المفهـــوم
يحسن بنا - ونحن في لجة من مخاضات أُذن لها أن تقلب الأوضاع العالمية رأسًا على عقب - استبعاد الافتعال والانفعال، وقصر الحديث على التناول الموضوعي والبحث المعرفي، بعيدًا عن صخب الخطابات التنصلية، ومآزق التزكية والتبرئة للذوات الممارسة للمبادئ، والانحاء باللائمة على الآخر، دون مصلحة أو برهان. ومتى اعتمدنا في تناولاتنا تبادل الاتهامات، وممارسة الإدانة والإقصاء، زدنا الوضع تعقيدًا والحلَّ استحالة، وانفض سامرنا بوضع أشد إبهامًا مما سلف.
ومؤتمر عالمي كهذا جدير بأن يجسر الفجوات، ويجفف المستنقعات. وأحسب أن أوضاع العالم المتوترة تستدعي الكلم الطيب، والقول السديد، والدفع بالتي هي أحسن استجابة لأمر الله(وقل لعبادي يقولو التي هي احسن)
ومتى كان التعايش السلمي ممكنا فإن المصير إلى ما سواه جناية بحق البشرية فوق أي أرض، وتحت أي سماء، وعلى أية ملة
التناول المعرفي السليم
ولما أن جاء في عنوان البحث مجموعة من المصطلحات والكلمات، اقتضى التناول المعرفي السليم تعريف كل مفردة بما يقربها إلى الطرف الآخر زلفى، فإذا استقرت في الأذهان أمكن النفاذ إلى صلب الإشكاليات، لتصورها أولًا، ثم اتخاذ أجدى الحلول وأهداها وأيسرها. ولأن لكل طائفة من الأناسي والمفكرين والساسة رؤيتها وموقفها ومرجعيتها، فإن من أوجب الواجبات استماع الرؤى والتصورات، ومحاولة التماس القواسم المشتركة والانطلاق منها. ومفردات العنوان تعريفية وإجرائية: [الإرهاب]، و[الانتماء] و[المواجهة] وهي حيازات دلالية وإجرائية تتداخل كالدوائر وتفترق كالمتوازيات. فما الإرهاب بوصفه ظاهرة؟ وما هو بوصفه فعلًا إجرائيًا يمس أطرافًا معينين، ويقوم به أطراف معينون، ويقع في ظل ظروف معينة؟ ثم ما الأسباب، وإلى أي فئة أو طرف ينتمي؟ وكيف نواجه هذه الظاهرة القديمة الحديثة؟ تساؤلات مشروعة يطرحها كل طالب حق بين يدي بحثه عنه، ومن أراد إطفاء لظى الفتن لزمه التحري والتحسس عن وجوه الالتقاء وهي ممكنة عندما يجنح الجميع إلى السلام لا إلى الاستسلام. وإشكالية المفهوم أنها مرتبطة بالأزمنة والأمكنة والأحوال والمنفذين والمتضررين. وحين تخترق هذه الإشكاليات المصطلح لا يكون جامعًا مانعًا، كذلك تضطرب أحوال المتجادلين حوله، بحيث يتعذر الخروج بمفهوم جمعي. ولكن اليأس لا يمنع من زحزحة المشكل ليقترب من فرصة الحوار، وقد يؤدي الحوار الحضاري إلى تنازلات جزئية، لا تمس جوهر المفاهيم، ولكنها توفر أرضية مشتركة، تقترب بالمفهوم من هامش الاتفاق أو التعاذر، وعندها تمتلك الأطراف المعنية فرصة الخلوص من دوامة الاختلاف المعمِّق للظاهرة. والإرهاب بوصفه ممارسة غير منتمية مسَّ العالم كله بالضر، وكل أمة معرضة لمزيد من الممارسات الإرهابية، ذلك أنه آلية لتصفية الحسابات بين الدول
والأحزاب والطوائف والأعراق والحضارات، حفَز إليه تعذر المواجهة العسكرية لحسم المواقف، وأسهمت في تشكله المفاهيم الخاطئة للحرية والحقوق وتداول السلطات وعمليات الإقصاء والمصادرة، وتلاحق الثورات الدموية، وإخفاق كل المشروعات الوحدوية والقومية والحزبية، وتجذر الانهزامية وخيبة الأمل.
1 دخول مصطلح الإرهاب أروقة الجمعيات والهيئات والمنظمات في وقت مبكر
لقد دخل مصطلح الإرهاب أروقة الجمعيات والهيئات والمنظمات في وقت مبكر، وشكلت له لجان في أعقاب كل [حرب كونية]. ومحاولة التماس بداية تاريخية له يعني الحصرية المرفوضة عقلًا وشرعًا وقانونًا. فالإرهاب بدأ مع بداية التجمع الإنساني، واستهله [قابيل] و [هابيل]، وقصة بسط اليد للقتل وكفها يعني أن هناك معتديًا ومعتدى عليه. ولسنا بصدد تحديد البدايات، وإنما نحن بصدد التماس المرحلة الواعية للمفهوم، أو قل مرحلة [الإرهاب] المنظم المواكب للمواجهة الجمعية مواجهة التفهم والحل. وأحسب أن اتفاقية عام 1937م المصوغة تحت رعاية [عصبة الأمم] هي ذروة النضج للحدث والمفهوم، وتبع ذلك إنشاء [المحكمة الجنائية] ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات والتوصيات وإنشاء المحاكم والمؤسسات للحيلولة دون الظلم أو التعدي ولما تكن تلك المؤسسات والهيئات قادرة على ممارسة مهماتها بل أصبحت في بعض الأحوال أداة طيعة للأقوى، بحيث أصبحت بفعلها محرضة على توتر الشعوب وغضبها، ومع تلاحق الأحداث غير المشروعة تنامت المواقف المضادة، ومنذ السبعينيات أصبح [الإرهاب] مصطلحًا حاضر المشاهد الإعلامية والسياسية.
ولقد ارتبطت الاتفاقيات والاهتمامات بأحداث ووقوعات، سماها المتضررون إرهابًا، فيما سماها المنفذون مقاومة مشروعة، ولربما كانت دورات [الأمم المتحدة] تنطوي ملفاتها على مزيد من الدراسات والتوصيات التي لم تُفعَّل، بسبب اقتضاء بعض المصالح حماية المنظمات الإرهابية باسم المعارضة المشروعة، وساعد على ذلك تفاقم المشكلات الإقليمية وتسلط السلطات، ولما أن كانت الدول الكبرى كـ [أمريكا] التي هي الأقدر على تفعيل التوصيات لم تعرها أي اهتمام، فقد رقدت على رفوف الهيئة، ومتى لم تتعرض دولة عظمى كـ [أمريكا] للإرهاب فإنها لن تلح في أمره، وحين لا ترمي بثقلها لا يكون للظواهر وزن ولا حضور. ولعل من دواعي تهميش قضية الإرهاب من قبل تناقض الآراء والمواقف، وتعدد المفاهيم، وحين اكتوت الدول المهيمنة، عدَّلت من مواقفها، حتى لقد تحولت المعارضة عندها إلى إرهاب، ولولا اكتواؤها لكان الإرهاب معارضة مشروعة.
وإذا لم نقل ما نعتقد وما نتصور ظل الحديث من باب اللغط الممل، وحين نعجب بأرائنا، وننفرد بالحل، ونصر عليه، نكون كمن سعى بطوعه لتعميق الخلاف. فالقول بأن الإرهاب معارضة، وتعمد مواطأة الإرهابيين وإيوائهم لتوافق فعلهم مع المصالح، وتعدد المواقف أمام الأعمال المتجانسة، والانحياز السلبي، وفرض الرأي بالقوة، كل ذلك مؤذن باتساع دائرة الإرهاب والاختلاف معًا. وإذ تختلف وجهات النظر حول المفاهيم، تختلف كذلك حول الأسباب وأساليب المواجهة. وحين تعرضت أمريكا لأبشع صور الإرهاب، أقبل الناس عليها يزفون، وتقبلوا مفهومها وأسلوب مقاومتها، حتى لقد طرحت أقسى مفهوم عرفته الإنسانية [من لم يكن معي فهو ضدي]. وليس الإرهاب بمفهومه المطلق قصرًا على التفجير، وإنما هو أبعد من ذلك، والمتتبع للاتفاقيات الدولية، يدرك أنه يطال الملاحة والمنصات والمطارات واحتجاز الرهائن وخطف الطائرات والقرصنة وتسريب المواد النووية والاغتيالات والتصفيات والخطف ومخالفة الاتفاقات الدولية. وأي تخويف تمارسه جماعة مسلحة تحت أي مطلب يعد إرهابًا. غير أن ممارسة التفجير للمنشآت طغت على بقية الأنواع الأخرى، ومن ثم دخل إطار الزمان والمكان والحدث، وانفصل عن مطلقيته. والإرهاب أنواع يتعدد بتعدد الظروف والأحوال، وقراؤه العدول يضعون قيمًا حكمية لهذه التعددية، فإذا حمي وطيس الحروب أو استشرى الظلم والقهر كان الإرهاب مخاض ظروف طبيعية، بمعنى أنه متوقع ومرتقب.
تشعب الحديث عن الإرهاب وانتشاره
وفي حمأة الجدل الصاخب لم يعد من نوافل القول بأن الحديث عن [الإرهاب] حديث طال وتشعب، واختلفت فيه الآراء، وتعددت المواقف، وتباينت المفاهيم، وقيل فيه وعنه ما لم يُقل في أي قضية أخرى، لقد شاع الحديث عنه بين سائر العلماء والمفكرين والساسة، ووسعته علوم الدين والإجرام والنفس والاجتماع والسياسة والقانون. وما من داخل في متاهته إلا وله فيه قول يحيل إلى مرجعية خاصة، وينطلق من ظروف خاصة، وتوجهه أنساق وسياقات خاصة، وفي ذلك ما فيه من مضاعفة الرعب والخوف، وكأننا في إرهاب الإرهاب. ولو صدق المهيمنون بالسلاح و [التكنولوجيا] مع أنفسهم ومع من حولهم من الأنداد، ومع سائر الشعوب المهمشة والأجناس والديانات المضطهدة لكان أن عرف الجميع الحق وتوفروا عليه، ثم لا يكون هناك إرهاب ولا سباق تسلح ولا هضم لحقوق ولا استعمار ولا احتلال ولا استيطان ولا إبادة ولا تفرقة بسبب عرق أو لون أو دين. وحين تملك المصالح و [الإستراتيجيات] حق إطلاق المصطلحات وتعريفها، ثم تتباين المصالح وتتعارض [الإستراتيجيات] يكون من حق المباين والمعارض أن يسك مصطلحاته، وأن يعطي مفاهيمه، أو يتلقى مصطلح الآخر، ويفرغه من محتواه، تمهيدًا لشحنه بمفهوم مغاير، وعند إذ يظل الخلاف والتنازع في نمو مطرد، وذلك ما يعانيه العالم حول مصطلح [الإرهاب].
يحسن بنا - ونحن في لجة من مخاضات أُذن لها أن تقلب الأوضاع العالمية رأسًا على عقب - استبعاد الافتعال والانفعال، وقصر الحديث على التناول الموضوعي والبحث المعرفي، بعيدًا عن صخب الخطابات التنصلية، ومآزق التزكية والتبرئة للذوات الممارسة للمبادئ، والانحاء باللائمة على الآخر، دون مصلحة أو برهان. ومتى اعتمدنا في تناولاتنا تبادل الاتهامات، وممارسة الإدانة والإقصاء، زدنا الوضع تعقيدًا والحلَّ استحالة، وانفض سامرنا بوضع أشد إبهامًا مما سلف.
ومؤتمر عالمي كهذا جدير بأن يجسر الفجوات، ويجفف المستنقعات. وأحسب أن أوضاع العالم المتوترة تستدعي الكلم الطيب، والقول السديد، والدفع بالتي هي أحسن استجابة لأمر الله(وقل لعبادي يقولو التي هي احسن)
ومتى كان التعايش السلمي ممكنا فإن المصير إلى ما سواه جناية بحق البشرية فوق أي أرض، وتحت أي سماء، وعلى أية ملة
التناول المعرفي السليم
ولما أن جاء في عنوان البحث مجموعة من المصطلحات والكلمات، اقتضى التناول المعرفي السليم تعريف كل مفردة بما يقربها إلى الطرف الآخر زلفى، فإذا استقرت في الأذهان أمكن النفاذ إلى صلب الإشكاليات، لتصورها أولًا، ثم اتخاذ أجدى الحلول وأهداها وأيسرها. ولأن لكل طائفة من الأناسي والمفكرين والساسة رؤيتها وموقفها ومرجعيتها، فإن من أوجب الواجبات استماع الرؤى والتصورات، ومحاولة التماس القواسم المشتركة والانطلاق منها. ومفردات العنوان تعريفية وإجرائية: [الإرهاب]، و[الانتماء] و[المواجهة] وهي حيازات دلالية وإجرائية تتداخل كالدوائر وتفترق كالمتوازيات. فما الإرهاب بوصفه ظاهرة؟ وما هو بوصفه فعلًا إجرائيًا يمس أطرافًا معينين، ويقوم به أطراف معينون، ويقع في ظل ظروف معينة؟ ثم ما الأسباب، وإلى أي فئة أو طرف ينتمي؟ وكيف نواجه هذه الظاهرة القديمة الحديثة؟ تساؤلات مشروعة يطرحها كل طالب حق بين يدي بحثه عنه، ومن أراد إطفاء لظى الفتن لزمه التحري والتحسس عن وجوه الالتقاء وهي ممكنة عندما يجنح الجميع إلى السلام لا إلى الاستسلام. وإشكالية المفهوم أنها مرتبطة بالأزمنة والأمكنة والأحوال والمنفذين والمتضررين. وحين تخترق هذه الإشكاليات المصطلح لا يكون جامعًا مانعًا، كذلك تضطرب أحوال المتجادلين حوله، بحيث يتعذر الخروج بمفهوم جمعي. ولكن اليأس لا يمنع من زحزحة المشكل ليقترب من فرصة الحوار، وقد يؤدي الحوار الحضاري إلى تنازلات جزئية، لا تمس جوهر المفاهيم، ولكنها توفر أرضية مشتركة، تقترب بالمفهوم من هامش الاتفاق أو التعاذر، وعندها تمتلك الأطراف المعنية فرصة الخلوص من دوامة الاختلاف المعمِّق للظاهرة. والإرهاب بوصفه ممارسة غير منتمية مسَّ العالم كله بالضر، وكل أمة معرضة لمزيد من الممارسات الإرهابية، ذلك أنه آلية لتصفية الحسابات بين الدول
والأحزاب والطوائف والأعراق والحضارات، حفَز إليه تعذر المواجهة العسكرية لحسم المواقف، وأسهمت في تشكله المفاهيم الخاطئة للحرية والحقوق وتداول السلطات وعمليات الإقصاء والمصادرة، وتلاحق الثورات الدموية، وإخفاق كل المشروعات الوحدوية والقومية والحزبية، وتجذر الانهزامية وخيبة الأمل.
1 دخول مصطلح الإرهاب أروقة الجمعيات والهيئات والمنظمات في وقت مبكر
لقد دخل مصطلح الإرهاب أروقة الجمعيات والهيئات والمنظمات في وقت مبكر، وشكلت له لجان في أعقاب كل [حرب كونية]. ومحاولة التماس بداية تاريخية له يعني الحصرية المرفوضة عقلًا وشرعًا وقانونًا. فالإرهاب بدأ مع بداية التجمع الإنساني، واستهله [قابيل] و [هابيل]، وقصة بسط اليد للقتل وكفها يعني أن هناك معتديًا ومعتدى عليه. ولسنا بصدد تحديد البدايات، وإنما نحن بصدد التماس المرحلة الواعية للمفهوم، أو قل مرحلة [الإرهاب] المنظم المواكب للمواجهة الجمعية مواجهة التفهم والحل. وأحسب أن اتفاقية عام 1937م المصوغة تحت رعاية [عصبة الأمم] هي ذروة النضج للحدث والمفهوم، وتبع ذلك إنشاء [المحكمة الجنائية] ثم توالت بعد ذلك المؤتمرات والتوصيات وإنشاء المحاكم والمؤسسات للحيلولة دون الظلم أو التعدي ولما تكن تلك المؤسسات والهيئات قادرة على ممارسة مهماتها بل أصبحت في بعض الأحوال أداة طيعة للأقوى، بحيث أصبحت بفعلها محرضة على توتر الشعوب وغضبها، ومع تلاحق الأحداث غير المشروعة تنامت المواقف المضادة، ومنذ السبعينيات أصبح [الإرهاب] مصطلحًا حاضر المشاهد الإعلامية والسياسية.
ولقد ارتبطت الاتفاقيات والاهتمامات بأحداث ووقوعات، سماها المتضررون إرهابًا، فيما سماها المنفذون مقاومة مشروعة، ولربما كانت دورات [الأمم المتحدة] تنطوي ملفاتها على مزيد من الدراسات والتوصيات التي لم تُفعَّل، بسبب اقتضاء بعض المصالح حماية المنظمات الإرهابية باسم المعارضة المشروعة، وساعد على ذلك تفاقم المشكلات الإقليمية وتسلط السلطات، ولما أن كانت الدول الكبرى كـ [أمريكا] التي هي الأقدر على تفعيل التوصيات لم تعرها أي اهتمام، فقد رقدت على رفوف الهيئة، ومتى لم تتعرض دولة عظمى كـ [أمريكا] للإرهاب فإنها لن تلح في أمره، وحين لا ترمي بثقلها لا يكون للظواهر وزن ولا حضور. ولعل من دواعي تهميش قضية الإرهاب من قبل تناقض الآراء والمواقف، وتعدد المفاهيم، وحين اكتوت الدول المهيمنة، عدَّلت من مواقفها، حتى لقد تحولت المعارضة عندها إلى إرهاب، ولولا اكتواؤها لكان الإرهاب معارضة مشروعة.
وإذا لم نقل ما نعتقد وما نتصور ظل الحديث من باب اللغط الممل، وحين نعجب بأرائنا، وننفرد بالحل، ونصر عليه، نكون كمن سعى بطوعه لتعميق الخلاف. فالقول بأن الإرهاب معارضة، وتعمد مواطأة الإرهابيين وإيوائهم لتوافق فعلهم مع المصالح، وتعدد المواقف أمام الأعمال المتجانسة، والانحياز السلبي، وفرض الرأي بالقوة، كل ذلك مؤذن باتساع دائرة الإرهاب والاختلاف معًا. وإذ تختلف وجهات النظر حول المفاهيم، تختلف كذلك حول الأسباب وأساليب المواجهة. وحين تعرضت أمريكا لأبشع صور الإرهاب، أقبل الناس عليها يزفون، وتقبلوا مفهومها وأسلوب مقاومتها، حتى لقد طرحت أقسى مفهوم عرفته الإنسانية [من لم يكن معي فهو ضدي]. وليس الإرهاب بمفهومه المطلق قصرًا على التفجير، وإنما هو أبعد من ذلك، والمتتبع للاتفاقيات الدولية، يدرك أنه يطال الملاحة والمنصات والمطارات واحتجاز الرهائن وخطف الطائرات والقرصنة وتسريب المواد النووية والاغتيالات والتصفيات والخطف ومخالفة الاتفاقات الدولية. وأي تخويف تمارسه جماعة مسلحة تحت أي مطلب يعد إرهابًا. غير أن ممارسة التفجير للمنشآت طغت على بقية الأنواع الأخرى، ومن ثم دخل إطار الزمان والمكان والحدث، وانفصل عن مطلقيته. والإرهاب أنواع يتعدد بتعدد الظروف والأحوال، وقراؤه العدول يضعون قيمًا حكمية لهذه التعددية، فإذا حمي وطيس الحروب أو استشرى الظلم والقهر كان الإرهاب مخاض ظروف طبيعية، بمعنى أنه متوقع ومرتقب.
تشعب الحديث عن الإرهاب وانتشاره
وفي حمأة الجدل الصاخب لم يعد من نوافل القول بأن الحديث عن [الإرهاب] حديث طال وتشعب، واختلفت فيه الآراء، وتعددت المواقف، وتباينت المفاهيم، وقيل فيه وعنه ما لم يُقل في أي قضية أخرى، لقد شاع الحديث عنه بين سائر العلماء والمفكرين والساسة، ووسعته علوم الدين والإجرام والنفس والاجتماع والسياسة والقانون. وما من داخل في متاهته إلا وله فيه قول يحيل إلى مرجعية خاصة، وينطلق من ظروف خاصة، وتوجهه أنساق وسياقات خاصة، وفي ذلك ما فيه من مضاعفة الرعب والخوف، وكأننا في إرهاب الإرهاب. ولو صدق المهيمنون بالسلاح و [التكنولوجيا] مع أنفسهم ومع من حولهم من الأنداد، ومع سائر الشعوب المهمشة والأجناس والديانات المضطهدة لكان أن عرف الجميع الحق وتوفروا عليه، ثم لا يكون هناك إرهاب ولا سباق تسلح ولا هضم لحقوق ولا استعمار ولا احتلال ولا استيطان ولا إبادة ولا تفرقة بسبب عرق أو لون أو دين. وحين تملك المصالح و [الإستراتيجيات] حق إطلاق المصطلحات وتعريفها، ثم تتباين المصالح وتتعارض [الإستراتيجيات] يكون من حق المباين والمعارض أن يسك مصطلحاته، وأن يعطي مفاهيمه، أو يتلقى مصطلح الآخر، ويفرغه من محتواه، تمهيدًا لشحنه بمفهوم مغاير، وعند إذ يظل الخلاف والتنازع في نمو مطرد، وذلك ما يعانيه العالم حول مصطلح [الإرهاب].
التعديل الأخير: