بقلم الكاتب الصهيوني / ريئوفين بدهتسور و دافيد شيك :
الدخول إلى القرن الحادي و العشرين و إلى الميدان الحربي البحري المستقبلي يستدعي مفهوم أمنياًَ جديداً ، يشمل في مراحله تغيير غاية سلاح البحرية . و مجمل المخاطر ضد دولة (إسرائيل) من البحر (إطلاق نار من وراء الأفق) و من البحر (صواريخ أرض - أرض) مع غياب العمق الاستراتيجي البري الذي يزيد من خطر صواريخ أرض - أرض ضد البنى التحتية و مراكز القيادة و السيطرة ، كل ذلك يخفي أهمية العمق الاستراتيجي البحري التي يتفوق فيها سلاح الجو من حيث سرعة الحركة و القدرة على البقاء .
ولكن التفوق البحري (الإسرائيلي) في الحوض الشرقي من البحر المتوسط يعاني من الخطر نتيجة لتعاظم قوة الأسطول العربي ، الأمر الذي يشكّل خطرا أيضا على خطط (إسرائيل) لاستخدام العمق البحري الاستراتيجي "كضربة ثانية" تحسن قوة الردع (الإسرائيلية) . في هذه المقالة سنحاول تحليل ميزان القوى بين سلاح البحرية و الأسطول العربي ، و مبنى القوة البحرية (الإسرائيلية) و القدرة المطلوبة للميدان البحري المستقبلي و التهديدات الاستراتيجية على دولة (إسرائيل) التي تستدعي الدمج الكامل لسلاح البحرية في المفهوم الاستراتيجي الجديد كرد على هذه التهديدات .
(إسرائيل) من الناحية الجيو – استراتيجية :
تقع (إسرائيل) في الأطراف البعيدة لطرق بحرية طولية في بحرين : البحر المتوسط و البحر الأحمر . المسارات الاستراتيجية في البحر المتوسط يمكن قطعها من نقاط كثيرة ، فيما يمكن قطع المسارات من البحر الأحمر بسهولة من باب المندب و جنوب سيناء من مداخل خليجي السويس و إيلات . في البحر المتوسط (إسرائيل) محبوسة بين البحر من الشمال و الجنوب و قبالة مجال مياه من الغرب .
من ناحية جيو - سياسية تشبه (إسرائيل) جزيرة : محاطة بالبر من قبل دولٍ معادية في الوقت الذي مخرجها الوحيد الحر هو البحر .
الحصار البحري :
الميزة البرية لـ (إسرائيل) و ارتباطها بالأسواق الخارجية و خاصة في مصادر الطاقة جعلت منها أكثر عرضة للضرر من إغلاق الطرق البحرية . لذلك منذ تأسيسها كانت (إسرائيل) حساسة جداً لإمكانية قطع المسالك البحرية و ساد الإحساس بالحصار بحيث لم يكن سوى منفذ صغير في طوق الحصار ، و هذا المنفذ خاضع أيضا لسيطرة دول معادية (رغم أن إحداها تقيم علاقات "سلام باردة و مشحونة" مع "إسرائيل") .
ثمة ثلاثة اتجاهات إصابة محتملة في الملاحة (الإسرائيلية) :
أ- الملاحة في قناة السويس التي رغم أنها مسلك دولي إلا أنها موجودة كلها تحت السيادة المصرية .
ب- مضائق تيران المسيطرة على مداخل خليج إيلات .
جـ- العرقلة في الملاحة في البحر المتوسط .
مسلك الملاحة الدولية الذي يمر بين مجالين بحريين يصعب على تشخيص الأوساط التي تتحرك به و ميولها . و ذلك على ضوء موقع قبرص الواقعة على المسار و على مقربة نسبية من (إسرائيل) . مقابل ذلك ، ثمة للأوساط التي تتحرك في المسار الدولي قدرة مريحة للوصول إلى شواطئ (إسرائيل) و المواقع على طولها . و المجالات البحرية تمكّن كل الأوساط من التنقل بدون عقبة و إزعاج و حتى الاقتراب إلى مجالات قريبة من شواطئ دولة (إسرائيل) .
والحدود البحرية ذات السيادة أقل بكثير من مدى السلاح و الاستخبارات و الاتصالات و الرقابة . من هذه الناحية فإن دول شمالي أفريقيا المعادية هي دول مواجهة مباشرة في البحر . و المدى بين مجالات البحر التي تطوّق (إسرائيل) و بين شواطئ البلاد قصيرة و تمكن الوصول لغرض المس بشواطئ (إسرائيل) أو في الملاحة الحيوية لـ (إسرائيل) خلال فترة زمنية أقصر من ليلة واحدة .
ثمة للعدو عدد كبير من المراسي و الموانئ يستطيع منها أن ينشر و يوزّع قواته و يدافع عنها و يحميها ، و يصعب على سلاح البحرية (الإسرائيلي) وقت الضرورة من أجل شرذمة قواته و المس بها . ثمة بحوزة (إسرائيل) في البحر المتوسط ميناءان فقط بحيث يمكن في حيفا فقط تعزيز القوة الأساسية . و البحر المتوسط هو الميدان البحري الحيوي لدولة (إسرائيل) سواء بسبب انتشار القاعدة الاستراتيجية لـ (إسرائيل) على ضوء شواطئها أو لكون هذا البحر مسار النقل الحيوي للدولة . باستثناء فترة قصيرة من عواصف الشتاء ، أو المناطق المحدودة مثل منطقة المضائق شمالي البحر الأحمر ، فإن البحر المتوسط و البحر الأحمر يتمتعان معظم أيام السنة بأحوال جوية معتدلة نسبياً تمكّن من الملاحة و القتال . البحر المتوسط يشكّل مجالاً مريحاً لعمل الغواصات . حيث إن ميلان الشاطئ البري و عمق المراسي يمكّن توجهاً مريحاً و قريبا إلى مداخل الموانئ لغرض وضع الألغام و الكمائن .
الساحة البحرية منقسمة من ناحية (إسرائيل) و القوى العاملة بها إلى ثلاثة أنواع :
أ- أسطول مواجهة مباشر .
ب- أسطول مواجهة غير مباشر .
جـ - أسطول قوى عظمى و دول توجد في المنطقة و لكنها ليست في مواجهة مباشرة مع (إسرائيل) .
الموقع المركزي لـ (إسرائيل) بين سوريا و مصر يمكّنها من تركيز الجهد في النقاط الاستراتيجي و التحرك لأجل ذلك في "الخطوة الداخلية" . من الناحية الاستراتيجية فإن ساحة الجهد الأساسية هي شرقي البحر المتوسط - من كريتم (و في مناطق "حياة حيوية") و في البحر الأحمر من حدود السودان – مصر . ساحة الجهد الثانوية هي مركز البحر المتوسط بين منطقة كريتم إلى سيتسيليا ، و في البحر الأحمر - جنوب البحر الأحمر حتى حدود السودان - مصر .
في البحر المتوسط ثمة إمكانية للقتال ضد دول الأطراف مثل ليبيا و الجزائر في إحدى الحالتين :
أ- إرسال قوات بحرية جزائرية و/أو ليبية ودمجها في الاسطول المصري والحرب البحرية.
ب- تقديم حماية صاروخية من الأسطول الجزائري و / أو الليبي لقوة سد بحرية ، عبر قناة السويس في وقت قصير نسبياً ، يكون على صلة أيضا بنشاطات الأسطول المصري في البحر المتوسط . لذلك ، فإن ترسانة أسطول الدول العربية يجب أن ينظر إليها كأسطول لعدوٍ واحد يجب مواجهته أثناء الحرب .
فيما يلي تفصيل لميزان القوى و الخطر البحري العربي حسب الدول :
- مصر : مزوّدة منذ سنوات بأربع بوارج (أف. أف. جي) أمريكية مع Perry Oliver Hazard مع صواريخ Harpoon بمدى 70 ميلاً . و المعروف أنه تم طلِبَ بارجتان آخريان من هذا النوع . و ثمة بارجتان أخريان Knox class من صنع سنوات السبعين . و يمتلك الأسطول المصري أيضاً صواريخ بحرية - جوية من نوع سام بمدى 25 ميلاً و توربيد متطور Mk46 مود 5 - استخدم ضد الغواصات بصورة إيجابية و سلبية حتى 5.9 ميل بـ 40 عقدة و مع رأس حربي يزن 44كغم . و الغواصات الصينية القديمة من نوع روماو - كلاسا (عددها 4) سوف تستبدل الغواصات الديزل من نوع Moray الهولندية . و تصمّم الغواصات في هولندا بينما تصنع في الولايات المتحدة . و موعد الصفقة هو 2007 . ثمة لغواصات روماو قدرة على إطلاق صواريخ هارفون . كذلك ينوي المصريون تعزيز السفن الميدانية من خلال الطلب من الولايات المتحدة 4 سفن صاروخية سريعة من نوع أمبسدور M k 3 و هي سفن تم الحديث عن بداية إنتاجها في 2001 و طولها 62.62 متراً و سرعتها 40 عقدة ، و وزنها 550 طن . و طلب المصريون مؤخراً 6 طائرات تجسس HAWKEYE C2E من ألمانيا من أموال الـFMS مثل الغواصات و الأمبسدور .
يبلغ قوام القوة الهجومية المصرية 18.500 رجل بحري ، و 4 غواصات روماو (SSK) ، ناقلة واحدة ، 10 بوارج مع صواريخ هارفون من نوع سي و لديهم صواريخ أوتومات و أس. تي. واي . إكس متقدمة و 24 مروحية للقتال البحري منها 5 مروحيات من نوع سي . كنغ مسلحة بتوربدو متطور من إنتاج الولايات المتحدة أم.كي 74 و دفاع شواطئ متطوّر مزودة بصواريخ أوتومات .
و الأسطول المصري يتجدّد طوال الوقت و يحسّن نفسه بدعم أمريكي شامل . و هو يغلق فجوات أمام سلاح البحرية (الإسرائيلية) من خلال المشتريات التي تقلّص الفجوة التكنولوجية مثل صواريخ هارفون من نوع 2 التي صادقت الإدارة الأمريكية على بيعها لمصر . و هذه الصواريخ تستخدم أيضا كصواريخ جوّالة تطلق من غواصات و يرغبون كذلك بشراء غواصات من نوع دولفين من ألمانيا . و المصريون يطوّرون أيضا قدرات جوية ضد الغواصات بواسطة مروحيات . و مثل هذه القدرات من شأنها أن تهدّد إلى درجة معينة على قدرة الضربة الثانية التي تطوّرها (إسرائيل) بواسطة المروحيات و الغواصات .
لكل ذلك يجب أن نضيف قدرة الطائرات الحديثة لسلاح الجو المصري أف 16 دي و ميراج 2000 سي المزوّدة بصواريخ بحر - جو هارفون و أكسوسيت و ذلك لضرب وسائل النقل البحري . و الأسطول المصري تحوّل إلى غربي في بداية سنوات الثمانين حين حوّل محرّكات سفن الصواريخ القديمة من نوع "اأوسا 1" إلى محركات ديزل غربية و اشترى أجهزة إلكترونية غربية خاصة البريطانية (1200 Decca ، رادار موجة / مفتش و Decca RDK - جهاز للتشويش الإلكتروني) و اشترى صواريخ بحر - بحر فرنسية من نوع أوتومات .
حتى أن مصر وسّعت قدرة البناء في مصانع السفن مع الاستناد إلى التصميم السوفييتي لجسم السفينة من نوع "كومر" (الموجودة في حوزة الأسطول المصري منذ 1962) و دمجها مع تكنولوجيات غربية . و اليوم أساس قوة السفن البحرية من إنتاج مصري من نوع "أكتوبر" و "رمضان" هو تسلحها بصواريخ فرنسية و إيطالية من نوع أوتومات و أجهزة رقابة إلكترونية مندمجة بصواريخ و مدافع من إنتاج بريطاني (801 S T) . (و الأجهزة المضادة للإلكترونيات من إنتاج أوروبي التي هي جزء لا يتجزأ من سفن الصواريخ كانت في سنوات الثمانين في متناول يد الأسطول العربي) . و الأسطول المصري تحوّل في أعقاب حملة مشتريات مكثفة للأسلحة المتقدّمة إلى أسطول ذي قوة مدهشة جداً .
- الجزائر : يخدم في الأسطول الجزائري حوالي 7000 شخص . و قوة الهجوم الأساسية : غواصتان من الاتحاد السوفييتي من نوع كي.آي.أل.أو مزوّدة بتوربدو أم.أم.تي.تي 533 و ثلاثة بوارج (سوف - كوري) مع صواريخ SA. N-4 Geko Sam ، و خمسة بوارجSov Nanuchka 11 مع أربعة صواريخ Styx SS-N2C و 9 سفن صواريخ من نوع OSA مع 4 صواريخ SS-N-2C Styx و عشرات المروحيات الهجومية البحرية من أنواع MI-14 .
- ليبيــا : في الأسطول الليبي يخدم حوالي 8000 شخص . قوة الهجوم الأساسية : غواصتان (من نوع Sov-Eoxtrot) مع توربدو من نوع 533MM و بارجتان (Sov-Koni) مع 4 صواريخ Sryx SS.N.2C و 3 بوارج (من نوع Sov-Nanuchka 2) مع صاروخين SS-N-2C Styx و 13 حاملة صواريخ (Fr Combattant 2) مع ((Otomat 4 .
- السعودية العربية : يخدم في الأسطول السعودي حوالي 15.500 شخص . قوة الهجوم الأساسية : 4 بوارج (FR-200) مع ثمانية صواريخ أوتومات - 2 ، و 4 بوارج في كل واحدة 8 صواريخ هارفون و حاملات صواريخ مع أربعة صواريخ هارفون في كل واحدة .
- سوريا : يخدم في الأسطول السوري حوالي 6000 شخص . قوة الهجوم الأساسية : بارجتان (Sov Petya) مع خمسة سفن 533 –MM . و عشرة حاملات صواري (Sov osa) مع 4 صواريخ SS-N-2C Styx)) و 20 مروحية هجومية مع قدرات بحرية من نوع Sov . Mi-25 و للسوريين 4 غواصات و 3 غير صالحة و الرابعة "تعمل كغواصة خدمة" .
إن تزوّد مدن المنطقة بالشبكات المعقدة يساهم في تعزيز قوة سفن الصواريخ السريعة ، التي خطّطت في العالم في سنوات الثمانين عبر عن نفسه في سنوات التسعين . و حتى بداية سنوات الألفين بالشبكات التالية :
- شبكة الرقابة على الأسلحة المتطورة مع رادار يتابع الهدف ، رادار رقابة لمدفع أتوماتيكي و حاسوب ديجتال لأجهزة الصواريخ البحرية ذات القناتين المنفصلتين للرقابة على النار و المدافع .
- الشبكات الإلكترونية السلبية و الإيجابية مع أجهزة استشعار سلبية و معطيات رقمية لنشاط رادارات سفن العدو بواسطة التلفزيون بدائرة مغلقة و أجهزة كشف و متابعة بالأشعة فوق الحمراء و كذلك بمساعدة معدات قياس إلكترونية سلبية تتابع نشاطات الرادار للعدو و تحلل البث الذي اكتشفته و بعد ذلك تشخص و تعطي اتجاهاً .
- جهاز لتحليل المعلومات : لوحة عرض تكتيكية تعطي لقائد سفينة الصواريخ صورة وضع محددة و تشمل ميدان القتال .
صواريخ Exocet
صواريخ Exocet و Otomat التي اشترتها الدول العربية تقل من حيث مستواها التمهيدي عن جبرائيل ، حيث إن سفن الصواريخ للدول العربية مزودة هي أيضاً بأجهزة قتالية إلكترونية مثل بارتيم ، داجيه ، توماس باندت .
التحسينات التكنولوجية في أساطيل الدول العربية تعبر عن نفسها في خمس مجالات مركزية :
1- مدى الصواريخ (التي يمكن إطلاقها من البحر ، من الجو و من الشاطئ) يمتد وراء الأفق بين 70 - 300 كم .
2- يوجد بيد العرب حوالي 18 نوع صواريخ ، رؤوس حربية متقدمة شرقية و غربية (مقابل 1- 2 في حرب يوم الغفران) ذات قدرة على الوصول إلى أهداف صغيرة و قدرة على التوجيه و الحركة السرية حتى المس بالهدف .
3- تزوّد العرب بكميات كبيرة من المروحيات القادرة على البحث (الاكتشاف و التشخيص) و الهجوم فوق البحر ، و التي تحلق من الشاطئ و كذلك من سفن حاملة الصواريخ في البحر المتوسط .
4- مع السفن حاملة الصواريخ الجديدة التي اشتريت من قبل أسطول العرب هي بحجم كبير 600 - 2000 طن ، الأمر الذي يكسبها قدرة عمل تلقائية مستمرة و كمية تسليح كبيرة و قدرة على حمل أجهزة دفاعية و مروحية و قدرة على العمل في أوضاع البحر و الحالة الجوية غير المريحة ، التي فيها يمنع سلاح الجو من العمل .
5- أقيمت قيادة شاطئية في سوريا ، مصر ، و ليبيا التي تستند على أجهزة تحكم عن بعد ، رقابة و تحكم بإطلاق النار من مسافات كبيرة وراء الأفق .
و المعنى التنفيذي من هذه المعطيات هي أن أساطيل الدول العربية قادرة على التحرك و أن تهاجم بصورة مكثفة من مجالات وراء أفق شاطئ (إسرائيل) في البحر المتوسط أو أهداف قريبة بحيث إن سلاح الجو أو الغواصات لا تستطيع منع الهجوم أو الرد عليه بفعالية ، من خلال تنفيذها أو حتى بعده . بالتأكيد هكذا سيحصل أيضا ، إذا كان الهجوم سينفذ ليلا من خلال إعادة الانتشار من اتجاهات مختلفة أو من خلال استغلال حركة الملاحة الدولية أو من الدول البحرية العظمى . و سفن الصواريخ التابعة للعدو قادرة على الرد و حتى منع طائرات سلاح الجو من الاقتراب نحو سفن العدو في البحر إلى مدى التشخيص .
فضلاً عن الآثار الخطيرة المنبثقة عن نوعية التكنولوجيات التي في حوزة الأسطول العربي ثمة خوف من أن يشتروا في المستقبل أيضا صواريخ جوّالة بعيدة المدى . و صواريخ مثل توموهاك الأمريكي القادر على المس بأهداف بحرية أو برية بدقة 10ميليمتر سي.إي.تي مع رأس حربي من 500 – 1000 كغم تطلق من غواصة أو أداة بحرية على مدى 300 كم إلى نقطة برية بدقة 150 - 300 متر .
صواريخ الجوالة هذه يمكن أن تركّب في معظم السفن الجديدة الموجودة بحوزة الأسطول العربي . و هذه الصواريخ من شأنها أن تشكّل خطراً مباشراً و حقيقياً على قدرة أداء مطارات سلاح الجو و الأهداف الاستراتيجية الأخرى في (إسرائيل) . يجب أيضا الانتباه إلى حقيقة أن الوسائل البحرية العربية قابلة للنقل من ميناء إلى آخر . و وحدة شبكة الأسلحة المتوفرة للأسطول العربي تمنح الإمكانية لتطوير نظرية حربية مشتركة . و بمقدورها إقامة قوة بحرية مكوّنة من عناصر متنوعة من خلال استخدام قناة السويس لنشر قوات .
و هذه المخاطر تستدعي من سلاح البحرية الاستعداد في البحر المتوسط مع إعطاء أهمية أقل لخليج إيلات و لكن لا يزال مهماً جداً من ناحية استراتيجية الحفاظ على الاتصال مع المحيط الهندي و علاقات تجارية مع أفريقيا و الشرق الأقصى .
في كل الأحوال فإن التدهور في المنطقة يمكن أن يخلق تراكماً سريعاً بما لا يقل عن حوالي 100 هدف من أساطيل مختلفة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط خاصة في منطقة البحر الواقعة بين خط الطول لغرب قبرص و شرقها و القدرة على الاندفاع في مسالك الإبحار المدنية الدولية قد تستغل للهجوم على (إسرائيل) . و استعداد الهجوم ازداد أيضا بسبب مدى إطلاق الصواريخ الذي يتجاوز الأفق ، الأمر الذي يبعدها عن مدى الكشف و التشخيص من منطقة الشاطئ و مسالك الدوريات الجوية . و تستطيع هذه القوات أن تطلق في نفس الوقت عشرات الصواريخ بدون الربط بينها و بدون حاجة إلى مراكز السيطرة من خلال التنسيق فقط .
أمام هذه القوة البحرية يقف سلاح الجو (الإسرائيلي) يخدم به حوالي 6500 شخص و قوّته الهجومية الأساسية مكونة من 3 غواصات دولفين مزوّدة بصواريخ هارفون ، و فوهات توربدو بـ 650 ميلمتر . و هذه الغواصات الجديدة لا تحتاج إلى قوة بشرية كبيرة (35 شخصا كل غواصة) و هي أكثر بثلاثة أضعاف من غواصات غال . لديها قدرة على البقاء المتواصل خارج الميناء و عن المياه لمدة شهر تقريباً و ذات قدرة عمل في الأعماق و قرب الساحل ، تم تطوير بعض أجهزتها في الولايات المتحدة .
أسلوب عملها يختلف عن أسلوب عمل "غال" التي كانت مبذرة . و تصل سرعة غواصة دولفين كي - 20 إلى عمق 200م و مدى 4.500كغم . و حسب الأنباء الأجنبية تستطيع الدولفين حمل صواريخ جوالة حاملة لرؤوس نووية . و سلاح البحرية مزود أيضا بثلاث سفن صواريخ من نوع ساعر - 5 مزودة بثمانية صواريخ هارفون ، 8 صواريخ جبرائيل 2 و قاذفتان مضادة للصواريخ من نوع براك و سفينتان من نوع الياهو مزوّدة بـ 4 صواريخ هارون و 4 صواريخ جبرائيل و مروحية بحرية من نوع دولفين ، و 6 حاملات صواريخ ساعر 4.5 مزودة بصواريخ هارفون و 6 صواريخ جبرائيل و 6 قاذفات مضادة للصواريخ من نوع براك ، و 4 سفن من نوع ريشف مع 8 صواريخ هارفون و 6 صواريخ جبرائيل . و أساس القوة (الإسرائيلية) مركّز في البحر المتوسط ، في حين أن أساطيل مصر و السعودية تملك حرية الحركة و تركّز كامل قوتها البحرية سواء في البحر الأحمر أو البحر المتوسط .
أهمية السيطرة البحرية :
المخاطر التي فصّلت أعلاه تؤكد أهمية السيطرة البحرية من ناحية (إسرائيل) . و الساحة التي تحتاج فيها (إسرائيل) من تجسيد السيطرة البحرية تتأثر من المسالك البحرية من الدولة و إليها إلى قدرة بحرية و جوية فوق البحر ، و مناطق بحرية ذات قيمة استراتيجية لدول عربية و دول أخرى (مسالك إبحار إلى قناة السويس ، مسالك إبحار إلى دول عربية في البحر المتوسط و خليج إيلات) . و هذا الأمر يستدعي سيطرة كاملة و متواصلة في البحر المتوسط من خط طول قناة السويس و شرقه و من جنوب قبرص و كذلك في الجزء الشمالي من خليج إيلات .
تثبيت السيطرة في البحر أثناء الحرب يمكّن من إحراز أهداف استراتيجية :
أ- حماية البنية الاستراتيجية للدولة المنتشرة في "نقطة الضعف" قرب الشاطيء في وسط الدولة.
ب- المساعدة في الحسم في المعركة البرية ، من خلال تنفيذ عملية تطويق و هبوط قوات من البحر ، حماية قوات برية تتحرك على طول محاور الشاطئ ، تقديم مساعدات لوغستية عبر البحر للقوات البرية كبديل لمحاور برية طويلة و مقلقة ، منع تعزيز قوات العدو بأخرى .
جـ - المس بأهداف استراتيجية للعدو على طول الشاطئ ، و قطع مسالك الإبحار لمنعه من التزود بالتموين عبر موانئه .
د- الحفاظ على قدرة "الضربة الثانية".
هـ- السيطرة في البحر تمكّن من الحفاظ على حوض بحري مفتوح لإبعاد الإحساس بوجود خطر على الجبهة الداخلية المدنية و من أجل رفع المعنويات . و يمكّن (إسرائيل) من حماية البنى الضرورية لشنّ الحرب و منع فتح جبهة أخرى من البحر و يجبر العدو إلى الاستثمار بقوات و وسائل للدفاع عن شواطئه .
سلاح البحر - الذراع الطويل للجيش :
في النصف الثاني من سنوات الثمانين وجدت (إسرائيل) نفسها في وضع يلزمها بتغيير نظريتها الأمنية و الاستعدادات الجديدة للجيش حسب خطوط الأساس للنظرية العسكرية المعدّلة ، من أجل تمكين مستوى أمني قومي معقول . و النظرية العسكرية (الإسرائيلية) تستند على القدرة في إحراز تفوّق عسكري مستمر على أعدائها ، رغم عدم التماثل في النسبة العددية بين الطرفين .
ثمة أربعة عوامل قادرة إلى ضرورة تعديل النظرية العسكرية (الإسرائيلية) :
أ- ضرورات اقتصادية .
ب- نسبة التآكل المتوقعة في الميدان الحربي المستقبلي .
جـ- استنفاد قدرات شبكات الأسلحة الحالية .
د- إغلاق الفجوة التكنولوجية بين (إسرائيل) و أعدائها .
هذه العوامل أجبرت الجيش على تبنّي نظرية قتالية جديدة تستند على وسائل قتالية قادرة على حلّ مشاكل نسبة التآكل في ميدان المعركة المستقبلي و التي ستعوّض عن الدونية العددية . و هذه الوسائل بما في ذلك الأسلحة ذات التسلّح الموجّه بدقة جاءت للمس بشبكات الأسلحة للعدو في عقر داره .
و التكنولوجيا المتوفّرة في مجال الأسلحة المتطورة توفّر الفرصة لتطوير شبكات أسلحة ذات مضامين تمكّن من إحراز الأهداف الميدانية هذه . إن نجاح مرحلة الاستخدام في جهاز السلاح الدقيق لمهمة التدمير مرتبط بجهاز متطوّر لتشخيص الأهداف في الوقت الحقيقي و جهاز متقدّم من السيطرة و الرقابة في الميدان – و التكنولوجيا المطلوبة لإحراز هذا الهدف قائمة ، حتى تحت الماء . و تدمير جزء كبير من أسلحة العدو في المعركة المستقبلية بواسطة أجهزة قتال دقيقة و صادقة تمكّن من التزود بكميات محدودة من هذه الأجهزة و في نفس الوقت تقليص عدد القوات في الجيش (الإسرائيلي) . على المدى البعيد تمكّن النظرية الجديدة من تقليص ميزانية وزارة الدفاع .
إن قدرة سلاح البحرية على العمل في دول المواجهة و دول الأطراف كذراعٍ طويل للجيش تستند إلى التطور التكنولوجي القائم في الجيش و سلاح البحرية ، و على المعركة البحرية و الميدان البحري المناسب و صلتها بمعادلة الأمن "الوطني" (الردع ، الإنذار المبكر و الحسم السريع) . هذه أيضا القاعدة لتطوير قدرات استراتيجية "للرد البعيد" . يستطيع سلاح البحرية أن يستخدم ذراعه الطويلة من البحر سواء بالإطلاق أو الهجوم أو عمليات مندمجة .
ثمة للمجال البحري مزايا مضمونة بعيدة ، في ظروف جويّة متغيرة و في شروط عدم اليقين السياسي . و عبر المجال البحري يمكن الوصول إلى أهداف استراتيجية و تكتيكية مدنية (بنى تحتية ، اقتصادية و سلطوية) و عسكرية . و الميزة المطلقة تعبّر عن نفسها في بعد المدى ، و زمن البقاء في المجال البحري و حجم القوة التي يمكن نقلها ، و المرونة في تنفيذ العملية و القدرة على المحافظة على سريّتها بعد التنفيذ .
إن تطوير القدرات الخاصة من البحر و خاصة من الغواصات تشير إلى قدرة سلاح البحرية العمل في ساحات بعيدة و الرد على تهديدات دول الأطراف . الأمر الذي يشير إلى قدرته على أن يشكّل السلاح الردعي المستقبلي لدولة (إسرائيل) . تقع الإسكندرية و بورسعيد على شاطئ البحر ، و القاهرة تقع على بعد 200كم عن البحر (مقابل 400 كم عن حدود "إسرائيل") الأمر الذي يمكن أن يشكل عنصرا حاسماً في القرارات حول تطوير السلاح بعيد المدى . يستطيع سلاح الجو أن يندمج ، بل و يقود ، عملية عسكرية مندمجة مع مروحيات هجومية "ساعر" و / أو طائرات بلا طيار لأغراض الهجوم ، مساعدة الاستخبارات ، أو مهام خاصة ضد أهداف استراتيجية في منطقة عمل بعيدة .
إن اندفاع و انخراط سلاح البحر في "الذراع الطويل" للجيش يتم من خلال :
1- مهاجمة أهداف نوعية بواسطة مروحيات .
2- مهاجمة أهداف نوعية بواسطة طائرات بلا طيار .
3- نقل و إنزال قوات و معدات قتالية و استخبارية في البر و البحر من خلال مروحيات أو وسائل نقل بحري .
4- عمليات وحدة الكوماندو 13 .
5- تزويد الوقود للمروحيات الحربية قرب الأهداف .
6- مهبط طوارئ للمروحيات .
7- إنقاذ قوات برية - بحرية و جمع معدّات من الهدف و قربه بواسطة مروحيات و وسائل نقل بحري خاصة .
8- جمع معلومات فنية بواسطة أدوات النقل البحري و بواسطة طائرات بلا طيار .
9- جمع معلومات و تصوير أهداف في ساعات الليل بواسطة طائرات بلا طيار و التحكم بها عن بعد .
خاتمــة :
سلاح البحرية "كذراعٍ طويل" للجيش يخلق البنية الاستراتيجية لما سيأتي ، جنبا إلى جنب مع تنمية القدرة القتالية للحفاظ على التفوّق البحري . و حسب قائد سلاح البحرية الحالي ، اللواء يديدا يعاري فإن الوسائل البحرية يجب أن تكون متعدّدة الأهداف . و الجدل اليوم حول قوة سلاح البحرية تركّز على تقسيم الموارد بين سلاح الجو و البحر و البر و الليونة في قبول المتغيرات . إن دخول الوسائل القتالية البحرية إلى صدارة المعركة المستقبلية يشكّل اليوم نقطة انعطاف تستدعي اختراق المسلّمات .
هذا هو التغيير الأكبر في سلاح الجو ، منذ أكثر من خمسة عقود تطوّرت فيها نظرية الأمن البحرية . في الوقت الذي تحوّل فيه سلاح البحر إلى مدماك مركزي في حسم المعركة بريا و في قوة الردع (الإسرائيلية) أبعد سلاح البحر إلى الزاوية كوسيلة ثانوية . لقد أثبت أداء سلاح البحرية في حرب "يوم الغفران" عام 1973 بأنه يمكن إحراز قوة قسم بحرية .
في نهاية سنوات التسعين اندمج سلاح البحرية في المعركة الحاسمة المركزية ، مع تسليح دقيق محكم ، بعيد المدى و هو جاهز للقفزة التالية - الاندماج كـ "مدماك" مركزي في قوة الردع (الإسرائيلية) التقليدية و غير التقليدية .