حلقت طائرات رافال المقاتلة النفاثة التابعة لسلاح البحرية الفرنسية في سماء أفغانستان لأول مرة في مطلع عام 2002، ومنذ ذلك التاريخ وهي تباشر مهامها العسكرية ودورها المحوري في الحرب الجارية في كل من ليبيا ومالي حيث أثبتت تلك الطائرات تميزها الشديد في أداء المهام الموكلة إليها.
وتتمتع هذه الطائرة المقاتلة بقدرة فائقة على حمل الأحمال والأوزان الثقيلة، وتعتبر من النوع البعيد المدى نظراً لمحركيها التوربينيين القويين اللذين يمنحانها أداء ديناميكياً باهراً. وتتمتع الطائرة بمجموعة من أحدث أنظمة الاستشعار أهلتها لأن تصبح أقوى طائرة مقاتلة تم تصميمها حتى الآن، وهو ما أثبته أداؤها الفائق.
وخلال الفترة بين عامي 2002 و2011 شاركت طائرات رافال المقاتلة النفاثة التابعة لسلاحي البحرية والجو الفرنسيين في تنفيذ عدة مهام عسكرية في مسرح العمليات في أفغانستان، وجاءت تلك المشاركة سواء انطلاقاً من على متن حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" أو من القواعد العسكرية الأمامية في طاجيكستان وأفغانستان.
وقد كانت طائرات Standard F1 Rafales المقاتلة النفاثة التابعة لسلاح البحرية الفرنسية أول طائرات تعمل في المنطقة عندما توجهت حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول" إلى المحيط الهندي في عام 2002، ولكن أسلحتها الدقيقة لم تستخدم بكامل قوتها إلا في عام 2007 وبعد وصول طائرات Standard F2 Rafales التابعة لسلاحي البحرية والجو الفرنسيين والمسلحة بقنابل الليزر الموجهة GBU-12 laser-guided bombs.
وقد جرى تثبيت طائرات رافال التابعة لسلاح الجو الفرنسي في العاصمة الطاجيكية دوشنبه لأول مرة، ولكن أسراب طائرات رافال التالية التابعة لسلاح الجو جرى نشرها في قندهار بهدف تقليص زمن العبور (الترانزيت) وخفض عمليات التأخير في التعامل مع الحدث. ولم تواجه طائرات رافال الفرنسية أي مشكلة في الاندماج مع بقية الأسراب العسكرية المقاتلة بقيادة الولايات المتحدة، واعتمد طياروها على استخدام وصلة البيانات L16 datalink في تبادل المعلومات مع بقية الأسلحة الأخرى.
وقد جرت مئات العروض التي ترمي إلى استعراض القوة، وألقيت عشرات القنابل الموجهة بالليزر GBU-12 laser guided bombs وأسلحة Hammer الدقيقة فوق قوات طالبان. وقد أثبت المدفع الرشاش 30M791 قوته ونيرانه الكثيفة كمدفع أرض – جو أيضاً، وتم إطلاق آلاف الطلقات من عيار 30 ملليمتر المعروفة بدقتها الشديدة والمميتة.
وقد لعبت الطائرة رافال دوراً حاسماً في ليبيا عندما قامت الطائرة المتعددة الأدوار بـ "هدم الباب" kicked the door down حتى تتمكن الطائرات المقاتلة النفاثة التابعة لقوات الحلفاء من التحليق بكامل حريتها فوق طرابلس وبقية المناطق الليبية. وفي التاسع عشر من مارس عام 2011، وفي اليوم الأول لانطلاق العمليات العسكرية، أقلت ثماني طائرات مقاتلة نفاثة من طراز "رافال" تابعة لسلاح الجو الفرنسي من قاعدة "سان ديزييه" مدعومة بطائرات التزويد بالوقود جواً وطارت إلى ليبيا ثم عادت إلى قاعدتها سالمة.
وقد ضمت الموجة الأولى أربع طائرات رافال مصممة للاشتباك جو – جو، وكل واحدة مسلحة بستة صواريخ من نوع MICA EM/IR العاملة بالأشعة تحت الحمراء. أما الموجة الثانية فتكونت من طائرتي Mirage 2000D وأربع طائرات Mirage 2000-5F وطائرتي رافال (مزدوتين بأسلحة Hammer الدقيقة). وفي ذلك اليوم الحاسم، فرضت طائرات رافال المتعددة الأدوار Rafale omnirole fighters منطقة حظر الطيران، وأطلقت الأسلحة الدقيقة ضد المركبات المدرعة، وقامت بجمع المعلومات من أجل تحديث قواعد البيانات المشتركة والمعلومات المتعلقة بالتهديدات.
مهام القصف
وخلال الأيام القليلة التالية للعمليات الجوية التابعة لقوات التحالف، نفذت طائرات رافال عدة طلعات جوية بهدف تحقيق التفوق الجوي ومن ثم منع الطائرات المقاتلة الليبية والطائرات المروحية الموالية من الإقلاع من قواعدها الجوية. وقد قام حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعمل تقييم للتهديدات الجوية، وجاءت نتيجة التقييم أنها تهديدات ضعيفة للغاية أو حتى لا تُذكر، ولكن كان من الممكن أن يجد طيارو الطائرات رافال أنفسهم متورطين في عمليات اشتباك جوي ضد محاولات يائسة أخيرة لاستعادة السيطرة الجوية والتفوق الجوي.
وسرعان ما انضم إلى طائرات رافال Rafale B/C التابعة لسلاح الجو الفرنسي طائرات رافال Rafale M المقاتلة المحمولة على متن حاملات الطائرات والتابعة لسلاح البحرية الفرنسية، وهي الطائرات التي كانت تحلق من على متن حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديجول".
وبمجرد تحقيق التفوق الجوي تغيرت المهام إلى جمع المعلومات والمراقبة والاستطلاع والالتقاط التكتيكي وتنسيق عمليات القصف. كما تم أيضاً تنظيم عمليات هجومية مرسومة ضد أهداف رئيسية بهدف تدمير البنية التحتية للقوات الموالية وتدمير شبكة القيادة والسيطرة.
وقد ظلت مهام الاستطلاع الجوي وعمليات القصف التي نفذتها طائرات رافال محتفظة بقدرتها كاملة على تقديم الدعم والمساندة الجوية، وفي مناسبات عديدة كان يتم إعادة تكليف هذه الطائرات خلال مهامها بدراسة وتحديد الأهداف الجوية التي يتم رصدها بالقرب من المناطق التي تعمل فيها.
وكان يتم دائماً تنظيم مهام القصف والاستطلاع التي تنفذها طائرات رافال دون الحاجة إلى وجود أي حراسة جوية متخصصة dedicated escort (حيث كانت طائرات رافال تنفذ ما يمكن أن يُطلق عليه "الطلعات الجوية ذات الحراسة الذاتية" Self-Escort Sorties أو جهاز الرادار RBE2 أو الوصلة Link 16 أو الأجهزة البصرية الخاصة بالقطاع الأمامي Front Sector Optronics أو أنظمة الحرب الإلكترونية SPECTRA electronic warfare suite التي تساعد الطيارين في الاحتفاظ بقدر عال من الوعي الميداني طوال مدة تنفيذ المهمة.
ورغم هذا، ظلت الطائرة رافال مستعدة للرد وقصف الأهداف المعادية والاشتباك مع الطائرات المقاتلة المعادية في كل وقت. وإذا تعرضت طائرات رافال للاعتراض كان بإمكانها تدمير أي هدف مجوقل بصواريخها من نوع MICA خلال نفس المهمة الواحدة، الأمر الذي يثبت قدرتها المذهلة على التحول بصورة فورية من مهمة الاشتباك الجوي مع هدف أرضي إلى مهمة الاشتباك الجوي مع هدف جوي، وهو ما يؤكد تفوقها كطائرة مقاتلة بلا منازع.
وعن طريق استخدام وصلة البيانات L16 datalink في إدارة المعركة والتسلسل وتحييد الصراع، كانت الأطقم الجوية الخاصة بطائرات رافال تتبادل المعلومات بصورة شبه فورية مع بقية الأسلحة الأخرى بهدف بناء صورة تكتيكية شاملة وواضحة. كما أتاحت أنظمة الحرب الإلكترونية SPECTRA electronic warfare suite للأطقم الجوية الخاصة بطائرات رافال استهداف أنظمة الدفاع الجوي، علاوة على الاشتباك مع عدة قاذفات ثابتة ومتحركة وتدميرها بواسطة الأسلحة الدقيقة.
الهجوم باستخدام صواريخ كروز Scalp
تتمتع الطائرة المقاتلة النفاثة رافال بأحدث أنظمة الاستشعار والأسلحة، الأمر الذي مكنها من التلاعب بالقوات الليبية الموالية، كما جري استخدام أسلحة جديدة لأول مرة مثل صواريخ كروز Scalp cruise missiles، وفي الثالث والعشرين من مارس عام 2011 قامت طائرتان من طراز Mirage 2000D من القاعدة الجوية في "نانسي"، وطائرتان من طراز Rafale Bs تابعتان لسلاح الجو الفرنسي من قاعدة "سان ديزييه" الجوية، وطائرتان من طراز Rafale Ms تابعتان لسلاح البحرية الفرنسية من على متن حاملة الطائرات "شارل ديجول"، بتنفيذ مهمة مشتركة بعيدة المدى بأسلحة مختلفة ضد أحد المدارج الجوية في عمق الأراضي الليبية.
وقد حملت كل طائرة من طائرتي رافال Rafale Bs صاروخين من نوع Scalp cruise missiles وأربعة صواريخ من نوع MICA وخزاني وقود سعة ألفي لتر يمكن التخلص منهما في أي وقت، فيما حملت الطائرة رافال Rafale M وحدها صاروخين من نوع Scalp cruise missiles أسفل المحطة الوسطى الموجودة أعلى الصواريخ MICA وخزاني الوقود.
وقد جرى الاستغناء عن صواريخ Scalp cruise missiles خلال غارتين جويتين جرتا في وقت لاحق، حيث قامت طائرتان من طراز رافال Rafale Bs واثنتان من طراز رافال Rafale Ms بإطلاق أربعة صواريخ على مدرج جوي آخر في منطقة أعمق داخل الصحراء الليبية.
وقامت طائرتان من طراز رافال تابعتان لسلاح الجو الفرنسي بتنفيذ مهمة مشتركة بالتعاون مع أربع طائرات من طراز Tornado تابعتان لسلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الإيطالي ومسلحتان بصواريخ كروز من نوع Storm Shadow، وقد أطلقت طائرات رافال إجمالاً 14 صاروخاً من نوع Scalp cruise missile في ليبيا بدقة تدميرية هائلة.
وقد أمضت قوات التحالف أياماً عدة في البحث عن القوات المعادية المراوغة، ولكن الطائرات المقاتلة النفاثة رافال نجحت، بفضل أنظمتها المتقدمة Pod Reco NG، في رصد مواقع أعداد هائلة من الوحدات المعادية. وتعتبر الطائرة رافال أول طائرة فرنسية مقاتلة قادرة على تنفيذ مهام الاستطلاع وتبادل المعلومات حول ساحة المعركة بصورة شبه فورية.
وبالإضافة إلى اختصار الفاصل الزمني بين نظام الاستشعار والرامي، يأتي نظام Pod Reco NG ليعزز عملية اختيار الهدف والتعرف عليه أثناء الطلعة الجوية، حيث يمكن لقائد الطائرة أو الجندي المسؤول عن نظام التسلح تشغيل شريط الفيديو وإرجاعه وتحريره وتخزينه أثناء الطيران.
القوات المعادية
وفي شهر مارس عام 2011 بدأ سلاح الجو الفرنسي في إقامة قاعدة عملياتية أمامية في منطقة Solenzara بجزيرة كورسيكا Corsica من أجل اختصار زمن العبور (الترانزيت). وهكذا، كانت طائرات رافال تقلع من قاعدة سولنزارا بصورة روتينية حاملة ثلاثة خزانات وقود متحركة سعة 2000 لتر من أجل تخفيف الضغط عن أسطول طائرات التموين الجوي (أثناء الطيران) المتخمة بالأعباء. وكانت أنظمة التسلح القياسية تضم أربعة صواريخ من نوع MICA أو من أربع إلى ست قنابل موجهة بالليزر GBU-12 laser-guided bombs أو عدد مماثل من الأسلحة الدقيقة.
وعندما حاولت القوات المعادية في شهر يناير عام 2013 التمدد جنوباً من أجل الاستيلاء على العاصمة المالية باماكو تصدت لها الطائرات المروحية التابعة للقوات الخاصة الفرنسية في الحال، ومنعت تقدم "الخبراء الفنيين" وقد أقلعت طائرات Mirage 2000D وطائرات F1CR المقاتلة من القاعدة العملياتية الأمامية التابعة لسلاح الجو الفرنسي في العاصمة التشادية نجامينا من أجل قصف المواقع المعادية، ولكن هذه الخطوة لم تكن كافية، وسرعان ما تم اتخاذ قرار بشن هجوم ضد مستودعات الذخيرة المعادية وقواعد إمداده في المناطق القريبة من "جاو".
وقد أقلعت أربع طائرات من طراز رافال من قاعدة "سان ديزييه" الجوية متجهة جنوبا مدعومة بطائرات التموين الجوي (أثناء الطيران). وقد تسلحت تلك الطائرات بست قنابل موجهة بالليزر من نوع GBU-12 laser-guided bombs أو ستة صواريخ من نوع AASM، وكانت المحصلة الإجمالية هي قصف أربعة أهداف رئيسية قبل أن تتجه طائرات رافال شرقاً نحو العاصمة نجامينا حيث هبطت بسلام بعد أن ظلت تحلق في الجو لمدة تسع ساعات وخمسة وثلاثين دقيقة كاملة.
واستغل سلاح الجو الفرنسي منشآت ومرافق الدعم الموجودة في نجامينا، وسرعان ما شكل سرباًً من طائرات رافال بلغ ثماني طائرات و100 فرداً منهم 20 طياراً وفرد تشغيل أنظمة التسلح. وظلت هذه المجموعة مكلفة بتنفيذ مهام القصف ومنع الطائرات المعادية من التحليق وتقديم الدعم الجوي، علاوة على أداء عمليات جمع المعلومات والمراقبة وتتبع الأهداف والاستطلاع.
ونظراً لأن المسافة من نجامينا إلى منطقة العمليات تتجاوز ألفي كيلومتر، تعتبر الطائرة رافال السلاح القتالي الأمثل بفض قدرتها الفائقة على الطيران لساعات طويلة، كما تعتبر طائرة مثالية بالنسبة إلى مسارح العمليات التي يندر فيها وجود طائرات التزويد بالوقود جواً، وبالنسبة إلى المسافات الطويلة وعند الرغبة في تغيير خطوط السير.
ويتم عمل الطلعات الجوية بدعم مباشر من طائرات التزويد بالوقود جواً الفرنسية المتمركزة في العاصمة التشادية نجامينا أو في ساحل العاج، أو بدعم من طائرات التزويد بالوقود جواً KC-135R Stratotankers التابعة لسلاح الجو الأمريكي والمتمركزة في إسبانيا، وهو ما يثبت قدرة الطائرة رافال على العمل بصورة متوافقة ومتناغمة مع القوات الأمريكية.
وعادة ما تستغرق المهمة بين خمس وثماني ساعات، وعادة ما يتم إسقاط الأسلحة بصورة منتظمة فوق مجموعة مختلفة من الأهداف، ويتم هذا أحياناً بهدف تقديم الدعم الجوي المباشر للقوات الصديقة الموجودة على الأرض. كما أصبحت الطائرة رافال أيضاً طائرة رئيسية في مجال تأمين الصور الجوية والمعلومات الاستخباراتية المهمة لقوات التحالف في أفريقيا بفضل أنظمة Pod Reco NG.
ويتميز النظام المشار إليه بقدرته الفائقة على تصوير أصغر الأهداف العابرة حجما من على مسافات بعيدة أثناء قيام الطائرة بتنفيذ مهام الاستطلاع قبل بدء عمليات القصف الجوي، وإعداد التقارير الخاصة بالأضرار في ساحة المعركة وعمل الاستطلاع الفيديوي، وتعتمد الطائرة رافال على أنظمة الاستشعار الحادة والدقيقة لديها في الاضطلاع بمهمة الاستطلاع الجوي في أفريقيا بدلا من الطائرة Mirage F1CR القديمة.
المصدر:
هنري- بيير جرولو، شركة داسو.
http://www.nationshield.ae/home/det...تلة-النفاثة-رافال-محاربة-الصحراء#.VnVvCctRVnE