سلاح الغدر آخر ما تبقى في جعبة العدو
المؤرخ الإسلامي المصري »أحمد فؤاد« يقول في كتابه »تاريخ اليهود«: بعد سلسلة الهزائم التي مني بها اليهود شرق القناة، وبعد فشل كل المحاولات في إيقاف قوات المسلمين المتوغلة في عمق سيناء، بدأ العدو يستخدم سلاحه القديم المتجدد »الغدر« والذي لم يبق له سواه، فاتخذت المعارك الفاشلة التي خاضها من بعد من أساليب المكر والتحايل سبيلا لإحراز أي تقدم في الميدان... لكن...
ويضيف فؤاد: كان اليهود يعملون ليل نهار من أجل إعادة المسلمين مرة أخرى إلى غرب القناة، أي تدمير رؤوس الجسور واستعادة حصون خط بارليف والوقوف مرة أخرى على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد المسلمين قدرا هائلا من الخسائر المادية والبشرية وتلقينهم درسا قاسيا يحول بينهم وبين التفكير مرة أخرى في العودة إلى ميادين القتال.
وبدأت الهجمات المضادة اليهودية تأخذ شكلا جديدا، أي أصبحت أكثر قوة وأكثر إصرارا واندفاعا، لكن المسلمين صمدوا وتمكنوا من صد الهجمات المضادة، فكانت الخسائر البشرية اليهودية أكثر فداحة بالإضافة إلى الخسائر في الأسلحة والمعدات، وفي الوقت نفسه كانت القيادة اليهودية تناقش خطة الاندفاع شرقا من ثغرة الدفرسوار، أي من نقطة الفصل بين الجيشين الثاني والثالث للوصول إلى غرب القناة، فوضعت خطة العبور إلى الجانب الغربي للقناة وإنشاء رأس جسر، والانتشار على شكل مروحة باتجاه الشمال والاستيلاء على الإسماعيلية، ثم التقدم باتجاه القنطرة لفرض الحصار على الجيش الثاني الميداني، وباتجاه الجنوب والاستيلاء على السويس وبور توفيق والأديبة للقضاء على القوات العربية الموجودة بها والتي كانت تابعة للجزائر وذلك لفرض الحصار على الجيش الثالث الميداني، وبنجاح هذه القوات اليهودية بالتمركز في ظهر الجيشين الثاني والثالث، تسهل مهمة القوات التي ستضغط من اتجاه الشرق من أجل كسر إرادة القوات المدافعة وضرب معنوياتها في مقتل بالهجوم عليها من الشرق وقصفها من الغرب وإغلاق طريق الانسحاب باتجاه الغرب، إذا ما فكرت في ترك مواقعها، وعندما وصلت القوات اليهودية غربا تمكنت من تدمير عدد من مواقع صواريخ الدفاع الجوي، وبذلك فتحت ثغرة في حائط الصواريخ، سمحت للقوات الجوية اليهودية بالعمل ضد قوات المسلمين.
الانتقام من الجزائريين أهم استراتيجية صهيونية
ويضيف فؤاد: واجهت القوات اليهودية وهي تحاول الوصول إلى الإسماعيلية نيرانا هائلة وصمودا وإصرارا من أجل الحيلولة دون احتلال المدينة، كانت صورة الموقف واضحة، وبالرغم من افتقاد القوات الموجودة بالمنطقة للعناصر المدرعة المؤثرة، وللقوات الكافية، فإن الإصرار والحماس والعزيمة كانت من أهم عوامل إحباط محاولات اليهود المحمومة... وأخيرا، اضطر قادة العدو وقف الهجوم باتجاه الشمال، أمام حجم الخسائر البشع الذي لحق بجنودهم، واستدارت قوات العدو باتجاه الجنوب للاستيلاء على السويس متصورة أن خطة حصار الجيش الثالث قابلة للنجاح بثمن أقل من الثمن الذي دفعته وهي في الطريق إلى الإسماعيلية، وكان اليهود على بينة من أن الفرقتين المدرعتين 4 و21 الاحتياطي الاستراتيجي لقوات المسلمين، قد تحركتا شرقا للاشتراك في تطوير الهجوم، ولم يبق من الفرقة الرابعة المدرعة سوى لواء مدرع يقوده اللواء عبد العزيز قابيل قائد الفرقة، وأن هذا اللواء هو الذي أنيط به الدفاع عن المنطقة الممتدة من وصلة أبو سلطان شمالا حتى طريق السويس ـ القاهرة جنوبا، وأن الفرقة 6 المشاة الميكانيكية قد توزعت منذ بداية المعركة ولم يبق من الفرق المتكاملة سوى الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وقوات أخرى محدودة.
وفي ظل هذه الظروف، انتقلت القوات اليهودية وهي تسابق الزمن، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 22 أكتوبر، انطلقت من أجل احتلال السويس، لكن تلك القوات اندفعت بقوة في طريق مخالف للطريق المؤدي للسويس، وهو الطريق المؤدي إلى مشارف المدينة، فقد كان هدف اليهود محاصرة القوات الجزائرية وعزلها عن بقية قوات جيش المسلمين، فاليهود لم تغلب عليهم الأهداف الاستراتيجية قدر إشباع رغبتهم في الانتقام من رجال الله الذين نصرهم الله في الأديبة والزيتية.
غولدا مائير تشرف على عملية حصار القوات الجزائرية
يقول فؤاد: سرعان ما وصلت القوات اليهودية إلى مشارف السويس ليلة 22 ـ23 أكتوبر، أي بعد موعد وقف إطلاق النار، وأحاطت بها من طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي، وطريق المعاهدة الذي يصل إلى الإسماعيلية وطريق الزيتية والطريق المؤدي إلى الجناين.
وتمكنت هذه القوات من فرض الحصار على ميناء الأديبة، واحتلت منطقة مصانع تكرير البترول بالزيتية، وأصبحت القوات المسلمة التابعة للجزائر محاصرة تماما من كل الجهات، وبعد ساعة واحدة وصلت طائرة عمودية تقل »غولدا مائير« رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع ودافيد أليعازر رئيس الأركان إلى المنطقة المحيطة بقوات الجزائريين، فهبطت على مقربة من الزيتية، وكانت قبل الهبوط قد طافت فوق المنطقة لاستكشاف أوضاع وانتشار قوات الجزائريين ومدى إطباق الحصار عليها، وبعد أن وطأت أقدام المسئولين اليهود أرض المنطقة بعد تأمينها تماما، بدأت كاميرات المصورين تدور وتلتقط الأفلام التلفزيونية وآلاف الصور، ودارت عجلة الإعلام اليهودي للإعلان عن سقوط السويس وإبادة كل قوات المسلمين بها و»تطهير« الزيتية والأديبة تماما من القوات الجزائرية، وطوال هذا اليوم وقنوات العالم تعرض صورا غريبة لقتلى وأشلاء مرفقة بتعليقات يؤكد فيها اليهود أنهم قضوا خلال أقل من ساعة على ثلاثة آلاف جزائري وألفي مصري، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصور سوى بعض اللقطات المكدسة في الأرشيف اليهودي لاستخدامها في مثل هذه الظروف، ومنّى اليهود أنفسهم بأن القوات المسلمة المحاصرة لن تصمد كثيرا وسيدفعها الجوع والموت لرفع الراية البيضاء... لكن هيهات... فقد باعد الله بين أمانيهم وركوع المسلمين بُعْدَ المشرق والمغرب.
أترك »أحمد فؤاد« قليلا، لأتوجه لـ»أبا إبيان«، وزير الخارجية الصهيوني خلال حرب أكتوبر، والذي يقول في مذكراته: كانت غولدا مائير تريد الانتقام بأي ثمن من القوات الجزائرية المنتشرة في السويس، لدرجة أنها ذهبت بنفسها لأرض المعركة لتعطي التعليمات لشارون وأدان لـ»تأديب« هذه القوات، وهو ما أثر على نجاح الخطة التي وضعت لاحتلال السويس وتطويق المصريين بالشكل الذي أفشل كل الخطط الإسرائيلية في الحرب.
ويضيف »أبا ابيان«: كانت خطة حصار القوات الجزائرية من أسوإ القرارات التي اتخذتها القيادات الإسرائيلية، فتلك القوات صمدت صمودا عجيبا، ولم تحاول القوات الإسرائيلية كسر حاجز الصمت لتهاجم هذه القوات خوفا من تكرار ما حدث في الأديبة والزيتية، لكن العدو شمّ رائحة الخوف، وانقض على قواتنا من الخلف فباتت محاصرة من قبل القوات المصرية من الشمال والجزائرية من الجنوب، ولولا قرار وقف إطلاق النار لوقعت كارثة جديدة تضاف لسجل كوارث كيبور.
المواطنون المصريون ينقذون القوات الجزائرية
أعود مرة أخرى للكاتب »أحمد فؤاد« الذي يقول: عزيمة الرجال تغلبت على تفوق العدو وغروره، لكن الكذب في العقيدة اليهودية واجب ديني مقدس، فقد تواصلت الدعاية الكاذبة وتواصل الحديث عن سقوط السويس وهزيمة المسلمين، لكن غرض هذا الكذب كان في غاية الأهمية بالنسبة للعدو، فميعاد قرار وقف إطلاق النار بدأ سريانه، فأراد اليهود إقناع العالم أنهم استولوا على المدينة التي تمثل هدفا استراتيجيا، كما أنها تعني استكمال حصار وتطويق الجيش الثالث، بالشكل الذي يعمل على إقامة نوع من التوازن الاستراتيجي الذي افتقده اليهود بعد انتصار المسلمين، وبصورة أخرى كان اليهود يسعون لخداع المسلمين لتخور عزائمهم بعد أن يتأكدوا بأن جيشهم مطوق ومقطوعة عنه الإمدادات.
وكان في تصور اليهود وهم يعلنون عن سقوط السويس أن إنجاز هذا الهدف بات قريبا، وانه في متناول يد قواتهم، لكنه لم يكن سوى الثمرة المحرمة، فقد انقض عليهم أهالي مدينة السويس، فلم تكتف بصد محاولات اقتحامها، بل وطاردوا العدو على مشارف المدينة ومن حولها، فدمروا للعدو 103 دبابة وكبدوه 280 قتيلا، في الوقت ذاته تقدمت المجموعة رقم 39 صاعقة بقيادة الشهيد العقيد »إبراهيم الرفاعي« لتكسر الحصار المفروض على القوات الجزائرية، فتصدى 50 رجلا لمدرعات العدو وقاتلوا ببسالة حتى استشهدوا جميعا بعد أن نجحوا في فتح ثغرة كبيرة في صفوف اليهود مكنت المقاومة الشعبية الباسلة من التدفق من خلالها لتنجح في تشتيت قوات العدو، وإيصال المؤن والذخيرة للقوات الجزائرية وتدعيمها بأعداد أكبر للذود عن مواقعهم وللحيلولة دون انسحابهم وترك الباب مفتوحا لليهود من جهة الجنوب.
وخلال أربعة أيام من أعظم الأيام المشرفة في تاريخ المسلمين، باتت الزيتية ساحة إلتأم فيها شمل الأمة لقتال عدوها الأبدي، فشارك الجميع في القتال، قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية، ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية المصرية، وقاتل رجال الشرطة.
أما العبء الأكبر في القتال فقد وقع على كاهل الجيش دون النظر لجنسية أفراد هذا الجيش، فقد حمى الجزائريون مدخل السويس الجنوبي، في حين قامت قوات الفرقة 19 مشاة المصرية بتأمين رأس جسر الجيش الثالث شرق القناة.
ويضيف فؤاد: أذكر بعد الحرب بعض الشهادات لأبطال المقاومة الشعبية بمدينة السويس حينما أنقذوا أشقاءهم الجزائريين من المؤامرة اليهودية، فقد قال لي »عبد المنعم جمعة«: كانت أسعد لحظة في حياتي حينما نجحت في إيصال عربة »زيل« محملة بالسلاح والذخيرة والطعام والشراب لإخواننا الجزائريين، كانت طائرات العدو تحوم كالغربان في السماء، لكن العناية الإلهية أعمت أبصارهم عني، وصلت لأجد الجزائريين في حالة انتظار وترقب لهجوم العدو، كانوا لا يملكون شيئا للدفاع عن أنفسهم، لا شربة ماء ولا رغيف خبز، نفدت ذخيرتهم وخارت قواهم، ورغم ذلك آثروا الشهادة على الاستسلام، كانوا رجال معارك بحق، وكانوا أولي عزم، فوقتها عرفت أننا لسنا وحدنا خير أجناد الأرض.
500فدائي مصري مكلفون بالموت لحماية الجزائريين
أما أنا فقد نلت نصيبا من تلك الشهادات، فأثناء تفقدي لمدينة السويس لاستكمال هذا التحقيق، التقيت بالمهندس »صبري الفولي« الذي كان أحد أفراد المقاومة الشعبية بالمدينة أثناء حرب أكتوبر، والذي قال لي: كلفت أنا وسبعة عشر رجلا من المجاهدين بفتح وتأمين طريق لخمسمائة مجاهد مدربين على استخدام الآر.بي.جي والرشاشات الثقيلة بالانضمام للقوات الجزائرية في الزيتية فوصلنا جميعا بأمان، وقبيل ذلك أمرتنا قيادة المقاومة الشعبية أوامر واضحة... الدفاع حتى الموت عن مواقع القوات الجزائرية وتقليل الخسائر البشرية في صفوفها بأي ثمن... وكانت الأوامر تقتضي أن ننضوي تحت قيادة القوات الجزائرية وتنفيذ ما يأمروننا به، فعشت أياما مجيدة تأبى الذاكرة محوها، كان الجزائريون مخلصين وأوفياء بصورة لم نعهدها عن العرب من قبل، فالانطباع الشائع لدينا أن العرب يكرهون مصر ويحقدون على المصريين، فاكتشفت أنها أكاذيب لم أكلف نفسي عناء البحث عن مروجها، والغريب أن أصدقائي الجزائريين أخبروني بأن لديهم نفس الانطباع تقريبا، المهم أننا توزعنا على السرايا الجزائرية واتخذنا مواقع دفاعية مترقبين أي هجوم للعدو، لكن العدو ظل مختبئا كالفأر على بعد كيلومترات من مواقعنا، فكانت لدينا الفرصة لتبادل الأحاديث فتعرفت على الجزائريين بشكل أكبر، فوجدتهم سباقين للشهادة ومستعدين للموت من أجل راية الإسلام، كونت عديد الصداقات مع الجزائريين، ولازالت الاتصالات بيننا حتى الآن، بعضهم يحرص على زيارتي على الأقل مرة في العام، وبعضهم الآخر جاءوا بعائلاتهم واستقروا في مصر، وحتى اليوم نجلس في جلسات عائلية نروي لأولادنا قصص الجهاد في ميدان جمعتنا فيه البندقية وظللتنا راية لا تعترف بالحدود ولا الجنسية.
العالم ينقذ »إسرائيل« من الموت المحقق
أعود مرة أخرى للمؤرخ »أحمد فؤاد« الذي يواصل سرد تفاصيل هذه الملحمة، فيقول: بعد إفشال محاولة اليهود لعزل القوات الجزائرية وفتح الطريق للسويس، قرر العميد »يوسف عفيفي« قائد الفرقة 19، دفع بعض الوحدات إلى غرب القناة، وأعاد توزيع قواته استعدادا لملاقاة العدو، فقامت بعض هذه الوحدات باحتلال الساتر الترابي على ضفتي القناة واستولت على أسلحة العدو ليوجهوها في اتجاه قواته المتقدمة صوب السويس، وتم تلغيم الفتحات الشاطئية في الساتر الترابي، كما تم دفع مجموعات استطلاع ليلة 22 ـ23 أكتوبر إلى منطقة معسكر »حبيب الله« على الضفة الغربية للقناة لإبلاغ قيادة الفرقة بنشاط العدو في المنطقة، لكن قوات شارون التي كانت في الضفة الغربية للقناة كانت قد تحركت باتجاه جبل عويبد.
وفي فجر يوم 23 أكتوبر تقدمت فرقتان مدرعتان بقيادة الجنرالين أبراهام أدان وكلمان، محاولتين الاقتراب من منطقة الشلوفة، إلا أن سرية المقذوفات المضادة للدبابات بقيادة المقدم حسام عمارة، والتي سبق أن دفع بها يوسف عفيفي للدفاع عن المدينة، تصدت للمحاولة ودمرت للعدو 49 دبابة، وعندما نفدت ذخيرتهم، أمرهم قائد الفرقة بالتوجه إلى السويس صباح يوم 24 أكتوبر عبر كفر أحمد عبده للاشتراك في الدفاع عن المدينة باستخدام الصواريخ المضادة للدروع، وفي الوقت نفسه أرسل قائد الفرقة صباح يوم 24 أكتوبر طاقم اقتناص دبابات مزودا بالآر.بي.جي وقنابل يدوية مضادة للدبابات، وابتداء من الساعة 6 و30 دقيقة صباح يوم 24 أكتوبر وحتى الساعة 9 و30 دقيقة هاجمت الطائرات اليهودية المدينة بضراوة، وفي الوقت نفسه كانت المدفعية والدبابات اليهودية تقصف المدينة بشكل عشوائي، لكي تمتد النيران لكل أنحاء المدينة لإصابتها وأهلها بالفزع وإلحاق أكبر قدر من الخسائر بها تمهيدا لبدء عملية الاقتحام من محاور التقدم الثلاثية ـ المثلث والجناين والزيتية ـ لكن اليهود وجدوا المفاجأة التي لم يتوقعوها أو يتحسبوا لها، فقد انطلقت نيران الصواريخ من رجال المقاومة، فتراجع العدو لتبدأ المعركة التي شارك فيها الجميع بكل الأسلحة المتاحة، وبدأت أبراج الدبابات في الانفجار وتحولت المنطقة إلى قطعة من الجحيم، ولجأ الجنود اليهود الذين تركوا دباباتهم وعرباتهم المدرعة للاحتماء داخل البيوت القريبة وهم في حالة شديدة من الذعر، لكن رجال المقاومة قضوا عليهم جميعا، وأمام فشل هجوم الموجة الأولى من الدبابات حاولت الموجتان التاليتان الاستدارة إلى الخلف في ارتباك شديد، إلا أن قوات المقاومة هاجمتها.
ونجح الكمين الذي نصبه المقدم حسام عمارة في إجبار الدبابات التي وصلت خلف مسجد سيدي الأربعين على العودة، ومن بين 24 قائد دبابة، تم قتل وإصابة 20 قائدا منهم، وعندما حل الظلام انسحبت قوات العدو بأكملها إلى منطقة الزيتية، فوضعت نفسها في الفخ وباتت محاصرة من قبل القوات الجزائرية والمقاومة الشعبية.
وصباح يوم 25 أكتوبر، وفي محاولة يائسة ومضحكة أنذر قائد يهودي القوات الجزائرية والفدائيين المصريين بالاستسلام، وجاءت هذه المحاولة لأن العدو أدرك أنه محاصر من كل الجهات، ولم يعد أمامه من طريق للانسحاب إلا عبر الزيتية، لكن المجاهدين الشجعان ردوا بوابل من الصواريخ وقذائف الهاون، لم يستطع العدو الرد عليها إلا بعدة قذائف من دباباته كانت على ما يبدو آخر ما لديه، حيث لم يسمع لتلك الدبابات صوت من بعد، في تلك الأثناء قامت المخابرات الحربية المصرية بتعطيل الخطوط الهاتفية المتصلة بالزيتية حتى لا يستطيع العدو إجراء اتصالات هاتفية أخرى، فأحكم الحصار على قوات العدو،
وفي الوقت نفسه، انطلق عدد من صائدي الدبابات المصريين والجزائريين للهجوم على مواقع العدو ودباباته وعرباته المدرعة، وبنهاية يوم 25 أكتوبر طهرت قوات المسلمين النطاق الدفاعي الثاني من جبل حميرة إلى جبل الجربة وبذلك منعت العدو من الاختراق غربا باتجاه القاهرة، وقامت قوات أخرى بتأمين مدخل وادي حجول ومطار القطامية والمنطقة الخلفية للجيش الثالث ضد محاولات الإبرار الجوي.
وبات القضاء على القوات اليهودية أمرا في غاية السهولة، لكن مجلس الأمن اجتمع على وجه السرعة ليصدر القرار رقم 340 بإنشاء قوة طوارئ دولية وإيفادها فورا إلى المنطقة، وفي مساء هذا اليوم أصدر مجلس الأمن أمرا رسميا بتشكيل قوة طوارئ من7 آلاف رجل بقيادة انزيو سيلاسفو، مع سحب 900 فرد من قوة الطوارئ الموجودة بقبرص وتحريكها فورا إلى السويس، ومن جانبهم قام الأمريكيون بإصدار أمر للفرقة 82 المحمولة جوا بالاستعداد للتحرك، بالإضافة إلى إبحار عدد من حاملات الطائرات للانضمام إلى الأسطول السادس في البحر المتوسط، والأهم إعلان حالة التأهب في جميع القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، ورفع الاستعداد إلى الدرجة الثالثة وتم إبلاغ قيادة حلف الأطلنطي بأمر الاستعداد الأمريكي للقتال، ففرض العالم على المسلمين القبول بوقف إطلاق النار، وأنقذ اليهود من موت محتم شرق القناة... وهكذا انتهت ملحمة أكتوبر المجيدة.
فهي ملخص صغير عن بطولات رجال ضحوا بكل شيء من اجل الامة العربية وتثبت لنا مدى قوتنا اذا اتحدنا