ملف الأسبوع | لعبة الغاز الطبيعي في المغرب بين الحرب وإعادة رسم خارطة المملكة
400 سنة من الاستهلاك بـ 10.2 تريليون قدم مكعب على أقل تقدير
يوميا، تتوجه 5.5 ملايين قدم مكعبة من الغاز المستخرج في المغرب إلى صناعته الداخلية، في انتظار 10 ملايين بعد شهرين، من فاعل واحد في حقل سبو (شركة س. دي. إكس البريطانية)، ويعد اكتشاف حقل “تندرارا” بداية 2018، طفرة ترسم مرة أخرى، المشاريع الإقليمية، في مقدمتها أنبوب الغاز النيجيري ـ المغربي، كما يقرب الرباط من دائرة منتجي الغاز، وفي مقدمتهم قطر وروسيا، فيما ارتفعت أصوات الحرب في الجزائر، لمعرفة الحقول المكتشفة على الحدود الجزائرية ـ المغربية، فالغاز قد يوسع حرب الصحراء إلى حرب شاملة في المنطقة، خصوصا وأن المناقشات الأخيرة في مجلس الأمن، أكدت على المساهمة الجدية للأطراف، بما يضع موريتانيا والجزائر على قدم المساواة في البحث عن حل، ويرسم خارطة المغرب العربي انطلاقا من تقسيم “اتفاق مدريد”، بواقعية وتجرد يدعو إليهما المبعوث الأممي، هورست كوهلر، وصادق عليها قرار مجلس الأمن رقم 2414.
ويناقش المغرب مشروع قانون جديد للغاز، اعتبره بول ويلش، من الشركة البريطانية المستغلة، كارثيا، إن تمت المصادقة عليه على حالته، وقد أرسل إشارته إلى الجزائر في استجوابه بـ “الإيكونوميست” المغربية، معتمدا على ما سماه “الاختلاف الجيولوجي” بين البلدين، وأن المغرب سيكون في حظيرة الدول المصدرة للنفط والغاز، بفعل تطور الاستثمار في 1.362 كلم مربع فقط لمدة 8 سنوات، فيما يتأهل حقل منطقة الغرب، بعد يونيو 2018، ليكون على 240 كلم.
وتعلن شركة “سوند إنيرجي” المستثمرة لحقل “تندرارا”، أن المغرب، سيصبح قريبا مصدرا للغاز، فمنذ 23 يناير الماضي، امتلك 90 سنة من استهلاكه الحالي للغاز و23 مليار متر مكعب بكشفها البئر “تي ـ 5” على 1 في المائة فقط من حقل التجريب البالغ 250 كيلومتر مربع من أصل 23500 كيلومتر مربع، فيما الاحتياطات في أقل تقدير، تصل إلى 252 مليار متر مكعب، ووصل عرض إلى الشركة يقوم على تمويل أنبوب من تندرارا إلى أوروبا، ولأنه رخيص، بين 60 و100 مليون دولار، فإن الغاز الجزائري المسال المار عبر التراب المغربي، انتهى دوره في تبريد الأجواء وعدم إشعال الحرب الجزائرية المغربية، وعرفت المناطق الموسومة بـ “المغرب غير النافع”، احتجاجات قوية في السنوات الأخيرة تؤهلها للدفاع عن ثرواتها، وقد تقلب هذه التطورات معالم الخارطة الحالية للمملكة.
نهاية 2018، ستكون حاسمة في معرفة احتياطات المملكة من الغاز الطبيعي في شمال المملكة بعيدا عن إقليم الصحراء، وإطلاق مشروع “غاز نحو القوة” أو “غاز توباور”، وأراد المغرب مفاوضات مع الجزائر تبدأ بالصحراء، وتنتهي بأنبوب الغاز الجزائري المار عبر المغرب المنتهي الاتفاق بشأنه في 2021، لرغبته في صفقة إقليمية متكاملة مع جيرانه
يقلب الغاز المغربي خارطة التوازنات الحالية في شأن الأنبوبين الجزائري ـ المغربي، والنيجيري ـ المغربي، لتجاوز احتياطه لـ 600 مليار متر مكعب، في التقدير المرتقب لنونبر القادم، بما ينهي عمليا خارطة ويبدأ في تشكيل أخرى، إن تمكن من توفير 9 ملايير متر مكعب سنويا قبل 2021، وعلى ضوء الأرقام المتداولة في الكواليس، فإن الأمر منته، بما يجعل الجزائر خارج اللعبة، لأن الاحتياطات توجد على أقل من 100 كيلومتر عن الأنبوب الجزائري المار عبر التراب المغربي، بما يجعله داخل حقل غازي، فيما يذكر تقرير 2016 للمكتب الوطني للهيدروكاربورات، أن هناك 4 مناطق غازية (الغرب ـ مسكالا ـ تندرارا والصويرة)، وهذا الخط من تندرارا شرقا إلى الصويرة غربا مرورا بمنطقة الغرب، قادر على ضوء التقديرات المتفائلة، على تحويل المغرب إلى دولة مصدرة للغاز في أفق قريب، لأن القرار السياسي حاسم في تعجيل أو تأجيل هذا التحول.
وتضع بريطانيا يدها على الحقول المكتشفة، بطريقة حاسمة في مصير الغاز المغربي لثماني سنوات مقبلة، وهو سر موقفها في قضية الصحراء.
وحسب مراقبين مستقلين من “إر. بي. إس. إنيرجي”، فإن بئرا واحدا يسمى “تي. أوـ 5″، وصل احتياطه إلى 18 مليار متر مكعب، وسبق للبئر “تي – 8″، أن أكد على احتياط عالي في المنطقة بمئات ملايير الأمتار المكعبة، وبعد إكمال الآبار الثمانية، سيكون الإحصاء الدقيق للاحتياطي، وقد تنهي هذه التقديرات في “تندرارا، متاركا ـ أنوال”، كمية الاحتياطي في الآبار “تي – 9″ في يوليوز و”تي – 10″ في شتنبر و”تي – 11” في نونبر، وفي بداية دجنبر، يمكن تقدير الكمية المتوفرة في “تندرارا”.
حقل “تندرارا” من نفس الحقل الغازي الذي يجمع المغرب والجزائر
سيكون استغلال حقل “تندرارا”، إيذانا بحرب تعتمد على استنزاف أكبر للحقل الجامع بين البلدين، وهو من نفس المنصة الهيرسينية الصحراوية الجزائرية المغربية، بل اعتبرته “ليكونوميست”، امتدادا للحقل الجزائري(1)، فيما زادت الاحتياطات في حوض سبو، أو حقل “الغرب”، عن 71 في المائة، ويتواصل منذ 20 مارس الماضي، التنقيب في بئرين بـ “للا ميمونة”، وحسب الاختيارات الأولية في مشروع بلقصيري، هناك بئران أعطيا علامات جيدة.
وتتركز الخارطة الغازية حاليا على الحقل الجزائري ـ المغربي المشترك، من جهة لأن المشروع الضخم المندمج “غاز تو باور”، يبدأ مع نهاية عقد الأنبوب الجزائري المغربي، ويسعى إلى إنتاج 5 مليارات متر مكعب في السنة، باستثمار يصل إلى 4.6 مليار دولار.
وحسب الإعلام الجزائري، سلطت الرباط غموضا إضافيا على الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر التراب المغربي(2)، لأن الاتفاق بشأنه سينتهي في 2021، وهناك اقتراح لاستغلال الأنبوب لتصدير الغاز المحلي، ويعتقد الملاحظون، أن إطلاق برنامج “غاز تو باور” المغربي، جاء لهذا الغرض، فيما يرفض رسميون التعليق، ويدعمون ثلاثة مشاريع متنافسة (“غاز تو باور”، والأنبوب النيجيري ـ المغربي، والجزائري الإسباني المار عبر المغرب).
ودخلت الجزائر على الخط في دراستين لهذا المستوى المتوقع في مستوى البنية التحتية للغاز الجزائري، مستخدمة احتمال الوصول إلى الباب المسدود.
ويعتمد المغرب على محطة الغاز في الجرف الأصفر للاستجابة لطلباته الداخلية، في إطار مشروع “غاز تو باور” قبل سنتين من نهاية الاتفاق، فيما تمكنت الجزائر من الإجابة على 60 في المائة من طلبات إسبانيا عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي “جي. إم. أو” بما يصل إلى 12 مليار متر مكعب بما مبلغه 650 مليون دولار، أي 90 في المائة من الغاز الجزائري المتجه نحو أوروبا، وتدعم فرنسا أنبوبا في المياه العميقة يربطها بالجزائر “ميد غاز”، الذي يأتي بديلا عن الأنبوب الإسباني الجزائري المار عبر المغرب، وتعمل على هذا المشروع “سوناطراك” و”سيبسا”، وبدعم من “إيبيير درولا” و”إنديزا” و”غاز فرنسا”.
وتعمل باريس على أوراقها الخاصة، فالرأسمال الفرنسي لا يدعم الاستثمار في الغاز المغربي، ويستثمر الحالة التي لا يقوم فيها المغرب بتجديد اتفاقية الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر المغرب.
ومن جهتها، تضمن بريطانيا هامش المناورة المغربي في الوصول إلى إنتاج غازي مستقل، مع تأمين تصديره إلى أوروبا، وتعارض دخوله المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، ولا يخفى على أحد خروج المملكة المتحدة من أوروبا ومحاولة الانطلاق من المغرب لتعزيز دور لندن في أمن ومستقبل جبل طارق، وأيضا في وضع اليد على الغاز المغربي من حقل “الغرب” (سبو) إلى حقل “تندرارا” نحو أوروبا، بما يفيد أن المسألة لا تتعلق بحقل مشترك مع الجزائريين، بل بتصدير مغربي بخصائص جيولوجية تربط “تندرارا” إلى حقل “الغرب” وليس العكس.
ويركز المستثمرون على هذه الرؤية البريطانية الذكية والحاسمة، وأعطت وكالة “كوفان” لاكتشاف الغاز من بئر “إس. أ. أش. 2” في 27 فبراير الماضي، بعدا خاصا، ففي عمق 1304 أمتار، كانت أعمدة غازية من 5.2 أمتار خالصة في تكوينات “غباص”، وفي “هوت” بـ 33 في المائة، حسب النتائج الأولية قبل الحفر(3)، وهي خامس اكتشاف لشركة “أس. دي. كا”.
وسبق لشركة “ريبسول” أن أكدت على وجود مخزون غازي في المغرب بين طنجة والعرائش قدرته بـ 100 مليار قدم مكعب، وهو من عمودين غازيين يبلغان 90 مترا في بئر “أنشوا 1″، وتشارك بريطانيا عبر “دينا” بـ 15 في المائة في مشروع غاز الشمال المحسوب كامتداد لحقل “الغرب” الذي يهيمن عليه الإسبان عبر “كوسيريتوم” مع الأرجنتينيين.
وبلوغ اكتشاف بئر “أنشوا 1” 2.82 مليار متر مكعب، إشارة إلى حقل واسع قابل للاستثمار، لأن المغرب يحاول تجميع موارده لتصديرها ضمن مخططه العملاق “غاز تو باور”.
ومن اللافت، أن الشريك البريطاني نشر الكمية ورفض الطرف الإسباني ذلك، بما يؤكد أن المسألة ليست تجارية، بل سياسية.
إنها “حمى” الغاز بالمغرب، حسب وصف “ماروك إيبدو”(4)، وتعلق “كنار ليبيري”، بأن المغرب تحول إلى مملكة بترولية(5)، وفي شيشاوة، يصل الاحتياطي إلى 292 مليار متر مكعب، وهو ما يجعل بكين، تضع المغرب ضمن خارطتها للطاقة الأحفورية القابلة للاستثمار في انتظار اكتمال الخارطة الغازية التي لم تتجاوز في رصدها، الـ 20 في المائة من المواقع المحتملة.
وتهيء الرباط لهذه النقلة من خلال: السماح بنقل الغاز من حقل “تندرارا” إلى أوروبا، بتحويل الاعتماد في الطاقة إلى الغاز، وهو ما حدث في المكتب الشريف للفوسفاط منذ مارس 2017(6) ضمن ما يدعوه “الاقتصاد الأخضر”، وأخيرا اللعب الجيوسياسي بين المخطط الداخلي (غاز تو باور)، والأنبوبين: الجزائري الإسباني عبر التراب المغربي والنيجيري المغربي نحو أوروبا.
وكالة الصين الرسمية للأنباء تنظر إلى اكتشاف الغاز “اكتشافا بريطانيا للغاز في الأرض المغربية”
يبدأ تعليق موقع الشركة المكتشفة، بالتعليق على حقل “تندرارا” بـ “الحلم الذي تمنحه الصحراء”(7) على مساحة 14 ألف و500 كيلومتر، منذ 23 أبريل 2013، في ثلاثة آبار:
1ـ البئر “تي – 6” بـ 28 متر من الدفع الغازي وبمخزون 17 مليار قدم مكعب.
2ـ البئر “تي – 7” بعمق 3459 مترا، وعلى أفق 2611 مترا يوجد مخزون على 837 مترا متضمنا 700 متر أفقيا بـ 32 مليار قدم مكعب.
3ـ البئر”تي – 8″ على بعد 12 كيلومتر عن البئر “تي – 7”.
وحسب دراسة الشركة، فإن مخزون “تندرارا” و”أنوال”، يصل إلى 9 تريليونات قدم مكعب، وفي حال إنشاء نظام بترولي كامل، سيرتفع المخزون إلى 32 تريليون قدم مكعب، أي بمعدل إضافي يصل إلى حوالي 400 في المائة.
وأنهت الشركة تقريرها في يناير الماضي، وهي تدرس حاليا إنشاء الأنبوب، وتأمينه وتأمين إدارة عامة للعمل بالمنطقة(8)، وهو ما جعل وكالة الأنباء الصينية تثير جنسية هذه الاستثمارات(9)، بعد إعلان شركة “إس. دي. إكس” البريطانية، نجاح عملياتها التنقيبية في القنيطرة، المدينة القريبة من الساحل الأطلسي.
وحسب التقارير المتخصصة، فنحن أمام:
1ـ غاز في “تندرارا” لا يختلف عن الغاز الجزائري، ويمكن إلحاقه بالأنبوب الجزائري المغربي الذي لا يبعد سوى بـ 120 كيلومترا عن موقع الاكتشاف، فيما غاز القنيطرة والغرب، خفيف وصخري، وجزء منه بترولي(10).
2ـ أن تأمين نقل غاز حقل “تندرارا” إلى الأنبوب الجزائري الإسباني، مسألة معقدة، وتتطلب تحريك القنوات الخلفية للعاصمة لندن قصد تسهيل الاستغلال، ولن يتمكن المغرب من فتح المفاوضات حول هذا الموضوع إلا في أواخر 2020، وتشعر الشركة بصعوبة أي استثمار في هذه المرحلة، فيما سمحت الرباط للشركات المنقبة ببيع الغاز للشركات المحلية، كما مع “إس. إي. إكس” في القنيطرة لتبرير عدم تحركها نحو الجزائريين لتسهيل الاستثمار في تندرارة، وكلما جرى التصعيد في مشكل الصحراء، تتأخر استفادة هذه الشركات في المدة المحددة للترخيص والبالغة 8 سنوات.
وما يجري في الكواليس، ينبئ أن القنوات الخلفية، تشتغل للسماح بأنبوب في تندرارة يضخ في الأنبوب الجزائري الإسباني، ولدى الشركة المستغلة، 75 في المائة، بما يجعلها قادرة على فرض أسلوبها في إدارة استغلالها للغاز المغربي، لكن الموافقة الرسمية للعاصمة الرباط، رهينة بتسوية مع الجزائر، قد تبدأ بمستقبل الاتفاق حول الأنبوب العابر للأراضي المغربية، وقد يتعقد الأمر، إن ارتبط بمفاوضات تشمل موضوع الصحراء، كما رفعت المملكة هذا المطلب مؤخرا.
إذن، فدبلوماسية القنوات الخلفية، هي القادرة على حل المشكل، وحضور الدبلوماسية البريطانية بين العاصمتين الجزائرية والمغربية، هو الذي يسهل الوصول إلى تفاهم استثماري بشأن حقل “تندرارا”.
استثمار الغاز المغربي لم يعد تجاريا
ليست مسألة الغاز المغربي تجارية أو استثمارية، فالوضع الإقليمي مع الجزائر، قد ينتهي بتفاهم يجدد اتفاق نقل الغاز الجزائري عبر التراب المغربي، أو تبدأ الحرب بمشكل الصحراء العالق في الأمم المتحدة.
من جهة، اقترح المغرب أنبوبا غازيا مع نيجيريا لتحسين التفاوض حول الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر أراضيه، وأطلق مشروعه “غاز تو باور” متوقعا تمرير الغاز النيجيري عبر الأراضي المغربية نحو أوروبا، فهل يمكن إضافة أنبوب حقل “تندرارا” إلى الأنبوب القائم بين الجزائر وإسبانيا أو لابد من ضمه إلى الأنبوب المعدل كجزء من الأنبوب النيجيري المغربي، وقد يضم غاز طنجة والعرائش وحقل “الغرب”.
الإجابة لا يمتلكها البريطانيون، ويواصلون اكتشافهم لرفع المخزون والتمكن سريعا من بناء صناعة بترولية كاملة في المغرب، لذلك يسود اعتقاد لدى الأوساط المختصة، أن ما جرى تأكيده من كون تندرارة جزء من الحقل الجيولوجي مع الجزائر، يزيد من تعقيد الوضع القائم، لأن الجزائر والمغرب، قد يحاربان من أجل استثمارهما للغاز، ولذلك، فإحضار الشركة لاستثمار يساوي في استغلاله استغلال الجزائريين لنفس الحقل الجيولوجي، له تبعات.
إذن، شروط الحرب متوفرة، وقد لا تكون الصحراء إلا شماعة لها، لأن استثمار الغاز وعدم التفاهم حول حقل جيولوجي يجمع البلدين، قد يكرر مأساة عراق صدام حسين مع الكويت حول حقول نفطية مشتركة.
وفي هذا الصدد، فالكواليس لا تستبعد حربا جزائرية مغربية شاملة، بفعل الصحراء والغاز، إن لم يتمكن المجتمع الدولي من الوصول إلى حل سريع في الصحراء قد يؤجل وحده اقتسام الثروات مع المغرب.
فمن جهة، لن تقبل الرباط ألا تستثمر باطن أرضها، ولا ترغب الجزائر من جهة أخرى، في أن يكون استثمار باطن الأرض المغربية، استنزافا للغاز الذي يعد ضمن المواد الأساسية في التصدير وبناء الميزانية الوطنية.
والتنافس بين الجزائر والعاصمة الرباط على السلاح ذي التكنولوجية عالية التدمير، يدخل بشكل واسع في الردع، والمناورة، لتأجيل الاستغلال العالي والمكثف لحقل “تندرارا”، وقد يخدم التأجيل، الجزائريين لمواصلة وحماية نمطهم وتصديرهم، وأيضا المغرب في مواجهة الشركات التي لديها عقود محدودة، على الأقل كما ينظر بعض المسؤولين الغربيين للموضوع، وبمواجهة مشكل الصحراء، لا يستبعد طرفا النزاع، العودة إلى الحرب.
الغاز والصحراء مشكلان متداخلان
لا يمكن أن يمر الاستغلال لحقل جيولوجي مشترك يجمع البلدين (الجزائر والمغرب) دون إثارة حزازات تبدأ من دعم أي حرب استنزاف في المنطقة، ضد المغرب تحديدا، لأن لعبه مؤثر في غرب إفريقيا وفي الاتحاد الإفريقي، ويحاول عبر شركاته التجارية دعم استثماره لباطن الأرض، فاليوم، لا يمكن أن يقول الخبراء، إن نفط “تالسينت”، خدعة أو خطأ، بل إن الحقل الجيولوجي يجمع الجزائر والمغرب، وحقل “تندرارا” ليس على الحدود، بل في قلب الأرض المغربية، ويمكن حمايتها، عكس الوضع في “تالسينت”.
وانكشفت اللعبة بطريقة حولت مشكل الغاز إلى مشكلة غامضة، ويتداخل فيها مشكلا الغاز والصحراء، بطريقة يحكمها التداخل والالتباس، وترى دوائر القرار الدولي، ضرورة التفاهم الجزائري المغربي، أو بناء قنوات خلفية عبر حليف قوي ثالث، وتمثل بريطانيا هذه الحالة، من أجل أفق مشترك للاستثمارات في المنطقة.
غازان في المغرب بـ 100 تريليون قدم مكعب
قد يكون واضحا اختلاف الغاز الصحراوي لحقل “تندرارا” عن غاز حقل “الغرب”، لكن وصول بعض التقديرات إلى 100 تريليون قدم مكعب، يفرض على المغرب الكثير من التروي والحكمة، فالمسألة قد لا تكون أكثر من حقل غازي واحد من الصويرة إلى صحاري الجزائر، مخترق لجيولوجيات مختلفة، لكنها واحدة، فالأرقام التي تضع 10.2 تريليون قدم مكعب إلى جانب 55 ألف برميل يوميا، ستزيد، بحيث أن أي صناعة بترولية، ستخدم ارتفاع استخراج الغاز الطبيعي، كما ستزيد قدرة الاحتياطي بـ 200 في المائة عن وضعية ما قبل الاستغلال، كي يبقى إشكال الغازين قائما، والحديث عن الغاز الصحراوي من حقل باطني واحد مع الجزائر، يثير مشكلا، لأن المغرب في نظر الجزائر، يستغل الصحراء “الغربية”، ولا يمكن له السماح باستثمار إضافي لثروة أخرى.
وأيا يكن الحال، فإن الموقف السياسي معقد للغاية، فيما تفاؤل الأرقام كبير يصل إلى تأمين سريع لخمس مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ولمدة تصل إلى 15 سنة، لكن هذه النعمة قد تتحول إلى نقمة على الجزائريين والمغاربة، إن أعلنت حرب لا تبقي ولا تذر بين الجارين اللدودين.
قد يؤهل الوضع بريطانيا إلى حماية استثماراتها في الدولتين، بعد انتهاج فرنسا لسياسة مختلفة لا تمنع من اتجاه الأمور إلى حرب جزائرية مغربية.
وحاليا، ترى باريس أنها الحل، لأنها تقترح الأنبوب الجزائري الفرنسي عبر المياه العميقة للبحر المتوسط، ومن جهة أخرى، تقترح على المغرب إدارة استثماره الحر في الغاز تحت أراضيه وفي الصحراء، في خدمة واسعة لمصالحها في المملكة وإفريقيا، ولا يتورع الرئيس إيمانويل ماكرون، من مناقشة سيناريو الحرب المحتملة بين المغرب والجزائر، وإمكانية احتوائها في أي لحظة، وهو ما لا يقبله الخبراء الأمريكيون على وجه التحديد، من ثلاث زوايا:
1ـ أن الاستراتيجية الفرنسية في موضوع الغاز المغربي، براغماتية وأحادية.
2ـ اعتماد باريس على علاقات منفصلة للغاية بين الجزائر والمغرب.
3ـ أن فرنسا تحاول الهيمنة على ملف الصحراء لإدارة التوتر بين الرباط والجزائر، وتمنع أي تدخل دولي متوازن في المغرب العربي، فاضطرت واشنطن إلى تسريع هذه السياسة لخنقها، وهو ما عبر عنه سفير فرنسا في الأمم المتحدة بقوله: “يجب أن يكون استثناءا ما حدث من تجديد لولاية المينورسو في 6 أشهر فقط”، فيما ترى إدارة ترامب المسألة من وجه آخر.
ولا تحمي فرنسا خطوة المملكة باتجاه ترسيم حدودها في الصحراء، رغم موقفها الداعم للرباط في إدارة الإقليم وتدبير ثرواته، وحمت بشكل كامل:
أ ـ التجارة عبر منفذ “الكركرات” البري والتنقيب في مياه الأطلسي المقابلة لإقليم الصحراء، لكن دون حضور أي شركة فرنسية، بما يطرح السؤال عن الموقف الحقيقي للحليف المغربي؟
لتجيب دوائر نافذة، بأن المسألة تتعلق بعدم وضوح المصالح المباشرة لفرنسا، كي لا تكون مدافعة عن مصالحها، وتكون لها مصداقية في موضوع الصحراء، وأوضحت مصادر من شركة “كوسموس”، أن قدرتها في مياه الأطلسي، تحت حماية فرنسية أيضا، وقد استثمرت هذه الشركة في حقل “أغادير” بالصويرة، مشيرة إلى أن استثمارها يسمح بجوانب متعددة للمناورة (كما تقول في موقعها الرسمي)(11).
ب ـ الشركات الغربية، دون حضور الفرنسية، في التنقيب عن النفط والغاز.
ج ـ الخرائط الحالية للاستغلال.
“التلغراف” البريطانية أكدت منذ 2016، على تحول “الأهداف” لاكتشاف الغاز بطريقة استثنائية في المغرب
في مقال بين مارتن، ما يوحي في “التلغراف” البريطانية، أن لديها معلومات(12)، بأن كل شيء تغير مع الاكتشاف الاستثنائي للغاز في المغرب، لأن المسألة لم تعد في المملكة مسألة كمية، بل طريقة الاستغلال من حقل مشترك مع الجزائر، وتغيرت الأهداف منذ 2016، فمن جهة، شركة “سوند إنيرجي” ليست شركة نافذة في لندن أو الرباط لأنها “مقاولة شابة” بتعبير الصحيفة البريطانية، ومن جهة أخرى، فإن المغرب سوق تجاري بامتياز، وهناك طموحات دولية متسترة وظاهرة، وتلعب فرنسا خلف الستار.
يقول جيمس بارسونتر في تصريح مباشر: “من المنطقي أن تكون تندرارا ونطاق الترخيص في مريدجة، إقليما أو عمالة للنفط والغاز”.
وهذه الإشارة كفيلة بالقول أن شركات الغاز والنفط، تريد إعادة رسم الخارطة الإدارية للمملكة، وقد فاجأت الكميات الهائلة المستثمرين الأجانب كما تقول صحيفة “التلغراف”، وتكشف أن أمريكا دخلت على خط استثمار الشركات البريطانية.
واستدعت “تندرارا” الشركة الأمريكية “شلوبيرغر”(13) وفاعلين من إيطاليا، الشركاء الأقوياء للجزائر، لصناعة التوازن، ومنحت الشركة البريطانية هامش المناورة للوصول إلى استغلال الغاز المغربي الذي وصلت تقديراته إلى أرقام غير متوقعة، فلم يضمن المغرب فقط استهلاك 100 سنة، بل إن استثمار المخزون بنظام بترولي متكامل، ينقل الاحتياط إلى 400 سنة.
احتياطي لـ 400 سنة
ما يستهلكه المغاربة اليوم، يضمن لمخزونهم أن يستهلكوه لـ 400 سنة، يقول تقرير “بيزنس واير” الصادر في دبلن لسنة 2017، وبانوراما مشروع “تندرارا” المغرب، هو طفرة اقتصادية شاملة(14) كما وكيفا، وفي 21 صفحة، يتأكد أن المملكة ستعرف ثروة لا مثيل لها، وأن استعدادات ومخاوف تعترض البداية إلى الحد أن هناك خوفا رسميا من هذه القفزة.
وحسب الطبيعة الجيوفيزيائية لهذا الغاز:
ـ فإنه خفيف للغاية (أقل من 1 متر في سمكه)، وهذه الخلاصة لـ “كيشنيس بتروليوم”(15).
ـ أن هذه المناطق المكتشفة، من الغاز والصخور الرسوبية.
ـ أن الاختبارات المضادة، جرت بشكل مفصل لـ 5 مواقع.
ـ أن العينات، من الجبال والسهول.
ـ أن المخزون الغازي، رملي(16).
وبالأخذ بهذه الخصائص الجيوفيزيائية، يمكن إعادة تقدير هذا الاكتشاف من 4 نقط:
1ـ أن المغرب وصل إلى الاكتفاء الذاتي ولمدة طويلة.
2ـ أن الرباط “مهووسة” بالتصدير إلى حد كبير، ولذلك، فهي غير قادرة على خلق منحى استراتيجي لاحتياطها الغازي.
3ـ أن الغاز سيخلق ثروة مركزة، وعمالة واسعة، ولذلك، لا يتخوف لدى المغاربة من حضور عمالة دول جنوب الصحراء.
4ـ أن هناك إعادة توجيه للأنبوب الغازي الجزائري الإسباني المار عبر الأراضي المغربية، فالمسألة تتعلق بعدم تجديد الاتفاق في 2021، وتحويل الأنبوب لتصدير الغاز المحلي، ومن حقل جيولوجي مشترك مع الجزائر، وهذه المعطيات ستشعل حربا جزائرية مغربية، فيما يقبل المغرب تنازلات في ملف الغاز من أجل تنازلات جزائرية في ملف الصحراء، ولا تزال الأمور معقدة، فلم يتخذ المغرب بهذا الشأن، خطوات قوية، لأنها تعني قبل كل شيء، استعدادا كاملا لحرب إقليمية مدمرة.
إلى 2015، كانت 34 شركة أجنبية تعمل في الغاز والنفط، ووقعت المملكة مع “مبادلة بتروليوم” الإماراتية لتقديم الدعم والتنقيب غرب المتوسط، لكن الإحصائيات الأمريكية أربكت العاصمة الرباط، لأنها أخرجت الحدود المغربية الجزائرية من تقديرها والتي تقع على حقل جيولوجي واحد مع الجارة الشرقية، لكن تندرارة ليست تالسينت القريبة للغاية من الحدود
قبل سنتين، وحسب الإحصائيات الأمريكية، فإن المغرب خارج الحقل المشترك مع الجزائر، ومنه حقل “تندرارا”، حيث لا يملك أي مخزون نفطي ولا يتجاوز 0.05 مليار قدم مكعب من الغاز، لكن الإحصائيات الأخيرة صدمت الدول الغربية، وتجاوز المغرب مؤخرا مصر، وهو ما جعل دوائر القرار في الإمارات، يعيدون النظر في قرارهم، والابتعاد عن الاستثمار الغازي في المملكة.
وفعلا، هيمن البريطانيون على الغاز المغربي، تنقيبا واستغلالا في الشهور الأخيرة، لأن النظرة الإقليمية تغيرت، فـ “إيني” الإيطالية وقعت مع المغرب في 2017(17)، واستغلت المياه الأطلسية (طرفاية ـ الرباط ـ الجديدة) كي لا تخسر مصالحها في الجزائر، وقد فرضت الجارة الشرقية قيودا على الاستثمار في الحقل الصحراوي المشترك مع المغرب على الحدود.
وحسب الإحصائية التي نشرتها “أونيب”(18)، فإن واردات الغاز ارتفعت بـ 100 في المائة بين 2010 و2015، أي من 583 إلى 1086 حسب مقياس “كتو”، قبل أن يتراجع جزء كبير من هذا التوريد لدخول الغاز المحلي في الدورة الصناعية، وبالتالي، فإن الغاز دخل الرهان السياسي والجيوسياسي للمملكة، لقرارها الاستثمار في هذا القطاع، ولم تأخذ زمام المبادرة باتجاه الأنابيب المتقاطعة على أراضيه لكل من الغاز النيجيري أو الجزائري، فمثلا تهدد الجزائر بحرب حول الغاز مع المغرب، ومن جهة ثانية، تعمل سيراليون مثلا على استثمار مالها في غاز نيجيريا إلى جانب دول أخرى تمنع الذهاب بعيدا في اقتراح الرباط القاضي بتوسيع الأنبوب الغازي بين المغرب ونيجيريا باتجاه أوروبا.
وبدأ التحول في 2015 إلى الحد الذي توقعت فيه تقارير أممية، إمكانية حدوث حرب في الصحراء خارج المشكل المطروح على مجلس الأمن، بل استثمارا له لإعادة رسم خارطة الثروة الطبيعية في المنطقة، يتقدمها البترول والغاز، ولا زالت هذه المعركة متواصلة بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وتمكن المغرب من رصد موارد هامة، أكثر من 4 مليارات دولار في مشروعه “غاز تو باور”، ودراسته المالية للأنبوب النيجيري المغربي بما يتجاوز مبدئيا 14 مليار دولار، لذلك، وضع ساسة المغرب مبادرتهم في مستقبل الغاز، للضغط على الجزائر لتسوية في الصحراء، وأيضا لتوسيع الاستثمار في غرب إفريقيا، وأخيرا من أجل تنويع مصادر الطاقة التي احتكرها النفط وشركات توزيعه.
وأغلق المغرب “لاسامير” مطالبا إياها بديون تراكمت لسنوات، وسمح للوبي النفط بهامش مناورة في الأرباح والنفوذ السياسي بطريقة ممنهجة، فيما وضع بيضه كاملا في سلة الغاز.
ودفع المواطن ثمن هذه السياسة الحادة، المتمثلة في تمويلات ضخمة باتجاه أهداف ينتقدها البعض، لكنها تبقى محكومة بأجندة، تشكل فيها الشركات الأجنبية، وخصوصا البريطانية منها، عامل توازن مع الجزائر، وقد وجدت هذه الخطوات تفهما استراتيجيا من شعوب المنطقة.
وكشفت تقارير من تندرارة، أن مشروع خلق عمالة أو إقليم، وبناء من الأول إلى الآخر لمدينة جديدة، هو أسلوب لخلق محيط مواكب يقبل “الاستثمار الأجنبي” في منطقة مغلقة ومحافظة، بل متدينة إلى حد كبير.
اعتراف المغرب بالحدود الموروثة بتوقيعه على ميثاق الاتحاد الإفريقي، ترسيم إضافي لحدود البلدين، وتمكين للمغرب من الاستثمار على أراضيه لحقل جيولوجي واحد يجمعه مع الجزائر
لم يكن في نظر الخبراء، أن دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، لم يكن سوى جسر لترسيم نهائي للحدود المغربية الجزائرية، فالجزائر طلبت ترسيم الحدود مع المغرب عبر الأمم المتحدة، فيما اختارت الرباط الاتحاد الإفريقي، كي يتعلق الأمر بمنظمة إقليمية فقط، وثانيا، كي تسمح هذه الخطوة، وطبقا للقانون، باستثمار باطن الأرض في لحظة اندلاع مسألة نفط “تالسينت” على الحدود مع الجزائر، التي لم يكن المغرب قد صادق في البرلمان على “اتفاق إيفران” 1972 بين بومديان والحسن الثاني، رغم نشرها في الجريدة الرسمية، فتقرر عدم الدخول بشكل مباشر، في أي مفاوضات أو تعهدات تجاه الجزائر، وبشكل قانوني وبمصادقة البرلمان، انتهت الحدود الجزائرية المغربية إلى ما هي عليه حاليا، بدخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وكي لا يتأثر موقفه في الصحراء “الغربية”، حصرها في تدخل الأمم المتحدة، وهددت الجزائر بوقف المفاوضات، ومن ثم إبعاد “المينورسو” والأمم المتحدة، ليعود المشكل إلى الاتحاد الإفريقي، ومجرد خفض انتداب “المينورسو” لـ 6 أشهر، إيذان بهذا التوجه.
وبالمقابل، من حق المغرب بعد “تندرارا”، العودة إلى آبار “تالسينت” لإعادة استكشافها، رغم ما يمثله الأمر من مخاطر، لكن الخطوة قانونية، ولذلك، دعمت المملكة مشروع “تندرارا” لأنه ليس مشكلة غاز، بل مشكلة جيوسياسية حاسمة مع الجزائر.
وفعلا، يسهر الطرفان على مواصلة حرب الغاز، من الآبار الموجودة على حدود البلدين، وإلى مشكلة الأنابيب مع أبوجا في إفريقيا ونحو مدريد، وتأخذ المسألة في كل يوم، تبعات جديدة، فأرقام حقل “تندرارا” خلقت ضجة حول واقعيتها، وبعد التأكد من الإحصاءات، يمكن وصف ما حدث، بأنه إعادة تقدير جزائري تسلمته وسائل الإعلام.
وفي لحظة حاسمة، قرر الجيشان، المغربي والجزائري، تكثيف الاستعدادت بسلاح المدرعات والمناورات على الحدود، بما لن يسمح لأي كان، بأي اقتطاع ترابي على الحدود الجزائرية المغربية.
واليوم، ربح المغرب ثلث احتياطي الغاز في الجزائر، ومن الناحية التقنية، يمكن في تندرارة، الوصول إلى حق المملكة الكامل في الغاز، ولن يكون التركيز على الغاز الخفيف في حقل “الغرب”، في مثلث القنيطرة العرائش وطنجة، بل يتجه الجميع إلى استغلال مشترك مغربي جزائري لأكبر مخزون غازي في شمال إفريقيا.
سيذكر الجميع، الحساسية التي نشأت بين العقيد القذافي وبين بن جديد، بسبب الغاز والنفط، وأراد القذافي أن يدخل تونس كما دخل المغرب وادي الذهب، والاتحاد السوفياتي أفغانستان في 1979، وهدد الغربيون بحرب إقليمية بين المغرب والجزائر ودائما حول الغاز، وكادت الحرب أن تندلع بين ليبيا والجزائر.
الحدود المرسومة في خرائط الاتحاد الإفريقي بين المغرب والجزائر، تكشف عن سيناريو الحرب
كل شروط المواجهة العسكرية واضحة بين المغرب والجزائر، يتقدمها موضوع الغاز، فـ تندرارة، “صحراء أخرى” خلقت أزمة صامتة يتطلب حلها، الوصول إلى توافق يبحث عنه الغربيون، وعن طريق عمل شركاتهم، فيما ينظر الرئيس ماكرون إلى الوضع بصعوبة، لأن الجزائر والمغرب قوتان عسكريتان يمكن تدمير جيشيهما، لتحسين حالة السلام في المنطقة.
وفعلا، تحول كل شيء، فـ “تندرارا” ليست “تالسينت”، و”المحبس” ليست “الكركرات”، وهذا التوتر المتصاعد في المنطقة، يمثل الغاز عنوانه في الكواليس، لأن مشكلة الصحراء صارت أممية رغم محاولة إعادتها إلى طرفي النزاع لإطلاق مفاوضات الحل بإشراف المبعوث الأممي والرئيس الألماني السابق، هورست كوهلر، فالمسألة الصحراوية، لن تحل دون مفاوضات شاملة مغربية جزائرية كما اقترحت الرباط، ونفس الشيء في موضوع الغاز، من الأنبوب مع نيجيريا وإلى مستقبل الأنبوب الجزائري الإسباني، فيما التصدير القادم للغاز المغربي، سيكون تحديا مع البلدان المصدرة لنفس المادة، والحوار بين الأطراف بعيد حاليا، فيما الحرب قريبة، يستعد لها العالم أكثر من استعداد المغرب والجزائر لهذا الخيار، فهل يتمكن البلدان من إفشال هذا الخيار لأنه الوحيد الموجود على الطاولة، وتستثمر إدارة ترامب إعادة التموقع في المغرب، لأن موقفها في تقرير مجلس الأمن 2414 الذي صاغته، وامتنعت عنه روسيا والصين وإثيوبيا باسم الاتحاد الإفريقي، طلبت بموجبه في حساب مباشر، عدم تنظيم كأس العالم بالمملكة، وهدد الرئيس الأمريكي الداعمين لهذا الترشيح علانية، وفي حساب غير مباشر، تمكن ريك سموتكين، من الدخول إلى ورش الغاز المغربي، كي يكون تحت أجندة واشنطن في مقابل لوبي الغاز الروسي الجزائري، وهو ما يهدد المنطقة بالانزلاق إلى حرب تذكرنا بالحرب العراقية الإيرانية.
400 سنة من الاستهلاك بـ 10.2 تريليون قدم مكعب على أقل تقدير
يوميا، تتوجه 5.5 ملايين قدم مكعبة من الغاز المستخرج في المغرب إلى صناعته الداخلية، في انتظار 10 ملايين بعد شهرين، من فاعل واحد في حقل سبو (شركة س. دي. إكس البريطانية)، ويعد اكتشاف حقل “تندرارا” بداية 2018، طفرة ترسم مرة أخرى، المشاريع الإقليمية، في مقدمتها أنبوب الغاز النيجيري ـ المغربي، كما يقرب الرباط من دائرة منتجي الغاز، وفي مقدمتهم قطر وروسيا، فيما ارتفعت أصوات الحرب في الجزائر، لمعرفة الحقول المكتشفة على الحدود الجزائرية ـ المغربية، فالغاز قد يوسع حرب الصحراء إلى حرب شاملة في المنطقة، خصوصا وأن المناقشات الأخيرة في مجلس الأمن، أكدت على المساهمة الجدية للأطراف، بما يضع موريتانيا والجزائر على قدم المساواة في البحث عن حل، ويرسم خارطة المغرب العربي انطلاقا من تقسيم “اتفاق مدريد”، بواقعية وتجرد يدعو إليهما المبعوث الأممي، هورست كوهلر، وصادق عليها قرار مجلس الأمن رقم 2414.
ويناقش المغرب مشروع قانون جديد للغاز، اعتبره بول ويلش، من الشركة البريطانية المستغلة، كارثيا، إن تمت المصادقة عليه على حالته، وقد أرسل إشارته إلى الجزائر في استجوابه بـ “الإيكونوميست” المغربية، معتمدا على ما سماه “الاختلاف الجيولوجي” بين البلدين، وأن المغرب سيكون في حظيرة الدول المصدرة للنفط والغاز، بفعل تطور الاستثمار في 1.362 كلم مربع فقط لمدة 8 سنوات، فيما يتأهل حقل منطقة الغرب، بعد يونيو 2018، ليكون على 240 كلم.
وتعلن شركة “سوند إنيرجي” المستثمرة لحقل “تندرارا”، أن المغرب، سيصبح قريبا مصدرا للغاز، فمنذ 23 يناير الماضي، امتلك 90 سنة من استهلاكه الحالي للغاز و23 مليار متر مكعب بكشفها البئر “تي ـ 5” على 1 في المائة فقط من حقل التجريب البالغ 250 كيلومتر مربع من أصل 23500 كيلومتر مربع، فيما الاحتياطات في أقل تقدير، تصل إلى 252 مليار متر مكعب، ووصل عرض إلى الشركة يقوم على تمويل أنبوب من تندرارا إلى أوروبا، ولأنه رخيص، بين 60 و100 مليون دولار، فإن الغاز الجزائري المسال المار عبر التراب المغربي، انتهى دوره في تبريد الأجواء وعدم إشعال الحرب الجزائرية المغربية، وعرفت المناطق الموسومة بـ “المغرب غير النافع”، احتجاجات قوية في السنوات الأخيرة تؤهلها للدفاع عن ثرواتها، وقد تقلب هذه التطورات معالم الخارطة الحالية للمملكة.
نهاية 2018، ستكون حاسمة في معرفة احتياطات المملكة من الغاز الطبيعي في شمال المملكة بعيدا عن إقليم الصحراء، وإطلاق مشروع “غاز نحو القوة” أو “غاز توباور”، وأراد المغرب مفاوضات مع الجزائر تبدأ بالصحراء، وتنتهي بأنبوب الغاز الجزائري المار عبر المغرب المنتهي الاتفاق بشأنه في 2021، لرغبته في صفقة إقليمية متكاملة مع جيرانه
يقلب الغاز المغربي خارطة التوازنات الحالية في شأن الأنبوبين الجزائري ـ المغربي، والنيجيري ـ المغربي، لتجاوز احتياطه لـ 600 مليار متر مكعب، في التقدير المرتقب لنونبر القادم، بما ينهي عمليا خارطة ويبدأ في تشكيل أخرى، إن تمكن من توفير 9 ملايير متر مكعب سنويا قبل 2021، وعلى ضوء الأرقام المتداولة في الكواليس، فإن الأمر منته، بما يجعل الجزائر خارج اللعبة، لأن الاحتياطات توجد على أقل من 100 كيلومتر عن الأنبوب الجزائري المار عبر التراب المغربي، بما يجعله داخل حقل غازي، فيما يذكر تقرير 2016 للمكتب الوطني للهيدروكاربورات، أن هناك 4 مناطق غازية (الغرب ـ مسكالا ـ تندرارا والصويرة)، وهذا الخط من تندرارا شرقا إلى الصويرة غربا مرورا بمنطقة الغرب، قادر على ضوء التقديرات المتفائلة، على تحويل المغرب إلى دولة مصدرة للغاز في أفق قريب، لأن القرار السياسي حاسم في تعجيل أو تأجيل هذا التحول.
وتضع بريطانيا يدها على الحقول المكتشفة، بطريقة حاسمة في مصير الغاز المغربي لثماني سنوات مقبلة، وهو سر موقفها في قضية الصحراء.
وحسب مراقبين مستقلين من “إر. بي. إس. إنيرجي”، فإن بئرا واحدا يسمى “تي. أوـ 5″، وصل احتياطه إلى 18 مليار متر مكعب، وسبق للبئر “تي – 8″، أن أكد على احتياط عالي في المنطقة بمئات ملايير الأمتار المكعبة، وبعد إكمال الآبار الثمانية، سيكون الإحصاء الدقيق للاحتياطي، وقد تنهي هذه التقديرات في “تندرارا، متاركا ـ أنوال”، كمية الاحتياطي في الآبار “تي – 9″ في يوليوز و”تي – 10″ في شتنبر و”تي – 11” في نونبر، وفي بداية دجنبر، يمكن تقدير الكمية المتوفرة في “تندرارا”.
حقل “تندرارا” من نفس الحقل الغازي الذي يجمع المغرب والجزائر
سيكون استغلال حقل “تندرارا”، إيذانا بحرب تعتمد على استنزاف أكبر للحقل الجامع بين البلدين، وهو من نفس المنصة الهيرسينية الصحراوية الجزائرية المغربية، بل اعتبرته “ليكونوميست”، امتدادا للحقل الجزائري(1)، فيما زادت الاحتياطات في حوض سبو، أو حقل “الغرب”، عن 71 في المائة، ويتواصل منذ 20 مارس الماضي، التنقيب في بئرين بـ “للا ميمونة”، وحسب الاختيارات الأولية في مشروع بلقصيري، هناك بئران أعطيا علامات جيدة.
وتتركز الخارطة الغازية حاليا على الحقل الجزائري ـ المغربي المشترك، من جهة لأن المشروع الضخم المندمج “غاز تو باور”، يبدأ مع نهاية عقد الأنبوب الجزائري المغربي، ويسعى إلى إنتاج 5 مليارات متر مكعب في السنة، باستثمار يصل إلى 4.6 مليار دولار.
وحسب الإعلام الجزائري، سلطت الرباط غموضا إضافيا على الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر التراب المغربي(2)، لأن الاتفاق بشأنه سينتهي في 2021، وهناك اقتراح لاستغلال الأنبوب لتصدير الغاز المحلي، ويعتقد الملاحظون، أن إطلاق برنامج “غاز تو باور” المغربي، جاء لهذا الغرض، فيما يرفض رسميون التعليق، ويدعمون ثلاثة مشاريع متنافسة (“غاز تو باور”، والأنبوب النيجيري ـ المغربي، والجزائري الإسباني المار عبر المغرب).
ودخلت الجزائر على الخط في دراستين لهذا المستوى المتوقع في مستوى البنية التحتية للغاز الجزائري، مستخدمة احتمال الوصول إلى الباب المسدود.
ويعتمد المغرب على محطة الغاز في الجرف الأصفر للاستجابة لطلباته الداخلية، في إطار مشروع “غاز تو باور” قبل سنتين من نهاية الاتفاق، فيما تمكنت الجزائر من الإجابة على 60 في المائة من طلبات إسبانيا عبر الأنبوب المغاربي الأوروبي “جي. إم. أو” بما يصل إلى 12 مليار متر مكعب بما مبلغه 650 مليون دولار، أي 90 في المائة من الغاز الجزائري المتجه نحو أوروبا، وتدعم فرنسا أنبوبا في المياه العميقة يربطها بالجزائر “ميد غاز”، الذي يأتي بديلا عن الأنبوب الإسباني الجزائري المار عبر المغرب، وتعمل على هذا المشروع “سوناطراك” و”سيبسا”، وبدعم من “إيبيير درولا” و”إنديزا” و”غاز فرنسا”.
وتعمل باريس على أوراقها الخاصة، فالرأسمال الفرنسي لا يدعم الاستثمار في الغاز المغربي، ويستثمر الحالة التي لا يقوم فيها المغرب بتجديد اتفاقية الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر المغرب.
ومن جهتها، تضمن بريطانيا هامش المناورة المغربي في الوصول إلى إنتاج غازي مستقل، مع تأمين تصديره إلى أوروبا، وتعارض دخوله المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا، ولا يخفى على أحد خروج المملكة المتحدة من أوروبا ومحاولة الانطلاق من المغرب لتعزيز دور لندن في أمن ومستقبل جبل طارق، وأيضا في وضع اليد على الغاز المغربي من حقل “الغرب” (سبو) إلى حقل “تندرارا” نحو أوروبا، بما يفيد أن المسألة لا تتعلق بحقل مشترك مع الجزائريين، بل بتصدير مغربي بخصائص جيولوجية تربط “تندرارا” إلى حقل “الغرب” وليس العكس.
ويركز المستثمرون على هذه الرؤية البريطانية الذكية والحاسمة، وأعطت وكالة “كوفان” لاكتشاف الغاز من بئر “إس. أ. أش. 2” في 27 فبراير الماضي، بعدا خاصا، ففي عمق 1304 أمتار، كانت أعمدة غازية من 5.2 أمتار خالصة في تكوينات “غباص”، وفي “هوت” بـ 33 في المائة، حسب النتائج الأولية قبل الحفر(3)، وهي خامس اكتشاف لشركة “أس. دي. كا”.
وسبق لشركة “ريبسول” أن أكدت على وجود مخزون غازي في المغرب بين طنجة والعرائش قدرته بـ 100 مليار قدم مكعب، وهو من عمودين غازيين يبلغان 90 مترا في بئر “أنشوا 1″، وتشارك بريطانيا عبر “دينا” بـ 15 في المائة في مشروع غاز الشمال المحسوب كامتداد لحقل “الغرب” الذي يهيمن عليه الإسبان عبر “كوسيريتوم” مع الأرجنتينيين.
وبلوغ اكتشاف بئر “أنشوا 1” 2.82 مليار متر مكعب، إشارة إلى حقل واسع قابل للاستثمار، لأن المغرب يحاول تجميع موارده لتصديرها ضمن مخططه العملاق “غاز تو باور”.
ومن اللافت، أن الشريك البريطاني نشر الكمية ورفض الطرف الإسباني ذلك، بما يؤكد أن المسألة ليست تجارية، بل سياسية.
إنها “حمى” الغاز بالمغرب، حسب وصف “ماروك إيبدو”(4)، وتعلق “كنار ليبيري”، بأن المغرب تحول إلى مملكة بترولية(5)، وفي شيشاوة، يصل الاحتياطي إلى 292 مليار متر مكعب، وهو ما يجعل بكين، تضع المغرب ضمن خارطتها للطاقة الأحفورية القابلة للاستثمار في انتظار اكتمال الخارطة الغازية التي لم تتجاوز في رصدها، الـ 20 في المائة من المواقع المحتملة.
وتهيء الرباط لهذه النقلة من خلال: السماح بنقل الغاز من حقل “تندرارا” إلى أوروبا، بتحويل الاعتماد في الطاقة إلى الغاز، وهو ما حدث في المكتب الشريف للفوسفاط منذ مارس 2017(6) ضمن ما يدعوه “الاقتصاد الأخضر”، وأخيرا اللعب الجيوسياسي بين المخطط الداخلي (غاز تو باور)، والأنبوبين: الجزائري الإسباني عبر التراب المغربي والنيجيري المغربي نحو أوروبا.
وكالة الصين الرسمية للأنباء تنظر إلى اكتشاف الغاز “اكتشافا بريطانيا للغاز في الأرض المغربية”
يبدأ تعليق موقع الشركة المكتشفة، بالتعليق على حقل “تندرارا” بـ “الحلم الذي تمنحه الصحراء”(7) على مساحة 14 ألف و500 كيلومتر، منذ 23 أبريل 2013، في ثلاثة آبار:
1ـ البئر “تي – 6” بـ 28 متر من الدفع الغازي وبمخزون 17 مليار قدم مكعب.
2ـ البئر “تي – 7” بعمق 3459 مترا، وعلى أفق 2611 مترا يوجد مخزون على 837 مترا متضمنا 700 متر أفقيا بـ 32 مليار قدم مكعب.
3ـ البئر”تي – 8″ على بعد 12 كيلومتر عن البئر “تي – 7”.
وحسب دراسة الشركة، فإن مخزون “تندرارا” و”أنوال”، يصل إلى 9 تريليونات قدم مكعب، وفي حال إنشاء نظام بترولي كامل، سيرتفع المخزون إلى 32 تريليون قدم مكعب، أي بمعدل إضافي يصل إلى حوالي 400 في المائة.
وأنهت الشركة تقريرها في يناير الماضي، وهي تدرس حاليا إنشاء الأنبوب، وتأمينه وتأمين إدارة عامة للعمل بالمنطقة(8)، وهو ما جعل وكالة الأنباء الصينية تثير جنسية هذه الاستثمارات(9)، بعد إعلان شركة “إس. دي. إكس” البريطانية، نجاح عملياتها التنقيبية في القنيطرة، المدينة القريبة من الساحل الأطلسي.
وحسب التقارير المتخصصة، فنحن أمام:
1ـ غاز في “تندرارا” لا يختلف عن الغاز الجزائري، ويمكن إلحاقه بالأنبوب الجزائري المغربي الذي لا يبعد سوى بـ 120 كيلومترا عن موقع الاكتشاف، فيما غاز القنيطرة والغرب، خفيف وصخري، وجزء منه بترولي(10).
2ـ أن تأمين نقل غاز حقل “تندرارا” إلى الأنبوب الجزائري الإسباني، مسألة معقدة، وتتطلب تحريك القنوات الخلفية للعاصمة لندن قصد تسهيل الاستغلال، ولن يتمكن المغرب من فتح المفاوضات حول هذا الموضوع إلا في أواخر 2020، وتشعر الشركة بصعوبة أي استثمار في هذه المرحلة، فيما سمحت الرباط للشركات المنقبة ببيع الغاز للشركات المحلية، كما مع “إس. إي. إكس” في القنيطرة لتبرير عدم تحركها نحو الجزائريين لتسهيل الاستثمار في تندرارة، وكلما جرى التصعيد في مشكل الصحراء، تتأخر استفادة هذه الشركات في المدة المحددة للترخيص والبالغة 8 سنوات.
وما يجري في الكواليس، ينبئ أن القنوات الخلفية، تشتغل للسماح بأنبوب في تندرارة يضخ في الأنبوب الجزائري الإسباني، ولدى الشركة المستغلة، 75 في المائة، بما يجعلها قادرة على فرض أسلوبها في إدارة استغلالها للغاز المغربي، لكن الموافقة الرسمية للعاصمة الرباط، رهينة بتسوية مع الجزائر، قد تبدأ بمستقبل الاتفاق حول الأنبوب العابر للأراضي المغربية، وقد يتعقد الأمر، إن ارتبط بمفاوضات تشمل موضوع الصحراء، كما رفعت المملكة هذا المطلب مؤخرا.
إذن، فدبلوماسية القنوات الخلفية، هي القادرة على حل المشكل، وحضور الدبلوماسية البريطانية بين العاصمتين الجزائرية والمغربية، هو الذي يسهل الوصول إلى تفاهم استثماري بشأن حقل “تندرارا”.
استثمار الغاز المغربي لم يعد تجاريا
ليست مسألة الغاز المغربي تجارية أو استثمارية، فالوضع الإقليمي مع الجزائر، قد ينتهي بتفاهم يجدد اتفاق نقل الغاز الجزائري عبر التراب المغربي، أو تبدأ الحرب بمشكل الصحراء العالق في الأمم المتحدة.
من جهة، اقترح المغرب أنبوبا غازيا مع نيجيريا لتحسين التفاوض حول الأنبوب الجزائري الإسباني المار عبر أراضيه، وأطلق مشروعه “غاز تو باور” متوقعا تمرير الغاز النيجيري عبر الأراضي المغربية نحو أوروبا، فهل يمكن إضافة أنبوب حقل “تندرارا” إلى الأنبوب القائم بين الجزائر وإسبانيا أو لابد من ضمه إلى الأنبوب المعدل كجزء من الأنبوب النيجيري المغربي، وقد يضم غاز طنجة والعرائش وحقل “الغرب”.
الإجابة لا يمتلكها البريطانيون، ويواصلون اكتشافهم لرفع المخزون والتمكن سريعا من بناء صناعة بترولية كاملة في المغرب، لذلك يسود اعتقاد لدى الأوساط المختصة، أن ما جرى تأكيده من كون تندرارة جزء من الحقل الجيولوجي مع الجزائر، يزيد من تعقيد الوضع القائم، لأن الجزائر والمغرب، قد يحاربان من أجل استثمارهما للغاز، ولذلك، فإحضار الشركة لاستثمار يساوي في استغلاله استغلال الجزائريين لنفس الحقل الجيولوجي، له تبعات.
إذن، شروط الحرب متوفرة، وقد لا تكون الصحراء إلا شماعة لها، لأن استثمار الغاز وعدم التفاهم حول حقل جيولوجي يجمع البلدين، قد يكرر مأساة عراق صدام حسين مع الكويت حول حقول نفطية مشتركة.
وفي هذا الصدد، فالكواليس لا تستبعد حربا جزائرية مغربية شاملة، بفعل الصحراء والغاز، إن لم يتمكن المجتمع الدولي من الوصول إلى حل سريع في الصحراء قد يؤجل وحده اقتسام الثروات مع المغرب.
فمن جهة، لن تقبل الرباط ألا تستثمر باطن أرضها، ولا ترغب الجزائر من جهة أخرى، في أن يكون استثمار باطن الأرض المغربية، استنزافا للغاز الذي يعد ضمن المواد الأساسية في التصدير وبناء الميزانية الوطنية.
والتنافس بين الجزائر والعاصمة الرباط على السلاح ذي التكنولوجية عالية التدمير، يدخل بشكل واسع في الردع، والمناورة، لتأجيل الاستغلال العالي والمكثف لحقل “تندرارا”، وقد يخدم التأجيل، الجزائريين لمواصلة وحماية نمطهم وتصديرهم، وأيضا المغرب في مواجهة الشركات التي لديها عقود محدودة، على الأقل كما ينظر بعض المسؤولين الغربيين للموضوع، وبمواجهة مشكل الصحراء، لا يستبعد طرفا النزاع، العودة إلى الحرب.
الغاز والصحراء مشكلان متداخلان
لا يمكن أن يمر الاستغلال لحقل جيولوجي مشترك يجمع البلدين (الجزائر والمغرب) دون إثارة حزازات تبدأ من دعم أي حرب استنزاف في المنطقة، ضد المغرب تحديدا، لأن لعبه مؤثر في غرب إفريقيا وفي الاتحاد الإفريقي، ويحاول عبر شركاته التجارية دعم استثماره لباطن الأرض، فاليوم، لا يمكن أن يقول الخبراء، إن نفط “تالسينت”، خدعة أو خطأ، بل إن الحقل الجيولوجي يجمع الجزائر والمغرب، وحقل “تندرارا” ليس على الحدود، بل في قلب الأرض المغربية، ويمكن حمايتها، عكس الوضع في “تالسينت”.
وانكشفت اللعبة بطريقة حولت مشكل الغاز إلى مشكلة غامضة، ويتداخل فيها مشكلا الغاز والصحراء، بطريقة يحكمها التداخل والالتباس، وترى دوائر القرار الدولي، ضرورة التفاهم الجزائري المغربي، أو بناء قنوات خلفية عبر حليف قوي ثالث، وتمثل بريطانيا هذه الحالة، من أجل أفق مشترك للاستثمارات في المنطقة.
غازان في المغرب بـ 100 تريليون قدم مكعب
قد يكون واضحا اختلاف الغاز الصحراوي لحقل “تندرارا” عن غاز حقل “الغرب”، لكن وصول بعض التقديرات إلى 100 تريليون قدم مكعب، يفرض على المغرب الكثير من التروي والحكمة، فالمسألة قد لا تكون أكثر من حقل غازي واحد من الصويرة إلى صحاري الجزائر، مخترق لجيولوجيات مختلفة، لكنها واحدة، فالأرقام التي تضع 10.2 تريليون قدم مكعب إلى جانب 55 ألف برميل يوميا، ستزيد، بحيث أن أي صناعة بترولية، ستخدم ارتفاع استخراج الغاز الطبيعي، كما ستزيد قدرة الاحتياطي بـ 200 في المائة عن وضعية ما قبل الاستغلال، كي يبقى إشكال الغازين قائما، والحديث عن الغاز الصحراوي من حقل باطني واحد مع الجزائر، يثير مشكلا، لأن المغرب في نظر الجزائر، يستغل الصحراء “الغربية”، ولا يمكن له السماح باستثمار إضافي لثروة أخرى.
وأيا يكن الحال، فإن الموقف السياسي معقد للغاية، فيما تفاؤل الأرقام كبير يصل إلى تأمين سريع لخمس مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، ولمدة تصل إلى 15 سنة، لكن هذه النعمة قد تتحول إلى نقمة على الجزائريين والمغاربة، إن أعلنت حرب لا تبقي ولا تذر بين الجارين اللدودين.
قد يؤهل الوضع بريطانيا إلى حماية استثماراتها في الدولتين، بعد انتهاج فرنسا لسياسة مختلفة لا تمنع من اتجاه الأمور إلى حرب جزائرية مغربية.
وحاليا، ترى باريس أنها الحل، لأنها تقترح الأنبوب الجزائري الفرنسي عبر المياه العميقة للبحر المتوسط، ومن جهة أخرى، تقترح على المغرب إدارة استثماره الحر في الغاز تحت أراضيه وفي الصحراء، في خدمة واسعة لمصالحها في المملكة وإفريقيا، ولا يتورع الرئيس إيمانويل ماكرون، من مناقشة سيناريو الحرب المحتملة بين المغرب والجزائر، وإمكانية احتوائها في أي لحظة، وهو ما لا يقبله الخبراء الأمريكيون على وجه التحديد، من ثلاث زوايا:
1ـ أن الاستراتيجية الفرنسية في موضوع الغاز المغربي، براغماتية وأحادية.
2ـ اعتماد باريس على علاقات منفصلة للغاية بين الجزائر والمغرب.
3ـ أن فرنسا تحاول الهيمنة على ملف الصحراء لإدارة التوتر بين الرباط والجزائر، وتمنع أي تدخل دولي متوازن في المغرب العربي، فاضطرت واشنطن إلى تسريع هذه السياسة لخنقها، وهو ما عبر عنه سفير فرنسا في الأمم المتحدة بقوله: “يجب أن يكون استثناءا ما حدث من تجديد لولاية المينورسو في 6 أشهر فقط”، فيما ترى إدارة ترامب المسألة من وجه آخر.
ولا تحمي فرنسا خطوة المملكة باتجاه ترسيم حدودها في الصحراء، رغم موقفها الداعم للرباط في إدارة الإقليم وتدبير ثرواته، وحمت بشكل كامل:
أ ـ التجارة عبر منفذ “الكركرات” البري والتنقيب في مياه الأطلسي المقابلة لإقليم الصحراء، لكن دون حضور أي شركة فرنسية، بما يطرح السؤال عن الموقف الحقيقي للحليف المغربي؟
لتجيب دوائر نافذة، بأن المسألة تتعلق بعدم وضوح المصالح المباشرة لفرنسا، كي لا تكون مدافعة عن مصالحها، وتكون لها مصداقية في موضوع الصحراء، وأوضحت مصادر من شركة “كوسموس”، أن قدرتها في مياه الأطلسي، تحت حماية فرنسية أيضا، وقد استثمرت هذه الشركة في حقل “أغادير” بالصويرة، مشيرة إلى أن استثمارها يسمح بجوانب متعددة للمناورة (كما تقول في موقعها الرسمي)(11).
ب ـ الشركات الغربية، دون حضور الفرنسية، في التنقيب عن النفط والغاز.
ج ـ الخرائط الحالية للاستغلال.
“التلغراف” البريطانية أكدت منذ 2016، على تحول “الأهداف” لاكتشاف الغاز بطريقة استثنائية في المغرب
في مقال بين مارتن، ما يوحي في “التلغراف” البريطانية، أن لديها معلومات(12)، بأن كل شيء تغير مع الاكتشاف الاستثنائي للغاز في المغرب، لأن المسألة لم تعد في المملكة مسألة كمية، بل طريقة الاستغلال من حقل مشترك مع الجزائر، وتغيرت الأهداف منذ 2016، فمن جهة، شركة “سوند إنيرجي” ليست شركة نافذة في لندن أو الرباط لأنها “مقاولة شابة” بتعبير الصحيفة البريطانية، ومن جهة أخرى، فإن المغرب سوق تجاري بامتياز، وهناك طموحات دولية متسترة وظاهرة، وتلعب فرنسا خلف الستار.
يقول جيمس بارسونتر في تصريح مباشر: “من المنطقي أن تكون تندرارا ونطاق الترخيص في مريدجة، إقليما أو عمالة للنفط والغاز”.
وهذه الإشارة كفيلة بالقول أن شركات الغاز والنفط، تريد إعادة رسم الخارطة الإدارية للمملكة، وقد فاجأت الكميات الهائلة المستثمرين الأجانب كما تقول صحيفة “التلغراف”، وتكشف أن أمريكا دخلت على خط استثمار الشركات البريطانية.
واستدعت “تندرارا” الشركة الأمريكية “شلوبيرغر”(13) وفاعلين من إيطاليا، الشركاء الأقوياء للجزائر، لصناعة التوازن، ومنحت الشركة البريطانية هامش المناورة للوصول إلى استغلال الغاز المغربي الذي وصلت تقديراته إلى أرقام غير متوقعة، فلم يضمن المغرب فقط استهلاك 100 سنة، بل إن استثمار المخزون بنظام بترولي متكامل، ينقل الاحتياط إلى 400 سنة.
احتياطي لـ 400 سنة
ما يستهلكه المغاربة اليوم، يضمن لمخزونهم أن يستهلكوه لـ 400 سنة، يقول تقرير “بيزنس واير” الصادر في دبلن لسنة 2017، وبانوراما مشروع “تندرارا” المغرب، هو طفرة اقتصادية شاملة(14) كما وكيفا، وفي 21 صفحة، يتأكد أن المملكة ستعرف ثروة لا مثيل لها، وأن استعدادات ومخاوف تعترض البداية إلى الحد أن هناك خوفا رسميا من هذه القفزة.
وحسب الطبيعة الجيوفيزيائية لهذا الغاز:
ـ فإنه خفيف للغاية (أقل من 1 متر في سمكه)، وهذه الخلاصة لـ “كيشنيس بتروليوم”(15).
ـ أن هذه المناطق المكتشفة، من الغاز والصخور الرسوبية.
ـ أن الاختبارات المضادة، جرت بشكل مفصل لـ 5 مواقع.
ـ أن العينات، من الجبال والسهول.
ـ أن المخزون الغازي، رملي(16).
وبالأخذ بهذه الخصائص الجيوفيزيائية، يمكن إعادة تقدير هذا الاكتشاف من 4 نقط:
1ـ أن المغرب وصل إلى الاكتفاء الذاتي ولمدة طويلة.
2ـ أن الرباط “مهووسة” بالتصدير إلى حد كبير، ولذلك، فهي غير قادرة على خلق منحى استراتيجي لاحتياطها الغازي.
3ـ أن الغاز سيخلق ثروة مركزة، وعمالة واسعة، ولذلك، لا يتخوف لدى المغاربة من حضور عمالة دول جنوب الصحراء.
4ـ أن هناك إعادة توجيه للأنبوب الغازي الجزائري الإسباني المار عبر الأراضي المغربية، فالمسألة تتعلق بعدم تجديد الاتفاق في 2021، وتحويل الأنبوب لتصدير الغاز المحلي، ومن حقل جيولوجي مشترك مع الجزائر، وهذه المعطيات ستشعل حربا جزائرية مغربية، فيما يقبل المغرب تنازلات في ملف الغاز من أجل تنازلات جزائرية في ملف الصحراء، ولا تزال الأمور معقدة، فلم يتخذ المغرب بهذا الشأن، خطوات قوية، لأنها تعني قبل كل شيء، استعدادا كاملا لحرب إقليمية مدمرة.
إلى 2015، كانت 34 شركة أجنبية تعمل في الغاز والنفط، ووقعت المملكة مع “مبادلة بتروليوم” الإماراتية لتقديم الدعم والتنقيب غرب المتوسط، لكن الإحصائيات الأمريكية أربكت العاصمة الرباط، لأنها أخرجت الحدود المغربية الجزائرية من تقديرها والتي تقع على حقل جيولوجي واحد مع الجارة الشرقية، لكن تندرارة ليست تالسينت القريبة للغاية من الحدود
قبل سنتين، وحسب الإحصائيات الأمريكية، فإن المغرب خارج الحقل المشترك مع الجزائر، ومنه حقل “تندرارا”، حيث لا يملك أي مخزون نفطي ولا يتجاوز 0.05 مليار قدم مكعب من الغاز، لكن الإحصائيات الأخيرة صدمت الدول الغربية، وتجاوز المغرب مؤخرا مصر، وهو ما جعل دوائر القرار في الإمارات، يعيدون النظر في قرارهم، والابتعاد عن الاستثمار الغازي في المملكة.
وفعلا، هيمن البريطانيون على الغاز المغربي، تنقيبا واستغلالا في الشهور الأخيرة، لأن النظرة الإقليمية تغيرت، فـ “إيني” الإيطالية وقعت مع المغرب في 2017(17)، واستغلت المياه الأطلسية (طرفاية ـ الرباط ـ الجديدة) كي لا تخسر مصالحها في الجزائر، وقد فرضت الجارة الشرقية قيودا على الاستثمار في الحقل الصحراوي المشترك مع المغرب على الحدود.
وحسب الإحصائية التي نشرتها “أونيب”(18)، فإن واردات الغاز ارتفعت بـ 100 في المائة بين 2010 و2015، أي من 583 إلى 1086 حسب مقياس “كتو”، قبل أن يتراجع جزء كبير من هذا التوريد لدخول الغاز المحلي في الدورة الصناعية، وبالتالي، فإن الغاز دخل الرهان السياسي والجيوسياسي للمملكة، لقرارها الاستثمار في هذا القطاع، ولم تأخذ زمام المبادرة باتجاه الأنابيب المتقاطعة على أراضيه لكل من الغاز النيجيري أو الجزائري، فمثلا تهدد الجزائر بحرب حول الغاز مع المغرب، ومن جهة ثانية، تعمل سيراليون مثلا على استثمار مالها في غاز نيجيريا إلى جانب دول أخرى تمنع الذهاب بعيدا في اقتراح الرباط القاضي بتوسيع الأنبوب الغازي بين المغرب ونيجيريا باتجاه أوروبا.
وبدأ التحول في 2015 إلى الحد الذي توقعت فيه تقارير أممية، إمكانية حدوث حرب في الصحراء خارج المشكل المطروح على مجلس الأمن، بل استثمارا له لإعادة رسم خارطة الثروة الطبيعية في المنطقة، يتقدمها البترول والغاز، ولا زالت هذه المعركة متواصلة بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وتمكن المغرب من رصد موارد هامة، أكثر من 4 مليارات دولار في مشروعه “غاز تو باور”، ودراسته المالية للأنبوب النيجيري المغربي بما يتجاوز مبدئيا 14 مليار دولار، لذلك، وضع ساسة المغرب مبادرتهم في مستقبل الغاز، للضغط على الجزائر لتسوية في الصحراء، وأيضا لتوسيع الاستثمار في غرب إفريقيا، وأخيرا من أجل تنويع مصادر الطاقة التي احتكرها النفط وشركات توزيعه.
وأغلق المغرب “لاسامير” مطالبا إياها بديون تراكمت لسنوات، وسمح للوبي النفط بهامش مناورة في الأرباح والنفوذ السياسي بطريقة ممنهجة، فيما وضع بيضه كاملا في سلة الغاز.
ودفع المواطن ثمن هذه السياسة الحادة، المتمثلة في تمويلات ضخمة باتجاه أهداف ينتقدها البعض، لكنها تبقى محكومة بأجندة، تشكل فيها الشركات الأجنبية، وخصوصا البريطانية منها، عامل توازن مع الجزائر، وقد وجدت هذه الخطوات تفهما استراتيجيا من شعوب المنطقة.
وكشفت تقارير من تندرارة، أن مشروع خلق عمالة أو إقليم، وبناء من الأول إلى الآخر لمدينة جديدة، هو أسلوب لخلق محيط مواكب يقبل “الاستثمار الأجنبي” في منطقة مغلقة ومحافظة، بل متدينة إلى حد كبير.
اعتراف المغرب بالحدود الموروثة بتوقيعه على ميثاق الاتحاد الإفريقي، ترسيم إضافي لحدود البلدين، وتمكين للمغرب من الاستثمار على أراضيه لحقل جيولوجي واحد يجمعه مع الجزائر
لم يكن في نظر الخبراء، أن دخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، لم يكن سوى جسر لترسيم نهائي للحدود المغربية الجزائرية، فالجزائر طلبت ترسيم الحدود مع المغرب عبر الأمم المتحدة، فيما اختارت الرباط الاتحاد الإفريقي، كي يتعلق الأمر بمنظمة إقليمية فقط، وثانيا، كي تسمح هذه الخطوة، وطبقا للقانون، باستثمار باطن الأرض في لحظة اندلاع مسألة نفط “تالسينت” على الحدود مع الجزائر، التي لم يكن المغرب قد صادق في البرلمان على “اتفاق إيفران” 1972 بين بومديان والحسن الثاني، رغم نشرها في الجريدة الرسمية، فتقرر عدم الدخول بشكل مباشر، في أي مفاوضات أو تعهدات تجاه الجزائر، وبشكل قانوني وبمصادقة البرلمان، انتهت الحدود الجزائرية المغربية إلى ما هي عليه حاليا، بدخول المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، وكي لا يتأثر موقفه في الصحراء “الغربية”، حصرها في تدخل الأمم المتحدة، وهددت الجزائر بوقف المفاوضات، ومن ثم إبعاد “المينورسو” والأمم المتحدة، ليعود المشكل إلى الاتحاد الإفريقي، ومجرد خفض انتداب “المينورسو” لـ 6 أشهر، إيذان بهذا التوجه.
وبالمقابل، من حق المغرب بعد “تندرارا”، العودة إلى آبار “تالسينت” لإعادة استكشافها، رغم ما يمثله الأمر من مخاطر، لكن الخطوة قانونية، ولذلك، دعمت المملكة مشروع “تندرارا” لأنه ليس مشكلة غاز، بل مشكلة جيوسياسية حاسمة مع الجزائر.
وفعلا، يسهر الطرفان على مواصلة حرب الغاز، من الآبار الموجودة على حدود البلدين، وإلى مشكلة الأنابيب مع أبوجا في إفريقيا ونحو مدريد، وتأخذ المسألة في كل يوم، تبعات جديدة، فأرقام حقل “تندرارا” خلقت ضجة حول واقعيتها، وبعد التأكد من الإحصاءات، يمكن وصف ما حدث، بأنه إعادة تقدير جزائري تسلمته وسائل الإعلام.
وفي لحظة حاسمة، قرر الجيشان، المغربي والجزائري، تكثيف الاستعدادت بسلاح المدرعات والمناورات على الحدود، بما لن يسمح لأي كان، بأي اقتطاع ترابي على الحدود الجزائرية المغربية.
واليوم، ربح المغرب ثلث احتياطي الغاز في الجزائر، ومن الناحية التقنية، يمكن في تندرارة، الوصول إلى حق المملكة الكامل في الغاز، ولن يكون التركيز على الغاز الخفيف في حقل “الغرب”، في مثلث القنيطرة العرائش وطنجة، بل يتجه الجميع إلى استغلال مشترك مغربي جزائري لأكبر مخزون غازي في شمال إفريقيا.
سيذكر الجميع، الحساسية التي نشأت بين العقيد القذافي وبين بن جديد، بسبب الغاز والنفط، وأراد القذافي أن يدخل تونس كما دخل المغرب وادي الذهب، والاتحاد السوفياتي أفغانستان في 1979، وهدد الغربيون بحرب إقليمية بين المغرب والجزائر ودائما حول الغاز، وكادت الحرب أن تندلع بين ليبيا والجزائر.
الحدود المرسومة في خرائط الاتحاد الإفريقي بين المغرب والجزائر، تكشف عن سيناريو الحرب
كل شروط المواجهة العسكرية واضحة بين المغرب والجزائر، يتقدمها موضوع الغاز، فـ تندرارة، “صحراء أخرى” خلقت أزمة صامتة يتطلب حلها، الوصول إلى توافق يبحث عنه الغربيون، وعن طريق عمل شركاتهم، فيما ينظر الرئيس ماكرون إلى الوضع بصعوبة، لأن الجزائر والمغرب قوتان عسكريتان يمكن تدمير جيشيهما، لتحسين حالة السلام في المنطقة.
وفعلا، تحول كل شيء، فـ “تندرارا” ليست “تالسينت”، و”المحبس” ليست “الكركرات”، وهذا التوتر المتصاعد في المنطقة، يمثل الغاز عنوانه في الكواليس، لأن مشكلة الصحراء صارت أممية رغم محاولة إعادتها إلى طرفي النزاع لإطلاق مفاوضات الحل بإشراف المبعوث الأممي والرئيس الألماني السابق، هورست كوهلر، فالمسألة الصحراوية، لن تحل دون مفاوضات شاملة مغربية جزائرية كما اقترحت الرباط، ونفس الشيء في موضوع الغاز، من الأنبوب مع نيجيريا وإلى مستقبل الأنبوب الجزائري الإسباني، فيما التصدير القادم للغاز المغربي، سيكون تحديا مع البلدان المصدرة لنفس المادة، والحوار بين الأطراف بعيد حاليا، فيما الحرب قريبة، يستعد لها العالم أكثر من استعداد المغرب والجزائر لهذا الخيار، فهل يتمكن البلدان من إفشال هذا الخيار لأنه الوحيد الموجود على الطاولة، وتستثمر إدارة ترامب إعادة التموقع في المغرب، لأن موقفها في تقرير مجلس الأمن 2414 الذي صاغته، وامتنعت عنه روسيا والصين وإثيوبيا باسم الاتحاد الإفريقي، طلبت بموجبه في حساب مباشر، عدم تنظيم كأس العالم بالمملكة، وهدد الرئيس الأمريكي الداعمين لهذا الترشيح علانية، وفي حساب غير مباشر، تمكن ريك سموتكين، من الدخول إلى ورش الغاز المغربي، كي يكون تحت أجندة واشنطن في مقابل لوبي الغاز الروسي الجزائري، وهو ما يهدد المنطقة بالانزلاق إلى حرب تذكرنا بالحرب العراقية الإيرانية.