لمحات من تاريخ الدولة العثمانية/عن كتاب للدكتور عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
23,817
التفاعل
19,641 125 0
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمــــــــــــــــة

العلاقة التي قامت بين العرب والعثمانيين منذ البداية كان أساسها الحب والأخوة في الله ، وفي مطلع القرن العشرين بدأنا نسمع نغمات شاذة على ألسنة العلمانيين وبعض الباحثين ممن ليست لهم خلفية تاريخية إسلامية سليمة ومن النصارى ، يصفون العثمانيين بأوصاف تجعلهم غرباء محتلين ، دخلوا البلاد باسم الإسلام وتقنعوا به ، والدين منهم براء ( راجع الفصل الثاني من كتاب " صحوة الرجل المريض " لموفق بني المرجة ففيه الكثير من الأدلة على ذلك ).

ونسي هؤلاء أو تجاهلوا أموراً عدة تدحض ما افتروه نجملها فيما يلي:

1 ــ إن الدولة العثمانية حين قامت كان شعارها نشر الإسلام ، وكان هذا قبل دخولهم البلاد العربية بمئتي سنة ، وإن آباءهم حين لم يستطيعوا صد أمواج التتار المكتسحة لبلادهم هربوا بدينهم ولم يرضوا أن يبيعوهم دينهم كما فعل غيرهم ممن تراموا على أقدام التتار وحاربوا تحت رايتهم إخوانَهم في العقيدة ، بل إنهم ساعدوا السلطان السلجوقي ضد قائد التتار في آسيا الوسطى فكافأهم بأن أقطعهم أرضاً على حدود بيزنطة ( العثمانيون في التاريخ والحضارة ص / 41 / تحت عنوان : العثمانيون المفترى عليهم ) .

2 ــ إن مؤسس الدولة الإسلامية العثمانية كان همه وشغله الشاغل نشر الإسلام ، ووصيته لابنه أورخان أوضح مثال على ذلك ( المصدر السابق ص /16 /) .

3 ــ ونرى حرص العثمانيين الدائب على فتح القسطنطينية ليحققوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فيكون أمراؤهم خير الأمراء ، وجيشهم خير الجيوش. وقد أدرجنا في التمهيد التاريخي من أقوال السلطان الفاتح (محمد الثاني) والخليفة ( سليمان القانوني ) ما يثبت انتماءهم الساطع للإسلام والعمل له .

4 ــ إن العرب رحبوا بالعثمانيين ، بل دعوهم إلى تخليصهم من جبروت الدولة المملوكية وظلمها وتعطيلها الأحكام الشرعية ، فقد راسل المصريون السلطان سليماً الأول منذ بداية توليه عرش بلاده لكي يقدم إلى مصر على رأس جيشه فيستولي عليها ويطرد الشراكسة ــ كما كانوا يسمونهم ــ كما رحب أهل الشام به وأسرع العلماء إلى ملاقاة جيشه ، ولقنوا أولادهم أن ينشدوا { ينصرك الله العظيم يا سلطان سليم } وفي الأرشيف العثماني في متحف ( طوب قابي سراي ) في استانبول عريضة رفعها علماء حلب إلى السلطان سليم يقدمون له ولاءهم ويطلبون تحكيم الشريعة التي عطلها المماليك فظلموا العباد . وكذلك فعل أهل المغرب العربي ( ) المصدر السابق ص /170 /) .

5 ــ إن الدولة المحتلة تمنع المحكومين من أن يكون لهم صولة وجولة فيها على خلاف مانرى في الدولة العثمانية ، فقد وصل بعض العرب إلى مشيخة الإسلام ، وهي أعلى منزلة من الصدر الأعظم ، كما كان منهم ولاة للأقاليم ووزراء وقادة للجيش ، وكان الخلفاء إذا سمعوا بعالم أو نجيب استقدموه وأكرموه بغض النظر عن جنسه .ولا أزال أذكر أن أبي حدثنا عن حب جدي وأقرانه للعثمانيين ، وثناءهم العاطر عليهم . ومامن رجل معمِّر سألته عنهم إلا تنهد وقال : أولئك الخلفاء والسلاطين المسلمون هم حماة الإسلام وبقية السلف الصالح .

ولا أظن أن أجدادنا كانوا مغرمين بحب من أساء إليهم وحكمهم بالنار والبارود ، حاشا وكلا ، فالعثمانيون حمَوْا البلاد من الصليبيين زهاء أربعة قرون ، وهذا ما أزعج الأعداء فافتروا عليهم .

6 ــ ولا ننس أن الذين كتبوا التاريخ الحديث للبلاد الإسلامية نصارى ومستشرقون ، وعلى رأسهم قسطنطين زريق وفيليب حتى وجورجي زيدان .. وغيرهم ، وهم معروفون بصليبيتهم الحاقدة على الإسلام وأهله، فلا بد إذاً من قلب الحقائق والدس على دولة إسلامية هيمنت على قدر كبير من بلادهم ردحاً من الزمن ، وقرعت أبواب عواصمهم وشغلتهم بأنفسهم وصانت المقدسات الإسلامية من كيدهم .

7 ــ أما إن استشهد الطاعنون بما فعله الكماليون فهذا لايعيب العثمانيين لأنهم قوم ، والكماليون قوم آخرون .

فالطورانيون الذين استولوا على الحكم بعد عام / 1910 م / كانوا قوميين متطرفين ، فحين سيطروا على الحكم ألغوا الخلافة وأعلنوا تركيا دولة علمانية لاعلاقة لها بالإسلام ، وكتبوا التركية بالأحرف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بالأحرف العربية ، ومنعوا تدريس اللغة العربية وذلك ليبعدوا الجيل الجديد عن القرآن ، وقطعوا علائقهم بالعرب بعد أن ساموهم الخسف في العقدين الأولين من هذا القرن .

ونظرة متأملة فاحصة في كتاب ( أتاتورك ذلك الصنم ) وكتاب (صحوة الرجل المريض أو السلطان عبد الحميد) تظهر بجلاء تلك المؤامرة الخبيثة على الإسلام والدولة العثمانية العظيمة على يد (جمعية الاتحاد والترقي الماسونية) .

ولإظهار هذه الحقائق وبناء جسر متين بين العرب والإخوة الذين يتكلمون التركية ، وإزالة الغبار والقتام عن تاريخ سوَّده أعداء الإسلام وشوَّهوا صورته كان اختياري لهذا البحث .

ولما كان العصر العثماني يمتاز بكثرة الحروب التي خاضتها جيوش هذه الدولة على الجبهتين الأوروبية والشرقية ، فقد تفاعل الشعراء مع هذه الحروب سلباً وإيجاباً ، وكان شعرهم يراعاً يؤرخ هذه الأحداث .

ورأيت أن أدرس شعر هذه الفتوحات والحروب لأشارك في مسيرة الأدب العربي بدراسة متبصرة ــ إن شاء الله تعالى ــ مبتدئاً بدخول السلطان سليم الأول البلاد العربية ، ومختتماً بزوال الخلافة العثمانية عام / 1923 / للميلاد ،

الموافق / 1342 / للهجرة ظناً مني أن أحداً ــ حتى الآن ــ لم يتطرق إلى شعر الفتوحات في العصر العثماني .

هذا الدكتور علي الجندي أسهم في شعر الحرب في العصر الجاهلي .

وهذا حِذوه الدكتور نعمان القاضي قد كتب في شعر الفتوحات الإسلامية .

كما كتب غيرهما في شعر الحروب في العصر العباسي .

ولعل عملي هذا حلقة وصل في بيان جهود المسلمين الفاتحين وتصديهم لأعدائهم الذين أرادوا القضاء على الدولة العثمانية منذ ظهورها، لأنها كانت شوكة في حلوق أعداء الإسلام ونبراساً يضيء الدرب أمام الدعاة إلى الله تعالى .

وأحب أن أنوّه إلى أن الحروب الداخلية لن تدخل في البحث لأنها قلاقل وثورات داخلية ، وليست حروباً غايتها الفتح أو رد العدوان ، إلا إذا كانت تمرداً من فئات غير إسلامية تعيش في قلب الدولة الإسلامية ، أو أرادت أن تنشئ دولة على حساب الدولة العثمانية ، فإني أفردت لها فصلاً أبين فيه دور العثمانيين في الحفاظ على الهوية العثمانية ووحدة البلاد .

وكثير من الباحثين يجعلون نهاية الدولة العثمانية حين دخل ( نابليون بونابرت ) إلى مصر عام / 1798 م / الموافق / 1213 هـ / وما بعد ذلك أطلقوا عليه اسم الأدب الحديث ، وهذا - في رأيي- إن كان يجوز في الآلات والمخترعات والثورة الصناعية الحديثة ، فإنه لايجوز في الثقافة والفن والأدب ، إذ إن مجيء نابليون دعا الشعراء إلى مناهضة الأوروبيين وقوَّى اللحمة الوطنية والإسلامية تحت راية الخلافة العثمانية، بل إن رواد الشعراء العرب في مطلع هذا القرن أمثال البارودي وحافظ إبراهيم وأحمد شوقي وغيرهم .. كان ولاؤهم الفكري والديني للعثمانيين ، وعودة إلى دواوينهم تؤصل هذا المنحى في شعرهم ، وسنرى في دراستنا هذه الانتماء إلى الدولة العثمانية والولاء لها .

وقد اعتمدت في بحثي هذا على مراجع ومصادر متعددة كان أهمها حسب التاريخ الهجري

1- الكواكب السائرة في أعيان المئة العاشرة / لنجم الدين الغزي

2- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر / للمحبي .

3- سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر/لمحمد خليل المرادي

4- حلية البشر في تاريخ أعيان القرن الثالث عشر للبيطار .

كما كان لي عودة إلى دواوين كثير من شعراء هذه القرون كما سيتضح لقارئ هذا البحث إن شاء الله .

وفي دراستي الفنية كان لي عود إلى كتب البلاغة ( في علوم المعاني والبيان والبديع) لمجموعة من المتخصصين في هذا العلم أمثال : الدكتور عبد العزيز عتيق والدكتور بكري الشيخ أمين .

يتبع
 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

تمهيد

نشأة الدولة العثمانية :

دخل الأتراك العثمانيون آسيا الصغرى ( تركيا ) في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي نازحين من وسط آسيا متجهين غرباً إلى الأناضول. وكان بعض قبائل الترك من المسلمين قد سبقوهم إليها في القرن الحادي عشر الميلادي ، وهم من التركمان السلاجقة الذين احتلوا المقاطعات الآسيوية للإمبراطورية البيزنطية حتى جهات بحر إيجة غرباً ، وبعد المعركة الحاسمة التي انتصر فيها المسلمون عام / 464 هـ / على الروم المحتشدين شرقي تركيا ، والتي عُرِفت باسم معركة ( ملاذكرد) حيث هُزِم جيش بيزنطة وأُسِر امبراطورها (رومانوس الرابع) اكتسب القائد التركي المسلم ( ألب أرسلان ) شهرة واسعة في كافة أرجاء العالم الإسلامي مما مكن للقبائل التركمانية المسلمة من تثبيت أقدامها في بلاد آسيا الصغرى بعد أن دمرت تحصينات الحدود البيزنطية ، واحتلت شرقي الأناضول ووسطه ( كتاب العثمانيون والروس : علي حسون ص /17 ــ 18 /) .

تقول إحدى الروايات : " إن القبيلة التركية من أسلاف عثمان ــ مؤسس الدولة العثمانية ــ كانت ترتحل في وهاد الأناضول بدواً حين رأت قرابة عام / 1232 للميلاد / جيشين يقتتلان ، وأدركت أن أحد الجيشين ليس نداً للجيش الآخر ، فانضمت إلى الجيش الضعيف الذي كاد يلقى هزيمة محققة ، فكان انضمام القبيلة إليه سبباً في انتصاره ، وبعد المعركة كانت المفاجأة السارة

للقبيلة حين تبين لها أنها تدخلت لنصرة بني جلدتها ، وهم الأتراك السلاجقة الذين كانوا يحاربون فرقة مغولية من جيش الخان ( أوقطاي بن جنكيزخان ) كان عهد إليها استكمال فتح آسيا الصغرى( كتاب الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها : د . عبد العزيز الشناوي ج1 ص / 34 /)، فأقطع السلطان علاء الدين السلجوقي ( 1219 ــ 1225 ) القبيلة التركية التي ساعدته ضد أعدائه ــ تقديراً لتدخلها في المعركة لصالحه ــ بقعة مترامية من دولته التي كانت تجتاز دور الاضمحلال " .

يقول بعض المؤرخين الألمان إن هذه القصة محض أساطير ، لكن بعض المؤرخين الإنجليز يرونها قصة حقيقية لامراء فيها ، ويضيفون قائلين : إن الذي دفع السلطان السلجوقي إلى منحهم الأرض أنه لم يرحب في قرارة نفسه بهذه القبيلة ، فقد أثبتت أنها على حظ وافر من الشجاعة والخبرة الحربية والكفاية القتالية ، فلم يطمئن إليها ، ومن ثَمَّ لم يرغب في إدماجها في قواته ، فمنحها تلك الأراضي ، وشغلها بالحرب ضد الدولة الرومانية البيزنطية المجاورة لها ، فشرعت هذه القبيلة بقيادة رئيسها (أرطغرل) تهاجم باسم السلطان ( علاء الدين ) ممتلكات البيزنطيين ، ونجحت في توسعها الإقليمي ، وحين مات زعيمها ، خلفه ابنه ( عثمان ) الذي سميت الأمة والدولة باسمه ، وسرعان ما نمت هذه الإمارة فصارت دولة مترامية الأطراف ، امتدت أقاليمها وولاياتها في آسيا وأوروبا وأفريقيا ، وغدت من أكبر الدول الإسلامية التي شهدها التاريخ ، ومن أشدها بأساً وأعزها جنداً (نفس المصدر السابق ص/35/) .

العثمانيون يعتنقون الإسلام :

هناك رواية مستقاة من الحوليات العثمانية القديمة تشير إلى أن (عثمان) مؤسس الدولة اعتنق الإسلام على يد عالم تطلق المراجع العربية عليه اسم ( أدب عال ) يقيم في قرية مجاورة لبلدة ( أسكي شهر ) عاصمة الإمارة الحديثة، وتزوج ابنته بعد أن رأى في نومه أن ذريته ستحكم العالم.

وتقول رواية أخرى : " إن والده قضى ليلة في دار أحد الزهاد، وقبل أن يأوي إلى فراشه جاء الزاهد بكتاب ووضعه على الرف ، فاستفسر ( أرطغرل ) عنه فأجابه : إنه القرآن الكريم كلام الله ، فحمل أرطغرل الكتاب وقرأه واقفاً حتى الصباح ، ثم نام ، فرأى فيما يراه النائم أن ملاكاً يبشره بأنه وذريته سيعلو قدرهم جيلاً بعد جيل على مدى القرون والأزمان لقاء احترامه القرآن ((نفس المصدر السابق ص/37/) " .

وسواء أكان هذا صحيحاً أم لا ، فإن العثمانيين جعلوا كتاب الله عز وجل نصب أعينهم وحكَّموا فيهم شريعته وحاربوا في سبيل نشره.

فهذا عثمان يموت وولدُه أورخان يحاصر مدينة " بورصة " ويفتحها ، وحين يعود إلى عاصمة أبيه يجده قد فارق الحياة وترك له وصية تكتب بماء الذهب ، يقول فيها :

يابنيَّ : إيَّاك أن تشتغل بشيء لم يأمر به رب العالمين ، وإذا واجهتك معضلة فاتخذ من مشورة العلماء موئلاً .

يابنيَّ : أحط من أطاعك بالإعزاز ، وأنعم على الجنود ، ولا يغرَّنَّك الشيطان بجندك ومالك ، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة .

يابنيَّ : إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاء رب العالمين ، وأنه بالجهاد يعمُّ نور ديننا كلّ الآفاق ، فتحدث مرضاة الله جلَّ جلاله.

يابنيَّ : لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لشهوة حكم أو سيطرة أفراد فنحن بالإسلام نحيا ، وللإسلام نموت ، وهذا ــ ياولدي ــ ما أنت أهل له (كتاب العثمانيون في التاريخ والحضارة . للدكتور محمد حرب ص/16 ) .

وهذا فاتح القسطنطينية ( محمد الثاني ) يضع نصب عينيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

{ لتفتحنَّ القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش } ، فيدك معاقلها ويفض أسوارها ، ليكون ذلك الأمير الذي مدحه صفوة الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ومدح جيشه .

ويقدم الدكتور محمد حرب في كتابه (العثمانيون في التاريخ والحضارة ص/258) ترجمة نثرية لبعض شعر محمد الفاتح في الدعوة الإسلامية التي ملكت قلبه :

{ نيتي : امتثالي لأمر الله ( وجاهدوا في سبيل الله )

وحماسي : بذل الجهد لخدمة ديني ، دين الله .

وعزمي : أن أقهر أهل الكفر جميعاً بجنودي جند الله .

وتفكيري : منصبٌّ على الفتح ، على النصر ، على الفوز بلطف الله.

وجهادي : بالنفس وبالمال ، فماذا في الدنيا بعد الامتثال لأمر الله ؟

وأشواقي : الغزو ، الغزو آلاف المرات لوجه الله .

ورجائي : في نصر الله وسمو الدولة على أعداء الله .

أما السلطان ( سليمان القانوني ) الذي وصلت الدولة في عهده إلى أوجها ، وحكم ستة وأربعين عاماً ، وتوفي وهو على صهوة جواده أثناء حصار قلعة ( سيكتوار ) في المجر ، وبموته ينتهي ما كان يعرف بعهد القوة في الدولة العثمانية ، فهو يعلن أن جهاده في سبيل الله وأن قدوته أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول في ديوانه الشعري ــ وهو شاعر يغلب على شعره رقة الأحاسيس ــ :

فلننشر الراية العظمى ونردد اسم الله

ولنسيِّر الجيوش نحو الشرق

فرض الله علينا حماية الإسلام

فلماذا نخلد للراحة ونحمل الذنوب ؟

إني آمل أن يحسن تمثلنا لقيادة أبي بكر وعمر

أيها الشاعر محبي(1) ، سر وسيِّر الجيوش
نحو الشرق من الحدود (2)

وكان الأوروبيون ينظرون إلى الفتوحات العثمانية على أنها فتوحات إسلامية ، وأنهم الرمز الحي المجسد للإسلام ، وأطلقوا على المسلم لفظ (تركي) لأنهما (المسلم والتركي) امتزجا فصارا في ــ رأي الأوروبيين ــ شيئاً واحداً (3) .

(1) كلمة محبي : هي الاسم الشعري الذي كان يطلق على السلطان سليمان نفسه .
(2) العثمانيون في التاريخ والحضارة ، د. محمد حرب ص/251 .
(3) ) الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها د. عبد العزيز الشناوي ج/1 ، ص/43

يتبع
 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

الخلافة العثمانية :

اختلف عهد الخلافة العثمانية عن عهد السلطنة ، إذ بدأ الاهتمام بالأمة المسلمة والعمل على توحيدها ، ثم الوقوف أمام الصليبيين صفاً واحداً . وقد عمل الخلفاء على هذا حتى ضعف أمرهم وأصبح تفكيرهم ينحصر في المحافظة على ما تحت أيديهم ، فلما زاد الضعف بدأ النصارى يقتطعون من الدولة الجزء بعد الآخر حتى أتوا عليها ، وتشتت أمر المسلمين وانقسموا فرقاً وأحزاباً وشيعاً وعصبية. لذا فقد توالى على الخلافة العثمانية ثلاثة عصور :

أولها : عصر القوة :

وحكمها فيه خليفتان فقط هما (سليم الأول ، وابنه سليمان الأول)

سليم الأول : حين تنازل ( بيازيد ) لابنه( سليم ) عن الحكم بدعم من الانكشارية أرضاهم ، ثم تخلص من إخوته وأبنائهم الذين ينازعونه في السلطة فقتلهم ، وقد عرف عنه أنه كان شخصية عسكرية قوية ، جعل من دولته أقوى الدول آنذاك ورأى أنه لايمكن مواجهة أوروبا النصرانية إلا بالمسلمين كافة ، فقد كان البرتغاليون يعملون على احتلال المدينة المنورة وأخذ رفات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ليتخلى المسلمون عن القدس للنصارى وقد عجز المماليك عن مقاومتهم ، بل إن الصفويين شكلوا حلفاً مع البرتغاليين ضد العثمانيين وجعلوا عاصمتهم ( تبريز ) ليتوسعوا في دولتهم ومذهبهم ، ودعموا الأمير ( أحمد ) ضد والده ( بيازيد ) ثم ضد أخيه ( سليم الأول ) وتعاونوا مع المماليك ضد العثمانيين . فلم يكن أمام السلطان ( سليم ) بدٌّ من تأديبهم ، فاحتل عاصمتهم وأحصى الشيعة في ( ديار بكر ) وقتلهم ، وسار إلى بلاد الشام بدعوة من أهلها لتخليصهم من المماليك الظالمين الضعفاء أمام البرتغاليين .

وفي معركة ( مرج دابق ) في الشمال الغربي من ( حلب ) قتل السلطان المملوكي في تلك البلاد ( قانصوة الغوري ) ، وانتهت دولة المماليك سنة / 922 هـ / في بلاد الشام وفي السنة التالية دخل السلطان ( سليم الأول ) القاهرة وتخلَّى الخليفة العباسي الاسمي له عن الخلافة فكان أول خليفة للمسلمين من غير العرب ، ولما عاد إلى (استانبول) بدأ يستعد لحرب الصفويين ، غير أنه توفي سنة /926 هـ/ بعد حكم دام تسع سنوات وطَّد فيها أركان الدولة .

سليمان القانوني ( الأول ) : وقد بلغت الدولة في عهده أوج قوتها واتساعها :

1 ـ فقد قضى على ( جانبرد الغزالي ) حاكم الشام الذي تمرد عليه .

2 ـ واحتلَّ عاصمة المجر ( بلغراد ) ، وفتح جزيرة (رودوس) ســـنة /929هـ/

وضمَّ إليه ( شبه جزيرة القرم ) سنة / 939 هـ / ، واستولى على عاصمة الأفلاق( شمال بلغاريا ) فدفعت له الجزية ، وحالف ملك فرنسا في قتال المجر ، وفتح بعض المواقع في جزيرة ( مورة ) اليونانية .

3 ـ دخل ( تبريز ) ثانية سنة / 941 هـ / ، ومنها إلى (بغداد) ففتحها .

4 ـ أما في الشمال الأفريقي فإن ( عروج ) وأخاه ( خير الدين بربروس ) اللذين أســـلما حررا الجزائر من جيوش ( شارلكان ) ملك فرنسا ، وقُتـــل ( عروج ) في إحـــــــدى المعارك مع الإسبان ، وحرر أخوه ( خير الدين بربروس ) شواطئ ليبيـا مـن الإسبان ، والتقى بأسطول شارلكان سنة / 944 هـ / وانتصر عليه ، وغــزا جزيرة ( كــريت ) اليونانية وبعض موانئ جنوب إيطاليا ، وتوفي سنة / 953 هـ / .

ه ـ وفي جزيرة العرب جهز ( سليمان باشا ) والي مصر أسطولاً بحرياً فتح به (عـــدن ومسقط ) وحاصر جزيرة ( هرمز ) سنة/944 هـ/، وحارب البرتغاليين في الهند وفتح ( كوجارت ) ثم خسر أمامهم في معركة ( ديو ) البحرية ، وعاد إلى مصر .

6 ـ وفي أذربيجان لجأ أخو إسماعيل الصفوي إلى الخليفة يشكو ظلم أخيه الشاه ، وطلب مساعدته ، فسار الخليفة إلى ( تبريز ) ودخلها للمرة الثالثة سنة / 954 هـ / .

7 ـ وعاد جنود الخلافة إلى ( ترانسلفانيا ) في المجر سنة /957 هـ/ وانتصروا علـــى النمساويين سنة / 958 هـ / ، وجددوا المعاهدة مع الفرنسيين سنة / 959 هـ / وحاصر العثمانيون جزيرة ( مالطة ) سنة / 971 هـ / ولم يتمكنوا من فتحها ، وعاد الخليفة بنفسه إلى المجر سنة / 973 هـ / نتيجة خلاف بين ملكها التابع للعثمانيين وبين ملك النمسا ثم توفي الخليفة المجاهد على صهوة فرسه أثناء حصاره قلعة ( سكتوار) في المجر(1) .

ثانيها :عصر الضعف :

لم يطل عصر القوة في الخلافة العثمانية ، إذ لم يزد عن نصف القرن كثيراً ، ولم يشمل سوى الخليفتين سليم الأول الذي حكم تسع سنوات ، وابنه سليمان الذي حكم ثمانية وأربعين عاماً ، وجاء عصر الضعف بعدهما مباشرة ، وبدأ الخط البياني للدولة يهبط باستمرار ، وإن كان يتوقف عن الهبوط أحياناً ، ويسير مستوياً في بعض الأحيان، وذلك لقوة بعض الخلفاء النسبية ، أو لهمة بعض حاشيتهم وخاصة الصدر الأعظم .

وقد كان لهذا الضعف عوامل عدة ، نلمسها فيما يلي :

1ـ سيطرة العقلية العسكرية :

وكانت تنزع إلى حلِّ الأمور بالسيف دون العـــودة إلى العقــــل ومناقشة الأمور ، فقد ربَّى الخلفاء عسكرهم تربية الجندية التي ترى القوة فقط سبيلاً إلى تجاوز العقبات وحلِّ الأمور ، صغيرها وكبيرها، فحين يكون الإسلام والتربية الخلقيـــة يُحَدُّ من طغيانها وجبروتها ، أما إن كان غائباً فالحياة إذن أقـــرب ما تكـــون إلى حيـــاة الجزار ، هذا ما رأيناه واضحاً للعيان في قتل الأخ إخوته وأقرباءه وحتى أبناءه ليصفو له جو الحكم ، فلا ينازعه أحد سلطانه . وغالبية الأبناء من أمهات مختلفات في الجنس والدين ومشارب مختلفة لا يجمع بينهم جامع قوي وأعمارهم متقاربة ، ولذلك كان كل واحد منهم يعمل على ما يوصله إلى السلطة ولو بقي وحده دون إخوته على قيد الحياة ، مما يكثر المنازعات فتضعف الخلافة .

لقد كان الإنكشاريون { وهم طائفة عسكرية يشكلون تنظيماً خاصاً ، لهم ثكناتهم وشاراتهم ، وقد كانوا أعز فرق الجيش نفر اً وأقواها جنداً وأكثرها نفوذ اً ، تقلدوا أخطر المناصب العسكرية والمدنية ، استفادت الدولة منهم في عصرها الذهبي ، وأضيرت منهم في = العصور التالية ، جمعهم العثمانيون من أسرى الحرب وضريبة الغلمان من النصارى . الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج/1 ، ص /476 وما بعدها ) في بداية أمرهم قوة ضخمة ، ولديهم روح معنوية عالية نتيجة التربية الإسلامية ، فأحرز العثمانيون بهم انتصارات عظيمة ، وأسدوا إليها خدمات جلَّى ، فلما أعطتهم الإقطاعات والامتيازات وكثرت بأيديهم الأموال أخلدوا إلى الأرض ومالوا عن القتال ، ثم تدخلوا في شؤون الدولة ودعموا أحد أبناء السلاطين ضدَّ الآخر ، فلما أوصلوه إلى الحكم بذل لهم يرضيهم فازداد غرورهم وكثر صلفهم ، وتحكموا في مصير الدولة ، فكان هذا عاملاً من عوامل ضعفها .

2 ــ الاتفاقيات مع الدول الأجنبية :

حين اكتشف البرتغاليون رأس الرجاء الصالح تحولت التجارة إلى آسيا وأفريقيا الشرقية عن ذلك الطريق ، ففقد تجار البلاد العربية الأرباح التي كانت في متناول أيديهم وفقدت الموانئ قيمتها ، وارتفعت أسعار الحاجيات، وانعكس هذا كله على الدولة ، فشجع (سليمان القانوني) التجار الأوروبيين ، وعقد معهم

اتفاقيات فيها كثير من التنازلات ، كان يظن أنها مؤقتة يمكن إلغاؤها متى أراد خلفاؤه ، لكن ضعف من جاء بعده جعل هذه الاتفاقيات غِلاً ، إذ إنها جعلت للأوروبيين دولة داخل الدولة العثمانية ، وكان ولاء النصارى لها لأنها تحميهم من المساءلة مهما فعلوا . ومن بين بنود هذه الاتفاقيات : أن الدعاوى يبتُّ فيها القنصل العام والباب العالي فقط ، وأنه إذا خرج الفرنسي ــ مثلاً ــ وعليه دين فلا يُسأل عنه ولا تُطالَب بلاده بذلك .

ومن هذا الباب بدأت الدول الأجنبية تتدخل في شؤون الدولة العثمانية وتحرِّض على التمرد وتؤسس الجمعيات المناهضة .

3 ــ الترف :

نتيجة للفتوحات الكثيرة حصلت الدولة العثمانية على الغنائم الوافرة ، وأفسح المجال أمام الخلفاء وكبار المسؤولين في الدولة أن ينصرفوا إلى اللهو ، وكان الخليفة قبل ( سليمان القانوني ) يقود الجيوش بنفسه ، فترك ذلك لكبار الضباط ، وجعل المسؤول عن الدولة مجلساً يحكمه الصدر الأعظم ، وأخلد السلاطين بعد ذلك إلى الراحة والتلذذ بمباهج الحياة . وبذلك أصبح الحكم بيد غير أولي الأمر، يتلاعبون به حسب أهوائهم .

4 ــ الزواج من الأجنبيات :

يصح الزواج من الأجنبيات غير المسلمات إذا اقتضت المصلحة السياسية ذلك ، أو كانت المسلمات قليلات ، لكن الخلفاء درجوا على الزواج من الكتابيات لجمالهن ، وكثيرات منهن بقين على دينهن ، فنشأ أولادهن على حب النصارى ، أو -على الأقل - على عدم الرغبة في معاداتهم.

ولما كانت النساء يوالين أبناء ملتهن ، فقد سعين إلى تشجيع أزواجهن ــ الخلفاء ــ أو أبنائهن على التجاوز عن خيانة النصارى ، وكثيراً ما كن يتآمرن لإيصال أبنائهن إلى سدة الحكم لمصلحة أهليهن، وقد رأينا ما فعلت زوجة سليمان القانوني ( روكسلان ) بابن زوجها حيث قتلته لتفسح المجال أمام ابنها ( سليم الثاني ) ليكون خليفة للمسلمين ، كما أن أم السلطان محمد الفاتح بقيت على عقيدتها .

5 ــ اتساع رقعة الدولة :

بلغت مساحة الدولة العثمانية /ستة عشر مليون كيلو متر مربع / ممتدة في القارات الثلاث من المغرب على المحيط الأطلسي غرباً ، إلى غرب إيران شرقاً ، ومن البحر الأسود شمالاً إلى السودان واليمن جنوباً ، كما امتدت إلى شرق أوروبا. وهذا الاتساع يحتاج خليفة قوياً يختاره مجلس الشورى ، لاخليفة ضعيفاً ، بل إن هؤلاء الخلفاء تركوا لغيرهم من الوزراء والولاة أمر الحكم ، وتراخت قبضتهم عن أملاكهم، فضعفت الدولة ، كما كان لاتساع الرقعة وصعوبة المواصلات دور في تشجيع الطامعين وأصحاب المصالح على إثارة الشغب والفوضى والعبث بالأمن واقتطاع أجزاء من جسم هذه الدولة المترامية الأطراف .

6 ــ فقد الأمل والتخطيط للمستقبل :

فمنذ أن قامت الدولة العثمانية كان لها منافسوها من الإمارات الأخرى في الأناضول وآسيا الوسطى ، وكل إمارة تحاول القضاء على غيرها ، حتى استطاع السلطان سليم الأول القضاء على آخرها ، فلم يعد هناك مجال للمنافسة ، كما أن فتح القسطنطينية ألغى الهدف الديني من التوسع ، حيث قضي على البيزنطيين فيها سنة /857 هـ/، كما انتهى أمر التفكير في إضعاف الدويلات الصغيرة المجاورة بعد إضعاف الصفويين والقضاء على المماليك ، وتم إجلاء البرتغاليين عن كثير من أماكنهم ، كل ذلك جعل العثمانيين يشعرون أنهم في أمان لايعكر صفوهم أحد ، ففترت هممهم وقصروا في تأمين حدودهم، فبدأ الضعف يسري إلى جسم الدولة .

7 ــ التعصب الصليبي :

على الرغم من أن الدول الأوروبية لها مصالح تتضارب مع بعضها ، وعلى الرغم من وجود خلافات وحروب بينها ، إلا أنها تلتقي معاً في حربها للإسلام والمسلمين ، { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ .... (120)}(البقرة) ، وقد حاول السلاطين التقرب إلى بعض هذه الدول لتكون حليفة لهم ضد الدول الأخرى ، وعقدوا معهم اتفاقيات إلا أن البابا الصليبي والمتعصبين كانوا يؤججون نار الصليبية الحاقدة ، فلم يستفد العثمانيون من الامتيازات التي قدموها للنصارى وإن أظهر هؤلاء أحياناً موافقتهم للعثمانيين ، كما أن إذكاء روح الصليبية الحاقدة أثارت النصارى الذين يعيشون على أرض الإسلام ، فكانوا يقومون بالحركات والثورات ضد الخلافة ، تدعمهم الدول النصرانية مما يؤدي إلى إنهاك الدولة العثمانية( التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص /120 /).

8 ــ عدم مسايرة ركب العلم :

انصرف العثمانيون في هذا العصر عن العلم ، واهتموا بالتدريب العسكري وتعبئة الجيوش وبناء الأساطيل ، ولعل حياتهم البدوية كانت سبباً في ذلك ، وكان حظهم من الثقافة أقل من حظ أوروبة التي سارت سيراً حثيثاً في مجال العلوم والحضارة ، فصار البون بين العثمانيين والأوروبيين شاسعاً ، وبرزت قكرة تقليد أوروبا والسير على خطاها ، وكفى بهذا انهزاماً نفسياً يتبعه الانهزام المادي ، وهذا هو الضعف بعينه ، وعقدة الصغار ، وأنى لنفوس ضعيفة أن يتم لها النصر ؟!

9 ــ وفوق كل هذا : مخالفة منهج الله :

فحين قامت الدولة العثمانية كان شعارها نصرة الإسلام ، ونشره في أرض الله ، واتسعت الدولة وكانت محط أنظار المسلمين ، وحين فترت حرارة التربية الإسلامية وضعف أثرها في نفوس الناس ، انحرفت عن منهج الله ، فظهر السلب والنهب في المدن الإسلامية نفسها والمدن المفتوحة ، وعمت الفوضى وتعاطي المنكرات وشرب الخمر وتجبُّر الجنود الانكشاريين .
أما السلاطين فقد تركوا أمور الدولة وسلموها لمن لاهمَّ له سوى جمع المال وفرض الهيمنة وأُعْطِيَ المتمردون والمشاغبون من الجند إقطاعات وامتيازات خوفاً منهم ، فزاد الانحراف وعمَّ الاضطراب فوصل هؤلاء إلى أن قتلوا عديداً من السلاطين ووزرائهم ، وخلعوا العديد منهم ، وفرضوا ما يريدون عليهم .

مرحلة الضعف هذه تولى الحكم فيها خمسة عشر خليفة ، واستمرت زهاء قرنين من الزمان ، بدأت سنة / 974 هـ / وانتهت سنة/1171 هـ/.

يتبع
 
مراد الرابع و إبراهيم الأول
..............................................................
مراد الرابع : سلطان قتل اخوته الثلاثة (بايزيد , سليمان, قاسم) و كان مصمما على قتله اخيه المتبقي ابراهيم لولا تدخل السلطانة الام السلطانة كوسم بحجة ان قتل ابراهيم يعني انقراض ذرية ال عثمان لان مراد لم يعش له اولاده الذكور .
مراد الرابع السلطان السكير الذي منع شرب الخمر!! و التبغ و القهوة في إسطنبول . و امر بقطع راس المخالفين بل كان يخرج بنفسه ليلا في جولات ميدانية ليقتل المخالفين لقرار المنع .
مراد الرابع السكير كان يقول الخمر شيطان علي ان احمي شعبي منه و اشربه كله .

مراد الرابع امر الف جلاد بقطع رأس الف اسير في نفس اللحظة في مشهد درامي كان هدفه اشباع النزوات الدموية لسلطان متعطش للدماء عندما نجحت جيوش العثمانيين في اقتحام بغداد سنة 1638 م .
قساوة مراد اتجاه نساء الحريم و قتله العديد منهن دفعت السلطانة الام باغرائه بالغلمان و الفتيان الحسان.
..............................................
إبراهيم الأول : السلطان المجنون
حالة الصدمة و الخوف و القلق التي عاشها ابراهيم بسبب قتل مراد الرابع لاخوته اثرت كثيرا على قواه العقليه وتصرفاته الشخصية . عندما سمع بخبر موت اخيه مراد بسبب تشمع الكبد رقص ابراهيم فرحا وسط الحريم و هو يصرخ : سفاح الامة مات مات

ابراهيم كان يمضي وقته في اطعام السمك قطعا نقدية !!

و كانت تراوده افكار مجنونة مثل رمي الحريم من اعلى الاسطح او قتل كل المسيحيين في جميع انحاء امبراطوريته . كثيرا ما كان مستشاروه يتدخلون لثنيه عن افكاره المجنونة .

ابراهيم كان مهووسا بالنساء وخاصة النساء السمينات و كان يقضي وقته في الرقص مع نساء الحريم و يترك شؤون الحكم للسلطانة الام كوسم .

اخبرت Sechir Para الجارية المفضلة لابراهيم (كانت تزن 150 كيلو ) انها سمعت ان احدى نساء الحريم تواعد رجلا خارج القصر . فجن جنونه و امر رئيس المخصيين بايجاد الجارية الخائنة . رغم التعذيب و التنكيل لم يتوصل بقيزلر اغاسی الى اسم الجارية. ابراهيم المجنون لم يجد حلا غير ان يامر جنوده برمي جميع نساء الحريم (عددهن 280) في البحر!!!

بعدما كثرت حماقات السلطان تحالف المفتي الاكبر و السلطانة الام مع جيش الانكشارية و قاموا بقتل ابراهيم سنة 1648 و تعيين ولده سلطانا .
 
السلطان مراد الثالث حفيد سليمان القانوني

السلطان مراد الثالث حفيد سليمان القانوني استهل حكمه كعادة سلاطين آل عُثمان بنحر اخوانه الخمسة .

عرف عن مراد حبه الشديد لزوجته صفية وهي جارية البانية من جبال Ducagini . و ظل لسنوات طويلة وفيا لها و امتنع عن معاشرة غيرها . رغم ان صفية لم تنجب له غير ولد واحد هو محمد الثالث .
هذه العلاقة الاحادية اثارت سخط السلطانة الام نوربانو و هي إمرأة تنتمي الى اريستوقراطية الايطالية كان قد اسرها القراصنة المسلمون بقيادة خير الدين بربروس و اعطوها هدية لولي عهد سليمان القانوني الامير سليم .
السلطان مراد الثالث لم لم يقد اي حملة عسكرية و بقي طيلة فترة حكمه في العاصمة اسطنبول . كما انه امتنع لسنوات عن ترأس موكب صلاة الجمعة و ظل مختبئا في قصره خوفاً من التعرض للاغتيال.

قدمت السلطانة الام الكثير من الجواري للسلطان مراد غير انه امتنع كليا عن معاشرتهن وفاءا لمحبوبته صفية .... الى ان جاء يوم و قدمت له اخته اسمهان جاريتين غاية في الجمال والحسن .مراد لم يستطع مقاومة اغراء الجاريتين وقرر معاشرتهن في وقت واحد .غير ان كارثة حدثت حيث عانى السلطان من مشكلة انتصاب وقت الجماع . و رغم انه اعاد المحاولة طيلة الاسبوع لكنه لم يستطع ابدا الوصول الى الهدف .
استشاط غضب السلطانة الام و امرت المخصيين بتعذيب خادمات صفية بتهمة السحر و الشعوذة . كما امرت بوضع صفية تحت الاقامة الجبرية .

قامت نوربانو بجلب الاطباء من مختلف انحاء الامبراطورية لمعالجة العجز الجنسي للسلطان . ادوية الاطباء نجحت في علاج العجز الجنسي للسلطان غير انها ادت الى نتيجة عكسية . حيث اصبح مراد الثالث مهووسا بالجنس يقضي وقته في معاشرة الحريم حيث ولد له عدد ضخم من الذكور والإناث .

عند وفاة مراد الثالث قام محمد الثالث ابن صفية بقتل جميع اخوته الذكور وكان عددهم 19 كما نحر اخواته البنات (27 اميرة) و امر ببقر بطون الجواري الحوامل من اخوته.
 
السلطان مراد الثالث حفيد سليمان القانوني

السلطان مراد الثالث حفيد سليمان القانوني استهل حكمه كعادة سلاطين آل عُثمان بنحر اخوانه الخمسة .

عرف عن مراد حبه الشديد لزوجته صفية وهي جارية البانية من جبال Ducagini . و ظل لسنوات طويلة وفيا لها و امتنع عن معاشرة غيرها . رغم ان صفية لم تنجب له غير ولد واحد هو محمد الثالث .
هذه العلاقة الاحادية اثارت سخط السلطانة الام نوربانو و هي إمرأة تنتمي الى اريستوقراطية الايطالية كان قد اسرها القراصنة المسلمون بقيادة خير الدين بربروس و اعطوها هدية لولي عهد سليمان القانوني الامير سليم .
السلطان مراد الثالث لم لم يقد اي حملة عسكرية و بقي طيلة فترة حكمه في العاصمة اسطنبول . كما انه امتنع لسنوات عن ترأس موكب صلاة الجمعة و ظل مختبئا في قصره خوفاً من التعرض للاغتيال.

قدمت السلطانة الام الكثير من الجواري للسلطان مراد غير انه امتنع كليا عن معاشرتهن وفاءا لمحبوبته صفية .... الى ان جاء يوم و قدمت له اخته اسمهان جاريتين غاية في الجمال والحسن .مراد لم يستطع مقاومة اغراء الجاريتين وقرر معاشرتهن في وقت واحد .غير ان كارثة حدثت حيث عانى السلطان من مشكلة انتصاب وقت الجماع . و رغم انه اعاد المحاولة طيلة الاسبوع لكنه لم يستطع ابدا الوصول الى الهدف .
استشاط غضب السلطانة الام و امرت المخصيين بتعذيب خادمات صفية بتهمة السحر و الشعوذة . كما امرت بوضع صفية تحت الاقامة الجبرية .

قامت نوربانو بجلب الاطباء من مختلف انحاء الامبراطورية لمعالجة العجز الجنسي للسلطان . ادوية الاطباء نجحت في علاج العجز الجنسي للسلطان غير انها ادت الى نتيجة عكسية . حيث اصبح مراد الثالث مهووسا بالجنس يقضي وقته في معاشرة الحريم حيث ولد له عدد ضخم من الذكور والإناث .

عند وفاة مراد الثالث قام محمد الثالث ابن صفية بقتل جميع اخوته الذكور وكان عددهم 19 كما نحر اخواته البنات (27 اميرة) و امر ببقر بطون الجواري الحوامل من اخوته.
محمد الثالث امر بقتل احد اخوته بطريقه رحيمه جدا في نظره وقد كان مولودا رضيعا بخنقه بأحد استار القصر حتى يموت دون ان يزعجه صراخه
هذا كله والدوله مازالت في أوج عزها وعنفوانها ولماثرها حكاوي اخرى
!!!!!
 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية


مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي



السيرة الذاتية لخلفاء فترة الضعف:

1ــ سليم الثاني (974 - 982):

كان ضعيف الشخصية ، وصل إلى الحكم بعد أن دسَّت أمه (روكسلان) الروسية على أخويه عند أبيه فقتلهما (التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) محمود شاكر ص / 125) ) وكان أبوه السلطان سليمان يحب زوجته ولا يرفض لها طلباً .
كانت حياة سليم الثاني تتشح بالموبقات ، أدمن الخمور حتى أطلق عليه لقب ( السكير ) وأسرف في ارتكاب الفواحش الجنسية ، وكان ينتمي إلى مجموعة من السلاطين المعروفين (بالتنابلة) وهو لقب أطلق على العديد من السلاطين الذين تركوا التصرف بشؤون الدولة لخدامهم بعد أن فرضوا إتاوات يتنعمون بها ، واتخذوا من السرايا المئات لملذاتهم . (من كتاب: الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج /1 ، ص /602/) .

إلا أن وزيره الصدر الأعظم ( محمد الصقلي ) الذي لم يفارقه كان قوياً ،واستطاع أن يوقف سقوط الدولة ويؤخر ظهور الضعف المباشر .
اقترح الصدر الأعظم على السلطان سليم الثاني إعادة فتح إسبانيا ، فلم يؤخذ برأيه على الرغم من المتاعب التي كانت تحيط بملك إسبانيا آنذاك ، لأن السلطان سليم أخذ برأي اليهودي البرتغالي ( جوزيف نانسي ) الذي اتخذه صفياً له ، وكان هذا اليهودي في مطلع حياته يسمى ( دون ميجيه ) وقد كان له دور بارز في سياسة الدولة العثمانية ، وتمتع بنفوذ كبير فيها ، وزين للسلطان فتح جزيرة ( تاكوس ) ،وحين تم ذلك وهبها السلطان سليم له ـ لليهودي ـ إقطاعـاً ، ولم تمض سنوات حتى تجرأ وأعلن نفسه دوقاً عليها ( بفضل الله ) . ولم تقف أطماعه عند هذا الحد ، بل زين للسلطان فتح جزيرة ( قبرص ) بحجة أن نبيذها لا يضارعه نبيذ!! وذلك على أمل أن يأخذها هو أيضاً ، وفي غيبة السكر والعربدة وعده بها . (الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ج / 2 ، ص /923 ــ 924 / المتن والحاشية) .

وقد تم في عهد هذا السلطان ما يلي :

1 ــ عقد صلح مع النمسا سنة / 976 هـ / .

2 ــ عقد معاهدة مع فرنسا سنة / 977 هـ / مما خولها أن ترسل إرسالياتها إلى رعاياها في الدولة العثمانية ، وأن تربط النصارى العرب بها .

3 ــ قمع ثورة في اليمن قام بها ( المطهَّر بن شرف الدين ) حيث أرسلت الدولة العثمانيــة جيشاً كبيراً بقيادة عثمان باشا ودعمه (سنان باشا) والي مصر سنة / 976 هـ /

4 ــ فتح الصدر الأعظم جزيرة ( قبرص ) سنة / 978 هـ / ، مما أدى إلـــى تحالــــف النصارى بحراً فانتصروا على أسطول العثمانيـــين وغزوا جزيــــرة ( كريت ) ، لكــن حكومة ( البندقية ) عادت واعترفت بسلطة العثمانيين على( قبرص ) خوفاً منهم سنة /980هـ/ .
5 ــ احتلال الإسبان ( تونسَ ) وإعادة واليها ( حسن الحفصي ) إلى الحكم سنة / 980هـ وبعد ثمانية أشهر استرجعها منهم ( سنان باشا ) .

2ــ مراد الثالث (982 ــ 1003):

لم يكن كأبيه فسقا وفجوراً ، فقد أمر بمنع شرب الخمر لكنه اضطر إلى التراجع عن ذلك بسبب ثورة الإنكشاريين ضده ، وقد قتل إخوته الخمسة خوفاً من منازعته الملك . أما عن الأعمال التي تمت في عهده فيمكن إجمالها فيما يلي :

1ــ عقد معاهدة مع بولونيا أصبحت فيها تحت رعاية الدولة العثمانية سنة / 983هـ/ واعترفت النمسا بذلك سنة / 984 هـ / .

2ــ حدد امتيازات الدول الأجنبية في حماية رعاياها ضمن الدولة العثمانية .

3ــ قامت ثورة في مراكش سنة / 985هـ / استعان زعيمهم بالبرتغاليين ، لكن الجيش العثماني استطاع أن يخمدها .

4ــ توفي ( طهماسب ) شاه الصفويين وقتل ابنه ( حيدر ) في اليوم نفسه ، وتولى ابنه الثاني (خدا بنده) الحكم واستغل العثمانيون هذا الاضطراب فدخلوا ( تفليس ) إحدى المدن الكبرى للصفويين سنة / 985هـ / .

5ــ دخل الجيش العثماني أذربيجان الشمالية(شروان ) سنة /986هـ/ .

6ــ دخل العثمانيون بقيادة ( عثمان باشا ) داغستان سنة / 997 هـ / وتزوج من أهلها ، وأمر جنوده ففعل كثير منهم ذلك ، مما أدى إلى دخول كثير من الداغستانيين في الإسلام .

7ــ قتل خان الترك بالسم ، ( فعل ذلك أخوه واستلم مكانه ) فدخل العثمانيون عاصمتهم ( كافا ) سنة / 992هـ / .

8 ــ دخل القائد عثمان باشا ( تبريز ) عاصمة الصفويين ، فتنازل هؤلاء عن ( الكرج وشروان وجنوب أذربيجان ) سنة / 993 هـ / .

9ــ أما على الجبهة الأوروبية فقد خسر العثمانيون أول الأمر أمام النمسا والمجر بعد انضمام أمراء رومانيا وترانسلفانيا إليهما ، فسار إليهم (سنان باشا) الصدر الأعظم ودخل بوخارست فانسحب الأوروبيون إلى ما بعد نهر الدانوب .

ومن الملاحظ أن الصدور العظام في عهد هذا الخليفة بلغوا خمسة ( معجم الأنساب والأسر الحاكمة في التاريخ الإسلامي ( بنو عثمان ) للمستشرق زامباور ص /242/) كان أهمهم ( سنان باشا) الذي تولى المنصب ثلاث مرات ، مما يدل على أن أهم منصب بعد السلطان كان مضطرباً نتجت عن ذلك آثار سلبية داخلياً وخارجياً ، ولعل أسباب كثرة العزل والتولية تعود لما يلي :

أ ـ الصراع الخفي بين المتنفذين .
ب ـ المزاجية التي تحكم الخليفة .
جـ ـ الاضطراب الذي تعيشه الدولة .

3ــ محمد الثالث بن مراد الثالث ( 1003 ـــ 1012):

حين تولى الخلافة قتل إخوته التسعة عشر ودفنهم مع أبيه، فكانت بداية حكمه مجزرة رهيبة راح ضحيتها أقرب الناس إليه ، ولا أدري كيف جرؤ أهل الفتيا على ذلك وكيف زينوه لسلاطينهم .
( يزعم محمد جميل بيهم في كتابه ( فلسقة التاريخ العثماني ج 2 ، ص / 15 ـ 16 / ) أنه لم تمارس عمليات قتل الأخوة إلا منذ عهد السلطان محمد الفاتح الذي حكم من ( 1451 ــ 1481 ) ، وادعى أن هذا السلطان كان قد أصدر قانونـاً خوّل ــ بمقتضاه ــ أي سلطان جديد يتولى العرش أن يباشر بقتل إخوته تأمينـاً لسلامة الدولة وأمنها القومي ، وأنه جاء في هذا القانون الذي سـُمِيَ بقانون / نامة آل عثمان / مايلي : على أي واحد من أولادي تؤول إليه السلطة أن يقتل إخوته !! .. فهذا يناسب نظام العالم وإن معظم العلماء يسمحون بذلك ، ولذلك فعليهم أن يتصرفوا بمقتضاه . كما يردد ( إبراهيم محمد الفحام الفرية نفسها ، ويرد الأستاذ زياد أبو غنيمة في كتابيه / جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين ص 157 وما بعدها ، و السلطان محمد الفاتح ص 45 وما بعدها / على هذه الافتراءات ، ويبين أن الصراع على السلطة حدث في عهد العثمانيين كما حدث في التاريخ الإنساني عامة حيث ينتهي هذا الصراع بقتل أحد الأطراف المتصارعة ، ثم يتساءل : أليس من مقتضيات الأمانة العلمية والتاريخية أن يقدم المدعي بين يدي أي رواية تاريخية البينات التي تدعم صحة الخبر الذي يورده من تحديد الأسماء والأمكنة والأزمنة وسلسلة الرواة الذين تناقلوا هذا الخبر وأن لا يكتفى بالخبر المبهم ؟ . ثم يتساءل قائلاً : أين نص الفتوى الشرعية التي يزعم الزاعمون أنها تبيح للسلاطين العثمانيين قتل بني رحمهم من غير أي مسوغ شرعي ؟ وأين أسماء العلماء الذين أفتوا بهذه الفتوى ؟ ويقول ــ حفظه الله ــ إنه قرأ بضعـاً وعشرين مرجعاً عربيـاً وتركياً وانجليزياً تؤرخ للعثمانيين فما وجد مرجعاً واحداً يذكر نص الفتوى المزعومة ، أو يذكر اسم شيخ واحد تنسب إليه هذه الفتوى ، وأن هذه المراجع قد اكتفي بذكرها وكأنها يقين لا يرقى إليه الشك ولا يحتاج إلى توثيق ! وقد تضاربت هذه المراجع تضارباً فاضحاً في تحديد اسم السلطان الذي تزعم الفرية أنه كان وراء استصدار هذه الفتوى .. ويرجع الأستاذ أبو غنيمة تلك الفرية إلى دوافع نابعة من الحقد الأسود الذي تمتلئ به قلوب العديد من المؤرخين الصليبيين من أعداء الإسلام ، فوجهوا سهام افتراءاتهم ضد العثمانيين المسلمين وعلى رأسهم السلطان المسلم الذي مدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدح جيشه قائلاً :
" لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ، ولنعم الجيش ذلك الجيش " .
فهل يمكن أن يكون ممدوح رسول الله ظالماً باغياً ؟ لا إنه والله حقد الحاقدين وافتئات الأعداء يردده الببغاوات دون أدلة ولا براهين ، ودون فهم أو تمحيص . وأعتقد الأمر مختلقاً.

أهم الأحداث التي جرت في عهده القصير نسبياً ( تسع سنوات ) :

1ــ تصرف الصدر الأعظم ( فرهاد ) أول الصدور العظام الاثني عشر في أثناء حكمه بمقاليد الحكم تصرفاً تاماً .

2ــ خسرت الدولة العثمانية يوغسلافيا ورومانيا وقتل الصدر الأعظم ( فرهاد ) .

3ــ هزيمة النمسا والمجر أمام الجيوش العثمانية بقيادة الخليفة نفسه في معركة ( كرزت سنة /1005 هـ / .

4ــ ثورة الأناضول بقيادة أحد الإنكشاريين الهاربين من معركة (كرزت) حيث تخاذل بعضهم فقتل الخليفةُ عدداً كبيراً منهم ، كما قضى على ثورة ( قره يازجي ) في عنتاب جنوبي تركيا ، إذ استسلم الثائر على أن يعطى ولاية ( أماسيا ) ، لكنه عاد إلى الثورة بمساعدة أخيه (دالي حسن ) والي بغداد ، فتصدى لهما الصدر الأعظم وقتل ( قره يازجي ) لكن ( دالي حسن ) سرعان ما ثأر لأخيه وقتل الصدر الأعظم ، ولما استفحل أمره أعطي ولاية البوسنة فانصرف لقتال الأوروبيين حتى فني وجنوده .

5ــ قامت خيالة ( السباه ) من حرس الخليفة بالثورة لما قلَّت إقطاعاتهم في الأناضول فقمعها الخليفة بالإنكشاريين .

أما الصدور العظام فهم كثر ، وتدل كثرتهم على :

ــ عدم أهليتهم في أكثر الأحيان .

ــ طمعهم وجشعهم ، فقد أعدِم بعضهم وعُزِل بعضهم الآخر لفسادهم .

ــ كبر سن بعض الصدور العظام حيث استلموا المنصب وهم على مشارف قبورهم ( معجم الأنساب للمستشرق زمباور ص / 242).

يتبع



 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي


4 ــ أحمد الأول بن محمد الثالث (1012ـــ 1026):

كان جيداً في أخلاقه ، تولى الخلافة وهو في الرابعة عشرة من عمره، وحكم أربع عشرة سنة ، ومات في الثامنة والعشرين من عمره .
( صور السلطان أحمد الأول قدم الرسول صلى الله عليه وسلم وكتب عليه الأبيات التالية باللغة التركية ، ثم وضعه في تاجه وحمله حتى وفاته :
" ماذا يكون لو أحمل في رأسي دائماً مثل تاجي
صورة قدم حضرة الرسول
إن صاحب تلك القدم ورد حديقة النبوة
امسح يا أحمد وجهك دائماً بقدم ذلك الورد " .
من كتاب (السلاطين العثمانيون) تأليف عبد القادر ده ده أوغلو ، ترجمة محمد خان ص /59/).

من أهم الأحداث التي جرت في عهده :

1ــ أبطل عادة قتل الأخوة ، فلم يقتل أخاه مصطفى الذي أصبح خليفة بعده ولقب بمصطفى الأول ، بل حجزه مع الجواري والخدم .

2ــ ظهرت حركات تمرد عدة منها :

أ ــ حركة جان بولاد الكردي ، وقد قضي عليها سريعاً.

ب ـ حركة والي أنقرة ( قلندر أوغلي ) وقد قضى عليها سريعاً

ج ــ حركة فخر الدين المعني الثاني ، وهو حفيد فخر الدين المعني الأول الذي كان في عهد سليم الأول ، وهو من أسرة درزية حكمت لبنان، وكانت ثورته سنة 1022 هـ وتلقى الدعم من البابا والطليان ورهبان مالطة ، وكان عدد جنوده أربعين ألف ، لكنه هزم وفرَّ إلى إيطاليا

3ــ استغل الشاه ( عباس ) شاه إيران الثورات المذكورة ، وأعاد إلى حكمه العراق ومدينتي ( تبريز ) و ( وان ) .

4ــ مات الصدر الأعظم ( مراد باشا قويوجي ) القوي الشخصية الذي تولى الصدارة وهو فوق الثمانين من عمره .

5ــ أبرم الصدر الأعظم ( نصوح باشا ) سنة/ 1021هـ / صلحاً مع الصفويين ، خسرت فيه الدولة بغداد وكل الأراضي التي كان العثمانيون قد ضموها إليهم .

6ــ تخلصت النمسا من الجزية السنوية البالغة / 30.000 / ثلاثين ألف دوكا ، بشرط أن تدفع ولمرة واحدة / 200.000 / مئتي ألف دوكا .

7ــ ظلت المجر تابعة للدولة العثمانية .

8 ــ جرت حروب بحرية بين العثمانيين وسفن مالطة وإسبانيا وإمارات إيطاليا خسر فيها العثمانيون واضطروا إلى سحب سفنهم من البحر الأسود إلى بحر إيجة ، فاستغل أمراء الدول المعادية لهم مثل ( أمراء القازاق ) ذلك وهاجموا مدن الدولة العثمانية على البحر الأسود، مما أدى إلى حدوث خلاف بين الخليفة والصدر الأعظم نتج عنه إعدام الأخير.

9 ــ جددت امتيازات أوروبا ، وأفتي بمنع الدخان الذي نشره الهولنديون ، فهاج الجند والموظفون ، فتراجع العلماء عن فتواهم .

أما الصدور العظام في عهده فقد طالت مدة حكمهم وذلك بسبب مباشرته لهم بنفسه ، حيث أثبت ــ على الرغم من صغر سنه ــ أنه أهل للحكم ، وإن تخلل حكمه بعض الخسائر التي لابد منها بسبب حالة الضعف التي كانت عليها الدولة خاصة في عهد أبيه ، وقد بلغ عدد الصدور العظام أثناء حكمه ستة .

5 ــ مصطفى الأول (1026):

كان عثمان بن أحمد الأول صغيراً فعهد أحمد إلى أخيه مصطفى،وكان ــ كما أسلفنا ــ محجوزاً بين الجواري والخدم ، لذلك لم يستطع أن يدير شؤون الدولة والحكم حين عهد إليه ، ولم يلبث سوى ثلاثة أشهر ، ثم عزل ونصب ابن أخيه عثمان بن أحمد على الرغم من صغر سنه.

الصدر الأعظم الوحيد الذي كان في عصره هو : قيصرية لي خليل ، تولى الصدارة في /1026 هـ وعزل في صفر /1028 هـ / .على عهد الخليفة عثمان بن أحمد .

6 ــ عثمان الثاني بن أحمد الأول (1026 ـــ 1031):

ولي خمس سنوات مكان أبيه ، وكان عمره ثلاث عشرة سنة ، وقتل في الثامنة عشرة من عمره وكان قد قتل أخاه حين ولي الحكم .

من الأحداث التي جرت في عهده :

1ــ أطلق سراح قنصل فرنسا وكاتبه ومترجمه الذين حبسهم مصطفى الأول لمساعدتهم أحد أشراف بولونيا على الهرب ، واعتذر لملك فرنسا على ما فعله عمه .

2ــ أعلن الحرب على بولونيا لتدخلها في شؤون البغدان (رومانيا) ثم حصل الصلح بينهما عام / 1029 هـ / .

3ــ عفا عن فخر الدين الثاني الذي ثار على والده السلطان أحمد وهرب إلى إيطاليا وسمح له بالعودة إلى لبنان ، فعاد مجدداً إلى الثورة عليه .

4ــ قتله الإنكشاريون لأنه أراد أن يستبدلهم بغيرهم ، وأعادوا مصطفى الأول .

5ــ بعد مقتل الخليفة حدث ما يلي :

أ ـ تمرد والي طرابلس فقد أعلن الاستقلال وطرد الإنكشارية من ولايته .

ب ـ تمرد والي/أرض روم / أباظة باشا ودخل مدينتي (سيواس وأنقرة) .

ج ـ نهب الإنكشاريون مدينة استانبول .

د ـ عين الإنكشاريون ( كمنكاش علي باشا ) صدراً أعظم ، فأشار عليهم بعزل مصطفى الأول لعجزه وتنصيب مراد الرابع بن أحمد الأول ففعلوا ذلك .

مصطفى الأول ( للمرة الثانية (1031 ـ 1032) :

حكم أقل من سنة ( نحو عشرة أشهر) وكان ضعيفاً مهزوزاً للسبب الذي ذكر آنفاً . وتبدل في عهده الثاني هذا خمسة صدور عظام، أُعدِم اثنان منهم ، وعُزِل الثلاثة تباعاً () معجم الأنساب : للمستشرق زمباور ص 243)، وقد حكم أحدهم أياماً مما يدل على الفوضى الضاربة أطنابها في عهده ، وأنه مسير لايفقه شيئاً من أمور الحياة بله الحكم ، يعبث به من حوله من المتنفذين الطامعين ، وأن خليفة كهذا ــ وإن كان بسيطاً لاناقة له ولا جمل فيما هو فيه ــ كان عليه أن لايقبل بهذا المنصب الحساس المسؤول عن أمن أكبر دولة في العالم القديم، وكان على المخلصين من حوله أن يختاروا الأصلح لما فيه حياتهم وحياة أمتهم الإسلامية .

7 ــ مراد الرابع بن أحمد الأول (1032 ـــ 1049):

ولد سنة/ 1018 هـ / ، وتولى الخلافة بعد عزل عمه مصطفى سنة / 1032 هـ / وعمره أربعة عشر عاماً ، وبسبب صغر سنه سيطر عليه الإنكشاريون في أول الأمر . لكنه ما إن كبر حتى أصبح حازماً يفرض نفسه ويثبت وجوده ، ويقود جنده للقضاء على الفتن الداخلية والخارجية ويستعيد ما سلبه الصفويون ، كما اتسمت الجبهة الأوروبية بالحذر والمهادنة والوفاق .

أما أهم الأحداث في عصره فهي :

1ــ ثورة قائد شرطة بغداد ( بكير آغا ) على واليها وقتله ، فتحاصره قوة عثمانية بقيادة الوزير ( حافظ باشا ) ويتفقان على ترسيمه والياً عليها ، لكنه يتصل سراً بالشاه عباس واعداً إياه بتسليم المدينة ، وحين يقترب الشاه من بغداد ينسحب حافظ باشا ، ويقتل الشاه بكيراً وابنه .

2ــ القضاء على ثورة ( أباظة باشا ) بعد معركة كانت بقيادة الصدر الأعظم خليل قيصريه لي ، الذي رغب في التوجه إلى بغداد لتحريرها ، فتمردت عليه الإنكشارية وعزل نتيجة لذلك .

3ــ ثورة ( أباظة باشا ) مرة أخرى وانتصار الصدر العظم (خسرو باشا) عليه ، ودخوله في الطاعة ثم تعيينه والياً على البوسنة سنة /1037هـ / .

4 ــ وفاة الشاه ( عباس ) وهجوم الصدر الأعظم على همدان سنة / 1039 هـ / وفتحها وحصار بغداد مرتين دون التمكن من فتحها . وفي سنة / 1048 هـ/ استطاع السلطان مراد أن يفتحها بنفسه .

5ــ ثورة الإنكشارية وإخماد السلطان مراد لها وقتل رؤوس الفتنة
( من الملاحظ أن الإنكشارية بدءاً من عهد عثمان الثاني كانت عبئاً على الدولة العثمانية ، يسعى الخلفاء إلى التخلص منهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ) .

6ــ أسر فخر الدين المعني الثاني وابنه من قبل والي دمشق ، وإرسالهما إلى استانبول ، وإكرام الخليفة لهما على الرغم من خيانتهما المتكررة ، ثم ثورة الحفيــد (قرقماز ) مما أدى إلى أن يقتلهما الخليفة ويرسل من يخضع حفيده ( قرقماز ) .

7 ــ قتل الخليفة أخويه بايزيد وسليمان .

8 ــ دخول الخليفة ( تبريز ) عنوة سنة / 1045 هـ / و( بغداد ) سنة / 1048 هـ / ومقتل الصدر الأعظم ( محمد طيار ) في ميدان المعركة .

9 ــ مصالحة الصفويين سنة / 1049 هـ / قبل موت الخليفة ، وبقاء (بغداد ) بأيدي العثمانيين إلى نهاية الدولة العثمانية ، وقد تولى في عهده أحد عشر صدراً أعظم أُعدِم منهم ثلاثة وقُتِل اثنان .

يتبع

 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي



8 ــ إبراهيم الأول بن أحمد (1049 ـ 1058):

تولى الحكم في الخامسة والعشرين من عمره ، وقتل بعد تسع سنوات من خلافته .

وفي عهده حدثت أمور عدة أهمها :

1ــ احتلال القازاق في القرم مدينة ( أزوف ) على الساحل الشرقي للبحر الأسود ، واستردها العثمانيون سنة /1052 هـ / .

2ــ فتحت في أيامه جزيرة ( كريت ) سنة / 1055 هـ / .

3ــ أراد البنادقة الثأر من المسلمين بسبب فتحهم جزيرة كريت ، فأحرقوا عدداً من مرافئ المسلمين ، فأراد الخليفة الرد على ذلك بحرق النصارى في بلاده ، إلا أن المفتي لم يوافقه .

4ــ أراد أن يفتك برؤوس الإنكشاريين فعلموا بذلك وتآمروا عليه وعزلوه ، ثم قتلوه خوفاً من عودته والانتقام منهم وكان الصدور العظام على عهده خمسة ، كان مصير ثلاثة منهم الإعدام ( معجم الأنساب زمباور ص 243 ).

9 ــ محمد الرابع بن إبراهيم (1058 ـ 1099):

أطول خلفاء فترة الضعف حكماً ، فقد تولى الخلافة طفلاً في السابعة من عمره ، وخلع منها بعد إحدى وأربعين سنة وعمره ثمانية وأربعون عاماً ، وتوفي بعد عزله بخمس سنوات .

كان من السلاطين التنابلة ، فعمت الفوضى وكانت الدولة تخسر بعض مواقعها إذا كان الصدور العظام ضعافاً ، وتسترد بعضها إذا كانوا أقوياء أمثال ( محمد كوبريلي وابنه أحمد ) .

بعض الأحداث الهامة التي جرت في عهده :

1ــ حين تولى الخلافة وهو صغير وعمت الفوضى اضطر (حسين باشا) الصدر الأعظم الأخير عند أبيه إلى رفع الحصار عن مدينة (قندية) عاصمة كريت .

2ــ ثورة بقيادة (قاطرجي أوغلي وتعني بالعربية ابن سائق البغال) في الأناضول ، ودعمه في ثورته والي الأناضول ( كورجي يني) فانتصرا على القائد العثماني ( أحمد باشا) واتجها نحو استانبول ، لكنهما اختلفا فاغتنم العثمانيون هذا الاختلاف وهاجموهما فقتل الثاني وطلب القاطرجي العفو .

3ــ ارتفعت الأسعار في استانبول حين احتلت البندقية جزيرتي (تنيدوس) و( لمنوس ) في مضيق الدردنيل ، وتحكمت به ومنعت البضائع عن استانبول .

4ــ تولى ( محمد كوبريلي ) الصدارة سنة / 1067 هـ / وكان قوي الشكيمة فقتل الكثير من الإنكشارية واسترد ما أخذته البندقية بعد جهاد مرير مات أثناءه قائد البحر البندقي

5 ـ أخضع الصدر الأعظم أمراء رومانيا الشرقية ( بغدان ) ورومانياالشمالية الغربية (ترانسلفانيا ) والأفلاق ( رومانيا الوسطى ، وفيها العاصمة بوخارست ) لأنهم عصوا أوامر السلطان ورغبوا في مساندة السويد ضد بولونيا .

6ــ ضعفت العلاقة بين العثمانيين والفرنسيين الذين دعموا البنادقة في موقعة كريت .

7 ــ توفي الصدر الأعظم (محمد كوبريلي ) سنة / 1072 هـ / بعد أن أعاد للدولة هيبتها، وكان ابنه أحمد مثله رفض الصلح مع النمسا وقاتلها وفتح أعظم قلعة فيها ( نوهزل) سنة /1074هـ / ودخل مورافيا ، (بين تشيكيا وسلوفاكيا وسيليزيا ( أصلها من ألمانيا ، وهي تقغ اليوم في بولونيا حيث ضمت إليها بعد الحرب العالمية الثانية) ، ودعمت فرنسا النمسا ،وتآمر الجميع ضد العثمانيين .

8 ــ رفض الصدر الأعظم تجديد الامتيازات لفرنسا ، فأرسل الفرنسيون أسطولهم مهددين ، فلما زاد ثبات الصدر الأعظم ( أحمد كوبريلي ) أخذوه باللين إلى أن جدد لهم الامتيازات وعاد الصفاء المشوب بالحذر بين الدولتين .

9 ــ أما في أوكرانيا فقد رغب شعب القوزاق المسلمون بالتبعية للعثمانيين فغضب الألبانيون وهاجموا أوكرانيا فتدخل السلطان العثماني بنفسه وهاجم الألبان وانتصر عليهم فخضعوا وطلبوا الصلح ودفعوا جزية كبيرة ، وذلك سنة / 1083 هـ / .

10 ــ رفض الشعب البولوني وعلى رأسه قائده ( سوبيسكي ) المعاهدة وهاجم العثمانيين بجيش جرار وانتصر عليهم ، ثم صار سوييسكي ملكاً على بولونيا ، واستمرت المعارك سجالاً بين الطرفين ثم عادت المفاوضات ليتنازل الملك الجديد عمَّا تنازل عنه الملك القديم باستثناء بعض المواقع ، وكان ذلك سنة / 1087 هـ / ، وفي نفس السنة توفي الصدر الأعظم ( أحمد كوبريلي ) .

11 ــ استلم الصدارة ( قره مصطفى ) صهر أحمد كوبريلي
(لكنه لم يكن كسابقيه حنكة سياسية إذ أساء إلى إخوانه المسلمين في القوزاق التي تقع الآن في اوكرانيا ، إلا أنه كان قائداً ماهراً أضاف انتصارات كثيرة ، ولكن القدر لم يمهله إذ أحاط به ـ وهو يحاصر فيينا ـ عدد من الجيوش النصرانية فنسي الناس مآثره وحاسبوه على أمر ليس له به طاقة ، وأعدموه) .
وأساء إلى القوزاق فكرهوا العثمانيين وانحازوا إلى الروس وجرت بين الطرفين معارك طاحنة دامت أربع سنوات وذلك بين / 1088 هـ ـ 1092 هـ / وتمت المعاهدة بين الطرفين (رادزين) وبقيت الأمور كما كانت قبل الحرب ، وبذلك خسر العثمانيون محبة إخوانهم القوزاق .

12 ــ مني العثمانيون بخسائر كثيرة بعد ذلك ، نذكر منها :

أ ـ سار الصدر الأعظم ( قره مصطفى ) سنة / 1092 هـ / لمحاربة النمسا ، لنجدة نصارى المجر الخاضعين لها ، وحاصر عاصمتها وكادت أن تسقط لولا نداءات البابا ، فوصلت قوات من بولونيا وسكسونيا وبافاريا في الوقت المناسب ودارت مارك طاحنة هزم فيها المسلمون وانسحبوا فأغار عليهم ( سوبيسكي) ملك ألبانيا وقتل كثيراً من مؤخرة جيشهم ، فغضب الخليفة على الصدر الأعظم وقتله وعيَّن مكانه (إبراهيم باشا) سنة / 1092 هـ / .

ب ــ هذا الانتصار الصليبي شجع النصارى فعقدوا بينهم الحلف المقدس الذي ضمَّ إلى السابقين : البنادقة ومالطة والنمسا وبولونيا ، وهاجموا المسلمين من أماكن متعددة :

ــ هاجمت النمسا بلاد المجر واحتلت بودابست .

ــ استعادت بعض المواقع مثل ( قلعة نوهزل ) المذكورة سابقاً .

عزل الخليفة الصدر الأعظم إبراهيم باشا ، ونفاه إلى جزيرة (رودوس) وعين مكانه سليمان ياشا ، فهزم أيضاً .

ــ هزم سليمان باشا في بودابست سنة / 1097 هـ / ، كما هزم ثانية سنة / 1098 هـ / (موهاكز ) .

ــ أغار سوبيسكي ملك بولونيا على ولاية البغدان وهددها .

ــ أغارت سفن البنادقة على سواحل اليونان وجزيرة الموره ، تساندها سفن البابا ورهبان مالطة .

ــ دخلت جنود النصارى أثينا وكورنتا وعدداً آخر من المدن سنة / 1097 هـ / .

13 ــ أمام هذه الهزائم والفوضى اتفق العلماء والصدر العظم الأخير اسماعيل تشانجي على عزل السلطان سنة / 1099 هـ / فعزل ومات سنة / 1104 هـ / وتولى مكانه أخوه سليمان الثاني .

وقد بلغ الصدور العظام في عهده تسعة عشر صدراً أعظم (نفس المصدر السابق ص 244) .

10 ـ سليمان الثاني بن إبراهيم ( 1099 ـ 1102) :

تولى الحكم ثلاث سنوات ، وكان وقتها في الأربعين من عمره /1099 هـ إلى 1102 هـ / وفي عهده استعادت الدولة هيبتها .

من الحوادث التي جرت في عهده القصير :

1ــ لم يعاقب الجند على ما فعلوه بأخيه ، بل أكثر لهم العطايا مما أطمعهم فيه فتمردوا عليه وقتلوا قادتهم وقتلوا الصدر الأعظم سياوش باشا وسبوا نساءه ، وعمت الفوضى البلاد فعين الخليفة صدراً أعظم جديداً هو مصطفى باشا زودوستو ، ولم يكن كفئاً فعزله الخليفة بعد صدارته بخمسة أشهر لأن الأعداء انتهزوا هذه الفوضى وتقدموا في املاك الدولة العثمانية، واحتل البنادقة (دلماسيا ) وهي السواحل الشمالية لبحر الأدرياتيك وبعض المقاطعات في اليونان ، وتوالت الهزائم .

2 ــ عين الخليفة ( مصطفى بن محمد كوبريلي ) صدراً أعظم فسار على نهج أبيه وأخيه فحمى الأهالي من تصرفات الجند ، وأعطى الجند حقوقهم ، وسمح للنصارى في استانبول ببناء ما تهدم من كنائسهم فأحبه الناس حتى إن نصارى الموره ثاروا ضد البنادقة وطردوا جيشهم من بلادهم ، واتجه على رأس جيش إلى النمسا واستعاد منها بعض ما أخذته ، ودخل بلغراد سنة /1101 هـ / وأعيدت ترانسلفانيا إلى الدولة العثمانية ، وأخضع ثوار الصرب ، وبذلك عادت للدولة هيبتها وفتح الله فيهما الكثير على يديه واستشهد في معركة ( سلنكمن ) في عهد أحمد الثاني وفقدت الدولة بذلك أملاً عظيماً .

الصدور العظام في عهده أربعة ، أشهرهم مصطفى الكوبريلي المذكور آنفاً ( نفس المصدر السابق ص 244)

11 ــ أحمد الثاني بن إبراهيم الأول ( 1102 ـ 1106) :

أصغر من أخيه بشهرين فقط ، ولم يكن لسليمان أولاد فتولى الحكم من بعده ، وله من العمر خمسون سنة ، حكم أربع سنوات ، وكان القتال في أيامه القصيرة عبارة عن مناوشات ، واحتلت البندقية في عهده بعض جزر بحر إيجة
وكان عدد الصدور العظام في عهده خمسة .

12ــ مصطفى الثاني بن محمد الرابع (1106 ـ 1115):

تولى الخلافة في الثالثة والثلاثين من عمره ، وحكم تسع سنوات من / 1106 ـ 1115هـ وعزله الإنكشاريون .

من الأحداث الهامة في عهده :

1ـ كان شجاعاً قاد الجيوش بنفسه فسار إلى بولونيا وانتصر على أهلها في عدة معارك بمساعدة القوزاق المسلمين .

2ـ انطلق إلى مدينة آزوف التي يحاصرها القيصر الروسي بطرس الأكبر فأجبره على ترك الحصار سنة 1107 هـ وتوجه إلى المجر وهزم جيوشها أولاً ثم انهزم أمام الملك النمساوي الجديد (أوجين دي سافوا) وغرق كثير من المسلمين في نهر ( تيس ) ودخل الملك النمساوي بلاد البوسنة وقتل الصدر الأعظم محمد ألماس في نهاية سنة / 1108 هـ /

3ــ استغل بطرس الأكبر انشغال العثمانيين في قتال النمساويين ودخل آزوف عاصمة القوزاق .

4 ــ تولى حسين كوبريلي الصدارة فسار نحو النمسا فتقهقرت أمامه وتراجعت إلى الشمال الغربي إلى ما بعد نهر السافا .

5 ــ في الوقت نفسه انتصر الأسطول العثماني على البندقية واسترد بعض الجزر التي أخذتها في بحر إيجة .

6 ــ عقدت الدولة معاهدة عام / 1110هـ / مع دول الغرب مجتمعة خسرت فيها آزوف وأوكرانيا لروسيا ، وإقليم بودوليا وبعض المدن لألبانيا، وساحل دالماسية وبعض الجزر للبندقية وبلاد المجر وإقليم ترانسلفانيا للنمسا ... وسميت هذه المعاهدة الخاسرة ( معاهدة كارلوفتس ).

7 ــ لم تعد أية دولة تدفع الجزية للعثمانيين .

8 ــ بدأت الدول النصرانية تقف مجتمعة أمام الدولة العثمانية خوفاً من انتشار الإسلام .

ولي في عهده أربعة من الصدور العظام .

13 ــ أحمد الثالث بن محمد الرابع :

تولى الخلافة بعد أخيه مصطفى وهو في الثانية والثلاثين من عمره ، ودام حكمه ثمانية وعشرين سنة / 1115 هـ ــ 1143 هـ / حيث ثار عليه الإنكشاريون وعزلوه .

أهم الأحداث في عصره :

1ــ سار مع الإنكشاريين مدة وأعطاهم الأعطيات ووافقهم على قتل المفتي ( فيض الله ) حتى إذا تمكن منهم اقتص من قادتهم وعزل الصدر الأعظم ( أحمد نشانجي ) الذي فرضوه عليه .

شغل الناس بكثرة الصدور العظام الذين يعينهم ويعزلهم والأعداء يمكرون بالمسلمين

3ــ انتصر الصدر الأعظم ( محمد بلطه جي ) على القيصر ، لكن خليلة القيصر أغوته ففك الحصار ونجا الروس من الإبادة التي كانت تنتظرهم ، وتعهدوا بعدم التدخل بشؤون القوزاق وميناء آزوف على البحر الأسود .

4 ــ تخلت روسيا عن المعاهدة لكن الجيش العثماني وخانات القرم ضغطوا فكانت معاهدة أدرنة سنة / 1125 هـ / من جديد فتنازلت روسيا عن كل ما أخذته من سواحل البحر الأسود .

5 ــ انتصر العثمانيون على البنادقة وأخذوا منهم ما بقي في ايديهم من جزيرة كريت

6 ــ هزم النمساويون جيشين للعثمانيين ما بين سنتي / 1129 ــ 1130 هـ / وأخذوا بلغراد في معاهدة بساروفتس سنة /1130هـ / وجزءاً من الأفلاق ( بلغاريا ) وبقيت دلماسيا للبنادقة ، وأعيدت المورة في اليونان للعثمانيين .

7 ــ استغل الروس ضعف الدولة العثمانية وطلبوا منها السماح لحجاجهم الذهاب إلى القدس دون دفع شيء ، فوافق العثمانيون .

8 ــ ضعف الدولة الصفوية ، واقتسامها بين العثمانيين الذين أخذوا الكرج وبلاد أرمينيا على يد الصدر الأعظم ( إبراهيم باشا ) وبين روسيا التي أخذت داغستان وسواحل بحر الخزر الغربية ، وحدوث اصطدام بين الدولتين في تلك المنطقة دون قتال بسبب ضعف الدولة الروسية .

9 ــ انتفاضة الصفويين ضد العثمانيين وانهزامهم ودخول العثمانيين (تبريز) وهمدان ، ثم الصلح سنة / 1140 هـ / وموت الشاه أشرف .

10 ــ ( طهماسب ) خليفة الشاه أشرف يعلن الحرب على العثمانيين .

11 ــ عزوف الخليفة عن قتال الصفويين بسبب مقتل الصدر الأعظم وأمير البحر ، واستمرار الحرب إلى حين عزل الخليفة سنة /1143 هـ/، ووفاة الخليفة سنة / 1149 هـ / .

12 ــ دخول المطبعة في عهد أحمد الثالث وتأسيس دار الطباعة في استانبول بعد موافقة المفتي
(التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) محمود شاكر ص /145/) .

بلغ عدد الصدور العظام في عهده أربعة عشر كانوا هملاً ما عدا اثنين منهم هما : الخامس : علي جور ليلى ، والحادي عشر : علي باشا الشهيد (معجم الأنساب زمباور ص 255).

يتبع
 
لمحات من تاريخ الدولة العثمانية

مقتطعة من كتاب الشعر العربي في الفتوحات العثمانية من عهد السلطان سليم الأول إلى نهاية الدولة العثمانية للدكتور عثمان قدري مكانسي

القسم الأخير


14 ــ محمود الأول بن مصطفى الثاني (1143 ـ 1168) :

تولى الحكم بعد عمه المعزول ، وله من العمر خمسة وثلاثون عاماً ودام حكمه خمساً وعشرين سنة / 1143 هـ ــ 1168 هـ / .

حدث في عهده أمور أهمها :

1ــ كانت السلطة الحقيقية أول ماتولى الخلافة بيد زعيم الثورة (خليل بطرونا) الذي عزل الخليفة أحمد الثالث ، وفعل ما فعل ، ثم ثار الإنكشاريون عليه وقتلوه .

2 ــ هدأت الأحوال واتجه الخليفة إلى قتال الصفويين فتغلب عليهم وصالحوه سنة 1142 هـ وتخلوا للعثمانيين عن تبريز وهمدان وإقليم لورستان .

3 ــ لم يقبل والي طهماسب الصفوي ( نادر شاه ) عن هذه المعاهدة فخلع الشاه وولى مكانه ابنه عباساً وجعل نفسه وصياً عليه ، وانتصر على العثمانيين وحاصر بغداد ، واتفق معهم في مدينة تفليس على أن يردوا للفرس كل ما أخذوه منهم ، ثم نصب نفسه ملكاً على الفرس .

4 ــ اتفقت الدول الأوروبية على قتال العثمانيين بعد احتلال روسيا لبولونيا ولآزوف الواقعة على البحر الأسود واحتلت ( ياسي ) عاصمة إقليم البغدان ، وسرعان ما اتفق الفرس والعثمانيون وأوقفوا تقدم الروس ، وانسحبت النمسا من المعارك ، وتم ذلك في معاهد بلغراد سنة /1152 هـ/ حيث تخلت النمسا عن الصرب والأفلاق وتعهد الروس بعدم بناء سفن في البحر الأسود .

5 ــ اتفق العثمانيون مع السويد ضد الروس بجهود فرنسية سنة / 1153 هـ / .

6 ــ انتصر النمسويون على فرنسا سنة / 1153 هـ / .

7 ــ حكم الأفلاق والبغدان روم من استانبول فساموهم سوء المعاملة فاتجهوا إلى روسيا .

بلغ عدد الصدور العظام في عهد الخليفة محمود الأول ستة عشر صدراً (معجم الأنساب زمباور ص 246) .

15 ــ السلطان عثمان الثالث بن مصطفى (1168 ـ 1171) :

آل إليه الأمر وهو في الثامنة والخمسين ، وتوفي بعد ثلاث سنوات /1168 ــ 1171 هـ/ كان يهتم بأمر المسلمين ويعمل على الإصلاح .

وكان الصدور العظام على عهده أربعة ، حكم كل منهم شهرين ، عزل الأول والثاني وأعدِم الثالث أما الرابع فقد كان رجلاً صالحاً استمر في توليه الصدارة إلى عهد مصطفى الثالث (نفس المصدر السابق) .

وبوفاة الخليفة عثمان الثالث بن مصطفى ينتهي عصر الضعف للدولة العثمانية ليبدأ عصر أضعف وأشد سوءاً .

ومن الملاحظ في هذا العصر الذي امتد قرنين من الزمان أن غالبية الخلفاء لم يكونوا على الكفاءة المتوخاة وإن كان بعضهم قوي الشخصية مهيباً إلا أن الانحدار كان أقوى دفعاً فما من خليفة إلا سلم خَلَفه أقل مما أخذ من سلفه ، فما تزال الدولة في انكماش والاتساع إلى تقلص ، ومما ساعد على ذلك النظام الوراثي البعيد عن مبدأ الشورى في اختيار الأصلح، وانغماس العديد منهم في الترف والنعيم ، وترك الأمر لمن لاهم له إلا اغتنام الدنيا والعبُّ من مباهجها والتكالب على اصطفائها لنفسه وإرضاء نزوات رب نعمته فإذا ما حطت مصيبة تحمَّل مغبتها فعُزل أو أطيح برأسه ، وقد لاتدوم صدارته أشهرأ بله أياماً كما رأينا في الجداول الآنفة ، فإذا رزقت الأمة بصدور عظام كآل الكوبريلي ــ مثلاً ــ تنسمت الخير واستعادت هيبتها وقويت شوكتها ، لكنهم شامات في جبين آل عثمان قلَّ أن يجود الزمان بمثلهم.

ثالثها : عصر التراجع والانحطاط :

بدأ هذا العصر بعد الضعف الذي آلت إليه الدولة العثمانية ، وبعد النهضة التي نمت في بلاد الغرب ، واتفاق الغرب على حرب العثمانيين واقتسام بلادهم ، واتسم هذا العصر بسمات منها :

1ــ التحالف النصراني السافر أحياناً والخفي أحياناً أخرى .

2ــ ظهور بعض الخلفاء الأقوياء نسبياً ، إلا أن ضعف الدولة واجتماع أوروبة عليها لم يفد كثيراً .

3ــ اختفاء فكرة قتل الأخوة بعد محمد الثالث ــ تقريباً ــ والاستعاضة عن ذلك بحجزهم عن الناس .

4ــ بقاء أثر من السيطرة للعقلية العسكرية حيث يثور الجند على القائد فيقتلونه إن فشل في معركة أو يتمردون على الخليفة وصدره الأعظم فيعزلونهما أو يقتلون أحدهما .

5ــ القضاء على الإنكشاريين في عهد السلطان محمود الثاني وحل الجيوش النظامية محلهم .

6ــ ظهور الهزيمة النفسية أمام الأوروبيين متمثلة في استقدام مدربين منهم والافتخار بتقليدهم .

7 ــ ظهور القوميات التي مزقت الدولة وحلت محل الرابطة الدينية .

8 ــ ازدياد الأثر اليهودي في الدولة واستعانتهم بالنفوذ النصراني للوصول إلى إنهاء الخلافة تماماً .

9 ــ طول مدة الخلفاء نسبياً ، إذ حكم تسعة خلفاء منهم في أكثر من قرن ونصف من الزمان (التاريخ الإسلامي محمد شاكر ( العهد العثماني ) ص / 149 ــ 151 / بتصرف). والخلفاء هم كما يلي :

مصطفى الثالث ين محمد (16 سنة) 1171 ـ 1187 هـ (وفاة طبيعية)

عبد الحميد الأول بن أحمد (16 سنة) 1187 ـ 1203 هـ (وفاة طبيعية)

سليم الثالث بن مصطفى (19 سنة) 1203 ـ 1222 هـ (عُزل ومات بعد سنة)

مصطفى الرابع بن عبد الحميد (أشهر) 1222 ـ 1223 هـ (عُزل)

محمود الثاني بن عبد الحميد (32 سنة) 1223 ـ 1255 هـ (وفاة طبيعية)

عبد المجيد الأول بن محمود ( 22 سنة) 1255 ـ 1277 هـ (وفاة طبيعية)

عبد العزيز بن محمود (16 سنة) 1277 ـ 1293 هـ (قُتِلَ بعد العزل)

مراد الخامس بن عبد المجيد (3 أشهر) 1293 هـ

عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد (35) 1293 ـ 1328 هـ (عُزل ومات بعد 9 سنوات)

محمد الخامس بن عبد المجيد (9 سنوات) 1328 ـ 1347 هـ (وفاة طبيعية)

محمد السادس وحيد الدين (3 سنوات) 1347 ـ 1340 هـ (اعتزل)

عبد المجيد الثاني بن عبد العزيز (أشهر) 1340 ـ 1341 هـ (عُزل ومات في فرنسا)

* من الملاحظ أن مدة الحكم للخلفاء شهدت استقراراً في هذا العهد على الرغم من الضعف والتقهقر ، فبالمقارنة مع خلفاء عهد الضعف نجد أن خلفاء عهد التراجع والانحطاط حكم غالبيتهم مدة أطول وعاشوا مدة زمنية أكبر . لاشك أن الصراع على الحكم كان واضحاً إلا أنه بين الصدور العظام وقادة الجيش ، أما الخلفاء فقد تخلى أكثرهم عن دفة الحكم فعاشوا في مأمن من القتل ، وإن نال بعضهم نتيجة الصراع بين القوى المتنفذة ،عزل وإقصاء وربما قتل كما حدث لعبد العزيز بن محمود .

ولكثرة الأحداث التي جرت في هذا العهد وانتقصت الدولة جزءاً فجزءاً بحروب أو معاهدات متلاحقة فإنني ذاكر ــ إن شاء الله ــ أهمها والتي تفيدنا في بحثنا هذا باختصار .

أما روسيا فقد اشتد ساعدها وبدأت تخطط لابتلاع الولايات المحيطة بها بالحروب تارة والمعاهدات القسرية تارة أخرى ، حتى إنها سيطرت على معظم سواحل البحر الأسود وحاصرت العاصمة استانبول أكثر من مرة ، واحتلت القرم وضمتها إليها سنة / 1185 هـ/ وشجعت ولاة الشام ومصر على الانتقاض على العثمانيين ودعمتهم بالمال والسلاح ، واحتلت الأفلاق والبغدان وأثارت اليونان في جزيرة المورة اليونانية ودعمت النمسا فاحتلت بلاد الصرب .

أما فرنسا فكانت أحياناً تلبس لبوس الحمل الوديع وأحياناً تحرض النصارى في الدولة العثمانية وأحياناً أخرى تحتل البلاد العربية كما فعل نابليون حين احتل مصر ، وحين احتلت جيوشها المغرب العربي.
أما بريطانيا فكانت تشجع الروس أحياناً ضد العثمانيين وأحياناً تقف أمامهم خوفاً على مطامعها ، ثم احتلت مصر عام / 1882 / للميلاد ، وفصلتها عملياً عن الدولة العثمانية ، ودعمت حكام شبه الجزيرة العربية ليثوروا عليها ، ثم اقتسمت بلاد الشام مع فرنسا عام / 1922 / للميلاد والموافق / 1340 هـ / .

وسارعت ايطاليا إلى احتلال ليبيا واعتبارها جزء اً منها عام /1238 هـ ــ 1910 م

أما في تركيا بلد الخلافة فقد تأسست جمعية الاتحاد والترقي الماسونية في باريس / 1316 هـ / وهي الجناح العسكري لجمعية تركيا الفتاة ، وانضمت إليها جمعية الشبيبة العثمانية التي كانت قد تاسست في استانبول سنة / 1282 هـ / وتوغل اليهود في هذه الجمعية حتى كان شعار الماسونية شعارها وهو (حرية ، عدالة ، مساواة ) .

وحاول هرتزل زعيم المنظمة اليهودية إذ ذاك الحصول على وطن يهودي في فلسطين فطلب مساعدة روسيا التي وعدته بتهجير كثير من اليهود الموجودين فيها إلى فلسطين ، وعرض على بريطانيا إنشاء هذه الدولة لتساعدهم على الوصول إلى الهند إن تعذر ذلك عليهم وهم في مصر .

وعرض هرتزل على بعض رجالات العثمانيين ــ بعد أن اغراهم بالمال ــ أن يتوسطوا لدى السلطان عبد الحميد الثاني لمساعدته في إنشاء هذه الدولة فرفض السلطان ذلك ، وحاول هرتزل عن طريق الملك الألماني الذي زار استانبول سنة / 1315هـ ــ 1897 م / فصمم السلطان على الرفض (التاريخ الإسلامي ( العهد العثماني ) ص / 201 /) وقال :
(انصحوا الدكتور هرتزل بأن لا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لاأستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين .. فهي ليست ملك يميني بل ملك الأمة الإسلامية .. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه .. فليحتفظ اليهود بملايينهم وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن .. أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة ، وهذا أمر لايكون . إني لاأستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة . /استانبول1901 م/)(من فاتحة كتاب : صحوة الرجل المريض ، موفق بني المرجة).

ثم طلبوا إليه تأجير منطقة القدس تسعاً وتسعين سنة وعرضوا على خزينة الدولة العثمانية خمسين مليون ليرة انجليزية ولحساب السلطان خمسة ملايين ليرة فطردهم شر طردة فعملوا على خلعه ، وكان اليهودي العثماني قرَصُوْه من الأربعة الذين أبلغوه قرار الخلع وكان ذلك سنة 1328هـ .
( رفض السلطان مساعدة هرتزل المادية على الرغم من فراغ الخزينة العثمانية كما رفض مساعدة اليهود العثمانيين ضد الأرمن . من كتاب ( والدي السلطان ) لعائشة ابنة السلطان عبد الحميد ص / 26 / ، وكتاب ( مذكرات السلطان عبد الحميد ) تقديم وترجمة الدكتور محمد حرب ص / 203 /) .

وفي ظلِّ جمعية الاتحاد والترقي عمل كمال أتاتورك (1) على هدم الخلافة العثمانية مع العديد من أصحابه يؤيدهم في ذلك ويخطط لهم الدول الأوروبية وعلى رأسها بريطانيا ، هذه الدول التي احتلت بعد الحرب العالمية الأولى استانبول وفرضت الوصاية على الدولة العثمانية أولاً ثم طمس معالمها الإسلامية وإنهائها من الساحة ثانياً وكان ذلك سنة 1342 هـ الموافق 1924 م / وبذلك طويت آخر خلافة إسلامية حتى الآن حفظت البلاد الإسلامية ومن ضمنها البلاد العربية زهاء أربعة قرون ، ولاندعي أنها كانت خلافة راشدة ، بل كان فيها كثير من الأخطاء والتجاوزات .. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان حين سأله عن الخير في آخر الزمان هل يكون ؟ فقال : نعم وفيه دَخَن ( رواه البخاري في باب الفتن ج8 ص 93) .
إضاءة :

حين هلك مصطفى كمال أتاتورك في رمضان 1357هـ الموافق تشرين الثاني 1938 م بعد أن ظل رئيساً للجمهورية التركية خمسة عشر عاماً ، كانت البلاد العربية على الشكل التالي :

سوريا ولبنان والمغرب العربي : تحت الاحتلال الفرنسي .

الخليج العربي والعراق والأردن وفلسطين ومصر : تحت الاحتلال الإنجليزي .

الجزيرة العربية واليمن : تدينان للإنجليز دون أن يحتلوا أراضيهما .

ليبيا : تحت الاحتلال الإيطالي .

جزء من الساحل المغاربي : تحت الاحتلال الإسباني .

انتهت اللمحات بحمد الله ولمن أراد الإطلاع على الشعر وتكملة القراءة عليه العودة الى الكتاب

(1) ولد مصطفى كمال في سلانيقي سنة / 1298هـ / من سفاح تسمى بأمه زبيدة، ونسب إلى علي رضا أحد موظفي الدولة في سلانيقي ، درس في الكلية الحربية وتخرج منها سنة / 1322 هـ / ، كان غير منضبط السلوك ، منصرفاً إلى الخمرة والنساء ، على كره شديد للإسلام وعلى صلة وثيقة بالإنجليز وهم الذين رفعوه مستميتاً على الزعامة ، أعلن إسقاط الخلافة العثمانية سنة / 1341 هـ ــ 1924 م / وأصبح أول رئيس للجمهورية التركية وعاصمتها أنقرة ، جعل الأحد العطلة الرسمية للبلاد بدل الجمعة ، واتخذ الحرف اللاتيني بديلاً للحرف العربي في الكتابة فخسرت الأمة كنوزها العلمية والأدبية ، وانقطع الحاضر عن الماضي ، وانقطعت تركيا عن أخواتها البلاد الإسلامية ، وأمر بالأذان باللغة التركية ، وأعلن القومية الطورانية ، وجعل الدستور علمانياً مستمداً من الدستور السويسري ، ومنع الحجاب و..
من كتاب ( العهد العثماني ص / 228 / ، وكتاب التاريخ المعاصر ــ تركيا ــ ص / 52 ــ55 /للكاتب محمود شاكر .
 
النظام العالمي بين الدولة العثمانية وأحلام "كسينجر"

إحسان الفقيه

عن ترك بريس


"قادت أمريكا العالم في تشييد هيكل يفضي إلى استتباب السلام، ومع ذلك فها هو العقد الأول من القرن الجديد (الواحد والعشرين) يشهد تداعي هذا الهيكل الدولي تحت وطأة التهديدات الجديدة. الرئيس الأمريكي باراك أوباما

يأتي هذا التصريح للرئيس الأمريكي بفشل النظام العالمي الجديد الذي تقوده أمريكا، بعد مضي عقدين من نشأة هذا المصطلح الذي أعلن عنه جورج بوش الأب أثناء حرب الخليج، والذي هو في حقيقته إنهاء النظام القديم القائم على تعدد الأقطاب، وانفراد أمريكا بالهيمنة على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

الثعلب الأمريكي هنري كسينجر في كتابه الأخير عن النظام العالمي، يرى أن مفاهيم المجتمعات الغربية هي التي تحدد أطر البحث عن نظام عالمي جديد، ويرى أن مبدأ القطب الواحد لم يعد يصلح لإقامة هذا النظام العالمي، والذي يؤكد كسينجر على أنه سيقوم بالشراكة بين أمريكا والصين.

وبالرغم من الأمثلة التي ساقها كسينجر على فشل البشرية في الوصول إلى نظام عالمي، وأن كل حضارة من الحضارات السابقة قدمت نموذجها الخاص لهذا النظام، إلا أن التاريخ قد شهد نظاما عالميا فريدا قادته الدولة العثمانية.

يقول المؤرخ "يلماز أوزتونا" في مقدمة كتابه "تاريخ الدولة العثمانية": "أطلق المؤرخون المعاصرون على الأسلوب العثماني الذي حكم الشرق الأوسط لعدة قرون مصطلح pax ottomana، وهو يقابل pax romana، وهو التعبير اللاتيني لمفهوم النظام العالمي الذي يرد ذكره في دستور فاتح (قانون نامة)".

وقانون نامة هو الدستور الذي ينسب إلى السلطان محمد الفاتح، والذي أشرف عليه نخبة متخصصة من العلماء، ومصدره التشريع الإسلامي.

الدولة العثمانية بلا شك كانت أعظم الإمبراطوريات التي قامت على مدار التاريخ، يقول عنها المستشرق بابنجر "الإمبراطورية العثمانية هي إحدى أهم ظواهر التاريخ العالمي المذهلة جدا والخارقة للعادة".

ويقول المفكر الفرنسي الذي عاصر الدول العثمانية في مجدها "بان هيربين": "تفوق قدرة تركيا اليوم (يتحدث عام 1629) قدرة مجموع دول العالم أجمع".

غير أن هذه القدرة وذلك الاتساع لم يكن وحده ما يميز الإمبراطورية العثمانية لبناء نظام عالمي، وإنما قدرتها على استيعاب واحتواء قوميات وأيديولوجيات وعرقيات وأديان مختلفة، استطاعت صهرها في بوتقة واحدة، وفق نظام عام فكرته المركزية هي الإسلام.

يقول أوزتونا: "النظام العالمي العثماني لم يستهدف يوما إنكار كيان أي قومية مهما صغرت، ولم يعمل أو يفكر في محوها، بل على العكس من ذلك، كان نظاما حريصا على أن يجعل من هذه القوميات تحت مظلته قوى فاعلة ومشاركة في صنع السياسة والمدنية العثمانية".

الدولة العثمانية هي نموذج للحضارة الإسلامية العالمية، ولذلك تعرض تاريخها للتشويه المتعمد، وقام على كتابته الأوروبيون من الإنجليز والفرنسيين، وفُرضت الفكرة المزيفة عن الدولة العثمانية في المناهج التعليمية في الوطن العربي.

قام هذا النظام العالمي على الإسلام كفكرة مركزية كما سبق، وعلى فكرة أن الإسلام لم يأت لإلغاء الانتماء للجنس أو الوطن أو العرق، وإنما لتهذيب تلك الانتماءات، وتوظيفها، ودفعها في مسار نقي لسعادة البشرية وفق منهج رباني.

ثم يأتي الأخذ بأسباب القوة والحضارة كضلع ثالث في مثلث النظام العالمي الذي تمثله الدولة العثمانية بعد الفكرة المركزية واستيعاب الانتماءات المختلفة.

هذا النظام العالمي العثماني مستلهما لروح الدولة الإسلامية الأولى التي أقامها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعلى بناءها من خلفه من الصحابة ومن بعدهم.

ما أود قوله، أنه من المحال إقامة نظام عالمي بعيد عن الإسلام، الإسلام وحده هو الذي يمتلك مقومات هذا النظام، والذي كانت الدولة العثمانية أنموذجا له.
 
عودة
أعلى