بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
تعني كلمة المحمولة بالنسبة للقوات وصف وسيلة النقل المستخدمة، وهى بطبيعة الحال الطائرات بأنواعها المختلفة، حيث كانت قديماً هي طائرات مواصلات مثل الطائرات الأمريكية من طراز C130 أومن طرازات بوينج المختلفة، أو من طائرات الإليوشن أو الأنتينوف الروسية، وحديثاً أصبحت مزيجاً مشتركاً من طائرات المواصلات المشار إليها فضلاً عن أنواع خاصة من العموديات أو المروحيات أو الحوَّامات - كما يطلق عليها فى المدارس العسكرية العربية - وهى ذات حمولات كبيرة يمكنها نقل أعداد معقولة من القوات مثل الطائرات (1 أو M1) الروسية التى تحمل حوالي سرية مشاة (أى حوالى 10 أطنان) أو الطائرات (8 أو M8) الروسية أيضاً التى يمكنها حمل حوالي فصيل مشاه (أي حوالي 3-4 أطنان) ،
إضافة إلى استنباط أنماط أخرى للمهام الخاصة التى يمكنها حمل ما بين (10-15) فرداً بأسلحتهم الخفيفة مثل الكوماندوز البريطانية أو السيكروسكي الأمريكية بطرازاتها المتقاربة في الحمولة والطائرة ( 4 أو M4) الروسية.
وبطبيعة الحال فإن وصف القوات بأنها محمولة جواً فإن هذا لا يؤدي إلى معنى أو نتيجة أو مهمة بعينها، حيث إن المسميات التالية جميعها قوات محمولة جواً ولكن مهامها تختلف اختلافاً واضحاً، حيث إن لكل منها تدريباً مختلفاً وتنظيماً مغايراً وتسليحاً متنوعاً، وكافة مفرداتها متباينة، ولعلنا نذكر منها القوات المظلية، وقوات الإبرار الجوي، وقوات الاقتحام الجوي، والقوات المنزلة جواً وغيرها من مهام خاصة وعديدة، ولذا فإننا سوف نتناول فى هذه المقالة كل تلك الأنواع ، موضحين الفروق بينها والمهام المسندة إلى كل منها،
لإن هذا الموضوع قد تناوله عديد من غير ذوي الاختصاص، الأمر الذي أدى إلى إيجاد تداخل كبير ومساحات مشتركة فيما بينها قد أضرت بالمفهوم من جانب قادة القوات العسكرية اللذين يلحق بهم أو يعاونهم أي نوع من هذه الأنواع المشار إليها فى العمليات، والدليل على ذلك أن الاستخدام الخاطيء لمثل هذه الأنواع من القوات، عادة ما يؤدي إلى تنفيذ شيء للمهام الموكلة لهم، وينعكس هذا على القوات الخاصة المحمولة جواً وكذا على الوحدة أو التشكيل التعبوي (العملياتي) الأم الأكبر، ولذا فإننا سوف نسعى - فى بساطة غير مخلة - إلى توضيح هذه إلاشكالية وسبر أغوارها من أجل مصلحة الجميع، ولإدراك مدى هذه الأهمية يكفي أن نستعين بمثال واحد قد حدث فى الحرب العالمية الثانية كان له أكبر الأثر على هزيمة قوات المحور فى المسرح الأوروبي،
وهو عندما استخدم الحلفاء هذه القوات بحجم غيرمسبوق ولا ملحوق فى التاريخ العسكرى وهو جيش من المظليين، أى حوالي ثلاثة فيالق في طائرات النقل المختلفة وفي الطائرات الشراعية ضد فرق البانزر الألمانية، وذلك عندما أسقطت هذه القوات وأنزلت بالقرب من مناطق تقاطع الطرق والجسور في وسط أوروبا والتى تحول دون نجاح استخدام تلك المدرعات فى القيام بالضربات المضادة الاستراتيجية ضد القوات المتحالفة القائمة بالغزو في نورماندي ، والتي نجحت في اختراق الحائط الغربي للأطلسي حيث نجحت بالفعل في منع وعرقلة تقدم تلك المدرعات ذات الشهرة الرهيبة تجاه الغرب أي تجاه ثغرة الاختراق الكبرى، حيث أسقطت في توقيت متزامن مع حركة القوات المتحالفة تجاه الشرق، أي تجاه الوسط الأوروبي، وبهذا النجاح قدمت تلك القوات المحمولة إنجازاً عسكرياً ضخماً وغير مسبوق لإنجاح أكبر عملية عسكرية تاريخية معاصرة، كانت بداية النهاية لوضع تلك الحرب أوزارها واستسلام ألمانيا وإيطاليا للحلفاء بلاقيد أو شرط، ولعل تلك العملية العسكرية الكبرى كانت معقدة في جميع عناصرها،
ولكن بساطة التخطيط فيها كانت لها أكبر الأثر في نجاحها، حيث إن النسق الاستراتيجي الأول كان منقولاً أيضاً ولكن عبر وسائط الإبرار البحري المختلفة، أي أن درجة المخاطرة في استخدام النسق الاستراتيجي الأول والنسق الاستراتيجي المظلي كانت عالية للغاية، ولعل هذا يأتي متوافقاً مع نظريه إنسانية واقتصادية تجارية تقول: إ نه كلما زاد هامش المخاطرة كلما زاد هامش الربحية والعكس صحيح بطبيعة الحال، فعلينا أن نأخذ العبرة من هذا الدرس ونحاول تطويع العمل على مسارحنا العربية الشاسعة والصحراوية، وإن شاء الله سوف نعود في مقالة أخرى للتعرض لعملية الإبرار البحري العظمى التى قام بها الحلفاء على الشاطيء الغربي لأوروبا في منطقة نورماندي الفرنسية، ولعل من أهم أسباب اختيار هذا الموضوع هو نوعية واتساع المسارح العسكرية ومسارح الحرب العربية المختلفة كل في نطاقه الجغرافي الخاص به، ولذا فإن التناول هنا سيكون مختلفاً عن مجرد مقالة توضيحية لبعض المصطلحات العسكرية.
قوات المظليين (قوات الباراشوت) أو قوات الاقتحام الجوي
تسخدم وحدات المظلات أوالاقتحام الجوي طبقاً لقرار القيادة العامة للقوات المسلحة للدولة - سواء بكاملها أو أجزاء منها - لتحقيق مهام تعبوية (عملياتية) أو تكتيكية فى مؤخرة وعمق العدو لمعاونة أعمال قتال التشكيلات التعبوية أو الجوية، كما يمكن وضع لواء مظلات أو جزء منه تحت قيادة التشكيل التعبوي (جيش ميداني أو فيلق)، أو حتى الفرقة المشاة الميكانيكية أو المدرعة فى مرحلة معينة من أعمال القتال طبقاً للموقف وطبيعة المهام،
وجدير بالذكر هنا أن الاستخدام التكتيكي لوحدات المظلات، أي استخدامها فى الأعماق التكتيكية (25-40كم)، يكون صعباً للغاية من حيث دقة التأمين المطلوب لها، سواء للطائرات أو القوة نفسها بعد إسقاطها أو إنزالها أو إبرارها، وهو استخدام أهم ما يميزه هو توقيت الإسقاط ومدة البقاء لحين الاتصال بالقوة الرئيسة المهاجمة برية أو بحرية، ويمكن لوحدات المظلات أن تنفذ المهام الرئيسة التالية أثناء العمل فى عمق أو مؤخرة أو أجناب العدو:
أ - الاستيلاء على الممرات والمضايق والنقاطات المهمة جداً والتمسك بها لمدة معينة تتراوح ما بين (24-48) ساعة للواء المظلات، ومن (4-6) ساعات للكتيبة، ويجب عدم تجاوز هذه المدة مطلقاً، وذلك لعرقلة تقدم قوات واحتياطات العدو المتقدمة من العمق، ومنع انسحاب قواته المرتدة وتعطيلها وإحداث أكبر خسائر بها، وكذا تأمين تقدم قواتنا، الأمر الذى يزيد من سرعة معدلات قتالها العامة.
ب - الاستيلاء على الخطوط الجوية والتمسك بها بهدف سبق العدو إليها أولاً، وعرقلة تقدم قواته وتهيئة أنسب الظروف لتدميرها من جانب قواتنا.
ج - الاستيلاء على قطاعات معينة من الشاطيء والتمسك بها بغرض تأمين عملية إبرار القوات المنقولة بحراً.
د - الاستيلاء على رؤوس الجسور والمعابر على الموانع المائية والتمسك بها.
ه - الاستيلاء على الجزر التى تسيطر على طرق المواصلات البحريه، كما حدث من جانب مصر عندما استولت على مضايق تيران وصنافير فى خليج العقبة لحرمان القوات الإسرائيلية من استخدامها قبيل الغزو الثلاثي على بورسيعد عام (1956م) وبعد طرد القوات الدولية التي كانت موجودة هناك (بواسطة قوات المظلات المسقطة جواً).
و - تدمير أو تأمين أو الاستيلاء على المطارات المعادية لاستخدامها من جانب قواتنا، والمساهمة في تحقيق السيطرة الجوية على مسرح العمليات.
ز - تعطيل أي مهام خاصة أخرى ضد المدفعيات أو مراكز القيادة أو الأهداف الحيوية السياسية والعسكرية.
وتعدّ أهم مباديء الاستخدام هنا ألاّ يتم استخدام قوات المظلات فى مهام تقليدية يمكن لقوات أخرى أن تقوم بها، كما يجب أن تشكل مجموعة سيطرة من قيادة المظلات لتتواجد داخل مركز قيادة التشكيل التعبوي للمعاونة فى تحقيق أفضل استخدام ممكن لقواتهم والسيطرة والتنسيق، ويعد قائد هذه المجموعة هو مستشار قائد التشكيل التعبوي فى استخدام وحدات المظلات التي في معاونته،
كما أن عملية اتصال القوة الرئيسة للتشكيل ممثلة في مفرزته المتقدمة أو مفرزة التطويق بوحدة المظلات في العمق في المدى الزمني المحدد، هي أهم عناصر نجاح العملية الرئيسة للتشكيل وأهم عناصر تأمين القتال لوحدة المظلات التى يكون لها دعم إدارى لوجستي مباشر مع المفرزة المتقدمة حتى تستطيع مواصلة القتال وتأمين نفسها بعد ذلك.
ولعل أهم ما يجب قوله فى هذا المجال إن قوات المظلات أو الاقتحام الجوي هي قوات تعمل على مسرح عمليات أو ميدان معركة نشيط قتالياً، بمعنى أنه من المتوقع ملاقاة أو مواجهة العدو كثيراً، سواء منذ الحشد والركوب والإقلاع أو رحلة الطيران والهبوط أو الإسقاط والقتال بعد ذلك، وهذا ما يميز هذا النوع من القوات المحمولة جواً عن غيرها، كما أن هذه القوات لاتختلف كثيراً عن قوات المشاة التقليدية فى البلد الذى تعمل به من حيث التنظيم والمهام، ولكن يوجد بعض الاختلاف في التسليح لتسهيل عمليات النقل الجوي، سواء في المدفعيات أو في الدفاع الجوي، حيث يتم استبدال الأنماط المستخدمة في قوات الدولة بأنماط أخرى يمكنها تأدية المهام النيرانية نفسها، ولكنها تكون خفيفة الحمل.
وبطبيعة الحال، فهناك إضافة فى التدريب عن التدريب التقليدي للمشاة وهي في عمليات الركوب والنزول والطيران وخلافه؛ فضلاً عن أن اختيار عناصر المظلات يكون من فئة صحية وبدنية أعلى من قرينتها في عناصر المشاة العادية حتى يمكنهم تحمل تقلبات الموقف التكتيكي وعنائه خلف خطوط العدو. ولعل هذا أهم ما يميز عناصر أخرى من القوات الخاصة عن قوات المظلات مثل عناصر الصاعقة أو المغاورير أو مايطلق عليهم (الكوماندوز) أو العاصفة، وذلك بحسب مسميات المدرسة المتبعة، حيث تختلف تماما عن المظليين في كل شيء.
و يتضح لنا أن قوات المظلات ينطبق عليها وصف الاقتحام الجوي لتوافر الشروط السابق ذكرها فى العمل ضد عدو يقظ من المفترض أنه سوف يقابل هذه القوات عقب إسقاطها مباشرة، وجدير بالذكر هنا أن قوات الاقتحام الجوي - كمسمَّى - يمكن أن تكون من المظليين المسقطين من طائرات النقل العسكري المجهزة لذلك، أو من المظليين المحمولين فى العموديات الهجومية المخصصة للنقل وبإمكانات الدفاع عن نفسها، وكما يمكن ذلك للمظليين فيمكن أيضاً أن تكون قوات الاقتحام الجوي من غير رجال المظلات، أى من المشاة المدربة على ذلك أو من وحدة خاصة مدربة على ذلك قد يطلق عليها مثلاً لواء الاقتحام الجوي (أي اقتحام من خلال العموديات فقط)، وبهذا يتضح لنا أن النموذج الأول من القوات المحمولة جواً هم قوات المظلات المسقطة أو المنزلة من العموديات أو أي قوات أخرى مدربة على ذلك من المشاة بشرط إبرارها من خلال العموديات المخصصة.
قوات الإبرار الجوي وقوات الإنزال الجوي
يشترك هذان النوعان من القوات المحمولة جواً فى شيء واحد أساسي وهو أن كليهما محول جواً، فالصنف الثانى هو عبارة عن قوات منقولة جواً، سواء في طائرات المواصلات أو حتى الشراعيات وكذا فى العموديات التي لا يشترط أن تكون ذات تسليح هجومي، أو ما يطلق عليها بعموديات الخدمة العامة، وهذا النوع من القوات المنقولة أو المحمولة جواً، ليس بالضرورة أن يكون من قوات المشاة أو المشاة الميكانيكية أو المدرعة، ولكنه يشمل أي نوع من القوات، سواء أكانت أنساقاً ثانية أم احتياطيات أم أنساقاً أولى أم أجزاء مختلفة من القوات التى تقاتل ضد العدو فى الأقسام؛
فهذه القوات جميعاً لا تستخدم على هذا النحو الآمن إلا عندما تكون الأنساق الأولى للجيوش الميدانية أو الفيالق قد نجحت في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من مسرح العمليات يقع بها مطارات مدنية أو عسكرية أو قواعد عسكرية كبرى أو غيرها، بحيث تكون مؤمنة من نيران مدفعيات العدو بعيدة المدى وصواريخ ميدانية، أي أن هذا الإنزال أو الإبرار لا يتم إلا بعد تحقيق نجاح جزئي كبير في الاستيلاء على أجزاء مهمة من المسرح سواء أكانت من أراضي العدو أم أراضينا، وهذا ما يفسر قلة إجراءات الأمن والأمان المتبعة نسبياً فى تأمين تلك الطائرات، وهذا يعني بطبيعة الحال وبلا استنتاج ذكي،
أن قواتنا الجوية قد نجحت أيضاً فى تحقيق السيطرة الجوية بأي درجة من الدرجات ولو حتى فقط على مسرح العمليات الجوي أو البري والبحري معاً، ولعل هذا قد وضح فى الحرب العالمية الثانية، عندما نجح الحلفاء في حشد أكبر قوة بحرية في التاريخ ضد الحائط الغربي لأوروبا، حيث ثم حشد (13) ألف طائرة لتحقيق كافة المهام في تلك الحرب، وقد استهلك منها عدد ضخم للغاية لنقل ثلاثة فيالق من رجال المظلات ورجال الاقتحام الجوي والإنزال الجوي - الذي نتناوله الآن - ولعل الفارق الوحيد بين ما أوردناه فى مقالتنا وماحدث في تلك الحرب هو أن عمليات النقل الجوي تمت كلها في وقف واحد أو متزامن، بحيث تُسقط أولاً رجال المظلات ثم يتلوها بعد ذلك عمليات الإنزال في المطارات وعلى الطرق بالطائرات والشراعيات وذلك بعد تأمينها بواسطة قوات المظلات التي أسقطت أولاً،
والتى عملت جميعاً كما ذكرنا على تعطيل وتدمير فرق البانزر الألمانية الشهيرة التي كانت تتمركز في وسط أوروبا لإمكان دفعها إلى أي اتجاه غرباً أو شرقاً أو شمالاً أو جنوباً، ولعلنا نؤكد هنا مرة أخرى أهمية عدم إنزال هذه القوات إلا بعد تحقيق كافة الشروط المذكورة آنفاً.
أما فيما يتعلق بقوات الإبرار الجوى، وهو الموضوع الرئيس والنوع الرئيس الحديث في عمليات القوات المحمولة جواً، فهي التي سوف نتوسع فيها قليلاً حتى نحقق من خلالها أكبر استفادة ممكنة، وذلك دون محاولة تبويب هذا الموضوع بشكل أكاديمي كما يأتي فى مراجع المعاهد والكليات العسكرية، حتى يسهل تقبّله من المستويات العسكرية المختلفة في كافة أنواع القوات العسكرية، فقوات الإبرار الجوي هي أفضل آلية حديثة تساعد القائد على تحقيق نصر مضمون وسريع، فيما لو تم استخدامها طبقاً للمعايير السابقة، والتي أهمها التقيد بفترة بقائها خلف خطوط العدو تقاتل منفردة، مع ملاحظة أن هذه الفترة يمكن زيادتها من خلال زيادة المستويات المادية المقدرة معها من ذخيرة ومياه وطعام وخلافه،
فضلاً عن إمكان إمدادها جواً في حالة تعرضها للحصار سواء أكان هذا الإمداد بالإسقاط الحر للمواد المطلوبه أم بالإبرار داخل منطقة القتال بالعموديات الهجومية التي سبقت الإشارة إليها، وبطبيعة الحال فإن قوات الإبرار هنا هي إما قوات تكتيكية (تتراوح ما بين سرية وكتيبة) أو قوات تعبوية أو استراتيجية تبدأ من لواء فما فوق طبقاً للمهام، والقائد التكتيكي هنا - أي من تعاونه قوات إبرار تكتيكية - هو إما قائد الفيلق أو الفرقة بأنواعها مدرعة أو ميكانيكية. ونظراً إلى أن الإبرار الجوي التعبوي والاستراتيجي غير ذي موضوع لعدم وجود إمكانات في أي دولة من دول المنطقة لتنفيذه، فسوف نركز على الإبرار الجوى التكتيكي فقط لأهميته الفائقة.
تستخدم قوات الإبرار الجوي التكتيكي فى الهجوم سواء من جانب قواتنا أو من جانب العدو فى حالة اتخاذ أوضاع الدفاع من جانب قواتنا، وعادة ما تستخدم هذه القوات (من سرية إلى كتيبة) بالتعاون التام مع المفارز المتقدمة أو مفارز التطويق، بحيث يتم الإبرار لهذه القوات إمّا للتمسك بمنقطة أو خط أو هدف حيوي يقع في نهاية يوم القتال للفرقة أو خلال المهمه المباشره للفيلق التى تستغرق عاده من (2-4) أيام بحسب عمقها، بحيث يخدم تمسكها بهذا الخط على سبيل المثال الوصول الآمن نسبياً للمفرزة المتقدمه أو مفرزة التطويق المدفوعة من الفرقة أو الفيلق، والتي عادة ما تكون بحجم لواء أو أقل قليلاً - أي لواء عدا كتيبة مثلاً - ولكن عادة ما تكون هذه المفرزة مدعومة بعناصر كافية من القوات المسلحة حتى يمكنها القتال منفردة حتى الوصول إلى خط الإبرار الجوي وحتى وصول القوة الرئيسية للفرقة أو الفيلق، مثل المدفعيات وعناصر الدفاع الجوي والمهندسين والكيمياء والحرب الإلكترونية وغيرها طبقاً للمهمة.
وبطبيعة الحال فإن نجاح المفرزة في الوصول إلى الخط المحدد لها فى مكان المهمة ليوم القتال، سوف يساعد بالتأكيد على الوصول الآمن بقتال خفيف من جانب القوة الرئيسية لهذا الخط أو نهاية يوم القتال، حيث سيقوم العدو بالقتال السريع والانسحاب بسبب وجود المفرزة في ظهره، وهذا سوف يسهل تماماً من سرعة وصول الفرقة أو الفيلق إلى الخط المحدد، الأمر الذي سوف يساعد القوات المجاورة أيضاً على النجاح على أساس أن فرقة المنتصف مثلاً بوصولها المبكر للخط سوف تؤمن الجانب الأيسر للجار الأيمن وكذا الجانب الأيمن للجار الأيسر، وهكذا،
مما يضمن نجاح الفيلق في هذه الحالة في تحقيق مهامه بنجاح وبسرعة وبأقل خسائر ممكنة، ولعل هناك بعض المدارس العسكرية التي تقوم بتأمين إبرار قوة الإبرار الجوي التكتيكي في البداية من خلال دفع عناصر من الصاعقة أو القوات الخاصة للتأمين المسبق للمكان من خلال قيامها بأعمال الكمائن التى تجيدها تماماً تلك الوحدات وتحقق فيها إنجازات عظيمة.
أي أن النجاح المنتظر في العملية الهجومية للفيلق أو المعركة للفرقة تعتمد على مجموعة من العمليات المتتابعة تبدأ بالصغير منها فالكبير فالأكبر وهكذا حتى تحقق المهمة النهائية لها بنجاح تام، مؤكدين هنا بأن لكل نسق من هذه الأنساق المذكورة مدة قتال محددة لا يجب تجاوزها بأي حال بدءاً بعناصر الصاعقة ثم قوة الإبرار الجوي التكتيكي فالمفرزة ومن النهاية الفرقة أو الفيلق. وجدير بالذكر هنا أن كل نسق كبير يمكن أن يحمل للنسق الأصغر الذى قبله بعضاً من الإمداد المادي الذي يناسبه في قتاله، فقوة الإبرار الجوي التكتيكية يمكنها أن تحمل لعناصر الصاعقة، كما أن المفرزة تحمل لقوة الإبرار وهكذا تقوم الفرقة في النهاية أو الفيلق بتأمين المفرزة ومن ثم الجميع، وكما تتم هذه السلسلة في الهجوم يمكن أن يقوم بها العدو ضد قواتنا في الدفاع ومن ثم فإنه من خلال فهمنا لهذا التسلسل يمكن أن نتدخل ضد العدو في المرحلة التي تناسبنا وهكذا.
وفي نهاية هذا الجزء المتعلق بقوات الإبرار الجوي، سواء أكانت تكتيكية أم تعبوية، فإن هناك العشرات من الطرق والأساليب المستحدثة في استخدام هذه القوات، مما يؤكد أن الفن العسكري مهم جداً وقد يتغلب على العلم العسكري، أي أن الابتكار قد يتفوق على التقليد وهذا يعود بطبيعة الحال على مدى تأهيل وثقافة القادة وتنوعهم من قائد لآخر وهكذا، وعلى سبيل المثال يمكن أن تستخدم هذه العموديات مثلاً في دفع النسق الثاني كله للقتال في عمق دفاعات العدو متزامنا مع النسق الأول الذى يقاتل في الأمام وعلى اتصال بالعدو، مما يقلل من زمن العملية أو المعركة للنصف تقريباً، وهو أهم مباديء الحرب الحديثة نتيجة تعقد العمليات الحديثة وأهمية الحسم والسرعة في تحقيق الأهداف، وهذا سوف يتضح لنا - إن شاء الله - حينما نناقش معاً موضوع المعركة البر-جوية أحدث نظرية غربية هجومية ودفاعية حتى الآن وهي ما يطلق عليها The Air Land Battle وهي التى استبقها الغرب وطورها عقب حرب أكتوبر (73م) ولاشك أنه أدخل عليها أيضاً دروس حرب الخليج الثانية، حتى أنها دخلت قانون قتال الفيلق الأمريكي وهذا موضوع آخر.
نماذج عالمية للقوات المحمولة جواً
في الواقع إننا نحاول التركيز في هذه الدراسة على القوات المحمولة جواً والتي قسمناها إلى مجموعتين الأولى منها هي المظليين والاقتحام الجوي والثانية هي الإبرار الجوي والإنزال الجوي، ولما كان هناك تداخلاً فيما يتعلق بمفهوم القوات الخاصة ليس لدى العامة فحسب، بل حتى على مستوى الدول نفسها، حيث لجأت العديد من الدول إلى إنشاء وتسمية هذه القوات كل طبقاً لاستراتيجياتها ومسارح عملياتها ومهامها وحجم قوات المسلحة بها، فتجد أن بعض الدول يمكن أن يخلط في مهام الوحدة ما بين المظليين والصاعقة بأسمائها العديدة في العالم سواء أكانت برية أم بحرية أم حتى جوية، وسوف نركز هنا على القوات المحمولة جواً كما عرفناها في البداية، وسوف نبدأ بالمعسكر الغربي ومن ثم الشرقى.
1- المعسكر الغربي:
أ- الولايات المتحدة الأمريكية
يوجد بها الفيلق رقم (18) المنقول جواً والذي ينقسم أساساً إلى فرقتين منقولتين جواً هما الفرقة (82) والفرقه (101) وهما تتمركزان في منطقة فورت براج (Fort Bragg) في ولاية كارولينا الشمالية، ولهما تاريخ كبير في العمليات العسكرية الأمريكية في أعالي البحار عبر التاريخ. وتعداد هذا الفيلق (18) ألف رجل ويستخدم الطائرات المروحية من طراز (AH-60-Black Hawk)، فضلاً عن الطائرات (C. 130)،
ويُوضع هذا الفيلق في حالات استعداد مختلفة، حيث يمكن لسرية أن تتحرك خلال ساعتين وكتيبة خلال (18) ساعة ولواء خلال (24) ساعة (اللواء 4000 رجل) وذلك في حالات الطواريء القصوى.
ب - المملكة المتحدة
يوجد بها فوج للمظليين Parachute Regiment، حيث شكلت أول وحدة مظلية بريطانية عام (1940م) وقامت بعملية تجريبية في إيطاليا عام (1941م)؛ وفى عام (1944م) هبطت الفرقة السادسة المنقولة جواً على الجانب الأيسر للحلفاء وأتمت مهامها بنجاح في المسرح الأوروبي (كما أشرنا من قبل في نورماندى)، حيث شاركت بعد ذلك في أرنهايم وعبرت نهر الراين بنجاح وبعد ذلك، واشتركت بعد ذلك في معظم حروب بلادها في الملايو - وبورنيو (أندونسيا)- وفلسطين - والسويس - وعدن - وقبرص - والكويت - وإيرلندا الشمالية - وجزر الفوكلاند - وحرب الخليج الثانية.
ويضم الجيش البريطاني (3) كتائب في هذا الفوج أرقام (1و2و3) وهناك ثلاث أخرى في الجيش الإقليمي أرقام (4و 10و 15)، ويشكل اثنان من النظامين منها جزءاً من اللواء الخامس المنقول جواً، ويستخدم المظليون البندقية (L1-A1) عيار (62ر7) ملم والرشاش القصير طراز ستيرنج Sterling L2-A3 عيار (9) ملم والرشاش المتعدد الأهداف L70-A1 عيار (56ر5) ملم وكذا L73-A1 الخفيفة.
ج - كندا - القوة الخاصة
يعد الفوج الكندي المنقول جواً هو مركز الثقل للقوة الخاصة الكندية، الذي تأسس عام (1942م)، والكتيبة المظلية الثانية، ويتكون الفوج الكندى هذا من ثلاث فرق صاعقة منقولة جواً: الأولى كنديون فرنسيون، والثانية من كنديين إنجليز، والثالثة مختلطة منهم، وكل منها تعادل سرية، ويتسلح رجالها بالبندقية M16-A1 الأمريكية الصنع،
والرشاش القصير C-1 (9ملم) المأخوذ من ستيرلنج الإنجليزي، والسلاح الأوتوماتيكي FN-FAL ذي السبطانة الثقيلة والمصنعة في كندا تحت اسم C2-A7.
د - فرنسا
يوجد لديها ما يسمى بالفيلق الدخيل أو فيلق الأجانب، وهو قوة فرنسية حظيت بهالة أسطورية حول دورها الذي كان معنى أساساً بعملية غزو الجزائر والسيطرة عليها، فضلاً عن تنظيف شوارع باريس من الدهماء، وقد تم تطويره مبكراً عام (1835م) حيث حارب في القرم من (54-1856م) وفي إيطاليا عام (1859م) والمكسيك عام (63-1967م) والحرب الفرنسية البروسية عام (1870م) فضلاً عن سوريا بين الحربين العالميتين،
ثم انتقل بعد ذلك إلى الهند الصينية وخاض المعركة الشهيرة هناك المسماة "قلعة ديان بيان فو" Dien Bien Phu إحدى أضخم مآس الغرب العسكرية، حيث خسر فيها الفيلق وحده ما لايقل عن سبع كتائب كاملة عام (1954م)، وذلك قبل دخول أمريكا فيتنام بطبيعة الحال، وقد عمل هذا الفيلق بجزء منه ضد مصر فى حرب (1956م) ومن تشاد والصومال وزائير وجيبوتي ومالاجاش (مدغشقر)، وكذا في المحيط الهادي وأمريكا الوسطى والكاريبي.
ويشمل هذا الفيلق فوجاً مظلياً يتركز في كورسيكا ويتكون من أربع سرايا، وهناك فوج مختلط يتمركز في موروروا ويتولى مهمة تأمين الاتصالات ومحطات الطاقة والأمن والتجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادي.
وتتشكل القوات المظلية الفرنسية من الفرقه (11) مظلات وهي جزء رئيس من قوات الانتشار السريع الفرنسية والتي تعمل بالتنسيق مع فرق المشاة الخفيفة التاسعة التابعة للبحرية الفرنسية والفرقة الآلبينية رقم (27) - نسبة لعملها فى جبال الألب - والفرقة المدرعة الخفيفة السادسة والرابعة المنقولة جواً وهي تتكون من فوجين وسبع وحدات مظلية بحجم كتيبة إحداها صاعقة، وتعد البندقية MAS S6149 عيار (5ر7)مم هي التسليح الرئيس للمظليين، والبندقية MASFA (6ر5)مم وهي المثالية للمظليين، والرشاش القصير MAL-49 9مم.
2- المعسكر الشرقي:
أ- روسيا الاتحادية
لاتزال روسيا تملك أكبر قوة مظلية في العالم، حتى اليوم حيث بلغت (8) فرق فى أوج قوة الاتحاد السابق مُشَكِّلَةً الاحتياطي الاستراتيجي للعمل إما في المسرح الأوروبي أو الآسيوي، وهي عادة ما تكون طليعة قوات الانتشار السريع في أوقات الاضطرابات كما حدث في تشيكوسلوفاكيا عام (1968م) وأفغانستان عام (1978م)، وتتوزع هذه الفرق استراتيجياً فى لينينجراد (بطرسبرج حالياً)، وشرق البلطيق، وموسكو، وأوروبا،
وقد انسحبت من البلدان السوفيتية السابقة مثل بيلو روسيا والقوقاز وتركستان إلى داخل روسيا مع تخفيضها نسبيا، وهناك أيضاً فوج مظلي مستقل كان يعمل في ألمانيا الشرقية سابقاً، وقد استخدمه الروس المظليون أول مرة عام (1930م).
يبلغ تعداد الفرقة الواحدة حوالي (7200) فرد وتملك كل منها حوالي (1500) عربة قتال، كما تملك أسطولاً جوياً يبلغ حوالى (1700) طائرة متنوعة للنقل إليوشن وأنتينوف وكانديد بأنواعها، والروس ماهرون جداً فى سرعة الإنزال، حيث أمكنهم إنزال فرقة كاملة ومعها (160) عربة قتال بعد طيران (1000) كم في (22) دقيقة بعد النزول فقط فى تمرين دفينا عام (1970م) Divina Gxercise، ويعد السلاح الرئيس هنا هو البندقية AKS-74 الأوتوماتيكية عيار (45ر5) مم ذات المقبض القابل للطي وكذا البنادق القناصة عيار (62ر7) مم، فضلاً عن العربات (ب م د) المطورة إلى (ب م ب) التي بها برج فيه ماسورة عيار (73) مم وقاذف ورشاش وهي برمائية في الوقت نفسه ذات دفع مائي نفاث.
ب - الجيش الهندي
أُنشِئت أول وحدة مظلية هندية عام (1941م)، حيث شُكِّل اللواء المظلي رقم (50) من ثلاث كتائب هى (151و 152و 153)، وفي عام (1944م) شكلت الفرقة (44) هندية وفوج مظلي هندي مستقل، ثم انقسمت هذه الوحدات بين الهند وباكستان عام (1947م) على إثر تقسيم شبه الجزيرة الهندية من جانب بريطانيا، وفي عام (1969م) أصبحت هناك كتيبتان مظليتان وصاعقة في الوقت نفسه وهما (ك9و ك10) مظليو صاعقة،
ويوجد حاليا (8) كتائب مظلية مقسمة في لوائين مستقلين هما (50و 51) وتعمل (ك9 وك10) كقوات خاصة مع كل وحدات الجيش. ويتضمن التسليح الرشاش القصير البريطاني الأصل ستيرلنج (9مم) والبندقية (34-A1) المزودة بكاتم صوت، والبندقية FN-FAL (62ر7) مم البلجيكية الأصل والمصنعة في الهند، كما يوجد هناك النموذج الجديد من البندقية BETN (303ر0) بوصة وهي عيار (62ر7) مم L4A4.
..إشارة إلى بعض العمليات الخاصة بجنود الجو في التاريخ
هناك العديد من النماذج العالمية سوف نختار منها عدداً قليلاً ونشير إليه فقط دون تفصيل كالآتي:
1- بعض العمليات التكتيكية:
لعل نموذج حرب الخليج الثانية مازال ماثلاً في الأذهان، والإبرار التكتيكي - كما قلنا من قبل - هو أهم آلية في يد القائد التكتيكي تمكنه من السرعة والحسم في تنفيذ مهمته ومن ثم ضمان نجاحها إلى حد بعيد، وكما ذكرنا، فإن هذه العمليات تمّت في مدى لايزيد عن عمق (50) كم، مثلما حدث مع فرق وفيالق قوات التحالف التي قامت بأعمال التطويق بعيد المدى من الاتجاه الغربي عام (1991م) للعمل ضد الأهداف الحيوية العراقية ومفارز مقدمة القوات العراقية لتثبيتها وتهيئة أنسب الظروف لتوجيه ضربات قوية لها بواسطة المفارز المدرعة والميكانيكية للفرق والفيالق الغربية، ولعل نموذج الخليج هو أفضل نموذج يتم طرحه في هذا المجال،
كما أن هناك عمليات مشابهة تمّت في حرب أكتوبر (73م) على أعماق مشابهة، وأكبر قليلاً تمت بواسطة عناصر الصاعقة لغلق المضايق والممرات في وجه القوات الإسرائيلية المدفوعة من الأنساق الثانيه لمعاونة أنساقها الأولى.
2- نموذج للعمليات التعبوية:
وهو عملية الإنزال الجوي (الإبرار الجوي) التي تمّت على الجانب الغربي لمسرح العمليات بواسطة القوات الفرنسية من الفرقة السادسة وجزء من الفرقة الرابعة المدرعة والتي تمّت لتأمين تقدم قوات الفيلق الثامن عشر وذلك لتطويق الكويت بالكامل والوصول إلى جنوب العراق في البصرة، وهذا النموذج يحتاج إلى دراسة منفصلة تماماً.
3- نماذج للعمليات الاستراتيجية:
- نموذج احتلال الألمان للنرويج عام (1940م).
- نموذج احتلال جزيرة كوين من جانب ألمانيا عام (1941م).
- نموذج نورماندى، وتمَّ التعرض له آنفاً.
- نموذج مرسيليا وهو إنزال كبير جداً بحري في الأساس ولكن دعمه إنزال مظلي في العمق وقد تم بعد إنزال نورماندى من جانب الحلفاء بشهر كامل لإحكام القبضة تماماً على (فون) باعتبارها المدخل الطبيعي لأوروبا.
مقدمة:
تعني كلمة المحمولة بالنسبة للقوات وصف وسيلة النقل المستخدمة، وهى بطبيعة الحال الطائرات بأنواعها المختلفة، حيث كانت قديماً هي طائرات مواصلات مثل الطائرات الأمريكية من طراز C130 أومن طرازات بوينج المختلفة، أو من طائرات الإليوشن أو الأنتينوف الروسية، وحديثاً أصبحت مزيجاً مشتركاً من طائرات المواصلات المشار إليها فضلاً عن أنواع خاصة من العموديات أو المروحيات أو الحوَّامات - كما يطلق عليها فى المدارس العسكرية العربية - وهى ذات حمولات كبيرة يمكنها نقل أعداد معقولة من القوات مثل الطائرات (1 أو M1) الروسية التى تحمل حوالي سرية مشاة (أى حوالى 10 أطنان) أو الطائرات (8 أو M8) الروسية أيضاً التى يمكنها حمل حوالي فصيل مشاه (أي حوالي 3-4 أطنان) ،
إضافة إلى استنباط أنماط أخرى للمهام الخاصة التى يمكنها حمل ما بين (10-15) فرداً بأسلحتهم الخفيفة مثل الكوماندوز البريطانية أو السيكروسكي الأمريكية بطرازاتها المتقاربة في الحمولة والطائرة ( 4 أو M4) الروسية.
وبطبيعة الحال فإن وصف القوات بأنها محمولة جواً فإن هذا لا يؤدي إلى معنى أو نتيجة أو مهمة بعينها، حيث إن المسميات التالية جميعها قوات محمولة جواً ولكن مهامها تختلف اختلافاً واضحاً، حيث إن لكل منها تدريباً مختلفاً وتنظيماً مغايراً وتسليحاً متنوعاً، وكافة مفرداتها متباينة، ولعلنا نذكر منها القوات المظلية، وقوات الإبرار الجوي، وقوات الاقتحام الجوي، والقوات المنزلة جواً وغيرها من مهام خاصة وعديدة، ولذا فإننا سوف نتناول فى هذه المقالة كل تلك الأنواع ، موضحين الفروق بينها والمهام المسندة إلى كل منها،
لإن هذا الموضوع قد تناوله عديد من غير ذوي الاختصاص، الأمر الذي أدى إلى إيجاد تداخل كبير ومساحات مشتركة فيما بينها قد أضرت بالمفهوم من جانب قادة القوات العسكرية اللذين يلحق بهم أو يعاونهم أي نوع من هذه الأنواع المشار إليها فى العمليات، والدليل على ذلك أن الاستخدام الخاطيء لمثل هذه الأنواع من القوات، عادة ما يؤدي إلى تنفيذ شيء للمهام الموكلة لهم، وينعكس هذا على القوات الخاصة المحمولة جواً وكذا على الوحدة أو التشكيل التعبوي (العملياتي) الأم الأكبر، ولذا فإننا سوف نسعى - فى بساطة غير مخلة - إلى توضيح هذه إلاشكالية وسبر أغوارها من أجل مصلحة الجميع، ولإدراك مدى هذه الأهمية يكفي أن نستعين بمثال واحد قد حدث فى الحرب العالمية الثانية كان له أكبر الأثر على هزيمة قوات المحور فى المسرح الأوروبي،
وهو عندما استخدم الحلفاء هذه القوات بحجم غيرمسبوق ولا ملحوق فى التاريخ العسكرى وهو جيش من المظليين، أى حوالي ثلاثة فيالق في طائرات النقل المختلفة وفي الطائرات الشراعية ضد فرق البانزر الألمانية، وذلك عندما أسقطت هذه القوات وأنزلت بالقرب من مناطق تقاطع الطرق والجسور في وسط أوروبا والتى تحول دون نجاح استخدام تلك المدرعات فى القيام بالضربات المضادة الاستراتيجية ضد القوات المتحالفة القائمة بالغزو في نورماندي ، والتي نجحت في اختراق الحائط الغربي للأطلسي حيث نجحت بالفعل في منع وعرقلة تقدم تلك المدرعات ذات الشهرة الرهيبة تجاه الغرب أي تجاه ثغرة الاختراق الكبرى، حيث أسقطت في توقيت متزامن مع حركة القوات المتحالفة تجاه الشرق، أي تجاه الوسط الأوروبي، وبهذا النجاح قدمت تلك القوات المحمولة إنجازاً عسكرياً ضخماً وغير مسبوق لإنجاح أكبر عملية عسكرية تاريخية معاصرة، كانت بداية النهاية لوضع تلك الحرب أوزارها واستسلام ألمانيا وإيطاليا للحلفاء بلاقيد أو شرط، ولعل تلك العملية العسكرية الكبرى كانت معقدة في جميع عناصرها،
ولكن بساطة التخطيط فيها كانت لها أكبر الأثر في نجاحها، حيث إن النسق الاستراتيجي الأول كان منقولاً أيضاً ولكن عبر وسائط الإبرار البحري المختلفة، أي أن درجة المخاطرة في استخدام النسق الاستراتيجي الأول والنسق الاستراتيجي المظلي كانت عالية للغاية، ولعل هذا يأتي متوافقاً مع نظريه إنسانية واقتصادية تجارية تقول: إ نه كلما زاد هامش المخاطرة كلما زاد هامش الربحية والعكس صحيح بطبيعة الحال، فعلينا أن نأخذ العبرة من هذا الدرس ونحاول تطويع العمل على مسارحنا العربية الشاسعة والصحراوية، وإن شاء الله سوف نعود في مقالة أخرى للتعرض لعملية الإبرار البحري العظمى التى قام بها الحلفاء على الشاطيء الغربي لأوروبا في منطقة نورماندي الفرنسية، ولعل من أهم أسباب اختيار هذا الموضوع هو نوعية واتساع المسارح العسكرية ومسارح الحرب العربية المختلفة كل في نطاقه الجغرافي الخاص به، ولذا فإن التناول هنا سيكون مختلفاً عن مجرد مقالة توضيحية لبعض المصطلحات العسكرية.
قوات المظليين (قوات الباراشوت) أو قوات الاقتحام الجوي
تسخدم وحدات المظلات أوالاقتحام الجوي طبقاً لقرار القيادة العامة للقوات المسلحة للدولة - سواء بكاملها أو أجزاء منها - لتحقيق مهام تعبوية (عملياتية) أو تكتيكية فى مؤخرة وعمق العدو لمعاونة أعمال قتال التشكيلات التعبوية أو الجوية، كما يمكن وضع لواء مظلات أو جزء منه تحت قيادة التشكيل التعبوي (جيش ميداني أو فيلق)، أو حتى الفرقة المشاة الميكانيكية أو المدرعة فى مرحلة معينة من أعمال القتال طبقاً للموقف وطبيعة المهام،
وجدير بالذكر هنا أن الاستخدام التكتيكي لوحدات المظلات، أي استخدامها فى الأعماق التكتيكية (25-40كم)، يكون صعباً للغاية من حيث دقة التأمين المطلوب لها، سواء للطائرات أو القوة نفسها بعد إسقاطها أو إنزالها أو إبرارها، وهو استخدام أهم ما يميزه هو توقيت الإسقاط ومدة البقاء لحين الاتصال بالقوة الرئيسة المهاجمة برية أو بحرية، ويمكن لوحدات المظلات أن تنفذ المهام الرئيسة التالية أثناء العمل فى عمق أو مؤخرة أو أجناب العدو:
أ - الاستيلاء على الممرات والمضايق والنقاطات المهمة جداً والتمسك بها لمدة معينة تتراوح ما بين (24-48) ساعة للواء المظلات، ومن (4-6) ساعات للكتيبة، ويجب عدم تجاوز هذه المدة مطلقاً، وذلك لعرقلة تقدم قوات واحتياطات العدو المتقدمة من العمق، ومنع انسحاب قواته المرتدة وتعطيلها وإحداث أكبر خسائر بها، وكذا تأمين تقدم قواتنا، الأمر الذى يزيد من سرعة معدلات قتالها العامة.
ب - الاستيلاء على الخطوط الجوية والتمسك بها بهدف سبق العدو إليها أولاً، وعرقلة تقدم قواته وتهيئة أنسب الظروف لتدميرها من جانب قواتنا.
ج - الاستيلاء على قطاعات معينة من الشاطيء والتمسك بها بغرض تأمين عملية إبرار القوات المنقولة بحراً.
د - الاستيلاء على رؤوس الجسور والمعابر على الموانع المائية والتمسك بها.
ه - الاستيلاء على الجزر التى تسيطر على طرق المواصلات البحريه، كما حدث من جانب مصر عندما استولت على مضايق تيران وصنافير فى خليج العقبة لحرمان القوات الإسرائيلية من استخدامها قبيل الغزو الثلاثي على بورسيعد عام (1956م) وبعد طرد القوات الدولية التي كانت موجودة هناك (بواسطة قوات المظلات المسقطة جواً).
و - تدمير أو تأمين أو الاستيلاء على المطارات المعادية لاستخدامها من جانب قواتنا، والمساهمة في تحقيق السيطرة الجوية على مسرح العمليات.
ز - تعطيل أي مهام خاصة أخرى ضد المدفعيات أو مراكز القيادة أو الأهداف الحيوية السياسية والعسكرية.
وتعدّ أهم مباديء الاستخدام هنا ألاّ يتم استخدام قوات المظلات فى مهام تقليدية يمكن لقوات أخرى أن تقوم بها، كما يجب أن تشكل مجموعة سيطرة من قيادة المظلات لتتواجد داخل مركز قيادة التشكيل التعبوي للمعاونة فى تحقيق أفضل استخدام ممكن لقواتهم والسيطرة والتنسيق، ويعد قائد هذه المجموعة هو مستشار قائد التشكيل التعبوي فى استخدام وحدات المظلات التي في معاونته،
كما أن عملية اتصال القوة الرئيسة للتشكيل ممثلة في مفرزته المتقدمة أو مفرزة التطويق بوحدة المظلات في العمق في المدى الزمني المحدد، هي أهم عناصر نجاح العملية الرئيسة للتشكيل وأهم عناصر تأمين القتال لوحدة المظلات التى يكون لها دعم إدارى لوجستي مباشر مع المفرزة المتقدمة حتى تستطيع مواصلة القتال وتأمين نفسها بعد ذلك.
ولعل أهم ما يجب قوله فى هذا المجال إن قوات المظلات أو الاقتحام الجوي هي قوات تعمل على مسرح عمليات أو ميدان معركة نشيط قتالياً، بمعنى أنه من المتوقع ملاقاة أو مواجهة العدو كثيراً، سواء منذ الحشد والركوب والإقلاع أو رحلة الطيران والهبوط أو الإسقاط والقتال بعد ذلك، وهذا ما يميز هذا النوع من القوات المحمولة جواً عن غيرها، كما أن هذه القوات لاتختلف كثيراً عن قوات المشاة التقليدية فى البلد الذى تعمل به من حيث التنظيم والمهام، ولكن يوجد بعض الاختلاف في التسليح لتسهيل عمليات النقل الجوي، سواء في المدفعيات أو في الدفاع الجوي، حيث يتم استبدال الأنماط المستخدمة في قوات الدولة بأنماط أخرى يمكنها تأدية المهام النيرانية نفسها، ولكنها تكون خفيفة الحمل.
وبطبيعة الحال، فهناك إضافة فى التدريب عن التدريب التقليدي للمشاة وهي في عمليات الركوب والنزول والطيران وخلافه؛ فضلاً عن أن اختيار عناصر المظلات يكون من فئة صحية وبدنية أعلى من قرينتها في عناصر المشاة العادية حتى يمكنهم تحمل تقلبات الموقف التكتيكي وعنائه خلف خطوط العدو. ولعل هذا أهم ما يميز عناصر أخرى من القوات الخاصة عن قوات المظلات مثل عناصر الصاعقة أو المغاورير أو مايطلق عليهم (الكوماندوز) أو العاصفة، وذلك بحسب مسميات المدرسة المتبعة، حيث تختلف تماما عن المظليين في كل شيء.
و يتضح لنا أن قوات المظلات ينطبق عليها وصف الاقتحام الجوي لتوافر الشروط السابق ذكرها فى العمل ضد عدو يقظ من المفترض أنه سوف يقابل هذه القوات عقب إسقاطها مباشرة، وجدير بالذكر هنا أن قوات الاقتحام الجوي - كمسمَّى - يمكن أن تكون من المظليين المسقطين من طائرات النقل العسكري المجهزة لذلك، أو من المظليين المحمولين فى العموديات الهجومية المخصصة للنقل وبإمكانات الدفاع عن نفسها، وكما يمكن ذلك للمظليين فيمكن أيضاً أن تكون قوات الاقتحام الجوي من غير رجال المظلات، أى من المشاة المدربة على ذلك أو من وحدة خاصة مدربة على ذلك قد يطلق عليها مثلاً لواء الاقتحام الجوي (أي اقتحام من خلال العموديات فقط)، وبهذا يتضح لنا أن النموذج الأول من القوات المحمولة جواً هم قوات المظلات المسقطة أو المنزلة من العموديات أو أي قوات أخرى مدربة على ذلك من المشاة بشرط إبرارها من خلال العموديات المخصصة.
قوات الإبرار الجوي وقوات الإنزال الجوي
يشترك هذان النوعان من القوات المحمولة جواً فى شيء واحد أساسي وهو أن كليهما محول جواً، فالصنف الثانى هو عبارة عن قوات منقولة جواً، سواء في طائرات المواصلات أو حتى الشراعيات وكذا فى العموديات التي لا يشترط أن تكون ذات تسليح هجومي، أو ما يطلق عليها بعموديات الخدمة العامة، وهذا النوع من القوات المنقولة أو المحمولة جواً، ليس بالضرورة أن يكون من قوات المشاة أو المشاة الميكانيكية أو المدرعة، ولكنه يشمل أي نوع من القوات، سواء أكانت أنساقاً ثانية أم احتياطيات أم أنساقاً أولى أم أجزاء مختلفة من القوات التى تقاتل ضد العدو فى الأقسام؛
فهذه القوات جميعاً لا تستخدم على هذا النحو الآمن إلا عندما تكون الأنساق الأولى للجيوش الميدانية أو الفيالق قد نجحت في الاستيلاء على أجزاء كبيرة من مسرح العمليات يقع بها مطارات مدنية أو عسكرية أو قواعد عسكرية كبرى أو غيرها، بحيث تكون مؤمنة من نيران مدفعيات العدو بعيدة المدى وصواريخ ميدانية، أي أن هذا الإنزال أو الإبرار لا يتم إلا بعد تحقيق نجاح جزئي كبير في الاستيلاء على أجزاء مهمة من المسرح سواء أكانت من أراضي العدو أم أراضينا، وهذا ما يفسر قلة إجراءات الأمن والأمان المتبعة نسبياً فى تأمين تلك الطائرات، وهذا يعني بطبيعة الحال وبلا استنتاج ذكي،
أن قواتنا الجوية قد نجحت أيضاً فى تحقيق السيطرة الجوية بأي درجة من الدرجات ولو حتى فقط على مسرح العمليات الجوي أو البري والبحري معاً، ولعل هذا قد وضح فى الحرب العالمية الثانية، عندما نجح الحلفاء في حشد أكبر قوة بحرية في التاريخ ضد الحائط الغربي لأوروبا، حيث ثم حشد (13) ألف طائرة لتحقيق كافة المهام في تلك الحرب، وقد استهلك منها عدد ضخم للغاية لنقل ثلاثة فيالق من رجال المظلات ورجال الاقتحام الجوي والإنزال الجوي - الذي نتناوله الآن - ولعل الفارق الوحيد بين ما أوردناه فى مقالتنا وماحدث في تلك الحرب هو أن عمليات النقل الجوي تمت كلها في وقف واحد أو متزامن، بحيث تُسقط أولاً رجال المظلات ثم يتلوها بعد ذلك عمليات الإنزال في المطارات وعلى الطرق بالطائرات والشراعيات وذلك بعد تأمينها بواسطة قوات المظلات التي أسقطت أولاً،
والتى عملت جميعاً كما ذكرنا على تعطيل وتدمير فرق البانزر الألمانية الشهيرة التي كانت تتمركز في وسط أوروبا لإمكان دفعها إلى أي اتجاه غرباً أو شرقاً أو شمالاً أو جنوباً، ولعلنا نؤكد هنا مرة أخرى أهمية عدم إنزال هذه القوات إلا بعد تحقيق كافة الشروط المذكورة آنفاً.
أما فيما يتعلق بقوات الإبرار الجوى، وهو الموضوع الرئيس والنوع الرئيس الحديث في عمليات القوات المحمولة جواً، فهي التي سوف نتوسع فيها قليلاً حتى نحقق من خلالها أكبر استفادة ممكنة، وذلك دون محاولة تبويب هذا الموضوع بشكل أكاديمي كما يأتي فى مراجع المعاهد والكليات العسكرية، حتى يسهل تقبّله من المستويات العسكرية المختلفة في كافة أنواع القوات العسكرية، فقوات الإبرار الجوي هي أفضل آلية حديثة تساعد القائد على تحقيق نصر مضمون وسريع، فيما لو تم استخدامها طبقاً للمعايير السابقة، والتي أهمها التقيد بفترة بقائها خلف خطوط العدو تقاتل منفردة، مع ملاحظة أن هذه الفترة يمكن زيادتها من خلال زيادة المستويات المادية المقدرة معها من ذخيرة ومياه وطعام وخلافه،
فضلاً عن إمكان إمدادها جواً في حالة تعرضها للحصار سواء أكان هذا الإمداد بالإسقاط الحر للمواد المطلوبه أم بالإبرار داخل منطقة القتال بالعموديات الهجومية التي سبقت الإشارة إليها، وبطبيعة الحال فإن قوات الإبرار هنا هي إما قوات تكتيكية (تتراوح ما بين سرية وكتيبة) أو قوات تعبوية أو استراتيجية تبدأ من لواء فما فوق طبقاً للمهام، والقائد التكتيكي هنا - أي من تعاونه قوات إبرار تكتيكية - هو إما قائد الفيلق أو الفرقة بأنواعها مدرعة أو ميكانيكية. ونظراً إلى أن الإبرار الجوي التعبوي والاستراتيجي غير ذي موضوع لعدم وجود إمكانات في أي دولة من دول المنطقة لتنفيذه، فسوف نركز على الإبرار الجوى التكتيكي فقط لأهميته الفائقة.
تستخدم قوات الإبرار الجوي التكتيكي فى الهجوم سواء من جانب قواتنا أو من جانب العدو فى حالة اتخاذ أوضاع الدفاع من جانب قواتنا، وعادة ما تستخدم هذه القوات (من سرية إلى كتيبة) بالتعاون التام مع المفارز المتقدمة أو مفارز التطويق، بحيث يتم الإبرار لهذه القوات إمّا للتمسك بمنقطة أو خط أو هدف حيوي يقع في نهاية يوم القتال للفرقة أو خلال المهمه المباشره للفيلق التى تستغرق عاده من (2-4) أيام بحسب عمقها، بحيث يخدم تمسكها بهذا الخط على سبيل المثال الوصول الآمن نسبياً للمفرزة المتقدمه أو مفرزة التطويق المدفوعة من الفرقة أو الفيلق، والتي عادة ما تكون بحجم لواء أو أقل قليلاً - أي لواء عدا كتيبة مثلاً - ولكن عادة ما تكون هذه المفرزة مدعومة بعناصر كافية من القوات المسلحة حتى يمكنها القتال منفردة حتى الوصول إلى خط الإبرار الجوي وحتى وصول القوة الرئيسية للفرقة أو الفيلق، مثل المدفعيات وعناصر الدفاع الجوي والمهندسين والكيمياء والحرب الإلكترونية وغيرها طبقاً للمهمة.
وبطبيعة الحال فإن نجاح المفرزة في الوصول إلى الخط المحدد لها فى مكان المهمة ليوم القتال، سوف يساعد بالتأكيد على الوصول الآمن بقتال خفيف من جانب القوة الرئيسية لهذا الخط أو نهاية يوم القتال، حيث سيقوم العدو بالقتال السريع والانسحاب بسبب وجود المفرزة في ظهره، وهذا سوف يسهل تماماً من سرعة وصول الفرقة أو الفيلق إلى الخط المحدد، الأمر الذي سوف يساعد القوات المجاورة أيضاً على النجاح على أساس أن فرقة المنتصف مثلاً بوصولها المبكر للخط سوف تؤمن الجانب الأيسر للجار الأيمن وكذا الجانب الأيمن للجار الأيسر، وهكذا،
مما يضمن نجاح الفيلق في هذه الحالة في تحقيق مهامه بنجاح وبسرعة وبأقل خسائر ممكنة، ولعل هناك بعض المدارس العسكرية التي تقوم بتأمين إبرار قوة الإبرار الجوي التكتيكي في البداية من خلال دفع عناصر من الصاعقة أو القوات الخاصة للتأمين المسبق للمكان من خلال قيامها بأعمال الكمائن التى تجيدها تماماً تلك الوحدات وتحقق فيها إنجازات عظيمة.
أي أن النجاح المنتظر في العملية الهجومية للفيلق أو المعركة للفرقة تعتمد على مجموعة من العمليات المتتابعة تبدأ بالصغير منها فالكبير فالأكبر وهكذا حتى تحقق المهمة النهائية لها بنجاح تام، مؤكدين هنا بأن لكل نسق من هذه الأنساق المذكورة مدة قتال محددة لا يجب تجاوزها بأي حال بدءاً بعناصر الصاعقة ثم قوة الإبرار الجوي التكتيكي فالمفرزة ومن النهاية الفرقة أو الفيلق. وجدير بالذكر هنا أن كل نسق كبير يمكن أن يحمل للنسق الأصغر الذى قبله بعضاً من الإمداد المادي الذي يناسبه في قتاله، فقوة الإبرار الجوي التكتيكية يمكنها أن تحمل لعناصر الصاعقة، كما أن المفرزة تحمل لقوة الإبرار وهكذا تقوم الفرقة في النهاية أو الفيلق بتأمين المفرزة ومن ثم الجميع، وكما تتم هذه السلسلة في الهجوم يمكن أن يقوم بها العدو ضد قواتنا في الدفاع ومن ثم فإنه من خلال فهمنا لهذا التسلسل يمكن أن نتدخل ضد العدو في المرحلة التي تناسبنا وهكذا.
وفي نهاية هذا الجزء المتعلق بقوات الإبرار الجوي، سواء أكانت تكتيكية أم تعبوية، فإن هناك العشرات من الطرق والأساليب المستحدثة في استخدام هذه القوات، مما يؤكد أن الفن العسكري مهم جداً وقد يتغلب على العلم العسكري، أي أن الابتكار قد يتفوق على التقليد وهذا يعود بطبيعة الحال على مدى تأهيل وثقافة القادة وتنوعهم من قائد لآخر وهكذا، وعلى سبيل المثال يمكن أن تستخدم هذه العموديات مثلاً في دفع النسق الثاني كله للقتال في عمق دفاعات العدو متزامنا مع النسق الأول الذى يقاتل في الأمام وعلى اتصال بالعدو، مما يقلل من زمن العملية أو المعركة للنصف تقريباً، وهو أهم مباديء الحرب الحديثة نتيجة تعقد العمليات الحديثة وأهمية الحسم والسرعة في تحقيق الأهداف، وهذا سوف يتضح لنا - إن شاء الله - حينما نناقش معاً موضوع المعركة البر-جوية أحدث نظرية غربية هجومية ودفاعية حتى الآن وهي ما يطلق عليها The Air Land Battle وهي التى استبقها الغرب وطورها عقب حرب أكتوبر (73م) ولاشك أنه أدخل عليها أيضاً دروس حرب الخليج الثانية، حتى أنها دخلت قانون قتال الفيلق الأمريكي وهذا موضوع آخر.
نماذج عالمية للقوات المحمولة جواً
في الواقع إننا نحاول التركيز في هذه الدراسة على القوات المحمولة جواً والتي قسمناها إلى مجموعتين الأولى منها هي المظليين والاقتحام الجوي والثانية هي الإبرار الجوي والإنزال الجوي، ولما كان هناك تداخلاً فيما يتعلق بمفهوم القوات الخاصة ليس لدى العامة فحسب، بل حتى على مستوى الدول نفسها، حيث لجأت العديد من الدول إلى إنشاء وتسمية هذه القوات كل طبقاً لاستراتيجياتها ومسارح عملياتها ومهامها وحجم قوات المسلحة بها، فتجد أن بعض الدول يمكن أن يخلط في مهام الوحدة ما بين المظليين والصاعقة بأسمائها العديدة في العالم سواء أكانت برية أم بحرية أم حتى جوية، وسوف نركز هنا على القوات المحمولة جواً كما عرفناها في البداية، وسوف نبدأ بالمعسكر الغربي ومن ثم الشرقى.
1- المعسكر الغربي:
أ- الولايات المتحدة الأمريكية
يوجد بها الفيلق رقم (18) المنقول جواً والذي ينقسم أساساً إلى فرقتين منقولتين جواً هما الفرقة (82) والفرقه (101) وهما تتمركزان في منطقة فورت براج (Fort Bragg) في ولاية كارولينا الشمالية، ولهما تاريخ كبير في العمليات العسكرية الأمريكية في أعالي البحار عبر التاريخ. وتعداد هذا الفيلق (18) ألف رجل ويستخدم الطائرات المروحية من طراز (AH-60-Black Hawk)، فضلاً عن الطائرات (C. 130)،
ويُوضع هذا الفيلق في حالات استعداد مختلفة، حيث يمكن لسرية أن تتحرك خلال ساعتين وكتيبة خلال (18) ساعة ولواء خلال (24) ساعة (اللواء 4000 رجل) وذلك في حالات الطواريء القصوى.
ب - المملكة المتحدة
يوجد بها فوج للمظليين Parachute Regiment، حيث شكلت أول وحدة مظلية بريطانية عام (1940م) وقامت بعملية تجريبية في إيطاليا عام (1941م)؛ وفى عام (1944م) هبطت الفرقة السادسة المنقولة جواً على الجانب الأيسر للحلفاء وأتمت مهامها بنجاح في المسرح الأوروبي (كما أشرنا من قبل في نورماندى)، حيث شاركت بعد ذلك في أرنهايم وعبرت نهر الراين بنجاح وبعد ذلك، واشتركت بعد ذلك في معظم حروب بلادها في الملايو - وبورنيو (أندونسيا)- وفلسطين - والسويس - وعدن - وقبرص - والكويت - وإيرلندا الشمالية - وجزر الفوكلاند - وحرب الخليج الثانية.
ويضم الجيش البريطاني (3) كتائب في هذا الفوج أرقام (1و2و3) وهناك ثلاث أخرى في الجيش الإقليمي أرقام (4و 10و 15)، ويشكل اثنان من النظامين منها جزءاً من اللواء الخامس المنقول جواً، ويستخدم المظليون البندقية (L1-A1) عيار (62ر7) ملم والرشاش القصير طراز ستيرنج Sterling L2-A3 عيار (9) ملم والرشاش المتعدد الأهداف L70-A1 عيار (56ر5) ملم وكذا L73-A1 الخفيفة.
ج - كندا - القوة الخاصة
يعد الفوج الكندي المنقول جواً هو مركز الثقل للقوة الخاصة الكندية، الذي تأسس عام (1942م)، والكتيبة المظلية الثانية، ويتكون الفوج الكندى هذا من ثلاث فرق صاعقة منقولة جواً: الأولى كنديون فرنسيون، والثانية من كنديين إنجليز، والثالثة مختلطة منهم، وكل منها تعادل سرية، ويتسلح رجالها بالبندقية M16-A1 الأمريكية الصنع،
والرشاش القصير C-1 (9ملم) المأخوذ من ستيرلنج الإنجليزي، والسلاح الأوتوماتيكي FN-FAL ذي السبطانة الثقيلة والمصنعة في كندا تحت اسم C2-A7.
د - فرنسا
يوجد لديها ما يسمى بالفيلق الدخيل أو فيلق الأجانب، وهو قوة فرنسية حظيت بهالة أسطورية حول دورها الذي كان معنى أساساً بعملية غزو الجزائر والسيطرة عليها، فضلاً عن تنظيف شوارع باريس من الدهماء، وقد تم تطويره مبكراً عام (1835م) حيث حارب في القرم من (54-1856م) وفي إيطاليا عام (1859م) والمكسيك عام (63-1967م) والحرب الفرنسية البروسية عام (1870م) فضلاً عن سوريا بين الحربين العالميتين،
ثم انتقل بعد ذلك إلى الهند الصينية وخاض المعركة الشهيرة هناك المسماة "قلعة ديان بيان فو" Dien Bien Phu إحدى أضخم مآس الغرب العسكرية، حيث خسر فيها الفيلق وحده ما لايقل عن سبع كتائب كاملة عام (1954م)، وذلك قبل دخول أمريكا فيتنام بطبيعة الحال، وقد عمل هذا الفيلق بجزء منه ضد مصر فى حرب (1956م) ومن تشاد والصومال وزائير وجيبوتي ومالاجاش (مدغشقر)، وكذا في المحيط الهادي وأمريكا الوسطى والكاريبي.
ويشمل هذا الفيلق فوجاً مظلياً يتركز في كورسيكا ويتكون من أربع سرايا، وهناك فوج مختلط يتمركز في موروروا ويتولى مهمة تأمين الاتصالات ومحطات الطاقة والأمن والتجارب النووية الفرنسية في المحيط الهادي.
وتتشكل القوات المظلية الفرنسية من الفرقه (11) مظلات وهي جزء رئيس من قوات الانتشار السريع الفرنسية والتي تعمل بالتنسيق مع فرق المشاة الخفيفة التاسعة التابعة للبحرية الفرنسية والفرقة الآلبينية رقم (27) - نسبة لعملها فى جبال الألب - والفرقة المدرعة الخفيفة السادسة والرابعة المنقولة جواً وهي تتكون من فوجين وسبع وحدات مظلية بحجم كتيبة إحداها صاعقة، وتعد البندقية MAS S6149 عيار (5ر7)مم هي التسليح الرئيس للمظليين، والبندقية MASFA (6ر5)مم وهي المثالية للمظليين، والرشاش القصير MAL-49 9مم.
2- المعسكر الشرقي:
أ- روسيا الاتحادية
لاتزال روسيا تملك أكبر قوة مظلية في العالم، حتى اليوم حيث بلغت (8) فرق فى أوج قوة الاتحاد السابق مُشَكِّلَةً الاحتياطي الاستراتيجي للعمل إما في المسرح الأوروبي أو الآسيوي، وهي عادة ما تكون طليعة قوات الانتشار السريع في أوقات الاضطرابات كما حدث في تشيكوسلوفاكيا عام (1968م) وأفغانستان عام (1978م)، وتتوزع هذه الفرق استراتيجياً فى لينينجراد (بطرسبرج حالياً)، وشرق البلطيق، وموسكو، وأوروبا،
وقد انسحبت من البلدان السوفيتية السابقة مثل بيلو روسيا والقوقاز وتركستان إلى داخل روسيا مع تخفيضها نسبيا، وهناك أيضاً فوج مظلي مستقل كان يعمل في ألمانيا الشرقية سابقاً، وقد استخدمه الروس المظليون أول مرة عام (1930م).
يبلغ تعداد الفرقة الواحدة حوالي (7200) فرد وتملك كل منها حوالي (1500) عربة قتال، كما تملك أسطولاً جوياً يبلغ حوالى (1700) طائرة متنوعة للنقل إليوشن وأنتينوف وكانديد بأنواعها، والروس ماهرون جداً فى سرعة الإنزال، حيث أمكنهم إنزال فرقة كاملة ومعها (160) عربة قتال بعد طيران (1000) كم في (22) دقيقة بعد النزول فقط فى تمرين دفينا عام (1970م) Divina Gxercise، ويعد السلاح الرئيس هنا هو البندقية AKS-74 الأوتوماتيكية عيار (45ر5) مم ذات المقبض القابل للطي وكذا البنادق القناصة عيار (62ر7) مم، فضلاً عن العربات (ب م د) المطورة إلى (ب م ب) التي بها برج فيه ماسورة عيار (73) مم وقاذف ورشاش وهي برمائية في الوقت نفسه ذات دفع مائي نفاث.
ب - الجيش الهندي
أُنشِئت أول وحدة مظلية هندية عام (1941م)، حيث شُكِّل اللواء المظلي رقم (50) من ثلاث كتائب هى (151و 152و 153)، وفي عام (1944م) شكلت الفرقة (44) هندية وفوج مظلي هندي مستقل، ثم انقسمت هذه الوحدات بين الهند وباكستان عام (1947م) على إثر تقسيم شبه الجزيرة الهندية من جانب بريطانيا، وفي عام (1969م) أصبحت هناك كتيبتان مظليتان وصاعقة في الوقت نفسه وهما (ك9و ك10) مظليو صاعقة،
ويوجد حاليا (8) كتائب مظلية مقسمة في لوائين مستقلين هما (50و 51) وتعمل (ك9 وك10) كقوات خاصة مع كل وحدات الجيش. ويتضمن التسليح الرشاش القصير البريطاني الأصل ستيرلنج (9مم) والبندقية (34-A1) المزودة بكاتم صوت، والبندقية FN-FAL (62ر7) مم البلجيكية الأصل والمصنعة في الهند، كما يوجد هناك النموذج الجديد من البندقية BETN (303ر0) بوصة وهي عيار (62ر7) مم L4A4.
..إشارة إلى بعض العمليات الخاصة بجنود الجو في التاريخ
هناك العديد من النماذج العالمية سوف نختار منها عدداً قليلاً ونشير إليه فقط دون تفصيل كالآتي:
1- بعض العمليات التكتيكية:
لعل نموذج حرب الخليج الثانية مازال ماثلاً في الأذهان، والإبرار التكتيكي - كما قلنا من قبل - هو أهم آلية في يد القائد التكتيكي تمكنه من السرعة والحسم في تنفيذ مهمته ومن ثم ضمان نجاحها إلى حد بعيد، وكما ذكرنا، فإن هذه العمليات تمّت في مدى لايزيد عن عمق (50) كم، مثلما حدث مع فرق وفيالق قوات التحالف التي قامت بأعمال التطويق بعيد المدى من الاتجاه الغربي عام (1991م) للعمل ضد الأهداف الحيوية العراقية ومفارز مقدمة القوات العراقية لتثبيتها وتهيئة أنسب الظروف لتوجيه ضربات قوية لها بواسطة المفارز المدرعة والميكانيكية للفرق والفيالق الغربية، ولعل نموذج الخليج هو أفضل نموذج يتم طرحه في هذا المجال،
كما أن هناك عمليات مشابهة تمّت في حرب أكتوبر (73م) على أعماق مشابهة، وأكبر قليلاً تمت بواسطة عناصر الصاعقة لغلق المضايق والممرات في وجه القوات الإسرائيلية المدفوعة من الأنساق الثانيه لمعاونة أنساقها الأولى.
2- نموذج للعمليات التعبوية:
وهو عملية الإنزال الجوي (الإبرار الجوي) التي تمّت على الجانب الغربي لمسرح العمليات بواسطة القوات الفرنسية من الفرقة السادسة وجزء من الفرقة الرابعة المدرعة والتي تمّت لتأمين تقدم قوات الفيلق الثامن عشر وذلك لتطويق الكويت بالكامل والوصول إلى جنوب العراق في البصرة، وهذا النموذج يحتاج إلى دراسة منفصلة تماماً.
3- نماذج للعمليات الاستراتيجية:
- نموذج احتلال الألمان للنرويج عام (1940م).
- نموذج احتلال جزيرة كوين من جانب ألمانيا عام (1941م).
- نموذج نورماندى، وتمَّ التعرض له آنفاً.
- نموذج مرسيليا وهو إنزال كبير جداً بحري في الأساس ولكن دعمه إنزال مظلي في العمق وقد تم بعد إنزال نورماندى من جانب الحلفاء بشهر كامل لإحكام القبضة تماماً على (فون) باعتبارها المدخل الطبيعي لأوروبا.