الدولة العثمانية... ودعوى التستّر بالإسلام / إحسان الفقيه

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,779
التفاعل
17,897 114 0
الدولة العثمانية... ودعوى التستّر بالإسلام

إحسان الفقيه - خاص ترك برس

تُوقفنا المناهج التعليمية في الوطن العربي التي عبثت بها أيادٍ خارجية وصاغتها نزعات قومية، على نموذجين تاريخيين تناولتهما تلك المناهج بالتحريف والتزييف.

النموذج الأول هو الحملات الصليبية على العالم الإسلامي، فبالرغم من أن هناك دوافع دينية صريحة لهذه الحملات، ظهرت في الحال والمقال في مواطن لا تحصى، إلا أن هؤلاء القوميين قد زعموا أنها حملات استعمارية لنهب ثروات البلاد تمت تحت ستار الدين، متجاهلين البعد الديني تماما.

والنموذج الثاني هو الفتوحات العثمانية، فبالرغم من أنها كانت ذات صبغة إسلامية واضحة، إلا أن القوميين وصفوها بأنها حملات استعمارية متسترة بالدين، حتى غدا من يستقي معلوماته التاريخية من خلال المناهج التعليمية دون مراجع أخرى، يرى القبح كل القبح في تلك الإمبراطورية العثمانية.

* وقد كتب أحد مستشاري الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) الذي كان يترأس الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، في الميثاق الصادر في 21 أيار/ مايو 1962، عن فتوحات الدولة العثمانية، أنها كانت "استعمارا مُقنّعا باسم الدين، والدين منه براء".

* وابتداء حتى ندرك مدى تجسيد الدولة العثمانية للإسلام وكيف كانت رمزا له، لنرَ أولا تلك الدولة في العيون الأوروبية.

يقول الدكتور عبد العزيز الشناوي في كتابه "الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها": "كان إذا دخل مسيحي أوروبي في الدين الإسلامي قال عنه زملاؤه إنه قد غدا عثمانيا، ولم يقولوا إنه أصبح مسلما، فالدولة العثمانية كانت الرمز الحي المجسد للإسلام".

فالدولة العثمانية قد ارتبط اسمها بالإسلام وصارت تُجسّده وتُعبّر عنه، ومحاولة الفصل بين الدولة العثمانية وصبغتها الإسلامية تعسُّف وتكلّف واضح.

* لقد كان الغرب يعلم يقينا أن الدولة العثمانية هي دولة إسلامية ترتكز جهودها العسكرية على تلك المبادئ التي أرسى الإسلام دعائمها، بما في ذلك مبدأ السماحة في التعامل مع غير المسلمين.

ففي الوقت الذي كان اليهود مضطهدين في الأندلس التي سقطت في يد الصليبيين، فتحت لهم الدولة العثمانية أرضها وديارها.

* مارتن لوثر نفسه شهد بسماحة الإسلام التي أظهرتها الدولة العثمانية المسلمة في كتاباته، حيث قال: "إن الفقراء المسيحيين الذين يظلمهم الأمراء الجشعون وأصحاب الأراضي، يفضلون أن يعيشوا تحت حكم الأتراك، ولا يعيشون في كنف حكام مسيحيين يمارسون أساليب ظالمة في حكم الفقراء".

* وسجلات التاريخ تشهد أن السلطان محمد الفاتح، عندما فتح القسطنطينية ودخل كنيسة (آيا صوفيا)، وركع الجميع له منتظرين الموت كما هي عادة الملوك الفاتحين، واختبأ كثير منهم في السراديب وهم يرتجفون رعبا، فما كان منه إلا أن أمّنهم على أنفسهم وأموالهم ودينهم، وأسلم كثير منهم بعدما رأوا سماحة الإسلام تتجسد في هذا السلطان العثماني المسلم.

* فليست هذه طبيعة الدول الاستعمارية التي لا تُبقي ولا تذر في البلاد التي تفتحها، بل تُعمِل في أهلها السيوف، كما نعلم من تاريخ الحملات الصليبية والمغولية على العالم الإسلامي، والتي ارتكبت فيها مذابح تشيب لها الرؤوس.

* لو لم تكن الدولة العثمانية دولة إسلامية تصطبغ بصبغته، فكيف حمَت ديار الإسلام على مر التاريخ؟ وكيف ذبت عن المقدسات؟

لقد نسي هؤلاء أن الدولة العثمانية هي التي أحبطت محاولة البرتغاليين الدخول عبر البحر الأحمر إلى جدة، ومنها إلى مكة المكرمة لهدم الكعبة، ثم المدينة لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شعار تلك الحملات البرتغالية "الصليب أو المدفع".

* ونسي هؤلاء أن الدولة العثمانية هي التي حمت العالم الإسلامي من دولة الصفويين الشيعية التي كانت تقتل أهل الإسلام وتفعل بهم الأفاعيل، فكسرت شوكتهم في معركة جالديران 1514م.

* لقد كانت العاطفة الدينية واضحة لا لبس فيها في شعوب الدولة العثمانية، وامتزجت بها العاطفة الوطنية، وكان الاهتمام بالعلوم الشرعية وحفظ القرآن أساسا في تربية أبناء السلاطين العثمانيين، واشتهر بينهم أن يكون هناك عالم دين بجانب الطفل يؤدّبه ويُعلّمه، كما كان يفعل الشيخ (آق شمس الدين) مع محمد الفاتح طفلا.

* كانت الهيئة الدينية الرسمية تحتل مكانة بارزة في الدولة العثمانية، وعلماء الإسلام كان لهم وزنهم وثقلهم بين الجماهير ولدى الساسة وصناع القرار.

كما احتلت أرض الحرمين مكانة بارزة لدى السلاطين العثمانيين، ومنذ أن ضمّ السلطان (سليم الأول) هذه الأقاليم العربية في الحجاز إلى الدولة العثمانية صار يطلق على السلطان "حامي حمى الحرمين الشريفين" إجلالا لهذه البقاع ومهمة الدفاع عنها وحمايتها، وأوقفت الدولة على هذه المقدسات أوقافا كثيرة، وأمّنت طريق الحج، ونفس الاهتمام أولته الدولة المسجد الأقصى.

* ونظرا لارتباط الدولة العثمانية وتراثها بالإسلام، عمد (مصطفى كمال أتاتورك)، إلى طمس الهوية العثمانية، كخطوة أساسية على طريق ترسيخ العلمانية وفرضها على الأتراك.

وكان من بين هذه الوسائل لفصل الأتراك عن تراثهم العثماني، إلغاء الحروف العربية التي كانت تكتب بها اللغة العثمانية القديمة، واستبدالها بالحروف اللاتينية.

وفي المقابل يؤكد (أردوغان) على اعتزازه بجذوره العثمانية، بل وأعلن اعتزامه إدراج اللغة العثمانية في المدارس التركية كمادة إلزامية، وذلك تأكيدا على توصيات مجلس شورى التعليم.

* أردوغان يسعى لذلك، لأنه سيُتيح للدارسين مطالعة ما كتبه علماء الدولة العثمانية في العلوم الإسلامية كالفقه والتفسير والحديث وغيرها، ويربط الماضي بالحاضر، وهو الأمر الذي قابله العلمانيون برفض شديد، باعتباره يُهدّد المبادئ العلمانية التي أرساها مصطفى كمال أتاتورك.

* لا أدّعي الكمال للدولة العثمانية، ففيها حتما مواطن ضعفٍ وقصور، إلا أن هذه الدولة لم تأخذ حقها في التناول التاريخي، وتم تزييف تاريخها لفصل الارتباط بين العرب والأتراك.
 
عودة
أعلى