تصويت أممي مرتقب يثبت مغربية الصحراء وينهي مشروع الانفصال
التحول الكبير في الملف يقف وراءه النهج الدبلوماسي الهادئ والواقعي الذي أرساه الملك محمد السادس إذ عمل منذ اعتلائه العرش على تفكيك دوائر الدعم للطرح الانفصالي من خلال توسيع الشراكات الاستراتيجية وتعزيز حضور المغرب في إفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.
الجمعة 2025/10/31
		
		
	
	
دبلوماسية حكيمة وواقعية تمكنت من كسب دعم الدول الكبرى
نيويورك – تتجه الأنظار إلى مجلس الأمن الدولي الذي يقترب من اتخاذ قرار جديد بشأن قضية الصحراء المغربية، في لحظة توصف بأنها مفصلية في مسار النزاع المفتعل. فالمشروع المطروح للتصويت يحمل دعماً صريحاً لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، باعتباره الحل الأكثر واقعية ونجاعة لإنهاء الخلاف الممتد منذ عقود.
ويأتي هذا التطور تتويجاً لمسار طويل من التحرك الدبلوماسي المكثف الذي قاده العاهل المغربي الملك محمد السادس، والذي استطاع من خلاله إقناع القوى الكبرى، وعلى رأسها واشنطن وباريس، بجدوى المقاربة المغربية وتحويلها إلى خيار استراتيجي.
ويدعو المشروع الذي أعدّته واشنطن إلى تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو) لعام إضافي، ويؤكد بوضوح أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الدائم والواقعي للنزاع. ويتطلب القرار موافقة تسعة أعضاء على الأقل، شريطة ألا تستخدم أي من الدول الخمس دائمة العضوية حق النقض (الفيتو).
وتدعم الدول الخمس الكبرى – الولايات المتحدة، فرنسا، المملكة المتحدة، الصين وروسيا – المقترح المغربي باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق. وقد عبّرت بكين وموسكو عن مواقف إيجابية تجاه المبادرة المغربية، بينما أعلنت واشنطن وباريس ولندن دعمها الصريح لها.
وخلال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الصيني وانغ لي ونظيره الجزائري أحمد عطاف، شدّد الأول على أن الحوار والتفاوض هما السبيل الأمثل لتسوية النزاع، في إطار قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن. هذا الموقف الصيني، الذي لم يرق لتوقعات الجزائر و"بوليساريو"، عكس حياداً إيجابياً يميل إلى دعم الجهود السياسية الواقعية دون انحياز للطرح الانفصالي.
وتؤكد الصين، من منطلق احترامها لسيادة الدول ووحدة أراضيها، أن الحل يجب أن يكون سياسياً وسلمياً، وهو ما ينسجم مع موقفها من القضايا الانفصالية كتايوان. وبذلك، تضع نفسها في موقع داعم للمسار الأممي والواقعي لحل النزاع، وتُعزز فرص اعتماد مقاربة مغربية متوازنة ومستدامة.
ويرى دبلوماسيون أن التصويت المقبل سيشكل منعطفاً محورياً في مسار معالجة القضية داخل الأمم المتحدة، مع تزايد القبول الدولي بالمقاربة المغربية القائمة على الواقعية والتوافق، بعيداً عن شعارات الانفصال والاستفتاء التي فقدت صلاحيتها السياسية.
غير أن وسائل اعلام جزائرية حاولت التشويش على النجاحات المغربية في الملف بالحديث عن تعديلات جوهرية وحاسمة في نسخته الثالثة المعدلة وذلك بعد التواصل مع الممثل الشخصي للرئيس الأميركي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مسعد بولس.
لكن يعتقد أن مثل تلك المعطيات محاولة من السلطة الجزائرية لذر الرماد على العيون واللعب في الوقت الضائع خاصة وان الدول الكبرى أبدت تأييدها للمقاربة المغربية.
ويقف وراء هذا التحول الكبير النهج الدبلوماسي الهادئ والواقعي الذي أرساه الملك محمد السادس إذ عمل منذ اعتلائه العرش على تفكيك دوائر الدعم للطرح الانفصالي من خلال توسيع الشراكات الاستراتيجية وتعزيز حضور المغرب في إفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.
وقد أثمرت هذه الجهود عن نتائج ملموسة، إذ اعتمدت دول عديدة من القارات الخمس موقفاً مؤيداً للحكم الذاتي، وافتتحت أكثر من ثلاثين دولة قنصلياتها في العيون والداخلة، في اعتراف عملي بالسيادة المغربية على الإقليم.
وشكل الخطاب الملكي الذي أكد فيه الملك محمد السادس أن مغربية الصحراء هي معيار أساسي للعلاقات الخارجية للمملكة، محطة حاسمة في هذا التحول. فقد شدد على أن السيادة والوحدة الترابية ثوابت وطنية غير قابلة للتفاوض، ما جعل من قضية الصحراء بوصلة الدبلوماسية المغربية ورسالة واضحة إلى العواصم الدولية بأن أي شراكة مع الرباط يجب أن تراعي هذا الثابت الوطني.
وقد انعكس هذا الوضوح على مواقف الدول الكبرى، حيث تبنّت واشنطن وباريس ولندن ومدريد مواقف منسجمة تدعم خطة الحكم الذاتي باعتبارها الإطار الجدي الوحيد للتفاوض.
وتقود الولايات المتحدة وفرنسا التحرك داخل مجلس الأمن لتكريس هذا التوجه. فقد جدد البيت الأبيض دعمه الواضح لمقترح المغرب، مؤكداً أن "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي الوحيد"، بينما وصفت فرنسا الخطة المغربية بأنها "الأساس الأكثر جدية ومصداقية للتسوية السياسية".
وانضمت بريطانيا وإسبانيا إلى هذا الموقف، ما يشكل محوراً دولياً داعماً للمغرب داخل المجلس، في مقابل تمسك الجزائر بخيار الانفصال الذي لم يعد يحظى بقبول دولي.
ويُتوقع أن يحظى القرار بأغلبية مريحة، في إقرار أممي ضمني بواقعية الطرح المغربي ونجاح دبلوماسيته في ترسيخ رؤيتها كمرجع معتمد داخل الأمم المتحدة.
وشهدت الأشهر الأخيرة تحولاً ملحوظاً في الموقف الروسي، حيث انتقلت موسكو من مرحلة "الحياد الإيجابي" إلى إبداء ميل واضح نحو المقاربة المغربية، من خلال تصريحات رسمية ومواقف داخل أروقة الأمم المتحدة تؤكد دعم الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كقاعدة واقعية للحل السياسي.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يمثل نقلة نوعية تنقل روسيا إلى صف الدول الكبرى الداعمة للتسوية الواقعية، ما يعزز الزخم الدولي المتنامي حول المقترح المغربي.
وقد انضمت خلال السنوات الأخيرة عشرات الدول عبر القارات الخمس إلى هذا التوجه، من بينها ألمانيا وهولندا وبلجيكا والمجر وصربيا في أوروبا، والإمارات والبحرين والأردن وسلطنة عُمان في العالم العربي، والسنغال وكوت ديفوار والغابون والنيجر في إفريقيا، والبرازيل وتشيلي والباراغواي وجمهورية الدومينيكان في أميركا اللاتينية.
ويعكس هذا الاتساع في دائرة الدعم نجاح الدبلوماسية المغربية في بناء تحالف عالمي قائم على قناعة راسخة بأن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الواقعي الوحيد الكفيل بتحقيق الاستقرار الإقليمي.
وقد اعتمد المغرب نهجاً قائماً على الواقعية والتنمية الميدانية، فحوّل أقاليمه الجنوبية إلى نموذج في التنمية المندمجة، حيث أصبحت العيون والداخلة مركزين اقتصاديين مهمين، وجذبت استثمارات متزايدة في الطاقة المتجددة والبنى التحتية، ما عزز شرعيته التنموية والسيادية في الميدان.
ويؤكد محللون أن التصويت المرتقب سيكون تتويجاً لمسار دبلوماسي طويل قاده الملك محمد السادس برؤية واضحة وموقف ثابت، وسيكرّس الواقعية المغربية كمنهج أممي معتمد في معالجة النزاع.
وقال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين في نيويورك "ما حققه المغرب في مجلس الأمن هو تتويج لعقيدة دبلوماسية ملكية جعلت من مغربية الصحراء حجر الزاوية في السياسة الخارجية. اليوم، لم يعد هناك شك في أن الحل السياسي الوحيد الممكن هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية."
ومع هذه المستجدات، يبدو أن قضية الصحراء المغربية تفتح صفحة جديدة في مسارها، حيث تفرض المقاربة المغربية القائمة على الواقعية والرؤية الواضحة للملك محمد السادس نفسها كخيار أساسي للحل السياسي. وفي ظل تزايد الميل بين القوى الدولية لاعتماد الطرح المغربي كمرجعية عملية للتسوية النهائية، تبرز مرحلة تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة المغاربية وتُعزز موقع الرباط كفاعل محوري في استقرار الإقليم وشريك موثوق على الساحة الدولية.