شكل القصف التركي لمواقع تابعة لـ "وحدات حماية الشعب الكردي" و"قوات سوريا الديمقراطية" تطورا مهما في الصراع الإقليمي الدولي الدائر في الشمال الغربي لسوريا، وتحديدا في محافظة حلب.
ويبدو واضحا أن الأتراك عازمون على المضي قدما في منع إقامة تواصل جغرافي للأكراد بين عفرين وجرابلس، وهذا ما أعلنه بشكل جلي رئيس الحكومة أحمد داوود أوغلو.
وما دامت أنقرة ليست في وارد مواجهة العملية العسكرية الروسية في سوريا، فإن القصف التركي للأكراد تحت عنوان تهديد الأمن القومي التركي، يحقق لتركيا هدفين: الأول ضرب الأكراد لمنعهم من إجراء تواصل جغرافي في الريف الشمالي لحلب، وبالتالي منع تحقيق التواصل الجغرافي الأوسع بين شرق الفرات وغربه. والهدف الثاني ضرب حلفاء روسيا.
وفي المقابل، ترى روسيا أن الأهداف العسكرية للقوى الكردية تتماشى مع أهداف الحكومة السورية والقيادة الروسية، وهو ما يتمثل بالرغبة في محاربة الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم "داعش".
لكن القصف التركي، إذا ما استمر ضد القوى الكردية وحلفائها، فإنه سيدخل العلاقات التركية-الأمريكية في مشكلة كبيرة، حيث يشكل الأكراد دعامة مهمة للاستراتيجية الأمريكية في الشمال السوري، ويشكلون في الوقت نفسه دعامة مهمة لروسيا أيضا.
وبدا واضحا من التصريحات الأمريكية أن إدارة أوباما ليست راضية عن الخطوة التركية على الرغم من دعوة واشنطن الأكراد إلى عدم استغلال المعارك لتحقيق أهدافهم الخاصة؛ لكن الإدارة نفسها دعت تركيا بشكل واضح إلى وقف ضرب الأكراد، وأعلنت أن واشنطن لا تعُدُّ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري منظمة إرهابية.
ويمكن القول إن إعلان واشنطن موقفها هذا بشكل رسمي سيؤدي إلى أزمة وشرخ بين الدولتين، وبدا الاستنفار السياسي التركي واضحاً مع تصريح وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، الذي أعرب فيه عن استغرابه من الخطأ، الذي وقعت فيه الولايات المتحدة، ثم تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين وجه سؤالا إلى الأمريكيين: "هل أنتم معنا؟ أم مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ووحدات حماية الشعب الكردي الإرهابيين؟".
وتخشى الإدارة الأمريكية أكثر ما تخشاه هو حدوث مواجهة عسكرية بين تركيا وروسيا قد تتحول إلى صدام مباشر، وهو أمر لا تتحمله واشنطن ولن تكون قادرة على ضبطه؛ وستكون واشنطن أمام خيارين مستحيلين: إما الوقوف إلى جانب تركيا ضد روسيا، وهذا أمر غير وارد؛ لأنه قد يدفع موسكو بعيدا عن تفاهماتها مع واشنطن، ويدفعها إلى السير في مخططات ستضعها بشأن سوريا إلى النهاية، أو الوقوف بجانب روسيا على حساب تركيا، وهي خطوة جريئة جدا، لأنها ستؤدي إلى خسارة أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
ولأن واشنطن تشعر في الآونة الأخيرة باستياء حلفائها الإقليميين من سياستها في سوريا، وعلى رأسهم السعودية، فإنها ليست بصدد قطع شعرة معاوية مع الرياض وأنقرة، اللتين بدأتا بالتخطيط بشكل ثنائي خارج العباءة الأمريكية، وهو أمر لا تتحمله الولايات المتحدة.
ولذا، ستمارس واشنطن ضغوطا قوية على موسكو وأنقرة لمنع انزلاق الأمور إلى مواجهة مباشرة.
وما يشير إليه محللون وخبراء هو أن الأمريكيين أوصلوا رسالة إلى الجانب التركي مفادها أن الولايات المتحدة لن تقف إلى جانبهم في حال اندلاع أي مواجهة مع روسيا على الرغم من المعاهدات بين تركيا وحلف شمال الأطلسي.
كما أن الأمريكيين طلبوا من الروس ضبط العمليات العسكرية أولا، والمساعدة على إنجاح التسوية السياسية ثانيا.