بعد 15 عاماً من التجميد.. استِئناف جذب المصارف الأجنبية للسوق الجزائرية
عبد الحفيظ سجالصحفي من الجزائر
منذ 15 عامًا، وتحديدًا بعد التجميد الذي فرضه بنك الجزائر على منح الاعتمادات للبنوك الجديدة، تشهد السوق المصرفية في البلاد خطوة إيجابية تهدف إلى تحديث القطاع البنكي.
الخبير الاقتصادي سليمان ناصر لـ"الترا جزائر": البنوك العمومية تسيطر حالياً على 70 بالمئة من السوق المالية في الجزائر، لكن من المهمّ تحقيق نوع من التوازن وإتاحة الفرصة للمنافسة سواء من البنوك الخاصة أو الأجنبية
يُعدّ منح الاعتماد لبنك "زراعات" التركي مؤخرًا، بداية لاستئناف استقطاب المصارف الأجنبية إلى السوق الجزائرية، وتحرير القطاع المصرفي وتحفيز الاستثمار.
ويعتقد الخبراء أنّ الخطوة تعتبر إشارة لفتح المجال أمام مؤسسات مالية أخرى تساهم في تعزيز الحركية الاقتصادية وتمويل الاستثمارات، خاصة وأنّ التنويع وزيادة عدد المؤسسات المصرفية ضروريًا لدعم الأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها، في ظلّ الإصلاحات التي شهدها قطاع المالية بعد تعديل قانون القرض والنّقد في 2023.
خلفيات ومؤشّرات
بسبب الهزّات التي تعرّض لها القطاع البنكي في الجزائر مطلع الألفية الحالية، قرّر بنك الجزائر في عام 2008 تجميد منح اعتمادات البنوك مؤقتًا.
جاء هذا القرار في ظلّ القضايا المتعلّقة بالفساد التي مسّت المؤسسات المصرفية، مما أثار تخوفات البنك المركزي من حدوث هزات جديدة تؤثر على القطاع البنكي في الجزائر.
اتخاذ ذلك القرار جاء عقب الفضائح التي طالت بنك الخليفة والبنك التجاري الصناعي، بما فيها
واختلاس 3200 مليار سنتيم من البنك الوطني الجزائري، ممّا أثار تخوفات البنك المركزي من حدوث هزات جديدة قد تضرّ بالقطاع البنكي الجزائري.
وتزامن القرار أيضا مع عوامل أخرى أهمها الأزمة المالية العالمية التي ضربت قطاع المصارف في عدة دول، وبالخصوص في الولايات المتحدة سنة 2008.
واستمرّ هذا الوضع لسنوات، رغم أنّ قانون القرض والنّقد لعام 1990 كان ينصُّ على تحرير الاستثمار في القطاع المالي، بعدما كان محصُورًا في يد الحكومة خلال الفترة الاشتراكية.
وخلال 15 سنة كاملة لم يُمنح أي اعتماد لبنك عُمومي أو خاص، بالرغم من أنّ الحكومة رفعت التّجميد المؤقّت على مستوى بنك الجزائر في السنوات الأخيرة لأسباب وقائية، كما أوضح الدكتور سليمان ناصر، أستاذ الاقتصاد النقدي والبنكي بجامعة ورقلة.
وقال الدكتور سليمان ناصر في حديثه مع "الترا جزائر" إنّه "بعد تجميد منح الاعتمادات للبنوك من طرف بنك الجزائر منذ عام 2008، تم اعتماد بنك عمومي جديد هو البنك الوطني للإسكان في 2023، والذي بدأ عمله في 2024".
ومع استئناف لاعتماد البنوك الأجنبية، وصل عدد البنوك العاملة في البلاد إلى 21 بنكًا، منها 7 بنوك عمومية، 13 أجنبية، وبنك واحد مختلط بين عمومي وأجنبي.
وأضاف أنّ تجميد اعتماد البنوك كان في البداية قرارًا إراديًا، ولكن منذ عام 2017 وحتّى اليوم، كان الوضع ناتجًا عن عدم وجود طلبات لإنشاء مؤسسات مصرفية جديدة.
انطلاقة جديدة؟
بعد العثرات العديدة التي واجهها تطبيق قانون القرض والنقد لعام 1990، أصبح من الضروري تعديل التشريعات لتسهيل تأسيس البنوك في الجزائر. وقد تحقق ذلك من خلال صدور القانون رقم 23-09، المُتضمّن،
القانون النقدي والمصرفي.
ومنذ صدور هذا التشريع، قام بنك الجزائر بتحيين تنظيماته في علاقة بالإجراءات الخاصة بالتعاملات مع البنوك، من خلال إصدار مجموعة من القوانين التنظيمية، مثل النظام رقم 02-24 الصادر في 6 فبراير 2024، والمتعلق بالحد الأدنى لرأسمال البنوك والمؤسسات المالية العاملة في الجزائر، والنظام رقم 01-24 المؤرخ في 6 فبراير 2024، الذي يحدد شروط الترخيص بتأسيس بنك أو مؤسسة مالية واعتمادها.
كما حدّد هذا النّظام كيفية الترخيص بإنشاء بنك أو مؤسسة مالية،
وﻓﺘﺢ ﻓﺮع ﺑﻨﻚ وﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﺎﻟﻴﺔ أﺟنبية.
حسب الدكتور سليمان ناصر، فإنّ اعتماد بنك "زراعات" قد يكون حافزًا لاعتماد بنوك أخرى مستقبلاً، خاصة وأن السوق المصرفية في الجزائر لا تشهد فائضًا أو تشبعًا، حيث لا يتجاوز عدد البنوك الأجنبية 14 بنكًا حتى الآن.
وأشار إلى أن البنوك العمومية تسيطر حالياً على 70 بالمئة من السوق المالية في الجزائر، بينما من الضروري تحقيق نوع من التوازن لإتاحة فرصة حقيقية للمنافسة، بحيث يمكن للبنوك الخاصة أو الأجنبية أن تحصل على 40 أو 50 بالمئة من النشاط السوقي. ولفت إلى أن التشريع الجزائري لا يمنع ذلك بل يشجع على حرية الاستثمار في القطاع المصرفي.
وأوضح الخبير المصرفي أنّ فتح رأس مال القرض الشعبي وبنك التنمية الفلاحية خطوة مشجعة، لكنه كان يفضل أن تكون النسبة 50 بالمئة بدلاً من 30 بالمئة، للسماح بمساهمة رأس المال الخاص المحلي والأجنبي في تطوير الإدارة البنكية. وأكد على أهمية التخلص من العادات البيروقراطية التي ورثها القطاع عن الفترة الاشتراكية، مثل الإجراءات المعقدة والتأخير في معالجة القروض وعدم التوجه نحو التكنولوجيا المالية.
تنشيط ودعم
يُشكِّل القطاع المصرفي ركيزة أساسية في دعم الاستثمارات المحلية والأجنبية، حيث يُسهم وجود أرضية بنكية قوية في تشجيع الاستثمار من خلال القروض المقدمة وتنشيط التداولات المالية في البورصة.
فتح رأس مال القرض الشعبي وبنك التنمية الفلاحية خطوة مشجعة لكن كان يُفضّل أن تكون النسبة 50 بالمئة بدلاً من 30 بالمئة من أجل السماح بمساهمة رأس المال الخاص المحلي والأجنبي في تطوير الإدارة البنكية
يرى أستاذ الاقتصاد النقدي والبنكي بجامعة ورقلة أن إسهامات البنوك في هذا المجال قد زادت، خصوصًا مع ظهور البنوك الشاملة التي لم تعد تقتصر على قطاع معين كما كان في السابق. وأشار إلى أن بنك الفلاحة والتنمية الريفية، الذي تأسس بهدف الاختصاص في القطاع الفلاحي، أصبح اليوم يستثمر في مجالات أخرى خارج هذا المجال.
وهذا التوجّه يُتوقع أيضًا من بنك "زراعات" التركي، الذي لن يقتصر على القطاع الزراعي فقط، بل قد يمتدّ إلى قطاعات أخرى، خاصة في ظل التبادل التجاري المتزايد بين الجزائر وتركيا، مع العلم أن القانون الجزائري لا يمنع الشمولية في القطاع البنكي.
جذب الاستثمارات ..تحديات
تعتمد عملية جذب الاستثمارات في الجزائر على البنك المركزي وتطوير قوانينه لتسهيل دخول الاستثمارات وتحويل الأرباح، كما يقول الدكتور سليمان ناصر حيث تستغرق العمليات وقتًا أطول في البنوك الجزائرية مقارنة بالدول الأخرى.
وبالرغم من أنّ قانون الاستثمار يُتيح إدخال الأموال وتحويل الأرباح، إلا أن الإجراءات البنكية قد تُعيق ذلك، لذا فإنّ التشريعات بحاجة إلى تحسين من أجل المساعدة لتنشيط السوق المالية، مثل البورصة.