كيف استطاع العميل الروسي الاحتيال على نابليون؟

AL RAGH

عضو
إنضم
24 أكتوبر 2014
المشاركات
17,678
التفاعل
69,339 0 0
كيف استطاع العميل الروسي الاحتيال على نابليون؟
9Chernyshov_Alexander.jpg


إن أي فيلم جاسوسي كأفلام جيمس بوند تلك الشخصية الخيالية البريطانية المعروفة، يجمع على الدوام جمهوراً كبيراً في قاعات السينما من عشاق قصص المغامرات.

لكن ومع ذلك كم هو مؤسف أنه لم يكن هناك من المخرجين الفنانين من قام بتصوير فيلم مغامرات عن شخصية "بوند الروسي"، والحديث يدور عن الكسندر تشيرنيشوف ذلك العميل الشجاع والمحظوظ. الذي حارب ضد "الأشرار"، وفاز بقلوب الحسناوات، واقتنص معلومات بالغة السرية من عقر دار العدو. كل هذا لم يكن محض خيال من أفلام الهوليود وإنما حقيقة دامغة وثّقها الأرشيف الروسي.

ولد الكسندر إيفانوفيتش تشيرنيشوف عام 1786، وقد كان والد بطلنا، الذي يعود إلى سلالة عائلة نبيلة، على علاقة مع شخصيات مرموقة آنذاك. ولهذا تمكن من استغلالها وتأمين لابنه خدمة ضمن حاشية الإمبراطور الكسندر الأول. وقتئذ لفت الشاب الذكي انتباه القيصر الروسي الذي قام بترقيته ليصبح ضابطاً في صفوف حرس الخيالة الملكي.

وفي عام 1805 اندلعت الحرب بين روسيا وفرنسا حيث قاتل تشيرنيشوف ببسالة واستحق نيل السيف الذهبي كوسام "للشجاعة" وأوسمة عسكرية أخرى. ومع انتهاء الحرب أوعز الكسندر الأول للضابط الشاب إيصال رسالة إلى باريس وتسليمها للإمبراطور الفرنسي نابليون، وبالفعل أدى الكسندر المهمة وسلّم الرسالة إلى بونابرت، وكان هذا هو اللقاء الأول. وأثناء ذلك بدأ نابليون يحلل أحداث الحملة العسكرية الأخيرة وتطرق إلى أخطاء الجنرالات الروس. ولكن فجأة بدأ تشيرنيشوف يعارض الإمبراطور بحماس، مما أذهل جميع الدبلوماسيين الحضور والحاشية، إذ أن ذلك كان انتهاكاً للأنظمة الدبلوماسية. وما كان على الإمبراطور الفرنسي إلاّ أن ابتسم، وبهذا يكون تشيرنيشوف، الذي كان واحداً من القلائل الذين تجرؤا على معارضة الإمبراطور الفرنسي، قد شغل مكانة في ذاكرة نابليون.

الكل كان يعلم بأن السلام ليس سوى فترة مؤقتة وإن المعركة الحاسمة بين فرنسا وروسيا مازالت قائمة. وفي أي نزاع تلعب المعلومات عن الخصم دوراً هاماً جداً. وشاءت الأقدار أن يتم تعيين الكسندر تشيرنيشوف في عام 1810 دبلوماسياً جديداً في السفارة الروسية في باريس. حينها سمح لنفسه العيش بترف وإنفاق المال الكثير وهذا بدوره ساعد في كسب العديد من الأصدقاء ذوي النفوذ وأصبح في أعين الجميع ذلك الشاب الوسيم آسر قلوب النساء. أياً كان الأمر فإن صورة الكسندر المستهتر أصبحت قناعاً لرجل استخبارات داهية. الأكثر من ذلك هو أنه كان قادراً على إجراء نقاش مع نابليون، إذ أن الأخير كان يبدي رغبة في التحدث مع الدبلوماسي الروسي أثناء حفلات الاستقبال التي كان يقيمها الإمبراطور الفرنسي، وفي أغلب الأحيان كان بونابرت يفشي بعض من أسراره. وقد تعززت علاقتهما أكثر بعد اندلاع حريق أثناء استقبال في السفارة النمساوية. وقتئذ كان تشيرنيشوف الشخص الوحيد من بين الحضور الذي حافظ على برودة أعصابه ورباطة جأشه، وتمكن من انقاذ حياة أخوات نابليون وهما كارولين ميورات وبولينا بورغيزيد. وأصبح البطل الروسي على لسان كل سكان المدينة، ولقب من قبلهم بقيصر باريس. لكن هذا القيصر واصل نشاطه الأساسي واستمر في إرسال المعلومات السرية إلى بطرسبورغ.

وتشير الوثائق السرية بأن العميل أسس شبكة من المخبرين في باريس، وأهم شخصيات هذه الشبكة كان المسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية الذي كان يقدم المعلومات للإمبراطور نابليون بونابرت حول أعمال جيشه في أوروبا. وهذه المعلومات السرية للغاية كان يحصل عليها شخصان فقط هما نابليون وتشيرنيشوف. كما كان أحد العملاء القيمين الملك تاليران وهو الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة نابليون سابقاً. وقد ذكر تشيرنيشوف أثناء مراسلاته السرية مع بطرسبورغ عن جاسوس شهير "آنا إيفانوفنا"، وعلى الرغم من أنها كانت تكلف الخزنة الروسية أموالاً باهظة إلا أن المعلومات التي كانت ترد من تاليران تستحق ذلك.

بطبيعة الحال ما كان لهذه المهنة الخطيرة التي تشبه إلى حد بعيد اللعب بالنار أن تستمر إلى الأبد، ففي شهر شباط/فبراير عام 1812 دخلت المخابرات الفرنسية شقة تشيرنيشوف وعثرت هناك على تقارير سرية، لكن الدبلوماسي الروسي كان قد أصبح بعيداً. وعلى أثر ذلك استدعت الخارجية الفرنسية السفير الروسي في باريس وأعربت عن أن جلالة الإمبراطور يشعر بخيبة أمل كبيرة بسبب سلوك النبيل تشيرنيشوف. ولا يسعنا هنا إلا أن نتخيل كيف أن نابليون تلك الشخصية الحماسية كان يعبر عن غضبه وخيبة أمله بالكلمات الرذيلة.

وبسبب الخدمات التي قدمها تشيرنيشوف تم منحه رتبة جنرال، والتحق من جديد إلى الجبهة بعد أن نشبت حرب جديدة مع الفرنسيين. وفي عام 1814 هزم نابليون، ووجد نفسه الجنرال تشيرنيشوف مع الجيوش الروسية المنتصرة مرة أخرى في باريس. في بداية الأمر أراد الكسندر الأول إرساله لمرافقة نابليون إلى المنفى في جزيرة إلبا، لكنه سرعان ما غير رأيه قائلاً: سيكون من الصعب على نابليون رؤية من كان يخدم معه عندما كان في أوج هيبته وعظمته. ونحن نقول يا لبراعة ذا الذي احتال بمهارة على الإمبراطور الفرنسي.

أصبح تشيرنيشوف وزيراً للدفاع وهو في السادس والأربعين من عمره، ولكن كما يقال ليس هناك عملاء مخابرات سابقين أو متقاعدين. ولهذا تابع الجنرال اهتمامه الخاص في إعداد عناصر الاستخبارات والعملاء للعمل في الخارج. توفي الكسندر تشيرنيشوف عام 1857، وفي شهر أيلول/سبتمبر من عام 2012 تم تشييد نصب للجنرال في ضواحي موسكو في مدينة ليتكارينو بالقرب من مزرعة تشيرنيشوف سابقاً. وبهذا تكون روسيا قد أثبتت بأنها لا تنسى من قدم حياته خدمة لها.

http://arabic.ruvr.ru/2014_09_06/276921993/
 
عودة
أعلى