قراءة عسكرية في بيان نصر العبادي في الموصل
مقال العميد الركن خليل الطائي مستشار مركز الأمة للشؤون الأمنية والعسكرية/خاص
* لن نتطرق في هذه القراءة الموجزة إلى أسباب ونتائج حرب الموصل وتداعياتها بل سنحاول قدر الامكان أن نبين حقيقة النصر المزعوم وأسباب ودوافع إعلان بيان النصر من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي .
كيف يتم تحقيق النصر في المعارك العسكرية ؟
* وفق المفهوم الاستراتيجي للحروب والخطط والغايات العسكرية للقادة في الميدان فإن مقومات وأساسيات النصر تبنى على ما يأتي :
1.الحفاظ على قيمة الهدف المراد احتلاله أو السيطرة عليه ومسكه, وقيمة الهدف تتضمن سلامة السكان المدنيين والبنى التحية والخدمات بجميع أنواعها .
2.يجب أن تكون الخسائر العسكرية للمهاجم بأقل ما يمكن وفقًا لمبدأ الكلفة والتأثير, وإلا ما قيمة النصر في ظل هيكلة العديد من القوات المهاجمة .
3.أن تتمكن القوات المهاجمة من كسر روح القتال لدى الطرف الآخر وتنهي معنوياته القتالية .
4. أن تفشل هدف الطرف الآخر وتنهي غايته الاستراتيجية العامة, وبخلاف ذلك سيكون النصر ناقصًا .
5. أن تتمكن القوات المهاجمة من مسك الارض, فالنصر لا يتحقق إلا باستثمار الفوز وإلا سيكون النصر هشًا.
- لو تمعنا جيدا بالنقاط أعلاه وطبقناها على الواقع الميداني في حرب الموصل لوجدنا أن نسبة تدمير الهدف [ الموصل] 80% فقد تم تدمير أغلب الدور السكنية وجميع الجسور ومعظم المدارس والمساجد ومحطات توليد الكهرباء والماء والجامعات والكليات والمعاهد والمستشفيات والمعالم الأثرية والحضارية للمدينة وفي مقدمتها منارة الحدباء وجامع النوري, أما سكان المدينة فالكثير منهم قد دفنوا ظلما وهم أحياء فمنهم من تم استخراج جثثهم والقسم الأكبر مايزال تحت الإنقاض وعندما سينجلي غبار المعركة بالكامل ستظهر الكوارث الانسانية التي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الاولى.
- القوات المهاجمة والتي خالفت أهم مبدأ من مباديء الحرب في الميدان وهو الاقتصاد بالجهد, فقدت الكثير من إمكانياتها وقدراتها القتالية العددية منها والتسليحية, فقد تم تدمير 50% من القوة القتالية للفرقة الذهبية وفرقة المشاة الآلي التاسعة وبنفس النسبة أو تزيد قليلا من قوات الشرطة الاتحادية, فقد أصبحت الحشود الحكومية المهاجمة في نفق الاستنزاف القتالي الأسود وهذا ما تسبب بالإيقاف القصري للمعارك لعدة مرات وطلب التعزيزات باستمرار وهيكلة الكثير من الوحدات القتالية وإعادة تنظيمها وتغيير محاورها وتبديل قادتها .
- ما يزال تنظيم الدولة يقاتل وإن انحسرت مساحته الجغرافية القتالية بشكل كبير جدًا في الموصل وهذا الإصرار يشير إلى أنه مايزال يحتفظ بروح القتال والإصرار على المطاولة الميدانية.
- استراتيجية تنظيم الدولة هي إدارة أكبر ما يمكن من المعارك الاستنزافية وفق حرب طويلة الأمد ومفتوحة الجغرافية, ووفق هذه الاستراتيجية فإن غايته العسكرية لن تتوقف بفقدان مدينة أو مساحة جغرافية معينة فهو إن فقد موقع سيقاتل بمناطق أخرى وهذا ما حدث ويحدث في الرطبة وسامراء والشرقاط ومكحول وغيرها من المناطق, ناهيك عن أنه مايزال يحتفظ بمناطق عديدة ضمن الجغرافية العراقية, ولهذا هو مايزال ضمن استراتيجيته المفتوحة الجغرافية والتوقيتات .
- أغلب المعارك التي خاضتها القوات الحكومية وحققت النصر فيها سرعان ما تتعرض لهجمات مقابلة وتتطور في بعض الأحيان لمسك الأرض لعدة أيام خاصة إذا كانت تخوض معارك في مناطق أخرى, فهل ستتمكن هذه القوات من تأمين النصر العسكري والأمني في الموصل عندما تتوجه للقتال في الحويجة أو راوة وعنة والقائم إذا ما عرفنا أنها تقاتل وفق التعبية الإيرانية بأسلوب الكتل البشرية ؟
- وعليه فإن ما تحقق وفق المفهوم العسكري هو خسارة واضحة للقادة الميدانيين وفشل خططهم التعبوية والعملياتية وهزيمة أخلاقية وإنسانية وجرائم حرب ارتكبت بحق الأبرياء من أهلنا في الموصل .
بيان النصر المزعوم وتداعياته
* توقيت إعلان النصر من قبل العبادي فيه عدة شبهات منها, التردد في توقيت الإعلان, والمعارك شرسة وماتزال غير محسومة وهناك إجزاء من القليعات والشهوان وباب الشط خارج سيطرة القوات الحكومية, وعدم ذكر إيران في البيان المرتجل والتي طالما طبّلوا وصدّعوا روؤسنا بفضل إمامهم ولي الفقيه وقائدهم سليماني, والتركيز على مدح المرجع الشيعي السستاني, وأن من حقق النصر هم العراقيون حصرا وليس غيرهم, والإشادة بدول التحالف في تقديم الإسناد الجوي والعسكري واللوجستي .
* جميع هذه الشبهات تشير إلى أن البيان جاء بأوامر أمريكية خارج طموحات طهران وأذرعها المليشياوية في العراق, فتجاهل إيران وحشدها[ المقدس] والتلويح بالسستاني بأنه المرجع الشيعي الوحيد وليس ولي الفقيه هو دلالة واضحة على اصطفاف العبادي قسرا وعلنا مع الأمريكان وعلى حساب علاقته بإيران معتمدا في جبهته الداخلية على التيار الصدري والذي سارع زعيمه مقتدى الصدر لتاييد النصر على يد قوات الجيش وأن توكل مهام مسك الأرض للقوات العسكرية حصرا دون غيرها في إشارة لمليشيا الحشد الشيعي .
* لذلك قريبا جدا ستبدأ الحرب الايرانية_المليشياوية على العبادي وستثير ملفات أمنية وسياسية وخدمية لإسقاط حكومته وستكون الفوضى شاملة مع فقدان واضح للأمن المجتمعي والسلم الأهلي .
* ومن هنا فإن ما تحقق وإن بدى في ظاهره نصرًا عسكريًا مناطقيًا لكنه يبقى هشًا وناقصًا فمن لا يحقق النصر بنفسه لا يمكنه الاحتفاظ به, وستبدأ صفحة الأطماع والمشاريع والأحقاد في موصلنا, وستسجل كأسوء حرب في تاريخ الحروب القذرة وفق المفهوم التدميري لا التحريري.