علـــــــم المقذوفـــــــات الخارجــــــي (2)
لنفترض أن مقذوف أطلق في منطقة مفرغة وخاوية عند زاوية ارتفاع مقدارها 0 درجة ، وبسرعة فوهة مقدارها V م/ث .. وفق قانون نيوتن الأول Newton's First Law ، فإن الجسم يظل على حالته الحركية ، إما السكون التام أو التحرك في خط مستقيم بسرعة ثابتة ، ما لم تؤثر عليه قوة خارجية تغير من هذه الحالة . لذلك في غياب الجاذبية الأرضية أو قوى المقاومة الأخرى ، المقذوف سيستمر في اتجاهه الأولي ويبقي على سرعة فوهة muzzle velocity ثابتة . ولكن بالطبع هناك قوى خارجية وقوى الجذب الأرضي ، التي لها قوى سحب وجر لكتلة المقذوف نحو مركز الأرض بتعجيل مقداره G م/ث . قيمة G تتفاوت وتتغير بمسافتها عن الأرض ، لكن مع الأسلحة قصيرة المدى ، كبنادق الميدان الخفيفة ، هو يمكن أن يفترض أن حقل الجاذبية منتظم وموحد ، ويمكن أن يبلغ قيمة ثابتة مقدارها 9.81 م/ث .
يدرس علم المقذوفات الخارجي External Ballistics حال المقذوف عند تركه سبطانة السلاح ودور الغازات المنبثقة . وبشكل عام هناك عدد من العوامل التي تؤثر على مسار حركة المقذوف ، بعضها مرتبط بذات المقذوف ، والآخر يتعلق بالحقل المحيط الذي يطير المقذوف خلاله . العوامل المرتبطة بالمقذوف تشمل جزئيتين في الحقيقة ، سرعة الفوهة والمعامل البالستي للمقذوف ، وفي الوقت الذي تحدد به سرعة الفوهة المدى الأقصى (حسب زاوية الرمي المقدمة) وزمن طيران المقذوف لمسافة محددة ، فإن المعامل البالستي يقرر معدل التباطؤ في سرعة المقذوف ، حسب كتلته ، قطره ، شكل مقدمته ، معدل دورانه (في حال الحديث عن مقذوفات مطلقة من مدافع محلزنة التجويف) . أما بالنسبة للعوامل المرتبطة بالحقل المحيط ، فتشمل عناصر كثافة الهواء ، الحرارة ، الضغط واللزوجة . ولأن أحد الاعتبارات الرئيسة عند تصميم القذيفة يتمثل في دقة النيران ، لذا فإن بعض وسائل تأمين الاستقرار يجب أن تستخدم . الوسيلتين الأكثر شيوعاً هما الدوران المغزلي spin ، والاستقرار الزعنفي fin stabilization .
عندما يبدأ المقذوف مسيره بعد ترك فوهة السلاح ، فإن سرعته تتناقص بثبات بسبب مجموعة من قوى المقاومة ، يتصرف المقذوف وفق تأثيراتها ، مثل مقاومة جزيئات الهواء أو العائق الديناميكي الهوائي aerodynamic drag وكذلك الجاذبية والرياح ، بحيث يتفاوت تأثير هذه حسب نوع المقذوف وتصميمه . لذلك يحرص المصمم على تقليل تأثير المقاومة للحد الأدنى ، لأن انخفاض وانحدار سرعة المقذوف تزيد بالنتيجة من زمن طيرانه ، وتخفض احتمالية إصابة الأهداف المتحركة ، ويتضاعف الأمر عند مرور رياح عرضية شديدة cross-winds(مصطلح يشير لرياح تهب بشكل متعامد مع اتجاه مسار المقذوف مما يجعل طيرانه أكثر صعوبة مما لو كانت الرياح تهب بشكل موازي لاتجاه حركته). المقاومة الهوائية والإعاقة تنتج عن احتكاك المقذوف بجزيئات الهواء ، وهذه مرتبط لحد كبير بالمقطع العرضي للمقذوف وسرعته ، فالمقذوفات الأكبر حجماً والأسرع انتقالاً ، هي المقذوفات الأكثر مواجهتاً لقوى المقاومة والإعاقة . إن الهواء دبق ولزج sticky وجزيئاته تقاوم حركة الأجسام التي تمر خلالها ، ويمكن للتبسيط رؤية تأثير هذا الأمر على قطعة ورق تقذف من الأعلى ، هذه الورقة لن تهبط بشكل مستقيم للأسفل بل بشكل متعرج ، وستنزلق الورقة على الحواف أو إلى الجوانب خلال جزيئات الهواء . لذلك تؤثر مقاومة الهواء على طيران المقذوف في كلاً من جزئيتي المدى والاتجاه ، حيث يطلق على المقاومة الهوائية للمقذوف في الاتجاه المعاكس والمتعارض لحركة طيرانه الأمامية اسم "العائق" drag .
قوى الهبوط والانحدار للجاذبية الأرضية gravity drop تتسبب هي الأخرى في انخفاض سرعة المقذوف (الأمر مرتبط كثيراً بزيادة المدى) وتجعل مسار طيرانه أكثر تقوساً وانحداراً ، مما يؤدي لهبوطه ونزوله عن خط البصر ، نتيجة التسارع والتعجيل acceleration السفلي لكتلة المقذوف ، والأهم من ذلك إنقاص قابليات مقذوفات الطاقة الحركية تحديداً ، التي تعتمد علي سرعتها لتحقيق اختراقات نافذة للدروع ، بحيث تكون احتمالية إصابة الأهداف مرتبطة لحد كبير بدقة المعلومات الأخرى حول مدى الهدف والمعلومات البالستية ballistic parameters للبيئة الجوية المحيطة . ويقصد بذلك تأثير الحرارة ، والضغط الجوى ، والرطوبة ، التي ستحدد مستوى كثافة الهواء في البيئة المحيطة . إن زيادة في الضغط على سبيل المثال ستؤدي إلى زيادة في الكثافة . وكقاعدة عامة ، كلما زادت كثافة الهواء air density كلما زادت المقاومة والإعاقة . أما الرطوبة moisture ، فيمكن القول أن لبخار الماء كثافة تبلغ 0.8 غرام/لتر ، في حين يبلغ متوسط هذه في الهواء الجاف 1.225 غرام/لتر ، ولذلك فإن الرطوبة العالية في الحقيقة ، تنقص وتخفض كثافة الهواء ولا تزيدها ، وبناء عليه تنخفض المقاومة للمقذوف (يحدث هذا لأن الكتلة الجزيئية للماء التي تبلغ 18 جرام/مول أقل من الكتلة الجزيئية للهواء التي تبلغ نحو 29 جرام/مول) . كذلك الأمر بالنسبة للحرارة ، فعندما ترتفع درجة الحرارة ، تتباعد جزئيات الهواء عن بعضها البعض ، وتقل كثافة الجو وينخفض العائق ، وبالتالي تستطيع القذيفة اجتياز هذه الجزئيات بطاقة قليلة نسبياً وتصل لمسافات أبعد .. والعكس صحيح تماماً . مع ملاحظة أن هذه العلاقة لا تصح بينما يقترب المقذوف من سرعة الصوت . فالعائق هنا يتعلق بالعدد الماكي Mach (نسبة سرعة الجسم إلى سرعة الصوت في الوسط المحيط) وتتغير العلاقة فجأة على مقربة من1 ماك .
للرياح Wind تأثير فاعل لا يمكن تجاوزه ، أولها أنها تجعل المقذوف يحيد وينحرف deviate عن مساره . ومع ذلك ووفق منظور علمي واضح ، فإن الرياح التي تدفع باتجاه جانب المقذوف ، هي ليست من يسبب ما يطلق عليه اصطلاحاً بعملية "جرف الرياح" wind drift ، والتي تعني الإزاحة الجانبية لمقذوف عن مساره ، نتيجة رياح تهب بزاوية مستقيمة باتجاه الهدف . فمن يتسبب في هذه الحالة حقيقتاً هو المقاومة والإعاقة Drag التي تجعل المقذوف يميل ويتحول نحو الرياح ، مبقياً مركز ضغط الهواء على مقدمة أنف المقذوف . وتعتمد كمية الانجراف على زمن طيران المقذوف (تحدده هو الآخر المسافة الواجب قطعها للهدف ومتوسط سرعة المقذوف) وسرعة الرياح التي تتصرف وتؤثر على المقطع العرضي لجسم المقذوف .