عربستان.. وليس خوزستان/القسم الثاني
د. رفعت السعيد
المصدر : جريدة الإهرام المصريةوإذا جاز لنا أن نسأل... ولماذا تثار قضية عربستان الآن؟ نقول أولا إنها ظلت تثار علي يد أصحابها أبدا, ولم يتوقف هذا الشعب عن المطالبة بحقه في الحرية. بينما نحن نغمض الأعين لهذا السبب أو ذاك.
أما لماذا نثيرها نحن الآن فلأننا نحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضي إلي إيقاظ العقل العربي للاهتمام بهذه القضية ليس فقط دفاعا عن شعب عربي يناضل من أجل تحرره, وإنما حفاظا علي عروبة وحقوق كل المساحات العربية المجاورة. ومع تصاعد المأساة العراقية وزيادة تعقيداتها بسبب من التدخل الإيراني المباشر في العراق والذي كان المستفيد الوحيد من الغزو الأمريكي الأحمق. تتجدد الحاجة لتجديد دعم النضال الأحوازي في التحرر.
ونقرأ: الأحواز الوطن العربي التوأم للعراق المحتل وهو من أهم ساحات الصراع العربي ـ الإيراني في العراق وعبر شعبه وعلي أرضه يتقرر مستقبل هذه المنطقة( د. خالد المسالمة ـ الأرض العربية المحتلة. ص8).
هكذا كان الأمر... أما لماذا تتمسك جمهورية إيران الإسلامية باحتلال قطر عربي وإسلامي واضطهاد سكانه المسلمين هذا الاضطهاد الجائر؟ فإن الأسباب عديدة. وتبدأ بعبارة من مذكرات رضا شاه الشخصية :
لقد فكرت كثيرا قبل إقدامي علي اقتحام أكبر معقل يفصل بين فارس والعراق فوجدت أنه من الضروري القضاء علي أمير عربستان( من مذكرات رضا خان نقلا عن: مصطفي النجار ـ التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية من1896 وحتي1925 ـ القاهرة1970 ـ ص233).
وهكذا ولكي يجتاز رضا شاه الحاجز الجغرافي الذي يفصل بلاد فارس عن عربستان, ومن ثم عن العراق وهو حاجز جبلي شاهق وشديد الوعورة ويضم جبال زاغروس وجبال الباختياري لجأ إلي المحتل البريطاني في العراق وحصل علي مساعدته في اختطاف الأمير خزعل أمير عربستان عام1925 ثم إعدامه.
وفضلا عن الحاجز الاستراتيجي الشاهق والشديد الوعورة والذي يمثل العائق الجغرافي بين الأطماع الإيرانية والعراق, ومن ثم بقية المناطق العربية فإن هناك مسألة استراتيجية وجغرافية شديدة الأهمية, فعربستان تمثل مجمل شاطيء الخليج بامتداد800 كيلو متر وعمق يبلغ في المتوسط150 كيلو مترا. أي أنها حاجز جغرافي عمقه150 كيلو مترا بين أراضي إيران ومجمل شواطيء الخليج.
ونواصل المعلومات الجغرافية المهمة.
فمساحة عربستان324 ألف كيلو متر مربع أي تساوي تقريبا مساحة سوريا ولبنان والأردن وفلسطين مجتمعة. وهي تقريبا ربع مساحة إيران(1.640.000 كيلو متر مربع) لكن الجغرافيا تقول أيضا إن80% من المساحة الإيرانية صحاري جرداء, بينما أراضي عربستان شديدة الخصوبة وترويها خمسة أنهار كبيرة تنبع من جبال زاغروس وجبال البختياري. وأهم هذه الأنهار نهر الكارون ونهر الكرخة ونهر الجراحي وهي تخترق أراضي عربستان لتصب في الخليج العربي, وهناك أيضا عدد من البحيرات تمتد لآلاف الكيلو أمتارات المربعة وهي مصدر حيوي لمزيد من المياه وللصيد... وباختصار فإن عربستان تمتلك نصف المخزون العام من مياه الري والشرب لإيران. وقد أقامت الحكومة الإيرانية قرابة العشرين سدا علي هذه الأنهار لتستخدم مخزونها من المياه في الري وفي مياه الشرب لمختلف محافظات إيران, بينما ـ وهذه مفارقة مؤسفة ـ تترك عربستان دون مياه شرب نقية. ومن هذه السدود تولد كميات هائلة من الكهرباء, تنقل مباشرة لتضيء الشوارع والمنازل ولتشغيل المصانع في المناطق الإيرانية, بينما تترك كل عربستان بلا إضاءة وبلا مصانع, ومادمنا في ساحة الجغرافيا فإننا نري أن أغلب الموانيء والمنافذ البحرية التي تصل إيران بالعالم الخارجي تقع أيضا في عربستان.
ثم نأتي بعد ذلك الي الاقتصاد... ونستعين بالأرقام الإيرانية الرسمية, التي توضح أن عربستان تنتج50% من الأنتاج الإجمالي لإيران من القمح90.0% من انتاج التمور.
ولأن الأرقام الرسمية الإيرانية تتجاهل ذكر أرقام محددة عن مساهمة عربستان في إجمالي الدخل العام لإيران فإن مصادر محايدة تقول أن حصة عربستان من إجمالي المحاصيل الزراعية والمياه والموانيء والبترول والغاز تمثل أكثر من40% من مجموع الناتج الإجمالي الإيراني, ورغم ذلك فإذا كان مجمل سكان الجمهورية الإيرانية70 مليون نسمة فإن12 مليونا منهم أي مواطني عربستان, يعيش أغلبهم تحت خط الفقر بكثير, وإذا كانت الأرقام الرسمية الإيرانية تقول إن13% من السكان في عام2007 يعيشون في فقر مدقع( جريدة الشرق الأوسط ـ13 ـ8 ـ2007) فإن عملية حسابية بسيطة توضح أن الغالبية العظمي من هؤلاء هم من سكان عربستان.
وتتضاعف أهمية ثروات عربستان بالنسبة لإيران إذا علمنا أن هذه المنطقة تنتج85% من البترول والغاز الطبيعي لإيران ومايقارب75% من إنتاج إيران من الكهرباء. وبالتالي فإن هذا البترول المتدفق ليضخ لإيران أهم ثرواتها(4 ملايين برميل يوميا) بما يضع إيران في المرتبة الثانية لدول أوبك, بالإضافة إلي أن كميات الغاز الطبيعي الهائلة تأتي من عربستان بينما يحرم سكانها من أبسط مقومات الحياة. ولعل هذه الأرقام هي التي تدفع الجمهورية الإيرانية الإسلامية إلي نسيان أي شيء في سبيل قهر الشعب الأحوازي وإسكات صوته بل وإسكات أي صوت عربي للدفاع عنه. ويجري اضطهاد سكان عربستان إضطهادا منظما ومستمرا ومنهجيا بما دفع حوالي400 ألف من أبناء عربستان أي5% منهم للهجرة إلي الخارج.
ويبقي أن نقر بأننا لا نرغب بأي حال في محاصرة دولة إيران ولا في تجريدها من قدرات اقتصادية مهمة وأساسية. ونحن فقط نريد الحرية لشعب وأرض عربستان وعبر هذه الحرية سوف تنشأ بالفعل علاقات صحية وإنسانية, علاقات بين جارتين متحررتين تعملان وباخلاص من أجل نهوض هذه المنطقة كلها, لصالح شعوبها كلها, وفي مواجهة أعدائنا كلهم. ذلك أن إحتلال أراضي الغير لن يؤدي إلا إلي جراح قد لايصمت عليها أصحابها طويلا.
أما أسوأ الحلول فهو ماتصمم عليه إيران. فهي تقول أنها تواجه الاحتلال الصهيوني للشعب الفلسطيني المسلم بينما هي تضطهد شعب عربستان المسلم. وتقول أنها تواجه الامبريالية الأمريكية التي تحرم شعوبا مسلمة من حريتها ومن حقها في تحرير المصير بينما هي تفعل نفس الشيء بالنسبة لشعب عربستان. وهي تعلن أنها ترفض احتلال أمريكا للعراق بينما وعلي بعد خطوات من العراق تمارس احتلالا شديد القسوة لشعب آخر.
وأخطر مايواجه إيران في هذه الظروف الدولية الصعبة هو أن تفقد مصداقيتها أمام شعوب المنطقة وتتبدي ليس كقوة تحرير وتقدم وتوحيد للمنطقة, وإنما كقوة احتلال وتخلف وتمزيق للمنطقة. ومن ثم لامناص من إعادة الأرض لأصحابها والحرية لشعبها
ونسأل هل هذا ممكن؟ ويجيب جرامشي نيابة عن الجميع:
تشاؤم الواقع يهزمه تفاؤل الإرادة.