التاريخ الإجرامي لـ"عصابة آل ثانى" أمراء الانقلابات
يمتلئ سجل أسرة "آل ثانى" الحاكمة فى قطر بالجرائم.. قتل الأشقاء نزاعًا على العرش، انقلابات دموية، انقلابات بيضاء على شاشات التليفزيون، تمرد الأبناء على الآباء، اغتيالات، ألاعيب شيطانية للاستيلاء على حكم المشيخة، تحالفات غامضة مع إسرائيل وأمريكا من جانب، وإيران والحركة الإسلامية من جانب آخر، وبين هذا كله دور لسيدة سخرت حياتها لإقامة "إمبراطورية موزة بنت ناصر المسند".
تتبع قطر نظام "الحكم بالوراثة" فى أسرة "آل ثانى"، التى أخذت اسمها من جدها "ثانى بن محمد"، أول شيخ مارس سلطته الفعلية فى شبه الجزيرة القطرية، فى منتصف القرن التاسع عشر، وتعاقب على حكم المشيخة 8 أمراء، وهم: محمد بن ثانى آل ثانى (1850 – 1878)، وقاسم بن محمد آل ثانى (1878 – 1913)، وعبدالله بن قاسم آل ثانى (1913 – 1949)، وعلى بن عبدالله آل ثانى (1949 – 1960)، وأحمد بن على آل ثانى (1960 – 1972)، وخليفة بن حمد آل ثانى (1972 – 1995)، وحمد بن خليفة آل ثانى (1995 – 2013)، وأخيرًا الأمير الحالى تميم بن حمد آل ثانى، الذى تسلم الحكم فى 25 يونيو 2013.
(1)
قضى محمد بن ثانى فى بناء دولته وحكمها نحو 56 عامًا، تقلب خلالها من الولاء للدولة السعودية الأولى، ثم الدولة السعودية الثانية، إلى مهادنة "آل خليفة" حكام البحرين و"بنى خالد" حكام الإحساء والمصريين والأتراك العثمانيين، وذلك حتى تنحيه عن الحكم، نظرًا لتقدمه فى السن، وتسليمه الولاية إلى ابنه "قاسم"، قبل أن يتوفى فى عام 1878، عن عمر ناهز 90 عامًا.
بدأت "جرائم آل ثانى" مع ولاية "قاسم".. كان التخلص من "معاون قائم مقام قطر" أى النائب العثمانى لحاكم قطر الهدف الأول للأمير، رغبته فى السيطرة على الحكم من دون شريك دفعته لاستئجار مجهول اقتحم منزل مصطفى أفندى، معاون قائم مقام قطر، وقتله مع زوجته بتاريخ 23 مارس 1894، ولم يكن هناك أى شك فى وقوف الشيخ قاسم وراء الحادث، ولكن أسطنبول تغاضت عن الأمر.
وبعد أن تخلص "قاسم" من نائبه العثمانى تفرغ لإزاحة أخيه "أحمد"، كانت السُنة التى وضعها الوالد المؤسس بالتنازل عن الولاية لكبر السن سيفًا على رقبته، فكان قتل أخيه هو المخرج للاستمرار فى السلطة منفردًا ـ كان الحكم آنذاك ثنائيًا بين قاسم وشقيقه ـ حتى آخر لحظة بعد نحو 10 سنوات من قتله نائبه العثمانى لنفس السبب.
لم تشهد فترة حكم عبدالله بن قاسم آل ثانى أحداثًا معتبرة، فقد تسلم السلطة بعد وفاة والده، وأسندت ولاية العهد إلى ابنه "حمد ـ حمد الأول"، ولكن الابن توفى عام 1948، فانتقلت ولاية العهد إلى ابنه "على" رابع حكام قطر.
عين "على" أميرًا لقطر فى 20 أغسطس 1948، ونقل الحكم إلى ابنه "أحمد" فى حياته فى 24 أكتوبر 1960، إلى أن أطاحه ابن شقيقه خليفة بن حمد آل ثانى على جناح انقلاب عسكرى أثناء وجوده فى رحلة صيد بإيران.
تولى الشيخ خليفة السلطة فى 23 فبراير 1972، ولم يكتف بخلع عمه، وإنما أصدر أمرًا بنفى أسرته ما بين بريطانيا والسعودية.
كان الانقلاب الذى استولى به على السلطة عالقًا فى ذهنه فغلب عليه الحيطة والحذر.. أبعد خليفة أقاربه عنه، كان يخشى انقلابهم، لم يكن يدرى أن من سيفعلها سيخرج من صلبه، وسيتربى فى بيته، وسيحمل اسمه، إنه ابنه الأكبر "حمد".
قبل "انقلاب الابن" بـ10 سنوات، وقع قتال على العرش بين "خليفة" وشقيقه "سحيم" أول وزير للخارجية القطرية، انتهى بمقتل الأخير برصاص أنصار شقيقه فى شمال البلاد فى أغسطس 1985.
شدد "خليفة" من إجراءاته لمنع أى حراك أو "انقلاب محتمل"، لم يدر فى خلده أن الضربة ستأتى من داخل البيت.
كان "حمد" شريكًا لوالده فى الحكم، فقد تولى قيادة الجيش، وأصبح وليًا للعهد، لم ينتظر الابن "كلمة القدر" لينتقل من مقعد ولى العهد إلى مقعد الأمير ولكنه استبق "إشارة السماء" استنادًا إلى خبرة أسرة "آل ثانى" فى الانقلابات، وإن كان انقلابه هذه المرة سلميًا وتليفزيونيًا من الدرجة الأولى.
فى يوم الثلاثاء 27 يونيو 1995، كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى أوروبا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ الخليج، أقام الشيخ حمد حفل وداع فاخر لوالده فى المطار، قبّل يده أمام عدسات التليفزيون، ثم التفت ليكمل خطته فى خلع أبيه عن الحكم.
بعد مغادرة الشيخ خليفة مطار قطر قطع التليفزيون الرسمى إرساله لإعلان بيان الانقلاب الأول، استدعى "حمد" رموز القبائل والعائلات القطرية إلى الديوان الأميرى للسلام عليهم لكنه بدلًا من السلام فوجئوا به يطلب منهم مبايعته أميرًا للبلاد، وبث مشهد السلام على التليفزيون "صورة بلا صوت".
بعد الانقلاب بدأ معارضو الشيخ حمد يعبرون عن غضبهم، ولأول مرة كتبوا على الحوائط واصفين الأمير الجديد والذين معه بـ"خيانة الوطن والأمير"، وبينما كان "حمد" يجهز نفسه ليكون أميرًا للبلاد وجد من يكتب على الحائط "خليفة أميرنا إلى الأبد".
بدأ الأمير المنقلب فى حصار معارضيه، ألقى القبض على 36 معارضًا خلال أيام قليلة، وضعهم فى سجن فى "بوهامور"، كانت تهمتهم انتقاد نظام الحكم فى أحاديثهم التليفزيونية.
بالتوازى مع خطوات حمد لتثبيت أركان عرشه، أصدرت والدته بيانًا من مقر إقامتها الجديد فى أبوظبى تبرأت فيه من ابنها حمد، ومن ولديها عبدالله ومحمد، لأنهما انضما إلى أخيهما فى الانقلاب على أبيهم بعد أن وجدا كفة شقيقهما الأكبر هى الرابحة.
بذل الأمير الوالد خليفة محاولات عديدة من أجل العودة إلى كرسى الحكم مرة أخرى، ففى نوفمبر 1996 كانت محاولة انقلاب جديدة بمشاركة قوة من حرس الأمير خليفة وعددها 300 رجل، ولكنها فشلت، وألقى القبض على 100 متهم من أنصار الأب، وقرر "حمد" دمج حرس والده فى وحدات الجيش القطرى، خوفًا من تحولهم إلى عصابات تؤرقه.
هنا يظهر اسم حمد بن جاسم بن حمد آل ثانى، وزير الخارجية القطرى السابق، إذ تردد أن من قام بهذا الانقلاب كان الشيخ حمد، ومن أوراق الانقلاب أنه (حمد بن جاسم) كان ينتظر على الحدود السعودية القطرية، للتحقق من نجاح الانقلاب، أو فشله، وقد عثرت الشرطة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر فى منزل الشيخ حمد ببيروت.
كانت هناك محاولة أخرى للانقلاب على حمد فى صيف عام 2009، وهى المحاولة التى ألقى القبض بعدها على 30 من ضباط الجيش القطرى، ووضع "حمد" العديد من أفراد أسرته قيد الإقامة الجبرية.
الغريب فى هذه المحاولة أيضًا هو بروز اسم حمد بن جاسم، كان من بين الذين تآمروا على حمد، بل كان بمثابة العقل المدبر للانقلاب، ولكن المفاجأة أن حمد بن جاسم لم يحبس، ولم تحدد إقامته، ولم يتقدم باستقالته، اعتذر لحمد بن خليفة، مسح ابن عمه الذنب عنه بعدما تأكد أن "بن جاسم" يمكن أن يكون كنزًا استراتيجيًا بالنسبة له.
ومن طرائف العلاقة بين الرجلين، أن حمد بن خليفة لم يكن يسافر خارج الدوحة إلا ومعه حمد بن جاسم، لأنه كان يخاف أن ينقلب عليه.
لم تتوقف محاولات الانقلاب التى كانت تستهدف الإطاحة بحمد بن خليفة، وآخرها الانقلاب الذى كشفه أحد العاملين بقناة "العربية".
أربع دقائق فقط هى المدة التى ظل خبر الانقلاب على حمد موجودًا على موقع "العربية نت"، بعدها اختفى تمامًا، وبرر الموقع بأن الخبر شائعة لم يتم التأكد منها.
ولكن الخبر جرى تأكيده عبر وكالات أنباء ووسائل إعلام إيرانية أشارت إلى أن قوات من الحرس الأميرى بقيادة اللواء حمد بن على العطية قادت انقلابًا مدعومًا من بعض أفراد الأسرة الحاكمة، وهاجمت قصر الأمير، ولكن مجموعة من القوات الأمريكية الخاصة تصدت لقوات الحرس المتمردين، وأنقذت الأمير وزوجته، وتحفظت عليهما فى مكان مجهول.
(2)
لا يعرف على وجه التحديد عدد زيجات الشيخ حمد بن خليفة، ولكن الأقرب للصحة أنه تزوج 3 مرات، الأولى "الشيخة مريم" ابنة عمه الشيخ محمد بن حمد آل ثانى، وزير التربية والتعليم القطرى الأسبق، وأنجب منها ابنه البكر الشيخ مشعل، ثم ولده الشيخ فهد، والثانية "الشيخة موزة" بنت ناصر المسند، وأنجب منها 7 أبناء وهم بالترتيب جاسم، وتميم، والمياسة، وهناد، وجوعان، ومحمد، وخليفة، والثالثة "الشيخة نورة" ابنة عمه الشيخ خالد بن حمد، وزير الداخلية القطرى الأسبق، وقد تزوجها الأمير بعد الشيخة موزة شدًا لأواصر "آل ثانى" كبرى عائلات مشيخة قطر، وقد تفهمت "موزة" هذا التقليد العربى الخليجى دون حساسية عائلية منطلقة إلى أعمالها الواسعة المتنوعة.
سعت الزوجتان "مريم ونورة" لدى عمهما "خليفة" إبان توليه حكم قطر بأن يعزل زوجهما "حمد" من ولاية العهد، وأن يسند الولاية إلى ابن الأولى "مريم" مشعل بن حمد.
كانت حجة الاثنتين أن "حمد" مصاب بأمراض فى الكبد قد تعرقل قدرته على إدارة الدولة، بل قد تفضى إلى الوفاة فى سن مبكرة، ولكن مسعى الزوجتين لدى عمهما أمير البلاد ـ قبل انقلاب حمد ـ باء بالفشل، وهنا لا يمكن إغفال عامل "الغيرة" فى تحرك الزوجتين فقد سعتا إلى تحجيم نفوذ الشيخة موزة بعد أن أدركتا أنها أصبحت المفضلة لدى "حمد"، وأنه فى حال توليه الولاية سيفضل أبناءها عن أبنائهما.
كان من المنطقى بعد أن أصبح الشيخ حمد أميرًا لقطر أن يعين أحد أشقائه أو حتى ابنه الأكبر من زوجته الشيخة مريم "مشعل" وليًا للعهد ولكن الشيخة موزة أرادت للأمور أن تسير بشكل مختلف.
عندما فشلت أولى محاولات الشيخ خليفة للانقلاب على ابنه، اٌتهم "مشعل" بالتورط فى المحاولة، وبأنه ساعد جده ضد أبيه، كانت صدمة حمد كبيرة فى ابنه البكر وهو يدعم الانقلاب عليه، تجرع الأمير من نفس الكأس.
جرى عزل "مشعل" من مناصبه العسكرية، ووضع قيد الإقامة الجبرية، وأشرف على تنفيذ هذه المهمة نجل الشيخة موزة الأكبر الشيخ جاسم.
كان مفترضًا أن تكون ولاية العهد للشيخ فهد، ولكن اتصاله بالجد المخلوع، بالإضافة إلى أنه كان سلفيًا مؤيدًا لتنظيم القاعدة وزعيمها السابق أسامة بن لادن وتنظيمات "المجاهدين الأفغان"، ورافضًا للوجود الأمريكى فى قطر وما تبعه من شن الحرب الأمريكية على أفغانستان انطلاقًا من بلاده، أبعده عن ولاية العهد، وكما حدث مع شقيقه عزل من جميع مناصبه العسكرية، ووضع قيد الإقامة الجبرية.
بعد إبعاد مشعل وفهد عن ولاية العهد سعت الشيخة موزة إلى تسمية ولدها الشيخ جاسم وليًا للعهد، إلا أن اعتراض الابن على نشاط والدته الاجتماعى وخروجها إلى الاجتماعات العامة وتخليها عن الزى الذى يجب أن تلتزم به، وهو العباءة البدوية والحجاب المتعارف عليه إلى حجاب عصرى لا يتناسب من زوجة أمير دولة خليجية، دفعه إلى الاستقالة من ولاية العهد، وانضم إلى مجموعة دينية سلفية.
كان الشيخ جاسم مدفوعًا بأفكاره التى استقاها من الجماعات الإسلامية، يرى ما تفعله والدته خارجًا عن السياق الدينى الذى لا بد أن تلتزم به، ولأن ما أورده جاسم كان يتعارض مع طموح الأم، فقد أبعدته غير نادمة.
وقع الاختيار على ابنها الثانى "تميم" الذى ولد فى 3 يونيو 1980، وحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة شيربون بإنجلترا فى العام 1997، وبعد عام واحد تخرج فى أكاديمية "ساند هيرست" العسكرية التى درس فيها والده، وصعد إلى كرسى ولى العهد فى 5 أغسطس 2003، وتسلم السلطة رسميًا فى 25 يونيو 2013.
يمتلئ سجل أسرة "آل ثانى" الحاكمة فى قطر بالجرائم.. قتل الأشقاء نزاعًا على العرش، انقلابات دموية، انقلابات بيضاء على شاشات التليفزيون، تمرد الأبناء على الآباء، اغتيالات، ألاعيب شيطانية للاستيلاء على حكم المشيخة، تحالفات غامضة مع إسرائيل وأمريكا من جانب، وإيران والحركة الإسلامية من جانب آخر، وبين هذا كله دور لسيدة سخرت حياتها لإقامة "إمبراطورية موزة بنت ناصر المسند".
تتبع قطر نظام "الحكم بالوراثة" فى أسرة "آل ثانى"، التى أخذت اسمها من جدها "ثانى بن محمد"، أول شيخ مارس سلطته الفعلية فى شبه الجزيرة القطرية، فى منتصف القرن التاسع عشر، وتعاقب على حكم المشيخة 8 أمراء، وهم: محمد بن ثانى آل ثانى (1850 – 1878)، وقاسم بن محمد آل ثانى (1878 – 1913)، وعبدالله بن قاسم آل ثانى (1913 – 1949)، وعلى بن عبدالله آل ثانى (1949 – 1960)، وأحمد بن على آل ثانى (1960 – 1972)، وخليفة بن حمد آل ثانى (1972 – 1995)، وحمد بن خليفة آل ثانى (1995 – 2013)، وأخيرًا الأمير الحالى تميم بن حمد آل ثانى، الذى تسلم الحكم فى 25 يونيو 2013.
(1)
قضى محمد بن ثانى فى بناء دولته وحكمها نحو 56 عامًا، تقلب خلالها من الولاء للدولة السعودية الأولى، ثم الدولة السعودية الثانية، إلى مهادنة "آل خليفة" حكام البحرين و"بنى خالد" حكام الإحساء والمصريين والأتراك العثمانيين، وذلك حتى تنحيه عن الحكم، نظرًا لتقدمه فى السن، وتسليمه الولاية إلى ابنه "قاسم"، قبل أن يتوفى فى عام 1878، عن عمر ناهز 90 عامًا.
بدأت "جرائم آل ثانى" مع ولاية "قاسم".. كان التخلص من "معاون قائم مقام قطر" أى النائب العثمانى لحاكم قطر الهدف الأول للأمير، رغبته فى السيطرة على الحكم من دون شريك دفعته لاستئجار مجهول اقتحم منزل مصطفى أفندى، معاون قائم مقام قطر، وقتله مع زوجته بتاريخ 23 مارس 1894، ولم يكن هناك أى شك فى وقوف الشيخ قاسم وراء الحادث، ولكن أسطنبول تغاضت عن الأمر.
وبعد أن تخلص "قاسم" من نائبه العثمانى تفرغ لإزاحة أخيه "أحمد"، كانت السُنة التى وضعها الوالد المؤسس بالتنازل عن الولاية لكبر السن سيفًا على رقبته، فكان قتل أخيه هو المخرج للاستمرار فى السلطة منفردًا ـ كان الحكم آنذاك ثنائيًا بين قاسم وشقيقه ـ حتى آخر لحظة بعد نحو 10 سنوات من قتله نائبه العثمانى لنفس السبب.
لم تشهد فترة حكم عبدالله بن قاسم آل ثانى أحداثًا معتبرة، فقد تسلم السلطة بعد وفاة والده، وأسندت ولاية العهد إلى ابنه "حمد ـ حمد الأول"، ولكن الابن توفى عام 1948، فانتقلت ولاية العهد إلى ابنه "على" رابع حكام قطر.
عين "على" أميرًا لقطر فى 20 أغسطس 1948، ونقل الحكم إلى ابنه "أحمد" فى حياته فى 24 أكتوبر 1960، إلى أن أطاحه ابن شقيقه خليفة بن حمد آل ثانى على جناح انقلاب عسكرى أثناء وجوده فى رحلة صيد بإيران.
تولى الشيخ خليفة السلطة فى 23 فبراير 1972، ولم يكتف بخلع عمه، وإنما أصدر أمرًا بنفى أسرته ما بين بريطانيا والسعودية.
كان الانقلاب الذى استولى به على السلطة عالقًا فى ذهنه فغلب عليه الحيطة والحذر.. أبعد خليفة أقاربه عنه، كان يخشى انقلابهم، لم يكن يدرى أن من سيفعلها سيخرج من صلبه، وسيتربى فى بيته، وسيحمل اسمه، إنه ابنه الأكبر "حمد".
قبل "انقلاب الابن" بـ10 سنوات، وقع قتال على العرش بين "خليفة" وشقيقه "سحيم" أول وزير للخارجية القطرية، انتهى بمقتل الأخير برصاص أنصار شقيقه فى شمال البلاد فى أغسطس 1985.
شدد "خليفة" من إجراءاته لمنع أى حراك أو "انقلاب محتمل"، لم يدر فى خلده أن الضربة ستأتى من داخل البيت.
كان "حمد" شريكًا لوالده فى الحكم، فقد تولى قيادة الجيش، وأصبح وليًا للعهد، لم ينتظر الابن "كلمة القدر" لينتقل من مقعد ولى العهد إلى مقعد الأمير ولكنه استبق "إشارة السماء" استنادًا إلى خبرة أسرة "آل ثانى" فى الانقلابات، وإن كان انقلابه هذه المرة سلميًا وتليفزيونيًا من الدرجة الأولى.
فى يوم الثلاثاء 27 يونيو 1995، كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى أوروبا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ الخليج، أقام الشيخ حمد حفل وداع فاخر لوالده فى المطار، قبّل يده أمام عدسات التليفزيون، ثم التفت ليكمل خطته فى خلع أبيه عن الحكم.
بعد مغادرة الشيخ خليفة مطار قطر قطع التليفزيون الرسمى إرساله لإعلان بيان الانقلاب الأول، استدعى "حمد" رموز القبائل والعائلات القطرية إلى الديوان الأميرى للسلام عليهم لكنه بدلًا من السلام فوجئوا به يطلب منهم مبايعته أميرًا للبلاد، وبث مشهد السلام على التليفزيون "صورة بلا صوت".
بعد الانقلاب بدأ معارضو الشيخ حمد يعبرون عن غضبهم، ولأول مرة كتبوا على الحوائط واصفين الأمير الجديد والذين معه بـ"خيانة الوطن والأمير"، وبينما كان "حمد" يجهز نفسه ليكون أميرًا للبلاد وجد من يكتب على الحائط "خليفة أميرنا إلى الأبد".
بدأ الأمير المنقلب فى حصار معارضيه، ألقى القبض على 36 معارضًا خلال أيام قليلة، وضعهم فى سجن فى "بوهامور"، كانت تهمتهم انتقاد نظام الحكم فى أحاديثهم التليفزيونية.
بالتوازى مع خطوات حمد لتثبيت أركان عرشه، أصدرت والدته بيانًا من مقر إقامتها الجديد فى أبوظبى تبرأت فيه من ابنها حمد، ومن ولديها عبدالله ومحمد، لأنهما انضما إلى أخيهما فى الانقلاب على أبيهم بعد أن وجدا كفة شقيقهما الأكبر هى الرابحة.
بذل الأمير الوالد خليفة محاولات عديدة من أجل العودة إلى كرسى الحكم مرة أخرى، ففى نوفمبر 1996 كانت محاولة انقلاب جديدة بمشاركة قوة من حرس الأمير خليفة وعددها 300 رجل، ولكنها فشلت، وألقى القبض على 100 متهم من أنصار الأب، وقرر "حمد" دمج حرس والده فى وحدات الجيش القطرى، خوفًا من تحولهم إلى عصابات تؤرقه.
هنا يظهر اسم حمد بن جاسم بن حمد آل ثانى، وزير الخارجية القطرى السابق، إذ تردد أن من قام بهذا الانقلاب كان الشيخ حمد، ومن أوراق الانقلاب أنه (حمد بن جاسم) كان ينتظر على الحدود السعودية القطرية، للتحقق من نجاح الانقلاب، أو فشله، وقد عثرت الشرطة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر فى منزل الشيخ حمد ببيروت.
كانت هناك محاولة أخرى للانقلاب على حمد فى صيف عام 2009، وهى المحاولة التى ألقى القبض بعدها على 30 من ضباط الجيش القطرى، ووضع "حمد" العديد من أفراد أسرته قيد الإقامة الجبرية.
الغريب فى هذه المحاولة أيضًا هو بروز اسم حمد بن جاسم، كان من بين الذين تآمروا على حمد، بل كان بمثابة العقل المدبر للانقلاب، ولكن المفاجأة أن حمد بن جاسم لم يحبس، ولم تحدد إقامته، ولم يتقدم باستقالته، اعتذر لحمد بن خليفة، مسح ابن عمه الذنب عنه بعدما تأكد أن "بن جاسم" يمكن أن يكون كنزًا استراتيجيًا بالنسبة له.
ومن طرائف العلاقة بين الرجلين، أن حمد بن خليفة لم يكن يسافر خارج الدوحة إلا ومعه حمد بن جاسم، لأنه كان يخاف أن ينقلب عليه.
لم تتوقف محاولات الانقلاب التى كانت تستهدف الإطاحة بحمد بن خليفة، وآخرها الانقلاب الذى كشفه أحد العاملين بقناة "العربية".
أربع دقائق فقط هى المدة التى ظل خبر الانقلاب على حمد موجودًا على موقع "العربية نت"، بعدها اختفى تمامًا، وبرر الموقع بأن الخبر شائعة لم يتم التأكد منها.
ولكن الخبر جرى تأكيده عبر وكالات أنباء ووسائل إعلام إيرانية أشارت إلى أن قوات من الحرس الأميرى بقيادة اللواء حمد بن على العطية قادت انقلابًا مدعومًا من بعض أفراد الأسرة الحاكمة، وهاجمت قصر الأمير، ولكن مجموعة من القوات الأمريكية الخاصة تصدت لقوات الحرس المتمردين، وأنقذت الأمير وزوجته، وتحفظت عليهما فى مكان مجهول.
(2)
لا يعرف على وجه التحديد عدد زيجات الشيخ حمد بن خليفة، ولكن الأقرب للصحة أنه تزوج 3 مرات، الأولى "الشيخة مريم" ابنة عمه الشيخ محمد بن حمد آل ثانى، وزير التربية والتعليم القطرى الأسبق، وأنجب منها ابنه البكر الشيخ مشعل، ثم ولده الشيخ فهد، والثانية "الشيخة موزة" بنت ناصر المسند، وأنجب منها 7 أبناء وهم بالترتيب جاسم، وتميم، والمياسة، وهناد، وجوعان، ومحمد، وخليفة، والثالثة "الشيخة نورة" ابنة عمه الشيخ خالد بن حمد، وزير الداخلية القطرى الأسبق، وقد تزوجها الأمير بعد الشيخة موزة شدًا لأواصر "آل ثانى" كبرى عائلات مشيخة قطر، وقد تفهمت "موزة" هذا التقليد العربى الخليجى دون حساسية عائلية منطلقة إلى أعمالها الواسعة المتنوعة.
سعت الزوجتان "مريم ونورة" لدى عمهما "خليفة" إبان توليه حكم قطر بأن يعزل زوجهما "حمد" من ولاية العهد، وأن يسند الولاية إلى ابن الأولى "مريم" مشعل بن حمد.
كانت حجة الاثنتين أن "حمد" مصاب بأمراض فى الكبد قد تعرقل قدرته على إدارة الدولة، بل قد تفضى إلى الوفاة فى سن مبكرة، ولكن مسعى الزوجتين لدى عمهما أمير البلاد ـ قبل انقلاب حمد ـ باء بالفشل، وهنا لا يمكن إغفال عامل "الغيرة" فى تحرك الزوجتين فقد سعتا إلى تحجيم نفوذ الشيخة موزة بعد أن أدركتا أنها أصبحت المفضلة لدى "حمد"، وأنه فى حال توليه الولاية سيفضل أبناءها عن أبنائهما.
كان من المنطقى بعد أن أصبح الشيخ حمد أميرًا لقطر أن يعين أحد أشقائه أو حتى ابنه الأكبر من زوجته الشيخة مريم "مشعل" وليًا للعهد ولكن الشيخة موزة أرادت للأمور أن تسير بشكل مختلف.
عندما فشلت أولى محاولات الشيخ خليفة للانقلاب على ابنه، اٌتهم "مشعل" بالتورط فى المحاولة، وبأنه ساعد جده ضد أبيه، كانت صدمة حمد كبيرة فى ابنه البكر وهو يدعم الانقلاب عليه، تجرع الأمير من نفس الكأس.
جرى عزل "مشعل" من مناصبه العسكرية، ووضع قيد الإقامة الجبرية، وأشرف على تنفيذ هذه المهمة نجل الشيخة موزة الأكبر الشيخ جاسم.
كان مفترضًا أن تكون ولاية العهد للشيخ فهد، ولكن اتصاله بالجد المخلوع، بالإضافة إلى أنه كان سلفيًا مؤيدًا لتنظيم القاعدة وزعيمها السابق أسامة بن لادن وتنظيمات "المجاهدين الأفغان"، ورافضًا للوجود الأمريكى فى قطر وما تبعه من شن الحرب الأمريكية على أفغانستان انطلاقًا من بلاده، أبعده عن ولاية العهد، وكما حدث مع شقيقه عزل من جميع مناصبه العسكرية، ووضع قيد الإقامة الجبرية.
بعد إبعاد مشعل وفهد عن ولاية العهد سعت الشيخة موزة إلى تسمية ولدها الشيخ جاسم وليًا للعهد، إلا أن اعتراض الابن على نشاط والدته الاجتماعى وخروجها إلى الاجتماعات العامة وتخليها عن الزى الذى يجب أن تلتزم به، وهو العباءة البدوية والحجاب المتعارف عليه إلى حجاب عصرى لا يتناسب من زوجة أمير دولة خليجية، دفعه إلى الاستقالة من ولاية العهد، وانضم إلى مجموعة دينية سلفية.
كان الشيخ جاسم مدفوعًا بأفكاره التى استقاها من الجماعات الإسلامية، يرى ما تفعله والدته خارجًا عن السياق الدينى الذى لا بد أن تلتزم به، ولأن ما أورده جاسم كان يتعارض مع طموح الأم، فقد أبعدته غير نادمة.
وقع الاختيار على ابنها الثانى "تميم" الذى ولد فى 3 يونيو 1980، وحصل على الشهادة الثانوية من مدرسة شيربون بإنجلترا فى العام 1997، وبعد عام واحد تخرج فى أكاديمية "ساند هيرست" العسكرية التى درس فيها والده، وصعد إلى كرسى ولى العهد فى 5 أغسطس 2003، وتسلم السلطة رسميًا فى 25 يونيو 2013.