أنظمة الدفاع الجوي السعودي

الدفاع الجوي السعودي مفخرة لكل عربي ومسلم ولله الحمد .
سؤال للمختصين هل يوجد خطة لإحلال الهوك المحسن ...

في الولايات المتحدة خرج النظام من الخدمة مبكراً لكن لا يزال النظام أساسياً في دفاعات جوية مرموقة!
لا أعلم أن كان هناك مخطط لأستبدال الهوك قريبا .. أنا سابقاً أقترحت نظام HQ-9 ولازلت أراه الأنسب
 
تقصد هذي
peace-shield-image01.jpg

صراحة لا اعلم:(
نعم
 
في الولايات المتحدة خرج النظام من الخدمة مبكراً لكن لا يزال النظام أساسياً في دفاعات جوية مرموقة!
لا أعلم أن كان هناك مخطط لأستبدال الهوك قريبا .. أنا سابقاً أقترحت نظام HQ-9 ولازلت أراه الأنسب
ا
في الولايات المتحدة خرج النظام من الخدمة مبكراً لكن لا يزال النظام أساسياً في دفاعات جوية مرموقة!
لا أعلم أن كان هناك مخطط لأستبدال الهوك قريبا .. أنا سابقاً أقترحت نظام HQ-9 ولازلت أراه الأنسب
النسخة البرية للأمرام أشوفها مناسبة (سلاميير) أتمناها أكثر
 
لماذا لانسمع عن اعتراض لصواريخ عفاش والحوثي لأنظمة الكروتال والهوك ..
 
ا

النسخة البرية للأمرام أشوفها مناسبة (سلاميير) أتمناها أكثر

في الواقع الخيارات متعددة لكن السلاميير الأن غير مناسب , ربما علينا أنتظار 3 سنوات أخرى حتى يدخل نظام AMRAAM-ER حيز الأنتاج و حينها سيكون بديل مناسب للهوك !

On 22 February 2015, Raytheon announced the development of the Extended Range upgrade to the NASAMS AMRAAM missile offering (AMRAAM-ER). Development work began in 2014, and the missile is actually an using AMRAAM guidance. The first flight test took place in August 2016. Production is expected by 2019. Engagement envelope is expanded with a 50 percent increase in maximum range and 70 percent increase in maximum altitude.

 
المرحلة الخامسة لتطوير الدفاع الجوي السعودي (2000 – 2017)

6a010535fc8c90970b0133ec5eeb87970b-800wi


تم نشر في ما سبق المراحل الأربعة الأولى عن مسيرة بناء وتطوير شبكة الدفاع الجوي السعودي منذ النشأة حتى عام 1999؛ أما في هذا الجزء، سيتم بحث المرحلة الحديثة لشبكة الدفاع الجوي والتي تعتبر من أكثر مراحل التطوير قوة وغموض، وسيتم ذكر ما قامت به المملكة العربية السعودية لتطوير قدراتها الدفاعية.

تميزت هذه المرحلة بالتعاون مع العديد من الأطراف إن كانت محلية أو دولية، مع كل من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا، إسبانيا، سويسرا، الصين، السويد، تركيا وأوكرانيا. وفي ما يلي أهم المشاريع التي قامت بها المملكة في هذه المرحلة لتطوير قدراتها الدفاعية:

أولاً: الولايات المتحدة الأميركية

– في عام 2005، قامت المملكة بتطوير نظام القيادة والتحكم والاتصالات والكمبيوتر والاستخبار والمراقبة والحلول السيبرانية ( C3isr ) إلى ( C4isr )

يوفر هذا النظام قدرة الاتصال للجنود بعضهم ببعض، قدرة الاتصال للجنود بقيادتهم في الميدان، قدرة القيادات الميدانية على الاتصال بالقيادة المركزية، قدرة الاتصال بين أفرع القوات البرية فيما بينها، قدرة الاتصال بين القوات البرية والجوية والبحرية، قدرة الرصد والاستطلاع والتصوير والاستشعار لمختلف أفرع القوات المسلحة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر قدرة الانذار المبكر ويقوم بإعانة قوات الدفاع الجوي على القيام بمهامها عن طريق الرصد والانذار المبكر وبإعانة القوات البرية عن طريق توفير المعلومات اللازمة عن خطوط العدو وعن طريق الاستطلاع والاستعلام الدقيق. كما يوفر قدرة إعاقة ردارية وحرب إلكتورنية ورصد وتنصت عالية وقدرة تنفيذ العمليات التكتيكية وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو بواسطة الرصد الدقيق لحركات العدو.

– في عام 2007 قامت المملكة بشراء (4) رادارات TPS-70.

– في عام 2011 قامت المملكة بعقد صفقة ضخمة تشمل شراء (84) مقاتلة F-15SA وتطوير (70) مقاتلة F-15s محلياً إلى F-15SA. وشملت الصفقة على عدد ضخم من الذخائر المتنوعة والانظمة المتقدمة.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء (9) رادارات TPS-77.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء (2) طائرة King Air-350 ISR.

– في عام 2013 قامت المملكة بشراء (4) سرايا Patriot PAC-3 بالإضافة إلى (174) صاروخ MIM-104F PAC-3 .

– في عام 2013 قامت المملكة بشراء (22) طائرة SR-22.

– في عام 2014 قامت المملكة بتطوير (5) طائرات E-3 إلى مستوى (BLOCK 45-40)

– في عام 2015 قامت المملكة بتطوير نظام القيادة والتحكم والاتصالات والكمبيوتر والاستخبار والمراقبة والحلول السيبرانية (C4isr) إلى (C5isr) ، مما ضاعف من قدرات المملكة بشكل كبير.

– في عام 2015 قامت المملكة بشراء عدد غير محدد من سرايا Patriot PAC-3 بالإضافة إلى (320) صاروخ MIM-104F PAC-3.

– في عام 2015 قامت المملكة بتوقيع إتفاقية لتأسيس شركة سعودية بين شركة تقنية الفضائية وشركة ديجتال قلوب الأميركية لغرض تصنيع وتسويق مجموعة من الأقمار الاصطناعية الصغيرة المخصصة للاستطلاع بالتصوير الفضائي.

– في عام 2017 قامت المملكة بشراء (10) مناطيد للمراقبة والاستطلاع الجوية من نوع AEROSTAT 74K .

ثانياً: فرنسا

– في عام 2004 قامت المملكة بتطوير نظامي CROTALE 2000 وCROTALE 4000 إلى CROTALE NG وشمل التطوير على تطوير إلكترونيات السلاح (مقاومة تشويش، تحسين معالجات، تغيير شاشات، تغيير كاميرات الرصد التحت الحمراء وتحسين الأنظمة الكهروبصرية ..)

– في عام 2009 قامت المملكة بشراء (6) طائرات A-330 MRTT.

– في عام 2011 قامت المملكة بشراء (1000) صاروخ لنظام MISTRAL ATLAS.

– في عام 2011 قامت المملكة بشراء (49) منظومة MPCV بلإضافة إلى (800) صاروخ MISTRAL.

– في عام 2011 قامت المملكة بشراء (20) رادار Ground Master-60.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء عدد غير محدد من سرية منظومة VL-MICA.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء عدد غير محدد من المنظومة المضادة للطائرات Rapid Fire.

– في عام 2013 تم اختيار شركة تاليس الفرنسية – لإنتاج نظام رئيس إلكتروني للدفاع الجوي لصالح القوات الجوية السعودية عرف باسم المظلة – هذا النظام يتألف من مراكز حرب الكترونية مع 6 محاور، بالإضافة إلى مركز متحرك لتدريب أفراد (عمليات بطريات الدفاع الجوي شاهين كورتال هوك باترويوت) وأفراد منظومات الحرب الإلكترونية.

– في عام 2013 قامت المملكة بتطوير منظومة CROTALE 4000 ودمج صاروخ VT-1 للمنظومة.

ثالثاً: ألمانيا

– في عام 2009 قامت المملكة بتوقيع إتفاقية مع شركة EADS الألمانية وشركة Raytheon الأميركية وشركة THALES الفرنسية، لإنشاء نظام “MIKSA ” أو مشروع الحاجز الإلكتروني الحدودي، والذي يعتبر أكبر حاجز الالكتروني دفاعي في العالم. يحتوي هذا المشروع على رادرات مراقبة للسماء والأرض والبحر طيلة الـ 24 ساعة لمسافة حدودية تفوق الـ 4000 ميل وزوارق مراقبة بحرية وطائرات من دون طيار ومراكز قيادة وسيطرة متنقلة ومجموعة هائلة من العتاد والمستشعرات والرادرات ويقفل كامل الحدود السعودية تعمل طيلة الـ 24 ساعة.

– في عام 2013 قامت المملكة بإنشاء نظام SAMOC من إنتاج شركة EADS الألمانية وهو النظام المتكامل الرئيس في الدفاع الجوي والقوات الجوية الألمانية حالياً.

دخل الخدمة في 2008 وهو يربط الهوك والباتريوت مع الثنائي شاهين وكورتال وله قدرة على ربط عدة مراكز قياداة وسيطرة دفعة واحده وله القدرة أن يستخدم البنى التحتية المتطورة من الألياف الضوئية في حال المراكز الثابتة أو الاتصال من خلال TDL في حال التحرك.

– في عام 2010 حصلت المملكة على رخصة لإنتاج طائرات بدون طيار للإستطلاع من نوع ( LUNA )

رابعاً: المملكة المتحدة

– في عام 2007 قامت المملكة بشراء (72) مقاتلة Typhoon.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء (22) طائرة Hawk-165.

– في عام 2014 قامت المملكة بتطوير (88) مقاتلة تورنيدو إلى مستوى (GR4)

– في عام 2015 قامت المملكة بشراء (22) طائرة Hawk-165.

خامساً: السويد

– في عام 2010 قامت المملكة بشراء عدد (2) طائرة إنذار مبكر Saab-2000 AEW.

– في عام 2014 قامت المملكة بشراء عدد غير محدد من رادار AESA Giraffe 4A.

سادساً: سويسرا

– في عام 2004 قامت المملكة بشراء عدد (22) رادار Skyguard.

– في عام 2012 قامت المملكة بشراء عدد (55) طائرة PC-21.

سابعاً: الصين

– في عام 2007 قامت المملكة بشراء عدد غير محدد من صاروخ محمول QW-2.

ثامناً: أوكرانيا

– في عام 2015 قامت المملكة بتمويل مشروع صاروخ الدفاع الجوي ” دنبر “.

تاسعاً: تركيا

-في عام 2015 وقعت المملكة إتفاقية لتأسيس شركة سعودية بين تقنية الدفاع والأمن وشركة أسلسان التركية لغرض تطوير وتصنيع وتسويق معدات وأنظمة الحرب الإلكترونية والرادارات والكهروبصريات في المملكة، وتم الإتفاق لصناعة رادار KALKAN.

عاشراً: السعودية

-قامت شركة تقنية بإنتاج رادار”سراب” وهو رادار صغير محمول على عربة يصعب إكتشافة بواسطة أجهزة الإسناد الإلكتروني، ويستطيع التقاط الأهداف الصغيرة سواء أرضية أو جوية أو بحرية. يتميز بأنه رادار ثنائي البعد (يعطي مدى واتجاه الهدف) ، ويغطي زاويه كاملة 360 درجة وبمدى 40 كلم وبإرتفاع يصل إلى 10 الآف قدم، وهو قادر على العمل في ظروف مناخية مختلفة لرصد الأهداف الصغيرة.

يستخدم هذا الرادار في عمليات الرصد الجوي المستمر على ارتفاعات منخفضة سواء في بيئة ساحلية أو جبلية أو صحراوية، ويمكن إستخدامه لمراقبة الحدود البرية والبحرية. كما يعتبر النظام فعالاً في عمليات المراقبة التي تتطلب التواجد السريع.

– قام معهد الأمير سلطان للتقنية بإنتاج طائرة بدون طيار نظام (حارس الأجواء) و (البرق) لصالح القوات الجوية.

الحادي عشر: إيطاليا

– قامت المملكة في 2010 بشراء عدد (24) طائرة بدون طيار للاستطلاع التكيتكي من نوع Falco UAV.

– في عام 2015 قامت المملكة بشراء عدد (24) طائرة بدون طيار للإستطلاع التكيتكي من نوع Falco UAV.
بدون مجاملة كان لدي شك في قوة دفاعنا الجوي.
ولكن أقولها بكل ثقة نحن الأفضل في المنطقة إذا استثنينا إسرائيل.

لفت إنتباهي الكمية المهولة من صواريخ الجو جو لدينا!

أيضاً العدد الهائل من الرادارات وأنا بنفسي شاهدت رادارت في أماكن لم أتوقع أن يكون فيها شيء.


عندما تقول 13 منظومة باتريوت
هل تقصد بطارية؟
 
بدون مجاملة كان لدي شك في قوة دفاعنا الجوي.
ولكن أقولها بكل ثقة نحن الأفضل في المنطقة إذا استثنينا إسرائيل.

لفت إنتباهي الكمية المهولة من صواريخ الجو جو لدينا!

أيضاً العدد الهائل من الرادارات وأنا بنفسي شاهدت رادارت في أماكن لم أتوقع أن يكون فيها شيء.


عندما تقول 13 منظومة باتريوت
هل تقصد بطارية؟

لا أعتقد أن التقرير يقصد منظومة بكاملها , غالباً يقصد قاذفة !
عموماً عدد المنظومات في السعودية كبير , أعتقد أنه قارب ال 30 منظومة الأن
 
بدون مجاملة كان لدي شك في قوة دفاعنا الجوي.
ولكن أقولها بكل ثقة نحن الأفضل في المنطقة إذا استثنينا إسرائيل.

لفت إنتباهي الكمية المهولة من صواريخ الجو جو لدينا!

أيضاً العدد الهائل من الرادارات وأنا بنفسي شاهدت رادارت في أماكن لم أتوقع أن يكون فيها شيء.


عندما تقول 13 منظومة باتريوت
هل تقصد بطارية؟

بالفعل الصواريخ ( جو جو ) لدينا منها اعداد هائلة ومن موردين مختلفين .. ارى ان القوات الجوية اكتفت تماماااا ولاينقصها شيء ولله الحمد ، لذلك اتمنى تحويل الاهتمام والصفقات للقوات البرية .
 
لماذا لانسمع عن اعتراض لصواريخ عفاش والحوثي لأنظمة الكروتال والهوك ..

لانهم نظامين دفاع جوي قصير المدى
والباترويت متوسط المدى له الافضليه بالاعتراض باكبر مدى من الهوك


الدفاع الجوي عباره عن طبقات
هناك طبقه تسمى بعيد المدى
وهناك متوسط المدى
وهناك قصير المدى

يعني منظومة الدفاعيه البعيد المدى اذا فشلت ان تعترض الصاروخ
سوف يتكفل فيه الدفاع الجوي متوسط المدى
واذا فشل ايضا
سوف يتكفل فيه الدفاع الجوي القصير المدى
 
لانهم نظامين دفاع جوي قصير المدى
والباترويت متوسط المدى له الافضليه بالاعتراض باكبر مدى من الهوك


الدفاع الجوي عباره عن طبقات
هناك طبقه تسمى بعيد المدى
وهناك متوسط المدى
وهناك قصير المدى

يعني منظومة الدفاعيه البعيد المدى اذا فشلت ان تعترض الصاروخ
سوف يتكفل فيه الدفاع الجوي متوسط المدى
واذا فشل ايضا
سوف يتكفل فيه الدفاع الجوي القصير المدى

اعلم ياعزيزي .. ولكن ماقصدته تحديدا لماذا لايتم اعتراض بعض المقذوفات صغيرة الحجم مثل الكاتيوشا التي سقطت على المناطق الحدودية السعودية من قبل نظام مثل نظام الكروتال المطور .. !
 
اعلم ياعزيزي .. ولكن ماقصدته تحديدا لماذا لايتم اعتراض بعض المقذوفات صغيرة الحجم مثل الكاتيوشا التي سقطت على المناطق الحدودية السعودية من قبل نظام مثل نظام الكروتال المطور .. !

اذا لم اكن مخطئ فان الكاتيوشا يتعامل معه انظمة c-ram
 
اعلم ياعزيزي .. ولكن ماقصدته تحديدا لماذا لايتم اعتراض بعض المقذوفات صغيرة الحجم مثل الكاتيوشا التي سقطت على المناطق الحدودية السعودية من قبل نظام مثل نظام الكروتال المطور .. !

القذايف الصغيره لاتعترض بمنظومات هذي
 
AMX-30_SA.jpg
 
بدون مجاملة كان لدي شك في قوة دفاعنا الجوي.
ولكن أقولها بكل ثقة نحن الأفضل في المنطقة إذا استثنينا إسرائيل.

لفت إنتباهي الكمية المهولة من صواريخ الجو جو لدينا!

أيضاً العدد الهائل من الرادارات وأنا بنفسي شاهدت رادارت في أماكن لم أتوقع أن يكون فيها شيء.


عندما تقول 13 منظومة باتريوت
هل تقصد بطارية؟

13 لا يا عزيزي اول صفقة للباتريوت كانت اكثر بكثير من هذا الصفقات استمرت البطارية تحتوي على اكثر من 4-8 قواذف الدفاع الجوي السعودي افضل من الإسرائيلي في عدد الأنظمة المتوسطة والقصيرة المدى كلها تم تطويرها وعددها مميز وأيضا ميزتنا استغلال الجغرافي لتلك الأنظمة المملكة لديها قدرات رصد ضخمة تغطي بها سوريا نفسها لكن ننتظر بفارغ الصبر دخول منظومات بعيدة المدى بأذن الله
 
من ماضي الدفاع الجوي

1511066_755431511135020_271763597_n.jpg


CayiO9GXIAEvZTf.jpg


CayjQOnWEAI-XE4.jpg

13524434_917370495075011_1701249425439997956_n.jpg


1201454.JPG
 
ا

النسخة البرية للأمرام أشوفها مناسبة (سلاميير) أتمناها أكثر

في الواقع الخيارات متعددة لكن السلاميير الأن غير مناسب , ربما علينا أنتظار 3 سنوات أخرى حتى يدخل نظام AMRAAM-ER حيز الأنتاج و حينها سيكون بديل مناسب للهوك !




بمناسبة حديثكم عن الـ AMRAAM-ER .. ربما يهمكم هذا الموضوع !!

 
تحليـق الصقــور

قائد الدفاع الجوي السعودي السابق ( الأمير خالد بن سلطان )

لم يمضِ وقت طويل على التحاقي بأكاديمية ساندهيرست ولَمَّا أتجاوز السابعة عشرة، حتى علمت أن صواريخ هوك hawk وصلت إلى المملكة في غيابي. كان سلاحاً جديداً تماماً، ولم أكن قد سمعت من قبل بالدفاع الجوي، لكنني لا أزال أذكر الضجة التي أحدثها ذلك السلاح. إنه سلاح سيحمي سماء المملكة، سيشدُّ من عضدنا وينقلنا إلى عالم التقنية الحديثة. كانت صواريخ هوك موضوعاً لحديث جميع مَنسوبي القوات المسلَّحة. لقد دخلت المملكة عصر الصواريخ. ولم أكن حينذاك أدري أن عناية الله تسطّر لي مستقبلاً في ذلك المجال.

سبق وذكرت أن وصول القوات المصرية إلى مشارف حدودنا مع اليمن في أواخر عام 1962، أحدث لنا صدمة عنيفة. أُجبِرنا، ربما للمرة الأولى، على أن نفكر جدياً في سبل الدفاع عن بلادنا المترامية الأطراف ضد أيّ عدوان خارجي. فحتى ذلك الحين، كانت الاهتمامات الأمنية مقتصرة على الأمور الداخلية كاحتواء الصراعات بين القبائل قبل أن تستفحل ويصعب التغلب عليها، إلى جانب تحقيق التوازن بين مصالح المناطق المختلفة واحتياجاتها. وباستثناء اليمن التي لم تغب عن بالنا لوجود صراع حدودي بيننا وبينها، لم نحسب حساباً لعدوان خارجي. ومردّ ذلك أننا كنّا نخال أن المساحة الشاسعة لبلادنا، بصحاريها القاحلة والبحار التي تحدها من الشرق والغرب، حصونّ طبيعية منيعة ضد كل عدو محتمل. وكنّا نمارس دورنا السياسي بحرص وحذر، في ما يتعلق بالسياسة العربية، معتمدين على نظرية توازن القوى في المنطقة، وهي نظرية لن تسمح لأية دولة عربية أن يجمح بها طموح إلى السيطرة. كانت شبه الجزيرة العربية، وليس العالم الخارجي، مَحطَّ اهتمامنا. وقبل الطفرة الهائلة في أسعار النفط فـي السبعينات، كانت مواردنا المالية محدودة وطاقتنا البشرية غير مدربة ومجتمعنا لا يزال تقليدياً. وقد بدأنا للتو عملية التحديث التي وضعتنا، بعد عقدين فقط، في الصدارة بين معظم جيراننا.

لم تتجاوز قوتنا العسكرية، في أوائل الستينيات، بضع دبابات متهالكة والعدد نفسه تقريباً من الطائرات وبضعة آلاف من الجنود. كان لدينا عدد من المدافع المضادة للطائرات، من عيار 20 مم و 40 مم و 90 مم و 120 مم، ضمن سلاح المدفعية وهي اليوم معروضة في المتاحف. ولم يكن حالها، آنذاك، أفضل من حالها اليوم. لم يكن هناك دفاع جوي بالمعنى الحديث. فعندما قصفت القوات الجوية المصرية مدننا الحدودية، نجران وجيزان، إضافة إلى مطار خميس مشيط ومستشفى أبها، وقفنا مكتوفي الأيدي. لم نكن في وضع عسكري يسمح بخوض معركة، حتى لو كانت تلك المعركة ضد قوة صغيرة أو متوسطة كالقوة المصرية في اليمن.

في ظل ذلك الوضع الذي لا يبعث على الاطمئنان، عَيّن الأمير فيصل، ولي العهد، والدي الأمير سلطان وزيراً للدفاع في نوفمبر عام 1962. وكانت مهمته الأولى هي مواجهة تهديدات عبدالناصر في اليمن.

أكد الأمير سلطان لولي العهد، طبقاً لقصة تتداولها العائلة فـي هذا الخصوص، أنه سيتوجّه من فوره إلى غرفة العمليات في الوزارة ويستدعي ضباط الأركان العامة ليراجع معهم الخطط الدفاعية عن المملكة. ابتسم الأمير فيصل ولم يعلق. انطلق الأمير سلطان إلى مكتبه في وزارة الدفاع وطلب التوجه إلى غرفة العمليات. وجاء الرد من أركانه وقد غلبتهم الدهشة: "أية غرفة عمليات؟". فأمر باستدعاء ضباط الأركان العامة، وجاء الرد أيضاً "أية أركان عامة؟". فأمر أن تُعرض عليه الخطط، وجاء الرد: "أية خطط؟". أمر بأن تشتبك القوات الجوية مع القوات المصرية المهاجمة، لكن لم تكن هناك طائرة واحدة تصلح للإقلاع. عاد إلى الأمير فيصل وقال له: "لا شيء هناك، لا شيء على الإطلاق: لا خرائط ولا خطط ولا دبابات ولا ضباط". فرد عليه الأمير فيصل: "هذا هو السبب في أنني أوكلت إليك هذه المهمة. ولتبدأ العمل من الآن"..

لم يكن البريطانيون أقل تبرماً منّا إزاء تدخل عبد الناصر في السياسة العربية. وكانت لا تزال لديهم مستعمرة في عدن والمناطق القبلية التي تقع خلفها. وعلى هذا الأساس، وافقت بريطانيا على تزويدنا باثنتي عشرة طائرة مقاتلة من نوع هنتر hunter ولا يتننج lightning إضافة إلى سرية صواريخ أرض - جو من نوع ثندربيرد thunderbird. نصبنا السرية في خميس مشيط التي كانت تضم قاعدة جوية صغيرة في منطقة عسير الواقعة في الجنوب الغربي من المملكة، شمال اليمن مباشرة. كانت صواريخ ثندربيرد من نوع قديم يعود إلى الحرب العالمية الثانية. وكان على الطاقم أن يسحب الصواريخ بالحبال لتركيبها في مواقع الإطلاق. ولم تكن تلك الصواريخ في كل حال لتردع المصريين، بيد أن شراءها كان بمثابة نواة للدفاع الجوي السعودي.

لا ريب أن السيادة الجوية الكاملة التي كان يتمتع بها المصريون، تركت أثراً عميقاً في تفكير الأمير سلطان. فمنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، يأتي تحديث القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي في مقدمة اهتمامات سموه. بات واضحاً أن في وسع أيّ طامع بالمملكة أن يجتاز عن طريق الجو الموانع الطبيعية، المتمثلة في الخليج العربي أو البحر الأحمر أو الصحاري الشاسعة. وهكذا فإن التهديد الأساسي الذي يواجه المملكة كان تهديداً جوياً، وليس برياً مثل الذي وقع إثر غزو العراق الكويت بعد ذلك بأكثر من ربع قرن. وأصبح مبدأ الحماية الجوية للمملكة منذ ذلك التاريخ هو الفرضية الأساسية في سياستنا الدفاعية.

تحول ذلك المبدأ إلى واقع ملموس عام 1966 م، عندما تعاقد الأمير سلطان على شراء صفقة كبيرة من أسلحة الدفاع الجوي، وكان المصريون وقتئذٍ لا يزالون في اليمن شملت الصفقة أكثر من 50 طائرة مقاتلة بريطانية الصنع، و 12 سرية صواريخ أرض-جو أمريكية الصنع، من نوع هوك، فضلا عن شبكات الاتصالات والرادار المرتبطة بها. وكما سبق أن ذكرت، أحدث وصول أول دفعة من سرايا صواريخ هوك عام 1966 ونصبها في منطقة جيزان، ضجة عارمة تَردد صداها حتى بلغني في ساندهيرست

في بداية الأمر، قال الأمريكيون إن السلاح الجديد، ويشمل نظام صواريخ موجهة أرض - جو لتوفير الحماية الجوية ضد الهجمات على ارتفاعات، من
منخفضة إلى متوسطة، نظام جدّ معقد بالنسبة إلى السعوديين، وأنه ليس لديهم من يستطيع استيعابه. واستلزم الأمر إرسال المتدربين الشبان إلى جدة لتعلم اللغة الإنجليزية لمدة تسعة أشهر، وتبع ذلك دورة تشغيل معدات هوك لأفراد التشغيل، وبرنامج تدريب في مجال الإلكترونيات لأفراد الصيانة قبل أن يكلفوا بالعمل في مواقع الدفاع الجوي. وكانت المواقع خلال تلك الفترة تدار من جانب مهندسين أمريكيين. وإزاء هذا الموقف الذي وضع المملكة في موقف لا تحسد عليه، أصدر الأمير سلطان أوامره إلى رئيس الأركان بأن يُختار أكفأ الضباط لتدريبهم على ذلك السلاح الجديد. فانخرط صفوة الضباط في برنامج التدريب على استخدام صواريخ هوك.

كان من تقاليد الجيش أن يُسمح للضابط الخريج بتحديد ثلاثة خيارات للالتحاق بها مرتَّبة حسب رغبته. لذا، تلقيت من الملحق العسكري السعودي في لندن قبل تخرجي بثلاثة أشهر أنموذجاً لأحدد فيه اختياراتي الثلاثة. فكتبت القوات الخاصة أولاً ( ولا يزال ينتابني بعض الأسف لأني لم أسلك ذلك الاتجاه )، ثم المدرعات، فالمدفعية. بيد أنه بعد تخرجي من ساندهيرست عام 1968 وعودتي إلى المملكة لم يتحقق واحد من اختياراتي، بل وجدت نفسي مُكلَّفاً بقيادة فصيل في الدفاع الجوي. كانت القوات المسلحة في حاجة إلى ضباط يجيدون الإنجليزية لإلحاقهم ببرنامج صواريخ هوك. ووقع الاختيار عليَّ بحكـم تخرجي في أكاديمية ساندهيرست.

التحقت على الفور ببرنامج دراسة الإلكترونيات في مدرسة الدفاع الجوي في جدّة. وحزَّ في نفسي كثيراً أن قائد المدرسة لم يكن سعيداً لوجودي هناك. لم يُحدد لي مساقاً للدراسة، ولم يوكل إليّ أية واجبات! وكلما ذهبت إليه لتلقي التعليمات والأوامر، يقول لي: "لا تهتم، اذهب واسترح". كان يرى أن ذلك هو العمل الملائم لأميرٍ مثلي: كان تغيير نمط الحياة من برنامج عمل شاقٍ في ساندهيرست إلى جو من الراحة في جدّة، سبباً في إحباط معنوي كامل. فأخذت أبحث عن شيء أشغل به وقتي، فاتجهت إلى مدرسة اللغات وعملت مساعداً لمديرها. ولكن هذا العمل لم يُرْضِ تطلعاتي، فتقدمت إلى امتحان للدراسة في الولايات المتحدة واجتزته. ولم يمضِ وقت طويل حتى التحقت بمدرسة الدفاع الجوي الأمريكية في فورت بلس fortbliss في ولاية تكساس texas التي تقع قرب الحدود المكسيكية في مدينة إلباسو elpaso الصغيرة. وعلى مقربة من المدرسة، يقـع ميدان الرماية وايت ساندز white sands لاختبار الصواريخ وكذلك ميدان الرماية ماك جريجور mcgregor.

تلك كانت زيارتي الأولى للولايات المتحدة، وكان ذلك في مطلع عام 1969 م. كنت في العشرين من عمري شاباً في مقتبل العمر تلقى تعليمه في إنجلترا وتخرج للتوّ برتبة ملازم. شابٌ حريصٌ على أن يتعلم أسلوب العمل الأمريكي، وحريصٌ في الوقت نفسه على الاستمتاع بوقته هناك. كنت أدرس وأعمل في غاية الجد، وألهو وألعب في غاية المرح. وفي إلباسو كان لقائي الأول مع ضابط سعودي شاب هو صالح المُحيَّا، وهو قائد القوات البرية حالياً. وفي غضون 18 شهراً، أكملت ثلاث دورات تتعلق بالصواريخ والدفاع الجوي: دورة في الحرب الإلكترونية ودورة صواريخ هوك للضباط ودورة صيانة صواريخ هوك. كما تلقيت تدريباً وظيفياً عملياً في ميدان ماك جريجور لرماية الصواريخ ضمن فريق تفتيش أمريكي.

كان لهذا التدريب العملي فائدة عظمى، إذ عينت مفتشاً للدفاع الجوي بعد عودتي إلى المملكة عام 1970. وكنت عضواً في فريق مهمته زيارة مواقع سرايا هوك، وتقييم استعدادها العملياتي. كانت تلك السرايا قد نُشرت في مواقع عدة داخل المملكة، منها الرياض والظهران وجدّة والطائف وخميس مشيط وتبوك. وكان هذا الفريق من قبل يتكون من ثلاثة خبراء أمريكيين وثلاثة رقباء سعوديين، فحللت محل واحد من الخبراء الأمريكيين، وأصبحت أول سعودي يشغل ذلك الموقع. وكان هذا العمل يتطلب التحرك الدائم من موقع إلى موقع، فأتاح لي فرصة معرفة أجزاء كثيرة من بلادي.

وبعد بضعة أشهر، في أواخر عام 1970، قام الفريق بزيارة تفتيشية لسرية صواريخ هوك في مدينة تبوك. كانت لا تزال مدينة صغيرة في الشمال الغربي من شبه الجزيرة العربية. وهي لا تبعد كثيراً عن ميناء العقبة الأردني وميناء إيلات الإسرائيلي المجاور له. لم تكن تبوك، في ذلك الوقت، إلا نقطة على الخريطة ومحطة صحراوية للحجاج القادمين براً من سوريا والأردن في طريقهم إلى مكة المكرمة، لكنها من الناحية الإستراتيجية كانت موقعاً مهماً لقربها من إسرائيل.

تبين لنا خلال التفتيش أن السرية والعاملين عليها ووحدات المساندة الخاصة بها في حالة مزرية يرثى لها. فأعلنت بعد تقييم شامل أنّ السرية "غير جاهزة للعمل". وأوصى فريق التفتيش في تقرير شديد اللهجة بنقل قائد السرية من موقعه. ولَمّا كانت صواريخ هوك لا تزال من الأسلحة التي توليها الدولة أهمية كبرى، فقد وجد ذلك التقرير، وهو أول تقرير سلبي يصدر عن فريق التفتيش، طريقه إلى السلطات العليا بشكل مباشر. وصدر توجيه من القيادة العليا بتكليف من كتب التقرير بأن يتولى قيادة السرية. وكنت أنا صاحب ذلك التقرير. وتظاهر الأمير سلطان بأنه لم يكن يعلم بتعييني قائداً للسرية إلاَّ عندما ذهبت لوداعه!

وبدأتْ أسعد فترة في حياتي وأمتعها. كنت لا أزال في الحادية والعشرين من عمري، وتلك هي المرة الأولى التي أتولى فيها قيادة ميدانية. أصبحت مسئولاً عن 180 فرداً وأربعة ضباط وست قواعد إطلاق ( قاذفات صواريخ ). كل قاعدة منها مزودة بثلاثة صواريخ. كـان أول عمل قمت به هو إلغاء كـل الإجراءات التي كانت قائمة. أخضعت أفرادي، الذين كان يعوزهم الانضباط والنظام ويغلب عليهم شعور بالدعة والملل، لبرنامج تدريبي على غرار برنامج ساندهيرست تمرينات رياضية مستمرة وتدريبات متصلة وتفتيش لا يكاد ينقطع. ولم تمضِ سوى بضعة أيام حتى أدرك كل من في الموقـع مدى جدية القائد الجديد وصرامته.

تبين لي أن وحدتي وقعت نهباً للمخدرات التي كانت تُهرَّب إلى تبوك من طريق خليج العقبة الذي لا يبعد عنها أكثر من مائة كيلومتر. وسرعان ما استشرت المخدرات وأفرخت كل أنواع الجريمة. فلاحقت المهربين وقبضت على ثلاثة منهم بمساعدة الشرطة المحلية وأودعتهم السجن. قمت بملاحقة أفرادي وكنت أُنزل بالمخالفين منهم أشد العقاب، كما أجزل المكافأة لكل من ألمس فيه إتقان الأداء وحسن السلوك. وأصبح شعاري الثواب والعقاب. وأخذت أطبِّقه دوماً وكانت له ثماره الحسنة في كل قيادة توليتها وفي كل مرحلة من مراحل حياتي. أصبحت أعرف رجالي فرداً فرداً. ووضعت ثلاثة أنواع من العقاب تتفاوت درجة شدتها. فالعقوبة الأولى هي الحبس في زنزانة فوق الأرض، والثانية الحبس في حفرة تحت الأرض. أمّا الثالثة، فالحبس في حفرة بجوار الصرف الصحي، حيث الرائحة الكريهة التي لا تحتمل، حتى إن أحداً لا يقوى على البقاء هناك أكثر من ست ساعات من دون أن يخرَّ مغشياً عليه. كنت في غاية القسوة والصرامة، فكأنني "حكومة طلاب" مكونة من طالب واحد في أكاديمية ساندهيرست وعرف عني أنني الرجل الذي أعاد النظام إلى نصابه.

في غضون أسابيع بدا رجالي وقد تبدّل حالهم تماماً، بعدما استعادوا ثقتهم واعتزازهم بأنفسهم. كان التغير ملحوظاً في لياقتهم ومشيتهم ومظهرهم. ولم تمض سبعة أشهر حتى أصبحت سرية الصواريخ، التي كانت غير جاهزة للعمل، من أكفأ السرايا، إذ حققت المركز الثاني على مستوى المملكة في مسابقة الرماية السنوية. وذاع صيت وحدتنا، على الرغم من عدم توافر سبل الراحة في تبوك. وزارنا سمو الأمير سلطان في إحدى جولاته التفقدية وأثنى علينا. وأعتقد أنه كان فخوراً بالإنجاز الذي حققتُه.

بدأت أشعر بقدرتي على القيادة في تبوك وأنظر إلى عملي العسكري بقدر كبير من الجدية. فقد عاينت ثمار غرسي في مثل تلك القيادة الصغيرة بعد وقت وجيز، في حين لو كنت قائد لواء لاستغرق الأمر شهوراً عدة قبل أن تظهر ثمار التغير. تحولت بفعل 20 شهراً من العمل الشاق في تبوك إلى جندي محترف. كـان من الممكن أن تسير الأمور خلافاً لذلك، فالملك عمّي ووزير الدفاع والدي . وكان في وسعي الحصول على عمل مُرَفَّه يروق لي، في الرياض أو في قلب مدينة جدة، لكنني آثرت العمل هناك في قلب الصحراء، في الوحدات الميدانية. كنت أريد أن أثبت وجودي.
لم تكن نقطة التحول الحقيقية في حياتي هي تخرجي في أكاديمية ساندهيرست ولا هي تعييني قائداً لقوات الدفاع الجوي السعودي ولا قائداً للقوات المشتركة. كان تعييني قائداً لسرية الدفاع الجوي ( سرية الخندق ) في تبوك هو نقطة التحول الحقيقية في حياتي.
 
تحليق الصقور (تابع)

قائد الدفاع الجوي السابق ( الأمير خالد بن سلطان )

تلقيت في عام 1971، وكنت لا أزال قائد سرية الصواريخ في تبوك، مكالمة هاتفية من سمو الأمير تركي بن عبد العزيز. كان، وقتها، نائباً لوزير الدفاع ويتمتع بمحبة منسوبي القوات المسلحة وتقديرهم. أمرني بالتوجه إلى الرياض فوراً للانضمام إلى فريق المفاوضات الدائرة للتعاقد مع شركة نورثروب، التي تصنع الطائرات في الولايات المتحدة الأمريكية لتزويدنا بطائرات موجهة تعمل بلا طيار. وتُسمى تلك الطائرات درونز وتُستخدم هدفاً للتدريب في الدفاع الجوي.

كان الدافع إلى تلك المكالمة الهاتفية أمريْن: أولهما أن الملك فيصلاً كان قد أصدر توجيهاته بأن يتم التعاقد مباشرة، في ما يتعلق بنظم الأسلحة الرئيسية، مع الشركات المصنعة. كنا قبل ذلك نوقع عقداً شاملاً مع إحدى الشركات مثل شركة ريثيون، التي تصنع صواريخ هوك، ثم تقوم الشركة من جانبها بالتعاقد مع شركات أخرى لتوريد كثير من الأجزاء اللازمة لنشر السلاح وتركيبه في شكله النهائي ( مَيْدَنَته ).

وقد يشمل ذلك إنشاء مواقع الدفاع الجوي والتموين والتخزين والإسكان والأهداف الجوية. ولكن، طبقاً لتوجيهات الملك فيصل التي كانت تستهدف الترشيد والكفاءة، كان على المملكة أن تقوم بهذه المهمة بنفسها للحصول على العناصر الإضافية اللازمة للسلاح. وكانت صفقة الطائرات الموجَّهة بلا طيار، التي كنّا في صدد التعاقد في شأنها مع شركة نورثروب، مثالا على التوجه الجديد في سياسة شراء أنظمة الأسلحة.

أمّا السبب الثاني لاستدعائي إلى الرياض، فهو أني كنت الضابط الوحيد في المملكة بأسرها الذي كان على شيء من الخبرة المباشرة بذلك النوع من الطائرات. فقد تعاملت معها أثناء التدريب الوظيفي ( التدريب على رأس العمل ) في ميدان الرماية ماك جريجور في تكساس كنت أمضيت ثلاثة أشهر مفتشاً مساعداً في الجيش الأمريكي في تلك الصحراء، التي لا تكاد ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، أعمل في برج المراقبة لتقييم البطاريات الأمريكية وهي تطلق صواريخها على الأهداف الجوية، وكـانت بعض هذه البطاريات قد أتت من قواعدها في ميامي حيث كانت منصوبة تجاه كوبا.

كنت راغباً في البقاء في تبوك، لذلك رجوت الأمير "تركي" أن يعفيني من تلك المهمة، لكنه لم يوافق. قَدِمتُ إلى الرياض وشكَّلت فريق مفاوضات من ضابطين ومسؤول مالي. واجتمعنا إلى ممثلي شركة نورثروب في مبنى وزارة الدفاع. وتمكنّا خلال ثمانية أشهر من إبرام صفقة حظيت بموافقة الأمير تركي. ولفت نظر المسؤولين أسلوبي في التفاوض، واستطعنا أن نحصل على أسعار مخفَّضة من نورثروب. كان عقداً صغيراً لكنه كـان جدّ مهم لي شخصياً ولمستقبلي العملي. كان عقداً أكسبني مهارة التفاوض.

كان النظام في تلك الأيام يقضي بتعيين "ضابط مشروع" لكل عقد من عقود الدفاع. فكان لكل نظام من نظم الأسلحة ضابط مشروع خاص به، مهمته الاتصال بالشركة الأجنبية ومراقبة تنفيذ بنود العقد وقبول المعدات والإشراف على تدريب قواتنا على ذلك السلاح الجديد. ومن هنا، كان موقع ضابط مشروع لنظام سلاحٍ رئيسي ينطوي على قدرٍ كبير من السلطة والمسؤولية. وسبقني إلى هذا الموقع ابن عمي الأمير عبد الرحمن الفيصل الذي تخرج في ساندهيرست قبلي بست سنوات ( حيث كان كابتن فريق المبارزة ) وتخَصَّصَ في المدرعات. كان ضابط مشروع الدبابات الخفيفة amx- 30 التي اشتريناها من فرنسا.

وسعدت عندما علمت عام 1972، على أثر نجاحي في المفاوضات مع شركة نورثروب، أنني عُينت ضابط مشروع لعقد الطائرات الموجَّهة من الشركة نفسها، وعقد صواريخ هوك من ريثيون.

لقد تبدلت الأحوال. مضت أيام تبوك. وأصبح لزاماً عليَّ وأنا لا أزال ضابطاً ميدانياً شاباً، أن أتعلم أسس الإدارة المكتبية. لقد أوكلت إليَّ وأنا في هذه السن المبكرة مسؤولية علاقاتنا بشركة ريثيون، تلك الشركة الأمريكية العملاقة التي دلفنا من بابها إلى عصر الصواريخ، والتي كنّا نعتمد عليها اعتماداً كلياً - بعد الله - في الدفاع عن مجالنا الجوي. كانت "ريثيون" هي فارس الميدان في كل الأمور ولـم يكن لنا في الأمر شيء. كنا في حاجة إلى رجل يضع الأمر كـاملاً في أيدي السعوديين. وانطلق طموحي من عقاله.

عندما تدخل مكتب أحد الضباط، قد تجد اسمه منقوشاً على لوحة فوق مكتبه، وعلى الوجه الآخر منها في مواجهته عبارة يضعها نصب عينيه. وغالباً ما تكـون آية أو بعض آية من القرآن الكريم، أو قولاً مأثوراً، أو حكمة متوارثة. أما أنا، فاخترت بيتاً للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي يقول فيه:

ومن يتهيب صعود الجبال


يعش أبد الدهر بين الحفر

ظل هذا البيت منقوشاً على لوحة اسمي فوق مكتبي منذ بداية تعييني في الرياض وحتى إحالتي إلى التقاعد من الخدمة العسكرية. وكانت تلك اللوحة هي الشيء الوحيد الذي حملته معي بعد أن حُلَّت قيادة القوات المشتركة عقب حرب الخليج.
 
تـرويض الشــركة

قائد الدفاع الجوي السعودي السابق ( الأمير خالد بن سلطان )

عندما عُيِّنت ضابط مشروع صواريخ هوك عام 1972، لاحظت أن شركة ريثيون الأمريكية منتجة هذه الصواريخ، لا تختلف كثيراً عن شركة أرامكو (شركة الزيت العربية الأمريكية) . فكما كانت شركة أرامكو تدير صناعتنا البترولية، آنذاك، أضحت ريثيون تدير دفاعنا الجوي. كان دخلُنا منوطاً بالأولى، وحمايتنا منوطة بالثانية. كانت الشركتان الأمريكيتان تتحكمان في قطاعات حيوية في المملكة. كانتا تمثلان صرحَيْن عملاقَيْن من الخبرة والثروة. ويرتبط الصرحان ارتباطاً وثيقاً بالحكومة الأمريكية، أمّا شؤونهما فتصرفها مجالس إدارة جبارة مقرها الولايات المتحدة. وفي المملكة، فالقليل من الناس هم الذين يستطيعون التحدث إلى ممثليهما حديث الند للند.

جاءت ريثيون إلى المملكة عام 1966 لإدخال صواريـخ هوك، ولم تكن تخضع لرقابة سعودية، لأنه لم يكن في المملكة من السعوديين من يعرف سبل التعامل مع تلك التقنية البالغة التعقيد. فكانت ريثيون تورّد الصواريخ وقطع الغيار وتتولى الصيانة، وكان مهندسوها يتولون تشغيل مواقع الدفاع الجوي والصيانة الرئيسية لصواريخ الدفاع الجوي في جدّة، بل كانت الشركة تستقدم المدرِّبين بمعرفتها.

وكانت تنفّذ العقد من دون رقابة منّا، أيّاً كان نوعها. وبعبارة أخرى كنا نعتمد اعتماداً كلياً على مهندسي ريثيون ومدربيها وإدارييها وفنييها من جميع التخصصات. واتخذت الشركة من جدّة مقراً لها، حيث يعيش منسوبوها في مجمع سكني يتكون من نحو 100 فيلاّ بُنيت على سفح هضبة على ساحل البحر كانت تعرف باسم شبه الجزيرة.

ولم يكن يسمح للسعوديين بدخولها إلا بعد الحصول على تصريح مسبق من جلين جربس المدير العام لشركة ريثيون، وهو أمريكي شديد المراس جاد في تعامله. وكانت مدرسة الدفاع الجوي في الموقع نفسه، وقد عرفت بين سائقي سيارات الأجرة باسم مدرسة ريثيون، وكان هناك أيضاً مستشفى صغير يعرف بمستشفى ريثيون. وكان التسلسل القيادي في مصلحتهم إلى حدٍّ كبير، فجربس، ممثل الشركة يملك صلاحية الاتصال المباشر بالأمير سلطان، وبالملك في بعض الأمور. لكن إذا أراد أحد كبار الضباط السعوديين، كقائد مدرسة الدفاع الجوي مثلاً، مقابلة المدير العام لشركة ريثيون، فقد كان عليه أن يأتي إلى مقر الشركة ويطلب تحديد موعد لمقابلته.


لم يكن ذلك الوضع يروق للملك فيصل. فقد كان - يرحمه الله - وطنياً غيوراً في وطنيته لا تلين له قناة. وبالمثل لم يكن الأمر ليروق للأمير سلطان. لذلك كانت التوجيهات الصادرة إليّ تقضي بالعمل على كبح جماح الشركة وتنظيم العلاقة بيننا وبينها على نحو أفضل. ولم يكن ذلك بالأمر الهين بالنسبة إلى ضابط برتبة نقيب في العشرينات من عمره، لكنني قمت به في متعة بالغة.


وأدركت، بطبيعة الحال، أنه كان عليَّ قبل أن أفرض نفسي على الشركة، أن أتعلم الشيء الكثير. ولم يكن في وسعي الاصطدام مباشرة بمؤسسة بضخامة ريثيون وهي تؤدّي من هذا الدور الحيوي في حماية أمننا الوطني. لكنني تمكنت، في أول اجتماع مع جربس، أن أخطو خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح.

بدأت الحوار على النحو الآتي: "طُلب مني أن أتولى إدارة العلاقة مع شركتكم، فإذا كانت هناك أية مشكلة ترغبون في مناقشتها مع الحكومة السعودية، أرجو أن تتوجهوا بها إليَّ. وإذا لم أتمكن من حلِّها فسأرفعها إلى قائد الدفاع الجوي. وإذا لم يتمكن، هو الآخر، من حلِّها فسيرفعها بدوره إلى جهات أعلى وهكذا. وسأتولى هذه العلاقة لابد أن تكون المسؤولية في يد أحدنا". وتابعت قائلاً: ومن الآن فصاعداً، لن نجتمع في مكتبك، فإذا رغبت في مقابلتي فسوف تتم المقابلة في مكتبي".

كانت الجملة الأخيرة هذه تنطوي علي قدرٍ كبير من الجسارة، إذ لم يكن لي مكتب، في ذلك الوقت. كنت أصرّف الأمور من حقيبة يدي. وكنت إذا احتجت إلى مكان لعقد اجتماع أدخل أول مكتب أصادفه.

ولا أدَّعي أنني أمسكت بزمام الأمور منذ تلك اللحظة، فالعادات القديمة لا تتغير بسهولة. وليس من يقتلع نبتة كمن يجتث شجرة. ولم يكن مستغرباً أن تقاوم ريثيون وأن لا تستكين لعملية "ليِّ الذراع" على يد أمير صغير مثلى. واستغرق الأمر أربع سنوات أو خمساً من الشد والجذب، أتقدم خطوتين، وأتراجع خطوة قبل أن أحقق سيطرة حقيقية، بيد أنها لم تكن سوى بداية.

وساعدني أمران على إنجاز تلك المهمة. أولهما، أن جلين جربس أدرك بحدسه أن ثمة تغييراً سيحدث لا محالة. فبدلاً من أن يحارب لتظل ريثيون مسيطرة، سعى إلى إقناع الشركة تدريجياً بالتعامل مع الواقع الجديد وإلى أن تصبح ريثيون شريكاً للحكومة السعودية، وانتهى الأمر بأنها أصبحت فعلاً شريكاً أصغر. أما الأمر الثاني، فقد تمكن جربس من الحصول على تأييد توم فيلبيس رئيس ريثيون في ذلك الوقت، للسياسة الجديدة.


وقّعت المملكة عقد صفقة صواريخ هوك عام 1966. واستمر تنفيذه خمس سنوات، وكانت قيمته 112 مليوناً من الدولارات. وكان هذا مبلغاً باهظاً بمقاييس تلك الأيام، لكنه لم يكن ضخماً بالنظر إلى أنشطة الشركة وخدماتها الشاملة. كان توم فيلبيس بعيد النظر، فقد أدرك أنه العقد الأول: في سلسلة من العقود التي تمت بالفعل بين شركته والمملكة.


وروى لي جلين جربس بعد ذلك إذ عملنا معاً لأكثر من عشرين سنة، أن توم فيليبس قال لمساعديه عندما عُرض عليه ذلك العقد الأول: "ليكن في علمكم، أيها السادة، أن المملكة العربية السعودية ستكون أكبر متعاقد معنا بعد الجيش الأمريكي. هذا ما أراه. وأرجو أن تعاملوا السعوديين من هذا المنطلق". وفي السنوات التي أعقبت ذلك، كان جربس يُستدعى للمثول أمام رئيس مجلس الإدارة كلما عاد إلى الولايات المتحدة فيسأله: "هل نقدم خدماتنا على الوجه الأكمل إلى هؤلاء الناس؟". ويكون الرد دائماً بالإيجاب. ولا شك في أنهم جَنَوْا كثيراً من الأرباح من المملكة خصوصاً في السنوات الأولى، إلا أننا ربحنا منهم الكثير أيضاً، ليس في ما يتعلق بالمعدات فحسب، ولكن، وهو الأهم، في ما يتعلق بالتدريب ونقل التكنولوجيا.

ففي نهاية المطاف استطعنا استطعنا، بفضل مساعدتهم، أن ننشئ شبكة دفاع جوي وفق أحدث ما توصلت إليه التقنية الحديثة في العالم، شبكة تغطي كل أنحاء المملكة. وهي بحق مبعث فخر لنا، بل لكل دولة في العالم تمتلك مثيلتها. يضاف إلى ذلك أنها تدار كلها بأيدٍ سعودية. تلك كانت ثمرة عَقْدٍ أو عقدين كاملين من الزمن في عملٍ دؤوب.

ولا يسعني إلاّ أن أسجل بكل التقدير تلك الجهود التي خططت للعلاقة الجديدة بين المملكة وريثيون، وأخص بالذكر جهود فيل فالون المفاوض الأول للشركة، وجلين جربس مديرها العام في المملكة. ولا يفوتني أن أنوه بجهود جيم لويس الرجل الذي تخصص في حل المشاكل. وكان قد بدأ عمله مساعداً للسيد جربس عام 1970 حين قابلته للمرة الأولى، وانتقل بعد ذلك إلى إيران أيام حكم الشاه ليرأس عمليات ريثيون هناك قبل أن يعود إلى المملكة عام 1977 ممثلاً رئيسياً لشركة ريثيون، وتولى هذا المنصب باقتدار حتى إحالته إلى التقاعد في نهاية عام 1993.

وعلى النقيض من ممثلي الشركات الأخرى التي تعمل في المملكة، كان التعامل مع ريثيون أكثر يسراً، إذ كان في وسع ممثليها أن يتخذوا القرارات بأنفسهم من دون الرجوع إلى رؤسائهم في الولايات المتحدة، حتى لو كان الأمر يتعلق بعشرات الملايين من الدولارات. كان أهم أسباب نجاحها في التعامل معنا يكمن في أنّ المسؤولين فيها يعينون مديرين يملكـون صلاحيات حقيقية تمكنهم من اتخاذ القرارات ووضعها موضع التنفيذ.
 
ترويض الشركة (تابع)

قائد الدفاع الجوي السابق ( الأمير خالد بن سلطان )

اعترض نشوب حرب أكتوبر 1973 عملي بصفتي ضابط مشروع. وهي الحرب التي رأيت فيها محاولة شجاعة لاسترداد الأراضي العربية التي اغتصبت عام 1967، ولإجبار إسرائيل على الجلوس إلى مائدة المفاوضات. شنت مصر وسوريا هجومين متزامنين عبر قناة السويس وعلى مرتفعات الجولان. وفي بداية الأمر، حققت القوات العربية نجاحاً باهراً أفقد إسرائيل اتزانها، إلا أن القوات المصرية، وبعد أن عبرت قناة السويس وحطمت خط بارليف - وتلك معجزة عسكرية في حد ذاتها- لم تتقدم إلى ممرات سيناء ( كنت من بين المراقبين الذين اعتقدوا بأنها كانت وقفة عملياتية تمهيدا لتطوير الهجوم ).

ونتيجة لذلك، تمكنت إسرائيل من أن تلقي بثقلها على الجبهة السورية، وأجبرت القوات السورية على الانسحاب من هضبة الجولان، وتقدمت في اتجاه دمشق وبعد فوات الأوان، انتقلت الوحدات المدرعة المصرية ( النسق الثاني ) من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم شرق القناة، لكن الإسرائيليين كانوا قد أصبحوا على استعداد تام للتعامل معها بعد أن أدوا مهمتهم على الجبهة السورية. وكان للدعم الهائل الذي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة أكبر الأثر في تدعيم موقفها، إذ كانت الدبابات والمدافع والمعدات الأخرى تنقل إلى ميدان ال معركة مباشرة عبر جسر جوي من القواعد الأمريكية في ألمانيا بل من قاعدة كيلي الجوية في ولاية تكساس ولو أن الاتحاد السوفيتي انتهز هذه الفرصة وبادر إلى الهجوم على الولايات المتحدة في ذلك الوقت لَوَضَعَ القيادة الأمريكية في وضع عسكري حَرِج.

كان قرار الرئيس محمد أنور السادات بدفع النسق الثاني إلى المعركة لتطوير الهجوم قراراً سياسياً وليس عسكرياً. فقد وقفت القيادات العليا لجيشه، بلا استثناء، ضد هذه الفكرة، لأنها تعرِّض الضفة الغربية للقناة لهجوم إسرائيلي، وتعني أيضاً تطوير الهجوم على أرض تتدرج في الارتفاع كلما اتجهنا شرقاً، وتُعرِّض القوات للهجمات الجوية الإسرائيلية لخروجها من مظلة صواريخ الدفاع الجوي أرض - جو. وإزاء هذا الموقف، حاول اللواء سعد مأمون، قائد الجيش الثاني الميداني، معارضة أوامر السادات في بداية الأمر، لكنه أصيب بنوبة قلبية حادة لَمَّا رأى إصرار الرئيس على خطته التي كانت ترمي إلى تخفيف الضغط عن الجبهة السورية. وكان من نتائج هذا الخطأ الجسيم أن فقد الجيش المصري اتزانه. ولا يخفى على أَحدٍ ما حدث بعد ذلك.

وهكذا تحول الانتصار العربي المبدئي إلى وضع حرِج، بيد أن الجيوش العربية حاربت ببسالة عام 1973 خلافاً لما حدث عام 1967، وأثبتت للعالم أجمع أنها أتقنت فنون الحرب الحديثة. لكن النتيجة النهائية للحرب لم تحقق ما كان العرب يأملون فيه.

كانت المملكة حريصة على أن يكون لها دور في تلك الحرب. فقررت إرسال لواء من تبوك لتعزيز الدفاعات السورية في سعْسع ، وهي نقطة على الطريق المؤدية من الجولان إلى دمشق حيث توقف الزحف الإسرائيلي. ووقع الاختيار على اللواء محمد بديره ، وهو من أكثر ضباطنا خبرة في التكتيكات العسكرية، لقيادة اللواء الذي كان مسلحاً بصواريخ المضادة للدبابات والمحملة على عربات جيب، وكان سلاحاً جديداً وفعالاً في ذلك الوقت. كنت واحداً من ستة ضباط أُرسلوا إلى تبوك، لتجهيز كتيبة الدفاع الجوي العضوية التي كانت جزءاً أساسياً من اللواء ( كان مخططاً أن تتكون الكتيبة من سريتي مدافـع مضادة للطائرات وسرية صواريخ هوك ).

تمنيت أن أذهب إلى سعْسع لقيادة سرية هوك، لكن اللواء بديره قرر أن يأخذ مدافع مضادة للطائرات عيار 40 مم. ولَمَّا لم أكن مُدرَّباً على استخدام تلك المدافـع، لم يكن لي نصيب في الذهاب إلى سعْسع في صحبة اللواء. وقد استغرقت إجراءات تجهيز اللواء وقتاً غير قليل. وبينما اللواء في طريقه إلى دمشق كانت الحرب قد وضعت أوزارها أو تكاد. وبقي هناك أكثر من سنتين لمساندة السوريين في الدفاع عن جبهتهم.


كنّا نتابع أخبار الحرب من تبوك بكل اهتمام، إذ كانت لنا من قبل تجربة غير سارة مع البيانات العسكرية في حرب 1967. لذلك، كنّا ننظر بعين الريبة هذه المرة إلى البيانات المصرية والسورية. ولكنني، عندما عكفت على دراسة تفاصيل تلك الحرب، أُعجبت باستخدام القوات المصرية الكفء لصواريخ أرض- جو القصيرة المدى، sam-6 المتحركة، و sam-7 المحمولة على الكتف، وكذلك استخدامها المتمكِّن للمدفعية المضادة للطائرات، ومنها مدافع شيلكا ذات الأربع سبطانات ( مواسير ) من عيار 23 مم المزودة بالرادار. فقد سببت هذه المدافع إرباكاً كبيراً للقوات الجوية الإسرائيلية التي كان الإسرائيليون يحيطونها بهالة كبيرة من الدعاية، وما فتئوا يسمونها الذراع الطويلة لإسرائيل.

وبدلاً من أن تضع مصر الطائرة في مواجهة الطائرة، تمكنت باستخدام هذا السلاح الجديد من أن تضع الصاروخ في مواجهة الطائرة. وكان ذلك ناتجاً من قرار اتُّخِذَ في شهر يونيه عام 1969 بفصل قوات الدفاع الجوي عن سلاح المدفعية وجعلها قوة مستقلة تساندها شبكة إنذار مبكر اقتداءً بالنموذج السوفيتي. كما نجحت مصر أيضاً، باستخدامها صواريخ مالوتكا المحمولة المضادة للدبابات، في تحويل المعركة البرية إلى مواجهة بين الصاروخ والدبابة.

ومما خلصت إليه من نتائج حرب أكتوبر، زاد اهتمامي، بل ولَعي، بالقدرة الهائلة للصواريخ. أدركتُ أننا في حاجة إلى دفاع جوي أكثر من حاجتنا إلى طائرات للدفاع عن مجالنا الجوي الشاسع. وكنت واثقاً من أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تفرض حداً أعلى ( سقفاً أعلى ) على مبيعات المقاتلات الاعتراضية للمملكة بدافع طمأنة إسرائيل، وأنها ستوعز إلى بريطانيا وفرنسا أن تحذوَا حذوها. فلن تسمح أية دولة غربية أن تمتلك المملكة قوات جوية مؤثرة. ولم يكن متوقعاً أن تضع القيود نفسها على أسلحة الدفاع الجوي التي يمكن أن نحصل عليها. فإذا كان هناك حدّ أعلى لعدد الطائرات التي يمكن أن نمتلكها، فلن يكون هناك حد أعلى لعدد سرايا الدفاع الجوي التي يمكن أن نحصل عليها. لذلك، كان طريق الدفاع الجوي هو الطريق الذي علينا أن نسلكه. وكانت قناعتي بهذا الأمر لا تقبل الجدل، فاستقرت، منذ ذلك الحين، فكرة في رأسي شغلتني لسنوات عدة تالية، كما سيتضح للقارئ فيما بعد.

يدور صراع سجال لا تتوقف رحاه بين منتجي الصواريخ ومنتجي الطائرات المقاتلة، إذ يحاول كل طرف أن يتفوق على الآخر. فلا يكاد يظهر صاروخ قادر على إسقاط طائرة على مدى 40 أو 50 كيلومتراً مثلاً، حتى تُتَّخذ الإجراءات في مجال صناعة الطائرات لتحييد ذلك الصاروخ. لذا، أصبح صاروخ هوك الأساسي الذي حصلنا عليه عام 1966 نوعاً قديماً في عام 1973. وحتى نواكب التطورات السريعة في صناعة الصواريخ، كان علينا أن نمتلك صاروخ هوك المطَّور الذي كانت إمكاناته تفوق إمكانات صاروخ هوك الأساسي. وكان من ضمن مسؤولياتي، بصفتي ضابط مشروع هوك أن أتابع هذه التطورات وأستعد للمفاوضات، التي لا مفر منها مع شركة ريثيون، المصنِّع الوحيد لهذه الصواريخ، فور أن نعقد العزم على تحديث أنظمتنا الدفاعية.

قبل أن نشرع في المفاوضات الفعلية، تم الاتفاق على قيام بعض الضباط السعوديين بزيارة عمل إلى الولايات المتحدة. وشمل برنامج الزيارة مقابلة ممثلي ريثيون للتزود بالمعلومات عن نظام صواريخ هوك المطوَّر، ومشاهدة المعدات الأخرى، وزيارة المصانع التي تنتجها. أُسندت إليّ رئاسة الفريق السعودي، وبدأتْ رحلتنا بعد حرب 1973 بقليل واستمرت شهرين ونصف الشهر. كانت هذه الرحلة بالغة الأهمية بالنسبة إليّ.

عوملنا بقدر كبير من الحفاوة والتكريم منذ بداية مهمتنا، فكان في استقبالنا رئيس مجلس إدارة شركة ريثيون السيد آدمز المنحدر من نسل جـون كوينسي آدمز الرئيس السادس للولايات المتحـدة الأمريكية. وأقيم على شرفنا احتفال مناسب في مقر الشركة في مدينة لكسنجتون قرب بوسطن .
بدأنا بزيارة قسم أنظمة الصواريخ في أندوفر القريبة، ثم توجهنا إلى هنتسفيل لمشاهدة البرامج التطبيقية (software) ومرافق الصيانة لصواريخ هوك المطوَّر. بعد ذلك، سافرنا إلى مواقع الاختبار في ألاباما وإلباسو حيث زرت المواقع التي كنتُ أعرفها من قبل، بما في ذلك الميدان الذي رأيت فيه للمرة الأولى صاروخ هوك الأساسي أثناء إطلاقه. كان يرافقني ضمن الفريق السعودي النقيب صالح محمد الحجاج، الذي كان يعمل ضابط اتصال مع شركة ريثيون ( تقاعد برتبة عميد ولا يزال من أعز أصدقائي ) والنقيب محمد سعيد الكيال. وهو ضابط دفاع جوي أصبح بعد ذلك من أقرب مساعديّ في عملي العسكري، وهو يتقن اللغة الإنجليزية، إذ أمضى بضع سنوات في مدرسة في بريطانيا، والتحق بساندهيرست قبل أن ألتحق بها بسنتين. وعمل أيضاً قائداً لقسم اللغة الإنجليزية في مدرسة الدفاع الجوي، وكان وقتها برتبة ملازم أول. وفي ذلك القسم، كان الأفراد الذين وقع عليهم الاختيار للتدريب على صواريخ هوك يتلقون برنامجاً في تعليم اللغة الإنجليزية قبل أن ينتقلوا إلى التدريب الفعلي. وكان أول لقاء لي مع الكيال في تلك المدرسة عام 1969 ونشأت بيننا صداقة حميمة منذ ذلك الزمان.

كنت والكيال، عند زيارتنا للولايات المتحدة عام 1973، لا نزال ضابطيْن في مقتبل العمر، ولم تكن لدينا خبرة في مقابلة الشخصيات البارزة. ووجدنا أنفسنا، دون سابق إعداد، نتعامل مع كثير من الجنرالات والمديرين والإداريين وكبار المسؤولين الحكوميين الذين كان بينهم جوزيف سيسكو ، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. جاءت ذروة الإثارة في رحلتنا عندما رتب لنا السيد آدمز، رئيس شركة ريثيون، وكان من الشخصيات المرموقة في واشنطن زيارة لأليوت ريتشاردسون ، وزير الدفاع في حكومة الرئيس نيكسون .

كانت تلكَ الزيارة أكبر من أن تخطر لي ببال. فكيف لي وأنا لا أزال أحبو في ميدان العمل العسكري مقابلة وزير دفاع أقوى دولة في العالم بأسره، الولايات المتحدة الأمريكية؟ أقابله في إطار إجراءات المفاوضات لإبرام عقد مهم سيغير وجه الدفاع الجوي في المملكة ويعزز استعدادها العسكري.

ومن أغرب ما حدث، أنه عند دخولنا مكتب أليوت ريتشاردسون، طُلب إلى السيد آدمز أن يبقى في غرفة الانتظار. كان آدمز يتوقع أن يدخل معي. ولاحظت إستياءه من ذلك الموقف. كان الشرر يتطاير من عينيه. كان صديقاً لريتشاردسون، وأظنه عاتبه لهذا الموقف عتاباً شديداً بعد ذلك. وإلى جانب أن آدمز شخصية مميزة بصفته مدير إحدى كبريات الشركات الأمريكية، كان يحظى باحترام كبير في المملكة إثر مجاملة لطيفة قدمها إلى الملك فيصل عام 1966.

فقد حدث أن كان الملك فيصل يزور مدينة نيويورك وفي صحبته الأمير سلطان في شهر يونيه من ذلك العام، لكن عمدة المدينة، في محاولة منه لإرضاء الناخبين اليهود، رفض إقامة مأدبة عشاء للملك. وظهر آدمز في الميدان فجمع كبار رجال الأعمال من أنحاء الولايات المتحدة ونظم للملك استقبالاً حافلاً لم يحظَ بمثله أي زعيم دولة زار مدينة نيويورك، وتوطدت العلاقات بينهما بسبب ذلك. وكان تصرفه معي أيضاً في غاية اللطف والأدب. ولك أن تتخيل كيف جلس ينتظرني حتى انتهت مقابلتي مع ريتشاردسون، ثم انصرفنا معاً من البنتاجون.

ولم تخلُ زيارتي لريتشاردسون من مواقف حرجة. فلم يكن لديّ تفويض بإجراء اتصالات عالية المستوى. وفي الواقع، لم يكن لديّ تصريح بمقابلة شخصيات رسمية في الحكومة الأمريكية. فأثناء حكم الملك فيصل، لم يكن يُسمح لنا بمقابلة مسئول أجنبي كبير من دون أن يُحاط الملك علماً بذلك. ولَمّا كنّا أول وفد عسكري يزور الولايات المتحدة الأمريكية بعد حظر النفط، الذي فرضه الملك فيصل إبَّان حرب أكتوبر، لم يكن مستبعداً أن يُظهر الشعب الأمريكي بعض مشاعر العداء لنا، وكان ذلك كله يتطلب معالجة بكياسة وحكمة.

اتصلت بوالدي أطلب منه النصيحة والتوجيه، وأخبرته أن زيارتي لريتشاردسون ستكون للمجاملة الخالصة، وأني مضطر إلى القيام بها لأن ترتيبها أُعد من قبل. فقال لي: "لا مانع.. ولكن لا تتعهد بشيء، وتجنب الصحافة ".

أدركت أن أليوت ريتشاردسون قد أعَدّ لي قائمة طويلة من الأسئلة. كان رجلاً طويل القامة، نحيل وتشع نظراته ذكاءً وحدّة، نظرات محامٍ في نيويورك. بدا واضحاً أنه يضعني في اختبار خاص، كما بدا واضحاً أيضاً أنه شغوف بمعرفة كل شيء عن المملكة، وعن الملك فيصل بوجه خاص، بعد أن أحدث هزة كبيرة في الولايات المتحدة بسياسته المستقلة وقراره حظر النفط ومساندته لكل من مصر وسوريا إبَّان حرب أكتوبر.

كان يجلس معنا، خلال المقابلة، عدد من مساعدي ريتشاردسون وقد انكبوا على تسجيل ملاحظاتهم على إجاباتي. ووقع بصري على الكيال، فإذا به، هو الآخر، منهمك، حتى لا يتفوق عليه أحدً، في تسجيل الملاحظات. كان يسجل في أوراق أخرجها من حقيبته، ويا لها من حقيبة! كانت محشوَّة بالوثائق السرية المتعلقة بمباحثاتنا في شأن صواريخ هوك المطوّر. كنت أوْكلت إليه مهمة الاحتفاظ بها، وحذرته، ممازحاً، أنه سيقدم إلى محاكمة عسكرية إذا ضاعت منه. ويبدو أن الكيال أخذ ذلك التحذير مأخذ الجد، فكانت تلك الحقيبة الثقيلة لا تفارقه أبداً. كان يحملها أنَّى ذهب حتى تقوّس ظهره، فبدا وكأنه قد بلغ من الكبر عتيّاً.

فاجأني ريتشاردسون بسؤال سياسي حساس. أراد أن يعرف رأيي حول إسرائيل والفلسطينيين، فأجبته: "إن وجهة نظر جلالة الملك فيصل معروفة لكم جيداً، ولست في صدد التعليق عليها". وأضفت: "وما أنا إلاّ نقيب، وليس مسموحاً للنقباء التحدث في السياسة". أوقفته تلك الكلمات عند هذا الحد، كما أنقذتني من التعرض لأي عتابٍ أو لوم من الملك فيصل الذي كانت ستصل إليه لا محالة، كل مقولة أدليت بها.

كانت تلك الزيارة إلى الولايات المتحدة نقطة تحول مهمة في حياتي. لقد أذكت طموحي بعد أن انتقلت إلى مستوى أعلى على مسرح الأحداث، وعرفت المنهج الذي يفكر به القادة الأمريكيون. كنت حريصاً على الإبداع في عملي، وكنت أشعر أن العقد الذي أوْكِلتْ إليَّ مهمة التفاوض في شأنه سيدفع مستقبلي العملي إلى آفاق رحبة جديدة.

كانت المفاوضات مع ريثيون، في الأشهر الثلاثة أو الأربعة التي تلت ذلك، صعبة ومعقَّدة. حفلت بالخلاف تارة وبالشجار تارة أخرى، ولكن الأمر انتهى ونحن على وفاق تام. ووُقِّع عقد صواريخ هوك المطوَّر في الرياض في الثامن من أبريل عام 1974، وقعه عن الجانب السعودي، الأمير سلطان. ولم يكن الوصول إلى تلك المرحلة أمراً سهلاً، فقد وجدت لزاماً عليَّ أن أتعلم الكثير من التفاصيل الفنية المتعلقة بنظام هوك، ونفقات إنتاجه، والجوانب القانونية في العقد، بفقراته الكثيرة وملاحقه المتعددة، وكان عليَّ، إن أردت تعديل شرط في إحدى الفقرات، أن أبذُل الكثير من الدراسة والسهر. كنت أعمل بمفردي، بينما كان في وسع الشركة أن تستدعي الخبراء من كل حدب وصوب، فوجدت نفسي محتاجاً إلى من يساعدني ويشير عليَّ.

وظَّفت أَربعة من المسؤولين السابقين في الحكومة الأمريكية ممن كانت لديهم خبرة كاملة بنظام هوك، أحدهم ضابط صف يدعى بورن ( وكان يعمل مع ريثيون في المملكة )، أمّا الثلاثة الباقون فمدنيون. وكانوا كلهم مخلصين في نصائحهم ولم ينحازوا إلى الشركة في أي شكل من الأشكال.

كما تمكنتُ في ذلك الوقت من الاستعانة بزميل آخر كفءٍ، إلى جانب الكيال، هو النقيب عبدالله رشاد جستنيه الذي كان قد أمضى سنتين ونصف السنة في بوسطن بين عامي 1969 و1971 بصفته أول ضابط اتصال من الدفاع الجوي السعودي مع شركة ريثيون. وتخرج في تلك الفترة مهندساً، واكتسب قدراً كبيراً من الخبرة في مجال الإلكترونيات. وعُيِّن بعد عودته إلى المملكة، نظراً إلى كفاءته الفنية، مساعداً لقائد مركز الصيانة والإمداد الفني في جدة ( كان اسمه آنذاك الصيانة الرئيسية ). وكان أول لقاء لي معه في ذلك المكان. كنت أعمل قائداً لميدان الرماية، إضافة إلى عملي كضابط مشروع، إذ كنت أنظم رماية سرايا الدفاع الجوي في أنحاء المملكة. وكانت مهمة جستنيه هي التأكد من صلاحية جميع الأنظمة في ميدان الرماية في جدّة، إضافة إلي تأمين قطع الغيار التي تحتاج إليها الوحدات. كنّا نتقابل كثيراً كلما زرت جدّة في أوائل السبعينات وكنت أقدر فيه خبراته المتميزة.

وعندما كنت في صدد تشكيل لجنة فنية استشارية، ونحن نُعد العدة لمفاوضات صواريخ هوك المطور، وقع اختياري على جستنيه. وكنت في حاجة أيضاً، بالإضافة إلي الفنيين المتخصصين، إلي أناس لهم باع في شؤون إبرام العقود وذوي خبراتٍ في مجال الأعمال والتمويل والشؤون الدولية. عَيَّن الأمير سلطان لمساعدتي في هذا الأمر ثلاثة ضباط كانوا يعملون في برنامج سلاح الصيانة، هم: العقيد ناصر عبد العزيز العرفج، والعقيد على محمد الخليفة، الحاصلان على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، والعقيد أحمد عبدالله المالك، الحاصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد ( ترقّى الأول والثاني إلى رتبة لواء، والثالث إلى رتبة عميد بعد ذلك ). ثم عَيَّن الأمير سلطان ثلاثة من المدنيين المتميزين الأكفاء هم الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي، الذي أصبح فيما بعد وزيراً للصناعة، وهو الآن سفير خادم الحرمين الشريفين لدى بريطانيا، والدكتور محمد الملحم، الذي أصبح بعد ذلك وزير دولة، والدكتور محمد عمر مدني، من وزارة الخارجية ( كان يخدم ضمن أركاني أثناء حرب الخليج ). وكان لخبرة الدكتور مدني بالقانون الدولي أكبر الأثر في نجاح مهمة اللجنة. كنت أضطر في بعض الأحيان إلى أن أطلب من هؤلاء الرجال أن يواصلوا العمل حتى وقت متأخر من الليل، لمراجعة متطلباتنا وصياغة مواقفنا. وكان هذا الفريق القوى المتكامل هو سلاحي الذي واجهتُ به مفاوضي شركة ريثيون.

تعلمت بعض الحيل أثناء إجراء المفاوضات، منها أن للانطباعات الأولى أهميتها الكبرى، إذ تحدد نقاط قوتك ونقاط ضعفك. فمن العوامل الإيجابية في نجاح المفاوضات أن تبهر الفريق الذي أمامك، وتمسك بزمام المبادرة. ولا بد من أن يدرك الفريق الآخر إلى طاولة المفاوضات أنك رجل له ثقله وأنك تحظى بالدعم الكامل من بلدك وأنك تخفي في جعبتك الكثير والمثير ومن المفيد، من وجهة نظري، أن تهتم بالشكليات أثناء العمل، وهي في كُل حال طبيعتي في أداء الأعمال، إذ إنني أعطي المظهر دائماً أهمية الجوهر نفسه.

حدث في أوائل عام 1974، أثناء عثرة في المفاوضات، أن اقتضى الأمر سفري إلى الولايات المتحدة لمقابلة رئيس شركة ريثيون. وقررت إثر وصولي إلى نيويورك أن أستأجر طائرة إلى بوسطن إذ كنت أعرف أن رئيس الشركة سيكون في استقبالي، وكنت أرغب في أن أتركَ لديه انطباعا باهراً. ولم يكن معنا ما يكفي من المال، فاستيقظ أحد أصدقائي مبكراً وظل يتحدث بالهاتف إلى شركات تأجير الطائرات نحو ساعة، حتى حصل على أدنى سعر واستطاع أن يوفر لنا 1000 دولار.


لم يكن التقتير من طبعي، فلما حان هبوطنا في بوسطن سألت صديقي: ( كـم عدد طاقم الطائرة؟ ). فأجاب: ( الطيار والملاح والمضيف فقط ). فقلت له: ( أكرم الثلاثة وأجزل لهم العطاء ).

كان من شأن هذا السخاء أن يذهب بكل الجهود المضنية التي قام بها صديقي في التفاوض مع شركات تأجير الطائرات في الصباح، ولكننا حققنا هدفنا، فوصلنا وصولاً لائقاً، وودّعنا الطاقم وداعاً رائعاً على مشهد من الوفد الرفيع المستوى من شركة ريثيون الذي كان في استقبالنا.

ولو أمعنّا النظر في تلك الأحداث، لاكتشفنا أن قيمتها، في المدى الطويل، لم تقتصر فقط على الأسلحة المتقدِّمة التي حصلنا عليها من ريثيون ( على الرغم من أنها كلفتنا 264 مليوناً من الدولارات )، بل إن قيمتها الحقيقية في تلك التنازلات الإضافية التي استطعت أن انتزعها من الشركة. فعلى سبيل المثال كان موظفو ريثيون من الأمريكيين وأسرهم يشغلون، في تلك الأيام، المجمع السكنى للدفاع الجوي في جدّة. وكان الضباط السعوديون يسكنون خارج المجمَّع، ويضطرون إلى الحضور إليه كل يوم من أماكن إقامتهم. وكان هذا وضعاً معكوساً، من وجهة نظري. لم أكن لأحتمل أن يسكن ضابط سعودي برتبة رائد في شقة مستأجرة من غرفتين في أطراف المدينة، بينما ينعم موظفو ريثيون بالعيش الرغيد في المجمَّع. كان لا بد من أن ينتقل أبناء بلدي إلى المجمَّع، ليعيشوا هناك إلى جانب موظفي ريثيون.

ورفضت أن أوقع العقد بالأحرف الأولى إلا بعد موافقة الشركة على تسليم 40 فيلاّ، من مجموع 100 فيلاّ كانت تشغلها، إلى الضباط السعوديين. وعلى الرغم من أن كثيراً من زملائي في وزارة الدفاع كانوا يطلبون إليَّ ألاَّ أُحَمِّل الأمر أكثر مما يحتمل، لأن موضوع الفيلاّت في نظرهم أمرٌ ثانويٌ، إلا أنني كنت أعد ذلك أمراً لا يقبل النقاش أبداً. تمسكت بموقفي ولم أتزحزح. كان صراعاً مريراً مع الشركة، لكن مسؤوليها اضطروا إلى الموافقة في نهاية المطاف. واستطعت أن أحصل منهم على مزيد من الفيلاّت في العقد التالي، حتى أصبح المجمَّع سعودياً بكامله وفيه الآن من 800 إلى 900 وحدة سكنية.

وقد أضفتُ بنداً إلى العقد، بناء على اقتراح أحد أعضاء اللجنة، وكان اقتراحاً سديداً بالفعل، مؤداه أن تتولى الخطوط الجوية السعودية كل عمليات الشحن والنقل المترتبة على تنفيذ بنود هذا العقد. وصممتُ أيضاً على أن تتولى بمعرفتها مهمة الترتيب مع شركة ناقلة أخرى لتحل محلها إذا عجزت عن القيام بالمهمة. وأسرعت إليها لأحصل على تأييدها. وقد قابل مديروها هذه الخطوة بكل التقدير. وقاوم مفاوضو ريثيون هذا البند بكل ما أوتوا من قوة، إلا أنهم وافقوا عليه في النهاية. وبعد ذلك بسنتين، تحول ذلك البند إلى مرسوم ملكي يطبَّق الآن في كل تعاقدات المملكة.

كانت صفقة صواريخ هوك المطوّر، أول مشروع كبير أُشرِف على تنفيذه، وقد فتح أمامي آفاق التعامل مع وزارات الدفاع والصناعات الحربية في الخارج. علمتني أن أفكر في أمور كبيرة، وأن أتعامل مع ميزانيات ضخمة. والأهم من ذلك كله، أنها أرست الأسس التي انطلق منها الدفاع الجوي السعودي.

في تلك الأيام، كان هناك مكتب للمشاريع في قيادة الدفاع الجوي يشرف على كل ضباط المشاريع، وكنت واحداً منهم. ولكن بعد إتمام عقد صواريخ هوك المطوّر، الذي كان عقداً ناجحاً في كل المقاييس، أصبح وضعي مميزاً مما أقْنع قائد الدفاع الجوي، العقيد محمد الحمّاد ( رئيس هيئة الأركان العامة حالياً ) بتعييني مديراً لمكتب المشاريع. فاقترحت أن يسمى "مكتب تخطيط ومشاريع الدفاع الجوي"، وتوسعتْ تبعاً لذلك مهامه، وأصبح قاعدة انطلاق لي. وكان الدرس الأساسي الذي تعلمته من صفقة ريثيون أنه في قوة مثل الدفاع الجوي تستخدم تقنية عالية حديثة، وتعتمد اعتماداً كبيراً على مُصَنِّعِين ومدربين أجانب، تصبح العقود أداة حاسمة للتحكم في زمام الأمور. فمن خلال العقود يمكن السيطرة على الشركات ومن ثَم التحكم في النظام كليةً. كان هذا مخططاً تعهدته بالعناية والرعاية حتى اكتمل في جلسات عقدتُها في ساعات متأخرة من الليل، مع زملائي، واستغرق ذلك منّا شهوراً عدة. كنا نستعير غرفة الاجتماعات الخاصة بجلين جربس لنتدارس فيها بعد انتهاء أوقات العمل.

على هذا الأساس، تم إنشاء المكتب الجديد في يونيه من عام 1974 في مدينة جدّة، ليكون قريباً من مقر شركة ريثيون. كنت قد رُقِّيت للتو إلى رتبة رائد وعُينت مديراً للمكتب، وعُين الكيال مساعداً لي. وضغطت على جلين جربس ليتخلى لنا عن غرفة في إحدى الفيلاّت الخاصة بالشركة اتخذتها مكتباً لي. وبعد ذلك حصلنا على مكتب آخر انتقل إليه الكيال، ثم وظفنا مترجِماً وناسخ آلة كاتبة.

كان لابد أن أكون والكيال على درجـة عالية من الكفاءة ليحوز مكتب التخطيط والمشاريع الثقة والتقدير وليمارس صلاحياته على الشركة. وتطلب ذلك جهداً جهيداً، إذ كانت الشركة تستخدم عدداً كبيراً من العاملين، الأمر الذي يجعل مسايرتها عملاً ليس باليسير.

قَررت بعد فترة أنه لنمارس صلاحياتنا الحقيقية، لا بد أن يكون مكتبنا في قيادة الدفاع الجوي في الرياض، قريباً من وزارة الدفاع، وليس في جدّة قرب شركة ريثيون. كما دعت الحاجة إلى زيادة عدد العاملين معي، وبدأت أبحث عن الأشخاص المناسبين من بين ضباط الدفاع الجوي، ووقع اختياري على عبدالله جستنيه، وهو ذو كفاءة فنية عالية، وجدت منه العون كله أثناء مفاوضات صواريخ هوك المطوّر. وأذكر أنني زرت يوماً مدرسة الدفاع الجوي لأتحدث مع قائدها العقيد حسين صابر محمد، وهو رجل هادئ يتميز بقدر عال من الذكاء والقدرات الفائقة، وحضر الحوار جستنيه وعدد آخر من زملائنا حيث عُقد اللقاء في غرفة اجتماعات صغيرة.

قلت للعقيد صابر: "إنني في حاجة إلى ضابط ليخدم معي في المكتب الجديد لتخطيط ومشاريع الدفاع الجوي". كنت في تلك الأيام أحمل في جيبي دائماً مفكرة صغيرة أدون فيها أسماء ضباط الدفاع الجوي الذين أقابلهم خلال عملي. وفي الوقت الذي كنت أطرح فيه السؤال كنت أقلب في مفكرتي، واقتربت منه وأشرت إلى اسم معين وقلت له: "ما رأيك في هذا الرجل؟". فأجاب على الفور: "لقد أحسنت الاختيار فعلاً".

انصرف العقيد صابر وبقية الزملاء عَقِب اللقاء إلى مباشرة أعمالهم، وبقيت أنا مع جستنيه. خلعت سترتي العسكرية ووضعتها على مقعد قريب وشمرت عن ساعدي وقلت له: "أريد التحدث معك في بعض الأمور المهمة". وشرحت له وظائف المكتب الجديد، ثم أضفت: "إنني اخترت الرجل الذي سيعمل معي في الرياض". فأجاب: "أرجو لك التوفيق". فقلت له: "إنه أنت، أقصدُك أنت، أريدكَ أن تنضم إلينا، وأريد ردك في غضون ثلاثة أيام".

لاحظت أن جستنيه لم يكن سعيداً تماماً لهذا الاختيار. كانت أسرته وأصدقاؤه يقطنون في جدّة حيث نشأ فيها وترعرع. ولعلّ هذا ما يدفعه إلى عدم الترحيب بوظيفة في الرياض، وسط البلاد، بعيداً عن البحر. لكنه سألني بابتسامة ساخرة: "وما هي الإجابة التي تتوقعها منى". فأجبته: "أريدك أن توافق". فقال: "إذاً لست في حاجة إلى ثلاثة أيام".

وانتقلنا إلى الرياض، وبدأنا ننظم القسم الجديد. لم يكن معي هناك سوى جستنيه وموظف مدني اسمه محمد عيطه، ولا يزال في مكتب المشاريع في جدّة حتى الآن، أما الكيال فبقي في جدّة ليدير مكتبنا هناك.

لم تحظَ سلطات قسم التخطيط والمشاريع بقبول من جميع العاملين في الدفاع الجوي. ففي بداية الأمر، عند انتقالنا إلى الرياض، كان مكتبي صغيراً للغاية، طوله مترين وعرضه متراً ونصف المتر. وكانت الغرفة المجاورة أكبر بعض الشيء، وتستخدم قاعة اجتماعات. كان أول ما طلبته من جستنيه هو أن يحول غرفة الاجتماعات إلى مكتب لي. واستقر هو في غرفة صغيرة مجاورة، كانت تستخدم مخزناً. كنت أريد أن يدرك الجميع أن قيادة الدفاع الجوي أصبح فيها قسم للتخطيط والمشاريع. بدأنا نوسع مكاتبنا على حساب المكاتب المجاورة في لطف وكياسة، فكنا إما أن نقنعهم بترك مكاتبهم لنا بالحسنى، أو نعمل على تدبير أماكن بديلة لهم.

عند توقيع عقد صواريخ هوك مع شركة ريثيون عام 1966، وقعت الشركة عقداً آخر لصيانة جميع مرافق الدفاع الجوي في المملكة. وبعد ذلك بسنوات عدة، تحول عقد الصيانة من شركة ريثيون إلى شركة "دلة"، وكانت شركة حديثة التأسيس، يمتلكها ويديرها السيد صالح عبدالله كامل. وكان هذا التحول مبنياً على توجيه من الملك فيصل، سبق أن أشرت إليه، يقضي بأن تتعاقد المملكة في حالة المشروعات الكبيرة مع كل شركة بشكل مباشر بدلاً من السماح للشركات الأجنبية بالتعاقد من الباطن ( عقوداً فرعية ). وقضت توجيهاته أيضاً بأن تُعطَى الأولوية للشركات السعودية، إذا كانت قادرة على إنجاز المهمة. وبناءً على ذلك، طُرحت عملية صيانة مرافق الدفاع الجوي في مناقصة عامة أُرسيت على شركة دلة التي تقدمت بالسعر الأدنى.

بلغت قيمة عقد الصيانة المبرم مع ريثيون 30 مليوناً من الدولارات، وكان العرض الذي قدمته دلة يزيد على خمسة ملايين دولار بقليل. يضاف إلى ذلك أن ريثيون كانت تتمتع بمرونة أكبر في الإنفاق، إذ لم تكن تخضع للنظام المالي المعمول به للمشتريات الداخلية. ولعل انعدام المرونة كان سبباً في عدم نجاح شركة دلة في السنة الأولى، مما دفع بعض الناس إلى المطالبة بإعادة التعاقد مع شركة ريثيون. لكنني، بمرور الوقت، استطعت إقناع الحكومة بأن تعطي دلة صفقة أكثر عدلاً، تنطوي على قدرٍ أكبر من المرونة مع زيادة في قيمة العقد. وعلى الرغم من ذلك، كانت قيمة عقد دلة أقل من نصف قيمة عقد ريثيون. وأصبح صالح كامل نتيجة ذلك من أكبر المقاولين في المملكة، إن لم يكن في العالم العربي كله. وكان أول عميل لشركة دلـة هو الدفاع الجوي الملكـي السعودي. وهذه حقيقة يسعدني أن السيد صالح كامل يعترف بها في كل الأوقات.

عندما بدأ قسم التخطيط والمشاريع، وجدنا أنفسنا نتعامل مع شركتين فقط، هما ريثيون ودلة. ولكن سرعان ما دب النشاط في القسم في الرياض وجدّة، حيث أصبحنا نعمل ليلاً ونهاراً. وكان لإنشاء القسم دور كبير في اجتذاب العروض من شركات متعددة، وبدأنا نتلقى الدعوات من أصحاب العروض لزيارة مصانعهم ومقارّ شركاتهم في كل أنحاء العالم.

بالتدريج، أصبحت أهدافنا أكثر تحديداً وأكثر طموحاً. كنّا نرغب في تحمل مسئولية بناء الدفاع الجوي، ووضع أنظمة جديدة للشراء، واختيار مواقع دفاع جوي جديدة ومسحها ومعاينتها على الطبيعة، وبناء المرافق الجديدة، وتركيب المعدات. كنّا نرغب في أن نضع الرجل السعودي المناسب في المكان المناسب، وأن نتأكد من اكتساب الأفراد السعوديين الخبرات والتقنية الحديثة، حتى يستطيعوا، في نهاية الأمر، أن يتولوا بأنفسهم مسئولية صيانة المعدات، ومهمة التدريس في مدرسة الدفاع الجوي. كنا نرغب في أن نكون قناة الاتصال الوحيدة وهمزة الوصل الرئيسية بين الشركة والمملكة، فننقل طلبات الشركة إلى المسؤولين السعوديين وطلبات هؤلاء المسؤولين إلى الشركة، وألاَّ يكون هناك اتصال إلاَّ وفقاً للتسلسل القيادي. كان هذا هو النمط الذي أردته ولم أرتضِ سواه، إذ كان هو الأنموذج القائم بالفعل في معظم الدول.

وكان مكتب الإمداد التابع لقسم تخطيط ومشاريع الدفاع الجوي، إحدى وسائل السيطرة في أيدينا. كانت مهمة هذا المكتب هي تسلم جميع المعدات والمستلزمات من الشركات بموجب شهادات قبول، ومن ثَم تخزينها، ليقوم بتوزيعها بعد ذلك على وحدات ومجموعات الدفاع الجوي في أرجاء البلاد. وأصبحت عملية التسليم والتسلم بهذا الأسلوب مركزية وتخضع لقدر أكبر من الرقابة وتحديد المسؤولية.

تمكنت، في ضوء هذه المستجدات كلها، أن أقلب الموازين في علاقتنا بشركة ريثيون. أصبح وضعاً طبيعياً أن يأتي إلينا ممثلو الشركة بدلاً من أن نذهب إليهم. كنت كثيراً ما أقول لزملائي: "أليس الدفاع الجوي هو "الزبون" وهم الذين يقدمون الخدمة؟ نحن لا نطلب منهم معروفاً أو قرضاً، إنهم لا يقدمون إلينا شيئاً بلا مقابل. هم يقدمون الخدمة. ونحن نُوفّي إليهم حقهم كاملاً غير منقوص. هذه بلدنا ولا بد أن يأتوا هم إلينا".

لم يكن التعامل معي بالأمر الذي يروق لشركة ريثيون، لكن هذا الأمر لم يكن يعنيني في قليل أو كثير، فلست مرشحاً في انتخابات يريد أن يكسب أصواتاً، لم أكن أسعى إلى كسب ود ريثيون، لكنني كنت أريد منهم أن يحترمونا، وأن يقيموا وزناً لنا ولبلادنا، وكان ذلك هو ما انتهى إليه الأمر في نهاية المطاف. ونصحني كثير من الناس بأن أكون حريصاً ودبلوماسياً في تعاملي مع ريثيون، وحاولت فعلاً أن أخفف من وطأة التغيرات التي كنت عازماً على تحقيقها، وذلك باتباع أسلوب التدرج، فلم يكن في وسعي أن أضع الشركة أمام تحد صارخ، وأصرّ على تغيير الأوضاع بين عشية وضحاها. لم يكن هناك بد من أن أعمل على تغيير الأوضاع القائمة رويداً رويداً.

وكان أسلوبي في ذلك يقوم على اكتساب المزيد من العلم والمعرفة، لاستيعاب طبيعة العمل استيعاباً تاماً، قبل أن أفرض قيادتي. وكنت أرى أن دور الشركة لا يقتصر على تزويدنا بالعتاد الحربي بل يتعدَّاه إلى تزويدنا بالمعرفة التقنية. كان علينا أن نتعلم منهم كل ما نستطيع، ولكن دون تضحية بمستوى قدرات دفاعنا الجوي الذي كان لا يزال في بداياته الأولى. وكانت البلاد بوجـه عام، في السبعينات، لا تزال تتلمّس طريقها في كل الجوانب المتعلقة بالنمو التطور التقني. ولم يكن من الحكمة في شيء، بغض النظر عن الأنفة والاعتزاز اللذين يملآن جوانح أنفسنا، أن نحاول الجري قبل أن نتعلم المشي.

وبعد عام من إنشاء قسم تخطيط ومشاريع الدفاع الجوي، اقتضى الأمر التفاوض من جديد مع شركة ريثيون في شأن عقد أكبر من سابقه، وهو ما سمي بـ "العقد الثلاثي"، وكانت قيمته تزيد بقليل على مليار دولار. وكما يظهر من تسميته كان نظام "الثلاثي" يضيف وحدة نيران ثالثة ( أي فصيل ضرب ) إلى سرية صواريخ هوك، مما يحقق قدراً أكبر من الانتشار أو تنويع التشكيلات. كان هدفي في كل مرحلة الحصول على أحدث أنواع الأسلحة مهما بلغ تعقيدها، وفي الوقت نفسه الترتيب لإتمام أكبر قدر ممكن من التدريب على تلك الأسلحة حتى يبلغ أبناء شعبنا قمة الإتقان في استخدامها، فيتحقق لنا الاعتماد الذاتي ويقل اعتمادنا على الآخرين.

لن أثقل على القارئ بالتفاصيل الفنية، ولكن يكفي هنا أن أشير إلى أن مفاوضات "العقد الثلاثي" بدأت في نهاية عام 1974، وتم توقيع العقد عام 1976 بعد عامين ونصف العام من العمل المُضني. وفي ذلك الوقت، كانت وزارة الدفاع قد استحدثت إدارة المشتريات الخارجية التي يعمل فيها خبراء قانونيون إلى جانب خبراء آخرين يعملون على صياغة البنود والشروط المتعلقة بعقود الدفاع بغية حماية المصالح الوطنية للمملكة.

بذلتُ في إتمام ذلك العقد جهداً كبيراً، ويذكر زميلي عبدالله جستنيه أننا كنّا نبدأ جلساتنا في العاشرة صباحاً ولا نبرح غرفة الاجتماعات إلا في العاشرة مساء، وكنا نقتات ببعض الساندويتشات التي يخرج أحدنا لشرائها.

وعندما أنشأتُ قسم التخطيط والمشاريع، كان جلين جربس لا يزال الممثل الرئيسي لشركة ريثيون في المملكة، وعملنا معاً عن قرب وبشكل ودي. وأذكر أنني طلبت منه مرة أن تستمر الشركة في الالتزام بما جاء في العقد لمدة ستة أشهر أخرى. وكان العقد قد انتهى ولم توقع المملكة بعد عقداً جديداً. ووافقت الشركة. على ذلك. كانت كلمتي ضماناً كافياً لهم. فبعد توقيع عقد "هوك الثلاثي"، وهو عقد ضخم ومعقد، أصبحت المملكة هي أكبر متعاقد مع الشركة خارج الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، تمت ترقية جلين جربس واستدعاؤه إلى أندوفر ليدير مكتباً جديداً يتولى شؤون برنامج التسليح في المملكة، فأصبح بذلك مديراً لكل مشاريع ريثيون في المملكة.

وفي تلك الأثناء، واجه برنامج هوك المطوّر كثيراً من المشاكل، مما ألقى بظلال قاتمة على مفاوضات برنامج هوك الثلاثي. كانت المشكلة، في بساطة شديدة، هي أن مهندسي ريثيون واجهتهم صعوبات كبيرة في تحويل صواريخ هوك الأساسي إلى صواريخ هوك المطوّر، إذ كان الأمر يتطلب تفكيك النظام القديم وتعديله وإضافة قطع إلكترونية جديدة إليه. وشعرت بقلق بالغ عندما علمت بأن عملية التحويل هذه كانت تتم ببطء، وأنها لم تكن تسير حسب الجدول الزمني المرسوم لها. إذ أفقدتنا عملية التحويل هذه، إلى حدٍّ كبير، قدرتنا على الدفاع الجوي الإقليمي، فقد تم تفكيك النظام القديم، ولم يحل محله نظام جديد. كانت ريثيون في حاجة إلى وجود شخص في المملكة يتميز بالقدرة على حل المشاكل، وخبير بمعالجة الأمور سريعاً قبل أن تقع الكارثة.

كان جيم لويس هو ذلك الخبير، وهو رجل جدير بالاحترام فعلاً، وكان موجوداً في طهران لإدارة برنامج ريثيون في إيران. استدعاه فيل فالون، أحد كبار المديرين التنفيذيين في شركة ريثيون، إلى الولايات المتحدة بناءً على حَثٍّ منّي، وطلب إليه الانتقال إلى المملكة والتعامل مع المشكلة القائمة. قَبِلَ الرجل التحدي ووصل إلى المملكة، بعد ذلك بأيام، للعمل بصفته مديراً للعمليات، وكان ذلك في أغسطس عام 1977. وعندما وصل لويس أوقف كل شيء وبدأ بوضع جدول زمني جديد بالتعاون مع فريق المهندسين الذي شكله في الولايات المتحدة. كاد صبري ينفد، فقد أمضى لويس بضعة أسابيع في إعداد الجدول الزمني الجديد. وبعد أن فرغ من إعداده، عرضه عليَّ فلم يعجبني. كنت أريد أن تتم العملية في وقت أقل، لكنه قال لي: "ليعلم الأمير أنني لن أقدم خطة زمنية، إلاَّ إذا كنت واثقاً من أنني قادر على تنفيذها، ملتزم بتوقيتاتها".

أخيراً حضر لويس إلى مكتبي يحمل جدولاً زمنياً موقعاً ومؤرخاً، فسألته: "أليس في إمكانكم إنجاز العمل في وقت أقل؟". فأجاب قائلاً: "مستحيل". فقلت له: "لا بد أن تحاول. لا بد من وضع المعدات في مواقعها في أقرب وقت". ولكنه اعترض قائلاً: "لن أعد بشيء لا أستطيع الوفاء به. إنني أعرف إمكاناتي جيداً. ومعي طاقم من المساعدين هنا، نحن نعرف الأشياء التي نحتاج إليها. وهذا أقصى ما في وسعنا". فقلت له: "هل هذا أقصى ما في وسعك فعلاً؟". فأجاب: "هو كذلك دون أدنى شك". أمسكت بقلمي ووقعت على الجدول. كانت مدة العمل حسب الجدول سنة ونصف السنة، لكنه أنجز المهمة قبل الموعد بستة أسابيع. تم التحول إلى نظام هوك المطوّر، لكنه كلف ريثيون ما لم تكن تتوقع. وعندما أُطيح بالشاه عام 1979، وسادت منطقة الخليج حالة الاضطراب والقلق، كانت أنظمتنا على أعلى قدر من الاستعداد. وعندما اندلعت الحرب العراقية-الإيرانية في السنة التالية، كانت وحداتنا ومعداتنا جاهزة للاستخدام إذا ما اقتضت الحاجة. أثبتت لنا الأيام أن الجهود الحديثة والتدريب المحموم والحرص الدؤوب على إتمام برامج التسليح، كان لها جميعاً ما يبررها.

وحظي جيم لويس، ذلك الرجل الكفء، بثقتي الكاملة. تفاوضنا مراراً، وتغلبنا على الكثير من الصعاب، وإن لم يخلُ الأمر أحياناً من بعض الخلافات في شأن النفقات. كان كل منا يشعر أحياناً أن الآخر يبخسه حقه. فهو يشعر أن شركته تستحق أموالاً أكثر مقابل خدماتها، وأنا أشعر أن المملكة تستحق خدمات أفضل مقابل أموالها. كنا معاً نجد متعة كبيرة في التغلب على كل مشكلة تعترضنا.

بحلول منتصف السبعينات، أصبحت جميع عقود الدفاع الجوي التي تبرمها الحكومة تتم من طريق قسم التخطيط والمشاريع الذي كنت أرأسه. كنت أدير جميع مشاريع الدفاع الجوي من الألف إلى الياء، كنت أضم إلى فريقي ضباطاً أختارهم وأدربهم على فنون التفاوض والفنون الأخرى، بينما الآلاف من الشباب السعودي قد انخرطوا في مدرسة الدفاع الجوي . وفي عام 1976، تمكنت من تدبير بعثة لعبدالله جستنيه إلى أريزونا في الولايات المتحدة لدراسة الماجستير ثم الدكتوراة في إدارة التكنولوجيا الصناعية. كانت دراسة تتعلق بأمور التخطيط ونقل التكنولوجيا، وهي جوانب مهمة في مجال الدفاع الجوي. واستدعى ذلك أن يبقى جستنيه بعيداً عن المملكة ست سنوات. وحل محله المقدم أحمد لافي العبلاني ، وهو من ضباط الدفاع الجوي المقتدرين، وكان قد حضر دورة دراسية في الولايات المتحدة عن صواريخ هوك المطوّر عام 1975.

كانت علاقة المملكة بشركة ريثيون، التي كانت دعامة النجاح بالنسبة إليّ، ناجحة في كل المقاييس. كان من المفيد حقاً لكلا الطرفين أنني جعلت الشركة تعلم يقيناً أنها لم تكن تتعامل مع دولة يستخف بها، بل هي تتعامل مع صورة جديدة للمملكة تختلف تماماً عن صورتها القديمة التي كانت عليها عند بداية العلاقة بينهما في الستينيات. أصبحت المملكة دولة حديثة تخطو في مضمار التقدم بخطى ثابتة حثيثة. أصبحت المملكة بلداً يحفل بحمَلَة شهادات الدكتوراة، وبالحاسبات الآلية، وبمستويات الأداء العالية. ويحفل بالمفاوضين المتمرسين، وفيه وزارة دفاع على أعلى درجة من الكفاءة والتنظيم، وعلى قمتها رجل يتميز بالدقة والنظام. رجل بنى أنظمة الوزارة على أسس راسخة قوية. إنه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز. أصبحت بلادنا جديرة بالاحترام. وأصبحنا قادرين على مراقبة أداء الشركة التي كان لها الباع الأطول عبر السنين في مساعدتنا على بناء قوات دفاعنا الجوي وتحديثها.


 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى