هل يشهد الخليج حرباً رابعة ؟
الجزء الأول من التقرير
الائتلاف العراقي الموحّد، فهذه الجماعة تملك من الوزن الشعبي (الشيعي) والعسكري ما يجعلها جزءاً من الرد العسكري لإيران إذا ما وجهت إليها ضربة عسكرية، والثاني: هو ما تظهره الحكومة الإسرائيلية من ميل إلى الإحجام عن القيام بعمل عسكري كبير في قطاع غزة، والثالث: هو قول رئيس الوزراء الإسرائيلي: "إنه يريد لتفاوضه مع الرئيس الفلسطيني وللقاء الدولي (مؤتمر السلام) أن يتمخضا عن بيان أو إعلان مشترك وليس عن اتفاق (على مبادئ) مُلزم"، وكأنه أراد القول إن الاتفاق الملزم يجب أن يُصاغ ويُكتب في ضوء الحقائق والوقائع التي ستتمخض عن ضربة عسكرية لإيران(37).
o بدأ الرئيس الفرنسي الجديد (نيكولا ساركوزي) يأخذ دور رئيس الوزراء البريطاني السابق (بلير) كحليف واشنطن الأوثق، وانعكس ذلك في تغيير سياسة فرنسا (شيراك) من حيث تبني المواقف والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وحرصه على إبلاغ سفراء فرنسا في (188) دولة أثناء اجتماعه بهم في شهر أكتوبر الماضي بأن إيران ستتعرّض للقصف ما لم تتخل عن طموحاتها النووية، مؤكداً على أن امتلاك إيران لأسلحة نووية خط أحمر بالنسبة لفرنسا(38). يضاف إلى ذلك دعوة وزير خارجيته إلى الاستعداد للأسوأ، وهو الحرب، بسبب الأزمة النووية الإيرانية، وتأكيده على أن حصول إيران على السلاح النووي سيكون خطراً فعلياً على العالم أجمع(39).
o التغيير المفاجئ للرئيس (بوش) تجاه المالكي وحكومته في العراق، فبعد أن عبّر سابقاً عن يأسه وخيبة أمله تجاهه، وأوحى عن عزمه على إزالته من السلطة، عاد وأعطاه تصويتاً بالثقة علناً، وهو ما يفسّر أن الإدارة الأمريكية لم تعد تملك الوقت الكافي لإحداث تغييرات في العراق بعد أن بات خيار الحرب أكثر ترجيحاً، ولذلك قررت الإبقاء على الوضع كما هو، لأنه لا فائدة من تغيير رئيس وزراء العراق، وإيجاد فراغ دستوري ومشاكل إضافية(40).
o قرار بريطانيا سحب قواتها من البصرة، وتسليم المسؤولية الأمنية إلي قوات الأمن العراقية، وهو ما يعكس قناعة بريطانية من شقين: الأول: إن الهزيمة في العراق حتمية وإمكانية النصر معدومة، والثاني: وجود هذه القوات سيجعلها فريسة لأي انتقام شرس وساحق من قِبل حلفاء إيران وقواتها في حال بدء الضربات الجوية ضدها، فالبصرة هي النقطة الأقرب للحرس الثوري الإيراني إن لم تكن قد باتت فعلاً تحت قبضته(41).
o إدراج الحرس الثوري الإيراني أمريكياً على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، وتهديد إيران بعدم السكوت على هذه الخطوة، وكذلك تصاعد حدة الاتهامات الأمريكية لإيران من خلال حزمة اتهامات مفادها: التدخل الإيراني في شؤون العراق الداخلية، وتأجيج العنف الطائفي في البلاد، والعمل على انهيار الوضع الأمني، وتزويد جماعات شيعية بأسلحة ومتفجرات تشكّل خطراً على جنودها في العراق، ومساعيها للحصول على أسلحة نووية، ودعمها لحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد في فلسطين، وكلها مصنّفة - أمريكياً - بالإرهابية، ووقوفها ضد عملية السلام العربية مع إسرائيل.
o نشر الجيل الأحدث من صواريخ (الباتريوت) لأول مرة منذ إنتاجها خارج حدودة الولايات المتحدة الأمريكية، وإمداد إسرائيل بكمية وافرة منها، وانضمام حاملة الطائرات (ستينيز) إلى حاملة
لطائرات (أيزنهاور) في مياه الخليج بدلاً من مهمتها الأصلية في المحيط الهادي، ولكل منهما مجموعة من السفن المرافقة، كما توجهت إلى هناك قطع بحرية أخرى متعددة الأحجام ومتنوعة المهام؛ إضافة إلى زيادة القوات الأمريكية بمقدار (500ر21) جندي قابلين للازدياد، مما سيترتب عليه تعديل التمركز لمواجهة تحرك بري إيراني مع بداية الحرب، وتغيير القيادات الرئيسة والاستغناء عن الجنرال (جون أبي زيد) لرأيه المغاير لتوجه الإدارة الأمريكية بالحرب ضد إيران(42).
o اقتناع الرئيس الأمريكي بجدية طموحات إيران النووية، حيث يعتبر أن حيازة طهران سلاحاً نووياً تعني حرباً عالمية ثالثة، وهو ما عبّر عنه خلال مؤمر صحفي في أكتوبر الماضي بالقول: "أقول لقادة العالم إذا أردتم أن تتفادوا حرباً عالمية ثالثة، يبدو لي أن عليكم أن تحاولوا منع الإيرانيين من الحصول على المعرفة الضرورية لصنع سلاح نووي". ومن جانب آخر، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (بيريز) المجتمع الدولي إلى التحرك سريعاً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، واتهم الرئيس الإيراني بالسير على خطا (هتلر وستالين)، وقال: "حتى لو أن الرئيس بوتين يقول إنه غير مقتنع بأن إيران تطور قدراتها النووية بهدف هوائي، فالعالم كله يعرف نياتها الحقيقية، وتملك أجهزة استخبارات عدة أدلة على أن إيران تتحرك سعياً وراء أسلحة نووية ولأهداف الحرب والموت"(43).
o هناك من يسوّق لنظرية السنوات العشر للحرب القادمة، ليبرهن من خلالها على الضربة القادمة أمريكية وإسرائيلية ضد إيران، حيث بدأت واشنطن مع الرئيس المصري الأسبق (جمال عبدالناصر) والمشروع القومي في نهاية الخمسينيات 1958م، ومن ثم مع (ياسر عرفات) وحركة التحرر الفلسطيني في نهاية الستينيات 1968م، والثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات 1978م، ثم العراق مع نهاية العقد الثامن، حتى نزلت القاعدة في نهاية التسعينيات. ومع بداية كل مرحلة صورت واشنطن عدوها الجديد على أنه يشكّل خطراً يهدد الأمن الإقليمي أو الدولي، وذلك بالتنسيق والتعاون السياسي والاستراتيجي مع إسرائيل وخدمة لمصالحها. لقد ضربت واشنطن وإسرائيل من الأعداء الخمسة: المشروع الناصري عام 1967م، ومنظمة التحرير عام 1982م، وعراق صدام 2003م، وبن لادن في أفغانستان 2001م، وما تبقى من الأعداد الخمسة هما: إيران الخميني في وجهها الجديد (أحمدي نجاد)، وسوريا في المعية(44).
o الاختراق الأمريكي للأراضي الإيرانية عن طريق عملاء، فقد تمت الإشارة مؤخراً إلى اتهام مسؤولين إيرانيين للولايات المتحدة بالتخطيط لعمليات عسكرية سرية جديدة في إيران، انطلاقاً من الأراضي الباكستانية من أجل إثارة الصراعات العرقية والدينية على نحو يهدد بتقسيم إيران، وكانت مدينة (زاهيدان) الإيرانية قد شهدت خلال شهر فبراير الماضي انفجارًا مروعًا أسفر عن مصرع وإصابة العشرات من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أثار الجدل حول العمليات السرية التي تقوم بها المخابرات الأمريكية في بعض الأقاليم الإيرانية، وبخاصة إقليم (بلوشستان) المتاخم لأفغانستان وباكستان. ويذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي (بوش) قد طلبت من الكونجرس مؤخرًا تخصيص (75) مليون دولار من أجل الترويج للتغيير الديمقراطي في إيران ودعم الجماعات الانفصالية المناهضة للحكومة، لكن العائق الرئيس الذي يواجه السياسة الأمريكية، أنه باستثناء الأكراد لا توجد أقليات عرقية في إيران تريد الانفصال عن الدولة الإيرانية(45).
o القيام بعمليات استعراض للقوة، ففي 13 مارس الماضي، شارك الآلاف من الجنود الأمريكيين والإسرائيليين في اختبار طرق جديدة لاعتراض صواريخ هجومية قادرة على حمل رؤوس نووية وكيميائية وبيولوجية في إطار تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين، وبالإضافة إلى المناورات المشتركة التي استمرت أسبوعًا، قامت إسرائيل في 20 مارس الماضي بإجراء أكبر مناورة لها في التاريخ، وقد تضمنت أشكالاً مختلفة من الهجمات التقليدية وغير التقليدية على أهداف متنوعة فيها. ونقلت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية عن مصادر إسرائيلية وأمريكية قولها إن الغرض الأساسي للمناورات الأخيرة هو مواجهة هجمات سورية وإيرانية محتملة بصواريخ بعيدة المدى إذا استهدفت ضربة أمريكية أو إسرائيلية المنشآت النووية الإيرانية(46).
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أجرت يومي 30 و 31 أكتوبر من العام الماضي مناورات بحرية اشتركت فيها (24) دولة، وكان الهدف الأساسي منها هو التدريب على اعتراض السفن التي تنقل أسلحة الدمار الشامل والمعدات المتعلقة بها، ومنع أي أنشطة غير شرعية لنقل التكنولوجيا النووية، وهو ما جعل إيران تعتقد أنها هي المعنية والمستهدفة بهذه المناورات(47)، وفي استعراض للقوة أيضاً قامت القوات البحرية في 27-3-2007م بأضخم مناوراتها في الخليج منذ غزو العراق عام 2003م، مستخدمة حاملتي طائرات ومجموعتين من السفن الحربية، تدعمها أكثر من (100) طائرة حربية، وشملت المناورة سيناريو لهجمات افتراضية على سفن وغواصات معادية والكشف عن الألغام مقابل السواحل الإيرانية(48).
مصاعب على طريق الحرب:
إذا كان ما سبق طرحه يُعدّ بعض المؤشرات على الطريق، فلا ينبغي الذهاب بعيداً وتصوّر أن هذا الطريق معبّد أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، فهناك كثير من المصاعب التي تواجهانهما على هذا الطريق، ومنها:
o أن لدى إيران قدراتها العسكرية القادرة على إحداث خسائر كبيرة في الجانب المعادي، ففي تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن عن ميزان القوى لعام 2006م بعض المعلومات عن هذه القدرات، فهي تنتج ما يقرب من ألفي نوع من الأسلحة الدفاعية من الذخيرة إلى الطائرات، ومن القوارب المجهزة بالصواريخ إلى الأقمار الاصطناعية، وهي تصدِّر معدات عسكرية إلى أكثر من ثلاثين دولة بينها سبع دول أوروبية. وذكر التقرير أيضاً أنه في عصر الشاه قامت ثلاث شركات أمريكية ببناء صناعات تجميعية في إيران تشمل: المروحيات، والطائرات، والصواريخ الموجهة لاسلكياً، والدبابات، والمكونات الإلكترونية، وقد جرى توسيع هذه القاعدة خلال الحرب العراقية الإيرانية، بحيث أصبحت إيران تملك الآن ترسانة من القذائف والصواريخ يتراوح مداها بين (45 إلى 2000) كلم، كما أن لديها (19) مركزاً تعمل في الأنشطة الجوية الفضائية وتستخدم أكثر من (100) ألف مهندس، وضرب التقرير مثلاً بمجمع في محافظة (لورستان) قادر على إنتاج ثمانين ألف إطار للطائرات من مختلف النماذج، الأمر الذي يجعل إيران الدولة الأولى في الشرق الأوسط والسابعة في العالم التي تمتلك هذه التكنولوجيا، أما البنية التحتية الصناعية الخاصة بالمروحيات فهي تدعم أسطول الطائرات المروحية الذي يعتبر الثالث في العالم، وتنتج مؤسسة القدس لصناعة الطيران مجموعة كبيرة من الطائرات دون طيار لأغراض
الاستكشاف والقتال، كذلك قامت إيران بتطوير ترسانة الصواريخ الموجهة للسفن، وبناء الغواصات والزوارق السريعة المجهزة بالصواريخ التي تتميز بسهولة الحركة(49).
o ضعف المعلومات وافتقار المخططين لضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية إلى المزيد من التفاصيل المهمة لتخطيط العملية عسكرياً، وهذا ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية في حديث أدلت به لصحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية، أوضحت خلاله أنها أبلغت سياسيين ودبلوماسيين أوروبيين اجتمعت معهم في الآونة الأخيرة، أنه ليس لدى الولايات المتحدة ما يكفي من المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالمنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى الحيلولة دون القيام بعمل عسكري، وأوضحت (رايس) أن هناك ثلاثة أسباب تجعل الولايات المتحدة في الظروف الحالية غير قادرة على القيام بعملية عسكرية ضد إيران، أولها: رغبتها في تسوية الأمر بالوسائل السلمية، وثانيها: القلق الذي يساورها حيال فعالية الضربة، حيث إنها ستفشل في القضاء على قدرات إيران، و ثالثها: الافتقار في الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بالمواقع والأهداف المتوخاة(50).
o أن هناك اعتبارات داخلية تزيد من قدرة إيران على المواجهة عسكرياً وسياسياً، من أهمها(51):
*عمق العلاقة التي تربط الشعب الإيراني بالملالي، والذي لا يمكن معه التعويل على نجاح أي محاولة للغزو، حتى وإن نجح من الناحية العسكرية.
*صعوبة التعويل على سيناريو (تحريك عربستان) بالأحواز، الرامي إلى خلخلة بنية الدولة الإيرانية، بما يحول بين إيران و 90% من نفطها الموجود في ذلك الإقليم العربي المحازي للخليج، والذي يضم نحو (8) ملايين عربي وشيعي يعتبر معظهم أن إيران الفارسية احتلت أرضهم، وهو ما لا يكفي للنظام الإيراني أن يسمح بفقدانه بسهولة مهما كلفه ذلك من ثمن. كما أن منظمة (مجاهدي خلق) اليسارية الإيرانية لا يمكنها أن تمثل تهديداً حقيقياً لإيران، نظراً لمحدودية تأثيرها السابق؛ والشيء نفسه يمكن أن يقال عن جماعة (بيجال) أبرز الجماعات الكردية الإيرانية والتي يسلحها جهاز الاستخبارات الأمريكي، وتسعى لتعميق النزعة الانفصالية لنحو (4) ملايين كردي في إيران فالعراق الفارسي والآذاري يهيمنان على ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان إيران، ويمسكون بتلابيب دولة متماكسة إلى حد بعيد.
o أن انتشار القوات الأمريكية في أنحاء العالم، وتحديداً في العراق وأفغانستان، يقلّص هامش المناورة إذا ما واجهت الولايات المتحدة هجوماً مضاداً من إيران في حال تعرضها لهجوم، فقد أوضح رئيس أركان القوات البرية الأمريكية خلال مؤتمر سنوي للقوات البرية أن الجيش الأمريكي يعاني من فقدان التوازن بعد ست أعوام من الحرب في أفغانستان والعراق، وأوضح أن الجيش يحتاج إلى أربع سنوات ليستعيد وتيرته الطبيعية بعد العمليات والمهام المتكررة في العراق، رغم الانسحاب الجزئي المقرر للقوات الأمريكية من العراق العام القادم(52). وقالت مسؤولة التوجيه المعنوي في الجيش الأمريكي في العراق: جيشنا منهك، ونحن نحتفظ في مسرح العمليات بجنود فعل فيهم الإعياء أفاعيله(53).
o رفض حلفاء الولايات المتحدة لفكرة تنفيذ ضربات جوية أمريكية ضد إيران في الوقت الحاضر، مفضلين تبني الوسائل الدبلوماسية واتخاذ تدابير عقابية اقتصادية تحت مظلة الأمم المتحدة، فقد أشار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالية إلى أن مجلس وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي عقد في (لوكسمبرج) في أكتوبر
الماضي قد تبنى نصاً متوازناً تجاه إيران يعتمد على ثلاثة أبعاد هي: التفاوض، والعقوبات، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية(54)، وفي المقابل، تمكنت إيران من استقطاب دول البحر الأسود لممانعة أي هجوم ضدها، فقد تم الإعلان عن اتفاق هذه الدول (إيران، وروسيا، وكازاخستان، وأذربيجان، وتركمنستان) خلال القمة التي عُقدت في طهران في 16-10-2007م على أن هذه الدول لن تسمح تحت أي ظرف بأن تستخدم دولة أراضيها لشن عدوان أو القيام بتحرك عسكري ضد أي دولة عضو(55).
o أن هناك خطورة بالغة من هذه الحرب تكمن في عدم القدرة على التنبؤ بردود الفعل الإيرانية وردود الفعل الإقليمية، فإيران تستطيع الرد بنفسها عسكرياً وبصفة مباشرة في الخليج، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي إسرائيل. ومن المؤكد أنها بواسطة حلفائها تستطيع مضاعفة آثار ردود فعلها العسكرية في كل هذه الجبهات، ويكفي للإحالة إلى ما ذكر من أن إيرانيين يصعب حصرهم تدفقوا على العراق ويعيشون هناك الآن على أنهم عراقيون منذ فتح الحدود، كما أن هذا التوغّل الإيراني لم يعد مقصوراً على محافظات الجنوب الشيعية، وإنما توغّل الوجود الإيراني الذي سمّاه دبلوماسي عراقي سابق بالاحتلال الثاني للعراق حتى الموصل شمالاً وحتى الأنبار غرباً، بما يعنيه من قدرة إيرانية على افتراس القوات الأمريكية في العراق دون حاجة إلى تحريك قوات كبيرة من العمق الإيراني، وهو ما يمكن أن يتكرر في مناطق أخرى، كل هذا فضلاً عن المخاطر الاقتصادية الفادحة على العالم ككل(56).
o يعلم كل الخبراء العسكريين في الولايات المتحدة أن فكرة الضربة الجوية الجراحية لا وجود لها في الواقع العملياتي إلاّ في خيال المراهقين من الخبراء، فالقوات الجوية لا تستطيع حسم معركة بهذا الاتساع ما لم تؤيدها في النهاية قوات برية كافية، بل إن هناك خطرًا كبيرًا في حالة الضربة الجوية، وهو أن يؤدي ذلك إلى تسريع إيران لعملية إنتاج السلاح النووي فتكون النتيجة عكسية تماماً لما تريده الولايات المتحدة(57).
o لن تكون الضربة الأمريكية مقبولة من القانون الدولي حال وقوعها تحت زعم القيام بعمل استباقي ممارسة لحقها المشروع في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فالقانون الدولي - وإن كان يسمح باستخدام القوة للدفاع عن النفس لمنع هجوم وشيك - لا يجيز استخدام القوة بالشكل الذي يرقى إلى درجة تنفيذ ضربة استباقية ضد تهديد بعيد الحدوث، فعلى الرغم من وجود بعض الدعم لمبدأ الضربة الاستباقية نظراً لما يفرضه العصر النووي من تحرك سريع، بحيث لا تظل إحدى الدول من دون حق الدفاع عن نفسها وكأنها لا حول لها ولا قوة إلاّ أن التوجه العام هو اشتراط أن يكون هناك تهديد بهجمة وشيكة قبل اللجوء إلى أية ضربة استباقية أو دفاعية، وبالتالي لا يوجد في الوقت الراهن مستند قانوني يسمح بشن هجوم أمريكي على إيران تحت حكم المادة (51) من الميثاق، وبالتالي لا يمكن بناء قضية احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران تحت مبدأ الدفاع عن النفس أيضاً، فتخصيب اليورانيوم لا يرقى إلى مستوى التهديد(58).
o تضع الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط والخليج البعد البيئي في الحسبان، فضرب منشأة نووية إيرانية نشطة يمكن أن
يؤدي إلى تدمير مواد نووية، وهو ما يعني وجود تلوث إشعاعي وانتشاره في مناطق الجوار الجغرافي مسبباً ما يشبه حادثة (تشرنوبل) جديدة في المنطقة، ومازالت تجربة التلوث الناتجة عن تفجير آبار البترول الكويتية أثناء حرب الخليج الثانية 1990 1991م ماثلة للأذهان(59).
o وجود تصريحات أمريكية رسمية صدرت في ذروة حملة دعائية عن اقتراب موعد هجوم أمريكي على إيران، أشار خلالها المتحدث باسم البنتاجون إلى أن الولايات المتحدة لا تخطط للدخول في حرب ضد إيران، وأن الحديث عن أي شيء يناقض ذلك التصريح يُعدّ قولاً خاطئاً مضللاً.
وخلال شهر سبتمبر الماضي أكّد المتحدث أن موقف بلاده لم يتغير، وأن الرئيس الأمريكي أكّد بوضوح أنه يسعى لحل الأزمة دبلوماسياً، كما تحدث وزير الدفاع الأمريكي لقناة (فوكس) الأمريكية مؤكداً أن إدارة (بوش) تؤمن في الموقف الحالي بأن المدخل المفضّل للتعامل مع التحدي الإيراني سيكون عبر الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وأكّد وجود إجماع داخل الإدارة الأمريكية حول عدم مهاجمة الأراضي الإيرانية، مشيراً إلى الاكتفاء بالتعامل مع التهديد الإيراني داخل العراق دون حاجة ماسة لعبور الحدود الدولية إلى قلب إيران(60).
رابعاً: الخلاصة
تفضي متابعة الأزمة النووية الإيرانية وما يرافقها من تسريبات إعلامية وتحليلات استراتيجية، إلى القول بتشابه تطورات هذه الأزمة مع ما صاحب الأزمة العراقية التي انتهت بالغزو الأمريكي للعراق، و إن كان هذا التشابه لا يعني التطابق التام، بحيث تأخذ الأزمة الإيرانية المنحى ذاته الذي آلت إليه الأزمة العراقية، ذلك أن إيران ليست العراق من عدة نواحي إقليمية، وجغرافية، واقتصادية، وعسكرية، فضلاً عن إدارتها الجيدة للأزمة حتى الآن، كما أن الموقف الدولي قد اختلف عن سابقه، يُضاف لكل ذلك وغيره الظروف التي تعيشها القوات الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق، فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخوض صراعاً على المصالح والنفوذ أمام خصم يتميز بجمع الأوراق الإقليمية، مع القدرات العسكرية والإمكانات النفطية، مع باقة من القدرات، يديرها عقل سياسي يفوق ما اعتادته واشنطن لدى خصومها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما أن هناك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية ذات الوزن الكبير في أي قرار بالإقدام على استخدام القوة العسكرية، خصوصاً مع إدراك الولايات المتحدة أنها قد تخسر كثيراً في ظل عدم ضمان نتائج استخدام القوة.
في مثل هذا الظرف تتقدم إمكانية تحقيق سيناريو تسوية يعتمد على حدوث مقايضة بين الولايات المتحدة والغرب، وبين إيران بناءً على مفاوضات مباشرة تطرح فيها كافة القضايا على طاولة التفاوض، شريطة أن تنطلق من صدق النوايا، فمثل هذا التفاوض من شأنه إحداث نقلة نوعية في إيجاد حل سلمي للأزمة، حيث يمكن طرح بدائل في هذا السياق على نحو ما عرضه الرئيس الروسي بنقل عمليات تخصيب اليورانيوم إلى خارج إيران، أو بوضع قيود مشددة على هذه العمليات للحد من مخاوف المجتمع الدولي من إمكانية استخدامها في الأغراض العسكرية، وربما الاعتراف لإيران بدور إقليمي تعمل من أجله وتجاهد في سبيله، كما يمكن استحضار نموذج حل الأزمة النووية الكورية.
إلاّ أن هذا السيناريو يواجه صعوبة قبوله من كلتا الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية خشية أن يتحول الصراع في المنطقة من صراع ساخن يتوفقان في امتلاك أدواته على بقية الأطراف إلى حرب باردة بعد تملّك إيران السلاح النووي، كما أن ذلك من شأنه أن يغل يد الولايات المتحدة في المنطقة ويؤثر على الموقف الاستراتيجي والتفاوضي لإسرائيل بشأن تحقيق السلام في المنطقة.
ولكن، مع وجود فرص الحل السلمي لهذه الأزمة، خصوصًا بعد اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أعمال التفتيش (يوليو 2007م)، فإن أخطر ما يهدد فرص هذا الحل السلمي ويزيد من احتمال نشوب حرب رابعة في الخليج ، هو احتمال الخطأ في الحسابات وتقدير الموقف من الطرفين، فمن الجانب الأمريكي قد يتأتى الخطأ من اقتناع العسكريين وبخاصة قادة سلاح الجو بقدرتهم على تدمير قدرات طهران العسكرية تدميراً كاملاً، واقتناع السياسيين بأن مثل هذا العمل هو الحل الوحيد للأزمة، ومن ثم إسقاط النظام. ومن الجانب الإيراني قد يأتي الخطأ من اعتقاد المسؤولين أن الولايات المتحدة هزمت في العراق ولا تملك الإرادة أو القدرة على شن حرب إضافية، فالإدارة الأمريكية الحالية لا تتوانى عن الذهاب بعيداً في قراراتها.
وإذا كان خيار الحرب يواجه صعوبات حقيقية، وفي المقابل يحوط خيار عدم نشوب الحرب محاذير قوية، يبقى خيار التقارب أو التطبيع، إلاّ أنه هو الآخر يظل مستبعداً لعوامل موضوعية، أبرزها: التباين الأيديولوجي، والعداء التاريخي بين النظامين الأمريكي والإيراني، إضافة للعامل الإسرائيلي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يحرص على تحريض الإدارة الأمريكية ضد طهران، ويهدد أية محاولة للتقارب، وبذلك يمكن القول ببقاء استمرار حالة اللاسلم واللاحرب، دون الإقلال من أهمية أخذ التهديد العسكري الأمريكي والإسرائيلي مأخذ الجد، رغم ما توحي به الحسابات المنطقية بأن العوامل المانعة للحرب أشد إقناعاً من العوامل المؤيدة لها. ولكن، متى كانت الحسابات المنطقية هي الحاكم لتصرفات الإدارة الأمريكية، فمن الممكن أن تُسقط هذه الحسابات وتتخذ القرار الخطأ، ومن ثم يشهد الخليج الحرب الرابعة
الجزء الأول من التقرير
الائتلاف العراقي الموحّد، فهذه الجماعة تملك من الوزن الشعبي (الشيعي) والعسكري ما يجعلها جزءاً من الرد العسكري لإيران إذا ما وجهت إليها ضربة عسكرية، والثاني: هو ما تظهره الحكومة الإسرائيلية من ميل إلى الإحجام عن القيام بعمل عسكري كبير في قطاع غزة، والثالث: هو قول رئيس الوزراء الإسرائيلي: "إنه يريد لتفاوضه مع الرئيس الفلسطيني وللقاء الدولي (مؤتمر السلام) أن يتمخضا عن بيان أو إعلان مشترك وليس عن اتفاق (على مبادئ) مُلزم"، وكأنه أراد القول إن الاتفاق الملزم يجب أن يُصاغ ويُكتب في ضوء الحقائق والوقائع التي ستتمخض عن ضربة عسكرية لإيران(37).
o بدأ الرئيس الفرنسي الجديد (نيكولا ساركوزي) يأخذ دور رئيس الوزراء البريطاني السابق (بلير) كحليف واشنطن الأوثق، وانعكس ذلك في تغيير سياسة فرنسا (شيراك) من حيث تبني المواقف والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وحرصه على إبلاغ سفراء فرنسا في (188) دولة أثناء اجتماعه بهم في شهر أكتوبر الماضي بأن إيران ستتعرّض للقصف ما لم تتخل عن طموحاتها النووية، مؤكداً على أن امتلاك إيران لأسلحة نووية خط أحمر بالنسبة لفرنسا(38). يضاف إلى ذلك دعوة وزير خارجيته إلى الاستعداد للأسوأ، وهو الحرب، بسبب الأزمة النووية الإيرانية، وتأكيده على أن حصول إيران على السلاح النووي سيكون خطراً فعلياً على العالم أجمع(39).
o التغيير المفاجئ للرئيس (بوش) تجاه المالكي وحكومته في العراق، فبعد أن عبّر سابقاً عن يأسه وخيبة أمله تجاهه، وأوحى عن عزمه على إزالته من السلطة، عاد وأعطاه تصويتاً بالثقة علناً، وهو ما يفسّر أن الإدارة الأمريكية لم تعد تملك الوقت الكافي لإحداث تغييرات في العراق بعد أن بات خيار الحرب أكثر ترجيحاً، ولذلك قررت الإبقاء على الوضع كما هو، لأنه لا فائدة من تغيير رئيس وزراء العراق، وإيجاد فراغ دستوري ومشاكل إضافية(40).
o قرار بريطانيا سحب قواتها من البصرة، وتسليم المسؤولية الأمنية إلي قوات الأمن العراقية، وهو ما يعكس قناعة بريطانية من شقين: الأول: إن الهزيمة في العراق حتمية وإمكانية النصر معدومة، والثاني: وجود هذه القوات سيجعلها فريسة لأي انتقام شرس وساحق من قِبل حلفاء إيران وقواتها في حال بدء الضربات الجوية ضدها، فالبصرة هي النقطة الأقرب للحرس الثوري الإيراني إن لم تكن قد باتت فعلاً تحت قبضته(41).
o إدراج الحرس الثوري الإيراني أمريكياً على اللائحة الدولية للمنظمات الإرهابية، وتهديد إيران بعدم السكوت على هذه الخطوة، وكذلك تصاعد حدة الاتهامات الأمريكية لإيران من خلال حزمة اتهامات مفادها: التدخل الإيراني في شؤون العراق الداخلية، وتأجيج العنف الطائفي في البلاد، والعمل على انهيار الوضع الأمني، وتزويد جماعات شيعية بأسلحة ومتفجرات تشكّل خطراً على جنودها في العراق، ومساعيها للحصول على أسلحة نووية، ودعمها لحزب الله في لبنان وحركتي حماس والجهاد في فلسطين، وكلها مصنّفة - أمريكياً - بالإرهابية، ووقوفها ضد عملية السلام العربية مع إسرائيل.
o نشر الجيل الأحدث من صواريخ (الباتريوت) لأول مرة منذ إنتاجها خارج حدودة الولايات المتحدة الأمريكية، وإمداد إسرائيل بكمية وافرة منها، وانضمام حاملة الطائرات (ستينيز) إلى حاملة
لطائرات (أيزنهاور) في مياه الخليج بدلاً من مهمتها الأصلية في المحيط الهادي، ولكل منهما مجموعة من السفن المرافقة، كما توجهت إلى هناك قطع بحرية أخرى متعددة الأحجام ومتنوعة المهام؛ إضافة إلى زيادة القوات الأمريكية بمقدار (500ر21) جندي قابلين للازدياد، مما سيترتب عليه تعديل التمركز لمواجهة تحرك بري إيراني مع بداية الحرب، وتغيير القيادات الرئيسة والاستغناء عن الجنرال (جون أبي زيد) لرأيه المغاير لتوجه الإدارة الأمريكية بالحرب ضد إيران(42).
o اقتناع الرئيس الأمريكي بجدية طموحات إيران النووية، حيث يعتبر أن حيازة طهران سلاحاً نووياً تعني حرباً عالمية ثالثة، وهو ما عبّر عنه خلال مؤمر صحفي في أكتوبر الماضي بالقول: "أقول لقادة العالم إذا أردتم أن تتفادوا حرباً عالمية ثالثة، يبدو لي أن عليكم أن تحاولوا منع الإيرانيين من الحصول على المعرفة الضرورية لصنع سلاح نووي". ومن جانب آخر، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق (بيريز) المجتمع الدولي إلى التحرك سريعاً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، واتهم الرئيس الإيراني بالسير على خطا (هتلر وستالين)، وقال: "حتى لو أن الرئيس بوتين يقول إنه غير مقتنع بأن إيران تطور قدراتها النووية بهدف هوائي، فالعالم كله يعرف نياتها الحقيقية، وتملك أجهزة استخبارات عدة أدلة على أن إيران تتحرك سعياً وراء أسلحة نووية ولأهداف الحرب والموت"(43).
o هناك من يسوّق لنظرية السنوات العشر للحرب القادمة، ليبرهن من خلالها على الضربة القادمة أمريكية وإسرائيلية ضد إيران، حيث بدأت واشنطن مع الرئيس المصري الأسبق (جمال عبدالناصر) والمشروع القومي في نهاية الخمسينيات 1958م، ومن ثم مع (ياسر عرفات) وحركة التحرر الفلسطيني في نهاية الستينيات 1968م، والثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات 1978م، ثم العراق مع نهاية العقد الثامن، حتى نزلت القاعدة في نهاية التسعينيات. ومع بداية كل مرحلة صورت واشنطن عدوها الجديد على أنه يشكّل خطراً يهدد الأمن الإقليمي أو الدولي، وذلك بالتنسيق والتعاون السياسي والاستراتيجي مع إسرائيل وخدمة لمصالحها. لقد ضربت واشنطن وإسرائيل من الأعداء الخمسة: المشروع الناصري عام 1967م، ومنظمة التحرير عام 1982م، وعراق صدام 2003م، وبن لادن في أفغانستان 2001م، وما تبقى من الأعداد الخمسة هما: إيران الخميني في وجهها الجديد (أحمدي نجاد)، وسوريا في المعية(44).
o الاختراق الأمريكي للأراضي الإيرانية عن طريق عملاء، فقد تمت الإشارة مؤخراً إلى اتهام مسؤولين إيرانيين للولايات المتحدة بالتخطيط لعمليات عسكرية سرية جديدة في إيران، انطلاقاً من الأراضي الباكستانية من أجل إثارة الصراعات العرقية والدينية على نحو يهدد بتقسيم إيران، وكانت مدينة (زاهيدان) الإيرانية قد شهدت خلال شهر فبراير الماضي انفجارًا مروعًا أسفر عن مصرع وإصابة العشرات من أعضاء الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أثار الجدل حول العمليات السرية التي تقوم بها المخابرات الأمريكية في بعض الأقاليم الإيرانية، وبخاصة إقليم (بلوشستان) المتاخم لأفغانستان وباكستان. ويذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي (بوش) قد طلبت من الكونجرس مؤخرًا تخصيص (75) مليون دولار من أجل الترويج للتغيير الديمقراطي في إيران ودعم الجماعات الانفصالية المناهضة للحكومة، لكن العائق الرئيس الذي يواجه السياسة الأمريكية، أنه باستثناء الأكراد لا توجد أقليات عرقية في إيران تريد الانفصال عن الدولة الإيرانية(45).
o القيام بعمليات استعراض للقوة، ففي 13 مارس الماضي، شارك الآلاف من الجنود الأمريكيين والإسرائيليين في اختبار طرق جديدة لاعتراض صواريخ هجومية قادرة على حمل رؤوس نووية وكيميائية وبيولوجية في إطار تدريبات عسكرية مشتركة بين الجانبين، وبالإضافة إلى المناورات المشتركة التي استمرت أسبوعًا، قامت إسرائيل في 20 مارس الماضي بإجراء أكبر مناورة لها في التاريخ، وقد تضمنت أشكالاً مختلفة من الهجمات التقليدية وغير التقليدية على أهداف متنوعة فيها. ونقلت صحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية عن مصادر إسرائيلية وأمريكية قولها إن الغرض الأساسي للمناورات الأخيرة هو مواجهة هجمات سورية وإيرانية محتملة بصواريخ بعيدة المدى إذا استهدفت ضربة أمريكية أو إسرائيلية المنشآت النووية الإيرانية(46).
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أجرت يومي 30 و 31 أكتوبر من العام الماضي مناورات بحرية اشتركت فيها (24) دولة، وكان الهدف الأساسي منها هو التدريب على اعتراض السفن التي تنقل أسلحة الدمار الشامل والمعدات المتعلقة بها، ومنع أي أنشطة غير شرعية لنقل التكنولوجيا النووية، وهو ما جعل إيران تعتقد أنها هي المعنية والمستهدفة بهذه المناورات(47)، وفي استعراض للقوة أيضاً قامت القوات البحرية في 27-3-2007م بأضخم مناوراتها في الخليج منذ غزو العراق عام 2003م، مستخدمة حاملتي طائرات ومجموعتين من السفن الحربية، تدعمها أكثر من (100) طائرة حربية، وشملت المناورة سيناريو لهجمات افتراضية على سفن وغواصات معادية والكشف عن الألغام مقابل السواحل الإيرانية(48).
مصاعب على طريق الحرب:
إذا كان ما سبق طرحه يُعدّ بعض المؤشرات على الطريق، فلا ينبغي الذهاب بعيداً وتصوّر أن هذا الطريق معبّد أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، فهناك كثير من المصاعب التي تواجهانهما على هذا الطريق، ومنها:
o أن لدى إيران قدراتها العسكرية القادرة على إحداث خسائر كبيرة في الجانب المعادي، ففي تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن عن ميزان القوى لعام 2006م بعض المعلومات عن هذه القدرات، فهي تنتج ما يقرب من ألفي نوع من الأسلحة الدفاعية من الذخيرة إلى الطائرات، ومن القوارب المجهزة بالصواريخ إلى الأقمار الاصطناعية، وهي تصدِّر معدات عسكرية إلى أكثر من ثلاثين دولة بينها سبع دول أوروبية. وذكر التقرير أيضاً أنه في عصر الشاه قامت ثلاث شركات أمريكية ببناء صناعات تجميعية في إيران تشمل: المروحيات، والطائرات، والصواريخ الموجهة لاسلكياً، والدبابات، والمكونات الإلكترونية، وقد جرى توسيع هذه القاعدة خلال الحرب العراقية الإيرانية، بحيث أصبحت إيران تملك الآن ترسانة من القذائف والصواريخ يتراوح مداها بين (45 إلى 2000) كلم، كما أن لديها (19) مركزاً تعمل في الأنشطة الجوية الفضائية وتستخدم أكثر من (100) ألف مهندس، وضرب التقرير مثلاً بمجمع في محافظة (لورستان) قادر على إنتاج ثمانين ألف إطار للطائرات من مختلف النماذج، الأمر الذي يجعل إيران الدولة الأولى في الشرق الأوسط والسابعة في العالم التي تمتلك هذه التكنولوجيا، أما البنية التحتية الصناعية الخاصة بالمروحيات فهي تدعم أسطول الطائرات المروحية الذي يعتبر الثالث في العالم، وتنتج مؤسسة القدس لصناعة الطيران مجموعة كبيرة من الطائرات دون طيار لأغراض
الاستكشاف والقتال، كذلك قامت إيران بتطوير ترسانة الصواريخ الموجهة للسفن، وبناء الغواصات والزوارق السريعة المجهزة بالصواريخ التي تتميز بسهولة الحركة(49).
o ضعف المعلومات وافتقار المخططين لضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية إلى المزيد من التفاصيل المهمة لتخطيط العملية عسكرياً، وهذا ما عبّرت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية في حديث أدلت به لصحيفة (هاآرتس) الإسرائيلية، أوضحت خلاله أنها أبلغت سياسيين ودبلوماسيين أوروبيين اجتمعت معهم في الآونة الأخيرة، أنه ليس لدى الولايات المتحدة ما يكفي من المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالمنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى الحيلولة دون القيام بعمل عسكري، وأوضحت (رايس) أن هناك ثلاثة أسباب تجعل الولايات المتحدة في الظروف الحالية غير قادرة على القيام بعملية عسكرية ضد إيران، أولها: رغبتها في تسوية الأمر بالوسائل السلمية، وثانيها: القلق الذي يساورها حيال فعالية الضربة، حيث إنها ستفشل في القضاء على قدرات إيران، و ثالثها: الافتقار في الحصول على معلومات دقيقة تتعلق بالمواقع والأهداف المتوخاة(50).
o أن هناك اعتبارات داخلية تزيد من قدرة إيران على المواجهة عسكرياً وسياسياً، من أهمها(51):
*عمق العلاقة التي تربط الشعب الإيراني بالملالي، والذي لا يمكن معه التعويل على نجاح أي محاولة للغزو، حتى وإن نجح من الناحية العسكرية.
*صعوبة التعويل على سيناريو (تحريك عربستان) بالأحواز، الرامي إلى خلخلة بنية الدولة الإيرانية، بما يحول بين إيران و 90% من نفطها الموجود في ذلك الإقليم العربي المحازي للخليج، والذي يضم نحو (8) ملايين عربي وشيعي يعتبر معظهم أن إيران الفارسية احتلت أرضهم، وهو ما لا يكفي للنظام الإيراني أن يسمح بفقدانه بسهولة مهما كلفه ذلك من ثمن. كما أن منظمة (مجاهدي خلق) اليسارية الإيرانية لا يمكنها أن تمثل تهديداً حقيقياً لإيران، نظراً لمحدودية تأثيرها السابق؛ والشيء نفسه يمكن أن يقال عن جماعة (بيجال) أبرز الجماعات الكردية الإيرانية والتي يسلحها جهاز الاستخبارات الأمريكي، وتسعى لتعميق النزعة الانفصالية لنحو (4) ملايين كردي في إيران فالعراق الفارسي والآذاري يهيمنان على ما يزيد عن ثلاثة أرباع سكان إيران، ويمسكون بتلابيب دولة متماكسة إلى حد بعيد.
o أن انتشار القوات الأمريكية في أنحاء العالم، وتحديداً في العراق وأفغانستان، يقلّص هامش المناورة إذا ما واجهت الولايات المتحدة هجوماً مضاداً من إيران في حال تعرضها لهجوم، فقد أوضح رئيس أركان القوات البرية الأمريكية خلال مؤتمر سنوي للقوات البرية أن الجيش الأمريكي يعاني من فقدان التوازن بعد ست أعوام من الحرب في أفغانستان والعراق، وأوضح أن الجيش يحتاج إلى أربع سنوات ليستعيد وتيرته الطبيعية بعد العمليات والمهام المتكررة في العراق، رغم الانسحاب الجزئي المقرر للقوات الأمريكية من العراق العام القادم(52). وقالت مسؤولة التوجيه المعنوي في الجيش الأمريكي في العراق: جيشنا منهك، ونحن نحتفظ في مسرح العمليات بجنود فعل فيهم الإعياء أفاعيله(53).
o رفض حلفاء الولايات المتحدة لفكرة تنفيذ ضربات جوية أمريكية ضد إيران في الوقت الحاضر، مفضلين تبني الوسائل الدبلوماسية واتخاذ تدابير عقابية اقتصادية تحت مظلة الأمم المتحدة، فقد أشار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالية إلى أن مجلس وزراء الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي عقد في (لوكسمبرج) في أكتوبر
الماضي قد تبنى نصاً متوازناً تجاه إيران يعتمد على ثلاثة أبعاد هي: التفاوض، والعقوبات، والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية(54)، وفي المقابل، تمكنت إيران من استقطاب دول البحر الأسود لممانعة أي هجوم ضدها، فقد تم الإعلان عن اتفاق هذه الدول (إيران، وروسيا، وكازاخستان، وأذربيجان، وتركمنستان) خلال القمة التي عُقدت في طهران في 16-10-2007م على أن هذه الدول لن تسمح تحت أي ظرف بأن تستخدم دولة أراضيها لشن عدوان أو القيام بتحرك عسكري ضد أي دولة عضو(55).
o أن هناك خطورة بالغة من هذه الحرب تكمن في عدم القدرة على التنبؤ بردود الفعل الإيرانية وردود الفعل الإقليمية، فإيران تستطيع الرد بنفسها عسكرياً وبصفة مباشرة في الخليج، وفي العراق، وفي أفغانستان، وفي إسرائيل. ومن المؤكد أنها بواسطة حلفائها تستطيع مضاعفة آثار ردود فعلها العسكرية في كل هذه الجبهات، ويكفي للإحالة إلى ما ذكر من أن إيرانيين يصعب حصرهم تدفقوا على العراق ويعيشون هناك الآن على أنهم عراقيون منذ فتح الحدود، كما أن هذا التوغّل الإيراني لم يعد مقصوراً على محافظات الجنوب الشيعية، وإنما توغّل الوجود الإيراني الذي سمّاه دبلوماسي عراقي سابق بالاحتلال الثاني للعراق حتى الموصل شمالاً وحتى الأنبار غرباً، بما يعنيه من قدرة إيرانية على افتراس القوات الأمريكية في العراق دون حاجة إلى تحريك قوات كبيرة من العمق الإيراني، وهو ما يمكن أن يتكرر في مناطق أخرى، كل هذا فضلاً عن المخاطر الاقتصادية الفادحة على العالم ككل(56).
o يعلم كل الخبراء العسكريين في الولايات المتحدة أن فكرة الضربة الجوية الجراحية لا وجود لها في الواقع العملياتي إلاّ في خيال المراهقين من الخبراء، فالقوات الجوية لا تستطيع حسم معركة بهذا الاتساع ما لم تؤيدها في النهاية قوات برية كافية، بل إن هناك خطرًا كبيرًا في حالة الضربة الجوية، وهو أن يؤدي ذلك إلى تسريع إيران لعملية إنتاج السلاح النووي فتكون النتيجة عكسية تماماً لما تريده الولايات المتحدة(57).
o لن تكون الضربة الأمريكية مقبولة من القانون الدولي حال وقوعها تحت زعم القيام بعمل استباقي ممارسة لحقها المشروع في الدفاع عن النفس بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فالقانون الدولي - وإن كان يسمح باستخدام القوة للدفاع عن النفس لمنع هجوم وشيك - لا يجيز استخدام القوة بالشكل الذي يرقى إلى درجة تنفيذ ضربة استباقية ضد تهديد بعيد الحدوث، فعلى الرغم من وجود بعض الدعم لمبدأ الضربة الاستباقية نظراً لما يفرضه العصر النووي من تحرك سريع، بحيث لا تظل إحدى الدول من دون حق الدفاع عن نفسها وكأنها لا حول لها ولا قوة إلاّ أن التوجه العام هو اشتراط أن يكون هناك تهديد بهجمة وشيكة قبل اللجوء إلى أية ضربة استباقية أو دفاعية، وبالتالي لا يوجد في الوقت الراهن مستند قانوني يسمح بشن هجوم أمريكي على إيران تحت حكم المادة (51) من الميثاق، وبالتالي لا يمكن بناء قضية احتمال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران تحت مبدأ الدفاع عن النفس أيضاً، فتخصيب اليورانيوم لا يرقى إلى مستوى التهديد(58).
o تضع الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط والخليج البعد البيئي في الحسبان، فضرب منشأة نووية إيرانية نشطة يمكن أن
يؤدي إلى تدمير مواد نووية، وهو ما يعني وجود تلوث إشعاعي وانتشاره في مناطق الجوار الجغرافي مسبباً ما يشبه حادثة (تشرنوبل) جديدة في المنطقة، ومازالت تجربة التلوث الناتجة عن تفجير آبار البترول الكويتية أثناء حرب الخليج الثانية 1990 1991م ماثلة للأذهان(59).
o وجود تصريحات أمريكية رسمية صدرت في ذروة حملة دعائية عن اقتراب موعد هجوم أمريكي على إيران، أشار خلالها المتحدث باسم البنتاجون إلى أن الولايات المتحدة لا تخطط للدخول في حرب ضد إيران، وأن الحديث عن أي شيء يناقض ذلك التصريح يُعدّ قولاً خاطئاً مضللاً.
وخلال شهر سبتمبر الماضي أكّد المتحدث أن موقف بلاده لم يتغير، وأن الرئيس الأمريكي أكّد بوضوح أنه يسعى لحل الأزمة دبلوماسياً، كما تحدث وزير الدفاع الأمريكي لقناة (فوكس) الأمريكية مؤكداً أن إدارة (بوش) تؤمن في الموقف الحالي بأن المدخل المفضّل للتعامل مع التحدي الإيراني سيكون عبر الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، وأكّد وجود إجماع داخل الإدارة الأمريكية حول عدم مهاجمة الأراضي الإيرانية، مشيراً إلى الاكتفاء بالتعامل مع التهديد الإيراني داخل العراق دون حاجة ماسة لعبور الحدود الدولية إلى قلب إيران(60).
رابعاً: الخلاصة
تفضي متابعة الأزمة النووية الإيرانية وما يرافقها من تسريبات إعلامية وتحليلات استراتيجية، إلى القول بتشابه تطورات هذه الأزمة مع ما صاحب الأزمة العراقية التي انتهت بالغزو الأمريكي للعراق، و إن كان هذا التشابه لا يعني التطابق التام، بحيث تأخذ الأزمة الإيرانية المنحى ذاته الذي آلت إليه الأزمة العراقية، ذلك أن إيران ليست العراق من عدة نواحي إقليمية، وجغرافية، واقتصادية، وعسكرية، فضلاً عن إدارتها الجيدة للأزمة حتى الآن، كما أن الموقف الدولي قد اختلف عن سابقه، يُضاف لكل ذلك وغيره الظروف التي تعيشها القوات الأمريكية في كل من أفغانستان والعراق، فمن الواضح أن الولايات المتحدة تخوض صراعاً على المصالح والنفوذ أمام خصم يتميز بجمع الأوراق الإقليمية، مع القدرات العسكرية والإمكانات النفطية، مع باقة من القدرات، يديرها عقل سياسي يفوق ما اعتادته واشنطن لدى خصومها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كما أن هناك العوامل الداخلية والإقليمية والدولية ذات الوزن الكبير في أي قرار بالإقدام على استخدام القوة العسكرية، خصوصاً مع إدراك الولايات المتحدة أنها قد تخسر كثيراً في ظل عدم ضمان نتائج استخدام القوة.
في مثل هذا الظرف تتقدم إمكانية تحقيق سيناريو تسوية يعتمد على حدوث مقايضة بين الولايات المتحدة والغرب، وبين إيران بناءً على مفاوضات مباشرة تطرح فيها كافة القضايا على طاولة التفاوض، شريطة أن تنطلق من صدق النوايا، فمثل هذا التفاوض من شأنه إحداث نقلة نوعية في إيجاد حل سلمي للأزمة، حيث يمكن طرح بدائل في هذا السياق على نحو ما عرضه الرئيس الروسي بنقل عمليات تخصيب اليورانيوم إلى خارج إيران، أو بوضع قيود مشددة على هذه العمليات للحد من مخاوف المجتمع الدولي من إمكانية استخدامها في الأغراض العسكرية، وربما الاعتراف لإيران بدور إقليمي تعمل من أجله وتجاهد في سبيله، كما يمكن استحضار نموذج حل الأزمة النووية الكورية.
إلاّ أن هذا السيناريو يواجه صعوبة قبوله من كلتا الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية خشية أن يتحول الصراع في المنطقة من صراع ساخن يتوفقان في امتلاك أدواته على بقية الأطراف إلى حرب باردة بعد تملّك إيران السلاح النووي، كما أن ذلك من شأنه أن يغل يد الولايات المتحدة في المنطقة ويؤثر على الموقف الاستراتيجي والتفاوضي لإسرائيل بشأن تحقيق السلام في المنطقة.
ولكن، مع وجود فرص الحل السلمي لهذه الأزمة، خصوصًا بعد اتفاق إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على أعمال التفتيش (يوليو 2007م)، فإن أخطر ما يهدد فرص هذا الحل السلمي ويزيد من احتمال نشوب حرب رابعة في الخليج ، هو احتمال الخطأ في الحسابات وتقدير الموقف من الطرفين، فمن الجانب الأمريكي قد يتأتى الخطأ من اقتناع العسكريين وبخاصة قادة سلاح الجو بقدرتهم على تدمير قدرات طهران العسكرية تدميراً كاملاً، واقتناع السياسيين بأن مثل هذا العمل هو الحل الوحيد للأزمة، ومن ثم إسقاط النظام. ومن الجانب الإيراني قد يأتي الخطأ من اعتقاد المسؤولين أن الولايات المتحدة هزمت في العراق ولا تملك الإرادة أو القدرة على شن حرب إضافية، فالإدارة الأمريكية الحالية لا تتوانى عن الذهاب بعيداً في قراراتها.
وإذا كان خيار الحرب يواجه صعوبات حقيقية، وفي المقابل يحوط خيار عدم نشوب الحرب محاذير قوية، يبقى خيار التقارب أو التطبيع، إلاّ أنه هو الآخر يظل مستبعداً لعوامل موضوعية، أبرزها: التباين الأيديولوجي، والعداء التاريخي بين النظامين الأمريكي والإيراني، إضافة للعامل الإسرائيلي واللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يحرص على تحريض الإدارة الأمريكية ضد طهران، ويهدد أية محاولة للتقارب، وبذلك يمكن القول ببقاء استمرار حالة اللاسلم واللاحرب، دون الإقلال من أهمية أخذ التهديد العسكري الأمريكي والإسرائيلي مأخذ الجد، رغم ما توحي به الحسابات المنطقية بأن العوامل المانعة للحرب أشد إقناعاً من العوامل المؤيدة لها. ولكن، متى كانت الحسابات المنطقية هي الحاكم لتصرفات الإدارة الأمريكية، فمن الممكن أن تُسقط هذه الحسابات وتتخذ القرار الخطأ، ومن ثم يشهد الخليج الحرب الرابعة
صاروخ
في الوقت الذي لاتزال فيه المحادثات مستمرة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي الوقت الذي لاتزال فيه المحاولات الدبلوماسية في مجلس الأمن بين مجموعة دول (5 +1) قائمة لحمل إيران على تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم، وفي الوقت الذي تشهد فيه بغداد تنسيقًا كاملاً بين واشنطن وطهران ولقاءات متتالية بين الأمريكيين والإيرانيين إلى حد تشكيل لجان أمنية مشتركة، نجد موقفًا يتناقض مع ذلك كله يكشفه صعود الخيار العسكري إلى الواجهة، وحضوره بقوة من خلال التسريبات والأحاديث المتعلقة بتوقُّع مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جانب، أو من أيٍ منهما، وبين إيران من جانب آخر، بل إن الأمر تجاوز حدود التخمينات والتوقعات والسيناريوهات إلى مستوى وضع توقيتات لهذه المواجهة.
فهل يشهد الخليج حربًا رابعة بصعود الخيار العسكري الأمريكي والإسرائيلي للواجهة، أم إن الأمر لا يعدو كونه ضغطًا سياسيًا وعسكريًا لحمل إيران على الإذعان للمطالب الأوروبية والإسرائيلية لوقف دورة تخصيب اليورانيوم؟ هذا ما تحاول المقالة التعرُّف عليه من خلال رصد نذر الحرب ومعوقات نشوبها.
أولاً : الخيار العسكري ضد إيران
قادت كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حملة شديدة لحشد المجتمع الدولي ضد إيران بتعظيم المخاوف من برنامجها النووي في ظل تقارير استخباراتية تشير إلى أن إيران تسعى لامتلاك السلاح النووي، وأنها أصبحت قريبة من امتلاكه، واستغلال التصريحات الإيرانية حول الوجود الإسرائيلي في المنطقة لإقناع المجتمع الدولي أن إيران النووية ستكون مصدر خطورة على المجتمع الدولي بأسره، ومن أجل الضغط على طهران اعتمدت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل الخيار العسكري ضدها للعدول عن برنامجها النووي.
1 الخيار العسكري الأمريكي ضد إيران:
صنّفت الولايات المتحدة إيران ضمن محور الشر، واعتبرتها إحدى الدول الراعية للإرهاب، كما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي (حالة الاتحاد) في 29-1-2002م بناءً على معلومات مضللة زوّدت بها المخابرات الإسرائيلية الولايات المتحدة حول حماية إيران (للملاّ محمد عمر) زعيم طالبان، و (أسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة بعد أن تسللا إليها، وأنهما تحت الحماية الإيرانية(1). وفي خطاب نائب الخارجية الأمريكية أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في 28 أبريل 2004م، شرح جوانب السياسة الأمريكية تجاه طهران، فأوضح أن إيران ضالعة في عديد من السياسات والأعمال الهدّامة، وهذا السلوك طبقاً لرؤيته يقوّض الاستقرار الإقليمي، وله آثار سلبية على أمن الولايات المتحدة والأمن الدولي، وأضاف قائلاً: "إننا نتخذ، وسوف نتخذ الإجراءات الضرورية لحماية المصالح الأمريكية"، وعدَّد وسائل مقاومة بلاده للسياسة الإيرانية، وذكر من بينها العقوبات في المجال العسكري(2).
وفيما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر إيران واحدة من مصادر التهديد الأكثر خطورة للأجندة الأمريكية لمنع الانتشار النووي، ففي الحالة الإيرانية لا تميِّز واشنطن بين القدرات النووية المدنية والبرامج النووية العسكرية، ومن ثم تتركز التقديرات الرسمية الأمريكية في أن إيران تهدف إلى امتلاك دورة وقود نووي متكاملة، وأن ذلك سوف يمكنها من حيازة قدرات نووية متطورة، ومن ثم فإن المسألة النووية الإيرانية تمثّل في ظل ما يعتبر نظاماً مارقًا مصدرًا لتهديد الأمن القومي الأمريكي بحسب وجهة النظر الأمريكية التي ترى أن من شأن ذلك أن يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي، وقد يطلق موجة من الانتشار النووي في المنطقة، ويمكّن طهران من تهديد المصالح الأمريكية فيها، لاسيما في ظل استمرار تطوير البرنامج الصاروخي، كما سيؤدي إلى توجيه ضربة جديدة لمعاهدة منع الانتشار النووي. وطبقاً لسيناريو أسوأ حالة، هناك احتمالات إمداد عناصر إرهابية بأسلحة نووية، وهو ما يجعل الصورة أكثر حدّة مما هي عليه في الواقع(3)، وخصوصاً في ظل عدم امتثال إيران للقرارين الدوليين (1737) و (1747) القاضيين بفرض عقوبات عليها طالما استمرت في عمليات تخصيب اليورانيوم(4).
لهذه الأسباب وغيرها مما تعجّ به ساحة العلاقات الأمريكية الإيرانية من اشتباكات حول قضايا متعددة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979م من بينها العراق بطبيعة الحال أصبحت إيران مستهدفة عسكريًا، حيث بدأت الأنباء تتوالى عن عمل عسكري أمريكي ضد طهران، انطلاقاً من أنها
وقد أشار الصحفي الأمريكي الأشهر (سيمون هيرش) في مجلة (نيويوركر) عدد أبريل 2007م، وبناءً على مصادر رسمية واستخباراتية إلى أن إدارة (بوش) قد بدأت التحضيرات لخطط الحرب ضد إيران(14)، ويعتقد أن تركيز الإدارة الأمريكية على ما تقوم به إيران في العراق هو تهيئة للرأي العام الأمريكي لشن هجوم عسكري عليها(15).
كما دعا وزير الخارجية الفرنسية إلى الاستعداد للأسوأ، وهو الحرب، بسبب الأزمة النووية الإيرانية(16)، وعندما حاول نفي أن يكون داعية للحرب، أكّد على أن الحرب ستكون هي الملاذ الأخير إذا ثبت أن العقوبات غير كافية لإقناع طهران بتعليق برنامجها النووي(17).
وكشفت مصادر عسكرية عليمة عن أن مسؤولين بارزين في القيادة الأمريكية المركزية في (فلوريدا) حددوا من قبل سلسلة من الأهداف المطلوبة داخل إيران، من بينها: منشأة تخصيب اليورانيوم في (ناتانز)، ومنشآت في (أصفهان، وأراك، وبوشهر)، وأضافت أن الولايات المتحدة ستستخدم قاذفات (الشبح ب 2) بعيدة المدى والطائرات العملاقة (ب 52) لإلقاء قنابل خارقة للملاجئ، في محاولة لاختراق مفاعل (ناتانز) المبني على عمق (25) مترًا تحت الأرض، كما أن هذه الطائرات تتميز بتحليقها على ارتفاعات شاهقة لا تصل إليها أحدث بطاريات وجدران الصواريخ الدفاعية(18).
2 الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران:
وفي إطار التهديدات العسكرية الإسرائيلية لإيران، كشفت تقارير صحفية عن أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي قد تلقى أوامر في أغسطس 2003م لإجراء دراسة حول سبل ضرب أكثر من ستة مواقع نووية في إيران، وأن فريقًا من الموساد وضع مشروع خطة متعددة السيناريوهات لشن غارات بواسطة طائرات (إف 16) القاذفة المقاتلة لتدمير المواقع في وقت متزامن وبالكامل، واعتبر الفريق أن الإمدادات اللوجستية وإن كانت تشكّل صعوبة بالغة، فإنه بالإمكان التغلُّب عليها فنيًا(19). وأدى التهديد الإسرائيلي إلى كشف غير مسبوق عن القدرات النووية الإسرائيلية، حيث تناولت أبرز الصحف الإسرائيلية بالتحليل قدرة إسرائيل على توجيه ضربات نووية إسرائيلية للمواقع الإيرانية وتدميرها كليًا في توقيت واحد، في عملية يعتبرها الموساد قابلة للإنجاز(20)، فجاء هذا الكشف عن قدرات إسرائيل النووية على عكس سياسة الغموض النووي التي تتبعها إسرائيل، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اختيار إسرائيل الظروف الملائمة للتحول عن سياسة الإخفاء والإعلان عن نفسها دولة نووية، فوضعت مجموعة من السيناريوهات لذلك، منها قيام دولة عربية أو إسلامية بإجراء تجربة نووية، أو امتلاك سلاح نووي، ففي هذه الحالة توجّه إسرائيل رسالة واضحة لا يشوبها لبس بأن في مقدورها أن تضرب نووياً أهدافاً في العمق العربي والإسلامي حددها البعض بنحو خمس عشرة مدينة أو عاصمة(21).
ومن الواضح أن إيران باتت من وجهة النظر الإسرائيلية على وشك امتلاك قدرات نووية عسكرية، لذلك مضت في تهديدها، حيث صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي في 29 سبتمبر 2004م بالقول: "إنه يجب على إسرائيل أن تستعد للتعامل مع ما أسماه التهديد الإيراني"(22).
وكشفت صحيفة (صنداي تيمو) البريطانية في 18-7-2004م، عن أن إسرائيل قد تشن هجوماً استباقيًا على مفاعل (بوشهر) باستخدام المجال الجوي التركي، وقالت الصحيفة نفسها في 12-3-2005م إن إسرائيل وضعت خططاً لشن هجوم جوي ضد أهداف إيرانية نووية في
حال فشل الطرق الدبلوماسية، ووضعت رسوماً توضيحية لمراحل الهجوم(23). ونسب إلى نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك (شيمون بيريز) قوله: "يجب أن يُعبّأ العالم ضد الخيار النووي الإيراني"(24).
وعندما خففت الولايات المتحدة من لهجتها ولجأت إلى التهدئة مع إيران بتصريح الرئيس الأمريكي قبل جولته الأوروبية في شهر فبراير 2005م بأن التكهنات بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران شائعات غير صحيحة أعربت إسرائيل عن قلقها تجاه هذه اللهجة المختلفة، ورأت فيها ما يربك خططها في المنطقة، وقال وزير خارجية إسرائيل، إن أي قنبلة نووية إيرانية ستكون كابوسًا بالنسبة لإسرائيل(25). وكانت الأنباء قد نقلت عن رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية في فبراير 2005م قوله: "إذا لم نقم بأي تحرك فسيكون في وسع إيران إنتاج اليورانيوم المخصّب في غضون ستة شهور، مما سيسمح لهم بإنتاج أول قنبلة نووية بحلول عام 2008م"(26)، كما نقلت قول قائد سلاح الجوي الإسرائيلي: "إن على إسرائيل أن تكون مستعدة لمهمة قصف المنشآت النووية الإيرانية"(27). وكان الموساد الإسرائيلي قد طالب بمضاعفة موازنته لتكثيف التجسس ضد البرنامج النووي الإيراني، حيث اعتبر تعقّب البرنامج النووي الإيراني أحد أهم أولوياته(28).
وفي يناير 2007م، نشرت صحيفة (صنداي تايمز) تقريرًا ذكرت فيه أن سلاح الجو الإسرائيلي يقوم بتدريبات على المسافات البعيدة، وأن إسرائيل لو قامت بضرب إيران فإنها ستستخدم قنابل ذرية محدودة المدى لاختراق الدفاعات في عمق الأراضي الإيرانية، وأوضحت الصحيفة أن الخطة الإسرائيلية تقضي باستخدام صواريخ تقليدية موجهة بالليزر لفتح أنفاق قبل استخدام قنابل ذرية تكتيكية تتمتع بقوة تعادل 1-15 من قوة القنبلة الذرية التي أُلقيت على (هيروشيما)(29).
وكشفت مصادر عسكرية فرنسية عن أن إسرائيل وضعت خططاً سرّية لضرب منشآت تخصيب اليورانيوم لدى إيران بأسلحة نووية تكتيكية، وأنه عقب المحادثات الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية التي جرت في واشنطن، والتي تمحورت حول التهديد النووي الإيراني، فإن الطيارين الإسرائيليين والأمريكيين يتدربون على هذه المهمة في جبل طارق وصحراء النقب(30).
ثانيًا : سيناريوهات الحرب
تحدث العديد من التقارير العسكرية والاستراتيجية الغربية عن خريطة التحركات الأمريكية في مرحلة ما قبل الحسم العسكري، مؤكدة أن الولايات المتحدة قامت بوضع خطة متكاملة وضعت بعين الاعتبار إجهاض الدور الذي قد تلعبه الميلشيات الشيعية المدعومة من إيران (حزب الله) في لبنان، و (جيش المهدي) و (فيلق بدر) في العراق، وتلك التي تربطها صلات سياسية مع إيران (حركة حماس) و (حركة الجهاد الإسلامي) في فلسطين، حتي لا تؤازر هذه المنظمات إيران بالهجوم على المصالح الأمريكية، ولمواجهة الضغط الإيراني على كلٍ من الفلسطينيين والسوريين، وحزب الله اللبناني، ارتأت واشنطن إجهاض (حزب الله) سياسيًا واستراتيجياً عبر إشعال الداخل اللبناني بإعطاء الضوء الأخضر لوكالة الاستخبارات الأمريكية للقيام بتنفيذ خطة سرية لمساعدة الحكومة اللبنانية على التصدّي لحزب الله، والسعي إلى تشكيل جبهة عربية موحّدة (من المعتدلين العرب) ضد النفوذ الإيراني في المنطقة. وفي سياق متصل عززت الولايات المتحدة من وجودها الجوي والبحري في منطقة الخليج
عبر نشر العديد من حاملات الطائرات المزوّدة بأنظمة للإنذار المبكر، وتوفير الحماية للطائرات المقاتلة والمدمرات والغواصات الهجومية، وأسلحة دفاعية للمسافات القصيرة، وأنظمة (رام) لإطلاق صواريخ أرض جو، ونظام (فلانكس) المضاد لصواريخ كروز، وأنظمة إلكترونية لمواجهة قوة إيران الهجومية لاسيما منظومة الصواريخ التي تمتلكها.
وكخطوة إجرائية تشير إلى أن الضربة الأمريكية لإيران سوف تعتمد بشكل أساسي على المقاتلات التي تنطلق من بوارج وقطع بحرية متمركزة في الخليج، استبدلت واشنطن الجنرال (جون أبي زيد) بالأدميرال البحري (وليام فالون) الذي يعد أكبر قائد عسكري في المحيط الهادي ليصبح مسؤولاً عن القيادة الأمريكية الوسطى المكلفة بإدارة العمليات(31).
ومن بين السيناريوهات العسكرية المرجّحة في الهجوم الأمريكي على إيران بحسب رأي بعض المحللين ما قام بطرحه (توم ماكانيرني) القائد السابق في سلاح الجو في الجيش الأمريكي فهذا السيناريو يعتمد على قيام الولايات المتحدة باستهداف (1000) موقع إيراني عبر (15) طائرة (ب 2) القاذفة للقنابل المتمركزة في الولايات المتحدة، يساندها (45) طائرة (إف 15) و (إف 16) تتمركز في المنطقة، بحيث تؤدي هذه الهجمات إلى تدمير الرادارات الإيرانية بعيدة المدى والدفاعات الإيرانية الاستراتيجية، يستتبعها شن موجات متعددة من الغارات عبر طائرات (ب 52) وطائرات (إف 15)، و (إف 16) التي تنطلق لقصف المنشآت النووية الإيرانية، واستهداف مراكز القيادة والتحكّم، ومراكز وقواعد الحرس الثوري، ومقرات بعض آيات الله الرئيسين، ومواقع حساسة للنظام الإيراني، أملاً في أن يؤدي ذلك إلى ثورة ضد النظام أو إلى قيام مجموعات معارضة داخلية قوية. ويشير هذا السيناريو إلى أن المدة الزمنية التي سيستغرقها هذا الهجوم لن تزيد على يومين فقط، وأن نتائجه سوف تسهم في تدمير إمكانات إيران النووية لنحو خمس سنوات قادمة(32).
وهناك السيناريو الذي وضعه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، حيث طرح (أنتوني لوردسمان) الخبير في الشؤون الاستراتيجية بالمركز سيناريو آخر لضربة أمريكية لإيران في حال فشل الحلول الدبلوماسية، يفترض أن يتم استخدام من (150) إلى (200) صاروخ كروز، بالإضافة إلى حوالي (100) غارة عبر الجمع بين طائرات (ب 2) وصواريخ كروز المنطلقة من البحر الأحمر، وضرورة استخدام القواعد الأرضية في الدول المجاورة لإيران من أجل إعادة تنظيم الهجمات، والتزوّد بالوقود والانطلاق. ووفقاً لهذا السيناريو سيتم استهداف اثنين من أصل ثلاثة على الأقل من المنشآت الرئيسة والحيوية الأكثر قيمة.
كما وضعت مجموعة (اكسفورد) البحثية سيناريو ثالثًا، أشرف عليه (بول روجرز) الخبير والمستشار في المركز، يؤكّد فيه أن هناك هدفين أساسيين للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت الإيرانية، يعتمد الأول على التخريب الكلي للبرنامج النووي الإيرني، ومن ثم وأد الحلم النووي الإيراني إلى الأبد، ويهدف الثاني إلى إظهار الولايات المتحدة مستعدة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي في هذا الشأن. ووفقاً لهذا السيناريو فإن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية سيعتمد بشكل أساسي على القوة الجوية والبحرية والتركيز على عنصر المفاجأة في استهداف البنى التحتية النووية الإيرانية الرئيسة ونظام الدفاع الجوي عبر مئات التشكيلات الجوية المدعومة بغارات صاروخية جوية أخرى، وطائرات استطلاع لإخماد الدفاعات(33)؛
وهذا ما اعتبره البعض أحد المشاهد الرئيسة لتصور الحرب القادمة، حيث يعدّ ضربة (جراحية) للمنشآت النووية تحدث في أيام قليلة وبكثافة نيرانية هائلة تحول دون قيام إيران برد عسكري مضاد، وبما يقنع الإدارة الإيرانية بقبول الهزيمة وتجرّع عناصرها على مضض دون القيام بأي رد واسع المدى، أو يضرّ القدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة(34).
وتحدثت بعض التقارير عن استخدام الولايات المتحدة لقنابل نووية تكتيكية تحقيقاً لنصر سريع، وهو المشهد الذي يبدو أكثر جاذبية للمخططين الأمريكيين، وأكثر منطقية للطريقة التي تحشد بها الولايات المتحدة قواتها في مياه الخليج(35).
في المقابل، وضعت مراكز الأبحاث الغربية سيناريوهات الرد الإيراني على أي استهداف لمنشآتها النووية والسيادية، والتي لن تخرج في مجملها عن إغلاق مضيق (هرمز) الملاحي، وتحريك الموالين لها في المنطقة ضد الأهداف والقوات الأمريكية، وتفعيل جبهة جنوب لبنان وسوريا، وحركتي حماس والجهاد في فلسطين بالهجوم على الحليف الصهيوني، واستهداف السفارات الأمريكية والإسرائيلية في دول العالم(36).
ثالثاً: مؤشرات الحرب ومصاعبها
مع كل هذه التسريبات والتكهنات والسيناريوهات، تؤكّد الإدارة الأمريكية تمسكها بالدبلوماسية لحل الأزمة ، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل: هل يمكن أن تكون هذه التهديدات مجرد حرب نفسية أم أن التصعيد المتبادل يمكن أن يزيد من فرص الحرب ؟
إن هذه التسريبات الإعلامية وما ترتكز عليه من مؤشرات ميدانية حيث يجري تجييش متواصل للقوات الأمريكية في المنطقة بحراً وجواً وبراً لا يمكن التقليل من أهميته وتداعياته، فبالنظر إلى الأفعال والممارسات المصحوبة باللهجة العدائية التي يعبّر عنها الرئيس (أحمدي نجاد) وما تشكّله من تهديدات لإسرائيل، إضافة لحزمة الاتهامات الأمريكية لإيران بخصوص قواتها في العراق وما يتعلق بالسلام المزمع بين العرب وإسرائيل، يبدو مبرراً للاعتقاد بأن الولايات المتحدة الأمريكية عازمة على توجيه ضربة عسكرية لإيران، ومن ثم يمكن القول إن ما يجري على الساحة هو مؤشرات حقيقية على طريق الحرب. غير أن استراتيجية كهذه لن تكون بالضرورة هي الاستراتيجية الفعلية التي تخطط لها الإدارة الأمريكية، فثمة تساؤلات تتعالى وسط ضجيج الحرب: لماذا يتم النظر إلى نصف الكوب الفارغ ويتم استبعاد التجربة الأمريكية مع كوريا الشمالية التي عبرت العتبة النووية وقبلت الولايات المتحدة التعاطي معها، وهي التي صنّفتها إلى جانب العراق وإيران في محور الشر؟ ثم هل يمكن إسقاط المأزق الأمريكي الراهن في العراق وأفغانستان، ونزاع الكونجرس الأمريكي مع الإدارة الأمريكية وما تواجهه هذه الإدارة من تحديات دولية، فضلاً عن قدرات إيران التسليحية والاقتصادية ومكانتها الإقليمية؛ وغير ذلك من الاعتبارات التي تحول دون الإقدام على مغامرة عسكرية؟ ومن ثم يمكن القول مع هذه التساؤلات إن هناك مصاعب كبيرة في طريق الحرب في المدى القريب على أقل تقدير.
مؤشرات على طريق الحرب :
لا يصعب على المتابع أن يرصد مؤشرات عديدة تضاعف من احتمالات وقوع الحرب، ومنها:
o ثمة ثلاثة تطورات يمكن النظر إليها على أنها دليل على أن ساعة ضرب إيران قد أزفت: الأول: هو الانشقاق البرلماني لجماعة الصدر عن قائمة