المعجزة المفقودة لصناعة السيوف الروسية في القرون الوسطى
لطالما حظيت السيوف بمكانة خاصة في روسيا. كانت تعدّ رمزاً للقوة، وكان الروس يقسمون بها، حتى إنهم استخدموها كالعملة. وفوق كل هذا، كان السيف سلاحاً جباراً، وحرّص الصنّاع الروس في القرون الوسطى على الكمال في صناعتها، وكان منافسوهم في هذا الإتقان قلائل على مستوى العالم.
تزخر السجلات التاريخية الروسية بالإشارة إلى السيوف. فقد كان يتم دفن الأمراء مع نصالهم التي وثقوا بها. إضافة إلى قصة أمير كييف سفياتوسلاف المشهورة، عندما قام برمي سيفه في نهر دنيبير كي لا يحصل عليه الأعداء.
وكانت السيوف السلافية تُقدّر في جميع أنحاء العالم. فقد وضعتها السجلات العربية جنباً إلى جنب مع السيوف الفرنجية كأفضل السيوف المصنعة في أوروبا، وكان الشرقيون يعتقدون أن السيوف الروسية "معجزة"، وتمتلك قوى سحرية.
وكانت روسيا أول دولة في أوروبا، بعد إمبراطورية شارلمان في القرون الوسطى، قامت بإنتاج منتظم للسيوف، التي كانت تحمل علامة حدادة تميز النوعية، وقد بلغ طولها 40 إنشاً (100 سم)، وعرض نصلها 2-2.75 إنشا (5-7 سم)، وثخانتها 0.25 إنشا (6ملم).
لم يكن يتم في البداية شحذ الطرف، لأن الضربة القوية كانت كافية لتشطر أقوى الدروع. وبيعت السيوف بشكل إفرادي، حيث لم يكن الجنود كلهم يمتلكون المهارات الضرورية أو القوة الكافية للقتال بشكل فاعل بسيف ثقيل.
علاوة على ذلك، كان الناس الأكثر ثراء هم الذين يستطيعون حمل هذه السيوف بسبب تعقيدها وتكلفة صنعها من الفولاذ الدمشقي. بالنسبة لهم، كان السيف المناسب لهم يوازي قيمة حصان الحرب في تلك الأيام.
وبسبب المحتوى العالي من الكربون وعملية التشكيل والطرق الخاصة، كان سيف الفولاذ الدمشقي يمتلك سطحاً مذهلاً وقوة كبيرة. فقد كان يخترق الحديد من دون أن ينكسر حتى لو تشوّه بشدة. لكن بسبب فقدان الفولاذ ميزاته عند درجات الحرارة المنخفضة، لم يكن مناسباً للظروف المناخية في روسيا.
ولحلّ هذه المشكلة، قام الحدادون الروس بدمج قضبان الفولاذ ومن ثم طرقها. وعند تكرار ذلك عشرات مرات، كانت النتيجة تسفر عن سيف من الفولاذ الدمشقي لكن مع قوة إضافية ومرونة أكبر.
ومن ثم كانت شرائط طويلة من الحديد تُلحم بها لإنتاج شفرة حادة إلى النهاية. وعملياً إذا تآكل السطح، فإن هذه الشفرات الحادة لن تنكسر وستستعيد شكلها على الفور إذا تم شحذها.
وكان يتم الحكم على جودة النصل من خلال الأذن، فنقرة خفيفة عليها يجب أن تسبب رنة طويلة وواضحة. إضافة إلى تقطيعه شرائط من القماشات الرقيقة وهي في الهواء.
وفي شهادة على قوتها وشهرتها، أرسل أمير موسكوفي إلى خان القرم، الذي كان معروفاً بخبرته بالأسلحة في القرن الخامس، بزّة درع مصنوعة من الفولاذ الدمشقي.
وكان إنتاج السيوف ذات النوعية الجيدة يتطلب عملاً دقيقاً كعمل صائغ المجوهرات. حيث يستجيب الحديد والفولاذ بطرائق مختلفة عند درجات الحرارة المختلفة، مما يتطلب مهارة كبيرة من الحداد. وعلى الرغم من أنهم في القرن العاشر كانوا يعملون بالمطرقة والسندان فقط، إلا أن السيوف التي صنعوها تفوقت على السيوف التي كان يصنعها الآخرون.
وبعد قرون، ظلّ المؤرخون والعلماء يشككون بأن الحرفيين السلافيين يمتلكون هذه المهارات في صقل المعادن منذ بدايات القرون الوسطى. في القرن التاسع عشر، تم العثور على سيف مصنوع من الفولاذ الدمشقي في تل دفن قديم بكييف، ولأكثر من مائة عام اعتُقد أن أصله من الدول الاسكندنافية. لكن بعد تنظيفه، ظهرت علامة الحداد على نصل السيف لتكشف أخيراً أن الحداد ليودوتا صنعه في كييف.
مع مرور الوقت طرأت تعديلات على السيف الروسي، فأصبح أقصر وأخف وزناً، ولم يسُتخدم فقط كسلاح في المبارزات فحسب بل كسلاح طعن. ومنذ القرن الخامس عشر، استُبدل السيف العادي بالسيف المنحني، قبل أن يصبح سيفاً أثقل وزناً وأعرض نصلاً يستخدمه الخيالة.
استمر الصنّاع الروس في إنتاج الفولاذ الدمشقي حتى نهاية القرن السابع عشر. وتم الحفاظ على هذه التقنية في ورشة عمل تقع قرب نهر الفولغا والتي استمرت في صناعة سيوف قياصرة عائلة رومانوف الأوائل. وأخيراً، أدّى انتشار اختراع البارود إلى وضع نهاية لتطور صناعة السيوف.
وبقي سر الفولاذ الدمشقي في الماضي، تاركاً خلفه بضع نماذج وذاكرة وأسطورة عن هذه النصال الفريدة. حتى أن بعض الناس شككوا في مصداقية وجود هذه التقنية، إلى أن تم إعادة إنشائها بالقرن العشرين باستخدام الحواسيب والمخارط الحديثة.
لقد مضى وقت طويل على صناعة السيوف الروسية الرائعة. لكن اليوم لا يزال بعض خلفاء الحدادين القدماء يصنعون نماذج رائعة من السلاح الأبيض في مصانع الأسلحة بسان بطرسبورغ وزلاتوست وتولا.
http://m.arab.rbth.com/arts/2014/11/27/28611.htmlلطالما حظيت السيوف بمكانة خاصة في روسيا. كانت تعدّ رمزاً للقوة، وكان الروس يقسمون بها، حتى إنهم استخدموها كالعملة. وفوق كل هذا، كان السيف سلاحاً جباراً، وحرّص الصنّاع الروس في القرون الوسطى على الكمال في صناعتها، وكان منافسوهم في هذا الإتقان قلائل على مستوى العالم.
تزخر السجلات التاريخية الروسية بالإشارة إلى السيوف. فقد كان يتم دفن الأمراء مع نصالهم التي وثقوا بها. إضافة إلى قصة أمير كييف سفياتوسلاف المشهورة، عندما قام برمي سيفه في نهر دنيبير كي لا يحصل عليه الأعداء.
وكانت السيوف السلافية تُقدّر في جميع أنحاء العالم. فقد وضعتها السجلات العربية جنباً إلى جنب مع السيوف الفرنجية كأفضل السيوف المصنعة في أوروبا، وكان الشرقيون يعتقدون أن السيوف الروسية "معجزة"، وتمتلك قوى سحرية.
وكانت روسيا أول دولة في أوروبا، بعد إمبراطورية شارلمان في القرون الوسطى، قامت بإنتاج منتظم للسيوف، التي كانت تحمل علامة حدادة تميز النوعية، وقد بلغ طولها 40 إنشاً (100 سم)، وعرض نصلها 2-2.75 إنشا (5-7 سم)، وثخانتها 0.25 إنشا (6ملم).
لم يكن يتم في البداية شحذ الطرف، لأن الضربة القوية كانت كافية لتشطر أقوى الدروع. وبيعت السيوف بشكل إفرادي، حيث لم يكن الجنود كلهم يمتلكون المهارات الضرورية أو القوة الكافية للقتال بشكل فاعل بسيف ثقيل.
علاوة على ذلك، كان الناس الأكثر ثراء هم الذين يستطيعون حمل هذه السيوف بسبب تعقيدها وتكلفة صنعها من الفولاذ الدمشقي. بالنسبة لهم، كان السيف المناسب لهم يوازي قيمة حصان الحرب في تلك الأيام.
وبسبب المحتوى العالي من الكربون وعملية التشكيل والطرق الخاصة، كان سيف الفولاذ الدمشقي يمتلك سطحاً مذهلاً وقوة كبيرة. فقد كان يخترق الحديد من دون أن ينكسر حتى لو تشوّه بشدة. لكن بسبب فقدان الفولاذ ميزاته عند درجات الحرارة المنخفضة، لم يكن مناسباً للظروف المناخية في روسيا.
ولحلّ هذه المشكلة، قام الحدادون الروس بدمج قضبان الفولاذ ومن ثم طرقها. وعند تكرار ذلك عشرات مرات، كانت النتيجة تسفر عن سيف من الفولاذ الدمشقي لكن مع قوة إضافية ومرونة أكبر.
ومن ثم كانت شرائط طويلة من الحديد تُلحم بها لإنتاج شفرة حادة إلى النهاية. وعملياً إذا تآكل السطح، فإن هذه الشفرات الحادة لن تنكسر وستستعيد شكلها على الفور إذا تم شحذها.
وكان يتم الحكم على جودة النصل من خلال الأذن، فنقرة خفيفة عليها يجب أن تسبب رنة طويلة وواضحة. إضافة إلى تقطيعه شرائط من القماشات الرقيقة وهي في الهواء.
وفي شهادة على قوتها وشهرتها، أرسل أمير موسكوفي إلى خان القرم، الذي كان معروفاً بخبرته بالأسلحة في القرن الخامس، بزّة درع مصنوعة من الفولاذ الدمشقي.
وكان إنتاج السيوف ذات النوعية الجيدة يتطلب عملاً دقيقاً كعمل صائغ المجوهرات. حيث يستجيب الحديد والفولاذ بطرائق مختلفة عند درجات الحرارة المختلفة، مما يتطلب مهارة كبيرة من الحداد. وعلى الرغم من أنهم في القرن العاشر كانوا يعملون بالمطرقة والسندان فقط، إلا أن السيوف التي صنعوها تفوقت على السيوف التي كان يصنعها الآخرون.
وبعد قرون، ظلّ المؤرخون والعلماء يشككون بأن الحرفيين السلافيين يمتلكون هذه المهارات في صقل المعادن منذ بدايات القرون الوسطى. في القرن التاسع عشر، تم العثور على سيف مصنوع من الفولاذ الدمشقي في تل دفن قديم بكييف، ولأكثر من مائة عام اعتُقد أن أصله من الدول الاسكندنافية. لكن بعد تنظيفه، ظهرت علامة الحداد على نصل السيف لتكشف أخيراً أن الحداد ليودوتا صنعه في كييف.
مع مرور الوقت طرأت تعديلات على السيف الروسي، فأصبح أقصر وأخف وزناً، ولم يسُتخدم فقط كسلاح في المبارزات فحسب بل كسلاح طعن. ومنذ القرن الخامس عشر، استُبدل السيف العادي بالسيف المنحني، قبل أن يصبح سيفاً أثقل وزناً وأعرض نصلاً يستخدمه الخيالة.
استمر الصنّاع الروس في إنتاج الفولاذ الدمشقي حتى نهاية القرن السابع عشر. وتم الحفاظ على هذه التقنية في ورشة عمل تقع قرب نهر الفولغا والتي استمرت في صناعة سيوف قياصرة عائلة رومانوف الأوائل. وأخيراً، أدّى انتشار اختراع البارود إلى وضع نهاية لتطور صناعة السيوف.
وبقي سر الفولاذ الدمشقي في الماضي، تاركاً خلفه بضع نماذج وذاكرة وأسطورة عن هذه النصال الفريدة. حتى أن بعض الناس شككوا في مصداقية وجود هذه التقنية، إلى أن تم إعادة إنشائها بالقرن العشرين باستخدام الحواسيب والمخارط الحديثة.
لقد مضى وقت طويل على صناعة السيوف الروسية الرائعة. لكن اليوم لا يزال بعض خلفاء الحدادين القدماء يصنعون نماذج رائعة من السلاح الأبيض في مصانع الأسلحة بسان بطرسبورغ وزلاتوست وتولا.