزيد به من شرب الخمر وتركه بعض الصلوات كما سيأتي مبسوطا في ترجمة يزيد قريبا إن شاء الله.

وكتب بنو أمية إلى يزيد بما هم فيه من الحصر والإهانة، والجوع والعطش، وأنه لم يبعث إليهم من ينقذهم مما هم فيه وإلا استؤصلوا عن آخرهم، وبعثوا ذلك مع البريد.

فلما قدم بذلك على يزيد وجده جالسا على سريره ورجلاه في ماء يتبرد به مما به من النقرس في رجليه، فلما قرأ الكتاب انزعج لذلك وقال: ويلك! ما فيهم ألف رجل؟

قال: بلى.

قال: فهل لا قاتلوا ساعة من نهار؟

ثم بعث إلى عمرو بن سعيد بن العاص فقرأ عليه الكتاب واستشاره فيمن يبعثه إليهم، وعرض عليه أن يبعثه إليهم فأبى عليه ذلك، وقال: إن أمير المؤمنين عزلني عنها وهي مضبوطة وأمورها محكمة، فأما الآن فإنما دماء قريش تراق بالصعيد فلا أحب أن أتولى ذلك منهم، ليتول ذلك من هو أبعد منهم مني.

قال: فبعث البريد إلى مسلم بن عقبة المزني وهو شيخ كبير ضعيف فانتدب لذلك وأرسل معه يزيد عشرة آلاف فارس.

وقيل: اثنا عشر ألفا وخمسة عشر ألف رجل، وأعطى كل واحد منهم مائة دينار.

وقيل: أربعة دنانير، ثم استعرضهم وهو على فرس له.

قال المدائني: وجعل على أهل دمشق عبد الله بن مسعدة الفزاري، وعلى أهل حمص حصين بن نمير السكوني، وعلى أهل الأردن حبيش بن دلجة القيني، وعلى أهل فلسطين روح بن زنباع الجذامي وشريك الكناني، وعلى أهل قنسرين طريف بن الحسحاس الهلالي، وعليهم مسلم بن عقبة المزني من غطفان، وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة.

فقال النعمان بن بشير: يا أمير المؤمنين ولني عليهم أكفك - وكان النعمان أخا عبد الله بن حنظلة لأمه عمرة بنت رواحة - فقال يزيد: لا! ليس لهم إلا هذا الغشمة، والله لأقتلنهم بعد إحساني إليهم وعفوي عنهم مرة بعد مرة.

فقال النعمان: يا أمير المؤمنين أنشدك الله في عشيرتك وأنصار رسول الله .

وقال عبد الله بن جعفر: أرأيت إن رجعوا إلى طاعتك أيقبل منهم؟

قال: إن فعلوا فلا سبيل عليهم.

وقال يزيد لمسلم بن عقبة: ادع القوم ثلاثا فإن رجعوا إلى الطاعة فاقبل منهم وكف عنهم، وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا ظهرت عليهم فأبح المدينة ثلاثا ثم أكفف عن الناس، وانظر إلى علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا، وأدن مجلسه، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه.

وأمر مسلم إذا فرغ من المدينة أن يذهب إلى مكة لحصار ابن نمير.

وقال له: إن حدث بك أمر فعلى الناس حصين بن نمير السكوني.

وقد كان يزيد كتب إلى عبيد الله بن زياد أن يسير إلى الزبير فيحاصره بمكة، فأبى عليه وقال: والله لا أجمعهما للفاسق أبدا، أقتل ابن بنت رسول الله ، وأغزو البيت الحرام؟

وقد كانت أمه مرجانة قالت له حين قتل الحسين: ويحك ماذا صنعت وماذا ركبت؟

وعنفته تعنيفا شديدا.

قالوا: وقد بلغ يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته: يزيد القرود، شارب الخمور، تارك الصلوات، منعكف على القينات.



فلما جهز مسلم بن عقبة واستعرض الجيش بدمشق جعل يقول:


أبلغ أبا بكرٍ إذا الجيش سرى * وأشرف الجيش على وادي القرى

أجمع سكران من القوم ترى * يا عجبا من ملحد في أم القرى

مخادعٌ للدين يقضي بالفرى

وفي رواية:

أبلغ أبا بكرٍ إذا الأمر انبرى * ونزل الجيش على وادي القرى

عشرون ألفا بين كهلٍ وفتى * أجمع سكران من القوم ترى




قالوا: وسار مسلم بمن معه من الجيوش إلى المدينة، فلما اقترب منها اجتهد أهل المدينة في حصار بني أمية.

وقالوا لهم: والله لنقتلنكم عن آخركم أو تعطونا موثقا أن لا تدلوا علينا أحدا من هؤلاء الشاميين، ولا تمالئوهم علينا، فأعطوهم العهود بذلك.

فلما وصل الجيش تلقاهم بنو أمية فجعل مسلم يسألهم عن الأخبار فلا يخبره أحد، فانحصر لذلك.

جاءه عبد الملك بن مروان فقال له: إن كنت تريد النصر فأنزل شرقي المدينة في الحرة، فإذا خرجوا إليك كانت الشمس في أقفيتكم وفي وجوههم، فادعهم إلى الطاعة، فإن أجابوك وإلا فاستعن بالله وقاتلهم، فإن الله ناصرك عليهم إذ خالفوا الإمام وخرجوا عن الطاعة.

فشكره مسلم بن عقبة على ذلك، وامتثل ما أشار به، فنزل شرقي المدينة في الحرة، ودعا أهلها ثلاثة أيام، كل ذلك يأبون إلا المحاربة والمقاتلة.

فلما مضت الثلاثة قال لهم في اليوم الرابع - وهو يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين -.

قال لهم: يا أهل المدينة مضت الثلاث وإن أمير المؤمنين قال لي: إنكم أصله وعشيرته، وأنه يكره إراقة دمائكم، وأنه أمرني أن أؤجلكم ثلاثا فقد مضت، فماذا أنتم صانعون؟

أتسالمون أم تحاربون؟

فقالوا: بل نحارب.

فقال: لا تفعلوا بل سالموا ونجعل جدنا وقوتنا على هذا الملحد - يعني: ابن الزبير -.

فقالوا: يا عدو الله، لو أردت ذلك لما مكناك منه، أنحن نذركم تذهبون فتلحدون في بيت الله الحرام، ثم تهيأوا للقتال، وقد كانوا اتخذوا خندقا بينهم وبين ابن عقبة، وجعلوا جيشهم أربعة أرباع على كل ربع أمير، وجعلوا أجمل الأرباع الربع الذي فيه عبد الله بن حنظلة الغسيل، ثم اقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزم أهل المدينة إليها.

وقد قتل من الفريقين خلق من السادات والأعيان، منهم: عبد الله بن مطيع، وبنون له سبعة بين يديه، وعبد الله بن حنظلة الغسيل، وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن شماس، ومحمد بن عمرو بن حزم، وقد مر به مروان وهو مجندل فقال: رحمك الله، فكم من سارية قد رأيتك تطيل عندها القيام والسجود.

ثم أباح مسلم بن عقبة، الذي يقول فيه السلف: مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء ما أجهله - المدينة ثلاثة أيام كما أمره يزيد، لا جزاه الله خيرا، وقتل خيرا خلقا من أشرافها وقرائها، وانتهب أموالا كثيرة منها، ووقع شرُّ عظيم وفساد عريض على ما ذكره غير واحد.

فكان ممن قتل بين يديه صبرا معقل بن سنان، وقد كان صديقه قبل ذلك، ولكن أسمعه في يزيد كلاما غليظا، فنقم عليه بسببه، واستدعى بعلي بن الحسين فجاء يمشي بين مروان بن الحكم وابنه عبد الملك، ليأخذ له بهما عنده أمانا، ولم يشعر أن يزيد أوصاه به.

فلما جلس بين يديه استدعى مروان بشراب - وقد كان مسلم بن عقبة حمل معه من الشام ثلجا إلى المدينة فكان يشاب له بشرابه - فلما جيء بالشراب شرب مروان قليلا ثم أعطى الباقي لعلي بن الحسين ليأخذ له بذلك أمانا، وكان مروان موادا لعلي بن الحسين.

فلما نظر إليه مسلم بن عقبة قد أخذ الإناء في يده قال له: لا تشرب من شرابنا.

ثم قال له: إنما جئت مع هذين لتأمن بهما؟

فارتعدت يد علي بن الحسين وجعل لا يضع الإناء من يده ولا يشربه.

ثم قال له: لولا أن أمير المؤمنين أوصاني بك لضربت عنقك، ثم قال له: إن شئت أن تشرب فاشرب، وإن شئت دعونا لك بغيرها.

فقال: هذه الذي في كفي أريد، فشرب.

ثم قال له مسلم بن عقبة: قم إلى ههنا فاجلس، فأجلسه معه على السرير، وقال له: إن أمير المؤمنين أوصاني بك، وإن هؤلاء شغلوني عنك.

ثم قال لعلي بن الحسين: لعل أهلك فزعوا.

فقال: إي والله.

فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله عليها حتى ردّه إلى منزله مكرما.

ثم استدعى بعمرو بن عثمان بن عفان - ولم يكن خرج مع بني أمية - فقال له: إنك إن ظهر أهل المدينة قلت: أنا معكم، وإن ظهر أهل الشام، قلت: أنا ابن أمير المؤمنين، ثم أمر به فنتفت لحيته بين يديه - وكان ذا لحية كبيرة -.

قال المدائني: وأباح مسلم بن عقبة المدينة ثلاثة أيام، يقتلون من وجدوا من الناس، ويأخذون الأموال.

فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى مسلم بن عقبة تقول له: أنا بنت عمك فمر أصحابك أن لا يتعرضوا لإبلنا بمكان كذا وكذا.

فقال لأصحابه: لا تبدأوا إلا بأخذ إبلها أولا.

وجاءته امرأة فقالت: أنا مولاتك، وابني في الأسارى، فقال: عجلوه لها، فضربت عنقه.

وقال: أعطوها رأسه، أما ترضين أن لا يقتل حتى تتكلمي في ابنك؟

ووقعوا على النساء حتى قيل: إنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج والله أعلم.

قال المدائني: عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج.

وقد اختفى جماعة من سادات الصحابة منهم: جابر بن عبد الله، وخرج أبو سعيد الخدري فلجأ إلى غار في جبل، فلحقه رجل من أهل الشام، قال: فلما رأيته انتضيت سيفي فقصدني.

فلما رآني صمم على قتلي، فشممت سيفي ثم قلت: «إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين» فلما رأى ذلك، قال: من أنت؟

قلت: أنا أبو سعيد الخدري.

قال: صاحب رسول الله .

قلت: نعم! فمضى وتركني.

قال المدائني: وجيء إلى مسلم بسعيد بن المسيب فقال له: بايع!

فقال: أبايع على سيرة أبي بكر وعمر.

فأمر بضرب عنقه، فشهد رجل إنه مجنون فخلى سبيله.

وقال المدائني: عن عبد الله القرشي وأبي إسحاق التميمي قالا: لما انهزم أهل المدينة يوم الحرة صاح النساء والصبيان، فقال ابن عمر: بعثمان ورب الكعبة.

قال المدائني: عن شيخ من أهل المدينة.

قال: سألت الزهري: كم كان القتلى يوم الحرة؟

قال: سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي، وممن لا أعرف من حر وعبد وغيرهم عشرة آلاف.

قال: وكانت الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين، وانتهبوا المدينة ثلاثة أيام.

قال الواقدي، وأبو معشر: كانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة، سنة ثلاث وستين.

قال الواقدي: عن عبد الله بن جعفر، عن ابن عوف قال: وحج بالناس في هذه السنة: عبد الله بن الزبير، وكانوا يسمونه العائذ - يعني: العائذ بالبيت - ويرون الأمر شورى، وجاء خبر الحرة إلى أهل مكة ليلة مستهل المحرم مع سعيد مولى المسور بن مخرمة، فحزنوا حزنا شديدا وتأهبوا لقتال أهل الشام.

قال ابن جرير: وقد رويت قصة الحرة على غير ما رواه أبو مخنف: فحدثني أحمد بن زهير، ثنا أبي، سمعت وهب بن جرير، ثنا جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما حضرته الوفاة دعا ابنه يزيد.

فقال له: إن لك من أهل المدينة يوما، فإن فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبة فإنه رجل قد عرفت نصيحته لنا، فلما هلك معاوية وفد إلى يزيد وفد من أهل المدينة، وكان ممن وفد إليه عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر -وكان شريفا فاضلا سيدا عابدا - ومعه ثمانية بنين له، فأعطاه يزيد مائة ألف درهم، وأعطى بنيه كل واحد منهم عشرة آلاف، سوى كسوتهم وحملاتهم.

ثم رجعوا إلى المدينة، فلما قدمها أتاه الناس فقالوا له: ما وراءك؟

فقال: جئتكم من عند رجل والله لو لم أجد إلا بنيَّ هؤلاء لجاهدته بهم.

قالوا: قد بلغنا أنه أعطاك وأخدمك وأجزاك وأكرمك.

قال: قد فعل وما قبلت منه إلا لأتقوى له على قتاله، ثم فحض الناس فبايعوه.

فبلغ ذلك يزيد فبعث إليهم مسلم بن عقبة، وقد بعث أهل المدينة إلى كل ماء بينهم وبين الشام فصبوا فيه زقا من قطران وغوَّروه، فأرسل الله على جيش الشام السماء مدرارا بالمطر، فلم يستقوا بدلو حتى وردوا المدينة.

فخرج أهل المدينة بجموع كثيرة وهيئة لم ير مثلها، فلما رآهم أهل الشام هابوهم وكرهوا قتالهم، وكان أميرهم مسلم شديد الوجع، فبينما الناس في قتالهم إذ سمعوا التكبير من خلفهم في جوف المدينة، قد أقحم عليهم بنو حارثة من أهل الشام وهم على الجدر، فانهزم الناس، فكان من أصيب في الخندق أعظم ممن قتل.

فدخلوا المدينة وعبد الله بن حنظلة مستند إلى الجدار يغط نوما، فنبهه ابنه، فلما فتح عينيه ورأى ما صنع الناس، أمر أكبر بنيه فتقدم فقاتل حتى قتل.

فدخل مسلم بن عقبة المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية، ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء.

وقد روى ابن عساكر في ترجمة أحمد بن عبد الصمد من تاريخه من كتاب المجالسة لأحمد بن مروان المالكي: ثنا الحسين بن الحسن اليشكري، ثنا الزيادي عن الأصمعي ح.



وحدثني محمد بن الحارث، عن المدائني قال: لما قتل أهل الحرة هتف هاتف بمكة على أبي قبيس مساء تلك الليلة، وابن الزبير جالس يسمع:

والصائمون القانتو* ن أولو العبادة والصلاح

المهتدون المحسنو* ن السابقون إلى الفلاح

ماذا بواقم والبقيـ*ـع من الجحاجحة الصباح

وبقاع يثرب ويحهنـ*ـن من النوادب والصياح

قتل الخيار بنوا الخيا * ر ذوي المهابة والسماح



فقال ابن الزبير: يا هؤلاء قتل أصحابكم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.





وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام، وهذا خطأ كبير فاحش، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم، وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد الله بن زياد.

وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحد ولا يوصف، مما لا يعلمه إلا الله عز وجل، وقد أراد بإرسال مسلم بن عقبة توطيد سلطانه وملكه، ودوام أيامه من غير منازع، فعاقبه الله بنقيض قصده، وحال بينه وبين ما يشتهيه، فقصمه الله قاصم الجبابرة، وأخذه أخذً عزيز مقتدر، وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد.

قال البخاري في صحيحه: حدثنا الحسين بن حريث، ثنا الفضل بن موسى، ثنا الجعد، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص عن أبيها.

قال: سمعت رسول الله يقول: «لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء».

وقد رواه مسلم من حديث أبي عبد الله القراظ المديني - واسمه دينار - عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله قال: «لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص - أو ذوب الملح في الماء -».

وفي رواية لمسلم من طريق أبي عبد الله القراظ عن سعد وأبي هريرة: أن رسول الله قال: «من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».

وقال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، ثنا يزيد بن خصيفة، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد: أن رسول الله قال: «من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا». ورواه النسائي من غير وجه عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، عن يزيد بن خصيفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، عن عطاء بن يسار، عن خلاد بن منجوف بن الخزرج أخبره فذكره.

وكذلك رواه الحميدي، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن يزيد بن خصيفة.

ورواه النسائي أيضا: عن يحيى بن حبيب بن عربي، عن حماد، عن يحيى بن سعيد، عن مسلم بن أبي مريم، عن عطاء بن يسار، عن ابن خلاد - وكان من أصحاب النبي - فذكره.

وقال ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح، عن ابن الهاد، عن أبي بكر، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، قال: سمعت رسول الله يقول: «من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

وقال الدار قطني: ثنا علي بن أحمد بن القاسم، ثنا أبي، ثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر، ثنا أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس الأنصاري، عن محمد وعبد الرحمن ابني جابر بن عبد الله قالا: خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال: تعس من أخاف رسول الله .

فقلنا: يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله ؟

فقال: سمعت رسول الله يقول: «من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين» - ووضع يده على جبينه -.

قال الدار قطني: تفرد به سعد بن عبد العزيز لفظا وإسنادا.

وقد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية، وهو رواية عن أحمد بن حنبل اختارها الخلال، وأبو بكر عبد العزيز، والقاضي أبو يعلى، وابنه القاضي أبو الحسين، وانتصر لذلك أبو الفرج بن الجوزي في مصنف مفرد، وجوز لعنته.

ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضا لئلا يجعل لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول وأخطأ.

وقالوا: إنه كان مع ذلك إماما فاسقا، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا.

وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحا شديدا، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة.

كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم، وقد جاء في الصحيح: «من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان».

وأما ما يوردونه عنه من الشعر في ذلك واستشهاده بشعر ابن الزبعري في وقعة أُحد التي يقول فيها:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حلت بفنائهم برَّكها * واستحر القتل في عبد الأشل

قد قتلنا الضعف من أشرافهم * وعدنا ميل بدرٍ فاعتدل

وقد زاد بعض الروافض فيها فقال:

لعبت هاشم بالملك فلا * ملك جاءه ولا وحيٌ نزل

فهذا إن قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنه اللاعنين، وإن لم يكن قاله فلعنه الله على من وضعه عليه ليشنع به عليه.

وسيذكر في ترجمة يزيد بن معاوية قريبا، وما ذكر عنه وما قيل فيه، وما كان يعانيه من الأفعال والقبائح والأقوال في السنة الآتية، فإنه لم يمهل بعد وقعة الحرة وقتل الحسين إلا يسيرا حتى قصمه الله الذي قصم الجبابرة قبله وبعده، إنه كان عليما قديرا.

وقد توفي في هذه السنة خلق من المشاهير والأعيان من الصحابة وغيرهم في وقعة الحرة مما يطول ذكرهم.

فمن مشاهيرهم من الصحابة عبد الله بن حنظلة أمير المدينة في وقعة الحرة، ومعقل بن سنان، وعبيد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه، ومسروق بن الأجدع.
 

الإخبار عن وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد
====================


قال يعقوب بن سفيان: حدثني إبراهيم بن المنذر، حدثني ابن فليح عن أبيه، عن أيوب بن عبد الرحمن، عن أيوب بن بشير المعافري أن رسول الله خرج في سفر من أسفاره فلما مر بحرة زهرة وقف فاسترجع، فساء ذلك من معه وظنوا أن ذلك من أمر سفرهم، فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ما الذي رأيت؟

فقال رسول الله : « أما إن ذلك ليس من سفركم هذا ».

قالوا: فما هو يا رسول الله؟

قال: « يقتل بهذه الحرة خيار أمتي بعد أصحابي » هذا مرسل.

وقد قال يعقوب بن سفيان: قال وهب بن جرير: قالت جويرية: حدثني ثور بن زيد عن عكرمة، عن ابن عباس قال: جاء تأويل هذه الآية على رأس ستين سنة { ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها } [الأحزاب: 14] .

قال: لأعطوها يعني: إدخال بني حارثة أهل الشام على أهل المدينة وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، وتفسير الصحابي في حكم المرفوع عند كثير من العلماء.

وقال نعيم بن حماد في كتاب الفتن والملاحم: حدثنا أبو عبد الصمد العمي، ثنا أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله : « يا أبا ذر أرأيت إن الناس قتلوا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف أنت صانع؟ »

قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: « تدخل بيتك ».

قال: قلت: فإن أتى علي؟

قال: « يأتي من أنت منه ».

قال: قلت: وأحمل السلاح؟

قال: « إذا تشرك معهم ».

قال: قلت: فكيف أصنع يا رسول الله؟

قال: « إن خفت أن يبهرك شعاع السيف فألق طائفة من ردائك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه ».

ورواه الأمام أحمد في مسنده عن مرحوم - هو ابن عبد العزيز - عن أبي عمران الجوني، فذكره مطولا.

قلت: وكان سبب وقعة الحرة أن وفدا من أهل المدينة قدموا على يزيد بن معاوية بدمشق فأكرمهم وأحسن جائزتهم وأطلق لأميرهم - وهو عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر - قريبا من مائة ألف، فلما رجعوا ذكروا لأهليهم عن يزيد ما كان يقع منه من القبائح في شربه الخمر وما يتبع ذلك من الفواحش التي من أكبرها ترك الصلاة عن وقتها بسبب السكر، فاجتمعوا على خلعه فخلعوه عند المنبر النبوي فلما بلغه ذلك بعث إليهم سرية يقدمها رجل يقال له: مسلم بن عقبة، وإنما يسميه السلف مسرف بن عقبة، فلما ورد المدينة استباحها ثلاثة أيام فقتل في غضون هذه الأيام بشرا كثيرا حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها، وزعم بعض علماء السلف أنه قتل في غضون ذلك ألف بكر فالله أعلم.

وقال عبد الله بن وهب: عن الإمام مالك، قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن، حسبت أنه قال: وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله وذلك في خلافة يزيد.

وقال يعقوب ابن سفيان: سمعت سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري يقول: قتل يوم الحرة عبد الله بن يزيد المازني، ومعقل بن سنان الأشجعي، ومعاذ بن الحارث القاري، وقتل عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر.

قال يعقوب: وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير عن الليث قال: وكانت وقعة الحرة يوم الأربعاء لثلاث بقين من الحجة سنة ثلاث وستين.

ثم انبعث مسرف بن عقبة إلى مكة قاصدا عبد الله بن الزبير ليقتله بها لأنه فر من بيعة يزيد، فمات يزيد بن معاوية في غضون ذلك واستفحل أمر عبد الله بن الزبير في الخلافة بالحجاز، ثم أخذ العراق ومصر، وبويع بعد يزيد لابنه معاوية بن يزيد وكان رجلا صالحا، فلم تطل مدته مكث أربعين يوما، وقيل: عشرين يوما، ثم مات رحمه الله فوثب مروان بن الحكم على الشام فأخذها فبقي تسعة أشهر ثم مات، وقام بعده ابنه عبد الملك فنازعه فيها عمرو بن سعيد بن الأشدق وكان نائبا على المدينة من زمن معاوية وأيام يزيد ومروان، فلما هلك مروان زعم أنه أوصى له بالأمر من بعد ابنه عبد الملك فضاق به ذرعا، ولم يزل به حتى أخذه بعد ما استفحل أمره بدمشق فقتله في سنة تسع وستين ويقال: في سنة سبعين، واستمرت أيام عبد الملك حتى ظفر بابن الزبير سنة ثلاث وسبعين قتله الحجاج بن يوسف الثقفي عن أمره بمكة بعد محاصرة طويلة اقتضت أن نصب المنجنيق على الكعبة من أجل أن ابن الزبير لجأ إلى الحرم، فلم يزل به حتى قتله، ثم عهد في الأمر إلى بنيه الأربعة بعده الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام بن عبد الملك.

وقد قال الأمام أحمد: حدثنا أسود ويحيى ابن أبي بكير، ثنا كامل أبو العلاء سمعت أبا صالح - وهو مولى ضباعة المؤذن واسمه مينا - قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله : « تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان ».

وقال: « لا تذهب الدنيا حتى يظهر اللكع ابن لكع ».

وقال الأسود: يعني: اللئيم ابن اللئيم.

وقد روى الترمذي من حديث أبي كامل عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : « عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين سنة ».

ثم قال: حسن غريب.

وقد روى الإمام أحمد عن عفان وعبد الصمد، عن حماد بن سلمة، عن علي بن يزيد، حدثني من سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله يقول: « لينعقن ».

وقال عبد الصمد في روايته: « ليزعقن جبار من جبابرة بني أمية على منبري هذا ».

زاد عبد الصمد: « حتى يسيل رعافه ».

قال: فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص يرعف على منبر النبي حتى سال رعافه.

قلت: علي بن يزيد بن جدعان في روايته غرابة ونكارة وفيه تشيع، وعمرو بن سعيد هذا يقال له: الأشدق كان من سادات المسلمين وأشرافهم في الدنيا لا في الدين.

وروى عن جماعة من الصحابة منهم في صحيح مسلم عن عثمان في فصل الطهور، وكان نائبا على المدينة لمعاوية ولابنه يزيد بعده، ثم استفحل أمره حتى كان يصاول عبد الملك بن مروان، ثم خدعه عبد الملك حتى ظفر به فقتله في سنة تسع وستين أو سنة سبعين فالله أعلم.

وقد روى عنه من المكارم أشياء كثيرة من أحسنها أنه لما حضرته الوفاة قال لبنيه وكانوا ثلاثة عمرو هذا وأمية وموسى، فقال لهم: من يتحمل ما علي؟

فبدر ابنه عمرو هذا وقال: أنا يا أبة وما عليك؟

قال: ثلاثون ألف دينار.

قال: نعم.

قال: وأخواتك لا تزوجهن إلا بالأكفاء ولو أكلن خبز الشعير.

قال: نعم.

قال: وأصحابي من بعدي إن فقدوا وجهي فلا يفقدوا معروفي.

قال: نعم.

قال: أما لئن قلت ذلك فلقد كنت أعرفه من حماليق وجهك وأنت في مهدك.

وقد ذكر البيهقي من طريق عبد الله بن صالح - كاتب الليث - عن حرملة بن عمران، عن أبيه، عن يزيد ابن أبي حبيب أنه سمعه يحدث عن محمد بن يزيد ابن أبي زياد الثقفي، قال: اصطحب قيس ابن خرشة وكعب حتى إذا بلغا صفين وقف كعب الأحبار فذكر كلامه فيما يقع هناك من سفك دماء المسلمين، وأنه يجد ذلك في التوراة.

وذكر عن قيس بن خرشة أنه بايع رسول الله على أن يقول الحق، وقال: « يا قيس بن خرشة عسى إن عذبك الدهر حتى يكبك بعدي من لا يستطيع أن تقول بالحق معهم ».

فقال: والله لا أبايعك على شيء إلا وفيت لك.

فقال له رسول الله : « إذا لا يضرك بشر ».

فبلغ قيس إلى أيام عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان فنقم عليه عبيد الله في شيء فأحضره، فقال: أنت الذي زعم أنه لا يضرك بشر؟

قال: نعم.

قال: لتعلمن اليوم أنك قد كذبت ائتوني بصاحب العذاب.

قال: فمال قيس عند ذلك فمات.

معجزة أخرى:

روى البيهقي من طريق الدراوردي عن ثور بن يزيد، عن موسى بن ميسرة أن بعض بني عبد الله سايره في بعض طريق مكة، قال: حدثني العباس بن عبد المطلب أنه بعث ابنه عبد الله إلى رسول الله في حاجة فوجد عنده رجلا فرجع ولم يكلمه من أجل مكان الرجل، فلقي العباس رسول الله فأخبره بذلك، فقال: « ورآه؟ »

قال: نعم.

قال: « أتدري من ذلك الرجل؟ ذاك جبريل ولن يموت حتى يذهب بصره، ويؤتى علما ».

وقد مات ابن عباس سنة ثمان وستين بعد ما عمي رضي الله عنه.

وروى البيهقي من حديث المعتمر بن سليمان حدثتنا سيابة بنت يزيد عن خمارة، عن أنيسة بنت زيد بن أرقم، عن أبيها أن رسول الله دخل على زيد يعوده في مرض كان به.

قال: « ليس عليك من مرضك بأس ولكن كيف بك إذا عمرت بعدي فعميت؟ »

قال: إذا أحتسب وأصبر.

قال: « إذا تدخل الجنة بغير حساب ».

قال: فعمي بعد ما مات رسول الله ثم رد الله عليه بصره ثم مات.



البداية والنهاية لابن كثير
 
عودة
أعلى