ماذا يجري في السعودية؟
30 أكتوبر 2017 حصري
تابع مال
أحمد الخطيب
اذا أردنا التبسيط والاختصار فالسعودية تشهد تنفيذ خطط اقتصادية تتماشى مع الرؤية التي تم الإعلان عنها قبل أقل من سنتين بهدف تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط بحلول عام 2030. لكن القصة أكبر من ذلك بكثير. أصبح ممكنا اليوم الحديث عن تطبيق خطط وبرامج الرؤية بناء لما نشاهده من إعلانات لمشاريع جديدة بشكل متسارع. في بداية العمل كانت الرؤية مجرد توجه عام حدد الإطار والأهداف لكن مع مرور الوقت دخلت الرؤية مرحلة التنفيذ وغيرت كل شيء بطريقة لم يكن أشد المتفائلين يتوقعها.
الموضوع كبير جدا وليس فقط تعليقا على خطة اقتصادية. أحد دول G20 تقوم بتغييرات اقتصادية جذرية يتغير معها شكل المنطقة ومستقبلها وذلك واضح من تغطية الصحافة الدولية بشكل يومي لأي حركة تحصل في الاقتصاد السعودي. كما يتجلى ذلك من خلال مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عُقد الاسبوع الماضي بمستوى حضور غير مسبوق ثم الإعلان خلال نفس المؤتمر عن مشروع نيوم العملاق. الشكل والإخراج لكل ذلك مهم جدا لأنه يعكس طريقة العمل لتنفيذ الرؤية الطموحة. كبار المستثمرين الدوليين في مجالات مختلفة أصبحوا مشاركين في تلك المشاريع ويتحدثون عنها بشغف. هذا ليس أمرا بسيطا أبدا.
يُجيب مشروع نيوم، مثله مثل المشاريع السابقة، عن أسئلة كثيرة طُرحت مع إعلان الرؤية حول القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق بيئة جاذبة لها. التحدي في جذب الاستثمارات الأجنبية عادة صعب في بيئة لم تتعود عليه وفيها تقاليد عملية وقانونية لا يمكن تغييرها بسرعة. المستثمر الأجنبي يهمه الاستقرار ووضوح التشريعات وقدرة السلطات على تطبيق تلك التشريعات عمليا. لذلك فإن خلق مناطق اقتصادية موازية يضرب عدة عصافير بحجر واحد وبشكل أسرع. فهو أولا يوفر فرصا استثمارية جديدة لم تكن متوفرة ثم يضع تشريعات جديدة مناسبة للوضع الجديد بدون أي تراكمات سابقة وأيضا بدون أن يؤثر على سير العمل في الاقتصاد التقليدي.
يجلب المشروع ايضا تقنيات وخبرات وممارسات متقدمة ويخلق آلاف الفرص الوظيفية الجديدة. تُقدم الدولة الأرض والتشريعات وتستثمر في جزء من البنية التحتية والباقي يأتي من المستثمرين الذين سيأتون بأموالهم لإيداعها في البنوك المحلية. والحركة لن تقتصر على المناطق الجديدة، فتنفيذ الإنشاءات يحتاج الى خدمات ستقدمها الشركات الموجودة أصلا في البلد ما يعني زيادة في الأعمال والوظائف أيضا في تلك الشركات.
تبلغ مساحة هونج كونج تقريبا 10٪ من مساحة نيوم لكن اقتصادها يقارب 50٪ من الاقتصاد السعودي ككل. وتُعتبر هونج كونج منطقة اقتصادية تابعة للصين من أكبر مراكز جذب الاستثمارات الأجنبية في العالم وخصوصا في مجال الخدمات المالية. سنغافورة ايضا مشابهة لهونج كونج بمساحة أصغر وطريقة عمل مشابهة. الأمثلة ليست للمقارنة ولكن لتوضيح حجم المشروع الجديد مستقبلا. سيضيف نيوم كما أُعلن 100 مليار دولار للناتج السعودي أي 15٪ من الناتج الحالي بدون تأثير على مصروفات الحكومة. شيء كبير.
ليس نيوم مشروعا منفصلا بكل تأكيد ولا هو العمل الوحيد من ضمن رؤية 2030 فقد أعلن عن عدة مدن اقتصادية وترفيهية وسياحية. تُترجم تلك المشاريع والمدن ما ورد في الرؤية بأن المساحة والموقع الاستراتيجي بين القارات الثلاث هي من الموارد التي يجب استغلالها. وتشكل أيضا توضيحا لمن لم يجد في الرؤية جدية كافية في تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط.
المثير للاهتمام بالإضافة الى ما تقدم، أن كل ذلك يجري جنبا إلى جانب مع إعادة الهيكلة في القطاعات الحكومية كلها وخطط الخصخصة ورفع كفاءة الإنفاق والأهم من كل ذلك إدارة السياسة النفطية بفعالية كبيرة جدا أدت إلى استقرار أسعار النفط وتخفيف الضغط قليلا على مالية الحكومة.
ما يجري في السعودية حاليا أكبر مما نتصور. يتم رسم خارطة اقتصاد المنطقة الإقليمية من جديد بعيدا عن النفط. من الشرق، رسخت الإمارات سيطرتها الاقتصادية عبر الموانيء والمطارات والمناطق المالية والسياحية، ومع اكتمال المشاريع السعودية من جهة الغرب سنكون أمام قوة اقتصادية عربية استراتجية غير مسبوقة. قوة عربية فعلية عملية وليست قوة شعارات.
ما يجري في السعودية حاليا هو رسم الاتجاه الاقتصادي لمستقبل المنطقة. الرابح هو من ينضم للركب ويساهم فيه. أما من لا يلحظ أن كل شيء حوله يتغير، فسيكون الخاسر الأكبر.
كاتب اقتصادي
ahmad_khatib@