السلطان محمد خان الثالث
ولد السلطان محمد خان الثالث بن السلطان مراد الثالث بن سليمان القانوني عام 974هـ الموافق 1546م، وجلس على سرير السلطة عام 1003 الموافق 1566م بعد وفاة والده باثني عشر يومًا، لأنه كان مقيمًا في مغنيسا، كانت أمه إيطالية الأصل اسمها (صفية).
نشأ السلطان محمد خان الثالث في أسرة حملت لواء الجهاد في سبيل الله قرونًا عديدة، ولم يسلم محمد خان الثالث من الاتهامات التي وجهت إليه كما وجهت إلى من تولى قبله، فقد اتهم بقتل تسعة عشر من إخوته، وقتل عشرة من نساء أبيه كلهم حبالى ولعمر الله كيف يقدم رجل على فعل هذه الأعمال الشنيعة، ثم ينزل الله عليه النصر، ولقد اتهم محمد الفاتح بمثل هذا الاتهام من قبل، ونال بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية، فكيف يرتكب هذه الكبيرة، ثم ينزل الله عليه النصر، إنها روايات ملفقة عن هؤلاء العظام حتى لا يعرف الناس حقيقة جهادهم، وما فعلوه لأجل الإسلام والمسلمين.
جهاده
رغم حالة الضعف والتدهور التي كانت قد اعترت الدولة العثمانية إلا أن راية الجهاد ضد الصليبيين ظلت مرفوعة، ومما يذكر لهذا السلطان أنه لما تحقق له أن ضعف الدولة في حروبها بسبب عدم خروج السلاطين وقيادة الجيوش بأنفسهم برز بنفسه وتقلد المركز الذي تركه سليم الثاني، ومراد الثالث: ألا وهو قيادة عموم الجيوش، فسار إلى بلغراد ومنها إلى ميادين الوغى والجهاد، وبمجرد خروجه دبت في الجيوش الحمية الدينية والغيرة العسكرية، ففتح قلعة (أرلو الحصينة) التي عجز السلطان سليمان عن فتحها في سنة 1556م، ودمر جيوش المجر والنمسا في سهل كرزت بالقرب من هذه القلعة في 126 أكتوبر سنة 1596 حتى شبهت هذه الموقعة بواقعة (موهاكز) التي انتصر فيها السلطان سليمان سنة 1526م، وقد كاد أن يؤسر فيها السلطان، وقد ورد في بعض الروايات أن عدد القتلى في صفوف الأعداء مائة ألف، وعاد السلطان غانمًا إلى العاصمة، ويقول إبراهيم أفندي الذي كان حاضرًا في تلك الواقعة أنه لو أمضت العساكر العثمانية شتاء ذلك العام بالحدود ثم تقدمت في الربيع لكان أمكن افتتاح مدينة فيينا، وبعد هذه المعركة استمرت الحروب دون أن تقع معركة حاسمة.
كان من شيوخ السلطان محمد الثالث وممن شجعه على الخروج بنفسه لقيادة الجيوش وقال للسلطان: (أنا معك أسير حتى أخلّص وجودي من الذنوب، فإنني بها أسير).
وفي أحد المعارك التي كاد أن يؤسر فيها السلطان وفر من حوله الجنود والأعوان قال الشيخ سعد الدين أفندي: (اثبت أيها الملك فإنك منصور بعون مولاك، الذي أعطاك، وبالنعم أولاك )، فركب السلطان جواده، وحمل سيفه وتضرع إلى القوي العزيز، فما مضت ساعة حتى نزل نصر الواحد القهار، وكانت تلك المعركة بعد فتح حصن اكري.
من كلماته
كان السلطان محمد خان الثالث على نصيب عال من التعليم والثقافة والأدب، وكان شديد التدين ويميل إلى التصوف، ومن كلماته:
لا نرضى بالظلم بل نرغب في العدل.
نحن نعمل لحب الله، ونصغي بدقة لأوامره.
نريد الحصول على رضى الله.
نحن عارفون وقلوبنا مرآة العالم.
قلوبنا محروقة بنار العشق في الأزل.
نحن بعيدون من الغش والخديعة وقلوبنا نظيفة.
وفاته
توفي السلطان محمد الثالث بعد أن أخمد الحركات التمردية، والثورات العنيفة، وقاد الجيوش بنفسه، حتى أطلق عليه لقب (أغري ) أي فاتح، وكانت وفاته في نهار الأحد الثامن عشر من رجب سنة اثنتي عشرة وألف، ومده حكمة تسع سنين، وشهران ويومان، وله من العمر ثمان وثلاثون سنة.
وكان هذا السلطان عندما يسمع اسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم إجلالاً واحترامًا لسيد الكائنات[1].
[1] موقع التاريخ: د. علي الصلابي: الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط، ومحمود شاكر: التاريخ الإسلامي العهد العثماني، ود. علي حسون: تاريخ الدولة العثمانية.