الصراع على النظام الدولي

the blamed

عضو مميز
إنضم
29 مارس 2012
المشاركات
4,768
التفاعل
12,119 17 0
الثورة السورية ومسارات التدويل


(14 / 2 – 2)


الصراع على النظام الدولي


د. أكرم حجازي


15/9/2013


5234fc20132a1.jpg





قال تعالى:


﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾، ﴿ البقرة: 214 ﴾.

﴿ حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾، ﴿ سورة يوسف: ١١٠﴾.




في أعقاب قرار اتخذه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بالرد عسكريا على الهجوم الكيماوي على قرى الغوطة الشرقية، أعلن البيت الأبيض رسميا أنه في 31 / 8 /2013 أرسل إلى الكونغرس مشروع قرار يطلب فيه تفويضا بتوجيه ضربات عسكرية ضد النظام السوري, وإعطاء الرئيس الضوء الأخضر لـ « وقف» و « تجنب» حصول هجمات كيميائية. وينص مشروع القرار على أن دعم الكونغرس سوف: « يرسل رسالة واضحة عن موقف أميركا الحازم» .. وأن: « الغرض من هذا العمل العسكري هو ردع النظام السوري وإعاقة وتقويض قدراته على استعمال الأسلحة الكيميائية مجددا والوقاية منها». لكن الكونغرس أرجأ التصويت بعد ساعات من انطلاق اجتماعاته المنتظرة.

موضوعيا، ثمة قدر لا بأس به مما يبدو ارتباكا دوليا في التعامل مع الشأن السوري، لكنه في واقع الأمر، وبعيدا عن مذابح النظام ودمويته، ليس سوى صراع على النفوذ بين شقي « المركز». وموضوعيا أيضا فقد بدت أدوات السيطرة والتحكم في الشأن السوري آخذة في التآكل مع نمو سطوة الجماعات الجهادية وقوى الثورة السورية، مما يهدد باحتمال كبير بوقوع فراغ في السلطة قد يتوسع إلى الدرجة التي تهدد بفقدان السيطرة وتعريض التركيبة المتآكلة للنظام الدولي لمخاطر جسيمة.

فقبل مذبحة الغوطة بحدود ثلاثة أشهر، نشر موقع قناة « الجزيرة نت - 1/6/2013 » مقالة لوزير الخارجية الألماني الأسبق، يوشكا فيشر، بعنوان: « أمريكا المفتقدة». وانضم المسؤول الغربي في المقالة إلى أصحاب الأطروحة الذين باتوا مقتنعين بأن النظام الدولي الحالي، بعد الثورة السورية خاصة، قد أمسى في مهب الريح. وبلسانه يقول: « (لقد) جرى الحفاظ على النظام الإقليمي الذي خلقته القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وإلى نهاية الحرب الباردة والحقبة الوجيزة من الهيمنة الأميركية الأحادية التي أعقبت نهايتها، بيد أن اضطرابات السنوات الأخيرة العنيفة ربما تفضي إلى نهاية هذا النظام ..الآن أصبحت الحدود الاستعمارية محل تشكيك، ومن الصعب أن نتكهن بما قد تنتهي إليه أحوال سوريا ولبنان والعراق والأردن. والآن أصبحت إمكانية تفكك المنطقة وإعادة تشكيلها - وهي العملية التي قد تطلق أعمال عنف لا توصف كما يحدث في سوريا - أعظم من أي وقت مضى».

فلنتابع ما كشفت عنه مذبحة الغوطة من تشخيص لوقائع صراع دولي انطلق ولن ينتهي قريبا، لا بضربة عسكرية ولا بأخلاق لم تعد قائمة منذ زمن بعيد.


أولا: عالم بلا أخلاق


ليس في النموذج الرأسمالي الذي يهيمن على العالم سوى معياري الكسب والخسارة حتى في إطار الصراع على النظام الدولي، فكل الأمور والأشياء، وفق هذا النموذج، ليست سوى سلع يجري المتاجرة بها بموجب ما تفرضه حركة السوق من تثمين لهذه السلعة أو بخس لأخرى. وهكذا انتهزت زعامات « المركز» مذبحة الغوطة كسلعة ثمينة يمكن المتاجرة بها تحت مظلة ردع الأسد عن استخدام الأسلحة الكيماوية وقتله لنحو 1429 بريئا. أما روسيا، الراعي الرسمي للقمع والاضطهاد والحرمان والقتل لعشرات السنين، فقد جعلت من المبررات القانونية السلعة المنافسة، في القيمة، للمذبحة. أما الثابت بين شقي « المركز» ففي أنهما لم يتصرفا في يوم ما بأية أخلاق، ليس لأنهما مجردان منها فحسب بل لأن المنظومات الأخلاقية برمتها ليست في عالم المصالح من السلع المتداولة في نظام السوق البغيض هذا.

وبقطع النظر عن أية تبريرات للقرار الأمريكي إلا أن قرار التدخل العسكري من المفترض أنه اتخذ بموجب الصلاحيات التي تخول الرئيس اتخاذ القرار دون العودة إلى الكونغرس إلا بعد مرور شهرين، ودون الحاجة إلى مجلس الأمن الدولي، بل ودون الحاجة إلى أي سند قانوني، محلي أو دولي. وهذا يعني أن التدخل العسكري، رغم الاندفاع الإعلامي والتردد السياسي، دخل فعليا حيز التنفيذ، سواء وافق الكونغرس أو رفض أو أرجأ قراره، وسواء أدان التحقيق الدولي سوريا أم لم يدنها، وسواء نجحت المبادرة الروسية بنزع السلاح الكيماوي في سوريا باعتراض الكونغرس أو فشلت.

وفي المحصلة فإن قرار أوباما لا يختلف عن قرار سلفه جورج بوش الابن حين غزا العراق ( أفريل / نيسان 2003) بعيدا عن أية أطر قانونية محلية أو دولية إلا من السعي إلى تشكيل تحالف دولي كما فعل بوش من قبله!!! وهذا ما يراه، ليس الروس فقط، بل بعض الكتاب البريطانيين والأوروبيين الذين أبدوا مخاوفهم من تكرار التجارب الفاشلة في العراق وأفغانستان من قبل. والمثير في الأمر أن أحدا لم يعد بإمكانه أن يبتلع تدخلا من المفترض أنه يستهدف النظام الدموي في سوريا، لكنه ليس كذلك ولن يكون. كما لا يمكنه أن يتقبل ببساطة حديثا عن تدخل باتت تعترضه الشكوك في أهدافه وألف عقبة وعقبة في طريقه.

ومع ذلك فإن المشهد الأشد إثارة تجلى في مواقف الشعوب الأمريكية والأوروبية المناهضة على نطاق واسع للتدخل. وقد كان بالإمكان أن النظر في أولويات الأوضاع الداخلية لهذه الشعوب ودولها في ضوء التجارب السابقة والأزمات الرأسمالية والاقتصادية، لكن كيف يمكن تبرير مواقف شعوب أدارت ظهرها لأكثر من عامين ونصف لأبشع جرائم القتل بحق شعب من أرق شعوب الأرض، ولم تكلف نفسها عناء الخروج، حتى الآن، ولو في احتجاج واحد ضد وحشية نظام طائفي أرعن يتلقى الحماية والدعم من دول هذه الشعوب ذاتها.

فالأمريكيون أنفسهم رفضوا التدخل بنسبة 60%، فضلا عن أن أكثر من 70% منهم باتوا يعتقدون أن « الضربات لن تخدم المصالح الأميركية»، مع ارتفاع النسبة إلى حدود 75%. أما البريطانيون فقد عارضوا التدخل العسكري بنسبة 75%، ورفضوا في مجلس العموم مذكرة الحكومة التي تقدمت بها في 30/8/2013، وانتهت القراءة الأولى لها بالتصويت ضدها بنسبة 285 معارضا مقابل 272 مؤيدا لها. ولعل أطرف ما في هذا الرفض أنه الثاني من نوعه في بريطانيا منذ سنة 1782 عندما عارض المجلس طلب الحكومة إعلان الحرب على المتمردين في أمريكا، وهو ما اعتبر، في حينه، اعترافا باستقلال أميركا، لكنه اليوم يعارض تدخلا لمنع استعمال أسلحة الإبادة الجماعية ضد المدنيين الأبرياء وليس د ثوار أو متمردين. أما بقية الشعوب، وبحسب استطلاعات للرأي العام، فقد رفض 68% من الفرنسيين تدخل بلادهم في سوريا، وأبدى 64% منهم معارضتهم بشكل عام لأي عمل عسكري دولي ضد نظام الأسد، واتخذ 63% من الألمان نفس الموقف.

إذا كان هذا حال الشعوب فما بال الدول!!؟ فالولايات المتحدة وبقية دول « المركز»، ( بريطانيا وفرنسا والصين وروسيا)، امتنعت عن التدخل مع العلم أن سلعة القتل ظل سعرها بخسا لأكثر من عامين على انطلاقة الثورة السورية، حتى تجاوز عدد القتلى الرقم 125 ألف إنسان في سوريا. بل أنها حالت دون إدانة النظام ( روسيا والصين)، في الوقت الذي رفضت فيه ( أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، إمداد الثوار بأية أسلحة نوعية يمكن أن (1) تساعد في حماية السكان من الغارات الجوية وعمليات القتل والاختطاف والذبح التي تعرض لها كبار السكان وصغارهم، أو (2) إضعاف النظام، ناهيك عن (3) هزيمته أو (4) إسقاطه.

بل أن هذه الدول حالت دون، أو رفضت، إقامة أية مناطق عازلة أو ممرات آمنة لحماية السكان، إلى أن وصل عدد المهجرين والنازحين في سوريا قرابة 12 مليون مواطن. وهي نتيجة مفزعة بكل المقاييس، ولطالما وصفها حتى قادة أوروبيون وحقوقيون دوليون بأنها كارثة القرن21، رغم أن القرن ما زال في بدايته!!!

على خلفية فشل مجلس الأمن وتأجيل الضربة الأمريكية تدخل مفكرون يهود ومسؤولون سابقون في الحكومة « الإسرائيلية» ليحسموا في سلسلة من المقالات ( 5/9/2013 ) جدل أخلاقيات الحرب الأمريكية، ليس من باب المواقف الشعبية أو حتى الرسمية، بل كانعكاس لأخلاقيات الحرب عند اليهود أنفسهم. وهكذا تجلت أخلاق صاحب نوبل للسلام فيما كتبه وزير الدفاع الأسبق، موشيه أرنس، في صحيفة « هأرتس» يقول: « أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يدرك» أن معارضي الأسد: « ينتمون إلى منظمات إسلامية متطرفة تسعى للقضاء على إسرائيل وعلى الحضارة الغربية، لذا فهو لا يريد إسقاط الأسد، وإنما إبلاغه رسالة مفادها: واصل قتل الأطفال والنساء لكن بدون الكيميائي».

أما أفيعاد كلاينبرغ، المفكر « الإسرائيلي»، فكتب في صحيفة « يديعوت أحرنوت» بصريح العبارة : أن أوباما لا يتحرك بدوافع أخلاقية ولا يهمه استمرار قتل المدنيين بأسلحة غير كيميائية»، ... لكن ... « المفضل في كثير من الأحيان إبقاء الأوغاد على حالهم لأن البديل ببساطة أسوأ». وردا على ما اعتبره: « نفاق النخب الإسرائيلية الحاكمة بمسارعتها في انتقاد تأجيل أوباما قرار ضرب سوريا»، كتب مفكر آخر، هو سافي ريخليفسكي، في صحيفة « هأرتس» يقول: « إن أوباما يتصرف وفق اعتبارات السياسة الواقعية المتحكمة أيضاً بسلوك القيادة الإسرائيلية، التي لم تحركها الدوافع الأخلاقية بيوم من الأيام» .. مذكرا بمجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين في لبنان سنة 1982 الذي خطط لها ونفذها السفاح، وزير الدفاع الإسرائيلي الهالك، أرييل شارون، ومؤكدا القول: « إن تل أبيب دأبت على التحرر من القيود الأخلاقية حتى عندما يتعلق الأمر بمسؤولياتها المباشرة» .. لذا فإن: « إسرائيل تحت حكم نتنياهو هي آخر دولة يسمح لها بالحديث عن سلوك سياسي بدوافع أخلاقية»!!! وكأن أسلافه أو أقرانه في الحكومة أطهر منه!!!

في 19/3/2013، بعد حادثة بلدة خان العسل غربي مدينة حلب، وقعت جلبة كبيرة في النظام الدولي على خلفية ما بدا هجوما بصاروخ كيماوي شنه النظام السوري على البلدة. وفي اليوم التالي أعلن الرئيس الأمريكي أنه: « إذا استخدم نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية» فسيكون ذلك: « خطأ خطيرا ومفجعا»، يؤدي إلى: « تغيير قواعد اللعبة». ومن جهته قال تشاك هيغل، وزير الدفاع الأميركي، أن أجهزة الاستخبارات الأميركية: « خلصت بدرجات متفاوتة من الثقة إلى أن النظام السوري استخدم أسلحة كيمياوية على نطاق ضيق في سوريا وعلى الأخص غاز السارين». ومع ذلك ظل خط أوباما الأحمر ساري المفعول ولم تتغير أية قواعد للعبة حتى بعد مذبحة الغوطة إلا باتجاه ما يستجيب للمطالب اليهودية وليس لحماية المدنيين حيث يستمر القتل بلا هوداة.

يتبع...


 
ثانيا: فيتو يتهاوى ونظام دولي قابل للتفكك!!!


شكل فشل مجلس الأمن في تمرير الضربة العسكرية انعطافة قوية أدت إلى (1) تأجيل الضربة، و (2) التوجه للكونغرس الأمريكي لانتزاع تفويض محلي منه، مع (3) الاحتفاظ بالجاهزية القتالية للقوات الأمريكية قيالة السواحل السورية والمنطقة. إلى هذا الحين (29/8/2013) كانت أهداف الضربة الأمريكية عامة وغير محددة الملامح. فجاءت في صيغة (1) حماية الأمن القومي، و (2) المصالح الأمريكية، و (3) ضمان أمن أصدقاء أمريكا في المنطقة (« إسرائيل» والأردن وتركيا)، و (4) ردع الرئيس السوري عن استعمال الأسلحة الكيماوية. أما رد الفعل الأمريكي المنتظر فقد ظل مائعا ما بين « ضربة محدودة» في الزمان والمكان، كما قال أوباما، أو « صغيرة لدرجة لا تُصدق» (9/9/2013)!!، بحسب وزير الخارجية، جون كيري، أو« شديدا وجديا» (29/8/2013) كما قال السفير الأمريكي في « إسرائيل»، دان شابيرو، عشية انعقاد مجلس الأمن.

من المفترض أن التراجع الأمريكي عن الضربة سيعني، للوهلة الأولى، أن الولايات المتحدة فشلت في مجلس الأمن ليس فقط في الدفاع عن هيبتها ومصداقيتها، بل حتى في حماية أمنها القومي الذي صار رهين الفيتو الروسي والصيني!!! حتى وإنْ كانت هذه فضيحة بكل المقاييس، إلا أن الأسوأ يكمن في تداعياتها. فالمسألة بالنسبة للأمريكيين واقعة في تجاوز ما يعتبرونه خطوطا حمراء في حين هي عند الروس مسألة قانونية. فقبل اجتماع مجلس الأمن بقليل دعت صحيفة « الواشنطن بوست - 29/8/2013 » الرئيس الأمريكي إلى: « إثبات أن هناك عواقب وخيمة لمن يجرؤ على انتهاك الخطوط الحمراء التي تضعها الولايات المتحدة، وإلا فإن النظام العالمي سيبدأ بالتفكك».

لكن بعد فشل المجلس في اتخاذ أي إجراء بدت الأمور بالنسبة لنائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف، كما لو أن النظام الدولي بدأ فعلا بالتفكك، فقالت: « إن الخطوات التي اتخذتها روسيا بما في ذلك الاعتراض على ثلاثة قرارات سابقة لمجلس الأمن تدين حكومة الرئيس بشار الأسد، تشكك فيما إذا كان المجلس هو المكان المناسب للتصدي للحرب المستمرة منذ عامين». أما الكاتب بول فاليلي فقد وصف في مقال له في صحيفة « ذي إندبندنت أون صنداي – 8/9/2013 » البريطانية، مجلس الأمن الدولي بأنه « معطل»، ونسبت الصحيفة إلى سفيرة الولايات المتحدة الأممية، سمانثا باور، قولها: « إن المجلس لم يعد يقوم بالواجبات التي نشأ من أجلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية». ومن جهتها، أوضحت الصحيفة أن: « مجلس الأمن بصورته الحالية يتسبب في إعاقة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، عن القيام بكبح جماح الأسد وزمرته من الاستمرار بارتكاب مجازر جماعية بحق المدنيين في سوريا»، مشيرة إلى أن: « النظام الأممي اُبتكر عام 1945 للتعامل مع التهديدات من هذا النوع في المقام الأول» .. (لكن) .. « مجلس الأمن الدولي لا يقوم بمنع الأخيار من السيطرة على أفعال الأشرار وكبحها، ولكنه يتيح لروسيا استخدام حق الفيتو من أجل حماية حليفها الأسد، رغم إمعان الأخير في ذبح المدنيين بدم بارد وبالغازات السامة»، وأكثر من ذك، قالت الصحيفة أن: « رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يتبنى نفس وجهة النظر من المجلس الأممي». وبهذا المنطق فإن ضربة في الصميم تعرضت لها مصداقية الولايات المتحدة عند حلفائها. فمن سيثق بعدها أن الولايات المتحدة مرجعية يمكن الوثوق بها!!!؟

وأكثر من ذلك حين جاءت الطامة الكبرى في راهن النظام الدولي ومستقبله في المقالة التي كتبها الرئيس الروسي ، بوتين، في صحيفة « نيويورك تايمز – 12/9/2013». ولطالما تحدثت الخارجية الروسية عن المخاطر التي تتهدد النظام الدولي، وأن روسيا تدافع عن النظام الدولي وليس عن الرئيس السوري، بشار الأسد. لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس الروسي عن خطر التفكك. ففي مقالته، التي جاءت بعد خطاب الرئيس الأمريكي والمقترح الروسي بنزع الأسلحة الكيماوية، قال بوتين: « إن القانون يظل قانوناً وعلينا الامتثال له سواءً راق لنا أو لم يرق .. لا أحد يرغب في أن تواجه الأمم المتحدة نفس المصير الذي آلت إليه عصبة الأمم من قبلها» .. مشيرا إلى أن انهيار الأمم المتحدة ممكن طالما أن: « الدول المؤثِّرة تتجاهل الأمم المتحدة وتنصرف إلى العمل العسكري دون تفويض من مجلس الأمن الدولي».

وتعليقا منه على مخاطر الضربة الأمريكية على النظام الدولي؛ احتج بوتين بالقول: « إن أي ضربة سوف تفاقم العنف وتُطلق العنان لموجة جديدة من الإرهاب. وقد تقوض الجهود المتعددة الرامية إلى حل مشكلة النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتزعزع استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر. بل إن من شأنها أن تُفقد منظومة القانون والنظام الدولي برمتها توازنها».

وإذا كانت ذات الصحيفة رأت بأن الرئيس الروسي، خاصة بعد عرضه خطة نزع الأسلحة الكيماوية السورية: « قد تمكن من تحقيق عدة أهداف في الأزمة السورية المتفاقمة، على حساب نظيره الأميركي»، فإن الكاتب إيلاي سولتزمان في صحيفة « لوس أنجلوس تايمز - 12/9/2013» كان أشد وضوحا في مقالته التي كتب فيها يقول: « إن لدى بوتين عقيدة تتمثل في السعي لبناء روسيا على حساب نفوذ الولايات المتحدة في العالم»، ... وأنه: « سعى لتحقيق هذا الهدف بشكل ممنهج منذ اعتلى سدة الحكم .. إنه يسعى إلى تجديد وضع روسيا على الخارطة العالمية، وإلى زيادة نفوذها السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك من أجل جعل البلاد تصبح دولة عظمى مرة أخرى»، .. وأنه: « استغل موارد روسيا الاقتصادية لتقوية الجيش الروسي، والذي تضاعفت ميزانيته ثلاث مرات منذ حوالي عشر سنوات».

أما بالنسبة لليهود الذين لا يشعرون بخطر الكيماوي السوري بقدر ما يثيرهم البرنامج النووي الإيراني، وهو ما يعلمه الروس علم اليقين، فإن المشكلة عندهم ليست في النظام الدولي بل في شخصية ونفسية الرئيس الأمريكي نفسه. ففي أعقاب التأجيل نقلت صحيفة « معاريف - 1/9/2013 » عن مسؤولين « إسرائيليين» قولهم: « إن أوباما جبان، وواضح أنه لا يريد شن هجوم ويبحث عن دعم من جانب الكونغرس». ومن جهتها نقلت صحيفة « يديعوت أحرونوت» عن محافل وصفتها بالرفيعة في « إسرائيل» قولها: « أنها فوجئت من خطاب الرئيس الأميركي، وتجد صعوبة في فهم الإستراتيجية الأميركية في بناء شيء ما، بعد ذلك التراجع». ورأت صحيفة « هآرتس» أن: « تردد أوباما وُصِف في إسرائيل بأنه تعبير عن الضعف وانعدام الزعامة من جانب القائد الأعلى». وعلى صفحته في « الفيس بوك»، اعتبر وزير الاقتصاد « الإسرائيلي»، نفتالي بينيت، أن: « التردد الدولي بشأن سوريا يثبت مرة أخرى أنه ليس لدى دولة إسرائيل أحد يمكنها الاعتماد عليه إلا نفسها».

كل هذا قيل بعد فشل مجلس الأمن (29/8/2013)، أما بعد قبول المقترحات الروسية في 9/9/2013 فيما يتعلق بنزع الأسلحة الكيماوية من النظام السوري، فقد عاد اليهود ليصبوا جام غضبهم على الرئيس الأمريكي. ولعله ما من رئيس أمريكي حظي بالنقد والتقريع من اليهود مثلما حظي به أوباما. أما هذه المرة فقد ركز النقد على مؤهلاته القيادية أكثر من أي وقت مضى. وعلى ذمة المعلق السياسي للإذاعة العبرية، تشيكو منشه، (11/9/2013)، فإن قبول أوباما للمقترح الروسي بدا وكأنه يقول لبشار الأسد: « بإمكانك أن تواصل ذبح شعبك بكل وسائل القتل التي بحوزتك باستثناء السلاح الكيميائي». تماما مثلما قال قبله وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه أرنس. أما وزير الطاقة الإسرائيلية، سيلفان شالوم، فرأى أن: « تردد القيادة الأميركية في الوفاء بتعهداتها بشأن توجيه ضربة لسوريا سيمس بقوة ردعها العالمية».

ومن جهته سخر المعلق « الإسرائيلي» بن كسبيت من السلوك القيادي لأوباما قائلاً: « إنه لم يصمد في يوم من الأيام في مواجهة ضغط». وفي مقالة له نشرها في النسخة العبرية لموقع « ذي بوست» الإخباري قال بن كسبيت: « العالم كله بات يشكك في قدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم، لقد وضع أوباما نفسه في وضع غريب وتافه»، مشيرا إلى أن أوباما سمح للأسد بأن يظهر: « كما لو كان خصما سياسيا يتنافس معه في انتخابات تمهيدية وليس شخصا يخشى من ردة فعل عسكرية»، أو: « كموظف خدمة اجتماعية رحيم وحنون، مهتم بأن يظهر كقائد ذي شعبية وقبول جماهيري»، في حين أن: « الموظفين الاجتماعيين لا يمكنهم أن يقودوا العالم الحر». أما الحل عند بن كسبيت فهو ما ختم به مقالته: « فليذهب أوباما إلى الجحيم، فهو لا يعرف كيف يخرج من المستنقع الذي أمضى وقتا طويلا على التدرب من أجل الوقوع فيه». ولحق به بوعاز بسموت، المعلق في صحيفة « إسرائيل اليوم»، الذي سخر هو الآخر من تردد أوباما قائلا: « الأسد الذي يحتفل اليوم الأربعاء بعيد ميلاده بإمكانه أن يتمنى لنفسه العيش حتى سن 120 سنة كرئيس لسوريا، في أعقاب رهان أوباما على المقترح الروسي». لكنه أشار إلى ما هو أخطر من ذلك حين رأى أن: « كل المؤشرات تدل على أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وليس أوباما هو الذي يدير مقاليد الأمور في العالم، مما قلص من أهمية الخطاب الذي ألقاه أوباما حتى قبل أن يتفوه بكلمة واحدة».


ثالثا: الكيماوي وأصل المبادرة


بدا الكونغرس الأمريكي بعد فشل مجلس الأمن كما لو أنه قبلة الجميع. فالدول والإعلام والمؤسسات الدولية والمعارضة السورية وحتى المراقبين والمحللين والمفكرين والصحفيين والكثير من الأفراد والجماعات .. كلهم صاروا يترقبون انتهاء الكونغرس الأمريكي من إجازته والاجتماع في 9/9/2013 انتظارا لموقفه من الضربة الأمريكية التي عُلِّقَت على كاهله!!! وما إذا كان سيمنح الرئيس أوباما التفويض اللازم أم أنه سيمتنع عن ذلك. أما الروس فقد تربصوا بالكونغرس والرئيس الأمريكي الدوائر، في حين تصرف المؤيدون للضربة وكأنهم رعايا أمريكيين، وأن الكونغرس يتوجب عليه أن يأخذ بعين الاعتبار رغباتهم وطموحاتهم خاصة وأن السكين الكيماوي أخذ في جز الرقاب بما لم يعد معه احتمال أية مواقف موضوعية أو عاطفية.

وبالكاد عاد الكونغرس من إجازته في 9/9/2013 ليبدأ مناقشة مشروع الرئيس الأمريكي والتصويت على تفويض يسمح بتوجيه ضربة عسكرية أمريكية للنظام السوري حتى اعترضته روسيا بمشروع يقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي. وكأن الكونغرس ومجلس العموم البريطاني ومجلس الأمن وحتى البيت الأبيض صارت كلها مؤسسات خاضعة لهيمنة الكريملين على سياساتها، محليا ودوليا!! وفعليا أرجأ الكونغرس تصويته المنتظر. وأعلن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي، السناتور هاري ريد، أنه: « تم إرجاء التصويت الأولي الذي كان مقررا غدا الأربعاء (11/9/2013) على مشروع قرار يجيز توجيه ضربات عسكرية إلى سوريا، وذلك إثر الاقتراح الروسي بشأن الترسانة الكيميائية للنظام السوري». أما الرئيس الأمريكي فمع أنه صرح بأنه: « غير متأكد من الحصول على دعم الكونغرس بشأن استخدام القوة العسكرية في سوريا»، إلا أنه أعلن ترحيبه بالمقترح الروسي مع بعض التحفظ المصحوب بـ « التشكيك» بجدية العرض حين التفاصيل، وفيما يشبه الاحتفاظ بوضعية اليد على الزناد وإبقاء الباب مفتوحا لعمل عسكري محتمل لأكثر من سبب بما فيه حفظ ماء الوجه.

وفي 10/9/2013 كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن بنود ما صار يعرف، بين ليلة وضحاها، بالمبادرة التي تقضي بـ:

(1) « وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت إشراف دولي؛
(2) ومن ثم تدميرها؛
(3) وتوقيع النظام على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة الكيماوية».

وفي 12/9/2013 نقلت صحيفة « كومرسانت» الروسية عن مصدر دبلوماسي روسي قوله أن الخطة تنطوي على أربع مراحل، تنص على:

(1) « انضمام دمشق لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية؛
(2) الإفصاح عن مواقع تخزينها وصنعها؛
(3) السماح لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتحقيق بشأنها؛
(4) تحديد كيفية تدمير الأسلحة بالتعاون مع المفتشين».

ورغم موافقة دمشق على المبادرة الروسية، بعد ساعات من الإعلان عنها، إلا أن الغرب ظل على قدر لا بأس فيه من الحذر. وفي السياق أعلنت فرنسا في 11/9/2013 عن مسودة مشروع قرار ستتقدم به إلى مجلس الأمن: « يمهل سوريا 15 يوما لتكشف بشكل كامل عن برنامجها»، ( وبحسب الأمريكيين 30 يوم)، وتطالب المسودة أن تفتح سوريا على الفور جميع المواقع المرتبطة بأسلحتها الكيميائية أمام مفتشي الأمم المتحدة تحت طائلة التعرض لإجراءات عقابية محتملة وفقا لميثاق الأمم المتحدة. وأوضحت أن مجلس الأمن يعتزم: « في حالة عدم تقيد السلطات السورية ببنود هذا القرار تبني مزيد من الإجراءات الضرورية بموجب الفصل السابع». ومن جهته حدد وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، خمسة شروط للتعامل مع المقترح الروسي وفق المسودة المقترحة:

(1) « إدانة مجزرة 21 أغسطس / آب الماضي التي ارتكبها النظام السوري في غوطة دمشق؛
(2) ومطالبة النظام بتسليط الضوء على برنامجه للتسلح الكيميائي؛
(3) ووضعه تحت رقابة دولية وتفكيكه بلا تأخير أو تسويف؛
(4) وإنشاء منظومة متكاملة للتفتيش ومراقبة لهذه الالتزامات تحت إشراف المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية؛
(5) والنص على عواقب وخيمة إذا انتهكت سوريا التزاماتها، ومعاقبة المسؤولين عن مجزرة 21 أغسطس / آب أمام القضاء الجنائي الدولي».

لكن المسودة لم تناقش بسبب رفض الروس تضمين المشروع الفرنسي الفصل السابع، وتبعا لذلك تم إلغاء جلسة طارئة للمجلس كان من المقرر أن تنعقد ليلة 11/9/2013 رغم إعلان فرنسا عن استعدادها: « لتعديل المسودة طالما احتفظ بمبادئها الأساسية والغاية منها».

لكن من الطريف أن المعارضة السورية تتصرف وكأنها الناصح الأمين للغرب، وصاحبة الأمر والنهي في مصير الضربة السورية، فيما « المركز» على قدر من البلاهة والغباء في أصل النظام وفصله إلى الحد الذي يستغني فيه عن استشارة المعارضة. فبعد ساعات من موافقة دمشق على المبادرة وصف رئيس هيئة أركان الجيش الحر، سليم إدريس، في اتصال مع قناة « الجزيرة – 9/9/2013»، المبادرة بـ « الأكذوبة الكبيرة»، وأن رد النظام السوري عليها ليس إلا: « مؤامرة جديدة تحوكها روسيا بالتعاون مع إيران لكسب الوقت». وفي اليوم التالي (10/9/2013) أكد أن: « هذا النظام نعرفه واختبرناه. ونحذركم من أن تقعوا في شرك الخديعة والتضليل. وكان من الممكن النظر في مثل هذه التصريحات التي أثارت غضب المعارضة بقدر ما أوقع فيها ترقبها للضربة نشوة عارمة». أما احتجاج إدريس بأنه: « لا يقبل إلا بتوجيه الضربات إلى هذا النظام»، فليس إلا من قبيل « الهذيان» العميق .. « هذيان» جدده بعد الاتفاق الروسي الأمريكي (14/9/2013) بالقول أن: التواريخ التي تتحدث عن تدمير الأسلحة في 2014 لا تعنينا»، مشيرا إلى أن: « كل ما يهم المجتمع الدولي هو السيطرة على أسلحة المجرم الذي تنازل عن كل شيء لتخوفه من الضربات، الأسد لا يهمه أي شيء، الذي يهمه هو فقط أن يبقى في السلطة، وكل السوريين لا وزن لهم في المبادرة الروسية». كما هو أيضا « هذيان» بيان الائتلاف الوطني السوري، (10/9/2013)، الذي رأى، من قبل، أن: « دعوة لافروف الأخيرة تعتبر مناورة سياسية تصب في باب المماطلة غير المجدية التي ستسبب مزيدا من الموت والدمار للشعب السوري».

سؤال: من الذي يقف خلف المبادرة الروسية: الروس؟ أم الأمريكيين؟ أم الإيرانيين؟

واقع الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية، ابتداء من مجموعة العشرين التي انعقدت في 5/9/2013 في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، هي التي فتحت الباب واسعا أمام ما اعتبر مبادرة روسية لنزع الأسلحة الكيماوية هي في الأصل أمريكية. ورغم التصريحات السابقة على المبادرة واللاحقة عليها تؤكد هذا الأمر إلا أن القليل من المراقبين ووسائل الإعلام، ومنها صحيفة « الديلي تلغراف – 10/9/2013» البريطانية، مَنْ تَوَقف عند هذه الأمر، حين أشارت إلى أن: « العرض الأميركي لم يكن أكثر من تصريح أدلى به وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ... ومنح روسيا وسوريا ثغرة لمحاولة إرجاء هجوم بقيادة أميركية». أما التصريح فجاء خلال مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، ونظيره البريطاني، وليام هيغ (9/9/2013). وفيه قال كيري: « يمكن تجنيب سوريا الضربة العسكرية إذا سلم الرئيس السوري بشار الأسد جميع أسلحته الكيميائية للمجتمع الدولي دون أي تأخير خلال الأسبوع القادم». وكي يمر الإعلان بسلاسة كان لا بد من أن يأتي مشفوعا بعبارة تؤكد أن الأسد: « لن يفعل ذلك». لكن أطرف ما في التصريح أنه تزامن مع انتهاء إجازة الكونغرس وهو بالكاد يتهيأ للنظر في طلب تفويض الرئيس بالضربة!!!!

في نفس التوقيت؛ نقل مدير مكتب قناة « الجزيرة - 9/9/2013» في موسكو، زاور شاوج، عن الصحف الروسية قولها بأن: « الكرملين سيبلغ المعلم بمبادرة أميركية نوقشت أثناء قمة مجموعة العشرين». وفي ختامها (6/9/2013) نقلت وكالة أنباء « نوفوستي» الروسية عن وزير الخارجية، سيرغي لافروف، قوله: « إن الاجتماع خلص إلى استنتاج مشترك مفاده أنه يجب إيجاد طريقة لمنع السيناريو العسكري من دفن السيناريو السياسي». مما يوحي بأن القمة استبعدت العمل العسكري، ومهدت الطريق للمبادرة الأمريكية ولتصريحات كيري في لندن. أما نص المبادرة، بحسب ما نقله، زاور شاوج ، فتضمن ثلاث نقاط هي:

(1) « تشكيل لجنة أمنية مشتركة بين النظام الحاكم في دمشق والمعارضة السورية من أجل إعادة النظر في المؤسسة الأمنية؛
(2) تخلي النظام عن الأسلحة الكيميائية التي يمتلكها والتعهد بعدم نقلها إلى حزب الله اللبناني؛
(3) تعهد بشار الأسد بعدم الترشح لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2014».

أما وزير الخاريجة الروسي فقد أعلن يوم 10/9/2013 بصريح العبارة أن: موسكو تعمل على خطة « فعالة ومحددة»، وأنها: « ستعرض على دول أخرى قريبا»، مشيرا إلى أن الخطة التي أعلنها في (9/9/2013) ليست روسية محضة ولكنها جاءت جراء « تنسيق واتصالات مع الولايات المتحدة».

يتبع...

 
رابعا: مخاطر الضربة


يصعب القول بأن النظام الدولي تراجع عما بدأه!!! لكن حين تتسم الأمور بالغموض فإن درجة المخاطر ترتفع مصحوبة بقدر مواز من الحذر. وإذا كان الكثير من المحللين والخبراء والاستراتيجيين قد انتقدوا الاندفاع الأمريكي في الإعلان عن الضربة دون حسابات لأمن الضربة فلأن عنصر المفاجأة قد تضرر، وربما لم يعد قائما. وبالتالي فالتحسب والمراقبة وانتظار الضربة، ربما لوقت طويل أو قصير، قد يكون مرهقا وبلا جدوى مع توفر جيوش من العملاء على الأرض، بإمكانها أن تزود القوى الدولية بما تحتاجه من معلومات أو أهداف. في المقابل، وبحسب الأنباء الواردة، يبدو أن الجماعات المقاتلة باتت على علم ودراية بمثل هذه القوى التي لم يعد وجودها أو السعي لإيجادها سرا حتى في الصحف الغربية وعلى ألسنة المسؤولين المحليين والدوليين، فضلا عن الرقابة الدقيقة التي تمارسها قوى جهادية على سلوك بعض القوى الشريكة لها في ساحات القتال، والتي تعلن مشاركتها في معركة ما أو دفاعها عن جبهة ما لكنها قد تنسحب في أية لحظة استجابة لتعليمات من الخارج كما حصل في منطقة الغوطة مؤخرا.

بل أن أمر مثل هذه القوى، في هذا السياق، صار فاضحا بدءً من 9/8/2013 حين أعلن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربا، عن أن: « هناك مبادرة قريبة لتأسيس نواة لجيش سوري وطني في شمال وجنوب سوريا كمرحلة أولى»، فيما أشار إلى أنه: « سيفتح باب التطوع فيه»، وكأن سوريا ينقصها جيوش أو كتائب، أو أن النظام كان يصارع أشباحا طوال السنتين الماضيتين حتى يأتي جيش صحوي ليسد الثغرات!! لكن ما أن تناقلت وسائل الإعلام التصريح حتى ثارت ثائرة الجميع بمن فيهم المشبوهين منهم، فاضطر بعد أربعة أيام (13/8/2013) إلى تبرير تشكيل الجيش المزعوم بـ (1) « دخول عناصر من حزب الله إلى سوريا بأسلحة نوعية تستدعي تشكيل جيش وطني سوري». و (2) « للحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة .. وسيحرص على ضم جميع أبناء الثورة السورية»!!! مبررات فاضحة ومخزية لا تجد ترجمة لها إلا في هوية الباقين ممن هم، على رأي الناطق الرسمي باسم الجيش السوري الحر، لؤي مقداد، في مكانة « المرتزقة» تماما كـ « مرتزقة حزب الله».

وكنموذج دولي لمثل هذه المساعي، يمكن الإشارة إلى ما نقلته صحيفة « الواشنطن بوست – 5/9/2013» عن مسؤول أميركي لم تحدد اسمه أنه قال: « إن عملية تشكيل قيادات معتدلة بالمعارضة السورية خصصت لها ميزانية تقدر بـ 250 مليون دولار، منها 26.6 مليونا قدمت مساعدة للمجلس العسكري الأعلى». في حين أثنى مدير العلاقات الحكومية بالمجلس الأميركي السوري، الداعم للمعارضة السورية، محمد غانم على هذا المسعى بالقول إن: « الدعم الأميركي الذي بدأ يصل خطوة بالاتجاه الصحيح، بعد سنوات من عدم الفعل والسياسات الخاطئة».

لذا فإن القوى المقاتلة، وإزاء احتمالات شن هجوم دولي على النظام، وجدت نفسها ملزمة بتغيير جذري في أنماط الانتشار والمواجهات، وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام، خاصة فيما يتعلق بـ « جبهة النصرة» التي قيل أنها نفذت « ذوبانا تاما في المجتمع» لتفويت الفرصة على أي استهداف محتمل كما حصل حين استهدفت القوات الأمريكية، في أول ضربة للعراق ( أفريل / نيسان 2003)، مقر قيادة جماعة « الأنصار». وهي الصيغة التي تفضلها القوى الجهادية .. أي العمل بعيدا عن العيون، لتقليل الخسائر ومواجهة حَمَلَة الشرائح الإلكترونية التي تبين أن العملاء زرعوها في مقرات لـ « كتائب الصحابة» ومعسكرات لـ « جبهة النصرة»، وأحد مقرات ألوية « الجيش الحر».

على كل حال؛ ربما تكون الغارة المنتظرة قد بلغت حافة الهاوية قبل أن تتراجع، وقد تبدو المبادرة الروسية مخرجا ملائما للأمريكيين الذين انكفؤوا إلى الداخل، وقد تبدو انتصارا للروس، وقد تبدو نوعا من الضغط الذي نجح في وضع سوريا على سكة نزع السلاح الكيماوي وغير الكيماوي، وقد تبدو تراجعا من رئيس لديه مبرر شخصي في التردد، بالنظر إلى كونه حاصل على جائزة نوبل للسلام، وهو الأمر الذي قد يجد له التردد حيزا مقبولا في عقلية الرئيس الأمريكي ونفسيته، لاسيما وأن الجائزة هي امتياز فردي وليست امتيازا جماعيا. لكنها (الغارة) قد تبدو أيضا، فزاعة بالغة الخطورة وهي تستفز قوى الثورة للتحرك بحيث يمكن مراقبتها ورصد تحركاتها وإمكانياتها وأنماط انتشارها ومواضعها. وربما في هذا السياق يمكن، مبدئيا، فهم إبقاء خيار الضربة إلى أن تتوفر ظروف تسمح بإحداث المفاجأة، لاسيما أن إمكانية توجيه ضربة عسكرية صار مسألة قيد التداول بين الناس وبين قوى الأرض قاطبة.

الثابت، سواء شئنا أم أبينا، أن سوريا مَعْقِد من معاقد النظام الدولي الثلاث، والتي لا يمكن التفريط بها دون توفر بديل غير ممكن بالنظر إلى موقع سوريا كدولة مواجهة مع « إسرائيل». والثابت أيضا أنه لا يمكن لأي عمل عسكري، على أي مستوى، إلا ويكون له هدف أو مجموعة أهداف سياسية ينبغي تحقيقها. ولو افترضنا أن ضربة وقعت ضد سوريا فالسؤال الأول الذي سيتبادر إلى الذهن: كيف يمكن توجيه ضربة، حتى لو لم يكن هدفها إسقاط النظام، أن تحول دون إحداث فراغ سياسي في السلطة وفي نفس الوقت تحمل النظام إلى « جنيف2؟ والسؤال الثاني: هل يعقل أن يقبل النظام الدولي بوقوع سوريا تحت سيطرة الجماعات الجهادية باعتبارها القوى الأكثر شراسة في الحروب والمعارك؟ والأكثر خبرة وتنظيما وحضورا على الأرض؟

بطبيعة الحال الجواب بالنفي. ولأن مخاطر الفراغ السياسي شديدة الحضور، فقد أبدى الكونغرس الأمريكي تحفظات شديدة على طلب التفويض في مسألة جوهرية، وبالغة الحساسية، بالنظر إلى ثقل الإرث الأمريكي في أفغانستان والعراق، فضلا عن الأزمة الرأسمالية الطاحنة التي تضرب المنظومة الرأسمالية برمتها. فالمسألة هنا تتعلق بحقيقة تؤكد أنه في حالة تنفيذ الضربة فمن المنطقي أن تبدأ بضرب قوى الثورة السورية قاطبة بما فيها القوى الوطنية، ولأنه من غير الممكن استخدام قوات برية فلا بد من الاستعانة فقط بمن تسميهم الولايات المتحدة بـ « القوى المعتدلة»، وهذه ليست ولن تكون أكثر من مشاريع صحوات دربتها قوى دولية وإقليمية كي يجري استعمالها لمرة واحدة فقط في أول الحرائق. لكن من هو المغفل الذي يضمن أن هذه القوى قادرة على ملء الفراغ على الأرض حين بدء الضربة؟ لا أحد يضمن ذلك إلا سليم إدريس والجربا.

واقع الحال يؤكد، بما لا يدع مجالا للشك، أن النظام الدولي، الذي يعاني من الارتباك الجنوني في سوريا، (1) لم يستطع حتى اللحظة أن يجد بديلا للنظام، ولا (2) هو قادر على تمرير صيغة « الحل مع النظام»، ولا (3) أن يمنع القوى الجهادية العابرة للحدود من اختراق بلاد ثقيلة الوزن في العقيدة، والتموضع فيها بصورة أشد وطأة مما هو الحال في العراق أو أفغانستان .. قوى محملة بإرث الجهاد العالمي برمته .. إرث يتطلع إلى أرض الملاحم .. ملاذ المؤمنين التي يجتبى إليها خيرة أهل الأرض .. تلك الأرض التي تكفل الله بها .. وبسطت الملائكة أجنحتها عليها .. ورغم المذابح الوحشية إلا أن أحدا لن يكون بمقدوره تمرير أو تبرير أي حل سياسي أو مصالحة، جزئيا أو كليا، مع نظام انتهك كل حرمات شعب يئن تحت وطأة القهر منذ عقود طويلة من السنين، ووحشية ضد شعب نزف بغزارة لا مثيل لها .. وطائفة وضعت نفسها فوق غيرها بين خيار الموت أو الحياة .. فأية مصالحة هذه التي ستسمح ببقاء النظام مع رحيل الأسد!!!؟ وأية حلول سياسية يمكنها أن تمر فيما عشرات الآلاف من الجهاديين باتوا يستوطنون في سوريا .. البلد الذي تعطش أهله طويلا للحظة مفاصلة مع النظام، والبلد الذي يشهد أول مواجهة ملحمية مع النظام الدولي منذ إقامته على أنقاض العالم الإسلامي في أعقاب الحرب العالمية الأولى سنة 1913؟

كثيرة؛ هي الأسباب التي تجعل من أي ضربة عسكرية محتملة ممكنة بنفس القدر الذي تبدو فيه مستحيلة. لكن إذا كان الرأي الشائع يؤكد أن « القوى المعتدلة» غير قادرة على ملء الفراغ، فهذا يعني أنه لا مفر من نزول قوات برية على الأرض لسببين جوهريين:

• لمنع حدوث فراغ سياسي في السلطة. وحتى لو كان وقوع الفراغ محدودا فإن إمكانية توسعه واردة. لذا فالتورط هنا بالغ الخطورة، كما أن نزول قوات برية على الأرض يضرب صميم الاستراتيجيا الأمريكية التي أعلنها الرئيس الأمريكي في 5/1/2012، والتي تحصر التدخل العسكري في ثلاث عناصر مركزية: (1) الاعتماد على طائرات بدون طيار، و (2) اعتماد الحروب الرقمية بدلا من الجيوش الجرارة، و (3) اللجوء إلى قوة تدخل خاصة عند الضرورة.

• للذهاب إلى مؤتمر « جنيف2». وهذا المؤتمر هو التطبيق الفعلي لمؤتمر « جنيف1 – 30/6/»2012. ويتضمن (1) تشكيل حكومة انتقالية بين المعارضة والنظام دون استبعاد الأسد من السلطة، و (2) وقف تدفق الأسلحة. وهذا يعني نزع سلاح الثورة السورية، وبالأولى تصفية القوى الجهادية، حتى يمكن تمرير الحل المنتظر وفق صيغة الدولة المتعددة الطوائف. وللتأكيد فإنه ما من حل سياسي في سوريا إلا ويستدعي وجود قوات برية على الأرض، أو على الأقل وضع سوريا تحت الوصاية العسكرية الدولية. ودون ذلك ليس سوى عبث في القول والفعل.

لذا فقد كان مثيرا حقا ذاك الموقف من عقد مؤتمر « جنيف2»، والذي أدلت به قوى المعارضة السورية بعد مذبحة الغوطة، إثر اجتماع لها في استانبول، بحضور 11 دولة عربية وأجنبية من أصدقاء سوريا. فقد نقلت وكالة رويترز – 27/9/2013» للأنباء عن المعارض السوري بدر جاموس قوله أن: « المؤتمر لم يعد مطروحا، بعد أن كان الاجتماع مخصصا أصلا لبحث ترتيبات عقد المؤتمر»، وأن الاجتماع: « كان بخصوص مؤتمر جنيف، لكننا رفضنا التحدث عن جنيف بعد ما حدث». لكن الوكالة نفسها نقلت عن مصادر حضرت الاجتماع أُبلغت فيه المعارضة: « بعبارات واضحة أن ثمة عملا للحيلولة دون استخدام مزيد من الأسلحة الكيماوية من قبل نظام الأسد قد يُشن في غضون الأيام القليلة القادمة، وبأنها يجب أن تستعد في الوقت نفسه لمحادثات سلام في جنيف». فما هو شأن المعارضة ووزنها فيما يقرره « المركز» حتى تقبل مؤتمر جنيف أو ترفضه إلا ذهاب الأسد مع بقاء ترسانات النظام وقواعده على حالها؟

كيفما قلبنا الأمور بشأن الضربة الأمريكية المتوقعة ضد النظام السوري فلن نجد أدنى مصلحة تذكر بحق الثورة والشعب السوري. المصلحة فقط؛ من نصيب أولئك الذين استبدلوا نصر الله وسبحوا طويلا، ولمّا يزالوا، بحمد الولايات المتحدة، انتظارا منهم لنصر موهوم يأتونه على ظهرها .. هؤلاء ظلت مواقف، وستبقى، حبيسة نفسيات بلور الهوى والعجز والشعور بالدونية مكوناتها على مر السنين. فما عادت ترى أو تصبر على نصر يمكن تحقيقه بدون « المركز» .. هؤلاء تذبذبت مستويات الإيمان عندهم حتى صار كمؤشر البورصة في سوق الأوراق المالية. فما أن تلوح مؤشرات تدخل دولي حتى تراهم يدافعون باستماتة عن الولايات المتحدة، ويصبون جام غضبهم على ما يرونه « تطرفا» لدى القوى الجهادية أو تلك المناهضة للتدخل الأمريكي، ويبدؤوا بشحذ ألسنتهم وأسنتهم مطلقين التهديد والوعيد بحق هؤلاء. وما أن يدير العالم ظهره، ولو إعلاميا، عن الثورة؛ ويوغل النظام في القتل والظلم، أو يخذلهم بتأجيل الضربة إلى أجل مسمى أو غير مسمى، حتى تراهم يرفعون، اضطرارا وليس اختيارا، الشعار الشهير: « يا الله مالنا غيرك» فيما قلوبهم تمتلئ حقدا وغيظا على من لبى دعوة الداع!!!

ومن المفجع حقا أنه في الوقت الذي تهدد فيه الثورة السورية بقطع خيوط شباك النظام الدولي وتفكيكه، موفرة أدوات قوة هائلة بيد السوريين ومن ورائهم الأمة، يعلن هؤلاء بملء الفم أنهم لن يتنازلوا عن الضربة، وكأن الجيوش الأمريكية جيوشهم، والحكومة الأمريكية حكومتهم، وبلاد الأمريكيين بلادهم. بل ويطالبون أمريكا بـ « جلب الديمقراطية»!! هكذا!!!! « جلب الديمقراطية»!!!؟ وكأنها كائن مشبوه صدر بحقه قرار « جلب قضائي»!!! أو أنها سلعة قابلة للاستيراد والتصدير والتشغيل!!! ولعل أطرف ما وقعنا عليه في هذا السياق هو ذاك البيان الذي أدلى به رئيس الائتلاف، أحمد الجربا، في أعقاب اجتماعه مع وفد من المعارضة مع وزير الخارجية الأمريكي في نيويورك (26/7/2013). وجاء في البيان: « إن الوضع في سوريا يبعث على اليأس، ونحن نحتاج بشدة إلى إجراءات أميركية لدفع المجتمع الدولي إلى المطالبة بانتقال سياسي، والقيادة الأميركية ضرورية لإنهاء هذه الحرب وجلب الديمقراطية التي يتوق إليها أغلبية الشعب السوري».


أخيرا


بقطع النظر عن هوية صاحب مبادرة نزع الأسلحة الكيماوية فإن جوهرها لا يتجاوز عتبة تجريد المنطقة مما قد يشكل في لحظة ما إحدى أدوات القوة التي تهدد بنيان النظام الدولي. وفي السياق لا يبدو أن الخشية من وقوع هذه الأسلحة بأيدي الجماعات الجهادية ممكنا عقلا أو موضوعا لكنها خشية مفترضة لا ينفع تجاهلها. أما المشكلة الأهم فتكمن في رغبة « إسرائيل» على وجه التحديد بوقف البرنامج النووي الإيراني أكثر من نزع الأسلحة الكيماوية. وبالنسبة لليهود فلا يهم أن يبقى الأسد أو يزول، مع أن بقاءه يصب في صميم المصلحة الإسرائيلية والدولية.

لكن هل نزع الأسلحة الكيماوية فيه مصلحة للثورة؟ سؤال لا تبدو الإجابة عليه مبشرة في أي حال. أما لماذا؟ فلأن القتل بلا هوادة واقع بها وبدونها. ولما تكون الثورة السورية ليست في مصلحة أي طرف دولي أو إقليمي، فإن استمرار القتل هو المصلحة الوحيدة المتحققة حتى الآن للنظام الدولي الذي أغرته فكرة نزع الكيماوي ولم تغره قيمه المزعومة في منع القتل، لا في الغوطة ولا في مصر التي تلقت ضربة في ساعات، مخلفةً مئات القتلى وآلاف الجرحى بالرصاص الحي والغازات السامة وحتى بحرق الجثث وجرفها كما لو أنها مرابض قمامة.

أما الضربة المؤجلة إلى أجل غير مسمى فحالها كحال نزع الأسلحة الكيماوية!!! فإذا كان هناك ثمة مخاوف معتبرة من التورط في حروب أهلية وحرائق في كل المنطقة فإن نزع السلاح لا يعني أن هذه المخاوف قد تلاشت. إذ ما من أحد يستطيع أن يجزم بإمكانية نزع السلاح في بلد تجتاحه حرب طاحنة دون تأمين الظروف الأمنية الملائمة .. ظروف « تتطلب» في النهاية، بحسب كريستوفر بريبل في « الواشنطن بوست – 12/9/2013»،: « وجودا عسكريا دوليا وأميركيا قد يؤدي بدوره إلى التورط الأميركي في الأزمة السورية المعقدة». ولا يبتعد عنه في هذه المحصلة رأي مفتش الأسلحة السابق بالأمم المتحدة في العراق، ديتر روتباتشر. ففي مقابلة له مع « رويترز - 12/9/2013، قال: « توجد حسابات بأن تأمينها ( الأسلحة الكيماوية) يحتاج ما يصل إلى 75 ألف جندي من القوات البرية». وهذا أخطر من تمرير قرار دولي في مجلس الأمن يقتصر على تعريض سوريا لعقوبات بدلا من التدخل العسكري.

هكذا تفرقت دماء مذبحة الغوطة على قبائل النظام الدولي، ولم تعد أكثر من مدخل ملائم لإعادة تركيب النظام الدولي والنظام السوري معا. لكن في الوقت الذي يبدو فيه الغرب يحقق تقدما في مسار اعتراض الثورات في مصر ( الانقلاب العسكري) وتونس ( تصنيف « أنصار الشريعة» كتنظيم إرهابي) واليمن ( تحت الوصاية الغربية التامة) وليبيا ( باستحكام 90% من نظام القذافي في دوائر الدولة حتى الآن)، وتخريب متعمد في تركيا ( احتجاجات اللبراليين وحلفائهم العرب وغير العرب في ساحة التقسيم فضلا عن تدخل الطائفية فيها)، وإحياء لمحاور معتدلة كانت الثورات قد دفنتها ( السعودية، الإمارات، الأردن، مصر)، ومزاعم عن رصد اتصالات بين قادة « القاعدة» في أفغانستان واليمن، يبدو الروس، من جهتهم، وكأنهم يخسرون في كل مكان إلا في سوريا، التي يستعملونها، منذ بداية الثورة كرهينة ثمينة جدا للحفاظ على نفوذهم، ولاعتراض اندفاع الغرب في مجلس الأمن. ومع أن الشعب السوري تلقى أفتك السموم في أطفاله ونسائه وشيوخه وشبانه إلا أن الثورة السورية التي تتلقى، هي الأخرى، مخالب الغدر من كل حدب وصوب بقيت وحدها، من يحمل أوزار الثورات والأمة برمتها بانتظار أن تلحق بها بقية الثورات. فلا يقلقن أحد على أرض تكفل الله، عز وجل، بحمايتها.

 
عودة
أعلى