الديوانيات الكويتية ودورها واثرها السياسي
الديوانيات الكويتية

الديوانيات الكويتية اي التَّدوُّن في اللغة، الغنى التام؛ وكلمة ديوان فارسية معربة، بمعنى مجتمع الصحف أو السجل الذي يسجل فيه مجموعة من الناس أو الأشياء، وتجمع على دواوين. وفي حديث الثلاثة الذين خلفوا “وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ” (مسند أحمد، 25922). وقال صلى الله عليه وسلم: “الدَّوَاوِينُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلاثَةٌ دِيوَانٌ لا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لا يَتْرُكُ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا وَدِيوَانٌ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ…” (مسند أحمد، 24838). وأول من دون الدواوين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتطلق على المكان الذي ينظر فيه في أمور الدولة أو لفصل الدعاوى، فيقال الديوان الملكي، وديوان الأمير ونحوهما. ويقال ديوان لمجموعة قصائد شاعر من الشعراء. وكلمة Dewan باللغة الإنجليزية، تطلق على رئيس أو وزير أو رئيس وزراء، بينما Kiwanis رابطة للرجال مقرها أمريكا الشمالية تهدف إلى خدمة المجتمع.

ماهو الديوان أو الديوانية

والديوانية في نجد غرفة لاستقبال الرجال، ملحقة بالبيت، يستضيف فيها صاحب البيت الخاصة من الرجال. فهي تختلف عن المجلس الذي يكون عادة أكبر منها، ويستخدم لاستقبال الضيوف الغرباء والمناسبات الرسمية. لذا، فالديوانية عادة أقرب إلى داخل المنزل من المجلس، وفيها فرش (جلسة عربية) ومزودة بأدوات إعداد القهوة والشاي، وبها مكان لإيقاد النار (الوجار). وتصف أواني إعداد القهوة والشاي، التي يطلق عليها (المعاميل)، على رفوف خشبية تستند إلى الجدار الملاصق لمكان إيقاد النار (الوجار)، وتدعى هذه الرفوف (الكمار)، وتصف فوقها مجموعة من الدلال (أواني تقديم القهوة)، والأباريق الخاصة بتقديم الشاي. وتقدم القهوة للضيوف بعد تحضيرها في الدلّة، بأكواب صغيرة (فناجين) من الخزف الصيني ناصع البياض، الذي ربما يكون مزيناً بنقوش ذهبية. وقبل ذلك كانت تقدم بأكواب صغيرة من الفخار. وربما أطلق على غرفة الديوانية (القهوة) نسبة إلى أنها مكان إعداد القهوة وتقديمها.

عادات الضيافة فى الديوانية

ويجلس المضيف عادة، وهو صاحب المنزل، أو من ينوب عنه في الركن الخاص بجوار الوجار، ويتولى من مجلسه إعداد القهوة لضيوفه بنفسه، ويجلس الضيوف دونه من الجهتين. وتعد لحظات إعداد القهوة من أمتع اللحظات لصاحب المنزل وللضيوف، ويتخللها الكثير من الأحاديث الشيقة. ومتابعة القهوة وهي تعد بمراحلها المختلفة من تحميص (حمس) حبيبات القهوة على النار، ثم تبريدها، ريثما يغلي الماء، ثم سحقها إلى مسحوق خشن باستخدام “النجر” ، ثم غليها مع الماء قبل أن توضع في الدلة، وتغلى مرة أخرى مع الهيل والزعفران وغيرهما؛ تقطع الوقت، وتطرد عن الضيف الملل وطول الانتظار. ومن يؤذن لهم بالدخول إلى الديوانية عادة أشخاص تربطهم بصاحب المنزل صلات قوية، ويترددون على مجلسه كثيراً، فتكون الجلسة معهم مليئة بالأنس والسعادة خالية من التكلف.

وكلمة الديوانية رغم ما فيها من دفء وخصوصية بدأت تختفي من معجم المصطلحات العمرانية في قلب شبه الجزيرة العربية. إذ أنه مع النهضة العمرانية وتبني الأساليب الحديثة في التصميم والتخطيط والتنفيذ للمباني السكنية، تغيرت أسماء الكثير من أجزاء المنزل ومنها الديوانية. فقد اختفت الديوانية من مخططات المنازل في نجد، وربما حل محلها بيت الشعر البدوي، الذي صار يشيد بجانب مدخل الرجال، وفيه تجهيزات الديوانية نفسها، ويستخدم الاستخدام نفسه تقريباً إلا أنه لا يطلق عليه الاسم نفسه.

الديوانيات الكويتية

وجدت الديوانيات الكويتية ، التي انتقلت مع الأسر المهاجرة من قلب شبه الجزيرة العربية وقطاعها الشرقي إلى الكويت، صدى وعمقاً أكبر لدى المجتمع الكويتي. وربما كان لاعتماد البلاد على الغوص وتجارة اللؤلؤ أثر في ذلك. إذ يحتاج الناس لتحديد مكان يلتقون فيه للحديث عن المراكب القادمة والمغادرة، ومعرفة أخبار من غادر الكويت ومن قدم إليها من التجار براً أو بحراً، كما أن العائدين من رحلات الغوص بحاجة للجلوس مع أقاربهم وجيرانهم للاطمئنان على أحوالهم ومعرفة أخبارهم.

والكويت تصغير لكلمة كوت وهو اسم حصن صغير بناه زعيم بني خالد في الأحساء محمد بن عريعر في أواخر القرن الحادي عشر الهجري، على الشاطئ الشمالي الغربي للخليج العربي. كان ذلك الحصن الصغير نواة المدينة التي أخذت تنمو وتنشط حتى أصبحت مركزاً من مراكز الاستقرار والتجارة على الخليج العربي. وقد نقلت القبائل العربية المهاجرة من قلب شبه الجزيرة العربية وسواحلها الشرقية إلى الكويت معها الكثير من التقاليد والعادات ومنها الديوانية التي كان لها موقع خاص في المنزل الكويتي القديم، ولها أهمية خاصة لدى الكويتيين في العصر الحاضر.

صفة الديوانية في البيوت الكويتية القديمة لا تختلف كثيراً عن ما كان موجوداً في قلب شبه الجزيرة العربية ونطاقها الشرقي في الأحساء. فهي غرفة مخصصة للرجال تطل على الفناء الخاص بمدخل الرجال ومجهزة بأدوات إعداد القهوة إلا أنها لا توجد في كل المنازل بل اقتصر وجودها في الغالب على منازل أسر الموسرين والأسر الكبيرة. ويتصدر المجلس في الديوانية صاحبها أو كبير الأسرة الذي يكون مجلسه عادة بجوار مكان إعداد القهوة بينما يجلس الباقون على الجانبين ويتجاذبون أطراف الحديث الذي لا يحكمه إلا توجه صاحب المجلس وهيبته ونوعية الحضور وصلاتهم الاجتماعية.

لئن فقدت الديوانية اسمها وبقي دورها وتصميمها المعماري وأجزائها الداخلية في البيوت في نجد وشرق شبه الجزيرة العربية، فإن الديوانية في الكويت احتفظت باسمها ولكن مع تغير كبير في تصميمها وتجهيزاتها الداخلية. إذ أنه مع النهضة العمرانية الحديثة وامتداد الكويت وتوسعها وتغير الطراز المعماري للبيوت من المنازل الشعبية المتلاصقة إلى البيوت الواسعة بأفنيتها وحدائقها ومداخلها المتعددة؛ نقلت الأسرة الكويتية الديوانية معها إلى المنزل الجديد ولكن بشكل أكبر وأوسع بل ربما استقلت الديوانية عن المنزل تماماً بفنائها وملحقاتها. وقد اختفى مكان إعداد القهوة من صدر المجلس في الديوانية ووجد غرفة صغيرة ملحقة بالديوانية مجهزة بالأواني اللازمة لإعداد القهوة والشاي.

كما ألحق بها دورة مياه خاصة وربما ألحق بها مكتبة، وأصبح لجهاز التلفاز موقعه المميز في الديوانية. وأصبحت الديوانيات لا تعرف بأسماء الأشخاص بل بأسماء الأسر الكبيرة، وترمز إلى المكانة الاجتماعية للأسرة. وأصبح للكثير من الديوانيات مواعيد تفتح فيها أبوابها لاستقبال الرواد، وربما دعي الناس لمناقشة موضوع محدد سلفاً. ومن الديوانيات الكويتية ما يفتح أبوابه بعد صلاة الفجر و هذه غالباً لكبار السن، وغالبها يفتح أبوابه بعد صلاة العشاء. (انظر ملحق أسماء بعض الديوانيات القديمة).

لقد ازداد عدد الديوانيات في الكويت بشكل كبير وتنافس الناس أفراداً وأسراً وقبائل في افتتاح ديوانياتهم الخاصة وتنشيطها، كل في محيطه، ومجاله، وحسب قدراته، ونفوذه. وليس من المجاز القول بأن ما يدور في الديوانيات المختلفة يعكس الرأي العام الكويتي بقدر كبير من الدقة. ويمكن القول إن الديوانية أصبحت المحرك والمؤشر المرجعي للكثير من القرارات.

رغم أن النقاش في الديوانيات عموماً يتقلب من يوم لأخر تبعاً لأحداث الساعة واهتمامات المجتمع والحضور في الديوانية؛ إلا أن مستوى النقاش وأسلوب الطرح وتوجهاته يحكمه المستوى الثقافي للحضور وعلى رأسهم صاحب الديوانية. ومن الممكن تصنيف الديوانيات الكويتية إلى سبعة أصناف:

1. ديوانيات الاقتصاد والتجارة: وهذه الديوانيات روادها عادة من المفكرين الاقتصاديين ومن كبار التجار. ولأصحاب هذه الديوانيات وما يدور فيها من نقاشات تأثير كبير على الكثير من القرارات الصادرة من الحكومة أو من مجلس الأمة.

2. الديوانيات السياسية: وتناقش فيها القضايا السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً. وتختلف توجهات هذا النوع من الديوانيات تجاه الحكومة بين مؤيد ومعارض. وبعض هذه الديوانيات لأعضاء مجلس الأمة، وبعضها لأعضاء في الحكومة. وروادها غالباً من المفكرين السياسيين والمهتمين بالأمور السياسية.

3. ديوانيات الفكر والثقافة: وتطرح فيها قضايا علمية وفكرية وثقافية. وأصحابها غالباً من المفكرين والأدباء الذي يديرون الندوات ويقيمون المحاضرات ويستضيفون المحاضرين من الشخصيات الأدبية والفكرية المرموقة في ديوانياتهم. وهذه الديوانيات عادة تكون الدعوة لأنشطتها عامة ويكون نشاطها أسبوعياً.

4. الديوانيات الموالية أو المؤيدة للحكومة: ويقوم عليها بعض المحسوبين على الحكومة وتوجه نقاشاتها دائماً لتأييد القرار الحكومي وتبريره.

5. الديوانيات الكويتية  المختصة: وهذه الديوانيات تخصص لأصحاب حرفة معينة مثل صيادي الأسماك، وديوانيات شعراء النبط.

6. ديوانيات الرعيل الأول: والهدف منها إحياء التراث ورعاية كبار السن، وإيجاد متنفس مألوف لهم.

7. الديوانيات الترفيهية: وهذا الصنف من الديوانيات رواده غالباً من اليافعين الشباب، الذين يلتقون لتمضية الوقت والسمر. وقد تدور فيها نقاشات هامشية حول بعض الموضوعات العامة أو الشؤون الرياضية.

الأثر الاجتماعي للديوانيات الكويتية

الديوانية او الديوانيات الكويتية هي ظاهرة اجتماعية لها أثرها البالغ في صلات أفراد المجتمع ببعضهم. ولها أثرها في توجهاتهم الفكرية نحو الموضوعات الداخلة ضمن اهتمامهم والتي يأتي عليها النقاش في الديوانية. وربما نشأت الديوانيات وما شابهها من أماكن اللقاءات الدورية بين الأقارب والأصدقاء والجيران وازدادت أهميتها نتيجة لما تمثله من صلة رحم وصلة بالجيران، ونتيجة للروابط الأسرية القوية في المجتمع الخليجي.

فهي مكان لتفقد الأحوال وهي مكان للتنفيس وطرح الهموم وهي مكان للسمر والمرح وتجاذب أطراف الحديث وتبادل الأخبار والآراء. ولأن الديوانية مكان يتكرر اللقاء فيه بشكل مستمر بين مجموعة متآلفة من الناس بينهم روابط معينة تدفعهم للقاء، إما روابط قربى، أو صلة جوار، أو صداقة، أو غيرها؛ فإن الجلسة فيها تكون بعيدة عن الرسمية والتكلف والحديث يكون عفوياً وصريحاً وفي الغالب لا يكون هناك تخطيط مسبق لموضوع الحديث والنقاش. فأي فرد في الديوانية يمكن أن يتحين فرصة مناسبة خلال الجلسة ويطرح الموضوع الذي يريد إعلام الآخرين به، أو سماع آرائهم حوله.

ولا شك أنالديوانيات الكويتية أثر كبير في تقوية الروابط الاجتماعية وتمتينها بين مرتاديها. فكم زادت من فرص التقارب والتزاوج، وكم عولج فيها من المشكلات الأسرية والاجتماعية. وكم قلصت من فرص الجريمة في الأحياء، حيث يتقارب الجيران ويتعارفون ويعلمون مواعيد غيبة أحدهم وسفره وعودته؛ مما لا يدع مجالاً للغرباء لدخول الحي وسرقة المنازل أو المتاجر. وكم ساعدت الديوانية على شغل وقت الفراغ لدى الكثيرين من الشباب وربطتهم بخبرات من هم أكبر منهم سناً وحالت بينهم وبين مزالق الانحراف.

الديوانيات الكويتية
الديوانيات الكويتية

الأثر السياسي للديوانية في الكويت

لقد ظلت الديوانية طوال تاريخها مكاناً لمناقشة ما يهم المجتمع من أمور. من هذه الأمور ما قد يكون طارئاً فيفرض نفسه ليكون حديث الساعة مثل نشوب حرب أو حدوث كارثة أو وفاة عالم أو حاكم؛ ومنها ما قد يكون له صفة الاستمرارية مما يعنى به الناس من أمور دينهم أو معاشهم.

والديوانية التي تمسك بها المجتمع الكويتي الصغير منذ نشأته الأولى، حول قلعة الكوت، لم تكن بمعزل في يوم من الأيام عن ما يهم ذلك المجتمع من أمور سياسية محلية أو عالمية. وقد ساعد غياب الأحزاب السياسية الرسمية أن تصبح الديوانية، وهي المؤسسة التقليدية التي تلتقي فيها فئات المجتمع دون أن تكون لها صفة رسمية، هي ميدان العمل السياسي. وربما ازداد الأثر السياسي للديوانية وأصبح أكثر وضوحاً خلال الأزمات السياسية وإن كانت بعض الديوانيات تحافظ على توجهها السياسي تحت كل الظروف. بل ذهب بعض الباحثين إلى أبعد من ذلك حين قال إن الديوانية تمثل برلماناً ولكن دون التمتع بشرعية البرلمانات الرسمية بالطبع.

ولأن الديوانيات تمثل جميع قطاعات المجتمع الكويتي؛ فيلتقي فيها الشباب، والكهول، والكبار؛ كما يلتقي فيها التجار، والساسة، والصناع، والصيادون، والفقراء؛ توجد في الكويت الكثير من الديوانيات ذات النشاطات المختلفة وكل يتوجه للديوانية التي يجد فيها رفقته ومن يأنس بهم ويناقش معهم ما يهمه من أمور.

والنشاط السياسي في الديوانيات الكويتية شكل من أشكال المشاركة السياسية، وهي التي يقوم فيها بعض الأفراد أو الجماعات بمحاولة التأثير على القرارات السياسية وتوجهات الرأي العام نحوها. وقد يكون هذا النشاط مؤيداً للنظام أو معارضاً له. وفي الديوانيات الكويتية يوجد الاثنان معاً، فهناك ديوانيات مؤيدة للحكومة وهي عادة ديوانيات كبار موظفي الحكومة ووزرائها، وغيرهم من التجار والوجهاء الذين يوجهون النقاش في ديوانياتهم لتوعية الحضور بمبررات بعض القرارات والمواقف السياسية للحكومة.

وبالمقابل هناك ديوانيات بعض الناشطين السياسيين وبعض أعضاء مجلس الأمة ممن اتخذوا من ديوانياتهم منابر للتوجيه السياسي المعارض والتوعية السياسية بأهمية المشاركة في القرارات المصيرية.

ولإن كان النقاش السياسي في الماضي محصوراً في عدد محدود من الديوانيات في المناطق الحضرية التي يقوم عليها بعض الأعيان والنشطون السياسيون أو ما يطلق عليه ديوانيات النخبة؛ فإن جميع الديوانيات في الكويت يدور فيها نقاش سياسي من وقت لآخر، بدرجات متفاوتة، يؤثر على الرأي العام ودرجة الوعي السياسي، خاصة في أوقات الانتخابات البرلمانية، إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن حوالي 64% من مرتادي الديوانيات تأثر توجههم الانتخابي عن طريق العلاقات الشخصية داخل الديوانية.

كما توصل بعض الباحثين إلى أن الإقبال على الديوانيات المهتمة بالشؤون السياسية سواء المعارضة للحكومة أو ديوانيات أصحاب النفوذ والمراكز السياسية في الدولة تلاقي إقبالاً أكثر من الديوانيات التي يقتصر اللقاء فيها على السمر والجوانب الترفيهية. ولكن الديوانيات، بلا شك تتفاوت فيما بينها بشكل كبير في درجة تأثيرها على القرار السياسي في البلاد تبعاً لقوة أصحابها ودرجة نشاطهم ونفوذهم.

ويمكن القول إن الوظيفة السياسية للديوانية الكويتية كانت ملازمة لها طوال تاريخها منذ نشوء الكويت وإبان وقوعها تحت الحكم البريطاني وبعد الاستقلال وحتى أثناء الاحتلال العراقي. وقد ساهمت الديوانيات في الكويت في عملية المشاركة السياسية وخاصة الديوانيات ذات التوجه السياسي والديوانيات الثقافية التي يدعى إليها بعض المفكرين لإلقاء محاضرات عامة. وكانت مساهمة الديوانية الكويتية في المجال السياسي وأثرها على نماذج المشاركة السياسية واضحة بشكل أكبر أثناء الأزمات السياسية وأثناء غياب مجلس الأمة وخلال الانتخابات. وتعرض فيما يلي لنماذج من موجات المد السياسي للديوانيات الكويتية في مراحلها المختلفة.

في عام 1938 والكويت خاضعة للحكم البريطاني، أذن الشيخ أحمد الجابر الصباح بتشكيل مجلس تشريعي للبلاد، استجابة لرغبة بعض الأعيان والتجار. وقد شكلت لجنة لهذا الغرض، وعقدت هذه اللجنة اجتماعاتها في ديوانية يوسف المرزوق. ولا يمكن أن نتوقع، والحالة هذه، أن تكون الديوانيات الأخرى بمعزل عن ما يدور في البلاد من أخبار الترشيحات والمهام والإنجازات المنتظرة من المجلس التشريعي الجديد.

كان دخول أجهزة الراديو إلى البلاد، وقيام الحرب العالمية الثانية؛ إيذاناً بدخول الديوانية مرحلة جديدة وإعطاء جلستها أهمية كبيرة لدى أفراد المجتمع. فجهاز الراديو لم يكن متاحاً للجميع في ذلك الوقت، بل اقتصر اقتناؤه على التجار وميسوري الحال وهم في الغالب أصحاب الديوانيات والقائمين عليها.

فأصبح التوجه للديوانية لسماع الأخبار ومتابعة مستجدات الحرب ومناقشتها والتعليق عليها مع الأقران، من الأمور الملحة التي تشد الكثير من أبناء الحي والأقارب للحضور إلى الديوانية كل مساء. وطغت النقاشات السياسية المرتبطة بالحرب على الديوانيات التي انقسم روادها بين مؤيد للحلفاء بما فيهم بريطانيا التي كانت تستعمر البلاد؛ ومؤيد لألمانيا ودول المحور.

كان إعلان استقلال البلاد سنة 1961 وما تبعه من أحداث من الموضوعات التي فرضت نفسها على مجالس الديوانيات آنذاك. ففي التاسع عشر من شهر يونيه سنة 1961 أعلن في الكويت عن إلغاء معاهدة الحماية المعقودة بين بريطانيا والكويت سنة 1899 واستبدالها بمعاهدة صداقة وتحولت الكويت بموجب ذلك إلى دولة مستقلة. ولا يمكن أن يمر حدث كهذا إلا ويفرض نفسه في مجال الديوانيات ويدور الحديث حول مستقبل البلاد، وما ستشهده من متغيرات.

بعد ستة أيام فقط من إعلان الاستقلال ادعى العراق على لسان رئيسه آنذاك عبدالكريم قاسم ولايته على الكويت؛ فحرك الشيخ عبدالله السالم أمير الكويت جيش الكويت الصغير تحسباً لهجوم عراقي. في الثلاثين من الشهر نفسه تقدمت الكويت بطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة.

وفي نفس اليوم طلبت المساعدة من بريطانيا ومن المملكة العربية السعودية ضد هجوم عراقي محتمل على أراضي الكويت الغنية بالنفط، والتي كان دخلها اليومي يتجاوز مليون دولار أمريكي من النفط. وبدأت القوات البريطانية بالوصول إلى الكويت من القواعد البريطانية في البحرين وعدن وقبرص وغيرها. وبناءً على طلب من الكويت عرضت بريطانيا الأمر أمام مجلس الأمن في الثاني من يوليه؛ إلا أن النقاش انتهى بفيتو روسي ضد المشروع البريطاني المطالب بدعم استقلال الكويت.

بعد انضمام الكويت إلى جامعة الدول العربية، في العشرين من شهر يوليه سنة 1961 وافقت جامعة الدول العربية على إرسال بعثات من الجيوش العربية لتحل محل الجيش البريطاني في الكويت طالما استمر التهديد العراقي. ساهمت المملكة العربية السعودية بحوالي 1200 من الجيش إلى جانب بعثات أقل من السودان والأردن وتونس ومن الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا).

هذه الأحداث المتلاحقة والهامة في تاريخ الكويت لا يمكن أن يتصور مرورها دون أن تفرض نفسها على النقاش في مجالس الكويتيين وديوانياتهم. وظلت الديوانيات مكاناً لتبادل الآراء وتهذيب الأفكار بين مرتاديها.

في شهر أغسطس من السنة نفسها، ورغبة في تثبيت أركان الدولة المستقلة الفتية، وللرد على حملة الانتقادات الموجهة لنظام الحكم، وربما بضغط من بريطانيا التي لا تريد أن تظهر أمام العالم حامية لأنظمة غير ديموقراطية صدر قانون بإنشاء مجلس تشريعي للبلاد وقسمت البلاد إلى مناطق انتخابية. وكان من نتيجة ذلك زيادة التقارب بين القيادة والشعب خاصة في ظل وجود بعثات لجيوش عدة في البلاد. ذلك المجلس تطور عنه مجلس الأمة من سنة 1963 حتى اليوم.

مما لا شك فيه أنه أثناء انتخابات المجلس التشريعي ومجلس الأمة الأول أسهمت النقاشات الدائرة في الديوانيات الكويتية بإثراء الوعي السياسي والتفاف الناس حول أعيانهم ومفكريهم. إذ تذكر المصادر أن معظم أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين كانوا أصحاب ديوانيات.

ومما يدل على عمق وقوة أثر الديوانية في التركيبة الاجتماعية الكويتية أن القانون رقم 65 الصادر سنة 1979 بعد حل مجلس الأمة سنة 1976 والقاضي بمنع تجمع الأفراد في الأماكن العامة دون إذن قد استثنى في المادة الثالثة منه الديوانية باعتبارها عرفاً اجتماعياً لازماً ومتأصلاً في عادات الناس. وقد أعطى ذلك الاستثناء للديوانية دفعة سياسية قوية لأنها باتت المتنفس الوحيد لأفراد الشعب للاجتماع وتجاذب أطراف الحديث، بل والضغط على الحكومة لإعادة الحياة النيابية إلى البلاد.

ولازالت الديوانية إلى اليوم تؤدي دوراً سياسياً بارزاً في الانتخابات والأنشطة السياسية الأخرى. بل إن البعض ينظر إليها لاستطلاع رأي الشعب حول أي قضية من القضايا على أنها مخبار أو مجس لمعرفة توجهات الرأي العام. كما يرى بعض الباحثين أن الديوانية تمثل جانباً سلبياً في العملية الديموقراطية في البلاد حيث تكرس فكرة الانتخابات الفرعية القائمة على الروابط الأسرية والقبلية والتي تجري قبل الانتخابات العامة.

وقد أدركت الحكومة كما أدرك المرشحون والناشطون الاجتماعيون والسياسيون في المجتمع الكويتي ما للديوانية من أثر وأهمية في حياة هذا المجتمع الصغير. فهي من أبلغ الطرق وأقصرها للوصول إلى قلوب الناس. فعلاوة على الوزن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الكبير للقائمين على هذه الديوانيات؛ فإنه يرتادها الداني والقاصي والمتعلم والأمي. كما يطرح النقاش فيها بأسلوب مفهوم للجميع ومحبب إلى قلوبهم لدرجة أن الديوانيات نافست الصحافة بشكل كبير. وذلك لأن قراء الصحف من المثقفين فقط، بينما ترتاد الديوانيات جميع الفئات.

ويركز المرشحون وأعضاء مجلس الأمة على الانطلاق من الديوانيات لإبداء وجهات نظرهم وتبرير مواقفهم. وقد ساعد صغر المجتمع الكويتي على أن تعتمد الحملات الانتخابية على اللقاء المباشر مع الناخبين في ديوانياتهم[1]. وإذا كان المرشح نفسه من أصحاب الديوانيات؛ تحولت تلك الديوانية إلى منبر انتخابي لإقناع المؤثرين وأصحاب النفوذ من مرتادي ديوانيته بمؤازرته.

وعندما حلت الحكومة مجلس الأمة الكويتي عام 1986، توجه الناشطون السياسيون في المجتمع الكويتي إلى مناقشة الحكومة، في محاولة منهم لإعادة الحياة النيابية، عن طريق اللقاء مع سمو أمير البلاد، وعن طريق الخطابات والرسائل الموجهة إليه بهذا الشأن. ولما أعيتهم الحيلة لجأوا إلى مخاطبة أفراد المجتمع، وتوضيح وجهة نظرهم للناس من خلال الديوانيات. وبدأت سلسلة من اللقاءات الدورية الأسبوعية في عدد من الديوانيات، وكانت اللقاءات تعقد في الديوانيات مساء الاثنين من كل أسبوع.

كان اللقاء الأول في ديوانية النائب جاسم القطامي. تلاه اللقاء الثاني بعد أسبوع في ديوانية النائب مشاري العنجري. وثم اللقاء الثالث في ديوانية النائب محمد المرشد. وكان عدد الحضور يتزايد في كل مرة ولاقت هذه اللقاءات والأنشطة إقبالاً كبيراً. كان اللقاء الرابع في ديوانية النائب أحمد الشريعان وقد تدخلت قوات الشرطة وأوقف صاحب الديوانية لمخالفته قانون التجمعات.

كان اللقاء الخامس في ديوانية النائب فيصل الصانع. ودعي إلى الاجتماع السادس في ديوانية النائب عباس مناور. وشكلت هذه اللقاءات ضغطاً على الحكومة، حتى منعت الحكومة هذه اللقاءات، ودعت إلى الحوار الذي قاد في النهاية إلى إنشاء المجلس الوطني، الذي أعقب جلسته الأولى بشهر واحد فقط، الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، فتوقفت نشاطاته، حتى دعي للانعقاد مرة أخرى بعد التحرير.

حافظت الديوانية على أثرها الاجتماعي والسياسي في المجتمع الكويتي، بشكل متوازن، وإن كان يطغى أحدهما على الآخر، في مرحلة من المراحل، تبعاً لأحداث الساعة، وتبعاً لنوعية مجتمع الديوانية، وتوجهات القائمين عليها، فإن كان صاحب الديوانية فقيهاً أو عالماً جلب إليها الفقهاء والعلماء والمهتمين بهذه الجوانب، وغلبت هذه الجوانب على الحوار داخل الديوانية.

وإن كان صاحب الديوانية من التجار كان معظم جلسائه منهم وانساق الحديث بالطبع إلى التجارة والاقتصاد. وإن كان صاحب الديوانية أديباً كان النقاش كذلك، وإن كان سياسياً أو وزيراً أو برلمانياً كان النقاش حول السياسة والأمور والأحداث السياسية المحلية والعالمية. إلا أن الديوانيات عموماً يطغى على نقاشاتها التوجه السياسي في أوقات الانتخابات أو الأزمات السياسية التي تمر بها البلاد، في ظل عدم وجود أحزاب سياسية في الكويت. ثم لا يلبث الدور الاجتماعي للديوانية الذي لا ينقطع إلى أن يكون الأكثر أثراً.

الديوانيات الكويتية حديثا
الديوانيات الكويتية حديثا

أسماء بعض الديوانيات الكويتية القديمة

ربما كانت ديوانية خلف باشا النقيب، من أهم الديوانيات القديمة في وسط الحي القبلي. وكان أمراء الكويت يرتادون هذه الديوانية منذ الشيخ محمد الصباح حتى عهد الشيخ أحمد الجابر. وبلغ من أهمية هذه الديوانية أن صاحبها حاول القيام بالوساطة بين الشيخ مبارك الصباح وأخويه محمد وجراح حينما استحكم بينهم العداء.

كانت أول ديوانية في منطقة القبلة هي ديوانية عبدالله ومبارك الساير.

وكانت أول ديوانية في منطقة الشرق ديوانية شاهين الغانم

وهذه قائمة ببعض الديوانيات القديمة:

ديوانيات في منطقة القبلة المطلة على الساحل:

1. ديوانية عبدالله ومبارك الساير.

2. ديوانية أحمد عبدالمحسن الخرافي.

3. ديوانية سيد حامد بك النقيب.

4. ديوانية عبداللطيف سليمان العثمان.

5. ديوانية على مبارك المبارك.

6. ديوانية سعود الرشيدي.

7. ديوانية غانم علي العثمان.

8. ديوانية محمد وثنيان ثنيان الغانم.

9. ديوانية عبدالعزيز العثمان.

10. ديوانية يوسف بن صقر الصقر.

11. ديوانية حمد العبدالله الصقر.

12. ديوانية عبدالرحمن محمد البحر.

13. ديوانية ناصر البدر.

14. ديوانية مساعد البدر.

15. ديوانية عبدالله السميط.

16. ديوانية فهد الفوزان.

17. ديوانية حمد الخالد الخضير.

أما الديوانيات التي في منطقة القبلة، ولا تطل على الساحل، نذكر منها على سبيل المثال:

1. ديوانية الصبيح.

2. ديوانية السديراوي.

3. ديوانية المديرس.

4. ديوانية سيد ياسين.

5. ديوانية عبدالعزيز عبد المحسن الراشد.

6. ديوانية فليج العلي الفليج.

7. ديوانية يوسف عبدالوهاب العدساني.

8. ديوانية سليمان الرندي.

الديوانية الكويتية حديثا
الديوانية الكويتية حديثا

أما الديوانيات التي تلي القبلة من ناحية البر في حي الصالحية فنذكر منها على سبيل المثال:

1. ديوانية أحمد الغيث.

2. ديوانية مطلق بن زايد.

3. ديوانية إبراهيم محمد الجسار.

4. ديوانية عبدالعزيز الزامل.

5. ديوانية مشاري عبدالعزيز المشاري.

أما الديوانيات التي في الحي الشرقي من قرب قصر السيف فهي:

1. ديوانية شاهين الغانم وأولاده.

2. ديوانية ماتقي.

3. ديوانية الشيخ سلمان وسالم الحمود الصباح.

1. ديوانية علي بن الخليفة الصباح.

2. ديوانية عبدالعزيز الشيخ صباح الناصر الصباح.

3. ديوانية آل معرفي.

4. ديوانية دعيج بن فهد.

5. ديوانية عبداللطيف الخميس.

6. ديوانية سالم بن علي بوقماز.

7. ديوانية شملان بن علي آل سيف.

8. ديوانية بشر بن يوسف آل رومي.

9. ديوانية راشد وجاسم الحساوي.

10. ديوانية عبدالرحمن العسعوسي.

11. ديوانية أحمد اليوسف النصف واخوانه.

12. ديوانية علي بن حمد بن فضالة.

13. ديوانية ناصر النجدي.

14. ديوانية مشاري الروضان.

15. ديوانية أحمد المناعي.

16. ديوانية جاسم محمد العماني.

17. ديوانية سعود المضف.

18. ديوانية علي بونيان.

19. ديوانية راشد بورسلي.

20. ديوانية جاسم الغانم.

21. ديوانية أحمد القضيبي.

22. ديوانية عبدالله بن غيث.

23. ديوانية السيد هاشم النقيب.

24. ديوانية حسين بن علي آل سيف.

25. ديوانية الشيخ صباح بن صباح.

26. ديوانية الشيخ فهد السالم الصباح.

27. ديوانية صقر الغانم.

28. ديوانية ملا صالح بن محمد الملا.

29. ديوانية أحمد محمد الغانم وأولاده.

30. ديوانية الشيخ عبدالله الجابر الصباح.

31. ديوانية العبدالرزاق وهي لا تطل على الساحل.

ما الديوانيات التي تلي منطقة الشرق من ناحية البر في حي المرقاب فنذكر منها على سبيل المثال:

1. ديوانية الحمود الشايع.

2. ديوانية الوزان.

3. ديوانية المطلق العصيمي.

4. ديوانية القصمة.