قصة محزنة للقيادي السابق للبوليساريو يحكي فيها كيف اختطف مثل آلاف الصحراويين وشحنوا بالأكاذيب والحقد تجاه بلدهم من طرف حفنة من الشيوعيين وبتأطير ودعم الجزائر والقذافي
رجاء لا تطلبوا مني أن أصمت. اسمحوا لي أن اتنفس
هناك من يستكثر علي هذه المدونة، و يريدني أن أصمت بالكلية، لمجرد أني اخالفه الرأي.
صحيح أني لست كاتبا و لا صحفيا و لا مدونا حتى، و لا أتقن قواعد الكتابة. و لكني إنسان قذف به قسرا وسط نزاع لم يختره، و لما شب و أصبح له رأي فيه، قيل له أصمت. و لما لم يصمت حكم عليه بالنفي.
فدعونا نعود لبداية الحكاية، ليغضب من غضب عن بينة، و يرضي من رضي عن بينة. و لو أني لا أكتب لأرضي أو أغضب، إنما لأشعر أني موجود.
فالحكاية يا سادة:
أنه من جملة ما أذكر عن المرحومة والدتي أني ولدت بعد عام "السنيات" بسنتين (1969) تحت ظل خيمة عند "آوليك" في "أودي كنتة" قريبا من جبال "ارغيوة" بمنطقة "مهيريز" جنوب مدينة "السمارة". و أننا انتقلنا الى المدينة لما تحولت كل البوادي و الارياف الى ساحة حرب.
لكني أذكر أني كنت أسكن بمدشر "اربيب" الى الغرب من مدينة السمارة، و أني كنت أرتاد "السكويلة"، المدرسة الوحيدة التي تركتها اسبانيا في المدينة، و اني كنت أنا و أخي نستيقظ مع أذان الفجر للوصول سيرا على الاقدام الى الدرسة التي تبعدنا بعدة كيلمترات.
و لعل أحلامي حينها كانت كأحلام أي طفل عادي يعيش وسط ظروف عائلية مستقرة: منزل، والدين، اخوة، مدرسة و ظروف معاشية مقبولة.
و في لحظة تختفي هذه الصورة الوردية، و كأنها كانت حلم، فلا تبقى أسرة و لا منزل و لا مدرسة و لا أصدقاء و لا شيء.
تهاجم الجبهة المدينة. تسقط قذيفة على منزلنا. فيتحول الى ركام و يدفن تحت انقاضه أختاي شهيدتين. يصاب الوالد في الرأس و ينقل الى المستشفى. تدخل قوات الجبهة الحي. تأخذ من تبقى منا أحياء، و كأننا ملك يمين أو غنائم. يأخذوننا الى المخيمات في رحلة دامت ليالي و أيام. فتقرع الطبول و تنشد القصائد و الاغاني إحتفاء بنا نحن المحررين. رغم أنه لم يكن فينا متسع للفرح فوجعنا كان كبيرا.
تنتهي الاحتفالات. يعطوننا خيمة و فرن صغير و ما تيسر من الاواني. و يرمى بنا في بحر لا متناه من الخيم، و علينا أن نبدأ حياتنا من جديد. أن ننسى منزلنا و اصدقاءنا و مدرستنا. و نألف الخيمة و نصنع صداقات جديدة و نرتاد مدرسة جديدة و نتعرف على معلمين جدد. و الاصعب أن نألف أن نعيش بلا أب. و أن ننتظر من يتصدق علينا بقطعة حلوى لأننا بلا معيل. و أن تمضي والدتنا الشابة بقية عمرها بلا زوج و لا أنيس، لا لجرم ارتكبته سوى أنها تحب زوجها.
كنت و إخوتي محظوظين، ليس لأننا نجونا من المجزرة، بل لأننا كنا صغارا، فكان وجعنا أقل، و تكيفنا أسهل. لكن والدتي لا. لقد كانت في العقد الثالث من العمر، كافحت و تعبت ليكون لها زوج و أولاد و منزل و حياة مستقرة. فإذا بها تعود الى الصفر. تنسج الحصير ليجد أبناؤها فراشا و تخيط الملاءات و تنسج الوسائد، عليها أن تصنع كل شيء بيديها و تعيل خمسة أطفال، يحتاجون الماكل و الملبس، و لا مال و لا معين لها غير الله. كان عليها أن تبيت الليالي تعد النجوم ترجو الله أن يجمعها بوالد أطفالها. و يعلم الله كم ستكون قد أذرفت من الدموع لصعوبة ما مرت به.
و للقصة بقية...
فقط. رجاء لا تطلبوا مني أن أصمت، إسمحوا لي أن اتنفس.