وقال في حوار خاص مع وكالة أنباء البحرين "بنــا" إن العديد من القضايا والملفات ستحتل أولوية قصوى أمام قادة دول التعاون، سيما تلك التي ترسم صورة مستقبل المجلس في السنوات القليلة المقبلة، واصفا القمة بأنها قمة الخير والنماء والارتقاء، خاصة أن هناك حاجة تدعو إليها في هذا التوقيت بالذات في ظل ما تشهده المنطقة والعالم من مخاطر وتهديدات ينبغي الاحتراز منها ومجابهتها، وفي ظل الرغبة والإصرار لاستكمال مسيرة المجلس التكاملية في مختلف مجالات التعاون المشترك سواء من جانب الشعوب أو القادة.
وفيما يلي نص اللقاء الذي أجرته وكالة أنباء البحرين "بنا" مع معالي الامين العام لمجلس التعاون..
س ـ استضافة مملكة البحرين لأعمال الدورة الـ37 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون يوم غد الـ6 من ديسمبر 2016، يحمل الكثير من الآمال والتطلعات، كيف ترون ذلك في ضوء استعدادات البحرين لاستقبال ضيوفها الكرام؟
ج - قمة الصخير في مملكة البحرين، ستكون بإذن الله ( قمة الخير والنماء والارتقاء) في مسيرة مجلس التعاون، وهي قمة مهمة تنعقد في ظل ما تشهده مسيرة مجلس التعاون من تصميم رسمي وشعبي على المضي قدما لتعزيز مسيرة المجلس وتوطيد أركانها، وحماية منجزاتها، ومواجهة ما تعيشه المنطقة من تحديات سياسية وأمنية واقتصادية تتطلب تضامنا وتكاتفا شاملا، وعملا دؤوبا يحقق التكامل والترابط والتضامن بين دول المجلس في مختلف المجالات.
وسيكون أمام أصحاب الجلالة والسمو القادة، حفظهم الله، ملفات عديدة تشمل مختلف مجالات التعاون المشترك سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، بالإضافة إلى تقارير العمل المشترك المرفوعة من المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة والأمانة العامة.
س ـ خلال ما يزيد على عقود ثلاثة، مرت مسيرة مجلس التعاون الخليجي بالعديد من المراحل والتطورات، ما هو تقييم معاليكم لمسيرة المجلس، خاصة في ظل استمرار التحديات والتهديدات التي تتعرض لها المنطقة؟
ج -مسيرة مجلس التعاون، ولله الحمد، تمضي بخطى ثابتة وواثقة وعزيمة صادقة نحو الأهداف السامية التي وردت في النظام الأساسي الذي وضعه القادة المؤسسون للمجلس. إن مجلس التعاون اليوم، وبعد مضي خمسة وثلاثين عاما على تأسيسه، أصبح منظومة راسخة قادرة على الصمود ومواجهة مختلف التحديات، وقادرة على تحقيق طموحات أبناء دول المجلس في مزيد من التعاون والترابط والتكامل. إن ما حققه مجلس التعاون في كافة المجالات كثير، وأمام دول المجلس ومواطنيها العديد من التحديات التي تتطلب جهودا كبيرة وتنسيقا مستمرا.
س ـ جملة من التحديات الاقتصادية تواجه الآن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي تحديات تستدعي التعاطي معها بمنظور آخر مختلف غير الذي اعتادت عليه شعوب المنطقة، كيف يمكن أن يحدث ذلك في رأيكم؟
ج - إن التحديات الاقتصادية هي إحدى أهم التحديات التي تواجه مجلس التعاون. ودول المجلس تدرك أن الاقتصاد هو عصب الحياة والتقدم، وهو المحرك الأساسي للنمو والازدهار المنشود. ولذلك فقد بادرت عند تأسيس المجلس إلى إقرار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة في عام 1981، والتي بموجبها تم تأسيس السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي، وإنشاء العديد من الهيئات الاقتصادية الخليجية لرفد العمل الخليجي المشترك وتعزيزه، بالإضافة إلى تحقيق منظومة تشريعية موحدة بين دول المجلس.
واليوم، وبفضل حكمة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، حفظهم الله ورعاهم، وجهود المجلس الوزاري واللجان الوزارية المختصة، تدخل دول مجلس التعاون مرحلة جديدة من التعاون والتكامل الاقتصادي، حيث تم مؤخرا تأسيس الهيئة القضائية الاقتصادية، وهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، وهما هيئتان مهمتان بل وضروريتان لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك بين دول المجلس.
وهيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية سوف تأخذ على عاتقها مهمة النظر في السياسات والتوصيات والدراسات والمشاريع التي تهدف إلى تطوير التعاون والتنسيق والتكامل بين الدول الأعضاء في المجالات الاقتصادية والتنموية، وكذلك تشجيع وتطوير وتنسيق الأنشطة القائمة بين الدول الأعضاء في تلك المجالات.
س ـ أمن واستقرار دول مجلس التعاون ككل في مواجهة التطلعات والنوايا العدوانية الإقليمية، أمر يحتل أولوية قصوى على قائمة اهتمامات دول المجلس، في ظنكم كيف يمكن تطوير قدرات المجلس وجهوده لمواجهة مثل هذا التهديد؟
ج - دول مجلس التعاون مدركة لكافة التحديات الأمنية التي تواجهها، ولن تتردد في اتخاذ كافة الإجراءات التي تحفظ أمنها واستقرارها والدفاع عن سيادتها واستقلالها ومصالحها. وسوف تبقى بعون الله عصية على من يريد بها شرا، لأنها لا تضمر شرا لأحد، ولا تريد إلا الخير لجميع الأمم والشعوب. أما بالنسبة لتطوير قدرات دول المجلس فهو نهج ثابت ومستمر ولن يتوقف، سواء في المجال الأمني أو العسكري، وهدف دول المجلس هو الدفاع عن سيادتها ومصالحها ومكتسبات شعوبها ومنجزاتها التنموية التي تحققت عبر مسيرتها المباركة.
س ـ اهتمام كبير يبديه قادة دول المجلس بتطلعات مواطنيهم وطموحاتهم بشأن تيسير تنقلاتهم وحركة رؤوس أموالهم فيما بين دول المجلس وبعضها، هل هناك توجهات جديدة معينة لتطوير مخرجات المجلس ناحية تحقيق هذا الأمر؟
ج - إن توجيهات أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، رعاهم الله، تؤكد دائما، بل وتحث على ضرورة تعزيز مكتسبات المواطنة الاقتصادية، وتذليل العقبات من أجل أن يتمتع المواطن الخليجي بكل الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية التي كفلتها تلك المواطنة سواء في مجال التملك أو العمل أو التنقل أو ممارسة الأعمال التجارية والمهن والحرف، والمساواة في الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. واللجان الوزارية المختصة تبذل جهودا كبيرة من أجل دراسة السبل الكفيلة بتحقيق المواطنة الاقتصادية الشاملة، وتطوير مكتسباتها.
س ـ محاولات التدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة يواجهها المجلس بكل قوة وحسم، ومواقفه في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين وغيرها شاهدة على ذلك، هل ترى من وسائل وآليات جديدة يمكن بها التصدي لمثل هذه المحاولات؟
ج - دول مجلس التعاون ترفض رفضا قاطعا التدخل الأجنبي في شؤون دول المنطقة، باعتباره يتعارض مع القوانين الدولية، ويهدد أمن المنطقة واستقرارها. وأعتقد أن المجتمع الدولي معني بوقف تدخلات الدول في شؤون الدول الأخرى، وأن الأمم المتحدة قادرة على القيام بهذا الدور، وإيجاد الآليات الكفيلة بالتصدي لهذا التدخل من خلال ميثاقها الذي يحظر مثل هذه التدخلات. من هنا فإن دور مجلس الأمن الدولي ينبغي أن يكون حاسما وحازما باعتباره الهيئة الدولية المعنية بالحفاظ على الأمن والسلم الدولي.
س ـ نجاح المجلس في تسوية الأزمات وإيجاد حلول للمشكلات يعكس التطور في مكانته وزيادة ثقله على الساحة الدولية، ما هي أهم الأدوار، خاصة في بعديها الإنساني والإغاثي، التي يقوم بها المجلس على الصعيد الخارجي؟
ج - دول مجلس التعاون قامت بدور كبير وجهود ملموسة على كافة المستويات الرسمية والأهلية من أجل مساعدة اللاجئين على تجاوز الظروف الصعبة التي يعانونها. ومن بين تلك الجهود استضافة دولة الكويت لثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين للشعب السوري بالتعاون مع الأمم المتحدة، وبلغت تعهدات الدول المانحة 7 مليارات وسبعمائة مليون دولار أمريكي ، منها حوالي أربعة مليارات دولار تعهدات من دول مجلس التعاون. كما استضافت دولة الكويت ثلاثة مؤتمرات للمنظمات والمؤسسات والجمعيات الخيرية، وبلغت حصيلة المؤتمر حوالي مليار دولار.
كما أن دول المجلس سيرت قوافل إغاثة إنسانية توجهت من جميع دول المجلس إلى مناطق اللاجئين في الدول التي لجأوا إليها، حيث قامت دول المجلس بإنشاء مخيمات إيواء ومدارس ومراكز صحية في الدول المجاورة لسوريا في الأردن ولبنان وتركيا والعراق لخدمة اللاجئين.
أما في اليمن فقد قدمت دول مجلس التعاون دعما ماليا كبيرا للحكومة الشرعية لمساعدتها في إيصال مساعدات الإغاثة للشعب اليمني. كما قامت المملكة السعودية بإنشاء مركز الملك سلمان للمساعدات الإنسانية لتنسيق جهود الإغاثة الإنسانية في اليمن، ورصدت له ميزانية قدرها مليار ريال سعودي، فضلا عن الجهود التي تقوم بها جمعيات الهلال الأحمر والهيئات الخيرية بدول المجلس لإرسال المساعدات الإنسانية إلى المحافظات اليمنية.
س ـ التحديات الأمنية غير التقليدية كالإرهاب وغيرها، من أهم العقبات التي يمكن أن تعوق مسيرة المجلس، ما هي في رأيكم أبرز الوسائل التي لجأتم إليها في السابق أو يمكن أن تلجأوا إليها مستقبلا، للتصدي لمثل هذه التهديدات؟
ج - مسيرة مجلس التعاون لن يعوقها شيء، مهما كانت التحديات. إن التهديدات الإرهابية، بالرغم من أنها خطر يهدد دول المجلس منذ عدة سنوات، إلا أنها لن تثني دول مجلس التعاون عن المضي قدما في مواجهتها ومكافحتها والقضاء عليها. ودول مجلس التعاون تؤمن أن التعاون والتنسيق المشترك فيما بينها في المجالات الأمنية كفيل بتحقيق أهدافها المشتركة في القضاء على الإرهاب وتنظيماته المتطرفة وتجفيف مصادر تمويله، وقد حققت في هذا السبيل نجاحات عديدة. كما أن العمل المشترك والتعاون مع دول العالم والهيئات الدولية المتخصصة، أمر هام وضروري لأن الإرهاب أصبح اليوم ظاهرة عالمية، ولابد من مكافحته وفق نهج شامل ومتكامل.
س ـ بذل مجلس التعاون جهودا كبيرة لتطوير أنظمته وتشريعاته التي جعلت منه تجربة وحدوية راسخة تضارع نظيراتها في أوروبا الغربية وغيرها، ما هي أبرز التطورات والجهود التي تبذلونها بهذا الخصوص؟
ج - إن إنشاء منظومة تشريعية شاملة ومتكاملة هو هدف رئيسي لدول المجلس، فدول المجلس تؤمن أن التشريعات هي عماد التعاون والتكامل الخليجي المشترك، وبدونها يصعب الوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة. ولله الحمد تمكن مجلس التعاون حتى الآن من إعداد خمسة وأربعين قانونا موحدا في مختلف المجالات، بالإضافة إلى حوالي مائة وخمسين من القوانين الإسترشادية التي نسعى إلى تحويلها إلى قوانين موحدة.
وتعمل الأمانة العامة الآن على استكمال منظومة التشريعات الاقتصادية تنفيذا لما تضمنته رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، رعاه الله، التي اعتمدها أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس في قمة الرياض في العام الماضي.
س ـ لدول التعاون علاقاتها الوطيدة بأقطاب النمو الجديد في آسيا، كالصين والهند وغيرها، وتنظم معها حوارات استراتيجية دورية، ما هي السبل الكفيلة بنظركم لتعزيز وتطوير التعاون مع مثل هذه الدول، خاصة في المستقبل؟
ج - دول مجلس التعاون تسعى إلى بناء علاقات تعاون راسخة مع العديد من دول العالم بما فيها الدول الأسيوية، ولا شك أن الحوارات الاستراتيجية التي تجريها دول المجلس مع العديد من دول العالم والمجموعات الاقتصادية من شأنها أن تحقق أهداف دول المجلس في توسيع آفاق العلاقات وتعزيزها مع مختلف دول العالم.
لقد كان للحوارات الاستراتيجية التي تجريها دول المجلس مع تلك الدول تأثير إيجابي في نمو التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي وزيادة مجالات التعاون المشترك مع العديد من الدول. ونحن مستمرون في تعزيز هذه الجهود السياسية لترسيخ مكانة مجلس التعاون على المستوى العالمي.
من: رشا الإبراهيم
المصدر