لماذا لا تقلدون الفرنسيين في هذه بالذات؟*
إحسان الفقيه
الزمان: 1800م.
المكان: حديقة قصر محمد الألفي بك في القاهرة.
الحدث: شاب في الثالثة والعشرين من عمره يتخفّى في هيئة متسول، ويدخل الحديقة على (الجنرال كليبر) قائد الحملة الفرنسية على مصر، والذي مدّ يده للسائل ليُقبّلها؛ إلا أنه أخرج سكينًا وانهال عليه طعنًا.
وبعد القبض على الشاب السوري سليمان الحلبي، والتحقيق معه وتعذيبه؛ تُصدر المحكمة حكمًا بقتله بأبشع طرق القتل (الخازوق)، بعد أن أُحرقت يده حيًا، وظلّ ينزف بعد أن تقطّعت أحشاؤه حتى مات.
واليوم، يرى من يدخل مُتحف “انفاليد” القريب من متحف اللوفر في باريس، يرى رفّين من الرفوف الموجودة بإحدى قاعات المتحف، الأعلى قد وُضعت عليه جمجمة (الجنرال كليبر)، وبجانبها لوحة صغيرة مكتوبٌ عليها عبارة:
“جمجمة البطل كليبر”.
وأما الرفّ الأدنى فقد وُضعت عليه جمجمة (سليمان الحلبي) وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: “جمجمة المجرم سليمان الحلبي”.
الفرنسيون يُبجّلون كليبر، وينعتونه بالبطل، ولم يكن في الأصل إلا خلَفًا لنابليون بونابرت السفاح، وكلاهما سفاح؛ لأنهم يعلمون أنه لا بد لأمتهم من رموز يتمّ تنصيبها في موضع القُدوة، وبها يحافظون على تراثهم.
أما سليمان الحلبي، فهو البطل الثائر الذي درس في الأزهر قادمًا من قرية عفرين بمحافظة حلب السورية، قد راعه الظلم والاستبداد والتنكيل بأهل مصر على يد قادة الحملة وجنودها؛ فتجاوز ولاؤه حدود بلاده، وعلِم أنها أمة واحدة، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وتمكّن الفتى من اغتيال القائد الثاني للحملة، رغم علمه ويقينه بأن دماءه سوف تكون ثمنًا لما فعله من أجل إخوته في مصر.
هذا الشاب البطل رأينا من الكُتاب من أراد أن يَسلِبه شرف الشهادة والبطولة، وجعل يروّج بأن سليمان الحلبي قد اتجه لقتل (كليبر) مقابل أن يرفع الوالي الضرائب عن والده في حلب.
فأي ضرائبٍ هذه التي تجعل شابًا في مُقتبل العمر يُضحّي بحياته من أجلها؟
ليتهم أتوا بفِرية أكثر حبكة من هذه!
هذا دأب بعض أمتي، تحطيم الرموز من أهل العلم والدعوة والجهاد والفكر، أمة تُحسن النيل من قدواتها ورموزها.
دعوات تنطلق من هنا وهنالك للتشغيب على رموز الإسلام، قديمًا وحديثًا؛ لأن هؤلاء المغرضين العملاء أذنابٌ للغرب، ينزعجون من تراث الأمة وواقعها اللذيْنِ يذخران بالعديد من الرموز.
دققوا إخوتي النظر في من يطعنون فيهم.
يعمدون إلى مُجددي الإسلام الذين شهد لهم الثقات بأنهم مجددون؛ فلم يسلم الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية من حملات التشويه، بل كان له النصيب الأوفر منها.
اتهمه البعض بالتكفير والغلو، واتهمه البعض الآخر بالتساهل في الولاء والبراء؛ نظرًا لأنه أنصف الصوفية ومدح بعضهم، ووصفه البعض بأنه أحد أضلاع ثالوث الكفر مع ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب.
وهذا الأخير محمد بن عبد الوهاب، ذلك المجدد الذي طهّر الله به أرض الجزيرة من عبادة الأضرحة وصرْفِ العبادة للأموات من دعاء واستغاثة ونذور وذبح ونحوه، اتهموه بالتكفير وإراقة الدماء، وكفّروه وبدّعوه، ونسبوا له مذهبًا أو قل إن شئت دينًا أطلقوا عليه تسمية (الوهابية)، وهو الذي جدّد حيوية العقيدة، وهو موضوع مقالتي في الأسبوع القادم إن شاء لي الله.
ونالوا من حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين ونسبوا إليه العظائم ورموه بالابتداع، وهو القائل: “كل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم، سواء بالزيادة فيه أو النقص منه، ضلالة تجب محاربتها“.
واليوم نرى من بني جلدتنا أيضًا من يهاجم العلماء والدُعاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح والبذل؛ فيقول أحدهم في تغريدة له ما نصّه: “من يعتقد أن اليهود أشد عداء للإسلام فهو غلطان، لا يوجد أشد من عداء العريفي والعودة والقرني والحضيف والقرضاوي والسويدان والعوضي للإسلام“.
رموز الأمة يتعرضون لسهام الأبعدين والأقربين، لم يرحمهم الليبراليون ولم يحترمهم العلمانيون ولم يسلموا من الببغائيين والملوّثين وبقية من يرفضون الفكرة الإسلامية من الأساس.
الإعلام العربي، الذي أُصرُّ على تسميته “إعلام مسيلمة”، قد سلم منه القساوسة والحاخامات ومجرمو الحرب وتُجّار السلاح، ولم يسلم منه العلماء والدعاة؛ فالطعن فيهم هو البضاعة الرائجة، وعليها يقتاتون.
الفضائيات تستضيف العلماء والدعاة بهدف التوريط على الهواء، ودفعهم للحديث عن قضايا شائكة لا يجدون منها مخرجًا؛ إما أن يضعفوا ويحيدوا، وإما أن يصطدموا بالأنظمة.
وأما الدراما العربية فحدث ولا حرج، فهي تتناول الدعاة والمصلحين والمشايخ في قوالب مُنفّرة؛ بغرض خلق صورة ذهنية سيئة للجماهير عن العلماء ودعاة الدين.
فإما تراهم إرهابيين يستبيحون الدماء، أو تجار دين، أو دراويش منعزلين عن الحياة لا يملكون حلولًا عملية للناس، أو مجموعة من الحمقى يوزّعون أحكام الكفر على الناس يمنة ويُسرة.
وهناك شريحة أخرى من الذين يستهدفون الرموز، مع الأسف ليسوا من الفئات السالف ذكرها، فهم منتسبون للعلم والدعوة والإصلاح، لكنهم لخلافٍ في التوجهات والرؤى يستبيحون التشغيب على الرموز بذريعة بيان الحق ودرء الفتنة، ولكنهم في الفتنة سقطوا.
وهؤلاء لا يفقهون كيف يختلفون، ولا يُفرّقون بين الخلاف في أصول الدين أو فروعه، لا يستريحون إلا إذا تقوْلب الناس وفق رغباتهم وتوجهاتهم.
فلا أقول إلا ما قال المتنبي:
رموز أمتي اليوم حائرون بين تُهمتين: بين الإرهاب ومُمالأة الحُكّام الظالمين.
فالبعض يتهمهم بأنهم من يصنع التطرف والإرهاب عن طريق خطابهم الجماهيري والزجّ بالناس إلى استخدام العنف بآثار تراكمية.
هل لأنهم يتكلمون في العقيدة؟ هل لأنهم يتحدثون عن شمولية الإسلام ووجوب هيمنته على مناحي الحياة؟
فأيّ إسلام يجب أن يتحدثوا عنه حتى لا يُتهموا بالتطرف والإرهاب؟
إسلام الصوفية؟ أم إسلام العلمانيين الذين يفصلون الدين عن الدولة؟
أم إسلام المُدلّسين الذين يحاولون نسف الدين تحت مظلّة الاعتدال وحوار الأديان؟
وأما الصنف الثاني، فيتهمون الرموز بأنهم يُمالئون الحُكّام الظالمين، ويسكتون عن كلمة الحق؛ مُستدلّين على دعواهم بالنصوص التي تدعو إلى قول الحق وإن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
لا ندري، هل المطلوب أن يقوم العالِم أو الداعية بالنيابة عن الجماهير في تنفيس الغضب، والصدام مع الأنظمة والأجهزة الأمنية؟
ألا يكفينا أنهم لا يقولون الباطل، وأنهم يُسدّدون ويُقاربون ويُصلحون ما استطاعوا؟
ما الجدوى من أن يقول العالِم أو الداعية (كلمة) يُسجن بها أو يُعرّض للبطش والقمع ويموت أحبابه وهو في السجن وتُحرم الجماهير من علمه وعطائه؟
اقرؤوا في زمن محنة الإمام أحمد بن حنبل، في فتنة القول بخلق القرآن، الإمام قد ثبت على قول الحق بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، ففعل الأفضل والأكمل.
وأما غيره من أقرانه من العلماء فأخذوا بالرّخصة وتكلموا بالتُّقية، فما عاتبهم الإمام أحمد وما اتّهمهم بالخيانة، فما لكم كيف تحكمون؟
وجّهوا سهامكم لرموز الباطل أمثال حسون في سوريا وغيره من الذين باعوا الدماء من أجل المناصب والتزلّف لأهل السطوة والسلطة.
وجهوا سهامكم للجفري الذي يتماهى وينسجم مع الغرب في التكريس للإسلام الصوفي الذي يصفونه بالاعتدال.
وجهوا سهامكم إلى عمائم الشيعة الذين يسبّون ويكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وينفثون في نار الطائفية، ويُحرضون على قتل أهل السنة.
وأختمُ بما نقله الدكتور محمد موسى الشريف في رسالته “القدوات الكبار بين التحطيم والانبهار”، عن الأستاذ محمد كرد علي، في معرض مقارنته بين النمط الغربي والإسلامي في التعامل مع الرموز؛ حيث قال:
“ولا تخلو فرنسا يومًا من تذكّر الموتى والإشادة بهم ورفع أقدارهم، ويريدون من ذلك ألا ينسوا رجالهم، وأن يرددوا على الدوام ذكراهم، أما المسلمون على الأكثر فانتهجوا نهجًا آخر: يصِمون رجالهم بكل نقيصة، ويخترعون لهم مساوئ ليست فيهم، فإذا ماتوا سكتوا بعض السكوت عنهم، ولا يتناولون بالنقمة واللعنة إلا عظماءهم في حياتهم، فما أكبر الفرق بين المُغالين وأضدادهم“.
*بتصرف بسيط عن موقع التقرير
إحسان الفقيه
الزمان: 1800م.
المكان: حديقة قصر محمد الألفي بك في القاهرة.
الحدث: شاب في الثالثة والعشرين من عمره يتخفّى في هيئة متسول، ويدخل الحديقة على (الجنرال كليبر) قائد الحملة الفرنسية على مصر، والذي مدّ يده للسائل ليُقبّلها؛ إلا أنه أخرج سكينًا وانهال عليه طعنًا.
وبعد القبض على الشاب السوري سليمان الحلبي، والتحقيق معه وتعذيبه؛ تُصدر المحكمة حكمًا بقتله بأبشع طرق القتل (الخازوق)، بعد أن أُحرقت يده حيًا، وظلّ ينزف بعد أن تقطّعت أحشاؤه حتى مات.
واليوم، يرى من يدخل مُتحف “انفاليد” القريب من متحف اللوفر في باريس، يرى رفّين من الرفوف الموجودة بإحدى قاعات المتحف، الأعلى قد وُضعت عليه جمجمة (الجنرال كليبر)، وبجانبها لوحة صغيرة مكتوبٌ عليها عبارة:
“جمجمة البطل كليبر”.
وأما الرفّ الأدنى فقد وُضعت عليه جمجمة (سليمان الحلبي) وإلى جانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: “جمجمة المجرم سليمان الحلبي”.
الفرنسيون يُبجّلون كليبر، وينعتونه بالبطل، ولم يكن في الأصل إلا خلَفًا لنابليون بونابرت السفاح، وكلاهما سفاح؛ لأنهم يعلمون أنه لا بد لأمتهم من رموز يتمّ تنصيبها في موضع القُدوة، وبها يحافظون على تراثهم.
أما سليمان الحلبي، فهو البطل الثائر الذي درس في الأزهر قادمًا من قرية عفرين بمحافظة حلب السورية، قد راعه الظلم والاستبداد والتنكيل بأهل مصر على يد قادة الحملة وجنودها؛ فتجاوز ولاؤه حدود بلاده، وعلِم أنها أمة واحدة، كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وتمكّن الفتى من اغتيال القائد الثاني للحملة، رغم علمه ويقينه بأن دماءه سوف تكون ثمنًا لما فعله من أجل إخوته في مصر.
هذا الشاب البطل رأينا من الكُتاب من أراد أن يَسلِبه شرف الشهادة والبطولة، وجعل يروّج بأن سليمان الحلبي قد اتجه لقتل (كليبر) مقابل أن يرفع الوالي الضرائب عن والده في حلب.
فأي ضرائبٍ هذه التي تجعل شابًا في مُقتبل العمر يُضحّي بحياته من أجلها؟
ليتهم أتوا بفِرية أكثر حبكة من هذه!
هذا دأب بعض أمتي، تحطيم الرموز من أهل العلم والدعوة والجهاد والفكر، أمة تُحسن النيل من قدواتها ورموزها.
دعوات تنطلق من هنا وهنالك للتشغيب على رموز الإسلام، قديمًا وحديثًا؛ لأن هؤلاء المغرضين العملاء أذنابٌ للغرب، ينزعجون من تراث الأمة وواقعها اللذيْنِ يذخران بالعديد من الرموز.
دققوا إخوتي النظر في من يطعنون فيهم.
يعمدون إلى مُجددي الإسلام الذين شهد لهم الثقات بأنهم مجددون؛ فلم يسلم الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية من حملات التشويه، بل كان له النصيب الأوفر منها.
اتهمه البعض بالتكفير والغلو، واتهمه البعض الآخر بالتساهل في الولاء والبراء؛ نظرًا لأنه أنصف الصوفية ومدح بعضهم، ووصفه البعض بأنه أحد أضلاع ثالوث الكفر مع ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب.
وهذا الأخير محمد بن عبد الوهاب، ذلك المجدد الذي طهّر الله به أرض الجزيرة من عبادة الأضرحة وصرْفِ العبادة للأموات من دعاء واستغاثة ونذور وذبح ونحوه، اتهموه بالتكفير وإراقة الدماء، وكفّروه وبدّعوه، ونسبوا له مذهبًا أو قل إن شئت دينًا أطلقوا عليه تسمية (الوهابية)، وهو الذي جدّد حيوية العقيدة، وهو موضوع مقالتي في الأسبوع القادم إن شاء لي الله.
ونالوا من حسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين ونسبوا إليه العظائم ورموه بالابتداع، وهو القائل: “كل بدعة في دين الله لا أصل لها استحسنها الناس بأهوائهم، سواء بالزيادة فيه أو النقص منه، ضلالة تجب محاربتها“.
واليوم نرى من بني جلدتنا أيضًا من يهاجم العلماء والدُعاة المشهود لهم بالنزاهة والصلاح والبذل؛ فيقول أحدهم في تغريدة له ما نصّه: “من يعتقد أن اليهود أشد عداء للإسلام فهو غلطان، لا يوجد أشد من عداء العريفي والعودة والقرني والحضيف والقرضاوي والسويدان والعوضي للإسلام“.
رموز الأمة يتعرضون لسهام الأبعدين والأقربين، لم يرحمهم الليبراليون ولم يحترمهم العلمانيون ولم يسلموا من الببغائيين والملوّثين وبقية من يرفضون الفكرة الإسلامية من الأساس.
الإعلام العربي، الذي أُصرُّ على تسميته “إعلام مسيلمة”، قد سلم منه القساوسة والحاخامات ومجرمو الحرب وتُجّار السلاح، ولم يسلم منه العلماء والدعاة؛ فالطعن فيهم هو البضاعة الرائجة، وعليها يقتاتون.
الفضائيات تستضيف العلماء والدعاة بهدف التوريط على الهواء، ودفعهم للحديث عن قضايا شائكة لا يجدون منها مخرجًا؛ إما أن يضعفوا ويحيدوا، وإما أن يصطدموا بالأنظمة.
وأما الدراما العربية فحدث ولا حرج، فهي تتناول الدعاة والمصلحين والمشايخ في قوالب مُنفّرة؛ بغرض خلق صورة ذهنية سيئة للجماهير عن العلماء ودعاة الدين.
فإما تراهم إرهابيين يستبيحون الدماء، أو تجار دين، أو دراويش منعزلين عن الحياة لا يملكون حلولًا عملية للناس، أو مجموعة من الحمقى يوزّعون أحكام الكفر على الناس يمنة ويُسرة.
وهناك شريحة أخرى من الذين يستهدفون الرموز، مع الأسف ليسوا من الفئات السالف ذكرها، فهم منتسبون للعلم والدعوة والإصلاح، لكنهم لخلافٍ في التوجهات والرؤى يستبيحون التشغيب على الرموز بذريعة بيان الحق ودرء الفتنة، ولكنهم في الفتنة سقطوا.
وهؤلاء لا يفقهون كيف يختلفون، ولا يُفرّقون بين الخلاف في أصول الدين أو فروعه، لا يستريحون إلا إذا تقوْلب الناس وفق رغباتهم وتوجهاتهم.
فلا أقول إلا ما قال المتنبي:
أفاضِلُ الناسِ أَغراضٌ لِذا الزَمَنِ * يَخلو مِنَ الهَمِّ أَخلاهُم مِنَ الفِطَنِ
فَقرُ الجَهولِ بِلا عَقلٍ إِلى أَدَبٍ * فَقرُ الحِمار ِبِلا رَأسٍ إِلى رَسَنِ
فَقرُ الجَهولِ بِلا عَقلٍ إِلى أَدَبٍ * فَقرُ الحِمار ِبِلا رَأسٍ إِلى رَسَنِ
رموز أمتي اليوم حائرون بين تُهمتين: بين الإرهاب ومُمالأة الحُكّام الظالمين.
فالبعض يتهمهم بأنهم من يصنع التطرف والإرهاب عن طريق خطابهم الجماهيري والزجّ بالناس إلى استخدام العنف بآثار تراكمية.
هل لأنهم يتكلمون في العقيدة؟ هل لأنهم يتحدثون عن شمولية الإسلام ووجوب هيمنته على مناحي الحياة؟
فأيّ إسلام يجب أن يتحدثوا عنه حتى لا يُتهموا بالتطرف والإرهاب؟
إسلام الصوفية؟ أم إسلام العلمانيين الذين يفصلون الدين عن الدولة؟
أم إسلام المُدلّسين الذين يحاولون نسف الدين تحت مظلّة الاعتدال وحوار الأديان؟
وأما الصنف الثاني، فيتهمون الرموز بأنهم يُمالئون الحُكّام الظالمين، ويسكتون عن كلمة الحق؛ مُستدلّين على دعواهم بالنصوص التي تدعو إلى قول الحق وإن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
لا ندري، هل المطلوب أن يقوم العالِم أو الداعية بالنيابة عن الجماهير في تنفيس الغضب، والصدام مع الأنظمة والأجهزة الأمنية؟
ألا يكفينا أنهم لا يقولون الباطل، وأنهم يُسدّدون ويُقاربون ويُصلحون ما استطاعوا؟
ما الجدوى من أن يقول العالِم أو الداعية (كلمة) يُسجن بها أو يُعرّض للبطش والقمع ويموت أحبابه وهو في السجن وتُحرم الجماهير من علمه وعطائه؟
اقرؤوا في زمن محنة الإمام أحمد بن حنبل، في فتنة القول بخلق القرآن، الإمام قد ثبت على قول الحق بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، ففعل الأفضل والأكمل.
وأما غيره من أقرانه من العلماء فأخذوا بالرّخصة وتكلموا بالتُّقية، فما عاتبهم الإمام أحمد وما اتّهمهم بالخيانة، فما لكم كيف تحكمون؟
وجّهوا سهامكم لرموز الباطل أمثال حسون في سوريا وغيره من الذين باعوا الدماء من أجل المناصب والتزلّف لأهل السطوة والسلطة.
وجهوا سهامكم للجفري الذي يتماهى وينسجم مع الغرب في التكريس للإسلام الصوفي الذي يصفونه بالاعتدال.
وجهوا سهامكم إلى عمائم الشيعة الذين يسبّون ويكفرون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وينفثون في نار الطائفية، ويُحرضون على قتل أهل السنة.
وأختمُ بما نقله الدكتور محمد موسى الشريف في رسالته “القدوات الكبار بين التحطيم والانبهار”، عن الأستاذ محمد كرد علي، في معرض مقارنته بين النمط الغربي والإسلامي في التعامل مع الرموز؛ حيث قال:
“ولا تخلو فرنسا يومًا من تذكّر الموتى والإشادة بهم ورفع أقدارهم، ويريدون من ذلك ألا ينسوا رجالهم، وأن يرددوا على الدوام ذكراهم، أما المسلمون على الأكثر فانتهجوا نهجًا آخر: يصِمون رجالهم بكل نقيصة، ويخترعون لهم مساوئ ليست فيهم، فإذا ماتوا سكتوا بعض السكوت عنهم، ولا يتناولون بالنقمة واللعنة إلا عظماءهم في حياتهم، فما أكبر الفرق بين المُغالين وأضدادهم“.
*بتصرف بسيط عن موقع التقرير