6 خطوات «بوتينية» لتقويض نفوذ أوروبا في البحر المتوسط
مشاركة
جيوبوليتيكا»، والتي تعني علاقة الدولة بمحيطها الخارجي، وسياستها الدبلوماسية، وتصورها عن ذاتها، وتأثيرها وتأثرها بالعالم الخارجي، وكيفية صياغة الاستراتيجيات والنشاطات التي تحقق لها أكبر العوائد، وتجنبها المخاطر.
وعندما نتحدث عن روسيا، الدولة العظمى ذات النفوذ العالمي القوي المتنامي حاليًا، والمساحة الشاسعة، والقوة العسكرية ذات الثقل الدولي، فأول تماس جغرافي وتاريخي لها مع القوى الخارجية، في إطار الصراع بين الشرق والغرب، هو الاتحاد الأوروبي الذي يقف وراءه الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى مدار عقدين كاملين، سعى الرّوس بقيادة قيصرهم الجديد
فلاديمير بوتين إلى إعادة هيمنة وهيبة البلاد،
وتقويض نفوذ الاتحاد الأوروبي كقوة سياسية، والحلف الأطلسي كظهير عسكري في مياه البحر المتوسط.
1. من شبه جزيرة القرم كانت البداية
عقب
الثورة الأوكرانية في 2014، التي أطاحت الرئيس
فيكتور يانوكوفيتش وحكومته، تظاهر محتجون معظمهم ينتمي للقومية الروسية؛ اعتراضًا على الأحداث الجارية في كييف العاصمة الأوكرانية، إذ طالبت فئة واسعة من المحتجين بالتكامل مع روسيا الاتحادية، بالإضافة إلى حكم ذاتي موسع، أو استقلال للقرم عن أوكرانيا، وهو ما كان عبر استفتاء 16 مارس (آذار) 2014، لتحصل القرم على استقلاليتها، وتنضم إلى روسيا الاتحادية.
وفي السادس من مارس (آذار)، صوّت أعضاء المجلس الأعلى للجمهورية «ذاتية الحكم» على
الانفصال رسميًّا عن أوكرانيا، والانضمام إلى روسيا الاتحادية، وفي اليوم التالي للاستفتاء وافق بوتين على مشروع معاهدة ضم
جمهورية القرم إلى الاتحاد الروسي، لتكون خطوة روسية أمام بسط الهيمنة على منطقة البحر الأسود، ووضع نفسها على مرمى حجر من مضيق البوسفور والدردنيل التركيين، باتجاه المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا بدأت الحكاية.
اقرا أيضا: دليلك لفهم ما يحدث في القرم.. 10 أسئلة تشرح لك كل شيء
2. التمكن من الأتراك في المستنقع السّوري
قررت روسيا بعد مضي خمس سنوات على الاقتتال الدائر في سوريا، التدخل بقوة حين أعلن الكرملين منح بوتين تفويضًا بنشر قوات عسكرية في سوريا، بعد
طلب رئيس النظام السوري بشار الأسد مساعدة عاجلة من موسكو، إذ عززت من وجودها العسكري في قاعدتي طرطوس واللاذقية، لتكون محطة من محطات حاملة الطائرات الأميرال كوزنيتسوف، كما تكون لها بذلك نقطة الحصار الثانية.
التدخل العسكري الروسي في سوريا قلب معادلة الصراع لصالح القوات النظامية لبشار الأسد، المدعومة من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني في مواجهة قوى المعارضة التي تتلقى دعمًا شحيحًا من قوات التحالف الدولي بقيادة الأمريكيين والأتراك، كما يعتبر انتصارًا جيوسياسيًّا لصالح الروس ضد الحلف الغربي بقيادة الولايات المتحدة. وهو ما مهد لانتصارات دبلوماسية، وسياسية، واقتصادية لبوتين على إدارة أوباما.
كانت وما زالت مشكلة
روسيا عبر التاريخ المنفذ على البحار الدافئة، وعلى رأسها البحر الأبيض المتوسط، والذي تعتبر تركيا هي المنفذ الوحيد المميز لها عبر مضيقي البوسفور والدردنيل، وكانت مؤشرات العلاقات الروسية التركية آذنة بالسلم حينًا، والحرب أحيانًا.
وكاد
إسقاط الطائرة الروسية من قبل سلاح الجوي التركي أن يكون إيذانًا بحرب إقليمية واسعة، حتى أن وسائل إعلام دولية علّقت على الحادث بالإشارة إلى كونه بابًا على حربٍ عالمية قادمة، بخاصة وأن تاريخًا طويلًا من الحروب جمع الدولتين. وتراجعت على إثر الحادث العلاقات الدبلوماسية إلى مستويات أدنى، مع تخفيض للتبادلات التجارية والاقتصادية بشكل لافت.
إلا أن
محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا في يوليو (تموز) 2016، ومماطلة الإدارة الأمريكية في بناء المنطقة العازلة، كل ذلك خيّب آمال الأتراك في جدية التعاون الثنائي مع الحلف الأطلسي والولايات المتحدة، وقرّب العلاقات بين روسيا وتركيا.
ونجح بوتين في إعادة العلاقات الروسية التركية إلى قوتها، وأكثر مما كانت في السابق، إلى درجة أن
اغتيال السفير الروسي في تركيا لم يؤثر في هذه العلاقة؛ بل زادها توثيقًا، وهو ما عبر عنه الطرفان في تصريحات متبادلة بخصوص الاغتيال، والاستهداف المباشر من قبل الغرب في تعكير هذا القطب الذي أصبح متفقًا في الكثير من السياسات، خصوصًا تجاه الملف السوري، لتصدق مقولة: «في السّياسة لا صديق دائم ولا عدو دائم، وإنما المصلحة».
3. السيسي وبوتين والتقاطعات العسكرية في المنطقة
تشير كافة توجهات الخارجية المصرية إلى وجود
تصور نحو الاتجاه إلى الشرق للتحالف الدبلوماسي مع قواه كالصين وروسيا، وعرفت
زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى موسكو في أغسطس (آب) 2015 انتعاشًا، بين المعسكرين الروسي والمصري، إذ ساهم ترقب الاتحاد الأوروبي لمسار الأمور في مصر عقب عزل الرئيس الأسبق محمد مُرسي، في هذا التقارب بوجهات النظر.
وعلى ما يبدو تنظر روسيا إلى مصر بقيادة السيسي حاليًا
كحليف رفيع المستوى في المنطقة، بخاصة في ظل
الحياد المصري المعروف في القضية السورية، بالإضافة إلى استضافتها نخبًا عسكرية تنسق إلى جانب قوات حفتر في الشرق الليبي، وهي الصفقة التي لعب فيها الجيش المصري دورًا كبيرًا حتى اللحظة.
اقرأ أيضًا: «بيان القاهرة».. يدٌ مصرية وعينٌ إماراتية في ليبيا
وتتقاطع المصالح الروسية العربية في تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، بخصوص مواجهة الفوضى في المنطقة، بالإضافة إلى دعم الأنظمة التقليدية التي لها علاقات مع الاتحاد السوفيتي سابقًا، مثل النظام المصري والجزائري والليبي، والتي ما زالت منضوية تحت ما يسمى بـ«حركة عدم الانحياز».
4. هل سيكون حفتر نسخةً ثانيةً من بشار؟
مع سقوط القذافي في أكتوبر (تشرين الثاني) 2011، وانهيار نظامه، بقي الرجل القوي الجنرال خليفة حفتر مسيطرًا على جزء من القوة العسكرية، والتي دعمها لاحقًا
بالتحالف مع نظام السيسي، والمال الإماراتي الساعي إلى تقويض الثورات العربية، بالإضافة إلى الدعاية الإعلامية خاصة الفرنسية منها في الترويج لعملية الكرامة.
دفع هذا التواجد العسكري في الجزء الشرقي لليبيا إلى التواصل مع القوى الغربية من أجل حظر شراء الأسلحة للجيش الليبي، وبالتالي تقاطعت
مصالح حفتر مع الرغبة الروسية في إعادة مكانة موسكو إلى ما قبل 2010 في المشهد الليبي بشكل عام.
وعلى ما يبدو فقد تحقق لبوتين ما يريده من وراء التقارب العسكري مع حفتر؛ إذ أوردت
تقارير غربية وجود اتفاق بشأن إقامة قاعدة بحرية عسكرية شرقي مدينة بنغازي، تُزود الطيران الروسي بالوقود، وتسعى لأن تكون منفذًا بحريًّا للروس نحو الجنوب الأوروبي، الذي بدأ يتقوض من التواجد الروسي المتزايد في النمو.
اقرا أيضا: 5 مؤشرات قد تدفع روسيا باتجاه ليبيا
5. الجزائر الحليف الطبيعي.. ولعبة أسعار النفط
في 2013، رفضت السلطات في الجزائر تزويد الطيران الروسي بالوقود في القاعدة العسكرية المعروفة «المرسى الكبير» الواقعة غربي الجزائري، وهو الرفض الذي لم يحرج كثيرًا النظام الجزائري تجاه الحليف التقليدي روسيا الفيدرالية، بخاصة وأن الجزائر كانت مرتاحة اقتصاديًّا، ولا تعاني من أي قلق بهذا الشأن.
إلا أن الوضع تغير خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فأسعار النفط انخفضت بصورة متدهورة، وتشير بعض التقارير الأمريكية إلى أن الجزائر
رخصت تزويد حاملة الطائرات «الأميرال كوزنتسوف» من قواعدها البحرية في 2016، بعد رفض إسبانيا تنفيذ الطلب الروسي لاعتبارات الحلف الأطلسي، والموقف الأوروبي من روسيا.
ووصف تقرير تلفزيوني رّوسي الجزائرَ بـ«الحليف الطبيعي لروسيا في المنطقة العربية»، دون أن يقف مقدم البرنامج كثيرًا عند ذلك، فيما يبدو أنها كذلك بالفعل بالنسبة إلى الروس. هذا وما تزال أسعار النفط تتأرجح تارة بين الانخفاض، والزيادة تارة أخرى، وهو ما يجعل
حاجة الجزائر إلى روسيا أكبر، باعتبارها حليفة، وغير منضوية تحت منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط «أوبك».
اقرا أيضا: بعد اجتماع فيينا.. هل ستنجح جهود الجزائر في رفع أسعار النفط؟
6. حتى المغرب بحاجة إلى الروس
تعتبر قضية الصحراء الغربية من القضايا المحورية والمهمة بالنسبة للمغرب، وتعتبر على رأس أولوياته الخارجية التي تقدم فيها الدبلوماسية جهودًا كبيرة، وتعتبر بوصلة علاقات بامتياز يقيس به الأصدقاء من الأعداء بناءً على ذلك. وقد كان لملك المغرب
محمد السادس زيارة إلى روسيا في مارس (آذار) 2016، وعبر حينها بوتين عن احترام موسكو لموقف المغرب من قضية الصحراء الغربية.
وعلى ما يبدو كان هدف بوتين من هذه الخطوة، هو الساحل الكبير الذي يتمتع به المغرب مع الصحراء الغربية، والمطل مباشرة على المحيط الأطلسي، وبالتالي تكون تلك الخطوة السادسة ضمن خطة بوتين لتقويض الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، وهو ما يعتبر حتى الآن امتدادًا واسعًا ويحقق نجاحات، في مقابل تراجع ينم عن تفكك وشيك للاتحاد الأوروبي نفسه، وفقًا لما أشارت إليه مجلة «ليبرتي بولتيك» الفرنسية.
https://www.sasapost.com/russia_besieging_the_eu/