صليبية الأطفال ... حملة الأطفال الصليبية

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,778
التفاعل
17,896 114 0
صليبية الأطفال ... حملة الأطفال الصليبية

عن موقع قصة الإسلام


من الأمور المؤكدة أن الروح الصليبية ظلت تحرك الغرب الأوروبي خلال العصور الوسطى، بل وضمنت لها قطاعات لم يسبق لها الإسهام في تاريخ الحروب الصليبية وخير مثال دل على ذلك، نجده في صورة حملتي الأطفال الصليبية Children's Crusade عام 609هـ / 1212م.

أسباب حملة الأطفال الصليبية
بعد فشل الحملة الصليبية الرابعة خرجت من أوروبا الغربية حملة عجيبة هي تلك التي عرفت باسم "صليبية الأطفال Children's Crusade". وهي حركة جاءت تعبيرا عن التدين العاطفي الذي ملك على الأوروبيين عقولهم في تلك الأثناء، كما كانت بمثابة رد الفعل الشعبي لفشل البابوية وحكام أوروبا في أخذ مدينة القدس.

صليبية الأطفال من فرنسا
وقد خرج من طيات هذه الموجة الدينية الجارفة صبي فرنسي في الثانية عشرة من عمره اسمه ستيفينStephen من مدينة كلوي Cloyes الصغيرة في إقليم أورليانز. وفي أحد أيام شهر مايو سنة ١٢١٢م / 609هـ ظهر هذا الصبي الراعي أمام بلاط الملك الفرنسي فيليب أغسطس في لمعان دوني، وزعم أنه رأى رؤية منامية مؤداها؛ أن السيد المسيح عليه السلام؛ أتى إليه في المنام، وأمره بأن يدعو إلى قيام حملة صليبية إلى بلاد الشام، ومعه خطاب قال: إن المسيح شخصيا أعطاه إياه لكي يوصله للملك.

وقد زعم ستيفين أن العناية الإلهية اختارته لقيادة حملة من الأطفال الأبرياء الذين سوف يستردون مدينة القدس بعد أن فشل الملوك والأمراء والبابا وغيرهم من الكبار في استعادتها بسبب ذنوبهم. واجتذب ستيفين عشرات الآلاف من الأطفال من باريس ومن غيرها من أقاليم فرنسا، وتصور أن البحر سينشق لكي يعبر هو ورفاقه إلى القدس، وتجمع حول المركب عدد من صغار القساوسة.

وسار موكب حملة الأطفال الصليبية حتى مرسيليا في انتظار أن ينشق البحر أمامهم في معجزة مثل تلك التي حدثت للنبي موسى عليه السلام، وهلك الكثيرون من مشقة الطريق، ولما وصلوا إلى البحر لم يجدوه قد انشق. ثم جاءت سفن لكي تنقل منهم عددا كبيرا إلى جهة مجهولة [1].

صليبية الأطفال من ألمانيا
ويلاحظ أن تلك الظاهرة الطارئة الجديدة، لم تكن خاصة بالصليبين الفرنسيين فقط، إذ يبدو أن أطفال ألمانيا أحسوا بالغيرة حين وصلت أنباء حملة ستيفين إلى حوض الراين، فخرجت من ألمانيا بعد أسابيع قليلة من رحيل ستيفين حملة أطفال أخرى بقيادة صبي اسمه نيقولا Nicholas من إحدى قرى إقليم الراين.

وتصور نيقولا Nicholas أن بإمكانه تحرير بيت المقدس، وجمع حوله الآلاف من الصبية، وانطلق الموكب العجيب من مدينة كولون وسلكوا طريقًا إلى إيطاليًا من خلال جبال الألب، وهناك انقسموا قسمين: أحدهما ركب السفن من ميناء بيزا، والقسم الآخر وصل إلى ميناء برنديزي.

وعلى أرض إيطاليا تخلفت أعداد كبيرة من أولئك الأطفال؛ بسبب الجوع والبرد أو الخوف من ركوب البحر. أما الذين سافروا بالفعل فإن أحدا لم يعرف أبدا ماذا جرى لهم على وجه اليقين، يبدو أنهم بيعوا في أسواق النخاسة في عدد من المدن الإسلامية [2].

وقفة مع حملة الأطفال الصليبية
إن حملة الأطفال تحتاج منا إلى وقفة، لأنها من أكثر الحملات الصليبية التي تعكس لنا روح ذلك العصر وطبيعته، ومن الجلي البيِّن أن الغرب الأوروبي في العصور الوسطى تعاظمت لديه الجوانب الغيبية وكذلك الرؤى والأحلام، وكل ذلك من خلال تديُّن عاطفي لا يعطي للعقل أي مساحة فيه إلا القليل النادر.

وهكذا أن آتون الحروب الصليبية يُزجَ فيه بأطفال صغار أبرياء، كانوا جزءًا من الهوس الديني الذي شمل الغرب الأوروبي حينذاك، ودفعوا حياتهم ثمنًا لكل ذلك، ويقرر البعض أن المستوى الفكري للناس في أوروبا العصور الوسطى حينذاك ساعد على الاعتقاد في صليبية الأطفال.

والجدير بالذكر: أن القيادات السياسية وكذلك الكنيسة؛ لم تستطع دفعًا لذلك التوجه من جانب الأطفال، إذ أن ستيفن هذا لم يتمكن الملك الفرنسي فيليب أغسطس من أثنائه عن عزمه، وتكرر ذات الأمر بالنسبة لنيقولا الذي لم يتمكن البابا أنوسنت الثالث من إبعاده عن تلك الحملة الصليبية، على نحو يكشف لنا عن حقيقة مهمة وهي، أن الهوس بالصليبية على مستوى الجماهير كان كبيرًا وأصاب ذلك الهوس حتى الأطفال البسطاء بذلك.

وقد صدقهم الرجال والنساء على الرغم من عدم معقولية تصوراتهم تلك، غير أن ذلك العصر، بأبنائه وتصوراتهم، لم يكن ليقبل التنازل عن ذلك النمط القاصر من التفكير، ويلاحظ أنه فيما بعد تردد لدى البعض في الغرب الأوروبي أن شيخ الجبل قد شجع اثنين من الأساقفة المنشقين على الكنيسة اللاتينية على أن يهيئوا للصليبيين المذكورين تلك الرؤية، ومن الواضح أن ذلك التصور جاء تبريرًا لتلك السقطة التي انجرف إليها المجتمع الأوروبي في ذلك العصر.

والأمر المؤكد؛ أن الصليبية حينذاك اغتالت براءة الطفولة بصورة غير مسبوقة، والحقيقة الأخرى أن قطاعات المجتمع الغرب أوروبي سواء الرجال والنساء والأطفال شاركوا في تلك الحركة التاريخية الكبرى، ذلك شأن الحملة الصليبية للأطفال.

غير أن الحركة الصليبية كان في جعبتها المزيد من سهام العدوان لتطلقها على المسلمين في الشام ومصر، ونرى أن القادة للحملات الصليبية استغلوا العاطفة الدينية المتوهجة عند العامة وشيوع الرؤى والأحلام ووظفوها لخدمة مشروعهم الصليبي [3].

الهوامش:
[1] Duncalf, “Clermont to Constantinople”.259.
قاسم عبده قاسم: ماهية الحروب الصليبية، ص123.
[2] قاسم عبده قاسم: الخلفية الأيديولوجية للحملات الصليبية، ص١٥٥ - ١٥٧. زابوروف: الصليبيون في الشرق، ص٥٤ - ٥٥. جوزيف نسيم: العرب والروم واللاتين، ص١٥٢ - ١٥٣.
[3] سعيد عبد الفتاح عاشور: الحركة الصليبية، 2/ 954. محمد مؤنس عوض: الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب، ص 280. علي الصلابي: الأيوبيون بعد صلاح الدين، ص154 - 155.
 
عودة
أعلى