"حكاية الطَّيِّب والأشرار".. كواليس ما يحدث بين مشيخة الأزهر ومؤسسات الدولة المصرية
حالة الوجوم التي بدا فيها شيخ الأزهر في مرات ظهوره الأخيرة تتزامن مع الحديث عن خلافات بينه وبين المؤسسات الدينية ومؤسسات رسمية مصرية أخرى، إضافة إلى وسائل الإعلام، مع صراع معلن حيناً أو خفي في أحيان أخرى مع تلك الأطراف.
في هذا الموضوع نحكي كواليس الخلافات بين شيخ الأزهر ومؤسسات عديدة، بعضها ينشر لأول مرة، ونرصد فيه عبر مصادر مختلفة قريبة من جبهة أحمد الطيب والمشيخة توتر العلاقات بينه وبين المؤسسات الأخرى.
داخل جامعة الأزهر
تبدأ هذه الخلافات داخل جامعة الأزهر نفسها، التي كان الطيب رئيسها السابق حتى توليه منصب المشيخة في مارس/آذار 2010، وتشكل مراكز القوى المعارضة له داخل الجامعة أحد أهم محاور الصراع، خاصة بعد أن سحب عبد الفتاح السيسي ملف "تجديد الخطاب الديني" من شيخ الأزهر وأسنده لمستشاره للشؤون الدينية أسامة السيد الأزهري، وأعلن الرئيس في أكثر من مناسبة عن امتعاضه من عدم استجابة الأزهر لدعوته "التجديدية".
وذكر مصدر قريب من المشيخة أن السيسي لا يكتفي بفكرة "تجديد الخطاب الديني" التي يتحدث عنها الطيب دوماً، وإنما تحويل مهمة الأزهر لمواجهة ما يعتبره السيسي "مواجهة التفكير والتطرف والتشدد الديني"، ويشترك مع الأزهري في هذا الملف كل من علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، وأسامة العبد رئيس جامعة الأزهر السابق ورئيس اللجنة الدينية في مجلس النواب الحالي، وشوقي علام المفتي الحالي للجمهورية، وهم جميعاً يُعتبَرون من الجبهة المناوئة للطيّب داخل الأزهر.
وكان الطيّب قد قام بتعيين إبراهيم الهدهد، أستاذ اللغة العربية رئيساً لجامعة الأزهر خلفاً لعبد الحي عزب، الذي استقال (فيما يشبه الإقالة) نهاية 2015، وكان معروفاً بقربه من الأجهزة السيادية على حساب علاقته مع المشيخة، خاصة بعد إقالته لشخصية مقربة من الطيب، وهو محمود شعيب الأمين العام للجامعة، لشبهة تتعلق بالفساد رغم أن هذه التهمة تطال شخصيات مختلفة منهم عزب نفسه، لكن الرئاسة المصرية رفضت اعتماد الهدهد لرئاسة الجامعة رغم عدم الاعتراض الأمني عليه، ومواقفه السياسية الداعمة للسيسي والمعادية للإخوان داخل الجامعة، لكنه لا يزال حتى الآن يحتفظ بصفة "القائم بأعمال رئيس الجامعة" التي تعاني من فراغ في منصبها الأرفع للسنة الثانية على التوالي، ورفضت الرئاسة كذلك أسماء أخرى بديلة مرشحة لمنصب رئيس الجامعة، لكونهم "محسوبين على الشيخ، ولن يتعاونوا مع مؤسسات الدولة بدرجة كافية".
رفضت المشيخة تعليق الدراسة في جامعة الأزهر وغلقها، وهو المطلب الأمني الذي ألحَّت عليه الداخلية لعدم قدرتها على السيطرة على مظاهرات طلاب التيار الإسلامي والمعارضين للانقلاب داخل الجامعة، لكن الشيخ لم يُعلق على اقتحام الأمن المتكرر لحرم الجامعة، وحتى قتل واعتقال طلاب متظاهرين داخل ساحة الجامعة، ورغم ذلك لا تزال شخصيات أمنية بارزة تذكر له موقفه الرافض لغلق الجامعة، وتعتبره خذلاناً لها.
رابطة خريجي الأزهر
مصدر مقرب من المشيخة، وداعم لشيخ الأزهر ضد خصومه في الجامعة، قال إن "الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف" هي أحد محاور الخلاف الرئيسية بين الشيخ وخصومه داخل الجامعة، إذ تدعم أجهزة سيادية أنشطة الرابطة في الجامعة ومحافظات مصر، وتقوم بالتعاون مع الخارجية المصرية بإرسال وفود منها للخارج في برامج تهدف لدعم موقف السيسي ونظام الحكم، والتأكيد على أن الدولة المصرية "تخوض حرباً ضد الإرهاب والتشدد الإسلامي".
وحسب مصدر مطلع على أنشطة الرابطة أنها تقوم بتنظيم فعاليات تضم هيئة التدريس والهيئة المعاونة، عبر ترشيح أفراد "جيدين" للمشاركة المجتمعية، على ألا تكون لهم خلفية سياسية معارضة، وعقدوا عدة مخيمات كان أحدها في معسكر أبي بكر الصديق التابع للأوقاف، ويأخذون دورات قد تطول لأسابيع تتخللها تقييمات ومتابعات يتم خلالها اختيار عدد قليل منهم لأخذ دورات في "كلية القادة والأركان"، التابعة للجيش، تحاضر فيها قيادات عسكرية ولواءات جيش.
أحد المشاركين في محاضرات كلية الأركان قال لـ"هافينغتون بوست عربي" إن لواءات الجيش يتحدثون عن الأزهر بطريقة عدائية، قائلين إن "الأزهر مفرخة الإرهاب والتطرف"، وإن "الإسلام السياسي والجهادي يستقي أفكاره من مناهج الأزهر"، وسيتم "التعامل مع الأزهر بكل قوة وحسم قريباً"، منتقدين تخاذل شيخ الأزهر وسلبيته وصمته عن "حرب الدولة ضد الإرهاب والمخاطر التي تتهددها".
وأكمل المصدر أن لواءات بكلية الأركان انتقدوا بشدة مناهج الأزهر، وما تحتوي عليه من "خرافات ودجل"، بما في ذلك كتب الأحاديث والسنة النبوية، وهو ما كاد أن يُحدِث مشكلة بين أزهريين وأحد اللواءات، لاعتراضهم على تجرؤ اللواء في محاضرته على كتب الحديث والسنة.
يأخذ الخلاف أيضاً قضايا نظرية، منها تعديل المناهج الأزهرية. أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة قال إن وكيل جامعة الأزهر صرح للإعلام بأن المناهج سيتم تعديلها كل ثلاث سنوات، استجابة لدعوة الرئيس في التجديد الديني، ويشمل ذلك المراحل الدراسية المختلفة، ففي الإعدادية تم دمج المواد الشرعية السيرة والحديث والتفسير في مادة واحدة صغيرة، وفي الدراسات العليا بكلية أصول الدين تقلصت مواد أحد الأقسام من 24 مادة في سنتي التحضير للماجستير إلى 10 مواد فقط، فضلاً عن خطط مناهج جديدة يتم تطبيقها أحياناً تحت لافتة الجودة وتطوير المناهج، من أجل الحصول على الاعتماد ومسايرة المعايير العالمية، وهو ما يلقَى معارضة شديدة من هيئة التدريس، التي تعاني من التدخلات الأمنية في عملها الأكاديمي، بما في ذلك مراجعة عناوين رسائل الماجستير والدكتوراة قبل عرضها على مجالس الكليات الأكاديمية نفسها!، ووصل الأمر لإغلاق قسم "السياسة الشرعية" في كلية الشريعة والقانون، والتضييق على أقسام العقيدة والأديان والمذاهب الفكرية الحديثة بشكل خاص.
وشملت الإجراءات الأمنية إلغاءَ الرسائل الجامعية والخطط البحثية المقدمة إليه بعد البدء فيها، ومنع الأقسام المختلفة من مناقشة قضايا سياسية أو حتى فكرية تمس السياسة مثل دراسات العلمانية، وحكى المصدر قصصاً لطلاب دراسات عليا تم إيقاف دراستهم بعد سنوات طويلة من البحث الأكاديمي، بسبب التدخل الأمني في محتوى وعناوين الرسائل واعتراضه على بعض نتائجها، وأوقفت كل الرسائل الجامعية في الدراسات العليا بكلية الدعوة الإسلامية بالجامعة لمدة سنة كاملة، وخلال هذه السنة تمت مراجعة كل الخطط البحثية والرسائل واتخاذ "الإجراءات المناسبة" في التعامل معها.
في المقابل يذكر أحد المصادر القريبة من المشيخة والمؤيد لمواقفها، أن الطيّب يحظى بشعبية بين الطلاب والأساتذة في الجامعة، وخاصة مع تداول المواقف عن عدم تورطه في فساد مالي، واحتراماً لمكانته العلمية، وحتى لكونه ابن إمام المالكية في مصر ورئيس طريقة صوفية، وعنايته بالفلسفة وتفوقه فيها، وفي مقابل خصوم المشيخة يحرص الطيب على انتقاء مجموعة من طلاب الجامعة وهيئة التدريس والهيئة المعاونة ويقربهم من المشيخة، ويحرص على تقديمهم للخطابة في الجامع الأزهر، وتمثيل المشيخة في مؤتمرات خارجية أو مرافقة الشيخ في جولاته الدولية، محاولاً خلق قاعدة تأييد له في مقابل التيار المناوئ له، الذي يطلق عليهم "أولاد الشيخ" لقربهم منه.
في وزارة الأوقاف
بعد أسبوعين من بيان السيسي في 3 يوليو/تموز تم تعيين مختار جمعة وزيراً للأوقاف بتوصية من الطيب نفسه، الذي عينه أيضاً عضواً في مكتبه الفني، لكن الخلاف سرعان ما تصاعد بين الرجلين، خاصة بعد مزايدة وزير الأوقاف على شيخ الأزهر بموقفه الحاسم من الإخوان في مقابل "أخونة المشيخة"، على حد تعبيره، وعلى إثر ذلك استبعده الطيب من مكتبه الفني، وعيَّن وكيل الأزهر عباس شومان بدلاً منه، فردَّ وزير الأوقاف بعزل الأخير من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين ولجنة الدراسات الفقهية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وغاب شيخ الأزهر بعدها عن مؤتمرات لوزارة الأوقاف حتى تدخل رئيس الوزراء حينها إبراهيم محلب للصلح بينهما، ورغم ذلك استمرت الأزمة مع تنافس المشيخة والوزارة في المؤتمرات ضد الإرهاب وتجديد الخطاب الديني دون تنسيق بينهما.
ثم جاءت أزمة الخطبة المكتوبة الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف، ورفضتها المشيخة لتفجر خلافاً كبيراً كان طي الكتمان بين المؤسستين والرجلين، واتخذ أشكالاً إعلامية وإدارية وصراعات نفوذ بين المؤسسات الثلاث الدينية في مصر "الأزهر والإفتاء والأوقاف"، وسط اتهامات متبادلة بالفساد حقق في بعضها الجهاز المركزي للمحاسبات، ولم تعد نقاط الخلاف بين الطيب ومختار جمعة خافية بعدها.
ورصدت "هافينغتون بوست عربي" في تقريرها المبكر "الخطبة المكتوبة.. تسقط القناع عن الحرب الخفيّة بين الأوقاف والأزهر" نهاية شهر يوليو/تموز الماضي تفاصيل هذا الخلاف بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف.
الطيّب والإعلام
شنَّت وسائل إعلام مصرية حملةً هجومية على شيخ الأزهر في أعقاب الانتقادات العلنية التي وجَّهها السيسي له، وشملت الحملة صحفيين وكتاباً، وحتى شخصيات أزهرية، أبرزها الدكتور أسامة الأزهري الذي كتب مقالاً في جريدة الأهرام الحكومية انتقد فيه تراجع المشيخة وعدم استجابتها لمطالب السيسي حول تغيير الخطاب الديني، وتخلفه عن مستوى الخطورة التي تحيط بالوطن، ووجه كُتاب مقالات وإعلاميون بارزون في قنوات مصرية اتهاماتٍ صريحة لشيخ الأزهر، شملت إحداها وعيداً صريحاً من رئيس تحرير صحيفة الدستور للطيب إذا لم يستقِل!.
ورصدت "هافينغتون بوست عربي" تفاصيل الهجمة الإعلامية على شيخ الأزهر في تقريرها التالي:
"تعبتني يا فضيلة الإمام".. تبعها هجومٌ إعلامي ضدَّ شيخ الأزهر.. إليك سرّ الحملة العنيفة"
ومؤخراً نشرت صحيفة الوطن تقريراً يهاجم الطيب بشدة، معتبرةً أن رجاله يخوضون معركة فتنة على طريقة "الإخوان"
المشيخة ومؤسسة الرئاسة
على الرغم من مشاركة شيخ الأزهر في مشهد 3 يوليو/تموز مع السيسي والكنيسة وشخصيات سياسية فإن الخلافات بدأت بالبيان الذي أصدره الطيب بعد ساعات من "فض رابعة"، وأعلن فيه رفضه لإراقة دماء الأبرياء، وتمسُّكه بحل الأزمة سلمياً، ثم اعتكافه بعدها في مسقط رأسه بالأقصر.
ورفض الطيب إصدار فتوى بتكفير داعش والنصرة، مخالفاً لتوجه النظام، ورغم مشاركته في مؤتمر أهل السنة في الشيشان في أغسطس/آب الماضي فإنه عاد وأعلن تعرضه للتضليل.
وأصدر الطيب بياناً في مارس/آذار الماضي، أدان فيه "المجازر التي ترتكب ضد أهل السنة" على يد ميليشيات شيعية متطرفة في العراق، وأثار البيان استهجان الحكومة العراقية، التي استدعت السفير المصري وسلمته احتجاجاً، أجرى في إثره السيسي اتصالاً تليفونياً بالرئيس العراقي، لكن الطيب لم يتراجع عن موقفه رغم تردد أنباء أن الرئاسة المصرية طلبت منه ذلك، وقرر الطيّب تشكيل لجنة.
وفي ذروة حماسة الحكومة المصرية لقرض صندوق النقد الدولي، جاء حديث شيخ الأزهر خلال كلمته في افتتاح مؤتمر "من هم أهل السنة" على النقيض، منتقداً سياسات العولمة والأنظمة الاستعمارية التي تتخذ من أجساد العرب والمسلمين وأشلائهم فئران تجارب دموية "وإفقار العالم الشرقي وإحكام السيطرة على مفاصل دوله، من خلال منظمات عالمية وبنوك دولية وقروض مجحفة".
وعلى الرغم أن الطيب كان عضواً بلجنة السياسات بالحزب الوطني وقريباً من الرئيس السابق حسني مبارك، لكن علاقته بالرئاسة الحالية تمر بتوتر، خاصة بسبب قضية تجديد الخطاب الديني وتعديل المناهج، التي تشكل محوراً أساسياً للخلاف بين الطيب والسيسي، خاصة مع عدم قدرة الأخير على عزله لحصانته الدستورية.
ورغم أن الطيب استعرض للرئيس السيسي الجهود التي قام بها الأزهر لتجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف في الداخل والخارج وجولات الطيب الخارجية، لكن الرئاسة المصرية أبدت عدم رضاها عن أداء المشيخة، خاصة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي، ولمحت شخصيات قريبة من الرئاسة لوجود بدائل لخلافة الطيب في منصبه، منها علي جمعة وأسامة الأزهري -مستشار السيسي للشؤون الدينية- الذي أصدر الشيخ قراراً بمنع استضافته في فعاليات الأزهر الشريف، رغم أنه يشارك معه في مجلس حكماء المسلمين ومقره أبو ظبي الذي يترأسه الطيب نفسه.
وكشفت عبارات وجهها السيسي للطيب في مناسبات مختلفة التوتر بين الرجلين، إذ قال السيسي "إنت تعبتني يا فضيلة الإمام"، "فضيلة الإمام كل ما بشوفه بقول له إنت بتعذبني"، "سأحاججكم أمام الله"، ودعا السيسي لما سماه "ثورة دينية" بالتجديد الديني وتطوير الخطاب، وهو ما يبدو أن مفهومه مختلف عند شيخ الأزهر.
آخر الأزمات بين المشيخة والرئاسة كانت مسألة "الطلاق الشفوي"، حيث طلب السيسي من الطيب خلال احتفالات عيد الشرطة النظر في قانون ينظم الطلاق، بحيث لا يُعتد بالطلاق الشفوي، وهو ما استنكرته بعد أيام هيئة كبار العلماء في الأزهر، مشددة على رفض إقرار وقوع الطلاق الشفوي في بيان حاسم، ختمته بالقول على مَن "يتساهلون" في فتاوى الطلاق… أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس، ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم"، وجدير بالذكر أن الطيب كان قد دعا المتظاهرين في التحرير أثناء ثورة يناير للعودة لبيوتهم، معتبراً أن "المظاهرات بهذا الشكل حرام شرعاً".
ماذا يحدث داخل المشيخة؟
ويشكل أسامة الأزهري وعلي جمعة مفتي الجمهورية السابق بديلين محتملين يمكن أن يخلف أحدهما أحمد الطيّب في منصب المشيخة، رغم كون منصبه محصناً دستورياً من العزل، وأسامة الأزهري هو وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، ويحرص السيسي على تقديمه في الإمامة في عدة صلوات جماعية، مما بدا إشارة من السيسي لعدم رضاه عن المشيخة الحالية، ويقف أمام الأزهري كونه لم ينل درجة الأستاذية في كلية أصول الدين بعد، وصغر سنه الذي يبلغ 41 سنة فقط، وذكر مصدر قريب من علي جمعة أن الأخير أقنع السيسي أنه من آل البيت الأشراف، وأنه رأى رؤى ومنامات تدعم مواقفه، وأن السيسي تأثر بهذا الأمر كثيراً، وقرب علي جمعة منه، ولكن كون تعليمه الجامعي الأساسي كان في تخصص "التجارة" وليس أحد الأقسام الشرعية، يجعل فرصته في الجلوس على كرسي المشيخة صعبة، رغم أنه نجح في الوصول لمنصب عضو بهيئة كبار العلماء، ولاقى ذلك استنكار للعرف الأزهري السائد، وكذلك مختار جمعة وزير الأوقاف المتخصص بالأساس في علوم اللغة العربية، وليس الدراسات الشرعية الأزهرية.
وتستمر مع ذلك الحملة الإعلامية ضد أحمد الطيب، وكان من أبرزها مقال لرئيس تحرير صحيفة الدستور بعنوان "لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر"، طالب فيه الباز الدكتور الطيب بالاستقالة، متوعداً إياه صراحة بقوله "افعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت"، ودعاه ألا يدخل نفسه في "صراع سياسي أكبر منه، وساعتها ستزل قدمه، ولن يجد وقتها مَن يغيثه أو ينصره".
http://www.huffpostarabi.com/2017/02/14/story_n_14742972.html?utm_hp_ref=arabi&utm_hp_ref=arabi
حالة الوجوم التي بدا فيها شيخ الأزهر في مرات ظهوره الأخيرة تتزامن مع الحديث عن خلافات بينه وبين المؤسسات الدينية ومؤسسات رسمية مصرية أخرى، إضافة إلى وسائل الإعلام، مع صراع معلن حيناً أو خفي في أحيان أخرى مع تلك الأطراف.
في هذا الموضوع نحكي كواليس الخلافات بين شيخ الأزهر ومؤسسات عديدة، بعضها ينشر لأول مرة، ونرصد فيه عبر مصادر مختلفة قريبة من جبهة أحمد الطيب والمشيخة توتر العلاقات بينه وبين المؤسسات الأخرى.
داخل جامعة الأزهر
تبدأ هذه الخلافات داخل جامعة الأزهر نفسها، التي كان الطيب رئيسها السابق حتى توليه منصب المشيخة في مارس/آذار 2010، وتشكل مراكز القوى المعارضة له داخل الجامعة أحد أهم محاور الصراع، خاصة بعد أن سحب عبد الفتاح السيسي ملف "تجديد الخطاب الديني" من شيخ الأزهر وأسنده لمستشاره للشؤون الدينية أسامة السيد الأزهري، وأعلن الرئيس في أكثر من مناسبة عن امتعاضه من عدم استجابة الأزهر لدعوته "التجديدية".
وذكر مصدر قريب من المشيخة أن السيسي لا يكتفي بفكرة "تجديد الخطاب الديني" التي يتحدث عنها الطيب دوماً، وإنما تحويل مهمة الأزهر لمواجهة ما يعتبره السيسي "مواجهة التفكير والتطرف والتشدد الديني"، ويشترك مع الأزهري في هذا الملف كل من علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق، وأسامة العبد رئيس جامعة الأزهر السابق ورئيس اللجنة الدينية في مجلس النواب الحالي، وشوقي علام المفتي الحالي للجمهورية، وهم جميعاً يُعتبَرون من الجبهة المناوئة للطيّب داخل الأزهر.
وكان الطيّب قد قام بتعيين إبراهيم الهدهد، أستاذ اللغة العربية رئيساً لجامعة الأزهر خلفاً لعبد الحي عزب، الذي استقال (فيما يشبه الإقالة) نهاية 2015، وكان معروفاً بقربه من الأجهزة السيادية على حساب علاقته مع المشيخة، خاصة بعد إقالته لشخصية مقربة من الطيب، وهو محمود شعيب الأمين العام للجامعة، لشبهة تتعلق بالفساد رغم أن هذه التهمة تطال شخصيات مختلفة منهم عزب نفسه، لكن الرئاسة المصرية رفضت اعتماد الهدهد لرئاسة الجامعة رغم عدم الاعتراض الأمني عليه، ومواقفه السياسية الداعمة للسيسي والمعادية للإخوان داخل الجامعة، لكنه لا يزال حتى الآن يحتفظ بصفة "القائم بأعمال رئيس الجامعة" التي تعاني من فراغ في منصبها الأرفع للسنة الثانية على التوالي، ورفضت الرئاسة كذلك أسماء أخرى بديلة مرشحة لمنصب رئيس الجامعة، لكونهم "محسوبين على الشيخ، ولن يتعاونوا مع مؤسسات الدولة بدرجة كافية".
رفضت المشيخة تعليق الدراسة في جامعة الأزهر وغلقها، وهو المطلب الأمني الذي ألحَّت عليه الداخلية لعدم قدرتها على السيطرة على مظاهرات طلاب التيار الإسلامي والمعارضين للانقلاب داخل الجامعة، لكن الشيخ لم يُعلق على اقتحام الأمن المتكرر لحرم الجامعة، وحتى قتل واعتقال طلاب متظاهرين داخل ساحة الجامعة، ورغم ذلك لا تزال شخصيات أمنية بارزة تذكر له موقفه الرافض لغلق الجامعة، وتعتبره خذلاناً لها.
رابطة خريجي الأزهر
مصدر مقرب من المشيخة، وداعم لشيخ الأزهر ضد خصومه في الجامعة، قال إن "الرابطة العالمية لخريجي الأزهر الشريف" هي أحد محاور الخلاف الرئيسية بين الشيخ وخصومه داخل الجامعة، إذ تدعم أجهزة سيادية أنشطة الرابطة في الجامعة ومحافظات مصر، وتقوم بالتعاون مع الخارجية المصرية بإرسال وفود منها للخارج في برامج تهدف لدعم موقف السيسي ونظام الحكم، والتأكيد على أن الدولة المصرية "تخوض حرباً ضد الإرهاب والتشدد الإسلامي".
وحسب مصدر مطلع على أنشطة الرابطة أنها تقوم بتنظيم فعاليات تضم هيئة التدريس والهيئة المعاونة، عبر ترشيح أفراد "جيدين" للمشاركة المجتمعية، على ألا تكون لهم خلفية سياسية معارضة، وعقدوا عدة مخيمات كان أحدها في معسكر أبي بكر الصديق التابع للأوقاف، ويأخذون دورات قد تطول لأسابيع تتخللها تقييمات ومتابعات يتم خلالها اختيار عدد قليل منهم لأخذ دورات في "كلية القادة والأركان"، التابعة للجيش، تحاضر فيها قيادات عسكرية ولواءات جيش.
أحد المشاركين في محاضرات كلية الأركان قال لـ"هافينغتون بوست عربي" إن لواءات الجيش يتحدثون عن الأزهر بطريقة عدائية، قائلين إن "الأزهر مفرخة الإرهاب والتطرف"، وإن "الإسلام السياسي والجهادي يستقي أفكاره من مناهج الأزهر"، وسيتم "التعامل مع الأزهر بكل قوة وحسم قريباً"، منتقدين تخاذل شيخ الأزهر وسلبيته وصمته عن "حرب الدولة ضد الإرهاب والمخاطر التي تتهددها".
وأكمل المصدر أن لواءات بكلية الأركان انتقدوا بشدة مناهج الأزهر، وما تحتوي عليه من "خرافات ودجل"، بما في ذلك كتب الأحاديث والسنة النبوية، وهو ما كاد أن يُحدِث مشكلة بين أزهريين وأحد اللواءات، لاعتراضهم على تجرؤ اللواء في محاضرته على كتب الحديث والسنة.
يأخذ الخلاف أيضاً قضايا نظرية، منها تعديل المناهج الأزهرية. أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة قال إن وكيل جامعة الأزهر صرح للإعلام بأن المناهج سيتم تعديلها كل ثلاث سنوات، استجابة لدعوة الرئيس في التجديد الديني، ويشمل ذلك المراحل الدراسية المختلفة، ففي الإعدادية تم دمج المواد الشرعية السيرة والحديث والتفسير في مادة واحدة صغيرة، وفي الدراسات العليا بكلية أصول الدين تقلصت مواد أحد الأقسام من 24 مادة في سنتي التحضير للماجستير إلى 10 مواد فقط، فضلاً عن خطط مناهج جديدة يتم تطبيقها أحياناً تحت لافتة الجودة وتطوير المناهج، من أجل الحصول على الاعتماد ومسايرة المعايير العالمية، وهو ما يلقَى معارضة شديدة من هيئة التدريس، التي تعاني من التدخلات الأمنية في عملها الأكاديمي، بما في ذلك مراجعة عناوين رسائل الماجستير والدكتوراة قبل عرضها على مجالس الكليات الأكاديمية نفسها!، ووصل الأمر لإغلاق قسم "السياسة الشرعية" في كلية الشريعة والقانون، والتضييق على أقسام العقيدة والأديان والمذاهب الفكرية الحديثة بشكل خاص.
وشملت الإجراءات الأمنية إلغاءَ الرسائل الجامعية والخطط البحثية المقدمة إليه بعد البدء فيها، ومنع الأقسام المختلفة من مناقشة قضايا سياسية أو حتى فكرية تمس السياسة مثل دراسات العلمانية، وحكى المصدر قصصاً لطلاب دراسات عليا تم إيقاف دراستهم بعد سنوات طويلة من البحث الأكاديمي، بسبب التدخل الأمني في محتوى وعناوين الرسائل واعتراضه على بعض نتائجها، وأوقفت كل الرسائل الجامعية في الدراسات العليا بكلية الدعوة الإسلامية بالجامعة لمدة سنة كاملة، وخلال هذه السنة تمت مراجعة كل الخطط البحثية والرسائل واتخاذ "الإجراءات المناسبة" في التعامل معها.
في المقابل يذكر أحد المصادر القريبة من المشيخة والمؤيد لمواقفها، أن الطيّب يحظى بشعبية بين الطلاب والأساتذة في الجامعة، وخاصة مع تداول المواقف عن عدم تورطه في فساد مالي، واحتراماً لمكانته العلمية، وحتى لكونه ابن إمام المالكية في مصر ورئيس طريقة صوفية، وعنايته بالفلسفة وتفوقه فيها، وفي مقابل خصوم المشيخة يحرص الطيب على انتقاء مجموعة من طلاب الجامعة وهيئة التدريس والهيئة المعاونة ويقربهم من المشيخة، ويحرص على تقديمهم للخطابة في الجامع الأزهر، وتمثيل المشيخة في مؤتمرات خارجية أو مرافقة الشيخ في جولاته الدولية، محاولاً خلق قاعدة تأييد له في مقابل التيار المناوئ له، الذي يطلق عليهم "أولاد الشيخ" لقربهم منه.
في وزارة الأوقاف
بعد أسبوعين من بيان السيسي في 3 يوليو/تموز تم تعيين مختار جمعة وزيراً للأوقاف بتوصية من الطيب نفسه، الذي عينه أيضاً عضواً في مكتبه الفني، لكن الخلاف سرعان ما تصاعد بين الرجلين، خاصة بعد مزايدة وزير الأوقاف على شيخ الأزهر بموقفه الحاسم من الإخوان في مقابل "أخونة المشيخة"، على حد تعبيره، وعلى إثر ذلك استبعده الطيب من مكتبه الفني، وعيَّن وكيل الأزهر عباس شومان بدلاً منه، فردَّ وزير الأوقاف بعزل الأخير من رئاسة مجلس إدارة مسجد الحسين ولجنة الدراسات الفقهية بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وغاب شيخ الأزهر بعدها عن مؤتمرات لوزارة الأوقاف حتى تدخل رئيس الوزراء حينها إبراهيم محلب للصلح بينهما، ورغم ذلك استمرت الأزمة مع تنافس المشيخة والوزارة في المؤتمرات ضد الإرهاب وتجديد الخطاب الديني دون تنسيق بينهما.
ثم جاءت أزمة الخطبة المكتوبة الموحدة التي أقرتها وزارة الأوقاف، ورفضتها المشيخة لتفجر خلافاً كبيراً كان طي الكتمان بين المؤسستين والرجلين، واتخذ أشكالاً إعلامية وإدارية وصراعات نفوذ بين المؤسسات الثلاث الدينية في مصر "الأزهر والإفتاء والأوقاف"، وسط اتهامات متبادلة بالفساد حقق في بعضها الجهاز المركزي للمحاسبات، ولم تعد نقاط الخلاف بين الطيب ومختار جمعة خافية بعدها.
ورصدت "هافينغتون بوست عربي" في تقريرها المبكر "الخطبة المكتوبة.. تسقط القناع عن الحرب الخفيّة بين الأوقاف والأزهر" نهاية شهر يوليو/تموز الماضي تفاصيل هذا الخلاف بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف.
الطيّب والإعلام
شنَّت وسائل إعلام مصرية حملةً هجومية على شيخ الأزهر في أعقاب الانتقادات العلنية التي وجَّهها السيسي له، وشملت الحملة صحفيين وكتاباً، وحتى شخصيات أزهرية، أبرزها الدكتور أسامة الأزهري الذي كتب مقالاً في جريدة الأهرام الحكومية انتقد فيه تراجع المشيخة وعدم استجابتها لمطالب السيسي حول تغيير الخطاب الديني، وتخلفه عن مستوى الخطورة التي تحيط بالوطن، ووجه كُتاب مقالات وإعلاميون بارزون في قنوات مصرية اتهاماتٍ صريحة لشيخ الأزهر، شملت إحداها وعيداً صريحاً من رئيس تحرير صحيفة الدستور للطيب إذا لم يستقِل!.
ورصدت "هافينغتون بوست عربي" تفاصيل الهجمة الإعلامية على شيخ الأزهر في تقريرها التالي:
"تعبتني يا فضيلة الإمام".. تبعها هجومٌ إعلامي ضدَّ شيخ الأزهر.. إليك سرّ الحملة العنيفة"
ومؤخراً نشرت صحيفة الوطن تقريراً يهاجم الطيب بشدة، معتبرةً أن رجاله يخوضون معركة فتنة على طريقة "الإخوان"
المشيخة ومؤسسة الرئاسة
على الرغم من مشاركة شيخ الأزهر في مشهد 3 يوليو/تموز مع السيسي والكنيسة وشخصيات سياسية فإن الخلافات بدأت بالبيان الذي أصدره الطيب بعد ساعات من "فض رابعة"، وأعلن فيه رفضه لإراقة دماء الأبرياء، وتمسُّكه بحل الأزمة سلمياً، ثم اعتكافه بعدها في مسقط رأسه بالأقصر.
ورفض الطيب إصدار فتوى بتكفير داعش والنصرة، مخالفاً لتوجه النظام، ورغم مشاركته في مؤتمر أهل السنة في الشيشان في أغسطس/آب الماضي فإنه عاد وأعلن تعرضه للتضليل.
وأصدر الطيب بياناً في مارس/آذار الماضي، أدان فيه "المجازر التي ترتكب ضد أهل السنة" على يد ميليشيات شيعية متطرفة في العراق، وأثار البيان استهجان الحكومة العراقية، التي استدعت السفير المصري وسلمته احتجاجاً، أجرى في إثره السيسي اتصالاً تليفونياً بالرئيس العراقي، لكن الطيب لم يتراجع عن موقفه رغم تردد أنباء أن الرئاسة المصرية طلبت منه ذلك، وقرر الطيّب تشكيل لجنة.
وفي ذروة حماسة الحكومة المصرية لقرض صندوق النقد الدولي، جاء حديث شيخ الأزهر خلال كلمته في افتتاح مؤتمر "من هم أهل السنة" على النقيض، منتقداً سياسات العولمة والأنظمة الاستعمارية التي تتخذ من أجساد العرب والمسلمين وأشلائهم فئران تجارب دموية "وإفقار العالم الشرقي وإحكام السيطرة على مفاصل دوله، من خلال منظمات عالمية وبنوك دولية وقروض مجحفة".
وعلى الرغم أن الطيب كان عضواً بلجنة السياسات بالحزب الوطني وقريباً من الرئيس السابق حسني مبارك، لكن علاقته بالرئاسة الحالية تمر بتوتر، خاصة بسبب قضية تجديد الخطاب الديني وتعديل المناهج، التي تشكل محوراً أساسياً للخلاف بين الطيب والسيسي، خاصة مع عدم قدرة الأخير على عزله لحصانته الدستورية.
ورغم أن الطيب استعرض للرئيس السيسي الجهود التي قام بها الأزهر لتجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف في الداخل والخارج وجولات الطيب الخارجية، لكن الرئاسة المصرية أبدت عدم رضاها عن أداء المشيخة، خاصة في مواجهة تيارات الإسلام السياسي، ولمحت شخصيات قريبة من الرئاسة لوجود بدائل لخلافة الطيب في منصبه، منها علي جمعة وأسامة الأزهري -مستشار السيسي للشؤون الدينية- الذي أصدر الشيخ قراراً بمنع استضافته في فعاليات الأزهر الشريف، رغم أنه يشارك معه في مجلس حكماء المسلمين ومقره أبو ظبي الذي يترأسه الطيب نفسه.
وكشفت عبارات وجهها السيسي للطيب في مناسبات مختلفة التوتر بين الرجلين، إذ قال السيسي "إنت تعبتني يا فضيلة الإمام"، "فضيلة الإمام كل ما بشوفه بقول له إنت بتعذبني"، "سأحاججكم أمام الله"، ودعا السيسي لما سماه "ثورة دينية" بالتجديد الديني وتطوير الخطاب، وهو ما يبدو أن مفهومه مختلف عند شيخ الأزهر.
آخر الأزمات بين المشيخة والرئاسة كانت مسألة "الطلاق الشفوي"، حيث طلب السيسي من الطيب خلال احتفالات عيد الشرطة النظر في قانون ينظم الطلاق، بحيث لا يُعتد بالطلاق الشفوي، وهو ما استنكرته بعد أيام هيئة كبار العلماء في الأزهر، مشددة على رفض إقرار وقوع الطلاق الشفوي في بيان حاسم، ختمته بالقول على مَن "يتساهلون" في فتاوى الطلاق… أن يَصرِفوا جُهودَهم إلى ما ينفعُ الناس، ويُسهم في حل مشكلاتهم على أرض الواقع؛ فليس الناس الآن في حاجةٍ إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجةٍ إلى البحث عن وسائل تُيسِّرُ سُبُلَ العيش الكريم"، وجدير بالذكر أن الطيب كان قد دعا المتظاهرين في التحرير أثناء ثورة يناير للعودة لبيوتهم، معتبراً أن "المظاهرات بهذا الشكل حرام شرعاً".
ماذا يحدث داخل المشيخة؟
ويشكل أسامة الأزهري وعلي جمعة مفتي الجمهورية السابق بديلين محتملين يمكن أن يخلف أحدهما أحمد الطيّب في منصب المشيخة، رغم كون منصبه محصناً دستورياً من العزل، وأسامة الأزهري هو وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب، ويحرص السيسي على تقديمه في الإمامة في عدة صلوات جماعية، مما بدا إشارة من السيسي لعدم رضاه عن المشيخة الحالية، ويقف أمام الأزهري كونه لم ينل درجة الأستاذية في كلية أصول الدين بعد، وصغر سنه الذي يبلغ 41 سنة فقط، وذكر مصدر قريب من علي جمعة أن الأخير أقنع السيسي أنه من آل البيت الأشراف، وأنه رأى رؤى ومنامات تدعم مواقفه، وأن السيسي تأثر بهذا الأمر كثيراً، وقرب علي جمعة منه، ولكن كون تعليمه الجامعي الأساسي كان في تخصص "التجارة" وليس أحد الأقسام الشرعية، يجعل فرصته في الجلوس على كرسي المشيخة صعبة، رغم أنه نجح في الوصول لمنصب عضو بهيئة كبار العلماء، ولاقى ذلك استنكار للعرف الأزهري السائد، وكذلك مختار جمعة وزير الأوقاف المتخصص بالأساس في علوم اللغة العربية، وليس الدراسات الشرعية الأزهرية.
وتستمر مع ذلك الحملة الإعلامية ضد أحمد الطيب، وكان من أبرزها مقال لرئيس تحرير صحيفة الدستور بعنوان "لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر"، طالب فيه الباز الدكتور الطيب بالاستقالة، متوعداً إياه صراحة بقوله "افعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت"، ودعاه ألا يدخل نفسه في "صراع سياسي أكبر منه، وساعتها ستزل قدمه، ولن يجد وقتها مَن يغيثه أو ينصره".
http://www.huffpostarabi.com/2017/02/14/story_n_14742972.html?utm_hp_ref=arabi&utm_hp_ref=arabi