الوحدة اليمنية والحرب الأهلية (1994)
الوحدة اليمنية

الوحدة اليمنية لليمن حيث إن التاريخ القديم والحديث لدولة اليمن، غني بكثير من الأحداث التاريخية المهمة، التي تستحق أن نتوقف عندها، لنتأمل حقائقها بالدراسة العميقة المتأنية.

وباستعراض التاريخ القديم لدولة اليمن قبل الإسلام، نجد أنه لم تكن هناك دولة موحدة، بل تعددت الممالك والدول، وحدثت صراعات دامية وحروب طاحنة بينهما. كما تعرضت لغزوات أتت من العراق، وبلاد فارس، وشرق أفريقيا، واليونان، والرومان، ومن داخل الجزيرة العربية نفسها. وقد أحدثت هذه الغزوات والحملات العسكرية، بالغ الأثر في الاقتصاد اليمني، وأعاقت تطوره، وأدت إلى صراعات داخلية، بين فئات الشعب اليمني. وفي هذه الحقبة التاريخية، كانت هناك دول في الشمال، وأخرى في الجنوب، وكانت هناك محاولات لإقامة تحالفات شبيهه بالاتحاد، وكان هدفها، مطامع السيطرة على مناطق أخرى وتقاسمها، ولذلك انتهت هذه المحاولات بالفشل، بعد أن دبت الخلافات بين هذه الدول، على اقتسام الغنائم.

ولذلك نجد أن كل الدول والحكومات التي حكمت اليمن، لا تزيد عن كونها سلطة مركزية، حكمت المناطق التي استطاعت إخضاعها، والسيطرة عليها بالقوة العسكرية المسلحة، وإن كانت ثمة طموحات دائمة لدى الأطراف اليمنية، في إيجاد سلطة مركزية واحدة تحكم البلاد وتوحدها، ولكن هذه الطموحات، كانت تواجهها الكثير من المصاعب، والخلافات القبلية، إضافة إلى تدخل عدد من العوامل الخارجية، التي عرقلت مسيرة التطور التاريخي للشعب اليمني نحو الوحدة، وأعاقته لفترة زمنية طويلة.

ومن خلال تتبع التطور التاريخي للحياة السياسية، والاجتماعية، وواقع الأحداث، التي مرت بها اليمن، في عصر الخلافة الإسلامية، وأثناء الاحتلال العثماني في الشمال، والاستعمار البريطاني في الجنوب، لم تعرف اليمن نظام الدولة الموحدة، وإن كانت هناك محاولات جادة لتوحيد شطري اليمن، مرة بالسعي للوحدة اليمنية عن طريق التحالفات بين التنظيمات القائمة، ومرات بالسعي لفرض الوحدة بالقوة المسلحة، خاصة في عهد “عامر بن عبد الوهاب”، وعهد الإمام “يحيى حميد الدين”، وغيرها من المحاولات، التي لم يكتب لها النجاح.

وقد كانت الوحدة اليمنية هدفاً نبيلاً سعى الشطران لتحقيقه، وأصبحت الوحدة هاجس كافة أبناء الشعب اليمني في الشطرين. وعلى الرغم من صياغة دستور دولة الوحدة عام 1981، إلا أن ذلك لم يدفع إلى بلورة التكامل المنشود، نحو إيجاد صيغة اقتصادية وسياسية واجتماعية موحدة.

ففي عام 1990، أُعْلِنَتْ الوحدة بين شطري اليمن، وكانت أشبه بالصفقة التجارية، حيث عقدت بين شخصين يمثلان حزبين، وصفها السياسيون بأنها ذروة الارتجال الفردي، حيث انفرد “علي سالم البيض” و”علي عبدالله صالح” باتخاذ قرار الوحدة، ولم تشارك الهيئات السياسية في اتخاذ القرار، بل لم يشارك فيه أي من الأحزاب، وإنما كان إجراء اتخذه زعيما الحزبين. وتفاعلت الأحداث من هذه النقطة، وهذا قلل من الشكل الدستوري، والشرعي، والقانوني للدولة الجديدة.

كما كان له تأثيره في الصدى النفسي لدى الرأي العام، وبين أفراد الشعب اليمني. وخلال الفترة الانتقالية، برزت الكثير من المشاكل، التي ما لبثت أن تطورت إلى خلافات، وتدهور الوضع الاقتصادي، وانتشر الفساد الإداري، ثم جاءت الانتخابات وفاز الحزب الاشتراكي في الجنوب، بينما فاز حزبي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح في الشمال، وثمة مقولة شهيرة في اليمن تقول: إن اليمن الجنوبية أرض بلا شعب، وإن اليمن الشّمالي شعب بلا أرض، وهنا حدث خلل في توازن الدولة، وبرز هذا الخلل في التعديل الدستوري، الذي أقره مجلس النواب في دولة الوحدة، في 5 أغسطس عام 1993. فالتعديلات الدستورية تجاوزت كل ما أتفق عليه، في اتفاق التنسيق نحو الدمج، الذي وقعه كل من: “على عبدالله صالح”، و”علي سالم البيض”. وكانت الصفقة الجديدة، بين حزب المؤتمر الشعبي العام، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وهما حليفان دائمان بحكم النشأة والتكوين، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الخلافات، وبدأت تتسم بطابع دموي.

كان الجيش إحدى المؤسسات المهمة في دولة الوحدة، والتي لم يتم دمجها، وإنما اكتُفي بنشر عدد ثلاث فرق شمالية في الجنوب، ونشر عدد ثلاثة ألوية جنوبية في الشمال، واستطاعت الفرق الشمالية في الجنوب، أن تتحرك وتناور عندما بدأت الاشتباكات، نظراً لطبيعة المناطق التي تتمركز بها، بينما حوصرت الألوية الجنوبية في الشمال بين مناطق جبلية، وإقطاعيات قبلية، تصعب المناورة فيها، أو الوصول إليها، وإمدادها، وبالتالي قطعت طرق إمدادها بالمؤن والذخائر، وتركت لتواجه مصيرها المحتوم.

ومع بدء القتال، دخلت الوحدة اليمنية منعطفاً حاداً وخطيراً، واشتعلت الحرب الأهلية، لتكون حرباً شاملة، براً وبحراً وجواً، ليعم الدمار الشطرين الشقيقين، وازدادت ضراوة الحرب بعد إعلان الشطر الجنوبي انفصاله، في يوم 21 مايو 1994، تحت اسم “جمهورية اليمن الديموقراطية”. وزادت حدة القتال، وكثّف الشماليون من هجماتهم على المحاور المختلفة، تجاه عدن العاصمة السياسية لليمن الجنوبية، وتم حصارها.

ولم تهدأ طبول الحرب، إلاّ بعد سقوط عدن، في 7 يوليه 1994، وتم إعادة فرض الوحدة مرة أخرى بين الشطرين الشقيقين بالقوة الجبرية، بعد أن تركت الحرب آثاراً اقتصادية مدمرة، تثقل كاهل البلاد. وقدرت الخسائر المادية بمليارات الدولارات، إضافة إلى الخسائر البشرية، والمعنوية، التي أوغلت في صدور الشعب اليمني.

الوحدة اليمنية
الوحدة اليمنية

الوحدة اليمنية “إنجازها، وتداعياتها”

عام:

لعل قضية الوحدة وكيفية تحقيقها، وإنهاء حالة التشطير، والتجزئة، التي ورثها الشعب اليمني، من حكم الإمامة في الشمال، وحكم الاستعمار في الجنوب، كانت في مقدمة الهموم الوطنية للشعب اليمني في الشطرين.

وإيماناً بأن قوة اليمن وعزته تتركز في وحدة شطري اليمن، جرت محاولات عديدة، بعد استقلال الشطر الجنوبي، لتوحيد شطري اليمن، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، لكثرة الانقلابات في شطري اليمن، وعدم الاستقرار السياسي بهما.

ومهما تكن عوامل الالتقاء، التي تجمع بين الشطرين، أو الشعبين، في الشمال والجنوب، وتحتم ضرورة دمجهما في يمن واحد، فإن الواقع يقول، إن الأوضاع السياسية، والقبلية، المذهبية، التي سبقت استقلال كل منها، وطريقة حصولهما على الاستقلال، ثم ما أنجزه كل منها، منذ (ثورة 1962) في الشمال، واستقلال اليمن الجنوبي عام 1967، بعد كفاح مسلح استمر قرابة الخمسة أعوام، قد أوجدت اختلافات واسعة بين طبيعة النظامين، وتفاوت في درجة التطور الاقتصادي، والسياسي والاجتماعي في كليهما.

ومن ثم، فإن المدخل الموضوعي لتقويم الوحدة اليمنية، وما تلاها من خلافات، تطورت إلى صراع مسلح، هو رصد أهم التطورات السياسية، والاجتماعية، والعسكرية، التي مرت بشطري اليمن، وارتباطها بطبيعة البيئة الاجتماعية لشعب اليمن، وتفاعلاته السياسية مع الأحداث، خاصة تلك الأحداث، التي مهدت لقيام الوحدة بين الشطرين، وكذا الصراع السياسي والأيديولوجي، الذي سبق قيام دولة الوحدة، وما تلاها، والذي مهد للحرب الأهلية.

مسيرة الوحدة اليمنية حتى إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990

استمرت سياسة التعايش السلمي، بين جمهوريتي اليمن، أكثر من أربع سنوات بعد الاستقلال. لكن التحولات السياسية، والاجتماعية، التي شهدها الواقع اليمني، خلال هذه الفترة، وانعكاس ما يحدث في أحد الشطرين، على الشطر الآخر، إضافة إلى التدخل الشيوعي في اليمن الجنوبي، وعدم الاستقرار السياسي، في اليمن الشمالي، أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى توتر الأوضاع بينهما، ثم نشوب النزاع المسلح، في سبتمبر 1972، في مناطق الحدود.

غير أن القوى المحبة لوحدة الشعب اليمني وتقدمه، سارعت إلى تطويق هذه الحرب، فكان الاحتكام إلى العقل، وتم قبول لجنة الوساطة، التي بعثتها جامعة الدول العربية، واتفق الطرفان على وقف العمليات العسكرية، ثم أُعلن في القاهرة، عن اتفاقية الوحدة الأولى بين شطري اليمن، التي وقعها رئيسا الوزراء في كلتا الجمهوريتين، وبدأت مسيرة الوحدة، اعتباراً من هذا التاريخ.

تعثرت خطوات الوحدة، وكانت تتلكأ لفترات زمنية طويلة، وشابها التخوف والتوتر والحذر لبعض الوقت. ولكن الإحساس بالمسؤولية، عن سلامة أرض اليمن، ومستقبل أجياله، والرغبة في إحلال دعائم السلام في ربوعه، والحرص على تصفية المشاكل بين الشطرين، وحماية المكتسبات، التي حققها الشعب اليمني، بنضاله الطويل، خّرجت فكرة إقامة وحدة، بين شطري اليمن. وبدأت مسيرة الوحدة، وبشكل جاد، على الرغم من العقبات والمشاكل، التي ما أن تخمد أو تنتهي، حتى تعود للظهور من جديد.

وكانت البداية اتفاق تعز، في نوفمبر 1970، الداعي إلى إقامة اتحاد فيدرالي بين الشطرين، ثم اتفاقية القاهرة في 13 سبتمبر 1972، وانتهاءً باتفاقية صنعاء في 4 مايو 1988، وما تلاها من مفاوضات واتفاقات، وكان من نتائجها إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو “أيار” عام 1990.

* مراحل مشروع الوحدة  اليمنية “من عام 1968 حتى عام 1990”.

مرت الوحدة اليمنية بمراحل عديدة، ظهرت خلالها أوجه اتفاق واختلاف، وتجاوزت ذلك، إلى صراعات أدت إلى حروب محدودة بين الطرفين. وتوالت أحداث مسيرة الوحدة كالآتي:

1. بدأت توجهات البلدين، إلى الوحدة، بعد أن نالت اليمن الجنوبي استقلالها في عام 1967. ففي عام 1967، وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن الشمالي، استمر القتال بين الجمهوريين والملكيين حتى أواخر عام 1969، وخلال هذه الفترة، وبالتحديد في عام 1968، أرسل قحطان الشعبي رئيس جمهورية اليمن الجنوبية في هذا الوقت، فصائل من جبهة التحرير القومية، للقتال في صف الجمهوريين، ضد الملكيين في اليمن الشمالية.

ولما كانت جبهة التحرير القومي، تعُد نفسها حركة عربية، غير مرتبطة بحدود مصطنعة ومرحلية، فقد أعلنت أنها ضد أي مفاوضات تجرى مع الملكيين خلافاً لموقف بعض القادة الشماليين، المتعاطفين مع الملكيين في ذلك الوقت. وقامت الجبهة في معسكراتها بالقرب من الحديدة، وتعز، وبرعاية من جمهورية مصر، بالتوسع واضطلعت بدور قيادي في تنظيم ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، التي كانت قد شكلت في اليمن الشمالي، من أجل الدفاع ضد الهجمات الملكية المحتملة. وأعلن الرئيس قحطان الشعبي أن بلاده، تتوافق وتتعاطف تماماً مع اليمن الجمهوري. وقد تأكد ذلك بطريقة عملية، في فبراير 1968، عندما اتحدت وحدتان، من قوات جيش اليمن الجنوبي، مع عناصر من ميليشيات المقاومة الشعبية، وفصائل من الجيش الجمهوري الشمالي، في الهجوم على رجال القبائل الملكية، على حدود إمارة بيحان، ونقاط أخرى عبر الحدود المشتركة.

وفي الوقت ذاته، اشتركت وحدات جنوبية في الحديدة، مع وحدات من الجيش الجمهوري الشمالي، في اختراق طريق الحديدة ـ صنعاء، وحطمت طوق حصار الملكيين، على صنعاء لتضع نهاية لحصار صنعاء، الذي استمر سبعون يوماً.

وحينما اتضح أن الملكيين لن يتمكنوا من اجتياح أراضي الجمهوريين، استعاد الزعماء الجمهوريون ومؤيدوهم ثقتهم السابقة بأنفسهم. ومع استمرار تدفق الأسلحة السوفيتية، وتطور الجيش اليمني وتوسعه، إلى الحد الذي أصبح فيه أكثر كفاءة، بدأ حسن العمري يتتشكك في ولاء عناصر معينة من ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، مدركاً أن العقلية الطموحة لجبهة التحرير القومية، تتطلع لسيطرة بعيدة المدى، ولكي يوازن ذلك المد المتصاعد، حث جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، الواهية خائرة القوى، على أن تواصل نشاطها في اليمن مرة ثانية، وهو ما أفقده شعبيته في صفوف جبهة التحرير القومية.

وبعدما استقر الموقف في صنعاء، اتخذ حسن العمري الترتيبات لزيارة كل من مصر، والصين، وطار فعلاً إلى القاهرة، ومن دون أن يواصل زيارته للصين، رجع فجأة ليحبط في الوقت المناسب، مؤامرة دبرتها جبهة التحرير القومية، للاستيلاء على شحنات كبيرة من الأسلحة السوفيتية، تشتمل على 50 دبابة، كان يجري إنزالها في مدينة الحديدة. وقد دار صراع بين قوات حكومة العمري، مع عناصر جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، انتهى لصالح الجيش النظامي اليمني الشمالي، وتم القبض على الكثيرين من أعضاء جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، ولكن تم إطلاق سراح معظمهم فيما بعد، نظراً لكونهم جميعاً من الشوافع، حتى لا تتسع فجوة الصراع الطائفي داخل البلاد وفي اليمن الجنوبية كان الرئيس قحطان الشعبي يواجه متاعب مع المتطرفين اليساريين، من أعضاء جبهة التحرير القومية.

وعلى الرغم من أن الرئيس قحطان الشعبي، بدا وكأنه يتمتع بسلطة واسعة، أكثر من ذي قبل، فقد ظلت أجزاء من اليمن الجنوبية، في أيدي الجناح اليساري المتطرف لجبهة التحرير القومية. وجرت انتفاضات، وشقاقات، في ذلك البلد، الذي ظهر حديثاً إلى حيز الوجود. وكان ارتكاز حسن العمري المتصدع، على جبهة التحرير القومية في اليمن، في الوقت الذي سمح بنشاطات مناهضة لها، يقوم بها عبدالله الأصنج ـ قائد جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ـ التي تعمل من تعز، قد أدى إلى فتور، العلاقات، بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي.

وبدا أن المحادثات، التي دارت بين ممثلين عن كل من البلدين قد تخفف من حدة التوتر، وقد حاول السوفيت جاهدين التوصل إلى مصالحة بين كل من جبهة التحرير القومية وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، غير أن العداوات بينهما قد تزايدت.

2. وفي عام 1972، نشب قتال بين البلدين، في شكل حرب محدودة، وذلك عندما تكونت في اليمن الشمالي، جبهة التحرير، بقيادة عبدالله الأصنج، والمنشقين عن الجبهة القومية، وأعضاء رابطة أبناء الجنوب العربي، بقيادة محمد علي الجفري، وشيخان الحبشي، وسالم الصافي. وظلت هذه الجبهة، تعمل من أراضي الشمال لمدة عام كامل. ومن ناحية أخرى، استضاف الشمال، المجموعات العسكرية، التي هربت من الجنوب، بقيادة عشال، وأحمد صالح بن الأحمر. وأقامت هذه المجموعات معسكرات للتدريب في اليمن الشمالي. وقد أزعج هذا النشاط حكام عدن، وعدّوه وعوة لدخول الحرب، وبالفعل اندلعت شرارة الحرب، وتمكنت القوات الجنوبية من دخول محافظة البيضاء الحدودية، التي تقع شرق اليمن الشمالي، والمقابلة لمنطقة مكيراس الجنوبية. لكن الجهود سارعت بإحتواء الأزمة وتهدئة الأمور، التي عقد على إِثرها اجتماع القاهرة، في سبتمبر 1972.

3. اتفاقية القاهرة 13 سبتمبر 1972:

أ. اجتمع وفدا الشطرين في القاهرة، برئاسة كل من علي ناصر محمد، رئيس وزراء الشطر الجنوبي، ومحسن أحمد العيني، رئيس مجلس وزراء الشطر الشمالي، مع لجنة التوفيق العربية المشّكلة بقرار مجلس جامعة الدول العربية الرقم (2961)، لتسوية الخلافات، والاتفاق على قيام دولة الوحدة.

ب. وقبل التطرق إلى اتفاقية القاهرة، نشير بإيجاز، إلى المشاريع، التي تقدم بها كل طرف، على حدة، لكونها تعكس طبيعة الوحدة، ورغبة كل طرف فيها. فالمشروع المقدم من اليمن الجنوبي يؤكد على وحدة الشعب والأرض، بوصفها القاعدة، التي قامت عليها الحضارة اليمنية القديمة، وترتبط بمصير الشعب اليمني، وطموحاته، في التقدم والحضارة. وأوضح أن اليمن، لا تعني تلك الأراضي الواقعة تحت سيادة الشطرين، بل كل المناطق، والجزر، التي تعتبر تاريخياً وجغرافياً، جزءاً لا يتجزأ من أراضي اليمن الطبيعية، وأن الطريق المؤدي للوحدة، لا يمكن أن يكون إلا طريقاً سِلْمياً ديمقراطياً، واعتبر فتح الحدود بين شطري اليمن، وإيقاف الأعمال العسكرية، والحملات الإعلامية، وإيجاد أسس للتعاون والتنسيق بين الشطرين، مقدمات أولية، وضرورية من أجل تهيئة الظروف الملائمة، لبناء دولة الوحدة.

واقترح المشروع، كخطوة أولى لتحقيق الوحدة، تشكيل مجلس يمني أعلى، مكون من رئيس المجلس الجمهوري وأعضاءه في الشمال، ومجلس الرئاسة في اليمن الجنوبي، توكل إليه مهمة اتخاذ الإجراءات الأساسية، لتوحيد السياسة الحكومية، في الشطرين، في مختلف الجوانب، وكذلك تشكيل لجنة دستورية، تقوم بإعداد دستور اليمن الموحد، ولجان فنية أخرى، لتوحيد السياسة الخارجية، والتعليمية، والثقافية، والاقتصادية، والعسكرية، والتشريعية.

ج. أما مشروع اليمن الشمالي، فقد أكد بدوره على وحدة اليمن، باعتبارها حقيقة ثابتة، وأكد على أن الانفصال، والتجزئة تحت أي أسم أو شعار حالة طارئة، وأشار إلى وحدوية ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، التي جعلت تحقيق الوحدة اليمنية في مقدمة أهدافها ثم جاءت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 التي تمثلت في انطلاق الكفاح المسلح عام 1963، لتحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار، امتداداً لها، وبالتالي فقد كان يفترض قيام الوحدة، فور استقلال اليمن الجنوبي مباشرة، من الاحتلال البريطاني.

وطالب المشروع، بضرورة الإعلان، عن الوحدة الفورية الشاملة، معتبراً تأخيرها تعميقاً للانفصال، واستمراراً للتجزئة، وتقدم الوفد، بتصور عام، عن شكل الوحدة، وطبيعة نظامها، ووسائل تحقيقها واقترح الآتي:

(1) تشكيل لجان عمل، لإعداد خطة، لتوحيد الكيانات القائمة، ودمج مختلف مؤسسات الدولة، في الشطرين في مؤسسة واحدة.

(2) تعد اللجنة الدستورية، دستور يتم عرضه على المؤسسات التشريعية، في كلا الشطرين، ليتم إقراره، والمصادقة عليه.

(3) بعد إقرار الدستور، تقدم حكومتا الشطرين استقالتهما، وتعهد إدارة شؤون البلاد، إلى حكومة واحدة مؤقتة للشطرين كليهما، وتتولى هذه الحكومة تنظيم حوار، حول الدستور، قبل طرحه للاستفتاء العام.

على أن تتم كل هذه الأعمال، والإجراءات، خلال فترة زمنية، لا تزيد عن شهرين.

د. ومن خلال هذه المشاريع، نلاحظ أن الجانبين بالرغم من تأكيدهما على وحدة الشعب، والأرض، وإيمانهما بضرورة قيام الوحدة، تقدماً بمنهجين متعارضين، ففي الوقت الذي عدّ فيه المشروع المقدم من الجنوب، تهيئة الظروف المناسبة لقيام دولة الوحدة، إجراء أساسياً، لا يمكن من دونه، أن تكون الوحدة، سوى ضرب من الخيال، تمسك الشطر الشّمالي، بمنظور مثالي للوحدة، متجاوزاً التّركة الثقيلة، التي خلّفها النظام الاستعماري، والحكم الإمامي، في الشطر الشمالي، ومتجاهلاً التعارض القائم بين النظامين، رافعاً في الأفق، شعار الوحدة الفورية والشّاملة، التي يجب إنجازها خلال شهرين. لكن هذا التعارض الواضح، لم يمنع الطرفين، من التوصل إلى اتفاق يرضيهما، على الرغم من إيمانهما بصعوبة تطبيقه، إن لم يكن استحالته. فقد تم التوقيع على اتفاقية القاهرة، في 28 أكتوبر 1972، التي أنهت حالة الحرب، على الرغم من تجاوزها للواقع الموضوعي، وطبيعة الأنظمة القائمة بين شطري اليمن.

هـ. نصّت مواد اتفاقية القاهرة ( انظر ملحق اتفاق القاهرة حول توحيد شطري اليمن (النص الحرفي) أكتوبر 1972م.)، على دمج الدولتين في دولة واحدة، وتكوين حكومة واحدة، وإنشاء مختلف مؤسسات الدولة، بشكل موحد، ديمقراطياً، يقوم على مبدأ الانتخاب الحر المباشر، من قبل الشطرين. وأوكل إلى اللجنة الدستورية، مهمة إعداد مشروع دستور الدولة الموحدة، خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام، ليتم طرحه فيما بعد على المؤسسات التشريعية، القائمة في كل من الشطرين، للموافقة عليه قبل أن يطرح للاستفتاء العام، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر. وأكدت مواد الاتفاقية، على أن الدستور، سوف يكفل الحريات الفردية العامة، وحقوق المواطنين، السياسية، والنقابية، والمهنية، ويضمن منجزات ثورتي 26 سبتمبر، و14 أكتوبر، ونصت على تشكيل سبع لجان فنية متخصصة، لإعداد المشاريع، وخطط دمج مؤسسات الدولة القائمة في الشطرين.

وقد جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية، أن يضمن دستور الوحدة، كفالة ممارسة الحريات الشخصية، والسياسية، للجماهير عامة، ولمختلف مؤسساتها، ومنظماتها الوطنية، والمهنية، والنقابية. وفسّر الشطران هذه المادة، على أنها تسمح لجبهات المعارضة، ممارسة نشاطها العلني داخل البلاد.

وهكذا، كان واضحاً، أن مثل هذه المواد، على الرغم من أهميتها، بعيدة عن الواقع، ويصعب على النظامين العمل بها، والسماح بتطبيقها، الأمر الذي جعل رجل الشارع، في كلا الشطرين، يشكك في مصداقية الاتفاقية، لكون الجميع، يدركون أن قيام الوحدة اليمنية، في ظل وجود نظامين متعارضين، وأمام التركة الثقيلة، التي خلفتها تراكمات الماضي، وخلال فترة زمنية، لا تتجاوز العام، لا تعدو أن تكون شعاراً، رفعه تجار الحرب، الذين لا يهمهم توحيد اليمن، ولا مصلحة الشعب.

4. بيان طرابلس 28 نوفمبر 1972 (انظر ملحق البيان المشترك عن لقاء القمة اليمنية المنعقدة بمدينة طرابلس، الفترة من 26 – 28 نوفمبر 1972م.):

أ. تطبيقاً لاتفاقية القاهرة، التي أكدت في مادتها الرابعة، على ضرورة اجتماع رئيسي الشطرين، بعد شهرين من تاريخ التوقيع عليها، فقد اجتمع القاضي عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع علي، بحضور الرئيس الليبي، العقيد معمر القذافي، في طرابلس، خلال الفترة من 21 إلى 28 نوفمبر 1972م، لمناقشة الأوضاع اليمنية، واتخاذ الإجراءات الضرورية للإسراع في تنفيذ بنود الاتفاقية.

ب. وقد انتهى اللقاء بصدور بيان طرابلس، في 28 نوفمبر 1972م، وقد تقدم أثناء هذا الاجتماع، كلا الرئيسين، ببعض المبادئ والأسس، التي تتلائم مع أيديولوجيته وقناعته، فسالم ربيع علي، انطلق من أيديولوجية الحزب الحاكم “الشيوعية”، وردد شعار الوحدة البروليتارية[1]. والقاضي الإيرياني اعتمد على الدبلوماسية، ورفع شعار الوحدة الإسلامية “الشيعية الزيدية”، واستطاعت لغة الأخير، أن تفرض نفسها عند إعلان البيان الختامي.

ونصّت المادة الرابعة من البيان، على “أن الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية، وتتخذ الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع”، لكن كانت هناك عبارات أخرى فضفاضة، فقد نصت (المادة الأولى) على: أن “تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية، مستلهمة الطراز الإسلامي العربي، وقيمة الإنسانية، وظروف المجتمع اليمني، بتطبيق العدالة الاجتماعية، التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال. وتعمل الدولة، عن طريق إقامة علاقات اشتراكية، في المجتمع، على تحقيق كفاية في الإنتاج، وعدالة في التوزيع، بهدف تذويب الفوارق سلمياً بين الطبقات”.

وقد جاء التأكيد على هذه الاشتراكية، على الرغم من أن النظام في الشمال لم يكن يؤمن بأي نوع من أنواع الاشتراكية، وأن النظام في الجنوب لا يؤمن إلاّ بالاشتراكية العملية.

أما (المادة التاسعة)، فقد نصت على: “إنشاء تنظيم سياسي موحد، يضم جميع فئات الشعب المنتجة، صاحبة المصلحة في الثورة، للعمل ضد التخلف، ومخلفات العهد الإمامي والاستعماري، وضد الاستعمار القديم والجديد، والصهيونية، وتشكيل لجنة لوضع النظام الأساسي، ولوائحه، على هدى النظام الخاص، بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في “الجمهورية الليبية”.

أُدخلت هذه المواد، بعباراتها الفضفاضة، على الرغم من الحظر القائم في اليمن الشمالي، لكل الأحزاب السياسية التي تعتنق الفكر الاشتراكي، وعلى الرغم من وجود تنظيم سياسي في اليمن الجنوبي، ينطلق في إيديولوجيته، وتنظيمه، من مبادئ الماركسية اللينينية.

أما قضية الأراضي المتنازع عليها، بين اليمن الشمالي، والمملكة العربية السعودية، فقد اتُفق، على إحالتها إلى لجنة دستور دولة الوحدة، حيث نصت المادة العاشرة، على أن يحدد دستور الجمهورية اليمنية الموحدة حدودها.

ج. وهكذا، استمرت اتفاقية الوحدة، حبراً على ورق، كما كان متوقعاً لها. ولعل التصريح، الذي أدلى به الأمين العام، للتنظيم السياسي “الجبهة القومية” عبدالفتاح إسماعيل، يقدم الدليل الواضح، لمثالية هذه الاتفاقية، وابتعادها عن الواقع العملي، حيث قال: “إن الوحدة اليمنية ليست شعاراً للاستهلاك الداخلي، بل ضرورة تفرضها الأحداث، التي مر بها شعبنا اليمني، لكن مفهومنا للوحدة، يختلف عن مفاهيم الأنظمة العربية “الرجعية”، التي لا تأخذ في الحسبان مصالح شعوبها”.

“فالوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة، وفق المفاهيم التي تفرضها القوى “الرجعية” والإمبريالية في المنطقة، فهذه القوى، مرفوضة من قبل شعبنا، والوحدة اليمنية، هي مسألة وطنية، تهم جماهير الشعب اليمني، ولا بد من أن تعكس مصالح هذه الجماهير الكادحة، في شمال الوطن وجنوبه”.

5. لقاء الجزائر 4 سبتمبر 1973م:

التقى رئيسا اليمن آنذاك، عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع في الجزائر، واستعرضا سير أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، حيث وجدا أن المدة الزمنية، التي حددت، غير كافية لتُنجز هذه اللجان أعمالها، وأكدا حرصهما الشديد، على تنفيذ الاتفاق، واستمرار اللجان المشتركة، في أعمالها إلى النهاية.

واتفق الرئيسان، على وجوب توفير المناخ الملائم لهذه اللجان المشتركة، حتى تُنجز أعمالها، وذلك عن طريق إيقاف التدريب ونشاط العناصر المخربة، في كل أنحاء اليمن، وعدم السماح بنشاطها تحت أي أسم، وعدم مدها بالسلاح، أو تدريب عصاباتها، أو تشجيعها، وإغلاق معسكراتها. والتقت وجهة نظر الرئيسين، حول وجوب الانصراف الكامل، إلى بناء البلد، وتطويره، في كلا الشطرين.

6. لقاء تعز ـ الحديدة 10 ـ 12 نوفمبر 1973م:

بعد إصدار بيان الجزائر، الذي وضع حداً للعنف، والتسلل على الحدود، بين شطري اليمن، التقى رئيسا الدولتين، واتفقا على عدم منح أي قواعد للمجموعات المتورطة، في أعمال عدائية، ضد أي من الدولتين. ودفع إجراءات الوحدة للأمام، التي تأجلت، بعد اغتيال محمد علي عثمان، وهو من أهل السنة الشوافع، الذي اغتالته، عناصر من منظمة المقاومة الثورية[2] في اليمن الشمالي. وقد أدى اغتياله إلى استياء شعبي، في أوساط أهل السنة الشوافع، الأمر الذي خلق بعض التوترات، والعنف، وطبقاً لأحد التقارير صدر الأمر، في يونيه 1973، بالقبض على ثلاثة آلاف شخص، وإعدام 36 شخصاً على الأقل، وتم حظر التجول في كل من صنعاء وتعز.

فبعد عودة الوئام بين الطرفين، زار رئيس اليمن الجنوبي، في يوم 10 نوفمبر 1973م، اليمن الشمالي، على رأس وفد كبير، من مسؤولين مدنيين وعسكريين. واستقبله رئيس اليمن الشمالي، عبد الرحمن الإيرياني، وعقد الرئيسان اجتماعين مغلقين، في تعز، ناقشا خلالهما تطورات الوحدة، على ضوء لقاء الجزائر. واتفقا حول بعض القضايا المطروحة، خاصة أهمية إيجاد صيغ مشتركة، على صعيد الاقتصاد الوطني، تمّكن من اتخاذ خطوات مشتركة، تخدم في الأساس، الشعب اليمني، وترفع من مستواه المعيشي.

وزار الرئيسان، والوفد المرافق لهما، مدينة الحديدة، وعقدا اجتماعاً مشتركاً فيها، ناقشا خلاله أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن بيان طرابلس، واستمع الرئيسان، إلى تقرير مفصل من الممثلين الشخصيين عنهما، وكلف الرئيسان ممثليهما، أن يمضيا قدماً في العمل بموجب جداول زمنية، يتفقان عليها، وحسب ما تقتضيه مصلحة الشعب اليمني، وظروف البلدين، على أن يعرضا عليهما كل ما قد يعترض طريقهما، أو طريق اللجان المشتركة من مصاعب، للعمل على تذليلها، إيماناً منهما بضخامة المسؤولية التاريخية. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، بهذا الشأن في ختام الزيارة.

7. بعد لقاء تعز ـ الحديدة، حدثت بعض التطورات في اليمن الشمالي، وظهرت خلافات، بين اتجاه يمثله رئيس الدولة، القاضي الإيرياني، الذي يدعو إلى سياسة مرنة مع اليمن الجنوبي، واتجاه مخالف، لرئيس الحكومة القاضي عبدالله الحجري، الذي يعادي بشدة، القادة الماركسيين، والملحدين في عدن، والمطالب بفرض الوحدة بالقوة. وكان هذا الاتجاه مدعوماً من القبائل، ومن الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس الشورى. وكان من نتائج هذا الخلاف، قدم رئيس الوزراء عبد الله الحجري، في فبراير 1974م، استقالته وتعين من بعده حسن مكي رئيساً للحكومة بدلاً عنه.

وفي 13 يونيه 1974م، انتهى التوتر بين الأطراف المتصارعة، بالاستقالة الجماعية للإيرياني، والأحمر، الذي يشغل رئيس مجلس الشورى، ونائبه سنان أبو لحوم، من مناصبهم الحكومية، حيث قدم الثلاثة استقالاتهم، لنائب القائد العام للقوات المسلحة، إبراهيم الحمدي. ووافق الحمدي على استقالاتهم، على أن يمارس سلطات رئيس الدولة، ورئيس لمجلس القيادة العسكرية، المكون من سبعة أفراد، وبذلك استأثر الجيش بالسلطة، وعطل مجلس الشورى، وعلق الدستور، وقد أدى هذا الانقلاب، إلى إنهاء سبع سنوات من الحكم المدني وبدء فترة حكومة عسكرية.

كان واضحاً، أن الأوضاع السائدة، في شطري اليمن، ستؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة، بين شمال اليمن وجنوبه، خاصة أن دعاة الوحدة الفورية بقوة السلاح، لم يتخلوا عن أسلحتهم بعد. وقد أدى ذلك إلى خروج التناقض الموجود، في قمة السلطة، من إطاره الخفي، إلى الإطار العلني، حيث قدم الحجري، استقالة حكومته في شهر فبراير 1974م، فحققت الحركة الوطنية، بمجمل فصائلها انتصاراً جديداً، ضد الجناح الداعي للحرب، الذي لحقت به هزيمة أخرى نتيجة لانقلاب 13 يونيه 1974م، ووصول المقدم إبراهيم الحمدي، إلى قمة السلطة. وأسهم هذا الانقلاب، أو الحركة التصحيحية، حسب تسمية قادته، في إبعاد الحرب، لصالح أتباع الحل السلمي، وتنشيط عمل لجان الوحدة.

8. وفي فبراير عام 1977، وقع اتفاق قعطبة بين الشطرين بحضور أحمد حسين الغشمي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، لإقامة مجلس أعلى مشترك، يضم الرئيسين ووزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والتخطيط، على أن يجتمع كل ستة أشهر. ولكنه كان واضحاً، أن اختفاء لغة الحرب، بإبعاد مشايخ القبائل، وتجار الحرب من السلطة، لم يكن إلا إجراءاً مؤقتاً، فكثير من العناصر المنادية بالحرب، ظلت تعزز مركزها في السلطة، وتعد نفسها للاستيلاء كلياً على مقادير السلطة السياسية، والعسكرية.

9. وأخيراً، تمكن الجناح الرجعي، من الاستيلاء على السلطة، بانقلاب 11 أكتوبر 1977م، واغتيل المقدم الحمدي، ونصّب العقيد أحمد حسين الغشمي، في قمة السلطة، بدعم واضح من مشايخ القبائل، وكل القوى المؤيدة للحرب، وشكل مجلساً استشارياً جديداً، طغي عليه زعماء القبائل والطبقة البرجوازية الناهضة، غير أنه، لم يكن في استطاعة هذه القوى، أن تدخل في الحرب مباشرة مع الجنوب. فالغشمي، لم يكن في حالة تمكنه من إعلان الحرب، تحت شعار الوحدة الفورية، وكان عليه أن يقوي سلطته، ويواجه الاستياء الشعبي، ضد حكمه، إضافة إلى المعارضة الواضحة، التي أعلنتها ضده بعض وحدات القوات المسلحة، التي كانت مرتبطة بشخص المقدم الحمدي.

10. وفي شهر يونيه 1978م، اغتيل الغشمي، في ظروف غامضة، نتيجة انفجار حقيبة ملغومة. واتهمت صنعَاء، رئيس اليمن الجنوبي، بوقوفه وراء مؤامرة الاغتيال، فأدت الحادثة، والاتهامات التي أعقبتها حدوث خلافات ونزاعات، داخل الفريق الحاكم في اليمن الجنوبي، بين رئيس الدولة سالم ربيع، وهو من أنصار التعاون مع البلدان المحافظة، وغير متحمس للإجراءات الاشتراكية، من جهة، وخصمه عبدالفتاح إسماعيل ذي الفكر الماركسي اللينيني، وتطور النزاع، إلى معارك في شوارع العاصمة، بين مؤيدي الطرفين. وانتهى الموقف لصالح عبدالفتاح إسماعيل، واعتُقل سالم ربيع وتم إعدامه. واعتلى عبدالفتاح إسماعيل السلطة، وفي أكتوبر 1978، أسس الحزب الاشتراكي اليمني الجديد، المرتكز على الاشتراكية العلمية، والذي هيمن على كل مؤسسات الدولة.

الوحدة اليمنية
الوحدة اليمنية

11. كما تسبب الحادث في توتر العلاقات بين الشطرين، ووقعت حوادث حدودية، وصلت إلى مواجهات مسلحة في شهر فبراير 1979. وكان على رأس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح، الرئيس الحالي، بينما كان عبدالفتاح إسماعيل رئيساً للشطر الجنوبي. ويمكن إيجاز أسباب هذه الحرب في سببين:

أ. السبب الأول:

يقتضي العودة إلى الخلف قليلاً، حيث كانت الأجواء مهيأة للوحدة قبل هذه الحرب، بفترة قصيرة، عندما كان إبراهيم الحمدي يحكم الشّمال، وسالم ربيع يحكم الجنوب، ثم قتل إبراهيم الحمدي فجأة، وخلفه الرئيس أحمد حسين الغشمي الذي اكمل الاتصالات مع سالم ربيع، إلى أن حدث بينهما الاتصال الشهير، الذي اتفق فيه سالم ربيع، مع الغشمي، على إرسال مبعوث خاص له إلى صنعاء، يحمل أوراقاً سيطلعه عليها، بخصوص الخلافات بين البلدين. وكان مطلب سالم ربيع أن يلتقي الغشمي بالمبعوث وحده، وبالفعل ذهب المبعوث، وفور أن وقف يفتح حقيبته، أمام الرئيس الغشمي، انفجرت الحقيبة، ومات كلاهما، المبعوث والرئيس.

وقد استغل خصوم الرئيس الجنوبي سالم ربيع ـ وهم عبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر وعلي عنتر ـ هذا الحادث وعزلوا سالم ربيع عن السّلُطة، وأعدموه عام 1978. وقد أدى هذا الحادث، إلى تعكير العلاقات بين الشطرين، خاصة مع استمرار وجود المعسكرات، التي تضم العسكريين المنشقين عن الجنوب في الشمال.

ب. السبب الثاني:

يكْمُن في إيواء عدن ـ بالمقابل ـ معارضي الشمال، مثل حزب حوشي. وقد أدى ذلك إلى اندلاع المعارك بين الجنوب والشمال، واستخدام كل شطر الجماعات المعارضة للمشاركة في الحرب، ضد الشطر الذي تنتمي إليه. واقتحم جيش الجنوب مناطق في الشمال، ولكن سرعان ما طوقت المعارك على إثر تدخل سوريا والعراق والأردن، حيث اتفق على وقف إطلاق النار، في الأول من مارس. وسارعت الجامعة العربية بالتدخل، وعقدت دورة استثنائية في الكويت، خلال الفترة من 4 ـ 6 مارس 1979م، واتفق أثناءها، على تشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، وكذلك الإعداد لاجتماع بين رئيسي الشطرين. ثم قامت الكويت بعملية المصالحة الشهيرة على أرضها، بين الرئيسين علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح إسماعيل.

12. إعلان الكويت 28 مارس 1979م:

كان للكويت، دور كبير في احتواء الاشتباكات، بين الشطرين، ودعت القيادتين إلى مائدة المفاوضات. وفي 28 مارس 1979م، اجتمع الرئيس علي عبدالله صالح، مع الرئيس عبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق أثناء هذا الاجتماع، على تنشيط عمل لجان الوحدة، وفق اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، نصّت بنوده الخمسة، على الآتي:

أ. أن تقوم اللجنة الدستورية، بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، في فترة لا تتجاوز أربعة أشهر.

ب. عند انتهاء اللجنة من أعمالها، يعقد الرئيسان لقاء، لإقرار الصورة النهائية، لمشروع الدستور الدائم لدولة الوحدة، ودعوة كل منهما لمجلس الشعب في الشطرين، للانعقاد خلال مدة يتفق عليها الرئيسان، لإقرار الصياغة النهائية لمشروع دستور دولة الوحدة.

ج. يقوم رئيسا الشطرين، بعد ذلك، بتشكيل لجنة وزارية، للإشراف على الاستفتاء العام، على مشروع الدستور، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة، على أن تنتهي اللجنة من أعمالها، خلال مدة أقصاها، ستة أشهر من تاريخ تشكيلها.

د. يُقر الرئيسان بالتقيد والالتزام الكامل، بالمضمون، والأحكام، الواردة في اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، وقرارات مجلس الجامعة العربية، وتنفيذ القرارات، والتوصيات، التي توصلت إليها لجان الوحدة.

هـ. يتولى رئيسا الشطرين، متابعة إنجاز عمل اللجنة الدستورية، في الموعد المحدد، ونتائج أعمال اللجان الأخري، من خلال تنظيم لقاءات دورية، في اليمن كل شهر.

وأيا ما كان التفاؤل من هذا البيان، فإن أهم إيجابياته تكمن في إيقاف الحرب، واتباع أسلوب الحوار السلمي، من أجل إنجاز الوحدة، وتحقيق آمال الجماهير اليمنية، في شمال اليمن وجنوبه.

13. لقاء صنعاء 2 ـ 4 أكتوبر 1979م:

استمرت مفاوضات الوحدة، بين جمهوريتي اليمن، واستكملت لجنة إعداد الدستور، الخاص بالدولة الموحدة، معظم أعمالها، في شهر أكتوبر عام 1979، ووافق الجنوب اليمني، أثناء زيارة رئيس الوزراء، علي ناصر محمد، إلى صنعاء في أوائل أكتوبر 1979، على تمديد المهلة المحددة، في اتفاقية الكويت. وصرح علي عبدالله صالح في ديسمبر 1979، أن مباحثات الوحدة بين الشطرين، أنجزت الكثير من النجاحات، وأن العملية الجارية، صوب الوحدة اليوم، تدخل مرحلة التنفيذ للخطوات العملية، في ضوء خطة واضحة.

وأعلن عن موافقة الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية، في بيان رسمي، صدر عن اجتماعات اللجنة المشتركة، بين البلدين في صنعاء، التي استمرت يومين، على تشكيل وزارة خارجية مشتركة بموجب اتفاق ضم لعام 1979، كما تم الاتفاق على الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية لليمن الموحد.

وفي أكتوبر 1979، وقعت اليمن الجنوبي، اتفاقية صداقة وتعاون، مع الاتحاد السوفيتي لمدة عشرين عام.

14. اتفاقية عدن 3 مايو 1980:

في أعقاب عزل عبدالفتاح إسماعيل، رئيس اليمن الجنوبي، في 21 أبريل 1980، وإبعاده إلى موسكو، وتولى السلطة علي ناصر محمد، الذي كان رئيساً للحكومة منذ عام 1971، تزايدت خطوات اللقاءات عالية المستوى بين جمهورتَي اليمن، حيث اسْتُقْبِلْ عبدالعزيز عبدالغني، رئيس وزراء اليمن الشمالي، الذي زار عدن.وأكد البيان الصادر في نهاية الزيارة، على الحاجة إلى التنسيق في ميدان التنمية الاقتصادية، ثم وقعا اتفاقية اقتصادية، اتفق فيها على الآتي:

أولاً: في قطاع الصناعة والمعادن:

أ. بناء مصنع، لتموين شطري اليمن بالبوتاجاز.

ب. تكرير متطلبات الشمال، من المنتجات النفطية، في مصفاة عدن.

جـ. إقامة المشاريع المشتركة، في مجال التكرير، والبتروكيماويات.

د. التنسيق بين الشطرين، فيما يتعلق بالتنقيب عن المعادن.

هـ. إقامة مختبر مركزي، لأغراض التنقيب عن المعادن.

ثانياً: في قطاع المواصلات:

أ. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البري.

ب. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البحري.

ثالثاً: في قطاع المصارف والإحصاء والسياحة:

أ. زيادة دور الجهاز المصرفي، لخدمة التبادل التجاري، بين الشطرين، وتكليف البنوك المركزية متابعة ذلك.

ب. توحيد الإحصائيات بين الشطرين.

ج. الاستفادة من الشركات، السياحية العربية، والأجنبية.

15. بيان قمة صنعاء في 13 يونيه 1980:

اجتمع علي ناصر محمد، الرئيس الجنوبي، مع علي عبدالله صالح، الرئيس الشمالي، في صنعاء. فسادت قضايا الاقتصاد، والتجارة، والأمن، والنواحي الثقافية، المناقشات، التي دارت بين الرئيسين. وتعهد علي ناصر محمد، في هذا اللقاء، بتخفيض العون الجنوبي، للجبهة الوطنية الديموقراطية في الشمال، التي جاء رد فعلها، على هذا الالتزام، بضم مقاتليها على الحدود، إلى الجمهورية العربية اليمنية. وبدءاً من صيف ذلك العام، حتى ديسمبر، اشتبكت قوات الجيش النظامي لليمن الشمالي، والقوات القبلية، التابعة للجبهة الإسلامية، ضد اتباع الجبهة الوطنية الديموقراطية وأنصارها، في سلسلة من المواجهات المسلحة.

وفي 19 أغسطس 1981، انضمت اليمن الجنوبية إلى زميلاتها من حليفات السوفييت حيث وقع علي ناصر محمد، والرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، والرئيس الإثيوبي منجستو مريام، معاهدة تعاون في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية. وجاءت أولى ردود الفعل على هذه المعاهدة من وزارة الخارجية المصرية، حيث اعتبرت أن موسكو تعمل على تطويق شمال شرقي أفريقيا.

16. لقاء قمة تعز في سبتمبر 1981:

استند لقاء قمة تعز، إلى ما تمخضت عنه اللقاءات والمشاورات المستمرة، بين قيادتي شطري اليمن، من اتفاق قمة صنعاء، في 13 يونيه 1980، وتعجيل خطوات تحقيق الوحدة، والاتفاق على تشكيل هيئات وحدودية. وانتقد البيان، الوجود الأمريكي في المنطقة، بعد أن تفاوضت الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن الحصول على تسهيلات في المنطقة، مع سلطنة عُمان، وردت اليمن، بإعادة تنشيط مساندتها، لما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان، واتفق على مشروع دستور موحد. وفي 30 ديسمبر 1981، انتهت اللجنة الدستورية المشتركة من إعداد مشروع دستور دولة الوحدة، وتم إقراره والتوقيع عليه. وفي خلال عام 1982، حدثت اشتباكات بين قوات الشطرين، حول أجزاء من محافظة شبوه الغنية بالنفط.

وفي نوفمبر 1982، و”بوساطة الكويت”، وقعت اليمن الجنوبية مع سلطنة عُمان، اتفاقاً ينهي 15 عاماً من القطيعة بينهما. وفي الأشهر الأولى من عام 1983، تحركت اليمن الجنوبية على جبهة دول الصمود والتحدي. فزار ياسر عرفات عدن، كما قام علي ناصر محمد بزيارات إلى ليبيا، والجزائر، وسوريا.

17. لقاء صنعاء في الفترة من 15 إلى 20 أغسطس 1983:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واستعرضا ما حققته لجان الوحدة، تنفيذاً لاتفاقياتهما المبرمة بين الشطرين. وأعرب الرئيسان، عن ارتياحهما لما تم تحقيقه من خطوات، خاصة ما قامت به المؤسسات التجارية المشتركة، في مجالات السياحة والنقل، وما تم تحقيقه خلال دورة المجلس اليمني الأعلى، وفي مقدمتها الوحدة، والتقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي.

18. لقاء قمة عدن في الفترة 15 ـ 17 فبراير 1984:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واتفقا على متابعة الجهود، من أجل الوحدة بين الجمهوريتين، وتعزيز استقرار اليمن بشطريه، من خلال اللجان المشتركة، أو بالتعاون المباشر بين المؤسسات، والوزارات، والأجهزة المركزية الأخرى، في الجمهوريتين، وتسهيل انتقال المواطنين، بين الشطرين، بالبطاقة الشخصية.

وبعد استعراض مجالات التنسيق، بين الطرفين، على صعيد السياسة الخارجية، أعلن الرئيسان ارتياحهما، لاستمرار تمسك الجمهوريتين بسياسة عدم الانحياز، وتأييدهما لكافة الجهود، التي تبذل في سبيل تقوية حركة عدم الانحياز، وشمول دورها في كافة المجالات الدولية، خاصة في ميدان الحفاظ على السلام، وتخفيف التوتر في العلاقات الدولية.

وثمة نقطتان أساسيتان في علاقات اليمن الشمالية الخارجية، الأولى توقيع بروتوكولين ماليين مع فرنسا، أثناء زيارة علي صالح لباريس في أبريل 1984، والثانية توقيع معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي، أثناء زيارة علي صالح لموسكو في أكتوبر 1984.

19. عام 1984، زار علي عبدالله صالح “جمهورية اليمن الديموقراطية”، تخوفاً من الوضع المتفجر بين شطري اليمن، إثر اكتشاف النفط بكميات تجارية، على الحدود بين الشطرين.

20. لقاء صنعاء في 29 ديسمبر 1985:

في إطار التمهيد، لانعقاد اللجنة الوزارية المشتركة، بين الشطرين، لمناقشة مختلف القضايا والأنشطة الوحدوية المشتركة، كان لقاء صنعاء، استكمالاً لمناقشة الموضوعات بجداول أعمالها، وكذلك إعداد مشروع البيان الصحفي، عن نتائج اجتماع الدورة الثالثة للجنة الوزارية المشتركة، التي عقدت في صنعاء 10 ـ 12 ديسمبر 1985، وإعداد الترتيبات لدورتها التالية. وقد أصدرت اللجنة الوزارية المشتركة، عدة قرارات وتوصيات.

21. في 13 يناير 1986، تفجرت الأزمة داخل الحزب الاشتراكي في عدن، في شكل حرب أهلية، وتصفيات حزبية دموية، ذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن، وحصدت أكثر من قائد سياسي بارز، منهم عبدالفتاح إسماعيل، الذي كان قد عاد من روسيا عام 1985، ويخسر علي ناصر محمد السلطة، ويفر إلى الخارج. وينزح عدد كبير من السياسيين، والعسكريين، والمواطنين، إلى الشطر الشمالي، ويتولى الحكم مجموعة علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، وسالم صالح محمد.

وقد أدى ذلك إلى تداعي المؤسسات الاقتصادية، وعانى اليمن الجنوبي أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تقلص الدعم السوفيتي عقب سياسة البروسترويكا[3]، كما لم يكن الوفاق داخل الحزب الاشتراكي في أحسن حالاته، مما جعل الحزب يشعر بأهمية خيار الوحدة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

22. وفي عام 1988، كانت أزمة النظام في اليمن الشمالي، قد بلغت مداها،في الجوانب الاقتصادية والسياسية، داخلياً، وإقليمياً، وانتشر القتال بين القبائل في مناطق متعددة، ولم تستطع الدولة، بسبب هويتها القبلية أن تؤثر فيها، فقد أحصيت في البلاد، في تلك الفترة، خمس وعشرون منطقة اقتتال قبلي، وبدا للنظام في اليمن الشمالي، أن الفرصة باتت سانحة، مع تفاقم الحكم في الجنوب، التعجيل في فرض الوحدة.

23. لقاء تعز أبريل 1988:

عقد لقاء القمة بين الرئيسين، وأكدا في هذا اللقاء، على أهمية المشروعات الاستثمارية المشتركة للثروات الطبيعية، بين الطرفين، في محافظتي مأرب الشمالية، وشبوة الجنوبية، خاصة النفط، وأن تستكمل الخطوط العملية الخاصة بتنفيذه.

24. اتفاقية صنعاء 4 مايو 1988:

تلاحقت مؤشرات بداية عصر الوحدة، حيث اتفقت قيادتا الشطرين، ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، على متابعة الخطوات الوحدوية، وإبرام اتفاقية للتكامل الاقتصادي بين الشطرين، وسحب قوات الطرفين من مناطق الحدود. ووقع الرئيسان على اتفاقية صنعاء (انظر ملحق اتفاقية صنعاء لمتابعة الخطوات الوحدوية بين شطري اليمن 3 – 4 مايو 1988م.)

25. قيام الوحدة اليمنية:

أ. بعد أن أبرم الرئيسان علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، اتفاقية صنعاء، في 4 مايو 1988، لإنشاء مشروعات استثمارية مشتركة للثروة النفطية، في محافظتي شبوة ومأرب، واتفقا على سحب قوات الطرفين، من مناطق الحدود بين البلدين، تفادياً لأي مواجهة عسكرية، بين الشطرين. تلاحقت مؤشرات الوحدة، عندما اعتمدت في عدن، في 28 يونيه 1988، عدة قرارات خاصة بإلغاء جميع القيود، على تنقل الأفراد بين الشطرين عبر الحدود، وإلغاء الرسوم والضرائب المتعلقة بحركة مرور السيارات، والبضائع( انظر ملحق اتفاقية عدن بشأن تسهيل تنقل المواطنين بين الدولتين 28 يونيه 1988م.)، الأمر الذي بعث الحياة في جسد “لجنة التنظيم السياسي الموحد”، المنبثقة عن اتفاق طرابلس، بين صنعاء وعدن في عام1972.

ب. وفي 30 نوفمبر 1989، بدأت مفاوضات الوحدة بين الشطرين. وطُرحت خيارات الفيدرالية، والكونفدرالية، أو توحيد الوزارات تدريجياً، وتقدمت لجنة التنظيم السياسي الموحد، بأربع صيغ توحيدية، هي:

(1) دمج الحزبين الحاكمين، في شطري البلاد، وهما الحزب الاشتراكي “الجنوبي”، والمؤتمر الشعبي العام الشمالي.

(2) السماح بقيام أحزاب أخرى، إلى جانب الحزبين المذكورين.

(3) حل الحزبين الرئيسيين، في شطري البلاد، وإعداد الأرضية لبروز قوى سياسية جديدة.

(4) تأسيس جبهة عريضة، تضم التيارات السّياسية.

واستمرت المشاورات، بين الحزبين الحاكمين في الشّطرين، حتى شهر مايو 1990، حيث توصلا، إلى إقامة حكومة واحدة، في يمنٍ وحد، إلى جانب السماح بقيام أحزاب أخرى، وهذا ما تحقق في 22 مايو 1990، بالتوقيع على إعلان قيام الوحدة الاندماجية بين الشطرين، حيث فاجأ علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، القيادات الأخرى في الحزب، بالموافقة على الوحدة الاندماجية، أثناء وجود الرئيس علي عبدالله صالح، في عدن، ووقعا عليها. وأُعلنت دولة الوحدة( انظر ملحق نص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية في دولة الوحدة.)، على الرغم من معارضة عناصر عديدة في الحزب الاشتراكي.

وحُددت فترة انتقالية مدتها حوالي 30 شهراً، للوصول إلى حكومة اتحادية اندماجية واحدة.

جمهورية اليمن الموحدة(الوحدة اليمنية)

تأسست الجمهورية اليمنية في 22 مايو (أيار) عام 1990، عن اتحاد الشطر الشمالي، الذي كان يسمى “الجمهورية العربية اليمنية”، والشطر الجنوبي، الذي كان يسمى “جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية”، اتحاداً اندماجياً، وهي الآن دولة واحدة مساحتها 528 ألف كم مربع، ولها حدود مشتركة مع المملكة العربية السعودية طولها حوالي 1458كم، ومع عمان بطول 288كم، ولها شواطئ على البحر الأحمر طولها 1906كم، وتسيطر على باب المندب، المنفذ الجنوبي الشرقي للبحر الأحمر

وتضم جزيرة سوقطري الإستراتيجية في خليج عدن، إضافة إلى أكثر من 112 جزيرة يمنية في البحر الأحمر، أكبرها جزيرة كمران وحنيش الكبرى والصغرى، وزقرو الزبير، والطير. وتوجد علامات حدودية بينها، وبين المملكة العربية السعودية، وعلى الخط الإداري مع سلطنة عُمان. وعدد سكان اليمن 16.6 مليون نسمة، حسب تقديرات عام 1996، معظمهم في الشطر الشمالي، ويبلغ معدل النمو السكاني 3.2 %، وحوالي 90 % من السكان عرب، وحوالي 8 % أفارقة، و2 % من الهنود، والأصول الأخرى القريبة من اليمن، مثل الصومال.

وفي الشمال يوجد خليط من المسلمين الشيعة والسنة، ولكن الكثير من زعماء القبائل الكبيرة، مثل حاشد وبكيل من الشيعة الزيدية، وهم يسيطرون على الحكومة. والرئيس الحالي لليمن، علي عبدالله صالح من الشيعة الزيدية، أما الجنوب فجميعهم مسلمون سنة، مع وجود بعض المسيحيين وأكثر من نصف اليمن الموحد من السنيين الشوافع.

يتأثر أمن البحر الأحمر، بالموقع الجيوبوليتيكي لليمن، الذي يقع على البوابة الجنوبية للبحر الأحمر، والذي يؤدي عبر مضيق المندب، إلى بحر العرب، ومنه إلى الخليج العربي، والمحيط الهندي، وشرق آسيا، وجنوب القارة الأفريقية، ومن ثم فإن الأمن القومي العربي يتأثر بالأمن القومي لليمن، حيث يشكل البحر الأحمر الحزام الأمني لشبه الجزيرة العربية من الجهة الغربية، كما يشكل مضيق باب المندب، الاتجاه الأمني الجنوبي لقناة السويس، ولذلك فإن اليمن القوي الموحد، أفضل للدول العربية، من يمن ضعيف، مقسم إلى عدة دول، ومن مصلحة الدول العربية، أن يكون هناك استقرار دائم في اليمن.
الأسس السياسية لبناء دولة الوحدة وتوزيع السلطة:

أ. نصت المادة الأولى من الدستور اليمني، على أن الجمهورية اليمنية دولة مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ، ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والعالم الإسلامي، وأن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، وأن الشرعية الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، والشعب مالك السلطة ومصدرها، ويمارسها بشكل مباشر عن طريق الاستفتاء، والانتخابات العامة، كما يزاولها بطريقة غير مباشرة، عن طريق الهيئات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، والمجالس المحلية المنتخبة.

الوحدة اليمنية
الوحدة اليمنية

وتؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وميثاق الجامعة العربية، وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة، وحدد الدستور الأسس الاقتصادية، والأسس الاجتماعية، وأسس الدفاع الوطني، وحقوق المواطنين الأساسية وواجباتهم.

ب. كان تعداد السكان في اليمن الشمالي، حوالي أحد عشر مليون نسمة، إلى جانب مليوني مغترب، في مقابل حوالي 2.5 مليون نسمة في اليمن الجنوبي، التي تشكل في الوقت نفسه، أكثر من ثلثي مساحة اليمن الموحد. كما كان لليمن الشمالي قوات مسلحة، لم تَعانِ من صدمة الحرب الأهلية، ولديها معظم احتياطي البترول بالدولة، وفي الوقت نفسه، عكست الحكومة، توازناً حذراً بين الشمال والجنوب، فقد أصبح علي عبدالله صالح، أول رئيس لدولة الوحدة، في الوقت الذي أصبح فيه علي سالم البيض، نائباً للرئيس، وتشكل مجلس الرئاسة الحاكم، من ثلاثة أعضاء من الشمال، وثلاثة أعضاء من الجنوب، كما ضم مجلس الوزراء، عشرين وزيراً من الشمال، وتسعة عشر وزيراً من الجنوب.

ج. أما فيما يتعلق بالسّلطة التشريعية، فقد تم التمييز بين نوعين من مؤسسات الدولة؛ النوع الأول، المؤسسات المركزية، والنوع الثاني، مؤسسات الحكم المحلي، وبالنسبة للمؤسسات المركزية، فقد تمثلت في مجلس النواب، باعتباره الهيئة التشريعية، ومجلس الشورى، الذي تم استحداثه، ويتكون من عدد متساو من الأعضاء، يمثلون وحدات الحكم المحلي، يتم انتخابهم من قبل مجالس المخاليف “المقاطعات”، وأن تكون له صلاحيات إبداء الرأي، في القوانين الأساسية، وبشكل خاص، ما يتعلق بالحكم المحلي والميزانيات، والمعاهدات، وقضايا الحدود، ويشارك مجلس النواب، في انتخابات أعضاء مجلس رئاسة الدولة، وأن يتولى انتخاب أعضاء المجلس الإعلامي، وأعضاء المحكمة العليا للجمهورية.

د. تمثلت السلطة التنفيذية، في رئيس الجمهورية، وهو رئيس الدولة، ويتم انتخابه وفقاً للدستور، ويكون له نائب، ومدة تعيين رئيس الجمهورية، خمس سنوات شمسية، ابتداء من تاريخ تأدية اليمين، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة. ويعين رئيس الجمهورية، مجلس استشاري، من الكفاءات والخبرات الوطنية، المتوفرة في مختلف المناطق اليمنية.

هـ. يحكم اليمن مجلس رئاسة مكون من خمسة أعضاء، يدعوه للاجتماع رئيس الجمهورية. ويتم اختيار مجلس الرئاسة، من قبل مجلس النواب المنتخب من الشعب. ويتم اختيار المجلس كل أربع سنوات، عن طريق الاقتراع السري.

و. يتولى مجلس الوزراء سلطة الإشراف، والرقابة، والتوجيه، لأعمال الوحدات الإدارية، من أجل تحقيق التنسيق والترابط والتكامل، بين عمل الأجهزة المركزية، والمحلية للدولة. وتعمل وزارة الإدارة المحلية، وأجهزة السلطة المحلية في المحافظات، بكل إدارتها، وأجهزتها المختلفة، بمبدأ مركزية التخطيط، لا مركزية التنفيذ، من خلال تطبيق نظام اللامركزية في الإدارة المالية على المستويات المختلفة، وفي الأنشطة المختلفة.

ز. تتكون الجمهورية اليمنية من سبعة عشرة محافظة (انظر ملحق محافظات الجمهورية اليمنية وعواصمها، ومساحتها، وتعداد سكانها.)، تنقسم كل محافظة إلى عدة مديريات، تشتمل كل مديرية على عدة عزل، تتكون كل عزلة من عدة قرى. ويتم انتخاب مسؤول في كل عزلة يسمى العاقل، ويكون مسؤولاً أمام المديرية، فيما يخص القرى من قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية، وينفذ ما يوكل إلية من مسؤوليات، من قبل مسؤول المديرية.

ح. يُعَيَّن بقرار جمهوري، محافظ بدرجة وزير لكل محافظة. ويعتبر المسؤول الأول في المحافظة. ويمثل المحافظ السلطة التنفيذية. والمحافظون محاسَبون ومسؤولون أمام مجلس الوزراء. ولكل محافظة وكيل بدرجة وكيل وزارة، ينوب عن المحافظ في حالة غيابه، ويعاونه في ممارسة اختصاصاته في حدود القوانين، والنظم، واللوائح النافذة، وفي حدود تفويض المحافظ، والإشراف على الجوانب الإدارية والمالية.

ينشأ في كل محافظة مجلس تنفيذي، يرأسه المحافظ، ويضم في عضويته، رؤساء فروع ومكاتب الوزارات، والمصالح في المحافظة، ومدير أمن المحافظة، ومدير عام ديوان المحافظة، ومدير عام شؤون المجالس المحلية بديوان المحافظة. ويستثنى القضاء، باعتباره سلطة مستقلة.

ط. لكل مديرية مدير، ويعتبر المسؤول الأول بها، ويمثل السلطة التنفيذية في إدارة المديرية، تحت إشراف المحافظ، ويقدم تقاريره إليه، ولا يغادر عمله إلاّ بإذن منه، ويرتبط به مدير أمن المديرية.

ويرأس المدير العام للمديرية مجلس تنفيذي، ويضم في عضويته مديري فروع للوزارات والمصالح، كما يضم سكرتير المديرية كمقرر.

وينوب عن المدير العام في أعمال الرئاسة، مدير أمن المديرية، ويتألف مجلس محلي لكل مديرية، ويتم انتخاب أعضائه عن طريق الاقتراع السري، ويكون انتخابهم حراً، وعاماً، ومباشراً، ومتساوياً، من قِبل المواطنين في المديرية.

ي. وقد بلغ عدد الموظفين في دولة الوحدة، حوالي 350 ألف موظف، وشكل الجنوبيين الغالبية الساحقة، في عدد الوظائف بعد الوحدة، أكثر من ربع مليون، في مختلف الوزارت، والأجهزة، والمؤسسات، على الرغم من أن عدد المواطنين في الشطر الجنوبي، لم يكن يتجاوز 2.5 مليون نسمة، في مقابل 13 مليون نسمة في الشمال.

مسيرة الوحدة اليمنية حتى إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990

استمرت سياسة التعايش السلمي، بين جمهوريتي اليمن، أكثر من أربع سنوات بعد الاستقلال. لكن التحولات السياسية، والاجتماعية، التي شهدها الواقع اليمني، خلال هذه الفترة، وانعكاس ما يحدث في أحد الشطرين، على الشطر الآخر، إضافة إلى التدخل الشيوعي في اليمن الجنوبي، وعدم الاستقرار السياسي، في اليمن الشمالي، أدت كل هذه العوامل مجتمعة إلى توتر الأوضاع بينهما، ثم نشوب النزاع المسلح، في سبتمبر 1972، في مناطق الحدود.

غير أن القوى المحبة لوحدة الشعب اليمني وتقدمه، سارعت إلى تطويق هذه الحرب، فكان الاحتكام إلى العقل، وتم قبول لجنة الوساطة، التي بعثتها جامعة الدول العربية، واتفق الطرفان على وقف العمليات العسكرية، ثم أُعلن في القاهرة، عن اتفاقية الوحدة الأولى بين شطري اليمن، التي وقعها رئيسا الوزراء في كلتا الجمهوريتين، وبدأت مسيرة الوحدة، اعتباراً من هذا التاريخ.

تعثرت خطوات الوحدة، وكانت تتلكأ لفترات زمنية طويلة، وشابها التخوف والتوتر والحذر لبعض الوقت. ولكن الإحساس بالمسؤولية، عن سلامة أرض اليمن، ومستقبل أجياله، والرغبة في إحلال دعائم السلام في ربوعه، والحرص على تصفية المشاكل بين الشطرين، وحماية المكتسبات، التي حققها الشعب اليمني، بنضاله الطويل، خّرجت فكرة إقامة وحدة، بين شطري اليمن. وبدأت مسيرة الوحدة، وبشكل جاد، على الرغم من العقبات والمشاكل، التي ما أن تخمد أو تنتهي، حتى تعود للظهور من جديد.

وكانت البداية اتفاق تعز، في نوفمبر 1970، الداعي إلى إقامة اتحاد فيدرالي بين الشطرين، ثم اتفاقية القاهرة في 13 سبتمبر 1972، وانتهاءً باتفاقية صنعاء في 4 مايو 1988، وما تلاها من مفاوضات واتفاقات، وكان من نتائجها إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو “أيار” عام 1990.

* مراحل مشروع الوحدة “من عام 1968 حتى عام 1990”.

مرت الوحدة اليمنية بمراحل عديدة، ظهرت خلالها أوجه اتفاق واختلاف، وتجاوزت ذلك، إلى صراعات أدت إلى حروب محدودة بين الطرفين. وتوالت أحداث مسيرة الوحدة كالآتي:

1. بدأت توجهات البلدين، إلى الوحدة، بعد أن نالت اليمن الجنوبي استقلالها في عام 1967. ففي عام 1967، وبعد انسحاب القوات المصرية من اليمن الشمالي، استمر القتال بين الجمهوريين والملكيين حتى أواخر عام 1969، وخلال هذه الفترة، وبالتحديد في عام 1968، أرسل قحطان الشعبي رئيس جمهورية اليمن الجنوبية في هذا الوقت، فصائل من جبهة التحرير القومية، للقتال في صف الجمهوريين، ضد الملكيين في اليمن الشمالية.

ولما كانت جبهة التحرير القومي، تعُد نفسها حركة عربية، غير مرتبطة بحدود مصطنعة ومرحلية، فقد أعلنت أنها ضد أي مفاوضات تجرى مع الملكيين خلافاً لموقف بعض القادة الشماليين، المتعاطفين مع الملكيين في ذلك الوقت. وقامت الجبهة في معسكراتها بالقرب من الحديدة، وتعز، وبرعاية من جمهورية مصر، بالتوسع واضطلعت بدور قيادي في تنظيم ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، التي كانت قد شكلت في اليمن الشمالي، من أجل الدفاع ضد الهجمات الملكية المحتملة.

وأعلن الرئيس قحطان الشعبي أن بلاده، تتوافق وتتعاطف تماماً مع اليمن الجمهوري. وقد تأكد ذلك بطريقة عملية، في فبراير 1968، عندما اتحدت وحدتان، من قوات جيش اليمن الجنوبي، مع عناصر من ميليشيات المقاومة الشعبية، وفصائل من الجيش الجمهوري الشمالي، في الهجوم على رجال القبائل الملكية، على حدود إمارة بيحان، ونقاط أخرى عبر الحدود المشتركة.

وفي الوقت ذاته، اشتركت وحدات جنوبية في الحديدة، مع وحدات من الجيش الجمهوري الشمالي، في اختراق طريق الحديدة ـ صنعاء، وحطمت طوق حصار الملكيين، على صنعاء لتضع نهاية لحصار صنعاء، الذي استمر سبعون يوماً.

وحينما اتضح أن الملكيين لن يتمكنوا من اجتياح أراضي الجمهوريين، استعاد الزعماء الجمهوريون ومؤيدوهم ثقتهم السابقة بأنفسهم. ومع استمرار تدفق الأسلحة السوفيتية، وتطور الجيش اليمني وتوسعه، إلى الحد الذي أصبح فيه أكثر كفاءة، بدأ حسن العمري يتتشكك في ولاء عناصر معينة من ميليشيات قوة المقاومة الشعبية، مدركاً أن العقلية الطموحة لجبهة التحرير القومية، تتطلع لسيطرة بعيدة المدى، ولكي يوازن ذلك المد المتصاعد، حث جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، الواهية خائرة القوى، على أن تواصل نشاطها في اليمن مرة ثانية، وهو ما أفقده شعبيته في صفوف جبهة التحرير القومية.

وبعدما استقر الموقف في صنعاء، اتخذ حسن العمري الترتيبات لزيارة كل من مصر، والصين، وطار فعلاً إلى القاهرة، ومن دون أن يواصل زيارته للصين، رجع فجأة ليحبط في الوقت المناسب، مؤامرة دبرتها جبهة التحرير القومية، للاستيلاء على شحنات كبيرة من الأسلحة السوفيتية، تشتمل على 50 دبابة، كان يجري إنزالها في مدينة الحديدة.

وقد دار صراع بين قوات حكومة العمري، مع عناصر جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، انتهى لصالح الجيش النظامي اليمني الشمالي، وتم القبض على الكثيرين من أعضاء جبهة التحرير القومية، وميليشيات المقاومة الشعبية، ولكن تم إطلاق سراح معظمهم فيما بعد، نظراً لكونهم جميعاً من الشوافع، حتى لا تتسع فجوة الصراع الطائفي داخل البلاد وفي اليمن الجنوبية كان الرئيس قحطان الشعبي يواجه متاعب مع المتطرفين اليساريين، من أعضاء جبهة التحرير القومية.

وعلى الرغم من أن الرئيس قحطان الشعبي، بدا وكأنه يتمتع بسلطة واسعة، أكثر من ذي قبل، فقد ظلت أجزاء من اليمن الجنوبية، في أيدي الجناح اليساري المتطرف لجبهة التحرير القومية. وجرت انتفاضات، وشقاقات، في ذلك البلد، الذي ظهر حديثاً إلى حيز الوجود. وكان ارتكاز حسن العمري المتصدع، على جبهة التحرير القومية في اليمن، في الوقت الذي سمح بنشاطات مناهضة لها، يقوم بها عبدالله الأصنج ـ قائد جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل ـ التي تعمل من تعز، قد أدى إلى فتور، العلاقات، بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي.

وبدا أن المحادثات، التي دارت بين ممثلين عن كل من البلدين قد تخفف من حدة التوتر، وقد حاول السوفيت جاهدين التوصل إلى مصالحة بين كل من جبهة التحرير القومية وجبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، غير أن العداوات بينهما قد تزايدت.

2. وفي عام 1972، نشب قتال بين البلدين، في شكل حرب محدودة، وذلك عندما تكونت في اليمن الشمالي، جبهة التحرير، بقيادة عبدالله الأصنج، والمنشقين عن الجبهة القومية، وأعضاء رابطة أبناء الجنوب العربي، بقيادة محمد علي الجفري، وشيخان الحبشي، وسالم الصافي. وظلت هذه الجبهة، تعمل من أراضي الشمال لمدة عام كامل. ومن ناحية أخرى، استضاف الشمال، المجموعات العسكرية، التي هربت من الجنوب، بقيادة عشال، وأحمد صالح بن الأحمر.

وأقامت هذه المجموعات معسكرات للتدريب في اليمن الشمالي. وقد أزعج هذا النشاط حكام عدن، وعدّوه وعوة لدخول الحرب، وبالفعل اندلعت شرارة الحرب، وتمكنت القوات الجنوبية من دخول محافظة البيضاء الحدودية، التي تقع شرق اليمن الشمالي، والمقابلة لمنطقة مكيراس الجنوبية. لكن الجهود سارعت بإحتواء الأزمة وتهدئة الأمور، التي عقد على إِثرها اجتماع القاهرة، في سبتمبر 1972.

3. اتفاقية القاهرة 13 سبتمبر 1972:

أ. اجتمع وفدا الشطرين في القاهرة، برئاسة كل من علي ناصر محمد، رئيس وزراء الشطر الجنوبي، ومحسن أحمد العيني، رئيس مجلس وزراء الشطر الشمالي، مع لجنة التوفيق العربية المشّكلة بقرار مجلس جامعة الدول العربية الرقم (2961)، لتسوية الخلافات، والاتفاق على قيام دولة الوحدة.

ب. وقبل التطرق إلى اتفاقية القاهرة، نشير بإيجاز، إلى المشاريع، التي تقدم بها كل طرف، على حدة، لكونها تعكس طبيعة الوحدة، ورغبة كل طرف فيها. فالمشروع المقدم من اليمن الجنوبي يؤكد على وحدة الشعب والأرض، بوصفها القاعدة، التي قامت عليها الحضارة اليمنية القديمة، وترتبط بمصير الشعب اليمني، وطموحاته، في التقدم والحضارة.

وأوضح أن اليمن، لا تعني تلك الأراضي الواقعة تحت سيادة الشطرين، بل كل المناطق، والجزر، التي تعتبر تاريخياً وجغرافياً، جزءاً لا يتجزأ من أراضي اليمن الطبيعية، وأن الطريق المؤدي للوحدة، لا يمكن أن يكون إلا طريقاً سِلْمياً ديمقراطياً، واعتبر فتح الحدود بين شطري اليمن، وإيقاف الأعمال العسكرية، والحملات الإعلامية، وإيجاد أسس للتعاون والتنسيق بين الشطرين، مقدمات أولية، وضرورية من أجل تهيئة الظروف الملائمة، لبناء دولة الوحدة.

واقترح المشروع، كخطوة أولى لتحقيق الوحدة، تشكيل مجلس يمني أعلى، مكون من رئيس المجلس الجمهوري وأعضاءه في الشمال، ومجلس الرئاسة في اليمن الجنوبي، توكل إليه مهمة اتخاذ الإجراءات الأساسية، لتوحيد السياسة الحكومية، في الشطرين، في مختلف الجوانب، وكذلك تشكيل لجنة دستورية، تقوم بإعداد دستور اليمن الموحد، ولجان فنية أخرى، لتوحيد السياسة الخارجية، والتعليمية، والثقافية، والاقتصادية، والعسكرية، والتشريعية.

ج. أما مشروع اليمن الشمالي، فقد أكد بدوره على وحدة اليمن، باعتبارها حقيقة ثابتة، وأكد على أن الانفصال، والتجزئة تحت أي أسم أو شعار حالة طارئة، وأشار إلى وحدوية ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، التي جعلت تحقيق الوحدة اليمنية في مقدمة أهدافها ثم جاءت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 التي تمثلت في انطلاق الكفاح المسلح عام 1963، لتحرير اليمن الجنوبي من الاستعمار، امتداداً لها، وبالتالي فقد كان يفترض قيام الوحدة، فور استقلال اليمن الجنوبي مباشرة، من الاحتلال البريطاني.

وطالب المشروع، بضرورة الإعلان، عن الوحدة الفورية الشاملة، معتبراً تأخيرها تعميقاً للانفصال، واستمراراً للتجزئة، وتقدم الوفد، بتصور عام، عن شكل الوحدة، وطبيعة نظامها، ووسائل تحقيقها واقترح الآتي:

(1) تشكيل لجان عمل، لإعداد خطة، لتوحيد الكيانات القائمة، ودمج مختلف مؤسسات الدولة، في الشطرين في مؤسسة واحدة.

(2) تعد اللجنة الدستورية، دستور يتم عرضه على المؤسسات التشريعية، في كلا الشطرين، ليتم إقراره، والمصادقة عليه.

(3) بعد إقرار الدستور، تقدم حكومتا الشطرين استقالتهما، وتعهد إدارة شؤون البلاد، إلى حكومة واحدة مؤقتة للشطرين كليهما، وتتولى هذه الحكومة تنظيم حوار، حول الدستور، قبل طرحه للاستفتاء العام.

على أن تتم كل هذه الأعمال، والإجراءات، خلال فترة زمنية، لا تزيد عن شهرين.

د. ومن خلال هذه المشاريع، نلاحظ أن الجانبين بالرغم من تأكيدهما على وحدة الشعب، والأرض، وإيمانهما بضرورة قيام الوحدة، تقدماً بمنهجين متعارضين، ففي الوقت الذي عدّ فيه المشروع المقدم من الجنوب، تهيئة الظروف المناسبة لقيام دولة الوحدة، إجراء أساسياً، لا يمكن من دونه، أن تكون الوحدة، سوى ضرب من الخيال، تمسك الشطر الشّمالي، بمنظور مثالي للوحدة، متجاوزاً التّركة الثقيلة، التي خلّفها النظام الاستعماري، والحكم الإمامي، في الشطر الشمالي، ومتجاهلاً التعارض القائم بين النظامين، رافعاً في الأفق، شعار الوحدة الفورية والشّاملة، التي يجب إنجازها خلال شهرين.

لكن هذا التعارض الواضح، لم يمنع الطرفين، من التوصل إلى اتفاق يرضيهما، على الرغم من إيمانهما بصعوبة تطبيقه، إن لم يكن استحالته. فقد تم التوقيع على اتفاقية القاهرة، في 28 أكتوبر 1972، التي أنهت حالة الحرب، على الرغم من تجاوزها للواقع الموضوعي، وطبيعة الأنظمة القائمة بين شطري اليمن.

هـ. نصّت مواد اتفاقية القاهرة ( انظر ملحق اتفاق القاهرة حول توحيد شطري اليمن (النص الحرفي) أكتوبر 1972م.)، على دمج الدولتين في دولة واحدة، وتكوين حكومة واحدة، وإنشاء مختلف مؤسسات الدولة، بشكل موحد، ديمقراطياً، يقوم على مبدأ الانتخاب الحر المباشر، من قبل الشطرين.

وأوكل إلى اللجنة الدستورية، مهمة إعداد مشروع دستور الدولة الموحدة، خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام، ليتم طرحه فيما بعد على المؤسسات التشريعية، القائمة في كل من الشطرين، للموافقة عليه قبل أن يطرح للاستفتاء العام، خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر. وأكدت مواد الاتفاقية، على أن الدستور، سوف يكفل الحريات الفردية العامة، وحقوق المواطنين، السياسية، والنقابية، والمهنية، ويضمن منجزات ثورتي 26 سبتمبر، و14 أكتوبر، ونصت على تشكيل سبع لجان فنية متخصصة، لإعداد المشاريع، وخطط دمج مؤسسات الدولة القائمة في الشطرين.

وقد جاء في المادة الثالثة من الاتفاقية، أن يضمن دستور الوحدة، كفالة ممارسة الحريات الشخصية، والسياسية، للجماهير عامة، ولمختلف مؤسساتها، ومنظماتها الوطنية، والمهنية، والنقابية. وفسّر الشطران هذه المادة، على أنها تسمح لجبهات المعارضة، ممارسة نشاطها العلني داخل البلاد.

وهكذا، كان واضحاً، أن مثل هذه المواد، على الرغم من أهميتها، بعيدة عن الواقع، ويصعب على النظامين العمل بها، والسماح بتطبيقها، الأمر الذي جعل رجل الشارع، في كلا الشطرين، يشكك في مصداقية الاتفاقية، لكون الجميع، يدركون أن قيام الوحدة اليمنية، في ظل وجود نظامين متعارضين، وأمام التركة الثقيلة، التي خلفتها تراكمات الماضي، وخلال فترة زمنية، لا تتجاوز العام، لا تعدو أن تكون شعاراً، رفعه تجار الحرب، الذين لا يهمهم توحيد اليمن، ولا مصلحة الشعب.

4. بيان طرابلس 28 نوفمبر 1972 (انظر ملحق البيان المشترك عن لقاء القمة اليمنية المنعقدة بمدينة طرابلس، الفترة من 26 – 28 نوفمبر 1972م.):

أ. تطبيقاً لاتفاقية القاهرة، التي أكدت في مادتها الرابعة، على ضرورة اجتماع رئيسي الشطرين، بعد شهرين من تاريخ التوقيع عليها، فقد اجتمع القاضي عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع علي، بحضور الرئيس الليبي، العقيد معمر القذافي، في طرابلس، خلال الفترة من 21 إلى 28 نوفمبر 1972م، لمناقشة الأوضاع اليمنية، واتخاذ الإجراءات الضرورية للإسراع في تنفيذ بنود الاتفاقية.

ب. وقد انتهى اللقاء بصدور بيان طرابلس، في 28 نوفمبر 1972م، وقد تقدم أثناء هذا الاجتماع، كلا الرئيسين، ببعض المبادئ والأسس، التي تتلائم مع أيديولوجيته وقناعته، فسالم ربيع علي، انطلق من أيديولوجية الحزب الحاكم “الشيوعية”، وردد شعار الوحدة البروليتارية[1]. والقاضي الإيرياني اعتمد على الدبلوماسية، ورفع شعار الوحدة الإسلامية “الشيعية الزيدية”، واستطاعت لغة الأخير، أن تفرض نفسها عند إعلان البيان الختامي.

ونصّت المادة الرابعة من البيان، على “أن الإسلام دين الدولة، وتؤكد الجمهورية اليمنية على القيم الروحية، وتتخذ الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع”، لكن كانت هناك عبارات أخرى فضفاضة، فقد نصت (المادة الأولى) على: أن “تهدف الدولة إلى تحقيق الاشتراكية، مستلهمة الطراز الإسلامي العربي، وقيمة الإنسانية، وظروف المجتمع اليمني، بتطبيق العدالة الاجتماعية، التي تحظر أي شكل من أشكال الاستغلال. وتعمل الدولة، عن طريق إقامة علاقات اشتراكية، في المجتمع، على تحقيق كفاية في الإنتاج، وعدالة في التوزيع، بهدف تذويب الفوارق سلمياً بين الطبقات”.

وقد جاء التأكيد على هذه الاشتراكية، على الرغم من أن النظام في الشمال لم يكن يؤمن بأي نوع من أنواع الاشتراكية، وأن النظام في الجنوب لا يؤمن إلاّ بالاشتراكية العملية.

أما (المادة التاسعة)، فقد نصت على: “إنشاء تنظيم سياسي موحد، يضم جميع فئات الشعب المنتجة، صاحبة المصلحة في الثورة، للعمل ضد التخلف، ومخلفات العهد الإمامي والاستعماري، وضد الاستعمار القديم والجديد، والصهيونية، وتشكيل لجنة لوضع النظام الأساسي، ولوائحه، على هدى النظام الخاص، بإقامة الاتحاد الاشتراكي العربي في “الجمهورية الليبية”.

أُدخلت هذه المواد، بعباراتها الفضفاضة، على الرغم من الحظر القائم في اليمن الشمالي، لكل الأحزاب السياسية التي تعتنق الفكر الاشتراكي، وعلى الرغم من وجود تنظيم سياسي في اليمن الجنوبي، ينطلق في إيديولوجيته، وتنظيمه، من مبادئ الماركسية اللينينية.

أما قضية الأراضي المتنازع عليها، بين اليمن الشمالي، والمملكة العربية السعودية، فقد اتُفق، على إحالتها إلى لجنة دستور دولة الوحدة، حيث نصت المادة العاشرة، على أن يحدد دستور الجمهورية اليمنية الموحدة حدودها.

ج. وهكذا، استمرت اتفاقية الوحدة، حبراً على ورق، كما كان متوقعاً لها. ولعل التصريح، الذي أدلى به الأمين العام، للتنظيم السياسي “الجبهة القومية” عبدالفتاح إسماعيل، يقدم الدليل الواضح، لمثالية هذه الاتفاقية، وابتعادها عن الواقع العملي، حيث قال: “إن الوحدة اليمنية ليست شعاراً للاستهلاك الداخلي، بل ضرورة تفرضها الأحداث، التي مر بها شعبنا اليمني، لكن مفهومنا للوحدة، يختلف عن مفاهيم الأنظمة العربية “الرجعية”، التي لا تأخذ في الحسبان مصالح شعوبها”.

“فالوحدة لا يمكن أن تُفرض بالقوة، وفق المفاهيم التي تفرضها القوى “الرجعية” والإمبريالية في المنطقة، فهذه القوى، مرفوضة من قبل شعبنا، والوحدة اليمنية، هي مسألة وطنية، تهم جماهير الشعب اليمني، ولا بد من أن تعكس مصالح هذه الجماهير الكادحة، في شمال الوطن وجنوبه”.

5. لقاء الجزائر 4 سبتمبر 1973م:

التقى رئيسا اليمن آنذاك، عبدالرحمن الإيرياني، وسالم ربيع في الجزائر، واستعرضا سير أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، حيث وجدا أن المدة الزمنية، التي حددت، غير كافية لتُنجز هذه اللجان أعمالها، وأكدا حرصهما الشديد، على تنفيذ الاتفاق، واستمرار اللجان المشتركة، في أعمالها إلى النهاية.

واتفق الرئيسان، على وجوب توفير المناخ الملائم لهذه اللجان المشتركة، حتى تُنجز أعمالها، وذلك عن طريق إيقاف التدريب ونشاط العناصر المخربة، في كل أنحاء اليمن، وعدم السماح بنشاطها تحت أي أسم، وعدم مدها بالسلاح، أو تدريب عصاباتها، أو تشجيعها، وإغلاق معسكراتها. والتقت وجهة نظر الرئيسين، حول وجوب الانصراف الكامل، إلى بناء البلد، وتطويره، في كلا الشطرين.

6. لقاء تعز ـ الحديدة 10 ـ 12 نوفمبر 1973م:

بعد إصدار بيان الجزائر، الذي وضع حداً للعنف، والتسلل على الحدود، بين شطري اليمن، التقى رئيسا الدولتين، واتفقا على عدم منح أي قواعد للمجموعات المتورطة، في أعمال عدائية، ضد أي من الدولتين. ودفع إجراءات الوحدة للأمام، التي تأجلت، بعد اغتيال محمد علي عثمان، وهو من أهل السنة الشوافع، الذي اغتالته، عناصر من منظمة المقاومة الثورية[2] في اليمن الشمالي. وقد أدى اغتياله إلى استياء شعبي، في أوساط أهل السنة الشوافع، الأمر الذي خلق بعض التوترات، والعنف، وطبقاً لأحد التقارير صدر الأمر، في يونيه 1973، بالقبض على ثلاثة آلاف شخص، وإعدام 36 شخصاً على الأقل، وتم حظر التجول في كل من صنعاء وتعز.

فبعد عودة الوئام بين الطرفين، زار رئيس اليمن الجنوبي، في يوم 10 نوفمبر 1973م، اليمن الشمالي، على رأس وفد كبير، من مسؤولين مدنيين وعسكريين. واستقبله رئيس اليمن الشمالي، عبد الرحمن الإيرياني، وعقد الرئيسان اجتماعين مغلقين، في تعز، ناقشا خلالهما تطورات الوحدة، على ضوء لقاء الجزائر. واتفقا حول بعض القضايا المطروحة، خاصة أهمية إيجاد صيغ مشتركة، على صعيد الاقتصاد الوطني، تمّكن من اتخاذ خطوات مشتركة، تخدم في الأساس، الشعب اليمني، وترفع من مستواه المعيشي.

وزار الرئيسان، والوفد المرافق لهما، مدينة الحديدة، وعقدا اجتماعاً مشتركاً فيها، ناقشا خلاله أعمال اللجان المشتركة، المنبثقة عن بيان طرابلس، واستمع الرئيسان، إلى تقرير مفصل من الممثلين الشخصيين عنهما، وكلف الرئيسان ممثليهما، أن يمضيا قدماً في العمل بموجب جداول زمنية، يتفقان عليها، وحسب ما تقتضيه مصلحة الشعب اليمني، وظروف البلدين، على أن يعرضا عليهما كل ما قد يعترض طريقهما، أو طريق اللجان المشتركة من مصاعب، للعمل على تذليلها، إيماناً منهما بضخامة المسؤولية التاريخية. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، بهذا الشأن في ختام الزيارة.

7. بعد لقاء تعز ـ الحديدة، حدثت بعض التطورات في اليمن الشمالي، وظهرت خلافات، بين اتجاه يمثله رئيس الدولة، القاضي الإيرياني، الذي يدعو إلى سياسة مرنة مع اليمن الجنوبي، واتجاه مخالف، لرئيس الحكومة القاضي عبدالله الحجري، الذي يعادي بشدة، القادة الماركسيين، والملحدين في عدن، والمطالب بفرض الوحدة بالقوة. وكان هذا الاتجاه مدعوماً من القبائل، ومن الشيخ عبدالله الأحمر رئيس مجلس الشورى. وكان من نتائج هذا الخلاف، قدم رئيس الوزراء عبد الله الحجري، في فبراير 1974م، استقالته وتعين من بعده حسن مكي رئيساً للحكومة بدلاً عنه.

وفي 13 يونيه 1974م، انتهى التوتر بين الأطراف المتصارعة، بالاستقالة الجماعية للإيرياني، والأحمر، الذي يشغل رئيس مجلس الشورى، ونائبه سنان أبو لحوم، من مناصبهم الحكومية، حيث قدم الثلاثة استقالاتهم، لنائب القائد العام للقوات المسلحة، إبراهيم الحمدي. ووافق الحمدي على استقالاتهم، على أن يمارس سلطات رئيس الدولة، ورئيس لمجلس القيادة العسكرية، المكون من سبعة أفراد، وبذلك استأثر الجيش بالسلطة، وعطل مجلس الشورى، وعلق الدستور، وقد أدى هذا الانقلاب، إلى إنهاء سبع سنوات من الحكم المدني وبدء فترة حكومة عسكرية.

كان واضحاً، أن الأوضاع السائدة، في شطري اليمن، ستؤدي إلى مواجهة عسكرية جديدة، بين شمال اليمن وجنوبه، خاصة أن دعاة الوحدة الفورية بقوة السلاح، لم يتخلوا عن أسلحتهم بعد. وقد أدى ذلك إلى خروج التناقض الموجود، في قمة السلطة، من إطاره الخفي، إلى الإطار العلني، حيث قدم الحجري، استقالة حكومته في شهر فبراير 1974م، فحققت الحركة الوطنية، بمجمل فصائلها انتصاراً جديداً، ضد الجناح الداعي للحرب، الذي لحقت به هزيمة أخرى نتيجة لانقلاب 13 يونيه 1974م، ووصول المقدم إبراهيم الحمدي، إلى قمة السلطة. وأسهم هذا الانقلاب، أو الحركة التصحيحية، حسب تسمية قادته، في إبعاد الحرب، لصالح أتباع الحل السلمي، وتنشيط عمل لجان الوحدة.

8. وفي فبراير عام 1977، وقع اتفاق قعطبة بين الشطرين بحضور أحمد حسين الغشمي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، لإقامة مجلس أعلى مشترك، يضم الرئيسين ووزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد والتخطيط، على أن يجتمع كل ستة أشهر. ولكنه كان واضحاً، أن اختفاء لغة الحرب، بإبعاد مشايخ القبائل، وتجار الحرب من السلطة، لم يكن إلا إجراءاً مؤقتاً، فكثير من العناصر المنادية بالحرب، ظلت تعزز مركزها في السلطة، وتعد نفسها للاستيلاء كلياً على مقادير السلطة السياسية، والعسكرية.

9. وأخيراً، تمكن الجناح الرجعي، من الاستيلاء على السلطة، بانقلاب 11 أكتوبر 1977م، واغتيل المقدم الحمدي، ونصّب العقيد أحمد حسين الغشمي، في قمة السلطة، بدعم واضح من مشايخ القبائل، وكل القوى المؤيدة للحرب، وشكل مجلساً استشارياً جديداً، طغي عليه زعماء القبائل والطبقة البرجوازية الناهضة، غير أنه، لم يكن في استطاعة هذه القوى، أن تدخل في الحرب مباشرة مع الجنوب. فالغشمي، لم يكن في حالة تمكنه من إعلان الحرب، تحت شعار الوحدة الفورية، وكان عليه أن يقوي سلطته، ويواجه الاستياء الشعبي، ضد حكمه، إضافة إلى المعارضة الواضحة، التي أعلنتها ضده بعض وحدات القوات المسلحة، التي كانت مرتبطة بشخص المقدم الحمدي.

10. وفي شهر يونيه 1978م، اغتيل الغشمي، في ظروف غامضة، نتيجة انفجار حقيبة ملغومة. واتهمت صنعَاء، رئيس اليمن الجنوبي، بوقوفه وراء مؤامرة الاغتيال، فأدت الحادثة، والاتهامات التي أعقبتها حدوث خلافات ونزاعات، داخل الفريق الحاكم في اليمن الجنوبي، بين رئيس الدولة سالم ربيع، وهو من أنصار التعاون مع البلدان المحافظة، وغير متحمس للإجراءات الاشتراكية، من جهة، وخصمه عبدالفتاح إسماعيل ذي الفكر الماركسي اللينيني، وتطور النزاع، إلى معارك في شوارع العاصمة، بين مؤيدي الطرفين. وانتهى الموقف لصالح عبدالفتاح إسماعيل، واعتُقل سالم ربيع وتم إعدامه. واعتلى عبدالفتاح إسماعيل السلطة، وفي أكتوبر 1978، أسس الحزب الاشتراكي اليمني الجديد، المرتكز على الاشتراكية العلمية، والذي هيمن على كل مؤسسات الدولة.

11. كما تسبب الحادث في توتر العلاقات بين الشطرين، ووقعت حوادث حدودية، وصلت إلى مواجهات مسلحة في شهر فبراير 1979. وكان على رأس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح، الرئيس الحالي، بينما كان عبدالفتاح إسماعيل رئيساً للشطر الجنوبي. ويمكن إيجاز أسباب هذه الحرب في سببين:

أ. السبب الأول:

يقتضي العودة إلى الخلف قليلاً، حيث كانت الأجواء مهيأة للوحدة قبل هذه الحرب، بفترة قصيرة، عندما كان إبراهيم الحمدي يحكم الشّمال، وسالم ربيع يحكم الجنوب، ثم قتل إبراهيم الحمدي فجأة، وخلفه الرئيس أحمد حسين الغشمي الذي اكمل الاتصالات مع سالم ربيع، إلى أن حدث بينهما الاتصال الشهير، الذي اتفق فيه سالم ربيع، مع الغشمي، على إرسال مبعوث خاص له إلى صنعاء، يحمل أوراقاً سيطلعه عليها، بخصوص الخلافات بين البلدين. وكان مطلب سالم ربيع أن يلتقي الغشمي بالمبعوث وحده، وبالفعل ذهب المبعوث، وفور أن وقف يفتح حقيبته، أمام الرئيس الغشمي، انفجرت الحقيبة، ومات كلاهما، المبعوث والرئيس.

وقد استغل خصوم الرئيس الجنوبي سالم ربيع ـ وهم عبدالفتاح إسماعيل وعلي ناصر وعلي عنتر ـ هذا الحادث وعزلوا سالم ربيع عن السّلُطة، وأعدموه عام 1978. وقد أدى هذا الحادث، إلى تعكير العلاقات بين الشطرين، خاصة مع استمرار وجود المعسكرات، التي تضم العسكريين المنشقين عن الجنوب في الشمال.

ب. السبب الثاني:

يكْمُن في إيواء عدن ـ بالمقابل ـ معارضي الشمال، مثل حزب حوشي. وقد أدى ذلك إلى اندلاع المعارك بين الجنوب والشمال، واستخدام كل شطر الجماعات المعارضة للمشاركة في الحرب، ضد الشطر الذي تنتمي إليه. واقتحم جيش الجنوب مناطق في الشمال، ولكن سرعان ما طوقت المعارك على إثر تدخل سوريا والعراق والأردن، حيث اتفق على وقف إطلاق النار، في الأول من مارس. وسارعت الجامعة العربية بالتدخل، وعقدت دورة استثنائية في الكويت، خلال الفترة من 4 ـ 6 مارس 1979م، واتفق أثناءها، على تشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، وكذلك الإعداد لاجتماع بين رئيسي الشطرين. ثم قامت الكويت بعملية المصالحة الشهيرة على أرضها، بين الرئيسين علي عبدالله صالح، وعبدالفتاح إسماعيل.

12. إعلان الكويت 28 مارس 1979م:

كان للكويت، دور كبير في احتواء الاشتباكات، بين الشطرين، ودعت القيادتين إلى مائدة المفاوضات. وفي 28 مارس 1979م، اجتمع الرئيس علي عبدالله صالح، مع الرئيس عبدالفتاح إسماعيل، وتم الاتفاق أثناء هذا الاجتماع، على تنشيط عمل لجان الوحدة، وفق اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس. ووقع الرئيسان على بيان مشترك، نصّت بنوده الخمسة، على الآتي:

أ. أن تقوم اللجنة الدستورية، بإعداد مشروع دستور دولة الوحدة، في فترة لا تتجاوز أربعة أشهر.

ب. عند انتهاء اللجنة من أعمالها، يعقد الرئيسان لقاء، لإقرار الصورة النهائية، لمشروع الدستور الدائم لدولة الوحدة، ودعوة كل منهما لمجلس الشعب في الشطرين، للانعقاد خلال مدة يتفق عليها الرئيسان، لإقرار الصياغة النهائية لمشروع دستور دولة الوحدة.

ج. يقوم رئيسا الشطرين، بعد ذلك، بتشكيل لجنة وزارية، للإشراف على الاستفتاء العام، على مشروع الدستور، وانتخاب سلطة تشريعية موحدة، على أن تنتهي اللجنة من أعمالها، خلال مدة أقصاها، ستة أشهر من تاريخ تشكيلها.

د. يُقر الرئيسان بالتقيد والالتزام الكامل، بالمضمون، والأحكام، الواردة في اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، وقرارات مجلس الجامعة العربية، وتنفيذ القرارات، والتوصيات، التي توصلت إليها لجان الوحدة.

هـ. يتولى رئيسا الشطرين، متابعة إنجاز عمل اللجنة الدستورية، في الموعد المحدد، ونتائج أعمال اللجان الأخري، من خلال تنظيم لقاءات دورية، في اليمن كل شهر.

وأيا ما كان التفاؤل من هذا البيان، فإن أهم إيجابياته تكمن في إيقاف الحرب، واتباع أسلوب الحوار السلمي، من أجل إنجاز الوحدة، وتحقيق آمال الجماهير اليمنية، في شمال اليمن وجنوبه.

13. لقاء صنعاء 2 ـ 4 أكتوبر 1979م:

استمرت مفاوضات الوحدة، بين جمهوريتي اليمن، واستكملت لجنة إعداد الدستور، الخاص بالدولة الموحدة، معظم أعمالها، في شهر أكتوبر عام 1979، ووافق الجنوب اليمني، أثناء زيارة رئيس الوزراء، علي ناصر محمد، إلى صنعاء في أوائل أكتوبر 1979، على تمديد المهلة المحددة، في اتفاقية الكويت. وصرح علي عبدالله صالح في ديسمبر 1979، أن مباحثات الوحدة بين الشطرين، أنجزت الكثير من النجاحات، وأن العملية الجارية، صوب الوحدة اليمنية اليوم، تدخل مرحلة التنفيذ للخطوات العملية، في ضوء خطة واضحة.

وأعلن عن موافقة الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديموقراطية، في بيان رسمي، صدر عن اجتماعات اللجنة المشتركة، بين البلدين في صنعاء، التي استمرت يومين، على تشكيل وزارة خارجية مشتركة بموجب اتفاق ضم لعام 1979، كما تم الاتفاق على الخطوط الرئيسية للسياسة الخارجية لليمن الموحد و الوحدة اليمنية

وفي أكتوبر 1979، وقعت اليمن الجنوبي، اتفاقية صداقة وتعاون، مع الاتحاد السوفيتي لمدة عشرين عام.

14. اتفاقية عدن 3 مايو 1980:

في أعقاب عزل عبدالفتاح إسماعيل، رئيس اليمن الجنوبي، في 21 أبريل 1980، وإبعاده إلى موسكو، وتولى السلطة علي ناصر محمد، الذي كان رئيساً للحكومة منذ عام 1971، تزايدت خطوات اللقاءات عالية المستوى بين جمهورتَي اليمن، حيث اسْتُقْبِلْ عبدالعزيز عبدالغني، رئيس وزراء اليمن الشمالي، الذي زار عدن.وأكد البيان الصادر في نهاية الزيارة، على الحاجة إلى التنسيق في ميدان التنمية الاقتصادية، ثم وقعا اتفاقية اقتصادية، اتفق فيها على الآتي:

أولاً: في قطاع الصناعة والمعادن:

أ. بناء مصنع، لتموين شطري اليمن بالبوتاجاز.

ب. تكرير متطلبات الشمال، من المنتجات النفطية، في مصفاة عدن.

جـ. إقامة المشاريع المشتركة، في مجال التكرير، والبتروكيماويات.

د. التنسيق بين الشطرين، فيما يتعلق بالتنقيب عن المعادن.

هـ. إقامة مختبر مركزي، لأغراض التنقيب عن المعادن.

ثانياً: في قطاع المواصلات:

أ. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البري.

ب. إنشاء شركة يمنية مشتركة، للنقل البحري.

ثالثاً: في قطاع المصارف والإحصاء والسياحة:

أ. زيادة دور الجهاز المصرفي، لخدمة التبادل التجاري، بين الشطرين، وتكليف البنوك المركزية متابعة ذلك.

ب. توحيد الإحصائيات بين الشطرين.

ج. الاستفادة من الشركات، السياحية العربية، والأجنبية.

15. بيان قمة صنعاء في 13 يونيه 1980:

اجتمع علي ناصر محمد، الرئيس الجنوبي، مع علي عبدالله صالح، الرئيس الشمالي، في صنعاء. فسادت قضايا الاقتصاد، والتجارة، والأمن، والنواحي الثقافية، المناقشات، التي دارت بين الرئيسين. وتعهد علي ناصر محمد، في هذا اللقاء، بتخفيض العون الجنوبي، للجبهة الوطنية الديموقراطية في الشمال، التي جاء رد فعلها، على هذا الالتزام، بضم مقاتليها على الحدود، إلى الجمهورية العربية اليمنية. وبدءاً من صيف ذلك العام، حتى ديسمبر، اشتبكت قوات الجيش النظامي لليمن الشمالي، والقوات القبلية، التابعة للجبهة الإسلامية، ضد اتباع الجبهة الوطنية الديموقراطية وأنصارها، في سلسلة من المواجهات المسلحة.

وفي 19 أغسطس 1981، انضمت اليمن الجنوبية إلى زميلاتها من حليفات السوفييت حيث وقع علي ناصر محمد، والرئيس الليبي العقيد معمر القذافي، والرئيس الإثيوبي منجستو مريام، معاهدة تعاون في المجالات السياسية، والاقتصادية، والعسكرية. وجاءت أولى ردود الفعل على هذه المعاهدة من وزارة الخارجية المصرية، حيث اعتبرت أن موسكو تعمل على تطويق شمال شرقي أفريقيا.

16. لقاء قمة تعز في سبتمبر 1981:

استند لقاء قمة تعز، إلى ما تمخضت عنه اللقاءات والمشاورات المستمرة، بين قيادتي شطري اليمن، من اتفاق قمة صنعاء، في 13 يونيه 1980، وتعجيل خطوات تحقيق الوحدة اليمنية، والاتفاق على تشكيل هيئات وحدودية. وانتقد البيان، الوجود الأمريكي في المنطقة، بعد أن تفاوضت الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن الحصول على تسهيلات في المنطقة، مع سلطنة عُمان، وردت اليمن، بإعادة تنشيط مساندتها، لما يسمى بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان، واتفق على مشروع دستور موحد.

وفي 30 ديسمبر 1981، انتهت اللجنة الدستورية المشتركة من إعداد مشروع دستور دولة الوحدة اليمنية، وتم إقراره والتوقيع عليه. وفي خلال عام 1982، حدثت اشتباكات بين قوات الشطرين، حول أجزاء من محافظة شبوه الغنية بالنفط.

وفي نوفمبر 1982، و”بوساطة الكويت”، وقعت اليمن الجنوبية مع سلطنة عُمان، اتفاقاً ينهي 15 عاماً من القطيعة بينهما. وفي الأشهر الأولى من عام 1983، تحركت اليمن الجنوبية على جبهة دول الصمود والتحدي. فزار ياسر عرفات عدن، كما قام علي ناصر محمد بزيارات إلى ليبيا، والجزائر، وسوريا.

17. لقاء صنعاء في الفترة من 15 إلى 20 أغسطس 1983:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واستعرضا ما حققته لجان الوحدة اليمنية، تنفيذاً لاتفاقياتهما المبرمة بين الشطرين. وأعرب الرئيسان، عن ارتياحهما لما تم تحقيقه من خطوات، خاصة ما قامت به المؤسسات التجارية المشتركة، في مجالات السياحة والنقل، وما تم تحقيقه خلال دورة المجلس اليمني الأعلى، وفي مقدمتها الوحدة، والتقدم والتطور الاجتماعي والاقتصادي.

18. لقاء قمة عدن في الفترة 15 ـ 17 فبراير 1984:

التقى الرئيسان، علي عبدالله صالح، وعلي ناصر محمد، واتفقا على متابعة الجهود، من أجل الوحدة اليمنية بين الجمهوريتين، وتعزيز استقرار اليمن بشطريه، من خلال اللجان المشتركة، أو بالتعاون المباشر بين المؤسسات، والوزارات، والأجهزة المركزية الأخرى، في الجمهوريتين، وتسهيل انتقال المواطنين، بين الشطرين، بالبطاقة الشخصية.

وبعد استعراض مجالات التنسيق، بين الطرفين، على صعيد السياسة الخارجية، أعلن الرئيسان ارتياحهما، لاستمرار تمسك الجمهوريتين بسياسة عدم الانحياز، وتأييدهما لكافة الجهود، التي تبذل في سبيل تقوية حركة عدم الانحياز، وشمول دورها في كافة المجالات الدولية، خاصة في ميدان الحفاظ على السلام، وتخفيف التوتر في العلاقات الدولية.

وثمة نقطتان أساسيتان في علاقات اليمن الشمالية الخارجية، الأولى توقيع بروتوكولين ماليين مع فرنسا، أثناء زيارة علي صالح لباريس في أبريل 1984، والثانية توقيع معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي، أثناء زيارة علي صالح لموسكو في أكتوبر 1984.

19. عام 1984، زار علي عبدالله صالح “جمهورية اليمن الديموقراطية”، تخوفاً من الوضع المتفجر بين شطري اليمن، إثر اكتشاف النفط بكميات تجارية، على الحدود بين الشطرين.

20. لقاء صنعاء في 29 ديسمبر 1985:

في إطار التمهيد، لانعقاد اللجنة الوزارية المشتركة، بين الشطرين، لمناقشة مختلف القضايا والأنشطة الوحدوية المشتركة، كان لقاء صنعاء، استكمالاً لمناقشة الموضوعات بجداول أعمالها، وكذلك إعداد مشروع البيان الصحفي، عن نتائج اجتماع الدورة الثالثة للجنة الوزارية المشتركة، التي عقدت في صنعاء 10 ـ 12 ديسمبر 1985، وإعداد الترتيبات لدورتها التالية. وقد أصدرت اللجنة الوزارية المشتركة، عدة قرارات وتوصيات.

21. في 13 يناير 1986، تفجرت الأزمة داخل الحزب الاشتراكي في عدن، في شكل حرب أهلية، وتصفيات حزبية دموية، ذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرة آلاف مواطن، وحصدت أكثر من قائد سياسي بارز، منهم عبدالفتاح إسماعيل، الذي كان قد عاد من روسيا عام 1985، ويخسر علي ناصر محمد السلطة، ويفر إلى الخارج. وينزح عدد كبير من السياسيين، والعسكريين، والمواطنين، إلى الشطر الشمالي، ويتولى الحكم مجموعة علي سالم البيض وأبو بكر العطاس، وسالم صالح محمد.

وقد أدى ذلك إلى تداعي المؤسسات الاقتصادية، وعانى اليمن الجنوبي أزمة اقتصادية خانقة نتيجة تقلص الدعم السوفيتي عقب سياسة البروسترويكا، كما لم يكن الوفاق داخل الحزب الاشتراكي في أحسن حالاته، مما جعل الحزب يشعر بأهمية خيار الوحدة اليمنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

22. وفي عام 1988، كانت أزمة النظام في اليمن الشمالي، قد بلغت مداها،في الجوانب الاقتصادية والسياسية، داخلياً، وإقليمياً، وانتشر القتال بين القبائل في مناطق متعددة، ولم تستطع الدولة، بسبب هويتها القبلية أن تؤثر فيها، فقد أحصيت في البلاد، في تلك الفترة، خمس وعشرون منطقة اقتتال قبلي، وبدا للنظام في اليمن الشمالي، أن الفرصة باتت سانحة، مع تفاقم الحكم في الجنوب، التعجيل في فرض الوحدة.

23. لقاء تعز أبريل 1988:

عقد لقاء القمة بين الرئيسين، وأكدا في هذا اللقاء، على أهمية المشروعات الاستثمارية المشتركة للثروات الطبيعية، بين الطرفين، في محافظتي مأرب الشمالية، وشبوة الجنوبية، خاصة النفط، وأن تستكمل الخطوط العملية الخاصة بتنفيذه.

24. اتفاقية صنعاء 4 مايو 1988:

تلاحقت مؤشرات بداية عصر الوحدة اليمنية، حيث اتفقت قيادتا الشطرين، ممثلة في الرئيس علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، على متابعة الخطوات الوحدوية، وإبرام اتفاقية للتكامل الاقتصادي بين الشطرين، وسحب قوات الطرفين من مناطق الحدود. ووقع الرئيسان على اتفاقية صنعاء (انظر ملحق اتفاقية صنعاء لمتابعة الخطوات الوحدوية بين شطري اليمن 3 – 4 مايو 1988م.)

25. قيام الوحدة اليمنية:

أ. بعد أن أبرم الرئيسان علي عبدالله صالح، وعلي سالم البيض، اتفاقية صنعاء، في 4 مايو 1988، لإنشاء مشروعات استثمارية مشتركة للثروة النفطية، في محافظتي شبوة ومأرب، واتفقا على سحب قوات الطرفين، من مناطق الحدود بين البلدين، تفادياً لأي مواجهة عسكرية، بين الشطرين. تلاحقت مؤشرات الوحدة، عندما اعتمدت في عدن، في 28 يونيه 1988، عدة قرارات خاصة بإلغاء جميع القيود، على تنقل الأفراد بين الشطرين عبر الحدود، وإلغاء الرسوم والضرائب المتعلقة بحركة مرور السيارات، والبضائع( انظر ملحق اتفاقية عدن بشأن تسهيل تنقل المواطنين بين الدولتين 28 يونيه 1988م.)، الأمر الذي بعث الحياة في جسد “لجنة التنظيم السياسي الموحد”، المنبثقة عن اتفاق طرابلس، بين صنعاء وعدن في عام1972.

ب. وفي 30 نوفمبر 1989، بدأت مفاوضات الوحدة اليمنية بين الشطرين. وطُرحت خيارات الفيدرالية، والكونفدرالية، أو توحيد الوزارات تدريجياً، وتقدمت لجنة التنظيم السياسي الموحد، بأربع صيغ توحيدية، هي:

(1) دمج الحزبين الحاكمين، في شطري البلاد، وهما الحزب الاشتراكي “الجنوبي”، والمؤتمر الشعبي العام الشمالي.

(2) السماح بقيام أحزاب أخرى، إلى جانب الحزبين المذكورين.

(3) حل الحزبين الرئيسيين، في شطري البلاد، وإعداد الأرضية لبروز قوى سياسية جديدة.

(4) تأسيس جبهة عريضة، تضم التيارات السّياسية.

واستمرت المشاورات، بين الحزبين الحاكمين في الشّطرين، حتى شهر مايو 1990، حيث توصلا، إلى إقامة حكومة واحدة، في يمنٍ وحد، إلى جانب السماح بقيام أحزاب أخرى، وهذا ما تحقق في 22 مايو 1990، بالتوقيع على إعلان قيام الوحدة اليمنية الاندماجية بين الشطرين، حيث فاجأ علي سالم البيض، الأمين العام للحزب الاشتراكي، القيادات الأخرى في الحزب، بالموافقة على الوحدة الاندماجية، أثناء وجود الرئيس علي عبدالله صالح، في عدن، ووقعا عليها. وأُعلنت دولة الوحدة( انظر ملحق نص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية في دولة الوحدة.)، على الرغم من معارضة عناصر عديدة في الحزب الاشتراكي.

وحُددت فترة انتقالية مدتها حوالي 30 شهراً، للوصول إلى حكومة اتحادية اندماجية واحدة.

تداعيات أزمة الوحدة اليمنية

قوبلت الوحدة بمعارضة شديدة، من عناصر عديدة، داخل الحزب الاشتراكي، ثم بدأ مسلسل الاغتيالات ضد الأعضاء المعارضين، وراح ضحيته أكثر من 155 شخصاً. وبرزت المشاكل السياسية بين الطرفين، التي ما لبثت أن تحولت إلى صراع سياسي، بظهور أحزاب جديدة ومتعددة، شُكِّلتْ لمنافسة الحزب الاشتراكي والقضاء عليه. وجرت محاولات لرأب الصدع، ولم تنجح، وتفاقمت المشاكل السياسية، والاقتصادية، وتحولت الوحدة إلى صراع بين الأطراف الرئيسية، ساندتها، وأججتها الأصولية والقبلية.
وتثير مواقف علي سالم البيض، من إعلان الوحدة الاندماجية، بطريقة مفاجأة، الكثير من التساؤلات والريبة.

مهما تكن عوامل الالتقاء، التي تجمع الشطرين أو الشعبين، في الشمال والجنوب، وتحتم ضرورة دمجهما في “يمنٍ واحد”، فإن الواقع يقول، إن الأوضاع السياسية، والقبلية، والمذهبية، التي سبقت استقلال كل منها، وطريقة حصولهما على الاستقلال، ثم ما أنجزه كل منهما، منذ ثورة سبتمبر 1962، في الشمال، واستقلال اليمن الجنوبي بالكفاح المسلح عام 1967، قد أوجدت اختلافات واسعة بين طبيعة النظامين، وتفاوت في درجة التطور الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي، في كليهما.

لقد عجز الشطر الشّمالي، عن التخلص من القبلية الشّديدة، التي كانت تعوق عمليات التحديث والتطوير فيه. أما في الجنوب، فإن ما أُنْجز فيه على طريق التحرر الاقتصادي، تقدم بخطوات عنه في الشمال. وكانت السّلطة المركزية في الجنوب، تُحكم بحزب سياسي، وتبسط سيطرتها على كافة أرجاء البلاد، في حين ما زالت السّلطة في الشّمال، غير قادرة على تكوين تنظيم سياسي، يدعم وجودها ويحميها من تقلبات الأوضاع القبلية. وقد حالت هذه الاختلافات، دون تقارب النظامين.

عصفت الأزمة السياسية باليمن، عقب قيام الوحدة اليمنية مباشرة، في الثاني والعشرين من مايو 1990، وكأنها نوع من التهديد الجاد لتلك الوحدة الوليدة. فبدا أن قطيعة جدية تفصل بين الحزبين الحاكمين، “حزب المؤتمر، والحزب الاشتراكي”، وأن أزمة مستعصية تلوح في الأفق. وبسبب طبيعة المطالب والاعتراضات، التي طرحها الطرفان المعنيان في وجه بعضهما، وتبادل الاتهامات من كلا الجانبين، باتت الحلول السياسية لهذه الأزمة غير ممكنة. وتعثرت جهود الوساطة الداخلية والخارجية، لتكشف عن عمق الخلافات بين شطري اليمن.

وتؤكد أن الوحدة اليمينة، لم تكن سوى شعار، وأن ثمة خللاً في إدراك القادة اليمنيين لمفهوم الوحدة، مما جعلها قابلة للنقض، عند اختلاف مصالح الطرفين.

وقد بدأ الصراع السياسي بخلاف، على تطبيق بنود اتفاقيات الوحدة، ثم انتقل إلى خلاف على مواد الدستور، وخلافات وتناقضات أخرى متعددة. وبناء على ذلك، يمكن التعّرف على أسباب فشل الوحدة، من خلال استعراض الدوافع، التي أدت إلى تداعيات أزمة الوحدة، التي انتهت بنشوب الصراع المسلح بين الشطرين.

تطورات أزمة الوحدة اليمنية وأسبابها

واجه اليمن الموحد، أزمات سياسية، واجتماعية، واقتصادية، منذ اليوم الأول للوحدة عام 1990، بدت فيها أزمة الوحدة اليمنية، وكأنها أزمة داخلية في الأساس، قابلة لأن تكون أزمة إقليمية وربما دولية أيضاً. وتعود جذور الأزمة اليمنية، إلى ثلاثة عوامل، يصعب الفصل بينهما، أولاهما: الطريقة، التي تم بها إنجاز الوحدة، والتي امتدت آثارها إلى فترة ما بعد الوحدة، وثانيهما: مجمل القضايا التي تفجرت، وعبّرت عملياً عن أوجه القصور، التي صاحبت إنجاز الوحدة اليمنية ، والاختلافات الكبيرة في رؤى الحزبين الكبيرين حزب المؤتمر الشعبي، والحزب الاشتراكي، لسبل حل تلك المشكلات والقضايا، وثالثهما هشاشة البناء المؤسس للوحدة.

وفي ضوء ذلك، نستعرض في إيجاز عوامل وأسباب أزمة الوحدة اليمنية:

أولاً: العامل الأول:

الطريقة التي تمت بها عملية إنجاز الوحدة “فترة ما قبل الوحدة اليمنية”:

يمكن أن نشير إلى عدة عوامل جوهرية، ارتبطت بهذه العملية، وكان لها آثارها العديدة، سلباً وإيجاباً، على أداء الدولة الموحدة، في الفترة الانتقالية، التي استمرت 35 شهراً، وهذه العوامل هي:

1. الطابع التراكمي، الذي تجلى في إعادة إحياء كل الوثائق، التي تم التوصل إليها من قبل، بشأن الوحدة بين الشطرين، منذ عام 1972، وحتى اتخاذ قرار الوحدة الاندماجية، في 30 نوفمبر 1989، والمعروف باتفاق عدن. ومع ذلك كانت هناك نقطة ضعف رئيسية، تمثلت في عدم صياغة برنامج سياسي، يحدد المهام المطلوب أداؤها في ظل الوحدة، ويراعى فيه مجمل التغيرات الهيكلية، التي لحقت بالشطرين سياسياً، واجتماعياً، خلال الفترة من عام 1972 وحتى عام 1989، ويحدد الأدوار، التي يُفترض أن تقوم بها المؤسسات السياسية، والشعبية، أثناء الفترة الانتقالية. وارتبط بهذه النقطة أيضاً، وجود ثغرات في دستور الوحدة، الذي صيغ في نهاية عام 1981، (كما سبق ذكره).

2. الدور المحوري، الذي لعبه كل من المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي في إنجاز الوحدة اليمنية وإتمامها، وهو ما قاد إلى عدة نتائج سلبية، كان من أبرزها غياب المشاركة الفعلية، والمباشرة، من قِبَلْ القوى السياسية الأخرى، في اتخاذ القرارات المتعلقة بالوحدة، وحدوث نوع من تقاسم السلطة بين الحزبين الحاكمين، في الشطرين سابقاً، على النحو الذي آثار انتقادات، وأوجه قصور عديدة فيما بعد، تجلت جميعها في الفترة الانتقالية.

3. الإسراع في إعلان الوحدة اليمنية ، قبل موعدها المحدد في اتفاق عدن بستة أشهر، أي أن المرحلة، بين اتفاق عدن وإعلان الوحدة، قد اختزلت، وترتب على هذا، أن ظّل واقع التشطير محسوساً.

4. وإذا كانت الوحدة هي عملية اجتماعية، تهدف لتحقيق الانصهار القومي، والانسجام الاجتماعي، فإنها لا يمكن أن تتم بقرار إداري، أو سياسي، ولكنها تتطلب فترة طويلة نسبياً، وتخضع، بحكم طبيعتها، لتفاعلات داخلية، لإبعاد عناصر وأسباب الاختلاف والتباين، وتأكيد عناصر الاتفاق والتشابه، وهو ما لم يسع القادة اليمنيون لاستيعابه.

فقد ركزت مشاريع الوحدة اليمنية منذ عام 1972، على الأبنية السياسية، والشكل الدستوري، من دون الاهتمام بالجوانب الاجتماعية، التي تتطلبها عملية الوحدة والاندماج، خاصة في ضوء التنافر الحاد، الذي يشهده اليمن، إذ تمت الوحدة بين نظامين اجتماعيين وسياسيين متباينين في نواح عديدة.

فقد قدمت الدولة في الجنوب، تجربة فريدة في العالم العربي من حيث تبنيها للماركسية اللينينية، كأيديولوجية رسمية للدولة، وحاولت دفع مشروعها الأيديولوجي للأمام، وقدمته النخبة الحاكمة، التي قادت الكفاح من أجل الاستقلال، كأساس لشرعية الدولة، في حين أنه لم تخرج الدولة في الشمال، عن إطار الدولة التقليدية، ذات النزعة التحديثية.

ولذلك لم تستطع الوحدة بلورة واقع جديد، يصبح محل إجماع من الجميع. فلم تتفاعل قيم ودوافع الوحدة مع الواقع اليمني، ولم يستطع أحد النظامين استيعاب الآخر، في منظومة تفاعلاته السياسية والاجتماعية، ومن ثم غاب مفهوم الصالح العام، والولاء القومي، وغلبت الأصوات المتشددة، على الأصوات المعتدلة، التي كانت تختفي وسط تبادل الاتهامات، والحرب الكلامية، التي تحولت إلى حرب مسلحة، بين شطري اليمن.

ثانيا: العامل الثاني:

القضايا والتطورات، التي تفجرت بعد الوحدة وأسبابها:

شهدت فترة ما بعد الوحدة تطورات وخبرات، منها ما هو إيجابي، ومنها ما هو سلبي، يمثل بالفعل جذور الأزمة السياسية اليمنية، التي أدت إلى الحرب الأهلية:

1. فالخبرات الإيجابية تمثلت في:

أ. استمرار دولة الوحدة على الرغم مما واجهته من صراعات ومشكلات، وعقبات داخلية وخارجية.

ب. شهدت اليمن في ظل دستور الوحدة، طفرة في التوجه الديمقراطي، تمثل في:

(1) ظهور العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية، وعلى الرغم من الدور الذي لعبته التعددية الحزبية في تطور الصراعات الداخلية، نتيجة تعدد اتجاهاتها وتوجهاتها، إلا أنها كانت تمثل بداية جيدة، للممارسة الديموقراطية.

(2) إجراء الاستفتاءات والانتخابات، يشكل ظاهرة صحية، أتاحت للشعب اليمني حرية التعبير عن رأيه، في القضايا، التي تؤثر على مسيرة حياته.

(3) شهدت اليمن، طفرة كبيرة في ظهور الصحف والمجلات الحزبية والمستقلة، التي وصل عددها إلى حوالي مائة (صحيفة ومجلة)، منها اثنان وعشرون صحيفة ومجلة حكومية.

(4) رصد مظاهر حرية التعبير، والممارسات العملية لها، من خلال المناقشات، وحرية النقد، على صفحات الجرائد، والسماح بالإضرابات، والمسيرات، والاعتصامات، والمؤتمرات.

2. أما الإخفاقات وأوجه القصور والسلبيات فكانت على النحو التالي:

أ. العجز عن استيعاب مفاهيم الوحدة:

(1) تُعد الوحدة عملية اجتماعية، تتضمن تفاعل عناصر مختلفة عن بعضها، بهدف دمجهما، إلاّ أنه بالنظر إلى تجربة الوحدة اليمنية، نجد أن التعامل معها تم، باعتبارها مسألة إجرائية، يمكن نقضها من أي من طرفيها، حالما تغيرت حساباته ومصالحه.

كما عدوها حاصل جمع الشطرين، كل منهما يحاول فرض نموذجه على الآخر، دون أن ترتقي النظرة إلى الوحدة، على أنها محاولة تحقيق دمج حقيقي، لمؤسسات دولة الوحدة، بل على العكس، ظل كل طرف محافظاً على مظاهر قوته ونفوذه، من ناحية، وإعاقة الجهود الرامية إلى دمج المؤسسات، من ناحية أخرى.

(2) من المفارقات، التي تبدو غريبة للوهلة الأولى، أن تجربتي الصّدام المسلح، بين شطري اليمن عامي 1972، 1979، قد انتهيتا بإعلان اتفاق للوحدة، يؤكد بشدة على ضرورة الوحدة اليمنية بالنسبة لشطري اليمن. في حين أن الصراع المسلح قد اندلع بين الشطرين، في الذكرى الرابعة، لإعلان اتفاق الوحدة اليمنية في مايو 1994.

وعلى الرغم من كون قضية الوحدة، هي أحد الأهداف المشتركة، لقيادات صنعاء وعدن، منذ أن نالت الأخيرة استقلالها، عن الاستعمار البريطاني، منذ 25 عاماً، إلا أن كليهما، ظل يتفهم الوحدة، قياساً على توجهاته، الأمر الذي نتج عنه سيل متدفق من التعبئة، والتعبئة المضادة، لمواطني الشطرين، إزاء الآخر، مما ولد نوعاً من انعدام الثقة والتربص بالآخر.

(3) دلت الأحداث في اليمن، على أن قادة الشمال، كانوا يرون الوحدة اليمنية ، داخل مبدأ الوحدة فحسب، أو وفقاً للتعبير اليمني في ملصقات حزب التجمع اليمني للإصلاح “الوحدة وبس”، وكانوا يرون، أن تحقيق الوحدة بأي وسيلة يعد عملاً تاريخياً، حتى وإن كانت التضحيات كبيرة، وشملت جثث كل الشعب اليمني. وكانت الوحدة بالنسبة لهم، وسيلة للتخلص من أزماتهم الداخلية، وكذا لبسط سلطانهم على مناطق، يعتبرونها خارجة عليهم، وتأكيداً لمكانة اليمن في المنطقة.

أما الجنوبيين، فكانت الوحدة بالنسبة لهم، معبر لتجاوز الخوف من صراعاتهم الداخلية، ومن العزلة الدولية، والإقليمية، خاصة بعد زوال الاتحاد السوفيتي.

ثالثاً: العامل الثالث: هشاشة البناء المؤسسي للوحدة:

تفاعلت العديد من العوامل، سواء الكامنة في البيئة اليمنية، قبل الوحدة، أو المتواكبة مع تجربة الوحدة، والديموقراطية، لتأسيس مقومات الخلاف، وعرقلة محاولة الاندماج القومي، بين شطري اليمن، ومن ذلك اختلاف التجارب السياسية، والوطنية، طوال فترة الانفصال بين الشطرين، في ظل قيم واتجاهات سياسية، تُكَرّس العداء، والصراع والشك، إلى جانب النزعات الانفصالية للقوى المحلية، والرغبة في الحفاظ على مصالحها القبلية، على حساب المصلحة القومية

فإضافة إلى بعض أوجه القصور، التي شابت عملية الوحدة، وعدم دمج المؤسسات، واختلال التوازن السياسي، بين القوى السياسية، وتنامي روح العداء، وعدم الثقة، وتبادل الاتهامات، وتغليب المصالح الشخصية، من جانب القادة اليمنيين، هذه العوامل وغيرها، أسهمت في إيصال التجربة الوحدوية، إلى أزمة سياسية، لم تفلح معها محاولات التسوية السلمية، ليُفْتَحْ المجال أمام الصراع المسلح. وتنحصر أهم العوامل التي أدت إلى هشاشة بناء الوحدة اليمنية، في الآتي:

اتسمت الوحدة اليمنية بالضعف المؤسسي الشديد، حيث بدأ ذلك بدستور مؤقت، وضع بسرعة فائقة، وركز السلطة كلها في يد رئيس الجمهورية، بما في ذلك تكوين السلطة التشريعية، في دولة الوحدة.
تعثر استكمال دمج العديد من المؤسسات الحيوية بدولة الوحدة، وإن ما تم توحيده منها، لم يدمج بالمعنى الحقيقي، نتيجة لعدم دمجها بشكل تدريجي، ومنظم، يراعي مصالح جميع الأطراف وطموحاتها، ويأخذ الطابع الحضاري المنسق، وبقيت هذه المؤسسات على حالها، وأصبحت مجرد واجهة شكلية، تخفي وراءها، واقع تشطيري، حال من دون حدوث تطور حقيقي على أرض الواقع، في سبيل إنتاج كيان يمني موحد.
كان من أشد الجوانب خطورة وسلبية، عدم توحيد مؤسستي الجيش والأمن، وهذا يعني أن الوحدة اليمنية كانت في حقيقتها، دون المستوى الفيدرالي.

قصر مدة الفترة الانتقالية، ولم تتسع لعمليات ترسيخ حسن النوايا، والتفاهم المشترك بين الأنظمة السابقة في الشمال والجنوب، واستمر لكليهما نهجه السياسي الخاص به.

غياب، أو ضعف التمثيل الحقيقي للتيارات السياسية، في المؤسسات المختلفة، وأجهزة الدولة، حيث أعقب إعلان الوحدة، اتفاق بين الحزبين الكبيرين، على تقاسم السلطة على كافة مستوياتها، والدمج بين المجلسين النيابيين في الشمال والجنوب، وكلاهما لم يكن منتخباً بشكل ديموقراطي، مما أدى إلى وضع بذرة الأزمة.

إن الدستور اليمني، الذي وضع خصيصاَ لدولة الوحدة، وأُقِرّ في استفتاء رسمي، ينص على قدر كبير من اللامركزية، إلاّ أن حكومة دولة الوحدة تجاهلت في واقع الأمر ذلك، وتجاهلت تقاسم السلطة، وأصبحت القضية الرئيسية في الصراع، هي مطالبة القادة الجنوبيين في اليمن، بإصلاحات دستورية، لضمان الحقوق المتفق عليها، لتعطي الجنوب مزايا اقتصادية، وسياسية أفضل، في إطار الدولة الموحدة

حيث كان الهدف المركزي في فكر الجنوب هو تقاسم السلطة، وليس استحواذ الشمال عليها، ونظراً لعدم التكافؤ بين الشطرين، في المساحة، وعدد السكان، والموارد الاقتصادية، حيث إن أكثر من ثلثي المساحة في الجنوب، وأكثر من ثلثي الموارد الاقتصادية في الجنوب أيضاً، وفي المقابل فإن الشطر الشمالي لديه أكثر من ثلثي السكان، لأجل هذا، نشبت الأزمة، وتفاعلت، حتى وصلت إلى قمة الصراع السياسي، الذي انفجر إلى صراع عسكري.

وقد ترددت وسط ذروة الأحداث، المقولة التي تشير إلى أن الشمال يسعى للهيمنة على الجنوب، على أساس أن الجنوب أرض بلا شعب، وأن الجنوب فرع من الأصل، تم استقطاعه، ولا بد أن يعود إلى الأصل.
وهنا ظهرت معضلة العلاقة غير المتكافئة بين طرفي الوحدة، من حيث عناصر القوة الشاملة، فقد خشي الجنوبيون من هيمنة الشماليين على ثروتهم النفطية، كما رفض علي عبدالله صالح، أن يشكل الحزب الاشتراكي قيداً على إرادته وقراراته.

عدم التكافؤ في القوة البشرية، حققت ميزة للشطر الشمالي. فعلى سبيل المثال فإن الشطر الشمالي ذو الثلاث عشر ملايين نسمة، يستطيع، في أي انتخابات رئاسية، أن يضمن منصب الرئيس بسهولة، في مواجهة الجنوب ذو المليونين والنصف من النسمة، كما أنه في أي انتخابات يمكن تحقيق الأغلبية للشمال بسهولة، مما جعل الجنوبيين يعتقدوا أنهم دخلوا الوحدة بلا دور أو تأثير.

تصاعد الأزمة الاقتصادية، وتراكم الأعباء على الشريحة العظمى من أبناء اليمن.

الفشل في تطبيق مبدأ الأخذ بالأفضل في تجربة الشطرين، وتعميمه على نطاق الدولة الموحدة، وكان ما حدث هو عكس ذلك، إذ انتقلت العديد من السلوكيات السلبية في مجال قانون الأسرة، والأحوال الشخصية، وحمل السلاح، أو عادة مضغ القات، وغياب الانضباط الإداري والأمني، وغياب الرقابة، من المحافظات الشمالية إلى الجنوبية رغم خبرة الأخيرة في هذه المجالات.

غموض بعض الجوانب السياسية للقيادة العليا في دولة الوحدة، مثل عدم وضوح الاتجاهات التي ستسير فيها دولة الوحدة، ففي الوقت الذي تم فيه تشكيل قيادة عسكرية واحدة، فلقد احتفظ كل طرف، بقواته المسلحة، وخطوطه الجوية، كما استمرت نظم الجمارك، على الرغم من الاتفاق على إلغائها، ولكل منهم نظم قضائية مختلفة، واحتفظ كل منهم بعاداته، فالشماليين الذين لم يظهر انهم يقلعون عن مخدر القات، عارضوا بشدة بيع الخمور وتصنيعها في الشطر الجنوبي، وبدأ المنفيون بالخارج من الشطر الجنوبي، يلتمسون إعادة أملاكهم وأراضيهم، التي استولت عليها الجمهورية السابقة، وسرعان ما أبطلت قوانين حماية حقوق المرأة، في المساواة الوظيفية، والمعاملة المتساوية مع الرجل، في الطلاق واختيار الزوج، التي كانت قد أصدرتها جمهورية اليمن الديموقراطية، في الوقت الذي سارت فيه تساؤلات حول حقوق المرأة القانونية في الميراث والملكية.

ضعف مستوى التطور السياسي، حيث ارتبط تفجر الأزمات السياسية بمواقف الأشخاص، وليس لأسباب موضوعية، وفي هذا السياق فإن الصدام بين الرئيس اليمني، ونائبه، قد أظهر المرارات المتبادلة بين الشمال والجنوب، وانعكس ذلك على أداء المؤسسات في دولة الوحدة، وخاصة المؤسسة العسكرية، حيث ظهر بوضوح، أن الطرفين قد عجزا عن أحداث تطور سياسي حقيقي، يتجاوز الولاء للأشخاص، إلى الولاء لدولة الوحدة.

أزمة الثقة التي يعاني منها كلا الحزبين الكبيران، حيث سادت حالة من عدم الثقة بين طرفي الخلاف، وتراكمت في اتجاه فقدان الثقة كشكل متبادل، حيث لم تعد وعود كل طرف كافية لحل الأزمة، وإنما كل طرف يطالب بضمانات محددة زمنياً لتنفيذ هذه الوعود.

أدى الطابع القبلي للمجتمع اليمني، إلى استناد طرفي الأزمة، إلى وزنه القبلي، وعدم تقديم تنازلات من أجل تجاوز الأزمة.

كانت الإدارات الحكومية وغير الحكومية في اليمن، تعاني حالة من الفساد الوظيفي والفوضى، وقد أدى ذلك إلى تفاقم الأزمة في اليمن.