الحرب المصريه العثمانيه

إنضم
30 سبتمبر 2014
المشاركات
372
التفاعل
553 0 0
الحملة التي وجهها محمد علي باشا الى عكا بقيادة ولده الأكبر ابراهيم باشا كان عدد رجالها نحو ثلاثين ألف رجل، معها أربعون مدفعا من مدافع الميدان، وعدد أكبر من ذلك من مدافع الحصار. واشتركت معها قوة بحرية مؤلفة من ثلاث وعشرين سفينة حربية وسبع عشرة سفينة نقل بقيادة أمير البحر عثمان نور الدين بك. كان رؤساء هذه الحملة من القواد المحنكين وسبق أن ثبتت كفاءتهم في حروبهم السابقة، كما أن جنودهم، كانوا مدربين تدريبا حسنا ، لكنها كانت مفتقرة إلى مهندسين ماهرين. وبدأت أعمالها الحربية في أول فصل الشتاء وهو أقل الفصول مناسبة لجيش تعود التعريض لحرارة الشمس وطول فصل الصحو.

شاع عزم محمد علي على غزو سوريا في أوائل سنة 1831، وكان ينوي تسيير الحملة عليها في صيف تلك السنة، غير أن تفشي الهواء الأصفر (الكوليرا) أوجب التأجيل الى فصل الخريف، أي الى ما بعد زوال الوباء. فبدأ الزحف في 2 تشرين الثاني (نوفمبر) سنة 1831 فسار بعضها برا بطريق العريش فغزة فيافا فحيفا بقيادة ابراهيم باشا الصغير. أما القائد ابراهيم باشا الكبير فذهب بحرا من الاسكندرية الى يافا ثم حيفا ومعه أركان حربه وقسم من جيشه والمدافع الضخمة والذخيرة. فاستولت القوة التي اتخذت طريق البر على المدن والبلاد التي مرت فيها بدون أن تلقى مقاومة، واجتمعت القوتان في حيفا التي اتخذت ابراهيم باشا لأعماله الحربية، ومستودعا للمؤن والذخيرة.

وبعد وصوله الى حيفا وفد عليه شيوخ القدس ونابلس وطبريا وقدموا خضوعهم له ، لأنهم كانوا شديدي الاستياء من عبد الله باشا، فكان لخضوعهم أهمية عظيمة، لأنه مكن ابراهيم باشا من بسط حكم والده على بلادهم بدون قتال، وأصبح خط مواصلاته البرية بمأمن من الاعتداء، وتفرغ لتوجيه جميع جهوده الى محصارة عكا.

وبما أن موقف اللبنانيين كان له أهمية كبرى، كتب ابراهيم باشا الى الأمير بشير يستقدمه اليه، فلم يلب الأمير الدعوة، وحاول التزام خطة الحياد، كما فعل في عهد بونابرت والجزار الى أن يتبين له رجحان كفة أحد الفريقين. فبلغ ابراهيم باشا والده خبر تردد الأمير بشير فغضب العزيز، وكتب الى الأمير كتابا أنذ فيه أنه اذا تأخر عن الانضمام الى ابراهيم باشا "يخرب مساكنه ويغرس موضعها تينا". ثم حضر الأمير بشير ببعض رجاله، وأبدى المعاذير التي أوجبت تأخيره ، فأحسن ابراهيم باشا استقباله، وبالغ في اكرامه وأبقاه رهينة عنده.


الشروع في محاصرة عكا
شرعه ابراهيم باشا في محاصرة عكا في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 1831، فاستبسلت حاميتها في الدفاع عنها، وخرج الدالاتية في الأيام الأولى، فهاجموا احدى استحكامات ابراهيم باشا في الجهة الشرقية، وغنموا مدفعين وأسروا نحو عشرين رجلا. فقابل ابراهيم باشا هذا الهجوم باطلاق المدافع على المدينة في 8 كانون الأول (ديسمبر) من الجهة البرية اطلاقا متواصلا، ثم استأنف اطلاقها في 9 منه واشتركت السفن الحربية في ذلك، فجاوبتها مدفعية عبد الله باشا بشدة، فكان ذلك اليوم من الأيام الرهيبة على أنه لم يأت بتأثير يذكر على حالة عكا، لكن مدفعية عكا أحدثت أضرارا في السفن المصرية التي حاولت الاقتراب من الأسوار البحرية.

واستمر ابراهيم باشا على مواصلة الحصار وتشديده، كما أنه أخذ في احتلال المواقع المهمة في ولاية صيدا، فوجه في 14 كانون أول (ديسمبر) سنة 1831 قوة مؤلفة من أربعة آلاف مقاتل، فاحتلت صور وصيدا وطرابلس، وطلب من الأمير بشير أن يرسل اللبنانيين لعضد الحملة، فأنفذ الى طرابلس في 20 كانون ثاني (يناير) سنة 1832 ولده الأمير خليل ومعه ألف مقاتل من الدروز.

احتلال القدس
أرسل ابراهيم باشا في كانون أول (ديسمبر) سنة 1831 حامية من جيشة الى القدس، وشفعها بمرسوم الى شيخ الحرم القدسي والمفتي والنائب وغيرهم من الحكام في ولاية صيدا ومنطقتي القدس ونابلس، يأمرهم بالتسامح في معاملة المسيحيين واليهود، ورفع جميع التكاليف التي كانت تؤخذ منهم جورا وظلما سواء أكان هؤلاء المسيحيون واليهود من الوطنيين أو الإفرنج الذين يزورون بيت المقدس. وبمقتضى هذا المرسوم ألغيت رسوم الحفر التي كانت تجبى من المسيحيين عند زيارة كنيسة القيامة ، وعند نهر الشريعة وكل رسم غير قانوني، ومنعت كل معاملة يقصد بها تحقير النصارى واليهود.

وبعد توزيع الحاميات على المدن التي احتلتها جنود ابراهيم باشا، بقى لديه حول أسوار عكا نحو عشرين ألف رجل وستة وثمانين مدفعا من مدافع الحصار وغيرها، ولم يكن لدى عبد الله باشا على أسوار عكا الأمامية سوى ستة وثلاثين مدفعا. وبالغ ابراهيم باشا في تشديد الحصار، فاستمر اطلاق النار بشدة تسعة أيام، وحاول رمي البلد بالصواريخ غير أن جهل المهندس الذي كان يدير حركات الرماية جعلتها ترتد على الجنود المصرية فترديها، وبعد هذا الحصار الشديد ظن ابراهيم باشا أن عبد الله باشا قد صار ميالا الى التسليم، فعرضه عليه وأباح له الخروح من عكا آمنا، فلم تأت المفاوضة بنتيجة سلمية. فاستأنف التشديد في المحاصرة واطلاق النار على الحامية، فأحدثت مدفعيته أول ثغرة في السور الشرقي بقرب البوابة، وكان ذلك في 23 كانون أول (ديسمبر) سنة 1831.

موقف الدولة العثمانية
أما الدولة العثمانية فاضطربت لغزوة سوريا، لكنها لم تكن حينئذ قادرة على دفع محمد علي عنها بالقوة، فأوفدت مصطفى ناصف أفندي الى مصر ليفاوض محمد علي ، ويدعوه الى وقف القتال وسحب جنوده من سوريا، وحتى يبين له أن الحرب ستعطل الحج الى بيت الله الحرام، ويبلغه أن عبد الله باشا سيدعى الى الكف عن اتيان أي عمل فيه ما يسئ الى مصر. ولما كان محمد علي مصرا على المضي في أعماله العدائية الى أني تم له الاستيلاء على سوريا، أبقى مندوب الآستانة في المحجر الصحي ثلاثين يوما معتذا بالاشاعات التي بلغته عن تفشي الوباء، وكان في الوقت نفسه يرسل النجدات تباعا الى سوريا، ويلح على ابراهيم باشا بتشديد الحصار على عكا. ولجأ الى المماطلة في المفاوضة والى تعداد خدماته الجلي في مصر وفي محاربة الوهابيين وثوار اليونان، مكررا المطالبة بوضع إيالتي صيدا ودمشق تحت حكمه.

وأخيرا صرح بعزمه على فتح سوريا والبقاء فيها، ولم يبق أمام الدولة العثمانية الا أن تدفع القوة بالقوة، وكانت قد شرعت بالتأهب لذلك، فطلبت من ولاة وحكام المعدن وقيسارية وقونية وسيواس ومرعش وأدن وبياس أن يجمعوا الجنود ويحشدونها في حلب، وعينت محمد باشا حاكم الرقة واليا على حلب، وجعلته سر عسكر سوريا وبلاد العرب ليقود الجيوش التي تحتشد في حلب لصد هجوم ابراهيم باشا.

وفي أثناء ذلك، عينت عثمان باشا اللبيب نائب والي الشام سابقا حاكما على طرابلس الشام التي كانت تحت حكم والي صيدا، وكانت جنود ابراهيم باشا قد احتلتها ، وعين حاكما عليها من قبله مصطفى أغا بربر.

وكانت عادة الحكومة العثمانية في تلك الأيام أن تعلن بمناسبة حلول عيد الفطر "التوجيهات" وهي التعيينات الجديدة والترقيات والتثبيت في المناصب القديمة لجميع كبار رجال الدولة. فصدرت التوجيهات في أول شوال سنة 1247 هـ = 3 آذار (مارس) سنة 1832 م، مندرجا فيها عن محمد علي وابراهيم باشا ما يلي: "أصدرنا أمرنا بتأجيل التعيين لمناصب حكومة مصر وحكومة جدة وكريت الى أن يجيب محمد علي وابراهيم باشا على الخطاب السلطاني الأخير الخاص برجوعهما عن العصيان". وحول هذا الوقت الذي أعلنت فيه الدولة العثمانية سخطها على محمد علي وابراهيم باشا، كان هذا التأخير مشددا لحصار على عكا فأصلاها نارا حامية استمرت ستة أيام بلياليها كان ابتداؤها في 4 آذار (مارس) سنة 1832، وكان يتفقد بنفسه خطوط النار، ويشجع رجال المدفعية، فتمكن من تعطيل أحد الأبراج بواسطة لغم، وأحدث ثغرة في السور، فعول على اقتحام تلك الثغرة بجنوده ودخول المدينة منها.

ففي صباح 10 آذار (مارس) بكرت جنوده في الهجوم، وسلطت المدافع قنابلها على المدينة عند مطلع الفجر، ودقت الطبول لاثارة حماسة الجنود، فاقتحموا الثغرة واجتازوا الخندق الواقع بينها وبين السور، واشتبكوا في قتال عنيف مع الحامية، وكان النصر حليفهم حتى انتشروا في المدينة، فانصبت عليهم نيران البنادق من المنازل وانفجرت الألغام تحت أقدمهم، فأوقعت الذعر والاضطراب في صفوفهم وقتلت مائتي رجل منهم، فتقهقروا من المدينة بدون انتظام، غير أنهم ما لبثوا أن استرجعوا قوتهم المعنوية. أما حامية عكا، فرغما عن دفاعهم المجيد وفوزها في رد هذا الهجوم العنيف، أخذت تفقد الثقة باقتدارها على الدفاع طويلا، وفي آخر شهر آذار (مارس) غادر المدينة أربعمائة ألباني من رجال الحامية بأسلحتهم وأمتعتهم بناء على وعد ابراهيم باشا بالعفو عنهم ثم انضم بعضهم الى جيشه.

ولما رأت الحكومة العثمانية أن ما ذكر في التوجيهات السنوية عن محمد علي وابراهيم باشا لم يبلغها الغرض المقصود، عزمت عل ارسال قوة جديدة من جيشها لمحاربتها، واستصدرت فتوى بأن محمد علي وابراهيم باشا قد خانا الدولة ومرقا من دين الملة، وعزلت محمد علي عن منصبه. وفي أواسط آذار (مارس) سنة 1832 عينت حسين باشا قائدا عاما للجيش الموجه لمحاربته، وولته حكومة مصر وكريت والحبشة وتوابعها، فقابل محمد علي ما أجرته الحكومة العثمانية باستصادر فتوى من الشريف محمد بن عون أمير مكة بتكفير السلطان محمود، كما أنه زاد اهتماما بمواصلة أعماله الحربية في سوريا بمنتهى الشدة.

ومن ذلك الحين شرع رجال الدولة العثمانية في سوريا في أعمالهم العدوانية ، فنهض عثمان باشا اللبيب الذي عين حاكما على طرابلس من حلب الى اللاذقية، يقود بضعة آلاف من الخيالة غير النظامية، يصحبها أربعة مدافع ميدان، وأخذ يستنفر الأهلين الى مقاومة محمد علي وابراهيم باشا لمروقهما من طاعة السلطان. ومن اللاذقية توجه في أواخر آذار (مارس) 1832 الى قرية المنية ومنها تقدم نحو طرابلس ونصب مدافعه أمامها، وكانت حامية طرابلس مؤلفة من ألف وخمسمائة جندي مصري وألف درزي لبناني، يقودهم الأمير خليل ابن الأمير بشير شهاب حاكم جبل لبنان، وخمسمائة من النابلسيين، فأغارت خيالة عثمان باشا على المدينة ودخلتها، لأنها لم تكن ذات أسوار، فتلقتها الحامية بنار آكلة وألجأتها الى الفرار، فاغتر الميرالاي ادريس بك قائد الجنود المصرية بانهزام العدو وتعقبه بنحو ستمائة مقاتل، فطمع بهم عثمان باشا لقلة عددهم وكر عليهم بجميع قواته وهزمهم شر هزيمة. وحملة الغرور على مهاجمة طرابلس ثانية، فخرجت حاميتها الباسلة للقائه، ففتكت بكثيرين من رجاله وبينهم أكثر زعمائهم وأكرهته على الارتداد الى معسكره.

اتصل بابراهيم باشا خبر هذه الحركات وهو قائم على محاصرة عكا، فرأى من الواجب وقف تيار الهجوم من الشمال قبل اشتداده، فنهض من عكا الى طرابلس في 2 نيسان (أبريل) يقود فرقة الحرس وفرقة من الخيالة النظامية وفرقة من خيالة البدو وستة مدافع، فلما علم عثمان باشا باقترابه من طرابلس انهزم ليلا نحو حماة ، تاركا وراءه خيامه ومدافعه ومؤونة جيشه والجرحى من جنوده فوقعوا جميعا في أيدي عدوه.

أما جنوده فانفرط عهدهم، وذهب كل فريق منهم في طريق، فتعقبهم ابراهيم باشا الى حمص، وكان عازما على التقدم الى حماة، غير أن الذخائر لم تكن متوفرة لديه، فعاد من حمص متجها نحو بعلبك ليتناول منها الذخائر اللازمة ويستأنف مطاردة العدو، فغادر حمص الى خان القصير، ومنه انتقال الى سهل الزراعة، فتوهم العدو أن ابراهيم باشا انقلب راجعا لخوفه منه، فعاد عثمان باشا يصحبه واليا قيسارية والمعدن بجنودهم الى اقتفاء آثار ابراهيم باشا، فلما علم بتقدمهم نحوه صمد لهم في سهل الزرﱠاعة وهيأ جيشه للقتال.

موقعة الزرﱠاعة
في ذه القعدة سنة 1247 هـ = 14 نيسان (أبريل) سنة 1832 م كانت قوة الجيش المصري في موقعة الزرﱠاعة مؤلفة من آلايين من المشاة وآلاي من الخيالة النظامية وبعض خيالة البدو، وكانت مدفعيته قوية وجملتها نحو ستة آلاف مقاتل، فصفها سليمان باشا الذي تولى ترتيب هذه الموقعة صفا بديعا وستر مدافعه عن أبصار الأعداء الذين كانوا يفوقونه عدا، وانضم اليهم كثيرون من فرسان العرب والأكراد، فأحاطوا بجيش ابراهيم باشا الذي كان منظره ضئيلا في عيونهم، نظرا لقلة عدد رجاله، وتراص صفوفهم ، واختفاء مدافعه عن الأنظار.

ولم يداخل الأتراك شك في أنه أصبح في قبضة أيديهم، لكن لما بدأوا في مهاجمته، نشر ابراهيم باشا صفوفه بغتة، فانكشفت مدافعه المحكمة الوضع، وصبت عليهم قنابلها المهلكة، فأوقعت الرعب والاضطراب في صفوفهم وردتهم على أعقابهم. وحالما ظهر التضعضع في صفوف العثمانيين، أمر ابراهيم باشا جنوده بالهجوم، فجدوا في أثر عدوهم الذي لجأ الى الفرار، ولم يقف حتى بلغ نهر العاصي، ومكث في حماة ينتظر الامداد. أما الجيش المصري فنظرا لحسن ترتيبه للقتال لم يصب في هذه المعركة بخسارة تستحق الذكر، بينما كانت خسائر الجيش العثماني ثلاثمائة قتيل وغنم المصريون منهم ثلاثمائة حصان.

ان موقعة الزرﱠاعة تعتبر موقعة صغرى، غير ان انتصار ابراهيم باشا فيها، شدد عزائم جنوده ومحالفيه ونزع الشكوك من نفوس المتريثين الذين كانوا يرتقبون رجحان احدى كفتي الميزان لينحازوا اليها، فأقبل كثيرون من السوريين على اعلان ولاتهم لحكومة محمد علي، وأخذوا يمدون جيشه بما يحتاج.

أما الأخبار التي أذيعت في الآستانة وبين الأتراك والمستتركين في مصر، فكانت تخالف الحقيقة، اذ نسبت الانتصار الى العثمانيين، فظهرت بدوار الثورة في القاهرة، لكن محمد علي قضي عليها بشدته المعهودة وهي في المهد. ثم عمد الى تشديد الحصار على عكا، لأنه رأى أن فتحها أمضى سلاح من أسلحة الدعاية.

أما ابراهيم باشا فتوجه بعد موقع الزرﱠاعة إلى بعلبك وكان قد قدم اليها قباس باشا بن طوسون باشا قادما من عكا عن طريق صفد فمرجعيون فالبقاع، يقود فرقة من مشاة الجيش وفرقة من الخيالة مستصحبا ثمانية عشر مدفعا برجالها، فجعل ابراهيم باشا بعلبلك مركزا لمرابطة قوة من جيشه، مؤلفة من آلاي من الحرس وثلاثة آلايات من المشاة وآلايين اثنين من الخيالة المنظمة وبعض جماعات غير منظمة، وانما اختار بعلبك مركزا لهذه القوة لأنها تشرف على الطرق المؤدية الى دمشق وحلب وطرابلس وعكا، كما أن قربها من لبنان زاد موقعها أهمية، فالعدو الذي يزحف طرابلس أو دمشق أو عكا يعرض أحد جناحيه أو كليهما للأخطار.

وبينما كان ابراهيم باشا في بعلبك بلغه نزوع اللبنانيين الى الفتنة فتوجه الى بيت الدين في 28 نيسان (أبريل) سنة 1832 يصحبه أربعة آلاف جندي، فسكن الأحوال بالوعد والوعيد، وحبس بعض مثيري الفتنة، وأخذ رهائن من بعض الاسر الكبرى، أما الناقمون عليه من آل جنبلاط وآل نكد وغيرهم، فكانوا قد غادروا الجبل وانحازوا الى جانب الحكومة العثمانية، فضبطت أملاكهم وحرقت منازلهم.

في أثناء هذه الحوادث كانت القوة المرابطة أمام عكا قد انخفض عدد رجالها الى نحو عشرة آلاف. فاغتنم عبد الله باشا هذه الفرصة فقام بهجوم عنيف على محاصريه، فأتلف بعض استحكاماتهم الأمامية ورد جنودهم الى الوراء، واستولى على بعض مدافعهم وأدخلها الى عكا ليحاربهم بها. واتصل خبر هذه الوقعة بابراهيم باشا فلم يحدث اي تغيير في خطته، لكن لما فرغ من وقعة الزرﱠاعة وما عقبها على التدابير، غاد الى تشديد الحصار على عكا.

وكان في هذه الأثناء قد أنفذ محمد علي الى عكا مهندسا قديرا فأخذ يدير الأعمال الفنية المتعلقة بالحصار بغاية الدقة والاعتناء، ورغما عن شدة مقاومة الحامية الباسلة، تمكن المحاصرون من فتح ثغرتين في الجهة الشرقية من السور، ووسعوا احداهما باطلاق المدافع وبث الألغام، كما أنهم أمطروا المدينة وابلا من الرصاص والقنابل والصواريخ برا وبحرا، فأحدثوا في المدينة تخريبا عظيما واضطر عبد الله باشا الى الانتقال من قصره الى برج الخزنة، وكانت حامية المدينة حينئذ قد انخفضت الى نحو ألفين، ومع ذلك لم تفتر عزائمها عن الدفاع بمنتهى البسالة.

فتح عكا
وفي أواخر شهر أيار (مايو) كانت مدينة عكا قد أصبحت ركاما، نظرا لما أصابها من قذائف المدافع، وفتحت في أسوارها ثلاث ثغرات يتسنى للجنود المهاجمة الدخول منها الى المدينة، احداها عند قبو برج، والثانية تجاه النبي صالح، والثالثة عند الزاوية. فعزم ابراهيم باشا على القيام بهجوم عام، لكن قبل الشروع في ذلك دعا عبد الله باشا الى التسليم فأبى.

حينئذ عين السابع والشرين من شهر أيار (مايو) سنة 1832 للقيام بهجوم عام. وفي 26 منه دعا اليه قواد الفرق والكتائب المختلفة فشرح لهم خطة الهجوم، ثم أعطى كلا منهم التعليمات اللازمة، وسلط قذائف المدافع على المدينة وأسوارها طول ذلك الليل. وفي صباح 27 منه عند طلوع الشمس، صدر أمر القائد العام بالهجوم، فاقتحم المهاجمون ثغرتين، وثبتوا أقدامهم في داخلهما. أما القوة التي قصدت الاسيتلاء على الثورة الثالثة الواقعة عند قبو برج فلاقت مقاومة عنيفة منعتها من التقدم بل ألجأتها الى التقهقر، فأبصرها ابراهيم باشا وبادر الى سوق الجنود الاحتياطية لنجدتها، واندفع أمامهم وهو شاهر سيف، وبعد جهد جهيد اقتحموا هذه الثغرة أيضا، غير أن الحامية دافعت في ذلك اليوم دفاعا مجيدا، فأعادت على مهاجمتها الكرة بعد الكرة، وأوقعت بهم خسائر جيسمة ولم تلق سلاحها وتكف عن القتال، الا بعد ما اعتراها الكلل وخاب كل أمل بصدر تيار الأعداء.

وفي عصر ذلك اليوم تقدم الى ابراهيم باشا وفد من أعيان المدينة، يعلن تسليمها، وتلاه وفد آخر مؤلف من رؤساء المدفعية والمفتي وامام عبد الله باشا يطلبون العفو عن رجال الحامية، فعفا عن أرواحهم وأموالهم وأبقى لهم سلاحهم. أما عبد الله باشا فضمن له حياته فقط، وعند نصف الليل حضر عبد الله باشا ومعه كاخيته يحرسه أمير اللواء سليم بك لأجل التسليم، فاستقبله ابراهيم باشا بالاكرام اللائق بمقام وزير. ثم ركب ابراهيم باشا وعبد الله باشا وكاخيته وتوجهوا الى قصر البهجة وقضوا بقية ليلتهم هناك.

سفر عبد الله باشا الى مصر
وفي 29 ذي الحجة سنة 1247 هـ = 29 أيار (مايو) سنة 1832 م، سافر عبد الله باشا ومعه كاخيته وبعض الأتباع الى الاسكندرية، فوصلها في 3 محرم سنة 1248 هـ = 2 حزيران (يونيه) فأرسل محمد علي زورقه الخاص وبعض ضباطه ليحسنوا استقباله ويقلوه الى الشاطئ، ورغما عن اقامة حجر صحي، لم يكلفه الانتظار مدة الحجر. وعند نزوله الى البر أطلقت المدافع تحية له، واستقبله كبار رجال الحكومة ثم توجه توا الى قصر العزيز، وحالما دخل القاعة نهض العزيز واقفا واستقبله باسما، فدنا عبد الله باشا منه، فلثم ثوبه والتمس العفو، فمد له محمد علي يده، وأجلسه بجانبه وتلطف كثيرا في مخاطبته حتى انه قال انه نسي الماضي وانه سيعامله كأحد أولاده، وأهدى اليه علبة سعوط وسيفا ذهبيا، ثم اجتمعا اجتماعا سريا ذهب بعده عبد الله باشا الى قصر خصص له بجوار قصر محمد علي ممتطيا جواد العزيز، وسار في ركابه عدد من الضباط مضاة وواكبه حرس شرف، وبعد حين انتقال من الاسكندرية الى مصر وسكن منزلا أعد له في جزيرة الروضة وأبقيت في حوزته مجوهراته فقط، وأذن لعائلته بالالتحاق به والسكن معه.

الخسائر والغنائم: أما المدينة واهلها الأبرياء البائسون، فلم يلاقوا من الرفق وحسن المعاملة ما لاقاه عبد الله باشا والحامية الباسلة. فرغما عن الأوامر المشددة بالامتناع عن النهب، ووعد ابراهيم باشا أن المدينة لا تصاب بسوء، لم يمكن كف شر الجنود واقرار النظام الا بعد ما أمعنوا في الأذى والسلب والنهب، غير أن ابرهيم باشا رد الى الأهلين بعدئذ ما أمكن استرجاعه من المنهوبات. أما الغنائم التي وقعت في أيدي الجيش ، فمنها مقادير كبيرة من البارود والرصاص والقنابل وعدد عديد من المدافع، ووجدوا في المخازن من المؤن كالقمح والشعير والأرز والعدس وغيرها ما كانت به الكفاية للحامية مدة طويلة، ولم يكن ينقصها من الأغذية عند التسليم سوى اللحم. أما الحامية فمعظمها اما هلك في أثناء الحصار، أو انسحب من المدينة وانضم الى جانب المحاصرين، على أن خسارة الجيش الفاتح كانت أعظم من خسارة حامية المدينة، فبلغت نحو أربعة آلاف وخمسائة قتيل ما عدا الجرحى.

تطاول مدة الحصار: من رأى بعض الخبراء العسكريين ان المدة التي قضاها جيش ابراهيم باشا في محاصرة عكا طالبت أكثر مما ينبغي، وأنه لا يمكن تبرير ذلك بمقابلتها بالمحاصرات السابقة التي قام بها بونابرت في زمن أحمد باشا الجزار وولاة الشام وحلب ضد عبد الله باشا، لأن بونابرت لم تكن لديه مدافع حصار، وكانت حامية عكا حينئذ تكاد تضاهي الجيش الذي يحاصرها في عددها، وأبراج المدينة وأسوارها مجهزة بعدد كبير من المدافع، زد على كل ذلك أن الأسطول الإنكليزي كان يحميها من جهة البحر، بل هو الذي أكره نابليون على رفع الحصار عنها، أما الولاة الذين حاصروا عبد الله باشا، فكانت تنقصهم المعرفة الفنية والدرية العسكرية ومدافع الحصار، بينما نرى ابراهيم يحاصر عكا برا وبحرا وعساكره نحو عشرة أضعاف حامية عكا، وكانت مجهزة بما يلزم من مدافع الحصار.

ومن رأي بعضهم أن من الأسباب التي قضت بتطاول مدة الحصار عدم وجود مهندسين أكفاء منذ ابتداء المحاصرة، وتفشي الحمى بين الجنود المصريين، وعدم اعتيادهم التعرض للبرد والأمطار، كما أن الحامية دافعت عن المدينة مدافعة الأبطال. وقيل أن محمد علي تراخى في أمر الحصار حرصا على سلامة الجنود، لأنه كان يأمل أن المحصورين لا يلبثون طويلا حتى يطلبوا التسليم، على أن هذا العذر لا يؤيده الواقع.

وعلى كل حال ان بوقوع عكا أخيرا في قبضة ابراهيم باشا زالت من طريقه أكبر العقبات العسكرية، وبما أنها كان قد ثبت أقدامه في طرابلس وبعلبك، وكان لبنان مواليه له فلم تبق أمامه عقبه ذات شأن الا عند حدود سوريا الشمالية، على عكا مهد أمامه طرق الزحف شمالا وهو مطمئن على خط مواصلاته.

وبعد فتح عكا عمد ابراهيم باشا الى عادة تحصينها تحت مراقبة مهندس ماهر، ووزع المدافع في حيفا وغيرها من المدن الساحلية، ووضع في عكا حامية كافية، وأناب في ادارة شئونها رئيس ديوانه منيب أفندي، وفوض الى الخواجة حنا بحري القيام بالأعمال المدنية والتجارية.

فتح دمشق في 16 تموز (يوليه) سنة 1832
بعد أن رتب شئون عكا، عزم ابراهيم باشا على التقدم الى دمشق، فأرسل كتابا الى واليها علو باشا يدعوه الى تسليم المدينة، وكتب الى أحمد بك اليوسف ربيب يوسف باشا الكنج الذي كان قد فر الى مصر ولجأ الى محم علي في سنة 1819 يخبره عن عزمه على التقدم بعساكره الى دمشق، وكتب مثل ذلك الى أعيان المدينة. وفي 9 حزيران (يونيه) نهض تسعة آلاف من الجنود المنظمة ، وتسعة آلاف من الدروز والبدو المصريين والعربان السوريين، يتبعها أربعة وعشرون مدفعا.

أما أهالي دمشق ، فأظهروا عزمهم على المقاومة، ودعا أغاوات البلد أهلها الى حمل السلاح والاستعداد لمقاتلة جيش ابراهيم باشا، فلبوا الدعوة وترتبوا جماعات جماعات، وقاموا بتظاهرات عظيمة، وأخذت كل حارة تقوم بالاستعراض على حدتها، فتدخل دار الحكومة "حتى ينظر الوزير ويطمئن" واستمرت هذه التظاهرات ثلاثة ايام. هذا ما قام به الدمشقيون بعدما عرفوا بعزم ابراهيم باشا على الاستيلاء على مدينتهم، مع أنهم لم يكونوا راضين عن حكم الولاة العثمانيين وسياسة الدولة العثمانية نحوهم، ولعلهم فعلوا خوفا من الجنود العثمانية التي بلغهم قرب وصولها مع مبالغات عظيمة بكثرة عددها.

وفي 15 حزيران (يونيه) وصل ابراهيم باشا الى ضواحي دشق، فخرج علو باشا وجمهور من الدمشقيين لمقاتله، لكن راعهم ما شاهدوه من مظام جنوده وحسن استعدادها، ولم تبد منهم سوى مقاومة ضعيفة، ثم انهزموا ولم يقتل منهم الا عدد يسير. ثم خرج وفد من أعيان المدينة، وقدموا خضوعهم له. أما علو باشا فانسحب من دمشق قاصدا الى حمص يحرسه ألف وخمسائة خيال وخمسمائة رجل، فدخل ابراهيم باشا مدينة دمشق في 16 حزيران (يونيه) سنة 1832.

وفي اليوم التالي أخرج جيشه ونصب مضاربه في سهل القابون. أما اللبنانيون الذين كان يقودهم الأمير بشير حاكم جبل لبنان فبقوا في المرجه، واستعرض الجيش في القابون، فدهش المتفرجون لحسن نظامه، كما أنهم أعجبوا بحسن سلوك الجنود في أثناء اقامتهم في المدينة وبجوارها، اذ لم يحدث منهم أي اعتداء، فكانوا يحضرون الى المدينة ويعودون منها، وفي طريقهم البساتين الحافلة بالأشجار المثمرة، فلا يمسون شيئا منها، وكل ما احتاجموااليه اشتروه ودفعوا ثمنه، وهذا غيرها ما عرفه الدمشقيون في الجنود العثمانية، وما سمعوه عن الجيش العثماني النازل في حمص من كثر الاعتداء على الأموال والأعراض واتلاف المزروعات.

أقام ابراهيم باشا في دمشق ثمانية عشرة يوما وحضر صلاة الجمعة في الجامعة الأموي، وفي أثناء الخطبة حار الخطيب بين أن يخطب باسم السلطان أو باسم محمد علي، ورفع الأمر الى ابراهيم باشا فأجابه بأنه عبد السلطان، وأن الخطبة يجب أن تكون باسم السلطان والدعاء لمحمد علي.

وبعد وصوله الى دمشق جعلها قاعدة لحكمه، ونظم الادارة فيها على النمط المتبع في مصر، وأقام أحمد بك اليوسف متسلما عليها، ورتب ديوان حكم مؤلفا من عشرين عينا من أعيان دمشق سماه ديوان المشروة، وجعل فيه أعضاء تنوب عن اليهود والنصارى، وكان هذا المجلس ينظر في دعاوى الرعية والحكومة، وبطل حكم رجال الساري. مما فعله في دمشق تعيين النصارى في وظائف الحكومة، والسماح لهم بركوب الخيل، وكان ذلك محظورا عليهم سابقا. ومن التدابير التي قام بها في دمشق ضبط الأمن ضبطا تاما، واقامة المخافر العديدة لرجال الحفظ، ووضع حامية مؤلفة من ثلاثة آلاف ومائتي رجل من الجند النظامي، وولى عليها مؤقتا ابراهيم باشا الصغير.

ان استيلاء ابراهيم باشا على دمشق ذات الأهمية الدينية والسياسية بعد استيلائه على البلاد الساحلية والجبلية، جعل في قبضة يده أكثر البلدان السورية أهمية من مختلف الوجوه.

وبعد أن قام في دمشق بالتدابير التي ذكرناها وأعطى جيشه نصيبا من الراحة، عول على الزحف على حمص لملاقاة الجيش العثماني المحتشد فيها، وقبل سفره جمع خمسة وسبعين من أغاوات الشام ومعهم نحو ألف من رجالهم وأمرهم بالذهاب معه الى الحرب ومساء السبت 2 صفر سنة 1248 هـ = 1 تموز (يوليه) سنة 1832 م نهض بعسكره من دمشق وتبعه الأغاوات برجالهم في اليوم التالي . وقام من دمشق مع ابراهيم باشا الأمير بشير شهاب وولده الأمير خليل وأمراء وادي التيم الشهابيون ومشايخ جبل نابلس. فكأنه كان يستصحب أعيان البلاد التي دخلت في حوزته والمتنفيذين فيها كرهائب ليأمن شر الفتن، كما أن وجودهم معه يفيده من وجوه أخرى.

موقعة حمص في 8 تموز (يوليه) سنة 1832
لما وصل ابراهيم باشا الى النبك في طريقه الى حمص، أمر الأمير بشير ومن معه أن ينزلوا في قرية دير عطية، أما هو فتقدم الى القصير ومن القصير توجه نحو حمص، ونزل على ضفة نهر العاصي عند تل النبي مندو، ومنه تقدم الى قرية قطينة، ولم يبق بينه وبين مدينة حمص سوى ثلاثة أميال، وأصبح بينه وبين الجيش العثماني نحو ميلين ، فاشتبك القتال في 8 تموز (يوليه) سنة 1832 وكانت قوة العثمانيين نحو خمسة وعشرين ألف مقاتل بقيادة محمد باشا والي حلب منها 10471 من الجنود النظامية.

أما رجال ابراهيم باشا فكانوا نحو ثلاثين ألفا، غير أن الجيش العثماني كان سيئ النظام خاليا من القواد الأكفاء كما ظهر ذلك منذ بدء التأهب للقتال، فان القائد العثماني رتب جيشه كله في صفين اثنين جاعلا جناحه الأيمن في مكان منفصل عن سائر الجيش في جزيرة واقعة ما بين مجرى نهر العاصي وقناة ماء، حاسبا أن في مثل هذا الموقع المنعزل يصعب على جيش العدو اقتحامه، لكن جهل أن العقبات التي تعيض جيش العدو عن الوصول اليه تعيض أيضا ذلك الجناح من جيشه عن المبادرة الى انجاد سائر الجيش العثماني عند الحاجة. وأضاف الى خطته هذا خطأ آخر، اذ وزع مدافعه بنسبة مدفع واحد لكل كتيبة، فأفقدها هذا التوزيع التأثير المنتظر من نيران المدافع المجتمعة.

أما ابراهيم باشا فرتب جيشه في ثلاثة صفوف، جعل جناحها الأيسر متكئا على نهر العاصي، والجناح الأيمن الى جهة البادية، ووضع الصفوف المشاة في الوسط، والخيالة على الجناحين. أما المدافع فقسمها الى قسمين فقط، فوضع ثلاثة بطاريت في الصف الأول، واحدة منها على كل جانب وواحدة في الوسط، ووضع الأربع البطاريات الباقية مع مدفعي (هويتزر) وراء صف المشاة الثاني.

وبعد أن أتم ترتيب جنوده وأدرك نقط الضعف في عدوه، أطلق خيالة العدو لمناوشة العثمانيين، ثم سلط النيران الحامية على ميسرتيهم وقلبهم فضعضعهما، ولم تستطع الميمنة المبادرة الى نجدتهما، لما أوضحناه قبلا من صعوبة الموقع الذي خصها به قائدها العام، وعبثا حاول العثمانيون اعادة تنظيم صفوفهم، لأن المصريين هاجموهم هجوما عنيفا وسلطوا نيرانهم الآكلة على جموع اعدائهم المختلة النظام، فلم يتركوا لهم فرصة لاستجماع قوتهم أو الثبات في مواقفهم فلجأوا الى الفرار.

وفي اليوم التالي دخل ابراهيم باشا مدينة حمص، فاسر فيها من العثمانيين ألفا وخمسمائة رجل، واستولى على مضارب العدو وعلى وعلى مؤونته وذهائره وعلى واحد وعشرين مدفعا وأوراق محمد باشا القائد العام التي فاته أخذها لسرعة انهزامه. وكانت خسارة الجيش العثماني في موقعة حمص نحو ألفي قتيل وألفين وخمسمائة أسير، أما خسارة جيش ابراهيم باشا فبلغت مائة واثنين من القتلى ومائة واثنين وستين جريحا. وفيما يلي تفاصيل عن الموقعة كما وصفها ابراهيم باشا:

"قدوة وافتخار الأماجد الكرام ذوي المجد والاحترام متسلم طرابلس الشام حالا بربر زاده السيد مصطفى أغا زيد مجده. غب التحية والتسليم بمزيد الاعزاز والتكريم المبدى اليكم أنه أمس تاريخه نهار السبت المبارك الواقع في 9 شهر صفر سنة 48 الساعة في السبعة من النهار قد كان ابتداء وصول عساكرنا المنصورة التي بمعية ركابنا الى بحرة حمص، وفي تلك الساعة نفسها نظروا قدومنا العساكر الخيلي التركية المحتشدين بمعونة الباشاوات بمدينة حمص، وحالا هجمت عليهم العساكر المنصورة خيالة الجهادية والعرب وضربوهم وشتتوا شملهم وأذاقوهم كؤوس الوبال والنكال، فقد ولوا هاربين والى النجاة طالبين فاتبعوا آثارهم عساكرنا (بالظفرة) فظهر أمامهم أربعة آلايات عساكر نظام استيانيه ليه قرابة وثلاثة آلايات خيالة، فعند ذلك تقدمت لمحاربتهم بقية العساكر المنصورة، وترتبت الصفوف على الرسم البديع وهجموا عليهم هجوم الأسود الكواسر، وأذاقوهم كؤوس المنايا بطعن الحراب وفتك السيوف البواتر ولم يحتملوا سوى ساعة واحدة الا وولوا الأدبار صارخين الفرار الفرار من بعد أن وقع منهم ما بين قتيل ومجروح ينوف عن ألف وخمسمائة نفر، وأخذ منهم أسرى بمسك اليد ينوف عن ألفين وخمسمائة من ضمنهم أورطتين قد كانوا أبقوهم في قلعة حمس للمحاصرة عندما كانوا عزمهم على الهرب مع جانب عساكر أرناؤود وبمجرد حلول ركابنا في أردي الباشاوات الفارين في صحرا حمص، واستيلائنا على أطوابهم وخيامهم وجبخاناتهم وسائر ذخائرهم، وصاروا جميعهم غنيمة لنا فالأورطتين والعساكر الأرناؤود الذين كانوا في القلعة عندما نظروا هذا الهول المريع والظفر البديع استغاثوا وطلبوا الأمان، فحيث ان العفو زكاة الظفر، فقد أغثناهم ومرحمة منا اعطيناهم الأمان وخرجوا من القلعة آمنين مطمئنين فنحمده تعالى على هذه النعمة العظيمة والموهبة الكبيرة الجسيمة فالآن لأجل تبشيركم، أصدرنا لكم مرسومنا هذا فيلزم منكم بوصوله تشهروا ذلك الى كافة الرعايا بعمل شنك واعلان البشائر الى سائر المقاطعات والبلاد لكي يكونوا جميعا دائما متبادرين على تأدية الدعا الخيري بدوان دولة وتأييد صورة سعادة أفندينا والدنا المعظم وقهر أعداه المخذولين على ممر الأيام والسنين اعلموه في 10 صفر سنة 1248 . الحاج ابراهيم.

سر عسكر مصر"

وكتب الى والده وهو ثمل بخمرة النصر يبشره بفوز جنوده في هذه المعركة يقول: "اني لا أتردد في القول انه لا يخامرني أقل اضطراب فيما لو كان لدي جيش مؤلف من مايتي ألف أو ثلاثماية ألف من أمثال هؤلاء الجنود".


أما الجيش العثماني فاستمر بعد موقعة حمص منهزما نحو حلب ومر في حماة، لكن لم يقف فيها وترك في الطريق أحد عشر مدفعا وكثيرا من الأسلحة والعتاد، فاستولى عليها ابراهيم باشا، وتتبع عرب عنزة فلول الجيش المنهزم حبا بالسلب والانتقام ، فكبدوه خسائر جسيمة. أما الأسرى فأرسلوا الى عكا، وطلب ابراهيم باشا من نائبه أن يمده بثلاثمائة من رجال المدفعية ليتولوا ادارة المدافع التي غنمها من العثمانيين.

وقبل أن يستأنف الحزف على حلب، نظم الادارة في حمص وحماة، وعين أحد أبناء حمدان الدمشقيين متسلما على حمص، وأقام رشيد آغا الشوملي الدمشقي أيضا متسلما على حماة.

ان موقعة حمص كانت الموقعة الأولى التي تنازل فيها جيشان نظاميان في هذه الحرب، فظهر تفوق الجيش المصري على الجيش العثمني في النظام وحسن القيادة ظهورا رائعا، وكانت لانتصار ابراهيم باشا تأثير أدبي وسياسي عظيم. وقد كانت الدولة العثمانية الى ذلك العهد تتوهم أن القوة ترتكز على المظاهر البراقة وضخامة الألقاب، فكان في جيشها الذي حارب ابراهيم باشا في حمص ثمانية باشوات غير محمد باشا القائد العام وهم: عثمان باشا والي المعدن وعثمان باشا والي قيسارية وعلو باشا والي الشام السابق ومحمد باشا الكريتلي ونجيب باشا ومحمد باشا وديلاوار باشا. غير أن كثرة عددهم وضخامة ألقابهم لم تجد نفعا في موقعة حمص، وذهب انخذالهم فيها وسرعة انهزامهم منها بما في نفوس الأهلي من تحيب لسلطة الدولة العثمانية، ولهاذ رأينا أن قبائل العربان اقتفوا آثار جنودها المنهزمين، وأمعنوا فيها قتلا وسلبا، ثم أبت مدينة حلب قبول حسين باشا سر عسكر جنودها الجديد، فاضطر الى الانسحاب من أمامها والانقلاب الى بيلان.

احتلال حلب في 15 تموز (يوليه) سنة 1832
في أوائل سنة 1832 قر رأي الباب العالي على الحاق حملة جديدة بحملة محمد باشا اذ حقق اصرار محمد علي باشا على فتح سوريا، وأدرك أن حملة ابراهيم باشا أقوى من الحملة التي يقودها محمد باشا والي حلب.

وفي أواسط آذار (مارس) سنة 1832 عين حسين باشا قائدا للجيوش العثمانية في تركيا آسيا مع لقب سردار أكرم ومشير الأناضول، لكنه لم يغادر الآستانة الا في 11 ذ القعدة سنة 1247 هـ = 12 نيسان (أبريل) سنة 1832 م، وكان حسين باشا مشهورا بالاقدام والقوة الجسدية، وهو الذي ساعد السلطان محمود على البطش بالإنكشارية سنة 1826.

وقد كان هو ورشيد باشا أشهر القواد العثمانيين حينئذ، وبما أن رشيد باشا كان مشتغلا في اخماد الثورات وتسكين الاضطرابات في تركيا وأوروبا انتدب حسين باشا لمقاومة ابراهيم باشا في سوريا. وبعد ما أخفقت المفاوضات مع محمد علي، وانقطع كل رجاء من تسوية الخلاف معه بالطرق السلمية صدرت فتوى بمروقه ومروق ولده ابراهيم باشا من الدين، وعزلا من منصبهما وولي حسين باشا على مصر وكريت والحبشة وتوابعها فوق منصبه العسكري والألقاب التي كان قد منحها قبلا. غير ان ابطاء الدولة في استعداداتها الحربية، وتثاقل حسين باشا في تقدمه نحو الهدف الموجهة اليه حملته، دلا على عزيمة ضعيفة وارتباك شديد.

ولم يكن ذلك بالأمر العجيب، نظرا لكثرة المشاكل الداخلية ونضوب الموارد المادية وصعوبة المواصلات وفقدان النظام وعدم تبادل الثقة بين الحاكمين والمحكومين. فلهذه الأسباب حل شهر تموز (يوليه) سنة 1832 والحملتان العثمانيتان لم تتحدا. فتمكن ابراهيم باشا من قهر محمد باشا بقرب حمص، وشتت شمل حملته ، فمال جمهور من السوريين الى جانبه، وحدث تبدل عظيم في موقفه وموقف العثمانيين بازاء سوريا، فبعد أن كان ابراهيم باشا وجيشه يعدون غرباء في سوريا، أصبح قواد جيوش السلطان وجنودهم الغرباء بل الأعداء. ولا يخفي ما لذلك من التأثير المادي والمعنوي في الجيشين المتحاربين.

وصل حسين باشا الى أنطاكية، بينما كان جيشا ابراهيم باشا ومحمد باشا على وشك الاشتباك في موقعة حمص. ثم بارحها قاصدا الى جسر الشغر ليتقدم منه الى حمص، ولما بلغ الشغر التقى بالمنهزمين وعرف منهم نتيجة الموقعة، فارتد نحوحلب، وقد انضمت اليه فلول حملة محمد باشا، فلما وصل امام المدينة طلب من زعمائها ان يمدوه بالمؤن والرجال، فرفضوا طلبه، ولم يمكنوا سوى العساكر المرضى والجرحى من دخول المدينة وأغلقوا أبوابها في وجه من بقي وصارحوا حسين باشا أنهم أتباع من غلب. وبما أن ابراهيم باشا كان قد اقترب من حلب، أسرع حسين باشا ورجاله في الانسحاب الى بيلان. أما خيامه وما كان لديه من المؤن والذخائر مع ستة عشر مدفعا فتركها غنيمة للأعداء.

أما ابراهيم باشا فبعد أن رتب أمور حمص وحماة وأخذ جيشه نصيبا من الراحة، استأنف الزحف على حلب، وفي طريقه اقتنص من بعض العربان لقطعهم الطريق والاعتداء على القوافل. وبلغ حلب في 15 تموز (يوليه) ، فخرج القاضي والمفتي وبعض زعماء البلد للقائه وتقديم خضوعهم له. وكان حزب الانكشارية في حلب لا يزال قويا، فعول ابراهيم باشا على الانتفاع به وتقريب رجاله، فعين احدهم عبد الله آغا انكشار آغاسي متسلما على حلب ووضع حامية في قلعتها، ومكث في حلب بضعة أيام لاراحة جيشه وتجهيز المؤن والمهمات الحربية وتفقد المدافع وغيرها من معدات القتال، وفي أثناء مكثه هذا بعث بفرقة كشافة الى جهة الفرات. وبعد ما أتم أهبته بارح لب بجيشه ووجه بعض جنوده غير النظامية لتأمين الطريق الى أنطاكية، وسار هو بعساكره للقاء الجيش العثماني في بيلان.

موقعة بيلان في 29 تموز (يوليه) سنة 1832
ان مضيق بيلان واقع على طريق القوافل بين حلب والاسكندرية من مركز طبيعي منيع له شهرة حربية عظيمة في التاريخ. فهو أحد مفاتيح سوريا الشمالية وممر الغزاة من قديم الأزمان ففيه مر الاسكندر المكدوني في طريقه الى الشرق، واقتفت أثره جيوش الصليبيين التي غزت سوريا قادمة عن طريق القسطنيطينية. فحسين باشا أحسن الاحسان كله باختياره هذا الموقع للاعتصام به والتصدي لمنع العدو من اجتيازه، غير أنه أفقد منعته وأضاع قيمته الحربية باهماله احتلال بعض المرتفعات.

وكان عدد جنود حسين باشا ستين ألفا منها 45 ألفا من الجنود النظامية وكانت جيدة السلاح ولديها مائة وستون مدفعا، غير أنها كانت مفتقرة الى المؤن وحالتها المعنوية منحطة، لأن بينها عددا غير يسير من الجنود الذين ذاقوا مرارة الانكسار بقرب طرابلس وفي موقعتي الزراعة وحمص، وعدا ذلك كانت الادارة العسكرية في أسوأ حال، فلا مناورات ولا تفتيش على أسلحة الجيش ومعداته الحربية، ولا عناية بأي أمر من الأمور التي تجع الجيش دائما على قدم الاستعداد للقتال.

أما القائد العام حسين باشا فكان من الشهود لهم بالبسالة غير أنه كان من الطراز القديم لا خبرة له بالفنون الحربية الحديثة، وكان السر عسكر خسروا باشا يزيد أعماله عرقلة بتدخله تدخلا غير مشروع، وبتشديد عزيمة صنيعته محمد باشا والي حلب على مقاومته، فسادت الفوضى واختل نظام ادارة الجيش العليا.

واذا رأيت الرأس وهو مهشم أيقنت منه تهشم الأعضاء

أما جيش ابراهيم باشا فمع أنه كان أقل عددا وعدادا من جيش عدوه، فانه كان يمتاز عليه بحسن الادارة العسكرية ودقة النظام والخبرة التامة بالفنون الحربية، وبالقوة المعنوية التي اكتسبها في الانتصارات المتتابعة، فبهذا الجيش الشديد التحمس المتقن التدريب أقبل ابراهيم باشا على بيلان في 29تموز (يوليه) الساعة الثالثة بعد الظهر، فبادر الى تفحص مواقع العدو، فاكتشف أن العثمانيين قد أغفلوا احتلال المرتفعات القريبة منهم المشرفة على مواقعهم، وحيث وجد أن جيشه يستطيع تسلق تلك المرتفعات، حتى لا يترك للقائد العثماني فرصة لادراك أخطائه أو لاستقدام النجدات من الاسكندرية وبياس.

أما جبهة الجيش العثماني فكانت منيعة لا تنال، لأنها صعبة المرتقى متينة الاستحكامات مشحونة بالمقاتلة ولديها مدفعية قوية مسلطة على الوادي الذي تحتها ، لأن العثمانيين كانوا يحسبون ان ابراهيم باشا سيهاجمهم من تلك الجهة. أما هو فتظاهر أنه عازم على ذلك، فقام قسم من جيشه بمناورة قبالة الجبهة العثمانية أوهمت العثمانيين أنها مقدمة للهجوم المنتظر، فهتللوا لذلك نظرا لثقتهم بمناعة مواقعهم واقتدارهم على اهلاك جيش العدو بأسره دون أن يستطيع الوصول اليهم.

وبينما هم يعللون نفوسهم بالمحال، كان معظم الجيش المصري يقوم مسرعا بحركة التفاف وتصعيد حتى بلغ المرتفعاتت الواقعة فوق خنادق العثمانيين واستحكاماتهم، كما أنه احتل الطريق المؤدي الى الأناضول ليحول دون انسحاب او انهزام العثمانيين من تلك الجهة. وحالما اتخذت الجنود المصرية مراكزها سلطت نيرانها الحامية على أعدائها الذين أصبحوا تحت رحمتها، ولم يمض أكثر من ساعتين حتى تقلقلت الجنود العثمانية من مراكزها، وأركنت الى الفرار متجهة نحو الأناضول غير أن المصريين سدوا عليها باب الخلاص من تلك الجهة وكبدوهم خسائر جسيمة ، ولما لم يجدوا طريقا صالحا لمرور قوات كبيرة، تفرقوا شراذم واتجهوا نحو الاسكندرونة آملين أن يجدوا الأسطول العثماني هناك، فيلجأوا اليه غير أن أملهم لم يتحقق. وقد بلغت الخسائر العثمانيين في هذه الواقعة خمسة وعشرين مدفعا ونحو ألفي أسير، وعددا كبيرا من القتلى والجرحى. أما جيش ابراهيم باشا فكانت خسارته زهيدة جدا.

وفي اليوم التالي تقدمت الجنود المصرية الى الاسكندرونة، فملكتها بدون مقاومة واستولت فيها على أربعة عشر مدفعا وبعض الأسرى وعلى مقادير كبيرة من المؤن. ووصل اليها بعد انكسار حسين باشا سبعة عشرة مركبا عثمانيا حاملين المؤن والذخيرة للجيش العثماني، فاستولى المصريون عليها، ثم تقدمت فرسان الجيش المصري الى بياس وتغلبت على القوة العثمانية النازلة فيها، وأسرت منها ألفا وتسعمائة رجل.

وعلى أثر موقعة بيلان أرسل ابراهيم باشا الى متسلم الشام الكتاب التالي:

"افتخار الأماجد الكرام ذوي الاحترام الحاج أحمد بك. غب السلام التام بمزيد العز والاكرام نبدي اليكم انه نهار الأحد المبارك الواقع في 2 ربيع أول سنة 1248 هـ قد شرفت حلول ركابنا بالعساكر المنصورة الى مرحلة خان قراموط لأجل ضرب عساكر المحتشدين في بوغاز بيلان. وفي الساعة الستة باليوم المذكور قد تحرك ركابنا من مرحلة الخان المذكور بالعساكر المنصورة وآلة الحرب المهولة حيث ان البوغاز المرقوم المتحصنين فيه بالقرب من المنزلة التي تحول ركابنا بها، وفي الساعة التاسعة من النهار قد كانت المصادفة في عسكار الدشمان وابتدأ ضرب الأطواب عليهم، وبخصوص تحصينهم بعمل الطوابي وعسر الطرقات، وفي هذا جميعه ما أفادهم شئ سوى أنه مسافة ساعتين زمان الذي تبقى منهم بعد الذي قتلوا وانمسكوا باليد ما بين مجروح وقتيل قد فروا هاربين والنجاة طالبين مهزولين الى ناحية أدنة عند طريق اسكندرونة وتركوا أطوابهم وموجوداتهم، فعند ذلك حالا صدر أمرنا بتوجيه خيالة العساكر المنصورة الجهادية والعرب لأجل اتباع أثرهم ومسكهم جميعا بحيث انه لا ينقذ منهم أحد، وبحوله تعالى لابد من حصول المراد وتدمير الجميع، فبناء على ذلك أصدرنا لكم مرسومنا هذا لكي بوصوله تعلنوا البشائر الى جميع المقاطعات، لكي يكونوا جميعا حائزين على السرور والفرح على هذه النصرة العظيمة والمنة الجسيمة، لكيونوا دائما مداومين بالدعوات الخيرية بدوام بقاء هذه الدولة السعيدة بوجود دولة أفندينا ولي النعم والدنا عزيز مصر المعظم، فبناء على ذلك أصدرنا لكم مرسومنا هذا اعلموه واعتمدوه غاية الاعتماد".

أما ذلك القائد المنكود الحظ الذي بالأمس مناط آمال أمته وموضع ثقة مليكه، فأغدق عليه انعاماته وجعله قائدا عاما لجيشه في آسيا ولقبه مشيرا أكروم وسماه حاكما على مصر وكريت والحبشة، ذلك القائد الذي كان حتى ساعة نشوب المعركة واثقا بالنصر المبين وبانزال القضاء المبرم بالجنود المصريين، لم تمض ساعاتان منذ نشوب نار القتال حتى أمسى شديدا طريدا بين المضايق والآكام فلم يقفوا له بعد الوقعة على أثر ولا سمع عن مصيره الحقيقي أي خبر.

لكن شاعت عنه شائعات، ولم يمكن على ما نعلم اثبات صحة واحدة منها. فاحدى هذه الشائعات هي أنه فر مع حاشيته ومعه أموال وقسم من أموال الجيش، فاستأجر مركبا يونانيا لهم جميعا ولما درى ربان المركب بما لدى ركابه من الأموال طمع فيها فأنزل الباشا وأتباعه في جزيرة صغيرة وأخذ المال لنفسه. فهذه الشائعة عليها مسحة القصص الموضوعة كقصة السندباد البحري، أما الشائعة الثانية فهي أنه لجأ الى احدى البلدان الصغيرة في جهات برصة وقضى بقية حياته مجهولا، وهذا غير معقول عن رجل ذائع الشهرة في المملكة معروف لدى الألوف من الأتراك لو شاء كتمان أمره لما اختار الاقامة في بلاد قريبة من دار السلطنة كبرصة وما جاورها. وقال آخرون أنه فنى الى الطونه. فاذا صح أنه بقى حيا بعد معركة بيلان وفر ومعه الأموال الطائلة فغير مستبعد أن يكون قد طمع رجاله بأمواله، ففتكوا به في أثناء انهزامه ليلا في تلك البلاد الموحشة وأخفوا أثره وكتموا عن الغير خبره.

موقعة قونية في 21 كانون أول (ديسمبر) سنة 1832
ان الانتصار في موقعة بيلان مكن ابراهيم باشا من الاستيلاء على الاسكندرونة فبياس وسلمت له أنطاكية واللاذقية والسويدية ، وتقدم جيشه الى منطقة أدنة فاحتل طرسوس، وفي 27 تموز (يوليه) سنة 1832 دخل مدينة أدنة. وبالاستيلاء على أدنة وما جاورها من البلاد الغنية بالأخشاب التي كان محمد علي شديد الحاجة اليها لأعماله الصناعية، وبعد وصول الجيش المصري الى جبال طوروس الحد الطبيعي ما بين سوريا والأناضول، بلغ ابراهيم باشا الغاية التي كان يرمي اليها والده فوقف عن التقدم منتظرا الاوامر من مصر، لأن محمد علي كان يظهر للدولة العثمانية بعد كل انتصار رغبته في المسالمة.

والتريث في هذه المرة وعدم التوغل في الأناضول فورا قبل التثبت من الخطة التي تتخذها الحكومة العثمانية كانا مما يقتضيه حسن السياسة والحكمة، ولم يكن في التريث خطر على مصلحة محمد علي، لأن الجيش العثماني كان قد أصبح عاجزا عن اتخاذ خطة هجومية عاجلة بعد أن حل ما محل فيه من القتل والأسر والتشريد وفقدان قائده العام، كما أن الجيش المصري كان في حاجة الى الراحة التي لم يذق لها طعما منذ حمص. بينما اتساع البلاد التي افتتحها ووجوب المحافظة عليها، كانت تقضي بتوزيع الحاميات في جهات مختلفة، والحصول على امدادات جديدة وعلى كميات وافرة من الميرة والذخيرة والمهمات الحربية.

فبعد ما وصل ابراهيم باشا الى أدنة جمع معظم جيشه فيها، ووجه فرقة مؤلفة من آلايين من الجنود المشاة وقوة من الخيالة غير المنظمة، فاستولوا على مدينة أورفا ليراقبوا الطريق الممتد من أرزروم وسيواس فديار بكر، واحتلوا مدينةمرعش ليقفوا على حركات العدو في تلك الجهة من جبال طوروس. وكانت معظم مواصلاته مع القطر المصري بعد احتلال أدنة بواسطة السفن.

وظهر من حركات العثمانيين في هذه الأثناء أنهم لا يزالون مصرين على العدوان فحصنوا "تشفت خان" وتأهبوا لتحصين "أولو قشلاق" وكانت كل الظواهر تدل على السعي الى حشد جيش جديد. وعليه لما استوفى جيش ابراهيم باشا نصيبه من الراحة، وخفت عنه وطأة المرض الذي كان منتشرا فيه، واستكمل المعدات اللازمة لاستئناف الزحف الى الأمام، وجهت بعض الطلائع في 18 جماد الأول سنة 1248 هـ = 14 تشرين أول (أكتوبر) سنة 1832 م لاستكشاف مضايق جبل طوروس التي كان يحتلها الأتراك، وكانت هذه القوة مؤلفة من فرتقين احداهما نظامية تقدمت الى نمرود، والثانية غير نظامية تقدمت الى تشفت خان لتقوما بحركة التفاف حول موقع الأعداء، فاضطر هؤلاء عندما شعروا بحركات الجيش المصري الى الانسحاب من مواقعهم الى أركلي، ثم أخلوا أركلي أيضا فاحتلتها طليعة الجيش المصري، ومكث فيها من عشرين تشرين أول إلى 12 تشرين ثاني (نوفمبر) سنة 1832.

موقعة قونية: ثم ان هذه القوة أخذت من المؤمن والعلوفة ما يكفيها ستة أيام وسارت الى قونية، وكانت قد تقدمت الى تلك المدينة ايضا فرقة غير نظامية عن طريق كرمان، وبعد ذلك تبعتهما بقية الجيش امرتبة مشاته في خمسة صفوف متوازية. أما المدافع فوضعت في الوسط، بينما الخيالة سارت على جانبي الجيش ، وبارحت هذه القوة كورخان في 17 تشرين ثاني (نوفمبر) سنة 1832. أتصل بابراهيم باشا ان الاتراك أخلوا قونية، فوجه قوة الخيالة ومعها اثنا عشر مدفعا وأمرها أن تجد السير وتستولي عليها، فصدعت بالأمر واستولت على قونية بدون مقاومة، واستحوذت على كميات وافرة من الميرة والذخائر وعدد من المدافع.

وفي 18 تشرين الثاني (نوفمبر) أنفذت قوة من الفرسان مؤلفة من أربعة آلايات ومعهم البدو و12 مدفعا ليتعقبوا الأتراك في طريق "أك شهر" فلما أدركوهم جرت بينهم مناوشة، أخذ المصريون في أثنائها بعض الأسرى وعادوا الى قونية. واتخذ ابراهيم باشا الحيطة لوقاية جيشه من هجوم عثمان باشا الذي كان يقود الجنود العثمانية في سيواس، فأنفذ في 9 كانون أول (ديسمبر) سنة 1832 من أركلي الى قيسارية لواء من الخيالة وبعض كتائب من المشاة وبطارية من المدافع بقيادة محمد بك ، لصد قوة عثمان باشا عند اللزوم، ورأى بعين بصيرته امكان حصول الموقعة الكبرى في قونية ، فأخذ في درس الخطة التي سيتبعها، وتفحص الجهات المحيطة بها بكل دقة وعمد الى تمرين جيشه على الحركات في الأماكن التي فرض انها ستكون ساحة النزال، حتى أصبح الجيش بأسره عارفا تلك الأماكن، وألف الحركات التي سيقوم بها متى اصطلت نار القتال.

وفي 18 كانون أول (ديسمبر) ظهرت طلائع الجيش العثماني على مسيرة ساعة ونصف الى غربي قونية، وكان يقودها رءوف باشا، فجرت بينها وبين قوة من الجيش المصري يقودها ابراهيم باشا مناوشات تغلب فيها ابراهيم باشا واستولى على ثمانية أعلام وستة مدافع ووقع في يده ألفا أسير. وتجدد القتال في اليوم التالي عند خان واقع على طريق "لادك" فانهزمت الخيالة العثمانية التي بقيت محاصرة في الخان البالغ عددها سبعمائة وخمسين مقاتلا ومعها كريدلي أوغلو محمد باشا بلا شرط ولاقيد. وفي مساء اليوم نفسه حضر الى المعسكر المصري ما بين خمسمائة وستمائة من الأرناؤوط عارضين تطوعهم للخدمة في الجيش المصري.

وفي عشرين كانون أول تحقق ابراهيم باشا أن رشيد باشا الصدر الأعظم قائد الجيش العثماني العام أخذ يتقدم نحو قونية وصار على مقربة منها، فتهيأ الجيش المصري لخوض معركة عامة. وكانت قوته لا تزيد على ثلاثين ألف مقاتل مؤلفة من خمسة آلايات من المشاة يشتمل كل واحد منها على أربع كتائب مع ستة آلايات خيالة، وست بطاريات جملة مدافعها ستة وثلاثون مدفعا يتبع ذلك بعض البدو وغيرهم من الجنود غير المنظمة.

وربما خيل للقارئ أن ابراهيم باشا كان مخاطرا بنفسه مغررا بجنود لتوغله بجيش صغير في بلاد الأناضول معقل الأتراك الأشداء على أن الخطر والتغرير كانا بعيدين عنه، لأن أهل الأناضول كانوا شديدي الاستياء من حكامهم، لماكانوا يعانون من عسفهم واستبدادهم وسوء ادارتهم وفساد أخلاقهم، كما أنهم كانوا ناقمين على السلطان محمود لتوهمهم أن مشاريعه الاصلاحية المبنية على الأنظمة الغربية مخالفة للنصوص الدينية، وكان كثيرون منهم يعتقدون أن محمد علي وابراهيم باشا انما يذودون عن حوزة الدين، ويبغون انقاذهم من مخالب الظلم، وان يبسطوا فوقهم رواق العدل، وينشروا رايات الأمن. ولهذه الأسباب كانت ترد على ابراهيم باشا العرائض من أهل الولايات المختلفة يدعونه فيها الى القدوم اليهم وبسط سلطته عليهم.

هكذا كانت حالة الأناضوليين قبل مصادمة الجيشين في قونية. أما الجيش العثماني، فكان مؤلفا من نحو ستين ألف مقاتل، فيها فرق قوية من الخيالة وعدد كبير من المدافع، غير أن جنوده كان يعوزها التدريب والحنكة، كما أن قائده رشيد باشا الذي كان محمود الصفات معروفا بالبسالة والاقدام، لم يكن واسع الاختبار بالفنون العسكرية الحديثة، ولا به الكفاءة لمنازل قائد قدير كابراهيم باشا.

وفي 21 كانون أول (ديسمبر) سنة 1832 رتبت الجنود المصرية في مراكزها واستعدت للقتال، وكان يسترها حجاب كثيف من الضباب، وكانت الجنود العثمانية تتقدم نحوها في الوقت عينه مرتبة ترتيبا حسنا، غير أن رشيد باشا أخطأ في توزيع مدافعه، كما أخطأ محمد باشا قبله في موقعة حمص، اذ انه بدلا من جمعها صفوفا لتكون نيرانها المجتمعة شديدة التاثير، وزعها بين كتائب جيشه فاختص كل كتيبة بمدفعين.

ولما صار الجيش العثماني على بعد نحو خمسمائة متر من الجيش المصري، بدأ في اطلاق النيران وهو يكاد لا يرى العدو الذي بقى ملازما السكون والسكوت فجرأه ذلك على التقدم، فاندفع المصريون اليها بينما كانت مدفعيتهم تصب قنابلها على جموع العدو صبا شديدا، وهاجمت خيالتهم الخيالة العثمانية بمنتهى الشدة فردتها على أعقابها ، ثم انها وجهت هجومها على مشاة العثمانيين، وساعدتها مشاة فرقة الحرس، فأكرهت المشاة العثمانيين على التسليم. أما ميمنة الجيش العثماني فكانت قد احاطت بميسرة الجيش المصري، ففتكت المدفعية المصرية بميسرة وقلب فرق الخيالة العثمانية الهاجمة فتكا ذريعا قبل أن تشتبك ميمنتها في قتال عنيف، وتمكنت ميسرة المصريين التي أنجدتها المدفعية الاحتياطية من الثبات في مواقفها رغما عن هجمات العثمانيين المتوالية. وكان رشيد باشا قد شاهد التضعضع الذي طرأ على صفوف خيالته، فأسرع نحوها ليلم شعثها، غير أن تكاثف الضباب جعله يضل الطريق وأوقعه في أيدي البدو التابعين للجيش المصري، فأحاطوا به وقادوه مسرعين الى ابراهيم باشا. فلما ذاع بين العثمانيين خبر أسر قائدهم وانكسار ميسرة جيشه ، توقف الباقون عن مواصلة القتال، وأسرعوا في الانسحاب.

ان انتصار ابراهيم باشا في موقعة قونية أعظم انتصار ناله منذ ابتداء زحفه على سوريا وكانت خسائر الجيش العثماني في هذه الموقعة ثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف أسير واثنين وتسعين مدفعا. أما جيش ابراهيم باشا فبلغت خسائره مائتين واثنين وستين قتيلا وخمسمائة وثلاثين جريحا. وقد كان لهذا الانتصار دوي عظيم في جميع أنحاء السلطنة العثمانية، وخصوصا في بلاد الأناضول، حيث قدم من أنحائها المختلفة الوفود لتقديم خضوعهم لابراهيم باشا، ولو شاء حينئذ لاستولى على ما بقي من البلاد بدون قتال، ولو واصل الزحف الى الآستانة لما لقي في طريقه مقاومة، وان كان يصعب التكهن عما يعقب وصوله اليها من الحوادث الخطيرة، نظرا لما في الاستيلاء على الآستانة من تصادم المصالح وتضارب السياسات.











من قونية الى كوتاهية
مكث ابراهيم باشا في قونية الى 20 كانون ثان (يناير) سنة 1833، ثم نهض بجيشه نحو الآستانة فاحتل كوتاهية بدون أن يلقى مقاومة. ولابد من التساؤل عن سبب تأخره نحو شهر قبل الزحف على عاصمة السلطنة، فلو كان غرضه الحقيقي الاستيلاء على الآستانة لكان من الواجب ان يجد في أثر العدو المنهزم حتى لا يترك له فرصة ليلم شعثه ويستفيق من روعة الانكسار.

نعم ان من المعقول ان يتريث جيش منتصر في موقعة كبرى عن مواصلة الزحف في بلاد عدوه حتى يعيد تنظيم صفوفه، ويستكمل ما يلزمه من الميرة والذخير وغيرها، لكن موقعة قونية على أهميتها لم تستغرق وقتا طويلا ، لأن وقوع رشيد باشا فجأة في الأسر وتخاذل رجال جيشه ونكوصهم عن القتال حالما بلغهم ذلك، كفى المصريين شر عراك عنيف، وحال دون تكبدهم خسائر جسيمة ومتاعب عظيمة تستدعي طوال الاستراحة واعادة تنظيم الصفوف. وكان معلوما أن الدولة العثمانية ليس لديها مدد جديد، كما أن قلوب أهل البلاد كانت متغيرة على السلطان محمود وحكومته، وعرتهم الدهشة من انتصارات ابراهيم باشا الباهرة وأعجبوا غاية الاعجاب بما أوتيه من الحزم والاقتدار. وكان لا يزال شائعا بينهم أنه انماكان يدافع عن حوزة الاسلام للمسلمين من سلطان مرق من ربقة الدين وفتنته زخارف مدينة الغربيين.

فمتى استعرضنا هذه الأمور اتضح لنا أن تريث ابراهيم باشا في قونية، لم يكن ناشئا عن خوفه من قيام أهل البلاد عليه أو من اصطدام جيشه في أثناء زحفه الى الآستانة بجيش عثماني أقوى منه، بل كان هنالك أسباب سياسية منشأها تضارب سياسة محمد علي والسياسة الأوروبية نخص منها سياسة روسيه وإنكلترا، فالأولى وهي الطامعة بالآستانة والبواغير لا ترضى عن قيام حكومة قوية في عاصمة آل عثمان، تقطع أملها بالحصول على ميراث قريب. أما إنكلترا فلم يرق لها انتصار ابراهيم باشا ، لأنها كانت تخشى أن يؤدي تقدمه الى الآستانة الى تدخل الروسيه تدخلا عسكريا يهدد مصالحها في البحر المتوسط، ولو فرض احجام الروسيه، عن التدخل، فان احتلال الآستانة ربما قاد محمد علي الى الطمع في عرش آل عثمان، والى اقامة دولة فتية على شواطئ البحر المتوسط، وفي طريق الهند تحارب الغربيين بسلاحهم، وتدعو العالم الاسلامي الى التجدد ، وتبث مبادئ الاستقلال في نفوس المسلمين في كل مكان.

ان ذلك لو تم لكان خطره شديدا على مصالح الانكليز في الشرق، فالمشاكل السياسية التي لها هذه الخطورة كان حلها منوطا بمحمد على الجالس على ضفاف النيل. وهذا الذي أقعد ابراهيم باشا عن مواصلة الزحف نحو الآستانة بعد موقعة قونية ودعاه الى انتظار تعليمات والده للعمل بموجبها، ولا يستبعد أن زحفه بعد ذلك على الآستانة لم تكن غايته الاستيلاء عليها، بل تهديد السلطان لاكراهه على قبول مطالب محمد علي، وحمل الدولة الأوروبية على تأييد تلك المطالب تفاديا من تطاير شرر الحرب اليها.

ان توغل ابراهيم باشا في الأناضول أبلغ النزاع بين السلطان محمود ومحمد علي درجة دقيقة جدا جعلته ذا صبغة سياسية عامة، وأصبحت تسويته خاضعة لمقتضيات السياسة الأوروبية. فالروسيه أظهرت التحيز لجانب الدولة العثمانية منذ ابتداء النزاع، واغتنمت فرصة تقدم جيش ابراهيم باشا في بلاد الأناضول لعرض مساعدتها على السلطان محمود لأجل حماية الآستانة، لأنها كانت تخضى أن يؤدي انخذال تركيا الى ترتيبات جديدة تخالف مطامعها، وتقلل من نفوذها في الآستانة. بينما فرنسا وهي ذات ضلع مع محمد علي كانت قبل حصول موقعة قونية، قد تدخلت في أمر الصلح بين السلطان محمود ومحمد علي وعرضت مطاليب هذا الأخير، غير أن السلطان رفض قبول وساطة فرنسا في الأمر.

أما بعد انتصار قونية وما أحدثه من اضطراب الافكار في الآستانة، ونشاط الروسيه الى مفاوضة السلطان، احتجت انكلترا وفرنسا على الاتفاق بين روسيا والسلطان محمود، وثار ثائر العلماء في الآستانة على اقتراحات روسيه، وكان الباب العالي أيضا يقاومها. أما السلطان فتمسك بصداقة الروسيه، وكان الباب العالي أيضا يقاومها. أما السلطان فتمسك بصداقة روسيه، لكنه أذعن أخيرا الى مشورة وزرائه بارسال مندوب خاص الى الاسكندرية لمفاوضة محمد علي، ثم ان الجنرال مورافيف الروسي غادر الأستانة قاصدا الى الاسكندرية لمفاوضة محمد علي، وقبل سفره طلب الى ابراهيم باشا ألا يتقدم بجيشه بل ينتظر عودته من الاسكندرية.

وصل الجنرال مورافيف الى الاسكندرية في 13 كانون ثان (يناير) سنة 1833، وكانت خلاصة مفاوضاته مع محمد علي ايقاف الزحف على الآستانة، والاهتمام اهتماما جديدا في مصالحة السلطان، وقال له بلهجة لا تخلو من التهديد ان الروسيه لا تسمح بتجزئه السلطنة العثمانية التي ترمي اليها مطامعه. واتخذت النمسا اللهجة نفسها في مخاطبة محمد علي لا مجازاة للروسيه بل منعا لاتساع الخرق بين السلطان محمود ومحمد علي، لأن ذلك يمهد السبيل لتدخل الروسيه لمصلحة السلطان ، ولازدياد نفوذها في الآستانة، وتسلطها على سياسة الدولة العثمانية ، وهو مالا يتفق مع مصالح النمسا.

أما مندوب السلطان فاستقبل في الاسكندرية بالحفاوة والاكرام، ووافق محمد علي باشا على المبدأ الذي اقترحه الباب العالي، وهو تسوية الخلاف ما بين الآستانة ومصر مباشرة بدون تدخل الأجانب، وأرسلت نتيجة المفاوضات الى الآستانة. وكان محمد علي بعد المفاوضة مع الجنرال مورافيف قد أنفذ أمره الى ابراهيم باشا ليوقف الزحف على الآستانة، لكنه لم يفتر عن ارسال النجدات الى سوريا حتى يبقى موقفه العسكري مكينا فيما لو أخفقت المفاوضات السلمية. أما ابراهيم باشا فصدع بأمره والده ووقف بجيشه في كوتاهية، رغما عن ذلك بقى السلطان مواصلا المفاوضات سرا مع روسيه، كما أن هذه بادرت الى ارسال أسطولها الى مياه الآستانة فرسا هناك في 20 شباط (فبراير) سنة 1833، ووجهت جيشا بريا فنزل على ضفة البوسفور الآسيوية، وجهزت جيشا آخر لنجدته عند اللزوم، زاعمة أن نزول ابراهيم باشا بجيشه على مقربة من الآستانة قد يحدث الاضطراب فيها.

أما فرنسا وانكلترا فكانتا متفقتين حينئذ في سياستهما، وكانتا تسعينان الى التوفيق بين السلطان ومحمد علي، والى مقاومة مطامع الروسيه - وكانت فرنسا نظهر اهتماما خاصة بحادث الشرق الأدنى، فأنفذت سفيرا الى الآستانة البارون روسان فبادار الى الاحتجاج على اقامة الاسطول الروسي والجنود الروسيه في المياه والاراضي العثمانية. وطلب الى السلطان ارجاعها الى حيث أتت، ثم دارت المفاوضات بينه وبين الحكومة العثمانية، ثم مع محمد علي.

ونظرا لحداثة عهده بالسفارة والسياسة الشرقية، وعدم وقوفه على دقائق المسألة وتفصيل المفاوضات التي جرت بين الباب العالي ومحمد علي، تسرع في عقد اتفاق مع الباب العالي خلاصته أن السلطان قبل مساعي دولة فرنسا لحسم النزاع بينه وبين تابعه محمد علي باشا، على شرط عودة محمد علي الى طاعة السلطان، فيقبل السلطان طاعته ويعفو عنه ويمنحه الحكم على بلاد عكا والقدس ونابلس وطرابلس الشام ويرفض كل نوع من المساعدات الأجنبية، ومتى نفذ السلطان هذا الشرط الأخير يتعهد السفير باسم ملك فرنسا بامضاء اتفاق بوجه السرعة بالشروط المتقدم بيانها، ثم ان السفير خاطب محمد علي ملحا عليه بوجوب قبول الشروط الآنفة الذكر، فرفض محمد علي اقتراحات السفير، وتحرج الموقف بينه وبين قنصلتي إنكلتراة وفرنسا العامين في مصر بسبب ذلك.

والكتابان التالين اللذان كتبهما بهذا الشأن يوضحان خطورة الحالة وثبات جأش محمد علي بازاء المصاعب وجرأته في مقاومة ممثلي الدول العظمى.

فالكتاب الأول وجه محمد علي الى قنصلي إنكلترا وفرنسا في مصر وهو:

"انما بما لي من القوة التي استمدها من شعبي ومن القانون المقدس، والفتاوى الشرعية الموجهة الي من جميع علماء البلاد العربية وبر الأناضول، قد أصبح من واجبي الذي لا محيد عنه أن أوطد أركان حكومتي ومكانة قومي بجميع الوسائل. وما تلك الوسائل سوى الحصول على كل البلدان التي أطلبها وهي البلاد التي استوليت عليها. وبما أني قد بذلت في سبيل ذلك وقتا طويلا وجودها جهيدة، فمن الواجب على الأقل أن يتركوا في هذا الكون شيئا من الشهرة، ولن يحملني حب الراحة على ارتكاب عار التخلي عن شعبي الذي وضع كل ثقته بي، بل اني سأكون سعيدا بأن أموت شريفا في سبيله، فأرجو والحالة هذه من دولتي إنكلترة وفرنسا أن تتخذا نحوي قرار مطابقا للعدالة والانصاف ولمصالحهما الخاصة".

أما الكتاب الثاني وهو مؤرخ في 8 مارس سنة 1833 فكان جوابا على رسالة وردت عليه من البارون روسان سفير فرنسا لدى الباب العالي وهذه ترجمته:

"قد اعترضت علي يا سعادة السفير في رسالتك المؤرخة في 22 شباط (فبراير) بأن لا يحق لي بالمطالبة فيما سوى بلاد عكا، والقدس ونابلس وطرابلس الشام، وأنه يجب علي والحالة هذه أن أسحب جنودي حالا، وقد أنذرتني بسوء العاقبة فيما لو رفضت ذلك، كما أن حاجبك قد أبلغني شفاها بناء على التعليمات التي زودته بها أني اذا بقيت مصرا على مطالبي، سيتظاهر الاسطولان الإنكليزي والفرنساوي، أما الشواطئ المصرية. فيا سعادة السفير بأي حقل تعمل هكذا على تجريدي مما غنمته؟ ان شعبي بأسره يعضدني ما علي الا أن أحرض أهل الروملي والأناضول ليثوروا، ولو شئت لتمكنت بمساعدة الشعب العثماني من احداث حدث جديد. فبينما أسيطر على ولايات عديدة والنصر حليفي في كل المواقع، قد اكتفيت بأخذ سوريا التي أقيم فيها بقوة السلاح وتأييد الرأي العام. كما أني قد اكتفيت بأخذ سوريا التي أقيم فيها بقوة السلاح وتأييد الرأي العام. كما أني قد أوقفت جنودي عن التقدم ولا قصد لي سوى عدم اراقة دم الأتراك عبثا، وحتى أتمكن من تعرف راي الدول الأوروبية. فكانت المكافأة على حلمي هذا وعلى الضحايا التي قدمها شعبي الذي مكنني بمساعدته الفعالة من الحصول على انتصارات باهرة، كانت المكافأة على كل ذلك أن أطالب الآن بالتخلي عن البلاد التي احتلها، وأن أسترجع جيشي الى منطقة صغيرة يسمونها باشاوية! الا ترون أنكم بذلك تصدرون علي الحكم بالموت السياسي؟ ان لي وطيد الأمل بأن فرنسا وإنكلترا لا تأبيان معاملتي بالانصاف والاعتراف بما لي من الحقوق. ان شرفهما يقضي بذلك. أما اذا كنت مخدوعا فيما أملت فاني سأطيع قضاء الله لا غير، وسأفضل الموت على احتمال الضيم وسأقدم نفسي بكل ابتهاج فدى لمصلحى قومي، وأشعر بأني سعيد بأن أخدمهم حتى أغيب في لحدي. هذا هو قراري الذي وطنت النفس عليه وقد روى التاريخ أكثر من شاهد واحد في مثل هذه المفاداة".

فلهجة محمد علي الحازمة، وتدخل الروسيه، تدخلا عسكريا راع النمسا وإنكلترا وفرنسا، فألححن على السلطان محمود بوجوب عقد الصلح وقبول مطاليب محمد علي، ولم تجد الروسيه مناصا من مواقفة سائر الدول على ما طلبته من السلطان. كماأنه لم يسع السلطان بعد أن غلب على أمره في ميداني السياسة والقتال الا القبول باضافة سوريا واقليم أدنة الى دائرة حكم محمد علي.

وعلى أثر ذلك صدر خط شريف في 16 ذي الحجة سنة 1247 هـ = 6 أيار (مايو) سنة 1833 م، قاضيا بتأييد حكم محمد علي باشا على مصر وكريت، ومنحه الحكم على سوريا ومنطقة أدنة، مع تجديد ولاية ولده ابراهيم باشا على جده وتليقه شيخ الحرم المكي، وجعله محصلا لاقليم أدنة، وفي 24 ذي الحجة سنة 1248 هـ (14 أيار سنة 1833م) عقد اتفاق كوتاهية بين السلطان محمود ومحمد علي، فوقعه البارون روسان سفير فرنسا في الآستانة بالنيابة عن السلطان، وابراهيم باشا بالنيابة عن والده، وبمقتضى هذا الاتفاق الذي بني على أساس الخط الشريف تعهد محمد علي بأن يدفع عن سوريا الأموال التي كان يدفعها الولاة السابقون، وأن يسحب جنوده من الأناضول الى البلاد التي وضعت تحت حكمه.

أما روسيا فاغتنمت فرصة ضعف تركيا واستيائها من إنكلترا وفرنسا لاحجامها عن نجتدها، والحاحها عليها بالتسامح مع محمد عي، فعقدت معها في 8 تموز (يوليه) سنة 1833 معاهدة "خنكار إسكله سي" التي تعد بمثابة بسط الحماية الروسيه على المملكة العثمانية كما يتضح من المادة التالية.

"انه نظرا لشدة رغبة جلالة امبراطور الروسيين في استمرار وثبات الدولة العثمانية مستقلة استقلال تاما، يتعهد جلالته أن يقدم للباب العالي عند الحاجة للدفاع عن الأملاك العثمانية برا وبحرا، الجنود والقوات التي يرى الفريقان المتعاهدان أنه لازمة لذلك".

وأضيف الى هذه المعاهدات مادة سرية هذه ترجمتها:

"بمقتضى احدى فقرات المادة الأولى من المعاهدة الدفاعية الحاضرة المنعقهدة بين الحكومة الامبراطورية الروسيه، والباب العالي، يتعهد الفريقان المتعاقعدان تعهدا متبادلا أن يقدم كل منهما للآخر معونة جوهرية ويساعده أشد مساعدة على صيانة ممتلكاته. لكن نظرا لرغبة جلال امبراطور الروسيين في عدم تكليف الباب العالي العثماني القيام بالنفقة أو تجشم المشقة بسبب تقديم المعونة الجوهرية، فان جلالته لا يطالب الباب العالي العثماني بتقديم تلك المعونة فيما لو قضت الأحوال بتقديمها طبقا لتعهداته، انما بدلا من المعونة المكلف بالقيام بها عند الحاجة طبقا لمبدأ التبادل المنصوص عنه في المعاهدة، يحصر الباب العالي عمله لمصلحة الحكومة الامبراطورية الروسيه في اقفال بوغاز الدردنيل أي في ألا يسمح لاية سفينة حربية أجنبية أن تدخله بأية حجة من الحجج".

فهذه المعاملة الشديدة الضرر بالدول الأوروبية وبالدول البحرية منها خصوصا أثارت غضب واحتجاج تلك الدول، وزادت إنكلترا تشددا في سياستها المضادة لمحمد علي لتجتذب تركيا نحوها وتبعدها عن الروسيه، واتحدت فرنسا معها على مقاومة السياسة الروسيه.


 
التعديل الأخير:
2_2_2_2012_45_10.jpg


جدى الكبير الله يرحمك يا جدى :D
 
فى ظل الاحتلال العثمانى فقدت مصر كيانها المستقل، ليبدأ عصر جديد من عصور التبعية لقوة خارجية ، فأصبحت مصر ولاية فى دولة كبرى مركزها استنبول على مضيق البسفور، وبعد أن استمرت القاهرة لعدة قرون المركز الحضارى والسياسى الأول فى المشرق العربى والإسلامى فى ظل الدولة الفاطمية ,الأيوبية و المملوكية، ذوت لتصبح مجرد عاصمة لولاية يديرها باشا مبعوث من قبل السلطان العثمانى - و غادر مصر لسنوات عدد من أمهر صناعها وحرفيها ومبدعيها، علاوة على عدد من شيوخها وفقهائها ومفكريها، ليبدأ عصر ظلام وجمود طويل فى تاريخ مصر.


بالاحتلال العثمانى ضاع من مصر استقلالها و أصبحت ولايه تابعه للسلطان العثمانى فى الاستانه و أصبح حاكم مصر مجرد والى تابع للباب العالى. حيث انهم كانوا يعمرون تركيا على حساب مصر و بلاد الشام ونهبوا تراث مصر الثقافى بما فيه المخطوطات التاريخية و خلعوا ابواب و ارضيات المبانى و نقلوها هى و اعداد ضخمه من الفنانين والحرفيين و التجار و الأعيان الى تركيا - و استولى العثمانيين الغزاه على أموال المصريين بالمكوس و الضرائب ودخلت مصر فى كبوه كبيرة.و تدهورت احوالها الثقافيه و بعد ما كانت فى العصر المملوكى دوله مستقله متقدمه و متطوره أكتر من اوروبا نفسها , أصبحت دوله محتله تابعه للباب العالى الإستانبولى و اضمحلت احوالها و تقهقرت ثقافتها و كانت فترة حالكة الظلمة والسواد وكانت مصر مجرد حديقة خلفية لتركيا و قُطع الطريق على التحولات الاجتماعية التى كانت اّخذه فى التطور فى مصر، والتى كان يمكن أن تخرج البلاد من أزمتها التاريخية وتنتقل بها إلى عصر جديد، فأتى الاحتلال العثمانى ليجمد الوضع الاجتماعى لعدة قرون أخرى، وليستنزف فوق ذلك موارد مصر الاقتصادية لصالح الخزانة العثمانية أما مكمن الخطورة الثانى فكان التوقيت الذى احتل فيه العثمانيون مصر، لقد احتل العثمانيون مصر فى لحظة كان العالم فيها يعيش فى مفترق طرق بين عصرين، وقد نجح الغرب فى كسر الحاجز والانتقال إلى عصر جديد، بينما بقى المشرق فى ظل الاحتلال العثمانى جامدا فى مكانه. و لم تفق مصر من غيبوبتها الا على اصوات المدافع الفرنسية بعد وصول حملة نابوليون ,حيث أنه و قبل ما تقع فى ايدى الاستعمار العثمانى كانت مصر من أعظم الأمم فى العالم من جهة الحضاره وكانت التجاره العالميه بين آسيا و بين اوروبا تتقابل فى القاهره و الاسكندريه. وكانت مصر على اتصال بأوروبا لكن المستعمر العثمانى منع الاتصال وجعل من مصر بلاد معزوله وعاشت مصر فى تخلف ثقافى وحضارى معزوله دون أن تستفيد من النهضه التى كانت وقتها فى اوروبا


و مما يدلك أن مصر لم تكن موجودة فى فترة الإحتلال العثمانى أن مدرسة التأريخ المصرية التى قادها مؤرخون كبار من أمثال المقريزى وابن تغرى و ابن إياس وغيرهم اختفت ولم يظهر فى مصر مؤرخ فى تلك الفترة إلى أن ظهر الجبرتى مع بعد بداية إنقشاع العثمانية ووصول نابليون إلى مصر.


لقد كان وقع الكارثة فادحا على وجدان المصريين - و هذا تصور النخبة الفكرية فى مصر لما حدث

فوصف المؤرخ المصرى محمد بن أحمد بن إياس الغزو العثمانى لمصر شعرا، فقال:

الله أكبر إنها لمصيبة وقعت بمصر ومالها مثل يرى
ولقد وقفت على تواريخ مضت لم يذكروا فيها بإعجاب ما جرى

وفى شعر اّخر يقول :

" نوحوا على مصر لأمر قد جرى - من حادث عمت مصيبته الورى "

" أين الملوك بمصر من طلعاتها - مثل البدور تضىء و كانت أنوارا "

" يا لهف قلبى للمواكب كيف لم - نلقى بقلعتها الحزينة عسكرا "

" لهفى على ذاك النظام و حسنه - ما كان فى الترتيب منه أفخرا ".

و يقول أيضا :

" زالت محاسن مصر من أشياء قد .. كانت بها تزهو على كل القرى "


وفى موضع آخر من تاريخه المعروف باسم « بدائع الزهور » فى وقائع الدهور يقول ابن إياس:

« ومن العجائب أن مصر صارت نيابة بعد أن كان سلطان مصر أعظم السلاطين فى سائر البلاد قاطبة.. ولكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها. وأشيع أن ابن عثمان خرج من مصر وبصحبته ألف جمل محملة ما بين ذهب وفضة، هذا خارجا عما غنمه من التحف والسلاح والصينى والنحاس المكفت والخيول والبغال والجمال وغير ذلك، حتى نقل منها الرخام الفاخر، وأخذ منها من كل شىء أحسنه، ما لا فرح به آباؤه ولا أجداده من قبله أبدا ».

ويقدم بعض الرحالة الأوروبيين صورا مماثلة لما أحدثه الغزو العثمانى بمصر، وكيف أضحت هذه المملكة الضخمة مجرد ولاية فى الإمبراطورية العثمانية، وكيف نقل سليم أروع كنوز مصر، حتى قطع الرخام ليستخدمها فى تجميل قصوره.

و يلخص شاعر وفقيه مصرى هو الشيخ بدر الدين الزيتونى أحد نواب القضاة الشافعية - وكان شاعرا وزجالا وأدبيا إلى جانب اشتغاله بالقضاء. انتصار العثمانيين واستيلائهم على البلاد، فيقول:

نبكى على مصر وسكانها قد خربت أركانهـا العامرة
وأصبحت بـالذل مقهورة من بعد ما كانت هى القاهرة

وهذا شاعر آخر من شعراء القرن العاشر الهجرى هو الناصرى محمد بن قانصوه بن صادق، يصف الحوادث قائلا:

كـان فى مصـر مـلوك أظهـروا فيهـا العجـايب
ذهـبوا عـنها وصـارت دورهــم فيهـا خـرايب
وهى أضــحت بعد عـز قــرية فى حكـم نـايب


صراحة أنا فخور جدا بما قام به الجيش المصرى .
 
عودة
أعلى