موجز تاريخ الدولة الأموية

YOOBA

عضو مميز
إنضم
3 أغسطس 2016
المشاركات
1,703
التفاعل
6,054 0 0
(1)

08 نوفمبر 2017




قال ابن خلدون: «كان ينبغي أن تُلْحَق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم؛ فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة»(1).
لقد كانت الدولة الأموية هي أفضل دول الإسلام بعد دولة الخلافة الراشدة، ولم تأتِ بعدها دولة أفضل منها؛ فلقد اتَّسعت فيها الفتوح ما لم تَتَّسع من قبل، وأعادت فتح ما كان قد خرج من دولة الإسلام في زمن الفتنة.

ثم أضافت إليها أرضًا وبلادًا جديدة، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وحفظت بقاء الدولة موحدة يجمعها خليفة واحد يحكم من أقصاها إلى أقصاها.
تبدأ الدولة الأموية منذ تنازل الحسن بن علي -رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-؛ فانتهت بذلك سنوات الفتنة التي شغلت الأُمَّة الإسلامية، وسُمِّي هذا العام بـ «عام الجماعة».ومعاوية -رضي الله عنه- صحابي جليل، أسلم قُبيْل الفتح، وحسن إسلامه، وكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهد في حنين والطائف، ثم ولاه عمر بن الخطاب ولاية دمشق بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم ولي كلَّ الشام في عهد عثمان -رضي الله عنه-، واستمرَّ يحكم الشام في عهد علي وقت الفتنة الكبرى؛ حتى تنازل له الحسن عن الخلافة، فكان حاكمًا أربعين سنة؛ منها عشرين في الإمارة، وعشرين أخرى في الخلافة، فمات سنة 60هـ، وعمره ثمانية وسبعون عامًا.

وكان معاوية محبوبًا غاية الحب في الشام، وهو أساس حب أهل الشام لبني أمية وولائهم لهم، وكان في غاية الحلم والذكاء، ويُضرب به المثل فيهما، وحكم ملكًا عظيمًا وساسه بخير سياسة؛ حتى لُقِّبَ بـ «كسرى العرب»، وكان حكمه نهاية للفتنة التي أصابت المسلمين، وبداية جديدة لعودة الفتوحات (2).قال ابن تيمية: «لم يتولَّ أحد من الملوك خيرًا من معاوية؛ فهو خير ملوك الإسلام، وسيرته خير من سيرة سائر الملوك بعده»(3). وللإمام الذهبي -مؤرِّخ الإسلام- كلمة بليغة في أمر الفتنة التي توزع فيها الناس بين المحب والمُبْغِض، قال: «وخلف معاوية خلقٌ كثير يحبُّونه ويتغالون فيه، ويُفَضِّلونه، إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء، وإمَّا قد ولدوا في الشام على حبه.

وتربى أولادهم على ذلك. وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة، وعدد كثير من التابعين والفضلاء، وحاربوا معه أهل العراق، ونشأوا على النصب - نعوذ بالله من الهوى- كما قد نشأ جيش علي - رضي الله عنه- ورعيته -إلا الخوارج منهم- على حبه، والقيام معه، وبغض مَنْ بغى عليه، والتبرِّي منهم، وغلا خلق منهم في التشيع.فبالله كيف يكون حال مَنْ نشأ في إقليم، لا يكاد يُشاهد فيه إلَّا غاليًا في الحب، مفرطًا في البغض، ومَنْ أين يقع له الإنصاف والاعتدال؟ فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق، واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا، فعذرنا، واستغفرنا، وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ -إن شاء الله- مغفور، وقلنا كما عَلَّمنا الله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر: 10]. وترضينا -أيضًا- عمن اعتزل الفريقين، كسعد بن أبي وقاص، وابن عمر، ومحمد بن مسلمة، وسعيد بن زيد، وخلقٌ، وتبرَّأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليًّا، وكفروا الفريقين»(4).استقرَّت الدولة عبر عشرين سنة، ولما أحسَّ معاوية - رضي الله عنه- بقرب أجله رتَّب الأمر ليتولَّى من بعده ولده يزيد بن معاوية، ورأى أن ذلك هو الأفضل لمصلحة الأُمَّة، والمانع لتفرقها ودخولها في فتن جديدة؛ لا سيما والدولة قد اتَّسعت، وكثرت الأمم الداخلة فيها، وما هي بحاجة لأن تحتمل نزاعات جديدة قد تودي بها.

والتحليل المتأنِّي لجميع الروايات ولأحوال هذه الفترة يُفضي إلى القول بأن هذا القرار كان هو القرار الأصوب في هذه الفترة(5)، وقد لخَّص هذا ابن خلدون حين قال: «الذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذٍ من بني أمية؛ إذ بنو أمية يومئذٍ لا يرضون سواهم، وهم عصابة قريش، وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره ممن يُظَنُّ أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول؛ حرصًا على الاتفاق واجتماع الأهواء، الذي شأنه أهمُّ عند الشارع، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا؛ فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك.

وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم في الحقِّ هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزَّة في قبول الحقِّ؛ فإنهم كلهم أجلُّ من ذلك وعدالتهم مانعة منه»(6).

كثير من الروايات وردت عن فسق يزيد بن معاوية وتهتُّكه وشربه للخمر، وثمة روايات أخرى تصمه بأكثر من هذا، ولا يصح شيء من هذه الروايات، بل إن يزيد كان من الشخصيات القوية والمؤهَّلة للخلافة -ولو لم يكن أفضل الموجودين بطبيعة الحال- وقد كان قائد الجيش الذي غزا القسطنطينية في عهد أبيه.

وبايعت الأمصار يزيد بن معاوية، ولم يرفض بيعته إلَّا أربع شخصيات: الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، ومحمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، فلمَّا تُوُفِّيَ معاوية كان محمد بن أبي بكر قد مات، وكان عبد الله بن عمر معترضًا على مبدأ مبايعة الخليفة القادم في حياة القائم.فلمَّا تُوُفِّيَ معاوية وبويع ليزيد بايعه عبد الله بن عمر، وبقى عبد الله بن الزبير والحسين على معارضتهما ليزيد، فأمَّا عبد الله بن الزبير فلم يخرج، وأمَّا الحسين فقد غَرَّه أهل الكوفة وطلبوا قدومه إلى الكوفة؛ لكي يتزعمهم في الخروج على يزيد. كثير من الصحابة والتابعين نصحوا الحسين بعدم الخروج، لا سيما وأن أهل الكوفة لم يَبْدُ منهم عزمٌ جادٌّ؛ فما زال الوالي الأموي يحكمهم ولم يخرجوا عليه، إلَّا أنَّ الحسين - رضي الله عنه - أصرَّ على الخروج، وأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليأخذ له البيعة، فما كان مصير ابن عمه إلَّا الاعتقال.ولما وصل الحسين إلى الكوفة كان حال أهلها كما قال الفرزدق: «قلوبهم معه وسيوفهم عليه». وما صمدوا معه ولا ثبتوا أمام والي العراق ولا جيش الأمويين الذي كان أهله من العراق أيضًا، وسارت الأحداث كأسوأ ما تكون المسيرة؛ حتى أسفرت عن استشهاد الحسين في مأساة كربلاء الشهيرة.

كان استشهاد الحسين مصيبة من المصائب التي نزلت بالأُمَّة المسلمة، لكنها على كل حال ليست أفدح من استشهاد عمر وعثمان وعلي بن أبي طالب، وتضخيم هذه الحادثة وحدها إنما هو في جوهره تضخيم لمصالح سياسية وقتية، ونقطة من نقاط الاشتعال بين السُّنَّة والشيعة، وما ثمة أحد في السُّنَّة يحبُّ يزيد أكثر مما يحبُّ الحسين، إلَّا أنها إعادة إنتاج الأحداث بما اشتملت عليه من روايات ضعيفة وباطلة رواها كذابون لا يعتدُّ بهم(7).

على كل حال؛ انتهت ثورة الحسين باستشهاده؛ لكنها أشعلت القلوب، لا سيما وأن يزيد -وإن لم يُرضه قتلُ الحسين وبكى عليه وأكرم أهل بيته- لم يأخذ إجراءً عمليًّا ضد عبيد الله بن زياد (والي الكوفة) أو عمر بن سعد (قائد الجيش)، وكلاهما لم يتركا للحسين فرصة للعودة أو لإنهاء القتال، وإنما أرادوه أسيرًا فأبى، وقاتل حتى قُتِل، فكان من آثار استشهاده ثورة في العراق قام بها مجموعة ممَّنْ شعروا بالندم لخذلانهم الحسين، وسموا أنفسهم «التوَّابين».

إلَّا أن الثورة الأخطر والأكبر كانت في المدينة المنورة. وهذا ما نعرضه في المقال القادم بإذن الله.

(1) ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 2/ 188.

(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 7/ 406، والبغوي: معجم الصحابة 5/ 363، وابن عساكر: تاريخ دمشق 59/ 57 وما بعدها (وفيه كثير من الأحاديث الضعيفة)، وابن الأثير: أسد الغابة 4/ 416، والذهبي: سير أعلام النبلاء 3/ 119 وما بعدها، وابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة 6/ 151.

(3) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية 7/ 328.

(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/ 128.

(5) ناقشت هذا في دراسة منفصلة بعنوان: «هل كان معاوية محقًّا حين عهد بالخلافة إلى يزيد؟»

(6) ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/ 210، 211.

(7) راجع في هذا: د. علي الصلابي: الدولة الأموية 1/ 482 وما بعدها، ويُعَدُّ هذا من أوفى ما كُتب في الموضوع، فقد جمع فيه خلاصة ما كُتب في المراجع الأخرى.
 
أهل الشام أهل طاعة من منذ معاوية رضي الله عنه إلى اليوم.
 
في النهاية لم تدم دولتهم الا 90 عاماً ذبحو بعضهم البعض على الحكم ...

من الوليد الفاسق ( الوليد بن يزيد) شارب الخمر الذي ذبح اليمانية واهانهم ....الى قاتله وابن عمه يزيد ابن الوليد الملقب بالأشج الذي كان قدرياً ...ثم هجوم مروان بن محمد (أمه كردية) عليهم وارتكابه مذبحة حمص وقتله لبعض بني عمومه الأمويين...

والصراع الدموي بين ابناء هشام وابناء الوليد وابناء سليمان مع ابناء واحفاد عبدالملك على الحكم الذي أدى لعشرات الألوف من القتلى في الحرب الأهلية الأموية الداخلية بين أفراد البيت الأموي


ونرى كيف خرج مروان بن الحكم واولاده على الخليفة الشرعي انذاك عبد الله بن الزبير ...

وبعهدهم كان الصراع الأشد بين بني عبد مناف وخاصة بين الطالبيين وبين الأمويين وخلاله قتل الحسين واخوته واقاربه وتم قتل عبدالله بن الزبير ورجم الكعبة وغيره من الآلاف التي قتلها الحجاج ...وثورة ابن الأشعث ومعه ثورة العلماء ضد طغيان الحجاج ....ومافعله يوسف بن عمر الثقفي من قتل بالعراق

وفيها نرى المآل الحزين لما حل بقادة الفتح مثل قتيبة بن مسلم الباهلي فاتح بلاد السند الذي قتله سليمان بن عبدالملك لأنه رفض اللبيعة له ولأنه من رجال الحجاج ...ثم ماحل بفاتح كاشغر وبعض الهند محمد بن القاسم الثقفي الذي قتل على يد سليمان بن عبدالملك بوشايه به ...

ثم الصراع القبلي العشائري بين مضر وربيعة وقيس في خراسان وبين القيسية واليمانية في الشام وغيرها ...
 

ومنهم يزيد بن عبدالملك الذي مات حزنا وكمداً على معشوقته ومحبوبته وجاريته ( سليمى ) فمات بعدها باسبوعين كمدا عليها ...ونسى شؤون دولته لأجل محبوبته :



فأنشد يقول:


فوالله لولا الله والخوف والرجا .. لعانقتها بين الحطيم وزمزم

وقبلتها تسـعا وتسـعين قبلة .. براقة بالكـف والخـد والفم

ووسدتها زندي وقبلت ثغرها .. وكانت حلالا لي ولو كنت محرم

وان حرم الله الزنا في كتابه .. فما حرم التقبيل بالخد والفم

وان حرمت يوما على دين احمد .. لاخذها على دين المسيح بن مريم

آالا فاسقني كاسات خمر وغني لي .. بذكرى سليمى والرباب وعندم
 
دولة بني اميه رغم ما حصل بيننا وبينهم نحن بني هاشم الا انهم أفضل دوله حكمت بعد الخلفاء الراشدين وأول دوله لها طابع قومي في الاسلام دولة كان للعرب عز بها لم يبلغه احد من قبل حكمت ارض لم يصلها احد من قبل من غرب الصين شرقا الى جنوب فرنسا غربا ،، دوله سؤدد وعز وقوه وفخر ،، عربت شمال افريقيا وإيران بالكامل ، انتهى حكمهم لانها كانت ذات طابع قومي وفيها كثير من الأعراق ،، فَلَو كتب الله لها الاستمرار لكانت جميع دول القوقاز وبلاد السند بالكامل وتركيا عربيه الْيَوْمَ ،، رحم الله بني اميه ،،
 

مقتله للوليد بن يزيد وزوال دولته ( البداية والنهاية لابن كثير)
====


كان هذا الرجل ( الوليد بن يزيد بن عبدالملك) مجاهرا بالفواحش مصرا عليها، منتهكا محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية.

وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، فالله أعلم.

لكن الذي يظهر أنه كان عاصيا شاعرا ماجنا متعاطيا للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي.

وقد روي أن أخاه سليمان بن يزيد كان من جملة من سعى في قتله، قال: أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق.

وحكى المعافى بن زكريا، عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي: أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها: سفرى فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها، فأبت عليه، فألح عليها وعشقها، فلم تطاوعه.

فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفرى ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحك ! أتدرين من هذا الرجل؟

فقالت: لا !

فقيل لها: هو الوليد.

فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها، قبل أن تحن عليه.

فقال الوليد في ذلك أبياتا:

أضحك فؤادك يا وليد عميدا * صبا قديما للحسان صيودا

في حب واضحة العوارض طفلة * برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

ما زلت أرمقها بعيني وامق * حتى بصرت بها تقبِّل عودا

عود الصليب فويح نفسي من رأى * منكم صليبا مثله معبودا

فسألت ربي أن أكون مكانه * وأكون في لهب الجحيم وقودا




وقال فيها أيضا: لما ظهر أمره وعلم بحال الناس.

وقيل: أن هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:

ألا حبذا سفري و إن قيل إنني * كلفت بنصرانية تشرب الخمرا

يهون علينا أن نظل نهارنا * إلى الليل لا ظهرا نصلِّي ولا عصرا

قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري المعروف: بابن طرار النهرواني بعد إيراده هذه الأشياء: للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين، وما يطول ذكره، وقد ناقضناه في أشياء من منظوم شعره المتضمن ركيك ضلاله وكفره.

وروى ابن عساكر بسنده أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار.

وقال القاضي أبو الفرج: أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئا من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأنزل عليه، وقد عارضت شعره السخيف بشعر حصيف، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل، واستيجاب مغفرته.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق ظهر الكعبة الخمر، فهموا أن يفتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد ابن عبد الله القسري فسألوه أن يكون معهم فأبى.

فقالوا له: فاكتم علينا.

فقال: أما هذا فنعم.

فجاء إلى الوليد فقال: لاتخرج فإني أخاف عليك.

فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟

قال: لا أخبرك بهم.

قال: إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف بن عمر.

قال: وإن بعثت بي إلى يوسف بن عمر.

فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله.

وذكر ابن جرير أنه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلمه إلى يوسف بن عمر، يستخلص منه أموال العراق فقتله.

وقد قيل: إن يوسف لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد.

قال الزبير بن بكار: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: سمعت أبي يقول: كنت عند المهدي فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل: في المجلس كان زنديقا.

فقال المهدي: خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.

وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدمشقي: ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد، عن الأزهري بن الوليد، قال: سمعت أم الدرداء، تقول: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما لم يزل طاعة مستخف بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق.

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري



قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد
================


قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وفسقه، وما ذكر عن تهاونه بالصلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها، فإنه لم يزدد في الخلافة إلا شرا ولهوا ولذةً وركوبا للصيد وشرب المسكر ومنادمة الفساق، فما زادته الخلافة على ما كان قبلها إلا تماديا وغرورا، فثقل ذلك على الأمراء والرعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساده اليمانية، وهي أعظم جند خراسان، وذلك أنه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك، فلم يزل يعاقبه حتى هلك، انقلبوا عليه وتنكروا له وساءهم قتله، كما سنذكره في ترجمته.

ثم روى ابن جرير بسنده أن الوليد بن يزيد ضرب ابن عمه سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد وأخذ جارية كانت لآل عمه الوليد بن عبد الملك، فكلمه فيها عمر بن الوليد، فقال: لا أردها.

فقال: إذا تكثر الصواهل حول عسكرك.

وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وبايع لولديه الحكم وعثمان، وكانا دون البلوغ، فشق ذلك على الناس أيضا، ونصحوه فلم ينتصح، ونهوه فلم يرتدع ولم يقبل.

قال المدائني في روايته: ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره، وقالوا: اتخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزندقة وكان أشدهم فيه قولا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه أظهر النسك والتواضع، ويقول: ما يسعنا الرضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به.

قالوا: وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك، وكان القائم بأعباء ذلك كله والداعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو من سادات بني أمية، وكان ينسب إلى الصلاح والدين والورع، فبايعه الناس على ذلك، وقد نهاه أخوة العباس بن الوليد، فلم يقبل.

فقال: والله لولا إني أخاف عليك لقيدتك وأرسلتك إليه.

واتفق خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباس ينهاه عن ذلك أشد النهي، فلا يقبل، فقال العباس ذلك:

إني أعيذكم بالله من فتن * مثل الجبال تسامى ثم تندفع

إن البرية قد ملت سياستكم * فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا

لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم * إن الذباب إذا ما ألحمت رتعوا

لا تبقرنَّ بأيديكم بطونكم * فثم لا حسرة تغني ولا جزع

فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمره، وبايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أن أهل المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مَصَاد، فمضى إليه يزيد ماشيا في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد، فأتوه فطرقوا بابه ليلا ثم دخلوا فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد.

ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحا من تحت ثيابه فدخلها.

وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي، وعلى شرطتها أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي.

فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد، فلما لم يبق في المسجد غيرهم بعثوا إلى يزيد بن الوليد، فجاءهم فقصدوا باب المقصورة، ففتح لهم خادم، فدخلوا فوجدوا أبا العاج وهو سكران، فأخذوا خزائن بيت المال وتسلموا الحواصل، وتقووا بالأسلحة.

وأمر يزيد بإغلاق أبواب البلد، وأن لا يفتح إلا لمن يعرف، فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة.

وقد قال فيه بعض الشعراء في ذلك:

فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا * سكاسكها أهل البيوت الصنادد

وكلب فجاؤهم بخيل وعدة * من البيض والأبدان ثم السواعد

فأكرم بها أحياء أنصار سنة * هم منعوا حرماتها كل جاحد

وجاءتهم شيبان والأزد شرعا * وعبس ولخم بين حام وذائد

وغسان والحيَّان قيس وثعلب * وأحجم عنها كل وان وزاهد

فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها * قد استوثقوا من كل عات ومارد

وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا، ليأتوه بعبد الملك بن محمد بن الحجاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار، فلما مروا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد: خذ هذا المال فهو خير من يزيد بن الوليد.

فقال: لا والله، لا تحدث العرب أني أول من خان.

ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منزله إلى حمص فإنها حصينة.

وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك، بل ركب بمن معه وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق، فأخذوه وجاء الوليد فنزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العباس بن الوليد إني آتيك - وكان من أنصاره - فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال: أعليَّ يتوثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتخصر الأفاعي؟

وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه، وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمان مائة فارس، فتصافوا فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤسهم إلى الوالي، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهرا حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعهم فروا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن، فجاؤا إليه وأحاطوا به من كل جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى ليكلمني رجل شريف، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي.

فقال الوليد: ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقرائكم؟ ألم أخدم نساءكم؟

فقال يزيد: إنما ننقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل.

فقال: حسبك يا أخا السكاسك، لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرته.

ثم قال: أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم، ولا يلم شعثكم، ولا تجتمع كلمتكم.

ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفا فنشره، وأقبل يقرأ فيه وقال: يوم كيوم عثمان، واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف، فقال: نحه عنك.

فقال الوليد: لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحبسه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد.

فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف، حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة، فتركوه واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه.

واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر منهم: منصور بن جمهور، وروح بن مقبل، وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب: بوجه الفلس، فلما انتهوا إليه بشروه بقتل الوليد، وسلموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرة آلاف.

فقال له روح بن بشر بن مقبل: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، فسجد شكرا لله.

ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يده للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده، وقال: اللهم إن كان هذا رضى لك فأعني عليه.

وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به وكان ذلك ليلة الجمعة - قيل: يوم الأربعاء - لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد.

فقيل له: إنما ينصب رأس الخارجي.

فقال: والله لأنصبنه.

فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد فقال أخوه: بعدا له، أشهد أنك كنت شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه لم يأنف من ذلك.

وقد قيل: إن رأسه لم يزل معلقا بحائط جامع دمشق الشرقي مما يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية.

وقيل: إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستا وثلاثين سنة.

وقيل: ثمانيا وثلاثين.

وقيل: إحدى وثلاثين.

وقيل: ثنتان، وقيل: خمس، وقيل: ست وأربعون سنة.

ومدة ولايته سنة وست أشهر على الأشهر.

وقيل: ثلاثة أشهر.

قال ابن جرير: كان شديد البطش، طويل أصابع الرجلين، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض ويربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع وثبته.



البداية والنهاية لابن كثير....



يتبع ..سنتكلم عن اواخر دولة بني امية وماحدث فيها


 
مقتله للوليد بن يزيد وزوال دولته ( البداية والنهاية لابن كثير)
====


كان هذا الرجل ( الوليد بن يزيد بن عبدالملك) مجاهرا بالفواحش مصرا عليها، منتهكا محارم الله عز وجل، لا يتحاشى من معصية.

وربما اتهمه بعضهم بالزندقة والانحلال من الدين، فالله أعلم.

لكن الذي يظهر أنه كان عاصيا شاعرا ماجنا متعاطيا للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي.

وقد روي أن أخاه سليمان بن يزيد كان من جملة من سعى في قتله، قال: أشهد أنه كان شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي الفاسق.

وحكى المعافى بن زكريا، عن ابن دريد، عن أبي حاتم، عن العتبي: أن الوليد بن يزيد نظر إلى نصرانية من حسان نساء النصارى اسمها: سفرى فأحبها، فبعث يراودها عن نفسها، فأبت عليه، فألح عليها وعشقها، فلم تطاوعه.

فاتفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلم سفرى ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحك ! أتدرين من هذا الرجل؟

فقالت: لا !

فقيل لها: هو الوليد.

فلما تحققت ذلك حنت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها، قبل أن تحن عليه.

فقال الوليد في ذلك أبياتا:

أضحك فؤادك يا وليد عميدا * صبا قديما للحسان صيودا

في حب واضحة العوارض طفلة * برزت لنا نحو الكنيسة عيدا

ما زلت أرمقها بعيني وامق * حتى بصرت بها تقبِّل عودا

عود الصليب فويح نفسي من رأى * منكم صليبا مثله معبودا

فسألت ربي أن أكون مكانه * وأكون في لهب الجحيم وقودا




وقال فيها أيضا: لما ظهر أمره وعلم بحال الناس.

وقيل: أن هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:

ألا حبذا سفري و إن قيل إنني * كلفت بنصرانية تشرب الخمرا

يهون علينا أن نظل نهارنا * إلى الليل لا ظهرا نصلِّي ولا عصرا

قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري المعروف: بابن طرار النهرواني بعد إيراده هذه الأشياء: للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين، وما يطول ذكره، وقد ناقضناه في أشياء من منظوم شعره المتضمن ركيك ضلاله وكفره.

وروى ابن عساكر بسنده أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار.

وقال القاضي أبو الفرج: أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريون مجموعة ومفردة، وقد جمعت شيئا من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأنزل عليه، وقد عارضت شعره السخيف بشعر حصيف، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل، واستيجاب مغفرته.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليد بن يزيد الحج، وقال: أشرب فوق ظهر الكعبة الخمر، فهموا أن يفتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد ابن عبد الله القسري فسألوه أن يكون معهم فأبى.

فقالوا له: فاكتم علينا.

فقال: أما هذا فنعم.

فجاء إلى الوليد فقال: لاتخرج فإني أخاف عليك.

فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟

قال: لا أخبرك بهم.

قال: إن لم تخبرني بهم بعثت بك إلى يوسف بن عمر.

قال: وإن بعثت بي إلى يوسف بن عمر.

فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله.

وذكر ابن جرير أنه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلمه إلى يوسف بن عمر، يستخلص منه أموال العراق فقتله.

وقد قيل: إن يوسف لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد.

قال الزبير بن بكار: حدثنا مصعب بن عبد الله، قال: سمعت أبي يقول: كنت عند المهدي فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل: في المجلس كان زنديقا.

فقال المهدي: خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.

وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدمشقي: ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد، عن الأزهري بن الوليد، قال: سمعت أم الدرداء، تقول: إذا قتل الخليفة الشاب من بني أمية بين الشام والعراق مظلوما لم يزل طاعة مستخف بها ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق.

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري



قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد
================


قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وفسقه، وما ذكر عن تهاونه بالصلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها، فإنه لم يزدد في الخلافة إلا شرا ولهوا ولذةً وركوبا للصيد وشرب المسكر ومنادمة الفساق، فما زادته الخلافة على ما كان قبلها إلا تماديا وغرورا، فثقل ذلك على الأمراء والرعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساده اليمانية، وهي أعظم جند خراسان، وذلك أنه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك، فلم يزل يعاقبه حتى هلك، انقلبوا عليه وتنكروا له وساءهم قتله، كما سنذكره في ترجمته.

ثم روى ابن جرير بسنده أن الوليد بن يزيد ضرب ابن عمه سليمان بن هشام مائة سوط وحلق رأسه ولحيته وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد وأخذ جارية كانت لآل عمه الوليد بن عبد الملك، فكلمه فيها عمر بن الوليد، فقال: لا أردها.

فقال: إذا تكثر الصواهل حول عسكرك.

وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وبايع لولديه الحكم وعثمان، وكانا دون البلوغ، فشق ذلك على الناس أيضا، ونصحوه فلم ينتصح، ونهوه فلم يرتدع ولم يقبل.

قال المدائني في روايته: ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره، وقالوا: اتخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزندقة وكان أشدهم فيه قولا يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه أظهر النسك والتواضع، ويقول: ما يسعنا الرضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به.

قالوا: وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك، وكان القائم بأعباء ذلك كله والداعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو من سادات بني أمية، وكان ينسب إلى الصلاح والدين والورع، فبايعه الناس على ذلك، وقد نهاه أخوة العباس بن الوليد، فلم يقبل.

فقال: والله لولا إني أخاف عليك لقيدتك وأرسلتك إليه.

واتفق خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباس ينهاه عن ذلك أشد النهي، فلا يقبل، فقال العباس ذلك:

إني أعيذكم بالله من فتن * مثل الجبال تسامى ثم تندفع

إن البرية قد ملت سياستكم * فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا

لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم * إن الذباب إذا ما ألحمت رتعوا

لا تبقرنَّ بأيديكم بطونكم * فثم لا حسرة تغني ولا جزع

فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمره، وبايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أن أهل المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مَصَاد، فمضى إليه يزيد ماشيا في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد، فأتوه فطرقوا بابه ليلا ثم دخلوا فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد.

ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحا من تحت ثيابه فدخلها.

وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف الثقفي، وعلى شرطتها أبو العاج كثير بن عبد الله السلمي.

فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد، فلما لم يبق في المسجد غيرهم بعثوا إلى يزيد بن الوليد، فجاءهم فقصدوا باب المقصورة، ففتح لهم خادم، فدخلوا فوجدوا أبا العاج وهو سكران، فأخذوا خزائن بيت المال وتسلموا الحواصل، وتقووا بالأسلحة.

وأمر يزيد بإغلاق أبواب البلد، وأن لا يفتح إلا لمن يعرف، فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة.

وقد قال فيه بعض الشعراء في ذلك:

فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا * سكاسكها أهل البيوت الصنادد

وكلب فجاؤهم بخيل وعدة * من البيض والأبدان ثم السواعد

فأكرم بها أحياء أنصار سنة * هم منعوا حرماتها كل جاحد

وجاءتهم شيبان والأزد شرعا * وعبس ولخم بين حام وذائد

وغسان والحيَّان قيس وثعلب * وأحجم عنها كل وان وزاهد

فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها * قد استوثقوا من كل عات ومارد

وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا، ليأتوه بعبد الملك بن محمد بن الحجاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كل واحد منهما ثلاثون ألف دينار، فلما مروا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد: خذ هذا المال فهو خير من يزيد بن الوليد.

فقال: لا والله، لا تحدث العرب أني أول من خان.

ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منزله إلى حمص فإنها حصينة.

وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك، بل ركب بمن معه وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق، فأخذوه وجاء الوليد فنزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العباس بن الوليد إني آتيك - وكان من أنصاره - فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال: أعليَّ يتوثب الرجال وأنا أثب على الأسد وأتخصر الأفاعي؟

وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه، وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمان مائة فارس، فتصافوا فاقتتلوا قتالا شديدا فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤسهم إلى الوالي، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهرا حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعهم فروا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن، فجاؤا إليه وأحاطوا به من كل جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى ليكلمني رجل شريف، فكلمه يزيد بن عنبسة السكسكي.

فقال الوليد: ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقرائكم؟ ألم أخدم نساءكم؟

فقال يزيد: إنما ننقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل.

فقال: حسبك يا أخا السكاسك، لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرته.

ثم قال: أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم، ولا يلم شعثكم، ولا تجتمع كلمتكم.

ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفا فنشره، وأقبل يقرأ فيه وقال: يوم كيوم عثمان، واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف، فقال: نحه عنك.

فقال الوليد: لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحبسه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد.

فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف، حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة، فتركوه واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه.

واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر منهم: منصور بن جمهور، وروح بن مقبل، وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب: بوجه الفلس، فلما انتهوا إليه بشروه بقتل الوليد، وسلموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرة آلاف.

فقال له روح بن بشر بن مقبل: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق، فسجد شكرا لله.

ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يده للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده، وقال: اللهم إن كان هذا رضى لك فأعني عليه.

وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به وكان ذلك ليلة الجمعة - قيل: يوم الأربعاء - لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد.

فقيل له: إنما ينصب رأس الخارجي.

فقال: والله لأنصبنه.

فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد فقال أخوه: بعدا له، أشهد أنك كنت شروبا للخمر، ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه لم يأنف من ذلك.

وقد قيل: إن رأسه لم يزل معلقا بحائط جامع دمشق الشرقي مما يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية.

وقيل: إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستا وثلاثين سنة.

وقيل: ثمانيا وثلاثين.

وقيل: إحدى وثلاثين.

وقيل: ثنتان، وقيل: خمس، وقيل: ست وأربعون سنة.

ومدة ولايته سنة وست أشهر على الأشهر.

وقيل: ثلاثة أشهر.

قال ابن جرير: كان شديد البطش، طويل أصابع الرجلين، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض ويربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع وثبته.



البداية والنهاية لابن كثير....



يتبع ..سنتكلم عن اواخر دولة بني امية وماحدث فيها


اعوذ بالله تطعن بالدولة الاموية وآراك معجب بالدولة العثمانية
عجيب امرك
 
موجز تاريخ الدولة الأموية (2)

ثار أهل المدينة على يزيد بن معاوية، وتزعَّم هذه الثورة عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة بن أبي عامر ومحمد بن عمرو بن حزم ومجموعة أخرى من فقهاء المدينة، فيما عارضها آخرون كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ومحمد بن علي بن أبي طالب (محمد بن الحنفية) وعبد الله بن جعفر بن أبي طالب وسعيد بن المسيب، وأخرج الثوَّار والي المدينة الأموي عثمان بن محمد بن أبي سفيان كما حاصروا بني أمية فيها، ثم طردوهم عنها، فأرسل إليهم يزيد بن معاوية جيشًا بقيادة مسلم بن عقبة المري، وحاول الجيش الأموي إنهاء الأمور بالتفاهم والأمان فلم يُفلح؛ فنشبت المعركة المعروفة في التاريخ باسم «موقعة الحرة»، وفيها انهزم أهل المدينة.

وليت الأمر توقَّف ها هنا!

ولكن جيش مسلم بن عقبة استباح المدينة ثلاثة، فنهبها وانتهك حرمتها، وأجبر المنهزمين على البيعة ليزيد باعتبارهم عبيدًا له، غير أن الجيش لم يرتكب ما نسبته إليه الروايات الشيعية من تهمة انتهاك الأعراض واغتصاب بنات المدينة وما سوى ذلك من الكفر القبيح، إلَّا أنَّ انتهاك حرمة المدينة واستباحتها وانتهابها وإذلال أهلها كان من الكبائر التي اقترفها يزيد بن معاوية وقائد جيشه مسلم بن عقبة.

وكما حرَّك استشهاد الحسين وما يُقال عن يزيد أهل المدينة، فإن هذا – إضافة إلى ما وقع في الحرة- قد حرَّك ثورة أخرى في مكة، تزعَّمها بعض الصحابة والتابعين: كعبد الله بن الزبير، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف، لقد بدا في ذلك الوقت بما لا يدع مجالاً للشك أن انتقال الخلافة من الشورى إلى الملك العضوض؛ إنما سيُؤدِّي إلى الطغيان والتجبر والفساد وانتهاك محارم الله – حتى ولو كان ابن بنت رسول الله- وحرمة مدينة رسول الله، ولا شك أن استدعاء الأحداث وقتها ومعايشتها سيُفضي إلى هذه النتيجة بشكل لا لبس فيه، فهذا أول خليفة وصلته الخلافة بالوراثة يتجرَّأ على مثل هذه الكبائر، فمِنْ ثَمَّ كان لا بد من محاولة لإعادة الأمر إلى نصابه، وإعادة الخليفة إلى الشورى.

ولمرَّة أخرى فشل يزيد بن معاوية في إنهاء الأمر سلميًّا عبر الرسائل والوفود، فوَجَّه سريتين إحداهما بقيادة عمرو بن الزبير (أخي عبد الله بن الزبير)، فهُزِمتا خارج مكة، ثم جيشًا بقيادة الحصين بن نمير السكوني، فكان ابن الزبير ينهزم بسهولة ويفقد في كل يوم خيرة أصحابه؛ حتى لم يَعُدْ أمامه إلَّا أن ينسحب ويلجأ إلى البيت الحرام بعدما فقد كل مواقعه، ومع استمرار حصار ابن الزبير وضربه بالمجانيق؛ أضيفت كارثة ثالثة لعهد يزيد بن معاوية وهي احتراق جزء من الكعبة اختلف الرواة هل هو من تطاير نار في معسكر ابن الزبير أم من أثر الضرب بالمجانيق، والاحتمال الأول أكبر، لكن أيًا ما كان الأمر فإن احتراق شيء من الكعبة هو بطبيعة الحال أمر لم يقصده أحد لا من أهل الشام ولا من أتباع ابن الزبير، ولكنها الحادثة التي اهتزَّ لها المعسكران.
وما هو إلَّا أنَّ وصلت الأخبار بموت يزيد بن معاوية (أول ربيع الآخر 64هـ)، وكان قد مات (15 من ربيع الأول 64هـ) وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، وهنا دخلت ثورة مكة منعطفًا جديدًا؛ إذ اقترح الحصين بن نمير قائد جيش يزيد على عبد الله بن الزبير أن يسارع بالمناداة إلى نفسه خليفة، وأن يمضي معه إلى الشام فيأخذ البيعة؛ فهو أحق المسلمين بها.

أمَّا أن يزيد بن معاوية قد أخطأ وارتكب عظائم فهذا ما لا يمكن أن يُنكره أحد، وأما أنه يتحمَّل كل المسئولية فهذا ما لا نُوافق عليه؛ فهذه الثورات التي انطلقت إليه ما كان منها ثورة واحدة قد استكملت أسبابها؛ بل كلها كان ينهزم بأقلِّ المجهود، ثم إن تحصُّنهم في المدينة وفي مكة، واتخاذهم حرم الله حرمًا لهم وهم يثورون؛ فهذا ما أوقعه في الحرج، فما كان بإمكان يزيد أن يتركهم في ثورتهم، ولا هو نجح في ردِّهم ولا التصالح معهم بالكتب والوفود، ولا كان لهم قوَّة على مواجهة يزيد؛ فضلاً عن حكم الأُمَّة كلها. ولسنا الآن نوزِّع المسئوليات والأخطاء، فالجميع بين يدي الله تعالى وهو أعلم بهم وهو أحكم الحاكمين، ولكننا ننظر فيما عرفناه من التاريخ لنعتبر ونتعلم، بإنصاف لا يعتريه هوى!

لم يرضَ عبد الله بن الزبير بالخروج إلى الشام كما قال له الحصين بن نمير، ولعلَّه خشي إلَّا يرضى به أهل الشام، وأما أهل الشام فقد بايعوا بعد يزيد ولدَه معاوية بن يزيد، وكان صالحًا وضعيفًا ومريضًا، فلم تستمرُّ أيامه إلَّا ثلاثة أشهر على أقصى تقدير، وفيها خلع نفسه، وترك الخلافة للناس يولون عليهم مَنْ أرادوا، وما لبث بعدها أن مات، وهو في حدود العشرين من عمره، أو أكثر من ذلك قليلاً.
لم يتفق أهل الشام على خليفة، وبايعت الأمصار عبد الله بن الزبير، وكاد أهل الشام والأمويون أنفسهم أن يبايعوا ابن الزبير بالخلافة في مكة، وتزعَّم هذا الضحاك بن قيس أمير دمشق، وأوشك أن يفعله مروان بن الحكم كبير بني أمية، لولا اعتراض قبائل اليمانية بزعامة حسان بن مالك، الذين رفضوا أن يصير الأمر إلى غير الأمويين، وستُثبت تطورات الأحداث أن بني أمية كانوا هم عصبة العرب وأقوى البيوت فيها، وأنهم – لهذا- هم الأقدر على ممارسة الخلافة، وهو ما ذهب إليه معاوية – رضي الله عنه- من قبلُ، وعامَّة الصحابة والتابعين الذين وافقوا على البيعة ليزيد ونصحوا الحسين بعدم الخروج، كما لم يُوافقوا على ثورة المدينة، ولا ثورة عبد الله بن الزبير، ستُثبت الأحداث أن هذه النظرة كانت هي الأصح.
فهذا عبد الله بن الزبير بايعته الأمصار جميعًا، ولم يبقَ خارجًا عن سلطته إلَّا الشام، الذي يعاني هو نفسه من الانقسام بين طائفة تُريده وطائفة تُريد بقاء الأمر في الأمويين وتُؤَيِّد مروان بن الحكم، ويبدو الأمر كما لو أن مؤيديه أكبر من مؤيدي مروان بن الحكم، وهكذا صار ابن الزبير الخليفة الشرعي للمسلمين.

إلَّا أن الأمور لم تجتمع لابن الزبير بشكل كامل؛ إذ رفض ابن عمر أن يُبايعه لأن الناس في فرقة ولم يجتمعوا عليه، كذلك لم يُبايعه ابن عباس، وانتهى الأمر بخروجه من مكة إلى الطائف، وكذلك محمد بن الحنفية، ثم ثار المختار بن أبي عبيد الثقفي في الكوفة وسيطر عليها، وهو من الخوارج المنحرفين، الذين رفعوا شعار آل البيت، واتخذ المختار محمد بن الحنفية إمامًا، لكن محمدًا تبرَّأ منه ومما يدعو إليه، وقد لا نجد عملاً كبيرًا لعبد الله بن الزبير في خلافته، إلَّا حرب المختار بن أبي عبيد وقتله (67هـ) على يد أخيه مصعب بن الزبير، الذي ولاه أمر العراق.

وفي العراق، ثم في الشام، ثم في الحجاز جرت أحداث لم يكن أحد ليتوقعها في ذلك الوقت مهما اتسع خياله، وذلك ما نعرض إليه في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
 
موجز تاريخ الدولة الأموية (3)


وفي الشام أسفرت الأمور عن اختيار أهل القوة والعصبة من أهل الشام لمروان بن الحكم ومبايعته خليفة، ثم دارت حرب بين مروان بن الحكم، وبين أنصار ابن الزبير بقيادة الضحاك بن قيس الفهري في مرج راهط (في ذي الحجة 64هـ)، انتصر فيها مروان بن الحكم بعد قتال شديد، واستقرَّ له أمر الشام.

ثم بدأ في ضمِّ البلاد إليه؛ فبدأ بمصر التي دخلت في سلطانه بسهولة، ثم عهد بالولاية من بعده لابنه عبد الملك، ثم لعبد العزيز، ولا شكَّ في هذه اللحظة أنه كان مقتنعًا إلى النهاية بأن ولاية العهد هي التي تمنع الفتن والانقسامات والتنافس على الخلافة، فما زال الأمر مضطربًا منذ أن انفرط عقد الشام بموت يزيد بن معاوية، ثم خلع معاوية بن يزيد نفسَه، ثم ما لبث أن مات (رمضان 65هـ) بعد تسعة أشهر فقط في الحكم، وتولَّى بعده ابنه عبد الملك بن مروان.

والمتابع لتاريخ الفترة يتعجَّب من خلوِّ مشهد الشام من عبد الله بن الزبير، الذي اعتمد كلية على أنصاره في الشام، ولم يُجَيِّش معهم الجنود، ولا أرسل إليهم الدعم للقضاء على المعارضة هناك، كذلك خرجت مصر من بين يديه بسهولة، وسنرى بعدئذٍ أن البلاد ظلَّت تتساقط من بين يديه على ما كان متحقِّقًا له من اجتماع الكلمة.

فيما استطاع بنو أمية أن يستعيدوا ملكهم كاملًا مرَّة أخرى؛ بل وأن يُوَسِّعوه أضعافًا على الرغم مما وقع في الشام من فرقة وانقسام، في دلالة فارقة على أن بني أمية كانوا الأصلح للخلافة في هذا الوقت؛ بما امتلكوه من عصبة وتوحد، وبما نشأ فيهم من شخصيات قوية حازمة واسعة السياسة وبعيدة النظر.

تولَّى عبد الملك بن مروان الأمر وليس بيده إلَّا الشام ومصر – وكان من كبار العلماء والفقهاء في وقته (1)- فكان المؤسس الثاني لملك بني أمية، فعبد الملك شخصية قوية بارعة نجيبة إلى الحدِّ الذي ولاه معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه- أمر المدينة وعمره ستة عشر عامًا فحسب، فكيف وهو الآن في الأربعين من عمره، أي في اكتمال النضج؟!

في عهده ضمَّ إليه باقي البلاد الإسلامية، وانتصر على مصعب بن الزبير في العراق، ثم على عبد الله بن الزبير في مكة، واستقرَّ الأمر له، ولم يخلُ الأمر من فظائع أخرى تُعيد التذكير بعهد يزيد بن معاوية؛ إذ كان الحجاج بن يوسف الثقفي واحدًا من أبرز رجاله، وهو الذي ثَبَّت له أمر العراق، وانتصر على الخوارج، وهو الذي قاد له الحملة على عبد الله بن الزبير في مكة حتى هزمه، وقذف البيت الحرام بالمجانيق، ثم صلب جثة عبد الله بن الزبير، وأساء إلى سيدة الدنيا في وقتها أسماء بنت أبي بكر؛ فلامه فيها عبد الملك بن مروان.

وعلى الجانب الآخر تخاذل الناس وانفضُّوا عن ابن الزبير واحدًا تلو الآخر، وجماعة تلو الأخرى في مشهد يُعيد التذكير بالحسين بن علي – رضي الله عنه-، كما يُعيد التأكيد على أن جميع القوى افتقدت التماسك والتوحد، الذي كان متوفرًا للأمويين ما يزيدُ في التأكيد على أنه لم يكن أحد في هذا الوقت أقدر على الخلافة منهم.

وَصَفَتِ الأمور لعبد الملك بن مروان، ولم يَعُدْ يُضايقه إلَّا بعض ثورات الشيعة المحدودة في العراق، وثورات الخوارج، التي تولَّى القضاء عليها البطل الكبير المهلب بن أبي صفرة، واستطاع أن يهزمهم هزائم قاسية في أكثر من موقعة فاصلة، وقد كانت ثوراتهم أخطر الثورات على بني أمية.

ولكن سياسة الحجاج ما لبثت أن أشعلت ثورة خطيرة وكبرى قادها عبد الرحمن بن الأشعث ومعه سعيد بن جبير والشعبي، وكلاهما من العلماء الكبار، إضافة إلى دعم وموافقة من الصحابي الجليل أنس بن مالك؛ ولكنه لم يستطع القتال لشيخوخته.

وانتشرت الثورة واشتعلت، وانضمَّ إليها كثير من الناس تبعًا لمَنِ انضمَّ إليها من العلماء والفقهاء والقرَّاء، وبلغت الثورة منحى خطيرًا، وهزم جيش ابن الأشعث كافة الجيوش التي أرسلها إليه الحجاج لمواجهته؛ مما دفع عبد الملك إلى أن يعرض على أهل العراق أن يعزل عنهم الحجاج بن يوسف الثقفي، وأن يتولَّى عبد الرحمن بن الأشعث إمارة ما شاء من البلاد، ولكن الثائرين ظنُّوا أن هذه التنازلات تُخبر بقرب انتصارهم الكامل؛ فرفضوا هذا العرض، فاستمرَّ القتال مائة يوم وقع فيها ثمانون معركة، انتهى أغلبها لصالح أهل العراق، ثم انتهى الأمر بانتصار حاسم للأمويين وفشلت هذه الثورة الكبرى، التي لم تُواجه الدولة أخطر منها طوال فترة قوتها.

وفي أثناء الصراع الداخلي في الدولة الإسلامية توقفت الفتوح بطبيعة الحال، بل تراجعت الدولة الإسلامية، وضاعت منها بلاد كانت قد فُتِحت في الشمال الأفريقي، بل واضطرَّ عبد الملك إلى أن يُصالح الروم على إتاوة سنوية يدفعها لهم! وهو الأمر الذي ما كانوا يحلمون بشيء منه! ولكن بعد وحدة الدولة تحت سلطة عبد الملك انتهت هذه المرحلة، واستعاد المسلمون قوتهم؛ بل بدؤوا مرَّة أخرى في فتح البلاد، ومنها بلاد الروم نفسها، التي أخذت في التساقط أمام المسلمين في عهد عبد الملك وأبنائه.

ومن أهمِّ ما صنعه عبد الملك بن مروان هو تنظيم الدولة إداريًّا، وجعله اللغة العربية لغة رسمية تُكتب بها الدواوين، وسَكَّ العملة بالعربية، وفرض التعامل بها في الدولة؛ وهي القرارات التي كان لها أكبر الأثر في حياة الأُمَّة الإسلامية بأثرها.

تُوُفِّيَ عبد الملك بن مروان (شوال 86هـ) بعد عشرين عامًا حَقَّق فيها ما غاب عن الأُمَّة منذ ربع قرن، منذ وفاة معاوية، من أمن البلاد وتوحيدها، وانتهاء الفتن، والعودة إلى عصر الفتوح، وأعاد فيها سلطان بني أمية، ووطَّد فيها أمر الخلافة، وتولَّى الأمر من بعده ولده الوليد بن عبد الملك.

وجد الوليد بن عبد الملك ساحة مهيَّأة، وكان يهيم بالبناء والعمارة، فبنى المسجد الأموي الذي هو تحفة معمارية لا مثيل لها في وقتها، وبنى في المسجد النبوي وتوسَّع فيه، واهتمَّ بزخارفه وزينته، كما اهتمَّ بأعمال حفر الترع والقنوات والآبار، وتسيير الطرقات، وكان أول مَنْ بنى المستشفيات، وجعل فيها نظام الأطباء العاملين بمرتبات، وبنى مستشفى لمرضى الجذام، وتعهَّد أمر المحتاجين والفقراء والعاجزين، وما إلى ذلك؛ حتى جعل لكلِّ مُقْعَد خادمًا، ولكل أعمى قائدًا.

واستمرَّت الفتوحات كذلك في عهد الوليد بن عبد الملك؛ ففي عهده تمَّ الفتح العظيم: فتح الأندلس، التي ستكون فيما بعدُ بقعة فارقة في تاريخ الإنسانية، كما توالت الفتوحات في أواسط آسيا وبلاد السند (2)، واستمرَّ التطور المالي والإداري في الدولة في عهد الوليد بن عبد الملك، ظلَّ الوليد عشر سنوات في منصب الخليفة؛ حتى وافاه الأجل (96هـ)، وتولَّى الخلافة من بعده أخوه سليمان بن عبد الملك.
 
اعوذ بالله تطعن بالدولة الاموية وآراك معجب بالدولة العثمانية
عجيب امرك

تاريخ هذا ... انقل ما كتبه كبار الثقاة مثل البداية والنهاية ابن كثير وسير اعلام النبلاء للذهبي وشذرات الذهب لابن العماد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الطبري للطبري والكامل في التاريخ لابن الأثير وغيرهم ممن صح نقله ...

هناك امور لابد من الاشارة لها وعدم اغفالها ...
 

الوليد بن يزيد والقحطانية
====

الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الخليفة الأموي الحادي عشر، كان شاعراً مجيداً أخذ منه الشعراء بعضاً من معانيه المبتكرة وتضافرت على قتله دواع شتى: كان متهماً في دينه، وكان متعصباً للقيسية، وكان يهجو اليمانية ويتحداهم بشعره، وقتل أحد أشرافهم البارزينخالد بن عبدالله القسري فقتلته اليمانية.


كان ابن عم الوليد، ناقماً عليه لسوء سيرته وفساد عقيدته، فكان يحرض الناس عليه، وأيدته القبائل اليمانية التي كانت ناقمة على الوليد لتعصبه للقيسية، قبيلة أمه، ولهجائه إياهم وتحدّيهم أن ينتصروا لخالد بن عبد الله القسري، وهو من قبيلة بجيلة اليمانية.

وكان خالد بن عبد الله القسري والي العراق في خلافة هشام بن عبد الملك، ثم عزله هشام، ولما ولي الوليد الخلافة سجنه ثم أمر بقتله، فقتله يوسف بن عمر الثقفي، والي العراق بنهاية عهد هشام و وخلافة الوليد بن يزيد ،



وقد قال الوليد بن يزيد قصيدة يهجو بها اليمانية ويفخر فيها بقتله خالداً ويتحدى قومه اليمانية أن يثأروا له، ومنها قوله:



وهذا خالد فينا قتيلاً .....ألا منعوه إن كانوا رجالاً

ولو كانت بنو قحطان عُرباً ......لما ذهبت صنائعه ضلالا

ولكن المذلة ضعضعتهم........فلم يجدوا لذلتهم مقالا





وقد أثارت هذه القصيدة ثائرة اليمانية في الشام وهم أكثر عرب الشام ، وكانت من دواعي إقدامها على قتله، يتزعمها منصور بن جمهور،

وقال شاعرهم عمران بن هلباء الكلبي قصيدة ينقض فيها قصيدة الوليد ويفخر باليمانية وقتلهم الوليد بن يزيد ومنها قوله:



سنبكي خالداً بمهندات .....ولا تذهب صنائعه ضلالا



وقال الشاعر الكلبي اليماني خلف بن خليفة أبياتاً يفخر بها بثأر اليمانية لخالد ومنها قوله:

لقد سكّنت كلب وأسباق مذحج .....صدىً كان يزقو ليله غيرَ راقد

تركن أمير المؤمنين بخالد .........على خيشومه غيرَ ساجد

 


مقتل الفاتح قتيبة بن مسلم رحمه الله
============



وذلك أنه جمع الجند والجيوش وعزم على خلع سليمان بن عبد الملك من الخلافة وترك طاعته، وذكر لهم همته وفتوحه وعدله فيهم، ودفعه الأموال الجزيلة إليهم، فلما فرغ من مقالته لم يجبه أحد منهم إلى مقالته، فشرع في تأنيبهم وذمهم، قبيلة قبيلة، وطائفة طائفة، فغضبوا عند ذلك ونفروا عنه وتفرقوا، وعملوا على مخالفته، وسعوا في قتله، وكان القائم بأعباء ذلك رجل يقال له وكيع بن أبي سود، فجمع جموعا كثيرة، ثم ناهضه فلم يزل به حتى قتله في ذي الحجة من هذه السنة، وقتل معه أحد عشر رجلا من إخوته وأبناء إخوته، ولم يبق منهم سوى ضرار بن مسلم، وكانت أمه الغراء بنت ضرار بن القعقاع بن معبد بن سعد بن زرارة، فحمته أخواله، وعمرو بن مسلم كان عامل الجوزجان وقتل قتيبة وعبد الرحمن وعبد الله وعبيد الله وصالح ويسار، وهؤلاء أبناء مسلم، وأربعة من أبنائهم فقتلهم كلهم وكيع بن سود.

وقد كان قتيبة بن مسلم بن عمرو بن حصين بن ربيعة أبو حفص الباهلي، من سادات الأمراء وخيارهم، وكان من القادة النجباء الكبراء، والشجعان وذوي الحروب والفتوحات السعيدة والآراء الحميدة، وقد هدى الله على يديه خلقا لا يحصيهم إلا الله، فأسلموا ودانوا لله عز وجل وفتح من البلاد والأقاليم الكبار والمدن العظام شيئا كثيرا كما تقدم ذلك مفصلا مبينا، والله سبحانه لا يضيع سعيه ولا يخيب تعبه وجهاده.

ولكن زل زلة كان فيها حتفه، وفعل فعلة رغم فيها أنفه، وخلع الطاعة فبادرت المنية إليه، وفارق الجماعة فمات ميتة جاهلية لكن سبق له من الأعمال الصالحة ما قد يكفر الله به سيئاته، ويضاعف به حسناته، والله يسامحه ويعفو عنه، ويتقبل منه ما كان يكابده من مناجزة الأعداء، وكانت وفاته بفرغانه من أقصى بلاد خراسان، في ذي الحجة من هذه السنة، وله من العمر ثمان وأربعون سنة، وكان أبوه أبو صالح مسلم فيمن قتل مع مصعب بن الزبير، وكانت ولايته على خراسان عشر سنين، واستفاد وأفاد فيها خيرا كثيرا،


وقد رثاه عبد الرحمن بن جمانة الباهلي فقال:



كان أبا حفص قتيبة لم يسرُ * بجيش إلى جيش ولم يعل منبرا

ولم تخفق الرايات والقوم حوله * وقوفٌ ولم يشهد له الناس عسكرا

دعته المنايا فاستجاب لربه * وراح إلى الجنات عفا مطهرا

فما رزئ الإسلام بعد محمد * بمثل أبي حفص فبكّيه عبهرا

ولقد بالغ هذا الشاعر في بيته الأخير. وعبهر ولد له.




وقال الطرماح في هذه الوقعة التي قتل فيها على يد وكيع بن سود:



لولا فوارس مذحج ابنه مذحج * والأزد زعزع واستبيح العسكر

وتقطعت بهم البلاد ولم يؤب * منهم إلى أهل العراق مخبر

واستضلعت عقد الجماعة وازدرى * أمر الخليفة واستحل المنكر

قوم همو قتلوا قتيبة عنوة * والخيل جامحة عليها العثير

بالمرج مرج الصين حيث تبينت * مضر العراق من الأعز الأكبر

إذ حالفت جزعا ربيعة كلها * وتفرقت مضر ومن يتمضر

وتقدمت ازد العراق ومذحج * للموت يجمعها أبوها الأكبر

قحطان تضرب رأس كل مدجج * تحمي بصائرهن إذ لا تبصر

والأزد تعلم أن تحت لوائها * ملكا قراسيةً وموت أحمر

فبعزنا نصر النبي محمد * وبنا تثبت في دمشق المنبر


وقد بسط ابن جرير هذه القصيدة بسطا كثيرا وذكر أشعارا كثيرةً جدا.




وقال ابن خلكان وقال جرير يرثي قتيبة بن مسلم رحمه الله وسامحه، وأكرم مثواه وعفا عنه:



ندمتم على قتل الأمير ابن مسلم * وأنتم إذا لا قيتم الله أندم

لقد كنتم من غزوه في غنيمة * وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغنم

على أنه أفضى إلى حور جنة * وتطبق بالبلوى عليكم جهنم



قال: وقد ولي من أولاد وذريته جماعة الأمرة في البلدان، فمنهم عمر بن سعيد بن قتيبة بن مسلم وكان جوادا ممدحا، رثاه حين مات أبو عمر وأشجع بن عمرو السلمي المري نزيل البصرة يقول:

مضى ابن سعيد حيث لم يبق مشرق * ولا مغرب إلا له فيه مادح

وما كنت أدري ما فواضل كفه * على الناس حتى غيبته الصفائح

وأصبح في لحد من الأرض ضيق * وكانت به حيا تضيق الضحاضح

سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض * فحسبك مني ما تجر الجوانح

فما أنا من رزئي وإن جل جازع * ولا بسرور بعد موتك فارح

كأن لم يمت حي سواك ولم تقم * على أحد إلا عليك النوائح

لئن حسنت فيك المراثي وذكرها * لقد حسنت من قبل فيك المدائح



قال ابن خلكان: وهي من أحسن المراثي وهي في الحماسة، ثم تكلم على باهلة وأنها قبيلة مرذولة عند العرب، قال: وقد رأيت في بعض المجاميع أن الأشعث بن قيس قال: يا رسول الله أتتكافأ دماؤنا؟ قال: «نعم ! ولو قتلت رجلا من باهلة لقتلتك». وقيل لبعض العرب: أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي؟ قال: بشرط أن لا يعلم أهل الجنة بذلك. وسأل بعض الأعراب رجلا ممن أنت؟ فقال: من باهلة، فجعل يرثي له، قال: وأزيدك أني لست من الصميم وإنما أنا من مواليهم. فجعل يقبل يديه ورجليه، فقال: ولم تفعل هذا؟ فقال: لأن الله تعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ليعوضك الجنة في الآخرة.

ثم قال ابن جرير: وفي هذه السنة توفي قرة بن شريك العبسي أمير مصر وحاكمها. قلت: هو قرة بن شريك أمير مصر من جهة الوليد، وهو الذي بنى جامع الفيوم.

وفيها حج بالناس أبو بكر محمد بن عمرو بن حزم، وكان هو الأمير على المدينة، وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى حرب العراق وصلاتها يزيد بن المهلب، وعلى خراجها صالح بن عبد الرحمن، وعلى نيابة البصرة ليزيد بن المهلب سفيان بن عبد الله الكندي، وعلى قضائها عبد الرحمن بن أذينة، وعلى قضاء الكوفة أبو بكر بن أبي موسى، وعلى حرب خراسان وكيع بن سود، والله سبحانه وتعالى أعلم



البداية والنهاية للعالم الحافظ ابن كثير -

 

مقتل الفاتح محمد بن القاسم الثقفي
====

كان له نهاية أليمة، ذهب ضحية للحقد، فتختلق الأكاذيب ضده لتلطخ بسوادها المنكر صحيفة بيضاء، ويمضي الشهيد إلى ربه صابرًا محتسبًا، فلم يكن للبطل محمد بن القاسم الثقفي من ذنب لدى الخليفة سليمان بن عبد الملك إلا أنه ابن عم غريمه الحجاج بن يوسف الثقفي، فانتقم الخليفة سليمان من الحجاج الذي أراد عزله من قبلُ عن الخلافة في شخص محمد بن القاسم.

ووصل محمد بن القاسم الثقفي إلى العراق، بعد أن ادعت ابنة داهر ملك السند الذي قتله محمد بن القاسم أن محمد راودها عن نفسها ونالها قسرًا، فأرسله والي العراق صالح بن عبد الرحمن مقيدًا بالسلاسل إلى سجن مدينة واسط، وهناك عذبه شهورًا بشتى أنواع التعذيب حتى مات البطل الفاتح في سنة 96هـ، فخرجت الجموع الحاشدة لتوديعه باكية حزينة، لم يكن العرب وحدهم يبكون على مصيره، بل أهل السند من المسلمين، وحتى البرهميين والبوذيين، كانون يذرفون الدموع الغزيرة، وصوَّره الهنود بالحصى على جدرانهم ليبقى شخصه ماثلاً للعيون، وجزعوا لفراقه جزعًا شديدًا.

مات محمد بن القاسم الثقفي ولم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره بعد أن فتح الفتوح وقاد الجيوش وضم الباكستان العظيمة إلى رقعة الإسلام، فاستضاء بجهاده وبمن جاء بعده مائة مليون مسلم.






ذكر ما فعله القائد الفاتح محمد بن القاسم الثقفي بعد موت الحجاج وقتله
======


لما مات الحجاج بن يوسف كان محمد بن القاسم بالملتان فأتاه خبر وفاته فرجع إلى الرور والبغرور وكان قد فتحهما فأعطى الناس ووجه إلى البيلمان جيشًا فلم يقاتلوا وأعطوا الطاعة وسأله أهل سرشت وهي مغزى أهل البصرة وأهلها يقطعون في البحر ثم أتى محمد الكيرج (جورجيا حاليا) فخرج إليه دوهر فقاتله فانهزم دوهر وهرب وقيل‏:‏ بل قتل ونزل أهل المدينة على حكم محمد فقتل وسبى قال الشاعر‏:‏

نحن قتلنا ذاهرًا ودوهرًا ** والخيل تردي منسرًا فمنسرا

ومات الوليد بن عبد الملك وولي سليمان بن عبد الملك فولى يزيد بن أبي كبشة السكسكي السند فأخذ محمدًا بن القاسم وقيده وحمله إلى العراق

فقال محمد متمثلًا‏:‏ أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوخمٍ كريهةٍ وسداد ثغر ...فبكى أهل السند على محمد .....فلما وصل إلى العراق حبسه صالح بن عبد الرحمن بواسط فقال‏:‏

فلئن ثويت باسطٍ وبأرضها ...رهن الحديد مكبلًا مغلولا

فلرب قينة فارسٍ قد رعتها ....ولرب قرنٍ قد تركت قتيلًا

ولو كنت أجمعت الفرار ...لوطئت إناث أعدت للوغى وذكور

وما دخلت خيل السكاسك أرضنا ...ولا كان من عكٍ علي أمير

وما كنت للعبد المزوني تابعًا ....فيا لك دهر بالكرام عثور



فعذبه صالح في رجال من آل أبي عقيل حتى قتلهم وكان الحجاج قتل آدم أخا صالح وكان يرى رأي الخوارج

وقال حمزة بن بيض الحنفي يرثي محمدًا‏:‏

إن المروءة والسماحة والندى .... لمحمد بن قاسم بن محمد

ساس الجيوش لسبع عشرة حجةً.....ياقرب ذلك سؤددًا من مولد


وقال آخر‏:‏ ساس الرجال لسبع عشرة حجةً ...ولداته إذ ذاك في أشغال





الكامل في التاريخ لابن الأثير
 
تاريخ هذا ... انقل ما كتبه كبار الثقاة مثل البداية والنهاية ابن كثير وسير اعلام النبلاء للذهبي وشذرات الذهب لابن العماد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الطبري للطبري والكامل في التاريخ لابن الأثير وغيرهم ممن صح نقله ...

هناك امور لابد من الاشارة لها وعدم اغفالها ...
أستطيع اجيب لك تاريخ يُبين جرائم الدولة العثمانية يقشعر لها الابدان
 
في النهاية لم تدم دولتهم الا 90 عاماً ذبحو بعضهم البعض على الحكم ...
صحيح أنها لم تدم طويلا لكنها أسست للحكم الإسلامي ما لم تؤسسة دولة بعدها.
مهما حاولتم أن تشوهوا صورة الدولة الأموية فلن تستطيعوا.
فلا يعلم فتح للإسلام مثل فتوحاتها، ويكفيها أنها كانت دولة موحدة لم ينخر جسدها الشرك كغيرها من الدول.
أما ذبح بعضهم فلا يعلم دولة قتل الحكام فيها أولادهم وإخوانهم مثل العثمانيين.
رحم الله قادة الدولة الأموية الإسلامية العربية.
جمعت الناس على الإسلام من المشرق إلى المغرب
أتعبت من بعدها.
 
التعديل الأخير:
تاريخ هذا ... انقل ما كتبه كبار الثقاة مثل البداية والنهاية ابن كثير وسير اعلام النبلاء للذهبي وشذرات الذهب لابن العماد وتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ الطبري للطبري والكامل في التاريخ لابن الأثير وغيرهم ممن صح نقله ...

هناك امور لابد من الاشارة لها وعدم اغفالها ...
تركيزك على نقاط معينة من حياة الدولة الأموية بروايات تاريخية كثير منها لا سند لها، كل هذا يبين مقصدك من كتاباتك عن الدولة الأموية.
وهذا الأمر كان واضحا في بعض تعليقاتك في مواضيع سابقة عن الدولة الأموية والعباسية.
فهل للعرق علاقة بالأمر؟o_O
 
عربت شمال افريقيا وإيران بالكامل


التعريب في شمال افريقيا جاء متأخرا جدا جدا ولم يكن في عصر الدولة الأموية
مثلا النزعة العروبية للدولة الأموية وتهميش السكان المحليين تسبب في ثورة على حكمهم في المغرب قادها ميسرة المدغري بعد أقل من 40 عام على الحكم الأموي تسببت في طردههم، ورغم محاولة السلطة المركزية الأموية انهاء الثورة وقيامها بإرسال جيش لتأديب الثوار إلا أنهم هزموا مرة أخرى لتكون الدولة الأموية أول وآخر دولة مشرقية تسيطر على المغرب لفترة وجيزة..

ثم جاء المرابطون والموحدون والمرينيون وغيرهم وهي كلها دول أمازيغية، ربما اقتصر فيها استعمال العربية في الدائرة الضيقة للحكم.. ونفس الشي مع دولة الأشراف السعديين، التي يمكن القول أنها كانت دولة عربية في أعلى الهرم لكنها اعتمدت في قيامها على ولاء قبائل أمازيغية.. قيادة عربية لشعب أمازيغي.

التعريب في المغرب كان بالأساس مع العلويين الأسرة الحاكمة إلى غاية اليوم، وبلغ أوجه مع بدأ تعميم التعليم.. قد يستغرب الكثير منكم إذا علم أن المغرب حين تقدم بطلب الانضمام إلى الجامعة العربية قوبل طلبه بالتحفظ في مصر إذا لم تخني الذاكرة باعتباره ليس دولة عربية وهذا يعطيك لمحة على هوية الدولة إلى عهد قريب
 
عودة
أعلى